السلام عليكم
موضوع شائك ومعقد وهو من القضايا الصعبة التي يمر بها الطبيب والممرض والمريض بحد سواء..
قضية اعلام المريض بوضع سئ breaking bad news قضية لها تشعبات كثيرة وهي قابلة للأخذ والرد وكل يدلي بدلوه وما يراه هذا مناسبا يراه الاخر غير ذلك ويبقى اخيرا متعلقا باختلاف القدرات والشخصيات والظروف والمعرفة..
لكن بداية مالذي نعنيه بهذه الظروف الصعبة التي يمر بها كلا الاطراف؟؟
وكيف يمكننا تقييم ما اذا كان هذا الوضع سيئا ام لا؟؟
من تلك الامور هي اعلام المريض بان لديه مرض خطير..مرض مزمن .. مرض يزداد تفاقما مع مرور الوقت..لديه اعاقة (جسمية او عقلية).. مرضه ليس له دواء وهو يقترب من الموت.. وغيرها من الامور حتى بعض القضايا التي قد نراها سهلة كعدم تواجد الدواء في الوقت الحالي والغاء العملية المقررة وضياع ملفات المريض وتقاريره وغيرها..
المهم حتى لا أخرج خارج نطاق الموضوع الذي طرحته الاخت عاشقة الاقصى علينا بداية ان نعلم ان هناك تفاوت بين بني البشر وما اراه انا مزعجا بل وطامة كبرى قد يراه الاخرون غير ذلك ويبقى ذلك حكما شخصيا متعلقا بنظرة الفرد بمنظوره الخاص وتقييمه للأمور..
بداية يجب ان نعلم لماذا اعلام المريض بخبر سئ يعتبر امرا صعبا للطبيب والممرض وكيف تنشأ هذه الصعوبة؟؟
قد يشعر الطبيب بالحرج عند قيامه باعلام المريض فأحيانا يحس انه هو الملام في ذلك حتى لو تفانى في خدمة المريض وعلاجه..
قد لا يكون لديه القدرة والمهارة التي تمكنه من ابلاغه بالخبر بالطريقة المناسبة بحيث يجعل من الاجواء الصعبة اجواءا هادئة..
خوف الطبيب من فقدانه للعلاقة التي انشأها مع مريضه وبالتالي انعدام الثقة بينهما..
لا يعلم الطبيب مدى تأثير هذا الخبر على حياة المريض حاليا او في المستقبل كعلاقته مع الاخرين وعمله ومشاريعه وغيرها..
لا يعلم الطبيب ردة فعل المريض العاطفية تجاه الخبر وهنا تكمن الصعوبة البالغة التي تجعل الطبيب يحجم عن ذلك فبعض المرضى تصدر منهم ردود فعل مخيفة وعنيفة ومحرجة وليست بأقلها حين يقال للطبيب(انت لا تعرف شيئا سأرى طبيبا اخر يعالجني )!!
من الذي يجب ان يُعلم المريض يالخبر السئ؟؟
هل هو الطبيب ام الممرض ام غيرهما..؟
في معظم الاوقات يجدون ان الطبيب العام او طبيب الاسرة هو من يستطيع القيام بذلك بحكم العلاقة الكبيرة المتولدة بينه وبين المريض بمعنى ان الاختصاصي قد يفتقد لوجود تلك العلاقة لكن كما قلنا لا يمكن التعميم ويبقى ذلك مختلفا فيه دائما..
لمن يجب ان يعطى الخبر السئ؟؟
يرون البعض انه لا يجب ان اعلام جميع المرضى بالخبر السئ فهناك المرضى النفسانيين الذين لن يستطيعوا استيعاب وفهم مايدور حولهم وهناك الاطفال الذين يجب اعلام الوالدين بدلا منهم..
متى يجب ان نعلم المريض بالخبر السيئ؟؟
بعض الاوضاع مثل المرض المزمن وولادة طفل بعيوب خلقية قد يرى البعض ان يتم تأجيل ابلاغ المريض بالخبر فيها حتى وقت لاحق وذلك حتى تكون للمريض الفترة المناسبة ليتعود على الوضع وبالتالي فإن ذلك سيخفف من شدة وقع الخبر عليه..
وبعض الاوضاع يرون ان تأجيل ابلاغ المريض بالخبر قد يتسبب في تفاقم حالة المريض وتدهور الاوضاع كأن يكون المريض مصابا بعدوى كالايدز مثلا وكذلك يرون انه من الافضل بلاغ المريض بالحالات السابقة الذكر مبكرا لأن المريض اذا اصبحت حالته سيئة جدا يصبح غير قادر على تهيئة اوضاعه واعادة تشكيل هيكلة حياته ويصبح (عاطفيا) غير قادر على تقبل الوضع...
هل يجب ان نطمأن المريض ونعطيه بعضا من أمل اثناء ابلاغنا اياه بالوضع السيئ؟؟
حين نعطي المريض املا في العلاج مع ايماننا وتيقنا بأن تشافيه من الامور المستحيلة(طبعا لا شئ يقف ضد قدرة الله على الشفاء) فإنا بذلك نخدع المريض ونوهمه ونزور الحقائق وفي الجانب الاخر حين نعلمه الحقيقة كاملة والتنبؤات المستقبلية التي يمكننا معرفتها بدراسة حالة المريض جيدا ثم نقول ان المرض مستفحل لديك وقد تموت خلال الاسابيع القادمة فإنا بذلك نقطع كل خيط في طريق الامل المفقود ونكفن الحياة امامه وهي لما تمت بعد..!! والامر جدا صعب..
احيانا يجد الطبيب مضطرا لأن يقول ستتحسن حالتك ان شاء الله مع الدواء الجديد مع علمه مسبقا بأن حالته ميئوس منها هذا سيخفف من حدة القلق والاكتئاب لدى المريض لكن ذلك لا يعد إلا تخفيفا لحظيا سرعان ما يزيد الأمور تعقيدا حين يجد المريض بعد مرور فترة من الوقت ان حالته لم تتحسن بل انه يسير للسوء ..حينها ستكون ردة فعل المريض اما سلبية جدا تجاه الطبيب الذي طمأنه فلم يجد لطمأنته معنى ولا نتيجة أو أن المريض سيبدأ حينها بالتفكير المستفحل بأن حالته صعبه للغاية وان الطبيب اخفى الحقيقة عنه حتى لا ينهار المريض امامه وهذا بطبيعة الحال سيجلب المزيد من القلق والاكتئاب والحزن...
أعود لسؤال الاخت عاشقة وهو هل سأعلم المريض بأنه وضعه الصحي سيئ للغاية وانه بعد دراسة حالته تبين انه لا أمل في التشافئ(وهذا ما نجده غالبا لدى مرضى سرطان الرئة)؟؟
بعض الاطباء يقولون (المريض لا يجب ان يعلم أبدا بأنه سيموت )..!! لكنني لا اوافق مثل هذا الرأي .. وابلاغنا للمريض يجب ان تكون بعد خطة مدروسة جدا بعد استيعاب لحالة المريض النفسية والاجتماعية ومدى تأثير الخبر عليه..
سأعلمه بأن حالته صعبة جدا ووضعه حرج وان الاقدار بيد الله لكن علاج مرضه يكاد يكون شبه مستحيل..وطبعا يجب تهيئة الاجواء المناسبة لمثل هذا الخبر وجعله في وقت وزمان مناسبين وردة فعل المريض لا يمكن التنبؤ بها حيث كما قلت يعتمد ذلك على كثير من الامور لكننا نتوقع دائما الافضل ...
عذرا على الاطالة لكن الموضوع اصعب مما نتصور
وشكرا لعاشقة الاقصى لطرحها للقضية
'>