ما هو عمر الغبار الموجود في مذنب هالي وفي المذنبات الأخرى؟ نحن نعلم أن عمر الغبار قبل تكتله لتشكيل المذنبات كان نحو خمسة بلايين سنة، لأن حبيبة الغبار تبقى في الفضاء البيننجمي طوال ذلك الوقت قبل أن تلتهم في عملية تكوين نجم. ولما كان عمر المذنبات نفسها يبلغ 4.6 بليون سنة، فإن تشكل الغبار قد يعود إلى ما قبل نحو عشرة بلايين سنة. لذلك يسمح لنا تحليل مادة المذنبات باستقصاء طفولة درب التبانة.
ويمكن لغبار المذنبات أن يكون قد أدى دورا أيضا في وضع بذور الحياة على الأرض. فكل تجمع مخلخل من غبار المذنبات لا يحتوي على مواد عضوية فحسب، بل يمتلك أيضا بنية مثالية للتطور الكيميائي عندما يُغمس في الماء. لقد بيَّن كسَّل وكرويگر أن الجزيئات تستطيع بسهولة اختراق التجمع من الخارج، لكن الجزيئات الكبيرة تبقى محتجزة في الداخل. ويمكن لمثل هذه البنية أن تحفز إنتاج جزيئات أكبر فأكبر وأشد تعقيدا، مؤدية بذلك ربما دور الحاضنة الدقيقة لأشكال الحياة البدائية الأولى. ويمكن لمذنب واحد أن يكون قد نثر ما يصل إلى 1025 من هذه «البذور» على الأرض الفتية.
إن الوكالة (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) تتوليان تنفيذ مهام ستكشف المزيد عن طبيعة المذنبات والغبار البيننجمي. فقد أطلقت ناسا في عام 1999 سفينة غبار النجوم Stardust craft التي بُرمجت لملاقاة المذنب وايلد Wild-2 عام 2004 ولجلب عينة من غبار ذؤابته إلى الأرض. وأثناء الرحلة، سوف يقوم هذا المسبار بجمع عينات من الغبار البيننجمي المتدفق عبر نظامنا الشمسي. أما مهمة إيسا فهي أكثر طموحا؛ فالمركبة (رشيد) المزمع إطلاقها عام 2003 ستتخذ مدارا حول نواة مذنب فيرتانن Wirtanen وسوف ترسِل مسبارا ليهبط على سطح جسمه المخلخل. وسوف تقوم منظومة من الأجهزة العلمية المحمولة على المسبار بتحليل دقيق لبنية المذنب الفيزيائية وتركيبه الكيميائي بالتفصيل. وستشارك مجموعة البحث التابعة لي في الجهود المبذولة من خلال تحضير عينات مختبرية من المواد العضوية من أجل المقارنة بالمواد المرصودة في نواة فيرتانن وغباره.
إن هذه الرحلات الفضائية سوف تؤدي، دون شك، إلى اتجاهات جديدة في الأبحاث. ولن يعتبر الفلكيون بعد اليوم الغبار البيننجمي أمرا مزعجا، بل مصدرا رئيسيا للمعلومات عن ولادة النجوم والكواكب والمذنبات وقد يكون حاملا لدلالات عن أصل الحياة ذاتها.
انتهى .
-----------------------------------------------------------------------------------------
المؤلف:
J. Mayo Greenberg
حصل على الدكتوراه في الفيزياء النظرية من جامعة جون هوپكنز عام 1948. وقدم إلى جامعة ليدن في هولندا عام 1975 من أجل إنشاء مختبر الفيزياء الفلكية فيها وإدارته، حيث درس التطور الكيميائي للغبار البيننجمي وتركيب المذنبات وأصل الحياة.
منتظر ردودكم
'>
و لكم جزيل الشكر ......
'>