بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رابعا – أصل الكون و المجموعة الشمسية :-
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=
أول نظرية جادة حاولت أن تفسر أصل المجموعة الشمسية هي نظرية كانت – لابلاس التي ظهرت قرب نهاية القرن الثامن عشر ، و هذه النظرية مسماة باسمي الفيلسوف الألماني عمانويل كانت ، و عالم الرياضيات الفرنسي سيمون لابلاس ، فقد وضع كل واحد من هذين العالمين الأوربيين النظرية نفسها على انفراد ، دون أن يتصل أحدهما بالآخر ، و قد تم وضع هذها لنظرية بناء على بعض المشاهدات الفلكية ، و تعتبر نظرية كانت – لابلاس أن المجموعة الشمسية تكونت نتيجة لتكثف كتلة غازية هائلة كروية الشكل ، و كانت هذه الكتلة في بدابية الأمر تدور حول نفسها ، و في نفس الوقت عملت قوى الجاذبية على انكماش المادة الغازية نحو مركزها ، و القوى الطاردة المركزية الناتجة من دوران الكتلة الغازية على تحويلها من كرة إلى قرص ، و بعد ذلك تحولت بعض الأجزاء الخارجية لهذا القرص إلى حلقات انفصلت عن المادة المتركزة في المركز و المكونة للشمس ، أما المادة المكونة من للحلقات من مادة الكتلة الغازية الأولية حول الكواكب ، و ذلك أدى إلى تكون الأقمار التي تدور حول بعض الكواكب .
بعد ذلك ، و في آواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين ، و ضع بعض العلماء نظريات لأصل المجموعة الشمسية تعتمد على افتراض أن الشمس تكونت أولا ، و أن الكواكب ظهرت نتيجة لـأثير جاذبية نجم أخر مر بالقرب من الشمس ، و أدى مرور هذا النجم من انفصال جزء من مادة الشمس الملتهبة لتكون الكواكب ، و من أبرز العلماء الذين قدموا مثل هذه النظريات الجيولوجي الأمريكي تشمبرلين ، و عالم الفلك مولتون ، و تعرف نظريتهما باسن نظرية تشامبرلين – مولتون ، و هناك أيضا عالمان بريطانيان و هما السير هارولد جيفري عالم الفلك المعروف ، و السير جسمي جينز عالم الفيزياء المعروف ، و ضعا نظرية شبيهة بنظرية تشامبرلين – مولتون ، و لكنهما يفترضان أن النجم الذي مر بجوار الشمس قد أدى إلى فصل شريط طويل ، و أن تكثف هذه الكتل أدى إلى تكون الكواكب . أما تشامبرلين و مولتون فكانا يعتقدان أن مادة الشمس انفصلت بسبب مرور النجم إلى عدة كتل منفصلة منذ البداية ، و أن تكثف هذه الكتل أدى إلى تكون الكواكب ، و النظريات التي تعتمد على مرور نجم بمقربة من الشمس لشرح أصل كواكب المجموعة الشمسية مبنية على دعوى وقوع حدث فريد أو نادر جدا في تاريخ الكون ، و هو مرور نجم بجوار نجم أخر بحيث أن جاذبيتهما تؤدي إلى فصل جزء من المادة المكونة لهما في الفراغ ،و هذا الحدث لا يمكن مشاهدة أي دليل عليه الآن .
أما النظريات الحديثة لأصل المجموعة الشمسية فهي مبنية على تطبيق نظرية الوتيرة الواحدة لهالتون على المشاهدات الفلكية ، و كلها تشبه كثيرا نظرية كانت – لابلاس ، و لكن تمتاز النظريات الحديثة عن نظرية كانت – لابلاس بأنها مبنية على معلومات و مشاهدات أكثر دقة مما كانت عليه البيانات التى كانت في متناول أيدي العالمين الأوربيين في أواخر القرن الثامن عشر ، و لذلك فهي تعطي تفاصيل أكثر من التفاصيل تعطيها النظرية القديمة .
و تختلف النظرية الحديثة عن نظرية كانت – لابلاس في أنها تتصور المجموعة الشمسية تكونت من سديم غازي و غباري ، و ليس من سديم غازي فقط . و بالإضافة إلى ذلك تعطي النظرية الحديثة تفاصيل أكثر عن طبيعة مادة السديم الغازي و الغباري ، فهي تفترض أن الأجزاء الصلبة ( أي الجسيمات الغبارية ) لهذا السديم كانت شبيهة في تركيبها الكيميائي و المعدني بتركيب النيازك الكندريتية التي تعد البقية التي تبقت من السديم بعد تكون الكواكب .
و يظن بعض العلماء أيضا أن الغبار السديمي الذي أدى إلى تكوين الكواكب كان حارا على مقربة من مركز السديم نتيجة لفعل الطاقة الشمسية التي بدأت في التدفق قبل تكون الكواكب ، و كانت المادة السديمية الحارة تتجمع لتكون كواكب ، ففي بداية الأمر تجمعت العناصر الثقيلة مثل النيكل و الحديد ، و هما يكونان مادة اللب في جميع الكواكب ، و بعد ذلك تجمعت المواد البريدوتية لوشاح الكواكب ، أما آخر المواد الصلبة تجمعت فهي السليكات المكونة للقشرة الأرضية ، و عندما برد السديم ، نتيجة لانخفاض ضغط الغازات المكونة له ، و التي اصبحت غير قادرة على حبس كمية كافية من الطاقة الشمسية الحرارية ، تكون الغلاف المائي أو الهوائي للكواكب الثقيلة ، أما الكواكب الخفيفة فلم تسمح جاذبيتها بتكون غلاف هوائي يذكر .
و قد قدم العلماء هذه النظرية لتكوين الكواكب لكي تلائم ما نعرفه من تركيبها الغلافي و على وجه الخصوص في حالة الأرض .
و يجب هنا أن نتأمل قليلا تأثير كل من فعل الجاذبية و فعل القوى الطاردة المركزية في تكوين المجموعة الشمسية ، فقوى الجاذبية تؤدي إلى تجمع المادة في قلب السديم ، و إلى تكوين الشمس ( النجم ) ، و في نفس الوقت تحدث الحرارة المنبعثة من الشمس أثناء تكوينها حركات عشوائية في مادة السديم المتبقية ، و تؤدي هذه الحركات ، و أيضا القوى الجاذبية الواقعة على مادة السديم ، إلى ظهور حركة دورانية حول مركز السديم ، و بذلك يصبح الجزء من المادة الذي اكتسب حركة دورانية حول الشمس قادرا على مقاومة قوى جاذبية هذا النجم ، و يصبح نواة لتكوين كوكب .
و يقدر العلماء أن الشمس و الكواكب قد تجمعت من السديم الأولي منذ حوالي 5000 مليون عام ، أما الكون ( أي النجوم و المجرات ) فيظن العلماء أنه تكون منذ حوالي 10000 أو 15000 مليون عام .
و تجزم المشاهدات الفلكية أن المجرات تتباعد بعضها عن بعض في سرعات فائقة ، و بأنها كلما تباعدت زادت سرعتها ، و قد انكشفت هذه الحقيقة من دراسة أطياف الضوء الواصل إلينا من هذه المجرات ، فالمعروف في الفيزياء أن ألوان الطيف لضوء ما تنزاح نحو اللون ذي الموجة القصيرة إذا كان هذا الضوء ينبعث من مصدر يقارب من المشاهد ، و أنها تنزاح نحو اللون ذي الموجات الطويلة إذا كان المصدر بعيدا عن المشاهد ، و كلما زادت سرعة المصدر الضوئي مقتربا أو مبتعدا زاد هذا الانزياح .
و قد ظهر من المشاهدات الفلكية أن أطياف المجرات جميعا تنزاح نحو اللون الأحمر ذي الموجة الطويلة ، أي أنها جميعا تبتعد عنا ، كما ظهر أيضا أن هذا الانزياح الأحمري Red Shift يشتد كلما زادت الأبعاد الفاصلة بينها . و بقياس شدة الانزياح الأحمري نستطيع معرفة سرعة كل مجرة .
و يقدر العلماء أن كل مادة الكون كانت قبل هذا الانفجار مركزة في بروتون ضخم تدور حوله سحابة من المادة الإلكترونية ، و كان في هذه المادة كميات هائلة من الطاقة الكامنة التي أدت إلى الانفجار العظيم و تحولت إلى سرعة وضوء و حرارة و أشعة كونية ، أي إلى مظاهر الطاقة كما نعرفها الآن .
و هنا يظهر لنا السؤال التالي : ماذا قبل الانفجار العظيم ؟ و الإجابة على هذا السؤال صعبة و غير ممكنة حتى الآن لعدم وجود أي مشاهدات أو أدلة يمكن أن تضيء الطريق للعلماء ، و يعتقد بعض المفكرين أن الكون يجب أن يتوقف انتشاره في وقت ما ، و من الجائز أنه سيبدأ حينئذ في الانكماش حتى تتجمع المادة مرة ثانية في حيز صغير كما كانت عليه قبل الانفجار العظيم ، و بعد ذلك تنفجر هذه المادة مرة ثانية و تعود إلى الانتشار ، فممن الجائز حسب رأي هؤلاء المفكرين أن الكون يتذبذب باستمرار ، إذ يمر بمراحل انكماش و انتشار متتالية ، و أن هذا الوضع أبدي . و لكن كما قلنا ، ليس لنظرية الكون النابض Pulsating Universe هذه أية أدلة ملموسة يمكن استنباطها من المشاهدات الفلكية أو العلمية التي توصل إليها العلماء حتى الآن .
و قد تنبأ العلماء بأن الانفجار العظيم يجب أن يعقبه انبعاث نوع خاص من موجات الراديو و من الأشعة الكونية ، و تعرف الأشعة الكونية التي تنبأ بها العلماء بتكونها أثناء الانفجار العظيم باسم أشعة درجات كلفن الثلاثة 3 Kelvin Radiation ، و قد تمكن العلماء بالفعل من العثور على هذه الأشعة في الكون ، و استطاعوا أيضا أن يلتقطوا موجات راديو يعتقدون أنها نشأت نتيجة للانفجار العظيم .
و بهذا تم بحمد الله موضوع الكرة الأرضية و الكون سائلا الله عز وجل أن تكون الفائدة المرجوة منه قد تحققت
'>