Advanced Search

المحرر موضوع: السيبرنتيكا .... لغة العصر المنسية  (زيارة 801 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

سبتمبر 02, 2003, 03:18:20 صباحاً
زيارة 801 مرات

خضر كتيلة

  • عضو مساعد

  • **

  • 107
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
    • 2
السيبرنتيكا .... لغة العصر المنسية
« في: سبتمبر 02, 2003, 03:18:20 صباحاً »
السبرنتيكا "  The Cybernetica" ..... لغة العصر المنسية

في مكتب جانبي ملحق بأحد مراكز الأبحاث في العالم ينبعث لغط غير عادي يثيره أساتذة و مهندسو كهرباء  وإلكترون على مستوى عالٍ من الكفاءة مع نظراء لهم من قسمي الفيزياء النظرية والتطبيقية ، وعلى جانب آخر جلس قسم من أساتذة الطب المخضرمين يسجلون ملاحظاتهم ، ثم يقوم أحدهم إلى لوحة عرض سلايد ويبدأ بشرح مفصل لهيكلية بنية العين ........ مشهد سوريالي قد لا يبدو مترابطاً للوهلة الأولى .

وفي مكتب آخر ملحق بنفس المركز ، وربما بمركز آخر يجلس قسم من الأساتذة المختصين بالرياضيات البحتة وآخرون من قسم الرياضيات الفيزيائية مع مبرمجين إحترافيين لمناقشة موضوع رياضي بحت يتعلق بسلاسل فورييه خصوصاً ، والحلول التقريبية للمعادلات التفاضلية عموماً ، وينحصر النقاش بأدق المعاملات والمتغيرات الجزئية التي يساهم وضعها بعين الإعتبار في الوصول إلى أعلى دقة عملية ممكنة أثناء إجراء هذا النوع من الحسابات .

وفي مكتب جانبي ثالث وربما رابع وخامس وعاشر ، تتكرر هذه المشاهد يومياً مئات المرات ، لكن السمة المشتركة بين كل تلك النقاشات أنها تدور بالإنجليزية أو الفرنسية أو الروسية والأسبانية ... أو حتى السنغالية ، لكنك لن تسمع حرفاً واحداً بالعربية ، لسبب بسيط هو أن الأماكن التي تجري فيها تلك النقاشات غير المفهومة لنا حتى الآن ،  تقع جغرافياً ـ للأسف ـ خارج تلك المنطقة الواقعة بين المحيط الأطلسي والخليج العربي .  

مشاكل التصميم :
       الجهد الجماعي في الإبتكارات الحديثة : يعاني المصممون المعاصرون عموماً من مشاكل عديدة أثناء تحويل مفهوم فيزيائي ما إلى دارة إلكترونية يحقق خرجها هذا المفهوم ، خصوصاً إذا كانت تلك الدوائر تحتاج إلى تداخل مفاهيم فيزيائية وكهربائية عديدة ، وتزداد المشكلة صعوبة إذا كان الخرج مرتبطاً بحركة ميكانيكية خطية أو تفاضلية فائقة الدقة و مصممة أساساً لفرع آخرمن العلوم كالطب أو الكيمياء التطبيقية " أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي مثلاً ، أو المثفلات فائقة الدوران المستعملة  في الكيمياء الحيوية والتطبيقية بكثرة " مما يحتاج إلى جهد مشترك مضاعف بين كافة فروع العلم لتلبية المتطلبات التي تحتاجها الحضارة .
واسمحوا لي الآن أن أحاول توضيح المفهوم بصورة أقل تعقيداً ، ولنتخيل أن مركزاً لتحليل الدم يحتاج إلى جهاز تثفيل ذو سعة ما  وسرعة دوران ما ،  وفق مواصفات معينة ، وضعها أطباء وكيميائيون خبراء بالدم والمصل وسرعة التثفل وخلافه ، وبالطبع فإن المهندسين الكهربائيين قادرون نظرياًً على صناعة محرك كهربائي يدور محوره بأقصى سرعة فيزيائية تتيحها  قوانين الميكانيكا بغض النظر عن مبادىء كارنو ومفاهيم الإحتكاك  ، لكن وبالاستعانة بمستشارين ومصممين ميكانيكيين يمكن تحديد السرعة العملية التي يمكن الوصول إليها في ضوء علم الميكانيكا والتحريك  المعاصر ، خصوصاً عند تركيب تطبيقات حجمية على المحور " مما سيؤدي إلى تباطؤ السرعة على المحيط ، ويزداد التباطؤ كلما كان المحيط أكبر كما تعلمون " أي أن السرعة المحورية المطلوبة  مرتبطة أصلاً بالتطبيق الحجمي الذي سيتم تركيبه على المحور ، وهذا لايمكن حسابه في الأجهزة فائقة الدقة إلا بالأستعانة  بميكانيكين أولاً وأخيراً ،  كما أن سرعة التثفل المطلوبة لايمكن لمهندس كهربائي أو ميكانيكي أن يعرفها ، وإن عرفوها فإنهم لن يصمموا مثل هذه الأجهزة على مسؤوليتهم الشخصية بناءً على معرفتهم تلك ، الخارجة عن نطاق إختصاصاتهم أصلاً ، وبالتالي  فإن تحديد سرعة التثفل المطلوبة لاختبار مرض الناعور مثلاً خاضعة لنصائح وتوجيهات أطباء وكيميائيين حيويين إختصاصيين بالدم ، وهكذا نرى أن جهازنا العتيد الذي  ننوي تصميمه وإياكم ، وبدأنا به قبل قليل  يحتاج ببساطة بالأضافة إلينا ،  إلى أطباء وكيميائيين وميكانيكيين ، وربما مهندسيين صناعيين أيضاً للوصول إلى الشكل الأمثل عندما ننوي تسويقه تجارياً بكميات كبيرة " ما رأيكم بهذه الفكرة  المربحة؟؟ .. " .

تلك كانت بعض المشاكل التي يعاني منها المهندسون والمصممون العصريون ، ..... مشاكل لم تكن على ما يبدو تشكل حاجزاً أمام الرواد الأوائل على الإبتكار والإبداع  ، عندما كان عصر الإبتكارات والإبداعات الفردية سائداً ، .... ذلك العصر الذي يبدو أنه ولّى للأسف بإستثناء حالات فردية نادرة هنا أو هناك ......  ونحن هنا لسنا بصدد نعي أديسون ومايكل فاراداي  وغيرهم من المخترعين أوالعلماء العباقرة ، ولكننا فقط  نحاول شرح مايدور في العالم من حولنا حالياً ونحن نائمون في العسل مكتفين بالحديث عن عباقرة ومواهب نادرة  بين جيراننا وزملائنا لم تتح لهم الفرصة لإظهار تلك العبقرية نتيجة عدم الرعاية والتمويل والإهتمام ... وهذا قد يكون صحيحاً ، لكن الصحيح والمؤكد أكثر أن الاختراعات الحديثة بالكامل هى إبداع جماعي وليس فردياً ، وكذلك التطوير ، بدءاً من أول مفاعل لتخصيب اليورانيوم ومروراً بالطائرات النفاثة والكومبيوتر ، وإنتهاءاً بأحدث دائرة منطقية إنتهى مصمموها من وضع اللمسات الأخيرة عليها اليوم .

مفهوم الصندوق الأسود :
          جون والاس ، قبعاتي .... يصنع ويبيع القبعات  : يعتمد تصميم الدوائر الحديثة وخصوصاً تلك التي تحتوي على عدة طبقات ، إعتماداً أساسياً على مفهوم يسمى الصندوق الأسود ، وهو مفهوم أساسي ليس في التصميم فحسب ، بل في علم الفلك الراديوي ، وعلم الفلك الطيفي ، وميكانيك الكم بشقيه الكلاسيكي والنسبي ، وفروع أخرى في العلوم ليست ببالي الآن ، وهو ببساطة يعتمد على أدنى أشكال المعرفة ، ثم التدرج شيئاً فشيئاً لزيادة هذه المعرفة بإلغاء أو تأكيد الاحتمال ، فعلى سبيل المثال ، لنفرض أنني أجهل كل شيء عن المسافة بين الأرض والقمر ، ثم علمت بطريقة ما أن المسافة بين الأرض والقمر هى أبعد من المسافة بين صيدا وبيروت ، وأنا أعلم مسبقاً أن المسافة بين صيدا وبيروت هى 100 كم مثلاً ، هنا أصبحت أعرف يقيناً أن المسافة بين الأرض والقمر هى أكثر من 100 كم ،  قد تكون 101 كم ، لست أدري ، لكنها ليست 100 كم بالتأكيد ، ... وقد أتمكن فيما بعد من معرفة أن المسافة هى أكبر من المسافة بين بيروت باريس ، وأنا أعلم مسبقاً أن المسافة بين بيروت وباريس هى 4000 كم ، وبالتالي أتمكن تلقائياً من التأكد بأن القمر يبعد عنا أكثر من 4000 كم ، وفي الوقت نفسه ، وبطريقة ما أتمكن من معرفة أن القمر أقرب إلينا من الشمس ، وهكذا أعلم أن القمر يقع في مسافة محصورة بين 4000 كم ، وبين الشمس ، وتضيق مسافة الإفتراض كلما علمت معلومة جديدة ، حتى أصل إلى القيمة الحقيقية أو المقاربة لها إلى حدٍّ كبير في النهاية ، قد يكون هذا أشح أشكال المعرفة ، لكنه في الهندسة النووية مفهوماً أساسياً حتى تاريخ كتابة هذه السطور ، وكذلك في فروع أخرى كثيرة من العلم  .

مالنا  وهذا الاسترسال ، دعونا نعود إلى مثالنا القمري ، البعد عن القمر هنا هو صندوق أسود بحاجة لمعرفته ، الأمر نفسه يحصل عند تصميم دائرة إلكترونية لغرض ما ، الفرق الوحيد هنا بين القمر كصندوق أسود والدائرة الإلكترونية ، هو أن الدائرة الإلكترونية ينظر إليها كصندوق أسود من خلال ما يسمى بالواقع الإفتراضي ، طالما أن الدائرة الموقرة لم تصمم بعد ... الذي يحصل هنا أني أفترض أنني صممتها ، ومن ثم أبدأ بدراستها كصندوق أسود ، إعتماداً على الخرج الذي من المفترض أن تنتجه ، وعلى إفتراض أن الدائرة المطلوبة هى  دائرة راديو ترانزستور عادي FM    ... الموضوع ببساطه  ينظر إليه على ثلاث مراحل هى :
1ـ دخل تغذية متردد أو مستمر بغض النظر عن الفولطيه
2ـ صندوق أسود هو راديو الترانزيستور الذي أنوي تصميمه ، ولن أشارككم بأرباحه عندما أبدأ بالإنتاج التجاري الواسع له ،  ولاحظ هنا أنني إفترضت أنه موجود بالفعل " مبدأ الواقع الإفتراضي ".
3ـ  خرج  صوتي يجعلني أستمع على رطانة وضجيج  مايكل جاكسون رغماً عن أنفي .

الموضوع ببساطة يكمن في التساؤل التالي ،  ما هو الشيء الذي  من المفترض أن يحتويه هذا الصندوق الأسود و الذي يمكن النظر إليه مبدئياً كمحول لتيار التغذية من كهرباء إلى موجة صوتية .، الجواب قد يكون بسيطاً لكم نظراً لبساطة المثال ، لكن عند تصميم أجهزة أكثر تعقيداً يصبح الجواب أكثر تعقيداً بالطبع  ، وتندرج الإجابة على مثل هذه الأسئلة و الأمثلة  التي طرحناها في هذه العجالة ومنها مثالنا الطربي الأخير تحت إسم السبرنتيكا ….. ذلك العلم الذي أتاح لنا إبتكار العديد من الاختراعات والإبتكارات التي نراها حالياً ، وأهمها الحواسيب المنتشرة بوفرة في هذه الأيام ، ولغات البرمجة ، التي هى الوسيلة الرئيسة لتفاعل هذه الحواسيب مع العالم الخارجي المحيط بها ،  والطائرات النفاثة والأقمار الصناعية ، والأتمتة والمكننة المؤتمته  في المصانع الضخمة ، وأجهزة الليزر الطبية والصناعية وأجهزة التصوير الصوتي والموجي الطبية الحديثة ،  وكل مانراه في حياتنا من إختراعات يعود الفضل في وجودها إلى مجموعات أو فرق عمل وليس إلى إبداع شخص واحد ، مما يدفعنا إلى تبسيط تعريف السبرنتيكا والقول بأنها الإبتكار العلمي الناتج عن إتحاد مختلف صنوف العلم وليس علماً واحداً بحد ذاته ، فهى أقرب إلى مفهوم أمم متحدة للعلوم " بدون مجلس أمن  بالطبع " ، كما أنها تقوم على التبسيط والإختصار كلما كان هذا ممكناً ، ويبدو هذا واضحاً في المثال التالي الذي تورده جميع مراجع وموسوعات السبرنتيكا في كل اللغات ، بدون إستثناء لتوضيح مفهوم السبرنتيكا وميلها للاختصار بإهمال ما يعتقد أنه لا داعي له والإبقاء على الحد الأدنى الضروري فقط ، المهم أن المثال يحكي قصة طريفة عن السيد جون والاس أحد أصحاب ورشات الخياطة المتخصصة بصناعة القبعات في ضواحي لندن و الذي  أراد الإعلان عن ورشته بطريقة مبتكرة فأحضر أربعة  من علماء السبرنتيكا طالباً مشورتهم في وضع إعلان نموذجي لورشته ، مقترحاً أن يكون الإعلان على شكل قبعة يكتب عليها : جون والاس …. قبعاتي ، يصنع ويبيع القبعات ، فما كان من السبرنتيكي الأول إلا أن قال : من المعلوم أن القبعاتي يصنع القبعات ، وبالتالي فهذه العبارة زائدة ولا معنى لها ، وقال الثاني : القبعاتي  أيضاً  يبيع القبعات ، ولذا فإن هذه العبارة زائدة كذلك ، فقال الثالث : جون والاس ؟؟ .. الزبون لا يهمه أن تكون جون والاس أو جيمس ديون أو أي أسم ثالث ، المهم أن تكون قبعاتك جيدة ، أما الرابع فقال : إن عبارة قبعاتي المكتوبة على لوحة بشكل قبعة هو إستفزاز للزبون ، وإتهام صريح  له بالغباء مما قد يكون له مردود سيء على حركة المبيعات ، فمن الواضح أن شكل القبعة يوحي بجلاء للزبون بأن هذا محل قبعاتي وليس بقال .
وبغض النظر عما إذا كانت القصة قد حصلت حقيقة أم لا ، فإنها توضح بجلاء المبادئ الأولية لعلم السبرنتيكا ، وأعتقد أنكم فهمتم الآن الصور السوريالية التي أوردتها في بداية الموضوع ، فالمثال الأول يتحدث عن تصميم ليزر أرغوني لمعالجة قرنية العين ، أما المثال الثاني فيدور حول تصميم برنامج تطبيقي للتعامل مع سلاسل فورييه  بقوة برنامج مات لاب البرمجي الشهير ، وبسهولة وسلاسة  برنامج ماث كاد ، ولعلكم تستغربون إذا علمتم بوجود مهندسيين مدنيين ومعماريين بالأضافة إلى مهندسين صناعيين في مراكز تصميم اللوحات الأم للكومبيوتر في جميع الشركات العالمية  لمعاونة الباحثين والمهندسين الذين يقومون بتطوير وإبتكار لوحات جديدة ، وذلك بغرض التغلب هندسياً على بعض الحلول السمجة التي يقدمها الكومبيوتر للّوحات المطبوعة متعددة الطبقات ، أثناء حدوث تقاطعات غير مرغوب فيها ، أو لتقليل جسور الوصل ، التي تزيد من الهدر الطاقوي  والتيارات الراجعة  والشواش ، مما ينعكس سلباً على أداء اللوحة بشكل عام .    

وسوف أحاول في مواضيع لاحقة إدراج دارة حماية  إلكترونية 195 ـ 240 فولط / ~  ،  بحمولة قصوى 80 أمبير من تصميم العبد الفقير ، على السبحانية كما يقال ، أي بمجهود فردي ، وإيراد دارة حماية بنفس الإستطاعة ومصممة في ألمانيا وفق أدق تفاصيل السبرنتيكا ، للمقارنة بينهما ، وستجدون في دائرتي الفاشلة التي ماتزال تعمل في منزلي منذ أكثر من خمس سنوات بكل أمانة ،  عشرات القطع التي لا لزوم لها ، أو يمكن التغلب على وجودها فيزيائياً أو هندسياً ، بمجرد إطلاعكم على مخطط الدائرة الألمانية المدروسة بشكل رائع على ما يبدو ، لكنني أتمنى من كل قلبي أن تصوتوا لصالح دارتي ، منشان جبر الخواطر على الأقل .
أمجاد يا عرب أمجاد " ههههههههههههههههه "