Advanced Search

المحرر موضوع: الموت التراجيدي للنجوم الكونية  (زيارة 570 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

ديسمبر 30, 2003, 10:49:12 مساءاً
زيارة 570 مرات

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
الموت التراجيدي للنجوم الكونية
« في: ديسمبر 30, 2003, 10:49:12 مساءاً »
فكرة جيدة أن تمشي مع من تحب تحت سماء صافية في ليلة باردة تزينها النجوم البراقة , يتلألأ ببريقها الأخاذ الذي يخطف الأبصار. تقف لحظة وتحدق عالياً… وتنظر إلى ترتيب غاية في الجمال , غاية في الإبداع , وغاية في الإتقان. أنجزه رب الكون العظيم كزينة إلهية لا مثيل لها . للناظر أول مرة إلى سماء الليل يتبادر له أن هذا التنسيق عشوائي المنشأ .. إلا أن نظرة المتأمل ستكون أكثر إمعاناً وإعجاباً باللوحة المعلقة في السماء… ذات الظهور الأبدي والتكرار المنتظم خلال عمر الإنسان القصير...




إلا أن كلمة أبدي هنا كصيغة مبالغة للعمر المديد الخاص بالنجم بالمقارنة مع أي شيء له أجل , كعمر الإنسان الذي قد يمتد كحد أقصى إلى قرابة المائة وبضع عشرات من السنين , إذ أن هذا الكون بحد ذاته ليس أزلي وله نهاية حتمية لا مفر منها . فالبداية رديفة النهاية , فلا نهاية إلا ببداية محتومة المصير , ولا بداية إلا بنهاية يقررها رب هذا الكون العظيم.

والحياة مراحل عدة … أحلاها المرحلة الفتية المتمثلة بقوة الشباب وعنفوانه , وأقساها على الإطلاق لحظة الاحتضار وإخراج الروح إيذاناً بنهاية قررها رب هذا العالم الكبير .فكما للكائن الحي مراحل حياتية عدة يمر بها من البداية حتى النهاية … كذلك للنجوم التي سحرت أعين من تأملها بصدق … نهاية وبداية . لكن سوف لن أجرؤ ولو على سبيل الجدال أن أقرن مراحل نمو الإنسان بمراحل نمو واندثار النجوم . لماذا ؟!
لأن العمر الجيولوجي للبشرية ككل منذ ظهورها على وجه الأرض حتى الآن لا تساوي جزء بسيط من مرحلة الطفولة التي مرت بها نجمتنا الصفراء … الشمس . ربما إدراك أعمار النجوم التي تحيط بنا أصعب من أن يصدق . لكن من جهة أخرى أتوقع لعظم الكتلة النجمية سبباً وجيهاً لمثل هذا العمر المديد والذي قد يتجاوز كحد أدنى في بعض النجوم غير المستقرة ما يقارب مائة مليون سنة.

في عام 1054 م وبالتحديد في فجر الرابع من يوليو من ذلك العام " طبقاً لبعض الحسابات " إذ شوهد نجم ساطع بعد منتصف الليل وقد كان موقعه في برج الثور بعيداً إلى الشمال من خط الاستواء في دائرة البروج. لقد كان توهج النجم الجديد عظيماً لدرجة أنه أمكن رؤيته عند الظهيرة لمدة ثلاث أسابيع قبل أن يخفت تدريجياً ويتوارى من جديد . لقد فاق لمعان هذا النجم طوال تلك الأسابيع ثلاثة أمثال لمعان كوكب الزهرة عند الأوج . لدرجة أنه كان قادراً على تكوين الظلال أثناء ليلة غير مقمرة . يعتقد أن الصينيين هم أول من دونوا ذلك في مخططاتهم ووصفوه بالنجم الضيف إذ أنه لم يستمر مرئياً بالعين المجردة إلا مدة عامين ثم اختفى .

إذاً هل كان بمقدور قدماء الصين في ذلك الوقت تفسير وتحليل ملابسات ولادة واندثار نجم بهذه السرعة الكبيرة … ؟! بمعنى هل يعقل أن يكون هذا النجم قصير الأمد والأجل لهذا الحد …؟! وقبل كل شيء , هل أمكن لعلماء الصين في ذلك العصر وضع تعريف واف للنجم …؟؟ و محتواه الحقيقي … ؟!!

إذاً لنشارك الصينيين هذا السؤال: ما هو النجم … ؟!
النجم كتلة نارية ملتهبة معلقة بقدر الله في الفضاء ، وتتكون بشكل أساسي من عنصر الهيدروجين والهليوم. يكون الهيدروجين المسؤول الأول عن نشاط النجم وفعاليته الحقيقية إذ يعمل على تأمين الضغط الحراري اللازم لبدء سلسلة التفاعلات النووية الاندماجية والمسؤولة عن حياة النجم ككل . يحافظ على بقاء النجم ككتلة هندسية متماسكة قوتان أساسيتان :

الأولى : القوة الانفجارية والتي تنشأ من انفجار نووي واحد ، وهذه القوة تسببها القوة النووية الشديدة الكامنة في ذرات الهيدروجين النشط إثر التفاعل النووي الاندماجي . تعمل هذه القوة على تفتيت النجم ونثر مادته نحو الخارج. لكن تعاكس هذه القوة بالاتجاه … قوة الجاذبية النابعة من كتلة النجم الهائلة , حيث تعمل بدورها على تجميع النجم في نقطة هندسية واحدة في الفضاء وبالتالي يبقى معدل حجم وشكل النجم ثابتين طالما بقيت هاتين القوتين متساويتين , ما لم يطرأ تغيير على إحداهما يخل بما هو في مصلحة بقاء النجم.

يعتبر النجم فتياً بقياس ما بداخله من هيدروجين , فالنجوم الوليدة تكون غنية بعنصر الهيدروجين المتحفز لإشعال مرجل النجم ورفع حرارته . لكن من جهة أخرى لا يشترط طول أجل النجم في وفرة الهيدروجين في بعض النجوم .
البداية:
تنشأ النجوم في الغالب داخل حاضنة كونية غنية بأكسير حياة النجوم … الهيدروجين الكوني الذي يكون غزيراً جداً في أعماق الحاضنة . يسمي العلماء هذه الحاضنة بالسديم Nebula وهي سحابة من عنصر الهيدروجين بشكل رئيسي تمتد في الفضاء لمسافات قد تصل في بعض الأحيان إلى عشرات السنين الضوئية مثل السديم المشهور في كوكبة الجبار Orion , M42 والذي يبعد عنا 1500 سنة ضوئية وتمتد هذا السديم لمسافة 27 سنة ضوئية.
 

يبدأ النجم بالتكون داخل هذا السديم عندما تلوح فرصة إرتصاص كتلة من الهيدروجين وتأخذ بالتجمع والانضغاط حتى تبدأ الطاقة الإشعاعية بالعمل على تسخين القلب إلى الحد المسموح لبدء سلسلة التفاعلات النووية والتي ستكون مسؤولة عن روح النجم فيما بعد . وتستمر هذه السلسلة حتى نفاذ كامل الوقود النووي للنجم . يصل الضغط في الباطن إلى أكثر من مليون طن على السنتيمتر المربع , بل أكثر بكثير في بعض النجوم العملاقة . مثل هذه الضغوط الهائلة واجبة لتوفير الراحة لمجمل التفاعلات اللازمة لحياة النجم حتى تسير بشكل متوازن.
 

هنالك نوعان من التفاعلات النووية الاندماجية التي تحدث في باطن النجم حيث كشف عنهما الفيزيائي هانس بيث Hans Bethe ونال جائزة نوبل على ذلك. فالتفاعل الأول من النمط : (بروتون - بروتون ) أي اندماج بين البروتونات فقط . في هذه التفاعلات تتركب اندماجياً ثلاث بروتونات لتخليق نواة هليوم مع إصدار طاقة على شكل ضوء ونوترينوات n . لكن كيف يبدأ هذا التفاعل؟! تكون الحرارة داخل النجم كافية لتقود ذرتي هيدروجين أو بروتونين للاقتراب من بعضهما البعض لدرجة تسمح فيه الحرارة الهائلة للوسط المحيط بهذين البروتونين بالاندماج متغلبة بذلك على القوى النووية الشديدة التي لا تسمح لاقتراب أي جسم كان من نواة الذرة . بهذا الاندماج المحقق يتحرر من أحد البروتونين نيوترينو أولي و إلكترون معكوس الشحنة السالبة " أي بوزيترون موجب e+ " إضـافة إلى نيوترون متعادل الشحنة . ويبقى البروتـون الآخـر ملتصقاً بالنيوترون ليكـون معـه نواة نظير الهيدروجين الثاني أو الديتريـوم. 2D تتحرر من هذه العملية طاقة كبيرة تحفز تفاعل آخر للقيام بدور مماثل , كما يتحرر جزء كبير من هذه الطاقة على شكل طاقة ضوئية عظيمة. يصطدم بروتون آخر إثر استمرار التفاعل المتسلسل بنواة الديتريوم فيكون معه بعد الاندماج نظير نواة هليوم 3He عند ذلك يصبح من الممكن اندماج أنويه أكبر , فيواتي لنواتي نظير الهليوم 3 الفرصة للاندماج معاً مجدداً لتكوين نواة هليوم He 4 , وينطلق بروتونان كناتج بحثاً عن هدف لهما.

التدفق المتسلسل لتلك التفاعلات مشروط بوجود وسط حراري يجب إن لا يقل عن 15 مليون درجة مئوية في باطن النجم وذلك للأهمية القصوى التي تسمح للتغلب على الحاجز الطاقي المحيط بالنواة , وهذا الحاجز لا يمكن اختراقه إلا برفع حرارة المرجل إلى ملايين الدرجات . يختزن الهليوم الناتج أخيراً في باطن النجم كرماد للاحتراق النووي السابق.





أما النمط الثاني : (تفاعل دورة الكربون ) هذه التفاعلات تحدث عادة في العمق السحيق للنجم حيث تندمج ذرتي هليوم مع إصدار طاقة لتكوين البيريليوم Be , فالكربون C , فالأكسجين O وهكذا وصولاً للحديد Fe كآخر ناتج نووي على الإطلاق داخل النواة النجمية في العمق منه , حيث لا تفاعل اندماجي بعد ذلك بين نوات الحديد. طبعاً يحقق هذه التفاعلات علاقة الطاقة النسبية والتي صاغها ألبرت أينشتاين والمتمثلة بالعلاقة التالية E= m C2. فالخسارة الحاصلة في الكتلة أثناء التفاعل النووي كما هو معروف تتحول تلقائياً إلى طاقة كناتج لهذا التفاعل المتسلسل.

  

وعلى أقل تقدير نجد أنه في كل ثانية يدخل 570 مليون طن من الهيدروجين هذه التفاعلات وفي كل ثانية يتحول ما يعادل 4 ملايين من المادة إلى طاقة , أي ما يعادل 4000 مليار مرة طاقة القنبلة التي دمرت مدينة هيروشيما . وعليه فإن سمشنا مثلاً تخسر كل ثانية ما يعادل 4 ملايين طن من المادة على شكل طاقة.

إذا متى سوف تنتهي شمسنا … ؟!