السلامُـ عليكُمـ والرحمـــة
.. إليكُمـ أخوتي الأفاضِل .. ما قرأت ..
لحظـــات شائقــة نمضيها سويًا ....
حول الإنسان والتطور :
قدمت الاكتشافات الحديثة المرتبطة بعلوم المستحاثات ( fossils ) معلومات هامة حول العمليات التطورية التي أدت إلى ظهور الكائن البشري الحالي .. ومن النظريات الشهيرة عالمياً نظرية الخروج من أفريقيا ( Out of Africa ) والتي ارتبطت بعالم الانثروبولجيا البريطاني كريس ستينجر Chris B. Stinger ، والتي تفترض أن الإنسان الحالي المنتشر في جميع أنحاء العالم قد تطور وظهر في أفريقيا ثم خرج منها إلى باقي القارات .. منذ حوالي مليوني سنة . وله مقولة مشهورة تقول : " كلنا أفريقيون تحت جلدنا " " All of us are Africans under the skin" .
ويقول ستينجر إن عملية تطور الإنسان كانت عملية معقدة واستغرقت حوالي أربعة ملايين سنة ، وكانت بداياتها محددة في أفريقيا .. ومنذ حوالي مليوني سنة خرج شبيه الإنسان إلى باقي أنحاء العالم .
وقد وجدت مستحاثات تعود إلى " شبيه الإنسان منتصب القامة" ( Homo Erectus ) في شرق أفريقيا وفي جورجيا وأندونيسيا تعود لنفس الفترة الزمنية . وتختلف النظريات والتفسيرات حول ماذا حدث بالضبط من تحولات على شبيه الإنسان هذا إلى الإنسان الحالي المعاصر . وبعض العلماء يعتقد أن هناك تزاوجاً هجيناً ساهم في هذه العملية خلال فترات زمنية طويلة وفي أماكن مختلفة من العالم خلال المئتي ألف سنة الماضية .. وأن تغيرات المناخ قد لعبت دوراً في انقراض الأنواع الشبيهة بالإنسان ( مثل إنسان نيانثردال الموجود في أوروبا ) ، وأدت إلى ظهور النوع الإنساني من خلال صفاته وتكيفه مع المناخ الجديد والنباتات المتوفرة والحيوانات الموجودة حوله ، وهذا التكيف الناجح يرتبط بتكوين علاقات جماعية أوسع ، وثياب ومساكن أكثر فعالية مقارنة مع الأنواع المنقرضة السابقة . وقد حدث ذلك خلال المئتي ألف سنة الماضية .. وكان خلال فترات زمنية طويلة .. وكل هذه التغيرات والتطورات لم تكن سريعة أو مفاجئة أو كاملة .
وتدل الموجودات الأثرية على تطور في الأدوات الحادة المستعملة في تلك الفترة الزمنية وعلى ظهور أنواع من الفن والرموز والمدافن البشرية .
وقد وجدت الحفريات في أفريقيا أدلة على وجود السلوك الإنساني المعاصر مثل إنتاج أدوات معقدة ومركبة واستغلال لموارد البحر والأصبغة الترابية الحمراء منذ زمن طويل .. ولكن لم يتم العثور على مستحاثات بشرية جنباً إلى جنب هذه الأدلة الدالة على السلوك البشري .. وبعض العلماء يعتقد أن التطور التشريحي الجسدي للإنسان المعاصر قد سبق ظهور الأدلة على السلوك البشري .. وربما حدث تطور بطيء مواز في هذين الأمرين معاً.
ويبدو أن التكيف مع نمط العيش على أطراف الأنهار وفي المناطق الساحلية قد ساهم في انتقال الإنسان خارج أفريقيا .
وفي جانب آخر .. تدل دراسات المورثات ( الجينية ) على أن المظاهر العرقية للبشر مسؤول عنها بضعة مورثات فقط .. وأن هذه المورثات قد تطورت مؤخراً في الأزمنة الحديثة وبشكل سريع . وعلى الرغم من اختلاف الملامح المميزة العرقية مثل لون البشرة وشكل الأنف وشكل العين .. فإنه من المدهش أن نعرف أن البشر المعاصرين متماثلين في تكوينهم الوراثي العام .
ويبقى السؤال لماذا نحن الجنس البشري ( Homo Sapiens ) قد بقينا وليس إنسان نيانثردال ( Neanderthals ) ؟
بعض العلماء يعتقد أن الجواب لأننا نملك دماغاً أكبر ، وهيكلاً عظمياً أقل وزناً ، و لدينا لغة دقيقة ومعقدة ، وأن لدينا مهارات تنظيمية أفضل من إنسان نيانثردال .
ويطرح الفيلسوف الإنكليزي المعروف أرنولد توينبي في كتابه " تاريخ البشرية " وجود نقطة تفرع هامة في مسيرة الأحياء الشبيهة بالإنسان .. وأنه لم يبق أمامها إلا أحد احتمالين بديلين .. فإما أن تصبح بشرية أو أنها تعجز عن البقاء .. وأن الأحياء الشبيهة بالإنسان أصبحت حيوانات اجتماعية لأنها اكتشفت أنها لاتستطيع مقاومة الحيوانات المفترسة إذا لم تتوحد ضدها مما طور التعاون الاجتماعي ونظمه .. وأن اكتشاف النار وتسخيرها بدلاً عن الخوف منها مثل الكائنات الأخرى ، إضافة لترقيق الحجارة واستعمالها كأدوات .. كل ذلك قد ساهم في تطور الإنسان فيما يعرف بما قبل التاريخ .. وأما التاريخ البشري المدون والذي يعود لخمسة آلاف سنة فقط فهو يدل على أن الإنسان قد قضى وقتاً طويلاً جداً قبل أن يبدأ بممارسة القدرة الروحية والمادية التي وفرتها له يقظة الوعي الإنساني والأخلاقي .