الانظمة الاقتصادية المعاصرة
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
يعرف النظام عموما بأنه مجموعة من الأشياء متصلة بعضها البعض بحيث تتكون منها وحدة مركبة. أما النظام الاقتصادي فهو مجموعة من العناصر القانونية والاجتماعية كنظام الاقتصاد المغلق والاقتصاد التقليدي والنظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي والنظام التعاوني وغيرها. وبعبارة أخرى فالنظام نسق يتكون من أجزاء متعددة تتأثر وتؤثر في بعضها البعض. ويركز النظام الاقتصادي على مجموعة العلاقات والقواعد والأسس التي تحكم التفاعل والتأثير المتبادل بين الحاجات البشرية من جهة والموارد المتاحة من طبيعية وبشرية ومعرفية وتقدم تقاني من جهة أخرى.
ويعد النظام الاقتصادي جزءا لا يتجزأ من النظام الاجتماعي العام يتأثر به ويؤثر فيه. وقد عرف انتونيلي Antonelli النظام الاقتصادي على أنه مجموعة من العلاقات والمؤسسات التي تميز الحياة الاقتصادية لجماعة محددة في الزمان والمكان. أما سومبارت فقد عرف النظام الاقتصادي بقوله: أنه المظهر الذي يجمع بين العناصر الثلاثة التالية:
1 - عنصر الروح، أي مجموعة الدوافع والبواعث التي تحرك الفعاليات الاقتصادية.
2 - عنصر الشكل، أي مجموعة العوامل الاجتماعية والحقوقية والتأسيسية التي تحدد إطار النشاط الاقتصادي والعلاقات بين جميع المساهمين في النشاط الاقتصادي كشكل الملكية ونظام العمل ودور الدولة في الحياة الاقتصادية للمجتمع.
3 - عنصر المحتوى المادي، أي المستوى التقاني للإنتاج المتمثل بمستوى تطور وسائل الإنتاج التي يتم بواسطتها الحصول على السلع والخدمات.
وتتحدد طبيعة النظام الاقتصادي من خلال التداخل المنطقي بين العناصر الثلاثة المذكورة أعلاه. في حين يرى سومبارت أن عنصر الشكل هو المحدد الرئيسي لطبيعة النظام. لأن هذا الشكل هو تعبير عن الروحية التي تتجسد في النهاية بالخلفية الفكرية (العقيدة) التي يقوم عليها النظام. كما أن الروحية تتوافق مع مستوى معين من تطور وسائل الإنتاج. واعتمد التحليل الماركسي المقاييس الاقتصادية أساسا للتفريق بين الأنظمة الاقتصادية، حيث يعتبرها (أي الأنظمة الاقتصادية) البنية الفوقية التي تتولد عن أسلوب الإنتاج السائد والمكون من قوى الإنتاج الاجتماعية وعلاقات الإنتاج، كما ويميز بين الأنظمة على أساس ملكية وسائل الإنتاج ومصدر التحكم فيها.
- الأنظمة الاقتصادية التي شهدها القرن العشرين:
لقد شهد كوكبنا في القرن العشرين عالما مقسما إلى دول وشعوب حرة وشعوب مستعمرة. وتراجع النظام الاستعماري بسبب نمو حركات التحرر العالمية وحصلت شعوب عديدة على استقلالها في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. ومع ذلك مازال عالمنا المعاصر يشهد انقساما من نوع آخر بين دول العالم حيث نلاحظ دولا متقدمة صناعيا غنية (دول الشمال) ودولا متخلفة فقيرة هي شعوب العالم الثالث (دول الجنوب). وهذا يعني أن العالم المعاصر يشهد عددا من الأنظمة الاقتصادية المعاصرة أهمها ثلاثة أنظمة هي:
1 ـ النظام الاقتصادي الرأسمالي.
2 ـ النظام الاقتصادي الاشتراكي.
3 ـ النظام الاقتصادي المختلط، والذي يحاول التوليف بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي وتجنب عيوبهما البارزة والتوكيد على جوانبهما الإيجابية.
لذلك عمد الكثير من الدول النامية إلى التدخل في بعض أو جميع قطاعات النشاط الاقتصادي ومصادر الطاقة عن طريق التخطيط الاقتصادي بهدف تحقيق التنمية والقضاء على التخلف. وتلعب الدولة دورا مهما في النظام الاقتصادي المختلط فهي تؤثر في مختلف جوانب النشاط الاقتصادي بواسطة السياسات المالية والنقدية والتجارية والتنموية التي تمارسها. وقد تقوم الدولة بنفسها بالنشاط الاقتصادي في حدود معينة إذا ما استدعت المصلحة العامة ذلك. وترغب الدول النامية باستخدام السياسات الاقتصادية العامة في توجيه الدارة النشاط الاقتصادي بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع المبادرة الفردية واحترام حق الملكية وتعاون القطاعات المختلفة لتسهم جميعها في عملية التنمية الشاملة. ومن الممكن القول أن أغلب الأنظمة الاقتصادية المعاصرة هي نظم اقتصادية مختلطة. وظهرت الأنظمة الاقتصادية المتنافسة وأصبحت دراسة الأنظمة الاقتصادية المقارنة أسلوب يستخدمه علم الاقتصاد أكثر من كونها جزءا منفصلا عنه، وهذا منسجم مع ما كان سائدا.
إن دراسة الأنظمة الاقتصادية المقارنة هي استعمال أساليب التحليل المقارن،وحيث أنه من الممكن تطبيق هذه الأساليب على دراسة مواضيع في أي حقل فرعي من حقول الاقتصاد (مثل أنظمة الضرائب واتحادات العمال في الدول المختلفة) ودراسة الاقتصاد ككل (مثل النظريات الاشتراكية، أو المنجزات الإجمالية لاقتصادات قومية منتقاة) فان أنظمة الاقتصاد المقارن لا يمكن أن تفصل لا عن المبادئ العامة للاقتصاد ولا عن أي فرع من فروعه.
ـ النظام الاقتصادي العالمي:
يتميز عالمنا المعاصر باتساع الطابع الدولي في الحياة الاقتصادية وهو ما يسمى بـ عولمة الاقتصاد وأصبح للمشكلات الاقتصادية الدولية أثر كبير على جوانب الحياة الاقتصادية ضمن الدولة الواحدة وحتى على حياة الفرد الاقتصادية ونشاطه. وفي سياق هذا التطور العالمي ظهر مفهوم جديد يدعى النظام الاقتصادي العالمي. وهو يمثل العلاقات الاقتصادية التي تقوم على النطاق البشري ما بين الشعوب أو العلاقات الاقتصادية حابين الدول ككيانات سياسية مستقلة.
والملاحظ أن العلاقات الاقتصادية العالمية قد تزايدت وتشابكت إلى درجة كبيرة في عالمنا المعاصر. وبخاصة بعد توقيع اتفاقيات الغات(GAAT) وظهور منظمة التجارة العالمية. ويتصف النظام الاقتصادي العالمي في مرحلته الراهنة بالاستقلال لأنه يساعد على تركيز السيطرة والقوة الاقتصادية في أيدي عدد قليل من الدول الغنية المتقدمة، وعدم التكافؤ في التبادل التجاري الدولي. كما أنه يضع قواعد للتجارة الخارجية والنظام النقدي العالمي،بما يخدم مصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية. كما وتجدر الإشارة إلى أن النظام الاقتصادي العالمي قد فشل في حل المشكلات الأساسية التي تعاني منها الدول النامية وبخاصة مشكلة الجوع والفقر والتخلف وعدم القدرة على التنافس مع الدول الغنية المتقدمة.
1 - د.محسن كاظم، مبادئ الاقتصاد النظرية والتطبيق، دار المعرفة للطباعة والنشر والإعلان، الكويت 1986 ص34.
- د.خالد الحامض، الاقتصاد السياسي، منشورات جامعة حلب، سورية 1989 ص40.
- د.محمود عبد المولى، تطور الفكر الاقتصادي والاجتماعي عبر العصور، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1986 ص67.
- مجموعة من المؤلفين، نظرات في علم الاقتصاد، ترجمة محمد حنونة، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1982ص32
:'>