دعونا نبدا من حيث انتهاء العام 2005 ، الذي كان ملىء باالكوراث الغير مالوفة ، فا بسبب الكوارث الطبيعية قتل 300 الف شخص واضرار بـ 100 مليار دولار في سلسلة تسونامي وزلازل واعاصير وفيضانات.
ولكن ماهو السبب الحقيقي وراء تلك الاعاصير والزلازل هل هي نتيجة سوء الحظ او القدر او قوى الطبيعة الخارقة.
ان الكوارث الاستثنائية التي وقعت خلال الاشهر 12 الماضية تطرح اسئلة اكثر تعقيدا من ذلك بكثير، احدها يدور حول ما اذا كان يمكن القاء اللوم على البشر في ما هو حاصل.
ويرى العديد من العلماء، ان سلسلة الكوارث التي شهدها هذا العام هي من صنع الانسان الى حد كبير.من مصب الميسيسيبي الى جبال كشمير الى شواطئ بحر اندمان، فشلت الحكومات في احترام القواعد الاساسية للتنمية المستدامة.
ويمكن ايجاز هذه القواعد بالآتي:
عدم السماح للناس بالاقامة في اماكن معرضة للكوارث، ولكن اذا حصل ذلك، فلا بد من الالتزام بأسس الوقاية الطبيعية، اي التحكم بالنمو السكاني، والبناء بحكمة مع الالتزام بمعايير امان مشددة، ووضع شبكات انذار فاعلة تعمل تلقائيا لدى حصول كارثة.
في الثامن من اكتوبر، ابرز الزلزال الذي ضرب اقليم كشمير وادى الى مقتل 73 الف شخص في باكستان و1400 في الهند، الطابع الرديء والهش للمساكن والمدارس التي تحولت الى ادوات قاتلة، بالاضافة الى ثغرات في نظام تقديم المساعدات الطارئة في منطقة تقع على خط الزلازل.
ووصف تقرير جيولوجي عن باكستان المأساة بانها "بمثابة نداء لاخراجنا من السبات".
وجاء فيه انه "لا يتم الالتزام بقوانين البناء او يتم انتهاكها".واضاف "يخشى في حال استمر التوسع العمراني خلافا للانظمة وباعتماد معايير متدنية في المدن، ان تنهار نصف الابنية المشيدة حديثا خلال عشرين الى ثلاثين عاما عند اول زلزال صغير يضرب المنطقة".
وقد كان حجم قتلى الزلزال ثم التسونامي الذي اجتاح شواطئ جنوب آسيا في 26 ديسمبر 2004 وقتل 220 الف شخص على الاقل اقوى بسبب النمو السريع للقرى والمدن والمجمعات السياحية على شواطئ المحيط الهندي خلال العقد الاخير.
وظهر ذلك خصوصا في تايلاند حيث بنيت مجمعات الفنادق بجانب البحر، ما جعلها في مواجهة الامواج العملاقة تماما، في وقت تم القضاء على نباتات المنغروف والصخور المرجانية على الشاطئ التي كان من شانها ان تخفف من وقع الكارثة.
وقالت مجموعة "وورد ووتش اينستيتيوت" البيئية التي تتخذ من واشنطن مقرا ان "سياسات التنمية الاقتصادية والبيئية المدمرة جعلت مجتمعات عديدة اكثر عرضة لاضرار الكوارث مما تعتقد".
ولعل ابلغ مثال على ذلك الامطار الموسمية التي ضربت مومباي في اغسطس وحولت المدينة التي يقطنها 15 مليون شخص الى ما يمكن تسميته "بندقية الشرق" بعد ان غرقت الشوارع بالمياه وقتل فيها اكثر من 400 شخص.
والقى الخبراء باللوم على شبكات الصرف الصحي المهترئة التي تعود الى عهد الانتداب البريطاني والى النمو السكاني الضخم والى القضاء على كل المساحات الخضراء واقنية الانهار الصغيرة التي كانت تجتذب مياه الامطار ثم تخرجها الى البحر.
ويقول المخطط المدني شاندراشيكار برابهو ان "قصر النظر في ما يتعلق بالتنمية وسوء استخدام المساحات الخضراء قتلت المدينة".
ومثل هذه الحماقات لا تقتصر على الدول النامية. في 29 اغسطس، ضرب اعصار كاترينا مدينة نيو اورلينز الساحلية المبنية تحت خط المد البحري، وقد دمر المستثمرون مستنقعاتها التي كان يمكن ان تشكل حاجزا مفيدا في مواجهة العاصفة.
وخلف اعصار كاترينا الاف القتلى في الولايات المتحدة واضرارا تقدر بما بين ثمانين الى 200 مليار دولار.وسجل رقم قياسي في عدد الاعاصير في موسم العواصف الاستوائية هذه السنة، اذ بلغ عدد هذه العواصف 26 بينها 14 اعصارا. كما سجلت رقما قياسيا في قوتها ومدتها، اذ بلغت قوة ثلاثة منها خمس درجات على مقياس سافير سمبسون وهي القوة القصوى.
لقد كانت التسونامي والزلازل احداثا طبيعية اتسع حجم تاثيرها نتيجة اخطاء بشرية. من هنا يطرح السؤال الكبير عما اذا كانت كاترينا واخواتها من صنع الانسان.
ويرفض علماء المناخ حصر حدث طبيعي بالاحتباس الحراري وحده.ورغم ذلك، يزداد عدد الخبراء الذين يؤكدون ان موسم اعاصير 2005 لم يكن مجرد حادث لا سيما انه صادف مع ارتفاع في حرارة مياه البحر لا سابق له وفي سنة سجلت فيها اعلى درجات في حرارة الطقس.
الا ان آخرين يقولون ان سنوات ستمر قبل التأكد مما اذا كان مجرد صدفة وقوع كل هذه العواصف في 2005 كجزء من دورة طبيعية، او بداية ظاهرة من صنع الانسان.
وفي تقرير صدر حديثا قال باحثون بريطانيون ان ارتفاع حرارة الارض يمكن ان يؤدي الى انخفاض منسوب المياه في الانهار في المناطق المحيطة بالبحر المتوسط والأمازون ووسط الولايات المتحدة مما يمكن ان يضر بالزراعة والمدن في هذه المناطق.
واكد الباحثون في تقرير لمركز هادلي انه اذا استمرت انبعاثات الغاز المسببة للدفيئة بالوتيرة الحالية فان ذلك سيكون له تأثير كبير على الانهار في عدد كبير من مناطق العالم قبل نهاية القرن الحادي والعشرين.
وقدم المركز وهو فرع من مكتب الارصاد الجوية البريطاني دراسته على هامش مؤتمر الامم المتحدة حول التغيرات المناخية في مونتريال.
وقال الباحثون البريطانيون "يمكن ان نشهد انخفاضا كبيرا في مياه الانهار في قسم كبير من اميركا اللاتينية بينما ستفيض المياه في غرب افريقيا وشمال الصين".
واوضحت فيكي بوب التي شاركت في اعداد التقرير ان "ذلك سيكون له تأثير خطير على المزارعين والمدن التي تعتمد على هذه الانهار للري والنقل وحتى تأمين مياه الشرب".
الا انها اكدت ان اعمالا اضافية ضرورية لقياس تأثير هذه الظاهرة بدقة.وتعتمد هذه الاعمال على نموذج معلوماتي جديد وحسابات كمبيوتر قادر على القيام بمليوني عملية في الثانية ويأخذ في الاعتبار عددا لا متناه من الاحتمالات وخصوصا الرياح والامطار والحرارة.
وقال العلماء انه اذا استمر العالم على وتيرته الحالية، فان انبعاثات الغاز ستستمر في الصعود وتسبب ارتفاع الحرارة بمقدار 4،3 درجات مئوية في نهاية القرن. وهذا التطور سيؤدي الى انخفاض منسوب المياه في بعض المناطق وارتفاعه في مناطق اخرى