وقفة مع شذا عبارة " ونعم الاختيار " ...
الطب ... رغم أننا بأمس الحاجة إليه بلا جدال ... وبأمس الحاجة إلى عامليه من نساء ورجال ... إلا أنه ليس الغاية لعين ذاته ... وليس الهدف لمجرد مادته ... كما أنه ليس كلٌ فلا يحتمل غيره وليس شيء ينقطع عنه الأخذ وترد فيه المداولة وتسقط من قمته الأسس...
في البداية....
الطب روح قبل أن يكون مادة ... فسمو الطب ليس مجرد حبة دواء وحقنة يرتجى منها الشفاء ... بل روح يحملها الخبراء – طبيب وطبيبة وممرض وممرضة وكل من احتضن المهنة - في صدورهم .. فتسري عبر أناملهم البيضاء الى جسد المريض فتعالج روحه قبل جسده ... وما أكثر المحتاجين إلى هذا من مرضانا ومنا ...
فعلى الطبيب ( من وجهة نظري) أن يعي أنه ليس مجرد آلة لكشف الأمراض ولا أداة لصرف الأدوية ( وليت المرضى أيضا يدركون هذا ... وكثير منهم في هذا الشأن للطبيب ظالمون ) ...بل يتعدى دوره فوق ذلك ... فهو بروحه السامية التي تتغلغل قي حشا مهنته ... الأب والأم والأخ والأخت والصديق ... هو الناصح والمدرس والمستشار في عمله ... هو طبيبٌ بإنسانيته وإنسانٌ بطبه ...
ومن هنا أبداء الوقفة مع شذا وأريج عبارة " ونعم الاختيار " ...
قلت الطب روح ... والروح لايمكن لها أن تكون بمعزل عن الروحانية في حياته المستقاة من إجتماعيتها ... التي إذا ما سُحبت .. ذبل بهاؤها واختفى رونقها وذهب أريجها ... فماتت الروح وبموتها كيف للطبيب أن يعش إلا كآلة مجوفة من الداخل وربما تملؤها خيوط العناكب – أمراض نفسية بسبب نقص ما لابد لكل إنسان أن يحصل عليه وهو الروابط الإجتماعية ...-
تقول الفاضلة الجيل الواعد :" واننا كبقية البشر نتفاوت في القدرات فلسنا جميعا قادرين على ان نبدع في مجالين مختلفين بالضبط كالمرأة العاملة التي لن نستطيع ان توفق بين متطلبات الاسرة والعمل فتفضل الاول ونعم الاختيار.. "
نعم لاشك في أن لكل أنسان قدراته ولكل طاقاته فلسنا في ذلك على سواء ... وهناك من الأمور ما قد يعترض أو يتعارض أو يصعب وجوده ملازما مع الطب ... والطب في نظري ربما يكون فيه تضحية خصوصا من جانب الوقت لكنها لا تعدو ان تكون تضحية جزئية لا تتعارض مع أمور الحياة الأساسية ... فلو رجعنا إلى المثال في المرأة العاملة فبيتها وعملها إذا تعارضا بحيث لايمكن لها الجمع بينهما وأنها ستقصر تقصيرا كبيرا فيما لو جمعت بينهما ... ماذا عساها أن تفعل ... عندها فالأولى بيتها فهو الأساس فليس لها بالتضحية به أبدا أبدا ... والطب كما قلت روح تذبل إذا فصلت عما يبعث فيها الحياة ... فهجر الأمور الأجتماعية ينعكس سلبا على الطب وبالتالي من الجهتين تكون النتيجة واحده ... ألا وهي " ونعم الأختيار " أن تختار بيتها ...
من ثم كيف لروح الطب في قلب طبيبها أن ترضى أن تخدم الناس بقلب راض وتحجم أو تقصر عن أحب الناس وأقربهم إليها وعن بيتها المعتمد عليها ... بالتالي "نعم الاختيار " اختيارها بيتها ..
ثم كيف للطبيب أن يخرج عن نطاق فطرته وكأنه راهبا في صومعة المستشفى ... فيتخلى عن البيت والسكن والأستقرار ... معتكفا هناك في ما يسمى تضحية كلية ... فسرعان عندها ما ستهوي به صومعته ولا يكون نتاجه إلى الخسارة ... عندها أليس " نعم الأختيار
ولو أطلت إلا أن عبارة الأستاذة الجيل الواعد هذه " بالنسبة للعبارة التي اوردتها هاهنا وهي ان المرأة العاملة التي تجد نفسها انها (لن)تستطيع ان توفق بين شئؤون بيتها واطفالها وزوجها وبين مشاغل العمل أولى لها ان تفضل الأول فهي رسالتها التي خلقت من أجلها " كافية لا تحتاج إلى إطناب أو إطالة وهي تشير إلى أهم نقطه وهي الرسالة الأسمى .. فرسالة المرأة تنطلق من بيتها قبل أن تنطلق من أي مكان آخر ... ونجاحها هناك هو الذي سيكفل نجاح المجتمع ونجاحها هي في مجال مع مجالها الأساسي... أكان طبا أو كان غيره ...
من هنا الأمور في الطب توزن بموازينها ولا يفصل الطب عن الحياة ولا يتوحد دونها فمن كان قادرا على أن يوفق بينهما معطٍ كل ذي حق حقه ... فذلك المأمول وذلك المنشود ... ... فالمرأة أو حتى الرجل كلاهما يقعان تحت واقع إلزامية الموازنة... والمرأة – كونها بؤرة الأسرة والجوهر الداخلي المحرك لها والمناط عليها بعض الثقل في ذلك -المشتعلة الهمة القادرة على التأقلم والتوفيق بين الأمرين عليها أن تعطبي لمجتمعها بعد بيتها ما تستطيعه بعلو همه ... فهو بأمس الحاجة إليها فلا تتخلى عن تقديم خدمة كهذه الخدمة الإنسانية العظيمة...
هنا من حامل راية الطب أكان امرأة أو رجلا على سواء أن يحاول تعلم مهارات الحياة والتعامل معها كما يتعلم مهارات الطب ... فيمزج الأثنين ... غير مقتصر في ذلك على زمن فالحياة بأسرها دروس كما أن الطب دروس ... فلنأخذ من كلٍ درسه ...
وفق الله طبيباتنا وأطبائنا والعاملين في مجال الطب الإنساني إلى خير ما يريد ... وكثر الله من أطبائنا وطبيباتنا الذين يقدمون خدمة لدينهم ثم لمجتمعهم وبذلك لأنفسهم وسدد الله خطاهم ويسر دربهم وحقق مبتغاهم...
هنا عذرا للإطالة وبعثرت الكلام ... فقد أعجبتني عبارة " ونعم الاختيار " فأحببت أن أقف معها طبعا ليس مجاراة لقائلها فليت قلمي يرقى إلى شيء بسيط من قوة ذلك القلم وحُسن حروفه وبديع نظمه بالإضافة إلى صفاء فكره ...لكن تعبيرا عن بوح قلم وتكملة لهذا المسار ... وما أزال أنتظر المزيد منكم ...
'>
قوس المطر