المقدمة
البترول في المعجم هو زيت للوقود والاستصباح، ينتج من تحلل كائنات عضوية، غالبا بحرية في باطن الأرض، ومن مشتقاته النفط ومعناه زيت الحجر، والنفط في لسان العرب لابن منظور، وفي مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي هو الدهن. وكلمة نفط قد تكون نبطية أو يونانية أو آكدية الأصل كما قد تكون عربية سامية، فالنبط هو ما يتحلب في البئر عند بداية حفره، والأنباط عاشوا في شمال شبه الجزيرة العربية، وعملوا بالزراعة وبرعوا في استخراج الماء من الأرض، وكانت عاصمتهم سلع "البتراء حاليا". وقد أخذ اليونان كلمة نفط من العرب، وسموها نفثا Naphtha، كما أطلق العرب على حقل البترول "النفاطة".
ومن ناحية أخرى عربت كلمة بترول من اللفظ الإنجليزي Petroleum، الذي يتكون من شطرين أولهما يوناني هو بترو Petro أو بترا Petra ويعني الصخر، والثاني لاتيني هوOleum ويعني الزيت، فيكون معنى هذه الكلمة زيت الصخر.
ترتبط آفاق التنمية الشاملة للدول العربية عامة، ودول الخليج العربية خاصة، ومشكلاتها، وأزماتها ارتباطاً وثيقاً بمعدلات إنتاج البترول وأسعاره، وسياسات تسويقه، وتأمين تدفقه ونقله إلى الدول المستهلكة. وفي الوقت الذي تتفهم فيه الدول العربية المصالح الحيوية للدول الصناعية في الشرق الأوسط؛ إلا أن هذه الدول لا تقيم وزناً، لمصالحها المباشرة، قبل كل شيء، فهي تسعى منذ أواخر السبعينيات إلى خفض أسعار البترول، وفرض معدلات إنتاجه بما يخدم تلك المصالح. لذلك يبدو ضروريا أن يمارس العرب من جديد دبلوماسية الطاقة المنسقة إستراتيجيا، مثلما فعلوا عام 1973م، حينما ضاعفوا أسعار تسويق البترول، في إطار الحفاظ على ثرواتهم الطبيعية، وتوظيفها لتنمية شعوبهم.
وتعتمد الاقتصاديات العربية على البترول والغاز إلى حد كبير، ويملك العرب 63% من احتياطيات العالم المؤكدة من البترول، وإن كانوا لا ينتجون حالياً سوى نحو 38% من الإنتاج العالمي منه، ما يؤكد ضرورة وضع إستراتيجية عربية منسقة، متتابعة المراحل؛ للحصول على نصيب عادل من سوق البترول الدولية، وبخاصة مع تزايد حاجة العالم للطاقة، بسبب تزايد معدلات النمو الاقتصادي والسكاني في دوله المتقدمة والنامية معاً، بل إن نسبة الزيادة في استهلاك الطاقة في الدول الصناعية تفوق كثيراً معدلات تزايدها السكاني.
ويمثل البترول والغاز، حالياً، نحو 60% من موارد الطاقة في العالم، وسترتفع هذه النسبة إلى 65% بنهاية عام 2010م، كما يتزايد الطلب العالمي للبترول حاليا بمعدل 1.8% سنويا، ما يتطلب المزيد من جهود الاستكشاف والتنقيب، لتنمية الاحتياطي العالمي المرجح من البترول، وهو ما يتطلب استثمارات كبرى؛ لتمويل المسح الجيولوجي الجيوفيزيائي والحفر، واستخدام أفضل طرق الإنتاج البترولي وتسهيلاته، وتحسين تقويم الاحتياطيات وإدارتها بمهارة.
ولا يزال حوض الترسيب العربي الكبير غنيا بمكامن بترولية لم تكتشف بعد، أو هي في سبيلها للاكتشاف، مثلما يزداد ترجيح وجود مكامن كبرى في المياه العميقة في البحر المتوسط، والساحل الشرقي للبحر الأحمر، إلى جانب الحقول البحرية في الخلجان العربية، وبخاصة الخليج العربي.
ومن الضروري مواكبة التطور المعاصر في تقنيات المسح الجيوفيزيائي، وتكنولوجيا الحفر، والإنتاج، وضبط معدلاته، وتنمية الحقول البترولية، والتخطيط المتكامل لنقل البترول وتصديره وتسويقه وتصنيعه، لا سيما مع التنوع العظيم في المنتجات البترولية، والاستخدام الواسع لها في شتى مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات؛ ما يجعل البترول أداة كبرى للرخاء العربي.
ولم يعد منطقيا ألا تستخدم الصناعات البتروكيماوية والكيميائية في الدول العربية سوى 10% فقط من إنتاجها من البترول الخام، وألا تمتلك عدة دول عربية أية مشروعات لتسييل الغاز الطبيعي أو الغازات البترولية، وتكتفي بحرقها، في الوقت الذي تستغل فيه دول أوروبا واليابان هذه الغازات صناعيا بنسبة تقترب من 99%، ولا يكلفها تصنيع المتر المكعب من الغاز أكثر من 10% من سعر بيعه في السوق العالمية.
ويفرض ذلك كله نقل تكنولوجيا التنقيب عن البترول إلى الوطن العربي وتوطينها، لتقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية في المسح الجيولوجي الجيوفيزيائي، وتطوير الخبرات العربية في مجالات تسجيل الآبار وتنمية الحقول البترولية، ثم تصنيع البترول وجعله هدفاً إستراتيجياً يسبق تصدير الخامات البترولية، وأصبح ضروريا مضاعفة طاقات التكرير في الدول العربية، ورفع قدرات إنتاج البتروكيماويات الدول العربية المنتجة للبترول كافة، بما يضاعف المكون البترولي في الناتج المحلي الإجمالي، ويواكب التطور المعاصر في إنتاج الطاقة.
الفصل الأول
البترول مصدراً للطاقة
**اكتشاف البترول
يسمى البترول ومشتقاته بالهيدروكربونات Hydrocarbons، وهذا المصطلح الكيميائي يدل على مختلف المركبات البترولية في جميع حالاتها، غازية أو سائلة أو صلبة، فيقال إن البترول سائل هيدروكربوني. وقد تعرف الإنسان البترول منذ ما يزيد عن خمسة آلاف سنة، وكانت البداية بالغاز الطبيعي، وأبخرة البترول التي تسربت خلال الشقوق الأرضية، من حقول البترول القريبة من سطح الأرض، وأشعلتها الصواعق في أثناء العواصف والبرق، فصنعت أعمدة النار التي لا تنطفئ في فارس القديمة، والتي قدسها المجوس بعد أن انبهروا بإشعاعها الحراري دون أبخرة سوداء، كالتي تصاحب اشتعال المواد الصلبة، وأسموها النار المقدسة.
عرف الناس أيضاً منذ زمن بعيد الأسفلت أو البتيومين، في صورة برك ضحلة، أو رشح ذي رائحة اكتشفها قدماء المصريين في وادي النيل، والبابليون في أرض الرافدين "دجلة والفرات" والآشوريون في سورية.
يتكون البترول في باطن الأرض على أعماق مختلفة من سطحها، ويتحرك خلال الصخور الرسوبية المسامية إلى أن يواجه بطبقات صماء، فيتجمع في المصائد البترولية Petroleum Traps. وتؤدي الزلازل والهزات والتحركات المستمرة للقشرة الأرضية إلى صدوع وشقوق أرضية، يتسرب من خلالها البترول إلى سطح الأرض، وتتصاعد أبخرته، وتتبقى مادة البتيومين اللزجة السوداء، برائحتها الكبريتية المميزة، وقدرتها على الطفو على سطح الماء دون أن تمتزج به.
وقد استخدم البتيومين في العصور القديمة مادة لاصقة للأحجار والأخشاب في عمليات البناء، ومادة عازلة للرطوبة وللماء على أسطح الأبنية، ولطلاء القوارب والمراسي النهرية والبحرية، وعزل قنوات الري. ولقد كان سكان الشرق الأدنى أول من استخدم النفط والبتيومين أو القار لأغراض متعددة، سواء في الطب، أو الوقاية الصحية، أو العلاج البيطري، ومصدراً للطاقة في التدفئة والإضاءة، أو في القتال باستخدام السهام النارية.
استعمل قدماء المصريين البتيومين والأنسجة المقطرنة، وبعض المواد الراتنجية الطبيعية في التحنيط، كما استخدم الآشوريون الأسفلت في الطب البدائي؛ لمعالجة الجرب في الإنسان والحيوان. وعندما اكتشفت قابلية الأسفلت للاشتعال، استخدم مصدراً للتدفئة، وفي مشاعل الإضاءة، وطهي الطعام، وفي تطهير البيوت والشوارع، بل وفي إطلاق الكرات الملتهبة الحارقة في ميدان القتال.
واستخدم الأسفلت في العصور الوسطى، في طلاء السفن الشراعية، والبخارية الخشبية. ولكن الاهتمام العلمي والجيولوجي بالبحث عن مكان البترول تأخر إلى العصر الحديث، واستند إلى تراث علماء المسلمين، الذين كانوا أول من تولى تقطير النفط كيميائياً، والحصول على بعض مشتقاته التي تستخدم وقوداً، ومن بين هؤلاء نذكر محمد بن زكريا الرازي، وإخوان الصفا.
ولقد اكتشف أول بئر للبترول في الولايات المتحدة عام 1806م في أثناء البحث عن الماء، ثم عرف الأمريكيون أن الزيت الناتج قابل للاشتعال، وللاستخدام في الطاقة، وحفرت أول بئر لاستخراج زيت البترول في مدينة "تيتوسفيل Titusville " بولاية بنسلفانيا Pennsylvania في الولايات المتحدة، وزاد الإنتاج الأمريكي من البترول بمعدل بطيء حتى بلغ عام 1860م نحو ألفي برميل/ يوم.
والبترول مصدر غير متجدد للطاقة، تكون منذ ملايين السنين تحت سطح الأرض أو البحر، ويوجد في طبقات الصخور الرسوبية المسامية التي تكونت في بيئة بحرية، أو قريبة من البحار أو المحيطات، والتي يتراوح عمرها التكويني بين حقبة الحياة العتيقة Paleozoic وبين الحقبة الحديثة Cenozoic، وذلك على هيئة حبيبات دقيقة في هذه الصخور الرسوبية.
تكون البترول إذاً في أزمنة جيولوجية مختلفة، وتحرك خلال الطبقات الأرضية، وتجمع في تراكيب جيولوجية خاصة، احتوته وحدّت من ترحاله، وتسمى مصائد البترول.
ويصحب وجود الزيت في أغلب الأحيان بعض الغازات الهيدروكربونية مثل الميثان، والبروبان، والبيوتان التي تكون طبقة عليا فوق سطح زيت البترول في المكمن أو المصيدة، إلى جانب بعض المياه المالحة التي تشكل طبقة سفلية في المكامن.
وقد تكون الغازات حرة طليقة في المكامن بمفردها، أو تكون في أعلى الزيت في المصائد مصاحبة له، كما قد تكون ممتزجة به تحت تأثير الضغوط التي تتعرض لها في المصيدة البترولية، وتنفصل عن الزيت إذا انخفض الضغط سواء في المصيدة أو عند الإنتاج. أما المكثفات فهي هيدروكربونات خفيفة توجد في مصيدة البترول في الصورة الغازية، ولكنها تتكثف عندما تصل إلى سطح الأرض، وتتعرض للضغط الجوي، ومنها البنتان، والأوكتان، والهكسان.