Advanced Search

عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - كوارك 2006

صفحات: [1]
1
•   البحث عن النظرية الأم وعالَم الغشائيات

عانت نظرية الأوتار قبل بزوغ ثورتها الثانية طويلاً من استحالة اختبارها تجريبياً. كما ذكرنا، الطول النموذجي للوتر هو من مرتبة طول بلانك، ونحصل على قيمته الأصغر بحوالي مرة من مرتبة مقاس النواة بأن نشكّلَ واحدةَ طولٍ من الثوابت الفيزيائية الأساسية الموافقة لمجالات الثقالة (ثابت نيوتن الثقالي GN) وفيزياء الكمّ (ثابت بلانك وفيزياء النسبية (سرعة الضوء c)؛ وبالتالي يلزمنا طاقة كبيرة من مرتبة طاقة بلانك  من أجل سبر هذه المسافات الصغيرة. يعني ذلك من ناحيةٍ عملية أنّ جميع الجسيمات الأولية يمكن إهمال كتلتها مقارنةً مع كتلة الوتر النموذجية المكافئة لطاقة بلانك الرهيبة والتي تفوق بـمرة الطاقات التي يمكن بلوغها في المسرّعات الحالية، وبالتالي لا يمكن في المستقبل المنظور اختبار هذه الفرضيات عن الأوتار.

ما افترضناه  حتى الآن هو أن جميع القوى تعيش في الزمكان ذي العشرة أبعاد. طرح أركاني-حامد، ديموبولوس و دفالي عام 1998 تساؤلاً عن إمكانية أن تكون قوى الثقالة وحدها تشعر بوجود الأبعاد الإضافية، بينما جميعُ القوى الأخرى بالإضافة إلى الجسيمات المادية محتجزةٌ ضمن "غشائية" بثلاثة أبعاد مكانية. يبدو الكون عندها كما في الشكل 7 حيث تنتشر قوى الثقالة وحدها ضمن البعد الإضافي.



الشكل 7: تعيش الجسيمات المادية والقوى غير الثقالية ضمن غشائية بأبعاد مكانية ثلاثة، بينما تستطيع غرافيتونات الثقالة الولوج إلى الأبعاد الإضافية

بيّن النظريون الثلاث السابقون أنه لو كان ذلك صحيحاً لأدّى ذلك إلى نتيجة مذهلة وهي إمكانية وجود أبعاد إضافية من مرتبة أكبر بكثير من طول بلانك. ينجم ذلك عن أن قانون نيوتن في التجاذب الكوني القائل بتناسب قوة الجذب الثقالي بين كتلتين مع، حيث r المسافة الفاصلة بين الكتلتين، سيتغيّر عند وجود الأبعاد الإضافية كأن يصبح متناسباً معفي حالة بعد إضافي وحيد أو في حالة بُعدين إضافيين. حيث أن الجسيمات الرسل حاملة القوى غير الثقالية محتجزةٌ ضمن الغشائية فأيّ تجربةٍ تتضمّن هذه الجسيمات فقط لن تختبر وجودَ الأبعاد الإضافية. يعني ذلك أن المعطيات التجريبية المتراكمة لدينا في المسرّعات حتى الآن والتي تختبر مسافات من مرتبةmmموافقةً للقوى الكهرطيسية والنووية لا تنفي وجود أبعاد إضافية تتحّسس لها القوى الثقالية وحدها. تبلغ المسافة التي نستطيع سبرها عبر قوى الثقالة في الوقت الحاضر حوالي 0.22 mm وبالتالي يمكن اختبار هذه الفرضيات في المستقبل القريب مع اكتمال الصادم الهادروني الكبير LHC في السِرْن حوالي عام 2008، حيث يأمل العلماء إمكانية اختبار قوى الثقالة (أي اختبار شكل قانون نيوتن في التجاذب) ضمن مسافات أصغر من مرتبة المللمتر. قـد يسـمح ذلك بحلّ مسألة "التراتبية" (Hierarchy) في القوى أي  سـبب ضعف قوة الثقالة مقارنة مع القوى الأخرى، إذ يسبّب انتشار قوى الثقالة ضمن الأبعاد الإضافية شعورَنا بضعفها على الغشائية التي نعيش عليها.
  
ارتبط تطوّر هذه الأفكار مع الثورة الثانية في نظرية الأوتار التي تقتضي، كما رأينا، وجود مثل هذه الغشائيات. يعمل كثير من النظريين الآن على هذه الأفكار حيث تشكّل غشائيات نظرية الأوتار مسرحاً ملائماً لأحداث كوننا حيث تمتدّ الأوتار المفتوحة بين هذه الغشائيات وتحمل في نهايتيها "شحنات" القوى غير الثقالية وبالتالي يمكن توليد القوى الكهرطيسية والقوى النووية، بينما يمكن للأوتار المفتوحة كذلك الاتحاد لتشكيل أوتار مغلقة تمثّل غرافيتونات الثقالة التي تسبح ضمن الزمكان بكل أبعاده.

- خاتمـة :
نخلص من هذا كله إلى القول إن نظرية الأوتار جميلة رياضياتياً، وقد تحقِّق هدف الفيزيائيين في إيجاد نظرية كل شيء، فعلى سبيل المثال هناك علاقة بين عدد الثقوب في فضاء كالابي- ياو وعدد العائلات، وبالتالي تحوّل السؤال عن سبب وجود عائلات ثلاث إلى السؤال عن خواص فضاء كالابي- ياو الهندسية التي تقتضي احتواءه على ثلاثة ثقوب. مع بزوغ الثورة الثانية فإنه لدينا الأمل في الاقتراب من فهم ماهية هذه النظرية وأسرارها العميقة، وقد نتمكن من الإجابة عن أسئلة جوهرية لم تتطرّق لها النظريات السابقة، وقد نتمكن أخيراً من تحقيق حلم أنشتاين في توحيد القوى


انتهى



لكن المشكلة اني لم افهم كل الاشياء

مثلا
ما المقصود من التراوحات الكمومية


النظرية الأم وعلاقتها بالصور الخمس لنظرية الأوتار.
لم افهمها جيدا

لماذا  قانون نيوتن في التجاذب الكوني القائل بتناسب قوة الجذب الثقالي بين كتلتين مع ، حيث r المسافة الفاصلة بين الكتلتين، سيتغيّر عند وجود الأبعاد الإضافية

2
احببت ان انقل لكم هذا الموضوع انشاء الله انه يعجبكم  



نضال شمعون  
قسم الفيزياء
المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا
دمشق، سوريا

تغمر السعادةُ قلبَ أيِّ فيزيائي فيما لو استطاع تحقيقَ سبقِ اكتشافٍ واحد مهمّ يتمّ تدريسه إلى الأجيال التالية من طلاب الفيزياء. استطاع فيزيائيون قلائل تحقيقَ ذلك خلال حياتهم وفيزيائيون أكثر ندرةً هم مَن ذُكرت أعمالُهم مرّتين أو أكثر في الكتب المرجعية. ولكن أنشتاين كان مختلفاً، حيث أتمّ خلال أقل من ثمانية أشهر في عام 1905  كتابةَ خمسة أوراقٍ علمية غيّرتْ وجه العالَم إلى غير رجعة. عالجت هذه الأوراق مجالات ثلاثة متباينة هي النسبية والمفعول الكهرضوئي ثم الحركة البراونية، فقلبتْ مفهومَنا عن الزمان والمكان وبيّنتْ عدمَ كفاية الوصف الموجي للضوء ووضعت الأسسَ المفاهيمية لاكتشاف الذرة.

والأعجب من ذلك هو عدم اعتماد تلك الأوراق على معطيات تجريبية قاطعة ولا على أدوات رياضياتية متقدّمة. بدلاً من ذلك، قدّم أنشتاين حججَه وأفكارَه بأسلوب سلس يعتمد على الحدس الفيزيائي، وكما يقول العالِم جيرارد توفْت الحائز على جائزة نوبل عام 1999 فإن عظمة تلك الأعمال لا تكمن في صعوبتها بل في غياب أي شخص فكّر بها قبل أنشتاين. لقد كان أنشتاين أول مَن جعل العالَم يدرك أن التفكير المجرّد قادر على تغيير فهمنا للطبيعة.
بمناسبة مرور مائة سنة على ظهور أوراق أنشتاين الثورية عام 1905، اعتُبرت هذه السنة 2005 السنةَ الدولية للفيزياء، وبينما تتعرّض المحاضرة الرابعة لانقلاب المفاهيم الفيزيائية في القرن العشرين والتي لعب أنشتاين دور الرائد فيها،  فإنني سأتحدّث في هذه المحاضرة عن فكرة توحيد القوى في الفيزياء، تلك الفكرة التي شغلت بال أنشتاين خلال السنوات الثلاثين الأخيرة من عمره؛ وهو وإن لم يستطع تحقيق نجاحٍ في هذا المجال يقارَن بنجاحاته في مرحلة الشباب فإنه، كما يقول جوهن إيليس العالِم المشهور في مختبرات السِرْن، قد وضع "كأس التوحيد المقدّسة" هدفاً يسعى وراءه النظريون، وكان في ذلك سابقاً لعصره مرة أخرى.

•   حلم أنشتاين الأخير
نطق أبراهام باييس في كتابه الشهير: "رائع هو الإله Subtle is the Lord"، والذي صدر عام 1982 وتناول حياة وأعمال أنشتاين، بحُكمٍ غير قابل للنقض على محاولة أنشتاين البحثَ عن نظريةِ حقلٍ توحيدية، إذ قال فيه: "لم يحن الوقت بعد لتحقيق وحدة القوى في الطبيعة، ولم تؤدّ أعمال أنشتاين في هذا المجال إلى نتائج مهمة فيزيائياً". مع ذلك، فقد مرّ الآن حوالي العقدين على هذا الحُكم الذي قد يبدو مع التطورات الحديثة التي طرأت على الفيزياء قاسياً بعض الشيء. لنعدْ إلى عشرينيات القرن العشرين حيث بدأ أنشتاين بحثه عن حقيقة  الوحدة في الفيزياء. في ذلك الوقت، كان البروتون والإلكترون الجسيمَين دون الذريَّين الوحيدَين المكتشفَين تجريبياً، وكانت أبحاث الفيزيائيين النظريين لتطوير بنية ميكانيك الكم ونظرية الحقل الكمومي تشغل كل أوقاتهم وتملأ عليهم حياتهم العلمية، في حين عمل الفيزيائيون التجريبيون على سبر أغوار الخصائص الدقيقة للذرة وتوصّلوا إلى اكتشاف كثير من المكوّنات المادية الأولية كالنترون في الثلاثينيات. وسارت النظرية والتجربة جنباً إلى جنب، توجّه الأولى الثانيةَ وتصقل الثانيةُ الأولى، في رحلةٍ، وقف منها أنشتاين موقف المتفرّج، أوصلتهما فيما بعد وخلال نصف قرن إلى وضع النموذج المعياري. إذن لم تُعتبر مسألة توحيد القوى في ذلك الحين مسألةً ذات أولية ضمن أذهان الفيزيائيين.
ما كان يحاوله أنشتاين وزملاؤه الموحّدون القلائل في ذلك الوقت هو إيجاد صياغة واحدة للنسبية العامة – النظرية التي تصف قوى الثقالة- مع إلكتروديناميك معادلات ماكسويل –التي تصف القوى الكهرطيسية -. قدّم كالوزا في ورقة بعث بها إلى أنشتاين في سنة 1919 اقتراحاً مثيراً مؤدّاه أن بنية النسيج المكاني للكون قد تحوي أكثر من الأبعاد المكانية الثلاثة التي نعرفها؛ وكان دافعه إلى ذلك إدراكه أن هذا الاقتراح يقدّم إطاراً مفاهيمياً واحداً تتوحّد فيه نسبية أنشتاين العامة ونظرية ماكسويل في الكهرطيسية. ونتساءل فوراً: كيف يتأتى لهذا الاقتراح أن يتفق وما نراه ونلمسه حولنا عن وجود ثلاثة أبعاد مكانية فقط؟

تكمن الإجابة عن هذا التساؤل، وكانت متضمَّنة في أعمال كالوزا وتمّ لاحقاً صقلها وتقديمها من قبل عالِم الرياضيات السويدي أوسكار كلاين في سنة 1926، في إمكانية امتلاك بنية النسيج المكاني للكون كلتا فئتي الأبعاد المكانية الممتدة والملتفة؛ ففيه أبعاد كبيرة ممتدة مرئية، هي الأبعاد الثلاثة المعروفة لنا ولكن فيه كذلك أبعاداً إضافية صغيرة ملتفة على نحو ملتزّ في حيّز صغير تتعذر معه رؤيتها حتى بأكبر تجهيزاتنا دقة وكفاءة. وهكذا يقودنا هذا التفكير، وعلى نحو غير متوقع، إلى عدم استبعاد وجود أبعاد إضافية صغيرة ملتفة غير الأبعاد المكانية الثلاثة المعروفة، شريطة أن تكون صغيرة جداً بحيث تعذّر كشفها. في الحقيقة، بيّنت حسابات كلاين سنة 1926 والتي ضمّن فيها بعضاً من أفكار ميكانيك الكمّ البازغ حديثاً وقتها أن البعد الدائري الإضافي هو من مرتبة طول بلانك، وبذلك فهو أصغر بكثير ممّا يمكن تقصّيه تجريبياً؛ وقد أطلق الفيزيائيون منذئذ اسم نظرية كالوزا- كلاين على إمكانية وجود أبعاد مكانية إضافية صغيرة جداً.

تبنّى كالوزا الفرضية "المتواضعة" بوجود بعد مكاني إضافي واحد وعمّم صياغة أنشتاين للنسبية العامة لكتابة معادلات جديدة تتوافق وكوناً يحوي أبعاداً مكانية إضافية. ما وجده في صياغته الجديدة هو أن المعادلات الخاصة بالأبعاد المكانية الثلاثة المعروفة تتطابق في جوهرها مع معادلات أنشتاين، غير أن اعتماده بعداً مكانياً رابعاً أتاح له صياغة معادلات إضافية جديدة، لاحظ بعد دراستها شيئاً مذهلاً ومفاجئاً، إذ لم تكن تلك المعادلات الإضافية إلاّ تلك التي كان ماكسويل قد وضعها في ثمانينيات القرن التاسع عشر لوصف القوى الكهرطيسية!. وهكذا، وباعتماد بعد مكاني رابع، استطاع كالوزا توحيد نظرية أنشتاين عن الثقالة ونظرية ماكسويل عن الضوء.

كان يُظن قبل كالوزا أن الثقالة والكهرطيسية تمثلان قوتين لا رابط بينهما إذ لم يكن هناك ما يشير لذلك، إلاّ أن كالوزا رأى أن هناك ارتباطاً عميقاً ما بين هاتين القوتين، فكلّ منهما ترتبط بتجعّدات بنية النسيج المكاني وتموّجاتها: قوة الثقالة تنتقل عبر هذه التجعّدات في الأبعاد المكانية الثلاثة المألوفة لهذه البنية، في حين تنتقل القوة الكهرطيسية عبر تجعّداتٍ تتعلّق بالبعد الجديد الرابع الملتف حول نفسه.

بعث كالوزا بورقته إلى أنشتاين، فأثارت اهتمامه في البداية، وكتب إلى كالوزا في 21 نيسان 1919 يقول إنه لم يخطر على باله قطّ أن توحيد القوتين يمكن أن يتحقق عبر فضاء أسطواني خماسي الأبعاد (أربعة أبعاد مكانية وبعد زماني)، ويستطرد مضيفاً: "إني وللوهلة الأولى أستسيغ فكرتك تماماً". ولم يمض أسبوع على ذلك حتى يميل أنشتاين إلى التحفّظ فيكتب إليه قائلاً بنبرة تنزع إلى الشك: " لقد أعدتُ قراءة ورقتك ووجدتها جديرة بالاهتمام، ورغم أني لم أجد فيها ما يستحيل قبوله إلاّ أنني لم أقتنع بشكل كاف بما قدّمتَ من حجج". ويعود أنشتاين من جديد بعد ذلك بسنتين فيكتب إلى كالوزا في 14 تشرين الأول من عام 1921، وكان قد أُتيح له الوقت الكافي للتأمل في مقاربة كالوزا واستيعابها: "أعيدُ النظر بتحفّظي السابق الذي أبديته منذ سنتين وحال في حينه دون نشر أفكارك عن توحيد الثقالة والكهرباء. وإذا ما رغبتَ فإنني سأعرضها أمام الأكاديمية". وهكذا حاز كالوزا رضى أنشتاين وقبوله وإن بعد حين.

ورغم جمال فكرة كالوزا ودراساته التفصيلية اللاحقة لها وإسهامات كلاين فيها، فقد كانت تتعارض على نحو جدي وبعض المعطيات التجريبية. فقد أظهرت المحاولات التي جرت لدراسة الإلكترون في إطار هذه الفكرة، علاقاتٍ بين كتلته وشحنته بعيدة كل البعد عن قيمتيهما المحدّدتين تجريبياً. ولم يبد أن هناك أملاً في تجاوز هذا التعارض، لذلك انصرف عن أفكار كالوزا كثير من الفيزيائيين الذين انجذبوا إليها بداية. غير أن أنشتاين وآخرين ظلوا يبحثون من حين لآخر عن إمكانية وجود أبعاد إضافية ملتفة حول نفسها. وما لبثت تلك الأفكار أن نُحّيت جانباً بعيداً عن اهتمامات الفيزيائيين النظريين لتشغل مكاناً هامشياً فيها.

في الحقيقة، لقد تابع أنشتاين فكرة كالوزا-كلاين وكان يكتب من آن لآخر ورقةً تتضمّن كوناً بأبعاد خمسة لغاية وفاته عام 1955 في برنستون. ولكن أنشتاين، نفسه، قبِل مرات كثيرة بأن ورقاته في هذا المجال ليست ناجحة تماماً، فمثلاً قال بتكافؤ ورقتيه اللتين كتبهما عام 1927 مع عمل كلاين وبعدم احتوائهما على أفكار جديدة.


حاول أنشتاين كذلك تعميم مفهوم "المترية" في النسبية، هذا الموتّر التناظري الذي يصف انحناء الزمكان، بحيث يصبح قادراً على وصف الحقل الكهرطيسي، ولم يكن النجاح حليفه لا في محاولته إدخال مترية متخالفة (لا تناظرية)، ولا في محاولته الاستغناء عن الموتّرات كلها. فمثلاً في ورقته الأولى عن التوحيد عام 1925، لم يكن القسم المتخالف في الموتّر مناسباً لوصف جميع مركّبات الحقل الكهربائي والمغناطيسي، ويمكن القول إن أنشتاين لم ينجح أبداً في استنتاج معادلات ماكسويل من خلال مفاهيم هندسية. في الحقيقة، ودفاعاً عن أنشتاين، تظهر الموتّرات المتخالفة بشكل طبيعي في نظرية الأوتار التي سنتحدّث عنها لاحقاً، ولكن ما كان بإمكان أنشتاين في ذلك الماضي البعيد القيام بذلك.

ما يثير الإعجاب في محاولات أنشتاين هذه هو عمله الدؤوب وإصراره على طرق جميع الأبواب الممكنة بلا كلل من أجل تحقيق هدفه الأسمى في التوحيد. مع ذلك، لا بدّ من القول إن هذه المحاولات أبعدت أنشتاين عمّا حدث في الفيزياء من تطوّرات مهمة؛ فعلى سبيل المثال بقي موقفه سلبياً من ميكانيك الكم، واكتفى بالمراقبة ولم يشارك فعلياً في اكتشاف الجسيمات الأولية والتآثرات النووية الجديدة . لقد سهى أيضا عن أهمية  بعض الأفكار التي لعبت دوراً كبيراً في مجال التوحيد فيما بعد، فمثلاً ورغم إشارته إلى أهمية عمل وايل سنة 1918 عن التحويلات المقياسية (scale transformations) في أبعادٍ أربعـة فإنـه لم يســاهم في تطوير أفكار التحوّلات الطورية المعيارية الموضـعية (local gauge transformations) التي قاد إليها عمل وايل والتي لعبت دوراً كبيراً في الخمسينيات وما بعدها في توحيد القوى الكهرطيسية والنووية.

قد نتساءل عن سبب عدم نجاح أنشتاين في مجال التوحيد، وهنا لا يكفي أن نعزو ذلك إلى كبر سنّه، بل ربّما كان أنشتاين سابقاً لعصره، وحتى لو شارك فعلياً في التطورات الحديثة في فيزياء عصره فإن المعلومات التي كانت لدينا قبيل وفاته لم تكن كافية لمعالجة أسئلة صعبة مثل مسألة التوحيد. على العكس من ذلك، يمكن القول إن غالبية فيزيائيي التوحيد اليوم إنما يسلكون طريقاً هندسياً من أجل تحقيق هذا الهدف، مثل طريق نظرية الأوتار التي كما سنرى تتضمّن كوناً بأبعاد إضافية على هيئة أشكال هندسية معيّنة، وهم بذلك يسيرون في الطريق الذي خطّه أنشتاين وكالوزا وكلاين أولاً.  يكمن دور أنشتاين على الأقلّ في أنه عرّف لنا هدف وحدة القوى في الطبيعة كمسألة أساسية في الفيزياء يجب أن تتركّز الجهود لحلّها.
            
•   نظرية كالوزا-كلاين الحديثة
تبدّل فهمنا للفيزياء بصورة محسوسة وازداد عمقاً، وعلى نحو كبير، خلال العقود الستة التي انقضت منذ قدّم كالوزا اقتراحه الأولي؛ فقد تمّت صياغة ميكانيك الكم، وتمّ التحقّق منه تجريبياً، واكتُشفت القوتان الشديدة والضعيفة، اللتان لم تكونا معروفتين في العشرينيات، وتمّ فهمهما إلى حدّ كبير. وقد عزا بعض الفيزيائيين فشل اقتراح كالوزا في حينه إلى عدم أخذه بالاعتبار هذه القوى (لجهله بها)، وبالتالي إلى معالجته المحافظة جداً لتحديث مفهوم المكان. فوجود قوى أكثر يعني الحاجة إلى أبعاد إضافية أكثر، إذ تبيّن أن البعد الدائري الإضافي الوحيد لم يكن كافياً، رغم ما أظهره إدخالُه من صلات تجمع ما بين النسبية العامة والكهرطيسية.

ومع حلول منتصف السبعينيات، تركّزت الجهود وتكثّفت الأبحاث حول نظريات عمادها أبعاد أكثر يلتف بعضها على ذاته في اتجاهات مكانية متعددة. ويبدو على الشكل 2.a بعدان إضافيان اثنان ملتفان مشكّلَين سطح كرة؛ كما يُظهر الشكل 2.b صورة أخرى حيث يأخذ البعدان الإضافيان فيها شكل كعكة مجوّفة (أو طارة). ويمكن تخيّل إمكانات أخرى أكثر تعقيداً تشمل أبعاداً مكانيـة إضافـيـة ملـتـفـة بأعـداد أكـبـر (ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو أي عدد) مشكّلةً طيفاً من الأشكال الغريبة يتعذّر رسمه. يستلزم وجود هذه الأبعاد " العليا" صغرَ امتدادها المكاني، فهو أصغر من أصغر الأبعاد التي يمكننا سبرها، إذ لم يتوفّر حتى الآن أي دليل تجريبي على وجودها.


الشكل 2.a: بعدان إضافيان دائريان ملتفان على شكل كرة.    
 

.    الشكل 2.b: بعدان إضافيان دائريان ملتفان على شكل كعكة مجوفة

كانت أهم الاقتراحات الواعدة للنظريات ذات الأبعاد العليا، تلك التي تضمّنت التناظر الفائق ، حيث يساهم التزاوج بين الجسيمات وشركائها الفائقين بتحقيقِ إلغاءٍ جزئي للتراوحات الكمومية الضارة المرتبطة بالمسافات القصيرة والتي تسبّب انهيار النظرية، كما سنرى. وقد أطلق الفيزيائيون تسمية الثقالة الفائقة ذات الأبعاد العليا على النظريات التي تتضمن الثقالة والأبعاد الإضافية والتناظر الفائق.

وكما كان الحال مع محاولة كالوزا الأصلية، فقد بدت واعدةً في بداية الأمر نسخٌ متعددة من نظرية الثقالة الفائقة ذات الأبعاد العليا؛ وذكّرت المعادلات الجديدة الناجمة عن الأبعاد الإضافية بتلك المستخدَمة في وصف القوة الكهرطيسية والقوتين الشديدة والضعيفة. إلاّ أن التمعّن فيها أظهر أن عقباتٍ صعبةً لا تزال في مواقعها، غير أنه سرعان ما بدا أن قطعاً أو أجزاء من نظرية موحّدة أخذت تتشكل شيئاً فشيئاً، وكان ينقصها العنصر أو الجزء الحاسم الذي يجمع شتاتها في إطار كمومي. وما لبث هذا الجزء، وهو نظرية الأوتار، أن أخذ موقعه الرئيسي على مسرح الأحداث في سنة 1984.

•   نظرية الأوتار
نظرية الأوتار هي المرشح الوحيد الذي لدينا الآن والذي يجمع بين النسبية العامة وميكانيك الكم. يمكن القول إن تطور تاريخ الفيزياء في القرن العشرين تمثل بحجري رحى أساسيين وُجدا لحلّ تناقضات سابقة، فاكتشاف النسبية الخاصة سنة 1905 حلَََّ التناقض بين ميكانيك نيوتن وثبات سرعة الضوء في معادلات ماكسويل ثم لحقتها توأمتها النسبية العامة سنة 1915 لحل التعارض الناشئ بين التفاعل الآني في قانون نيوتن في الثقالة مع وجود سرعة فيزيائية أعظمية كما تقول النسبية الخاصة. بدوره، أتى ميكانيك الكم في العشرينيات وحلَّ معضلة تفسير عدد كبير من الظواهر التجريبية وأولها الطاقة المحدودة للإشعاع الصادر عن جسم ساخن (قانون بلانك 1901).

تعتبر هاتان النظريتان (النسبية+ميكانيك الكم) الأساس الذي تقوم عليه فيزياء اليوم وتصلح النسبية لوصف المظاهر العيانية الكبيرة والثقيلة (كالنجوم والمجرات) بينما يصلح ميكانيك الكم لوصف الأشياء الصغيرة والخفيفة (مثل الذرات). احتاج الفيزيائيون في دراستهم لظواهر الطبيعة حتى الآن إلى تطبيق إحدى هاتين النظريتين فقط وبذلك لم يتعرضوا إلى ضرورة تطبيقهما معاً. مع ذلك تصبح الأشياء في مراكز الثقوب السوداء ثقيلة وصغيرة مما يعني الحاجة إلى تطبيق النظريتين معاً هناك، وهنا يظهر التعارض بين بنية كلتا النظريتين.

لرؤية هذا التعارض نذكّر بأن الأساس الذي تقوم عليه النسبية العامة هو الهندسة الريمانية والتي تعني أن الخلفية الزمكانية هي متنوع أملس يسبب وجودُ الكتل فيه تشوهاتٍ في بنيته تنتقل بسرعة الضوء وتعبّر عن حقل الثقالة. حيث أن لبَّ ميكانيك الكم ذو علاقة وثيقة بعلاقات الارتياب لهايزنبرغ فإنه يمكن تبيان أن الفراغ الكمومي إنما يعج بتراوحات هائجة حيث تسمح علاقات الارتياب للزمن-الطاقة باستيراد طاقة تكفي لخلق أزواج من الجسيمات وأضدادها تدوم لفترة قصيرة جداً يفني بعدها بعضُها بعضاً. وبالتالي فإن الفراغ الكمومي والذي هو حالتنا الأساسية لا يمكن التعبير عنه بحالة ملساء كما تفترض الهندسة الريمانية في حال رغبنا بإيجاد نظرية كمومية للثقالة. هذا هو سبب التعارض بين ميكانيك الكم والنسبية العامة.

تخفف نظرية الأوتار من هذا التعارض كما أشرنا وبالتالي يمكن اعتمادها لإنشاء نظرية كمومية عن الثقالة. علاوة على ذلك تسمح نظرية الأوتار بالإجابة عن أسئلة جوهرية لا تتعرض لها النظريات الأخرى المتوفّرة، فمثلاً بيّنت المعطيات التجريبية في النصف الثاني من القرن العشرين أن الجسيمات الأولية التي تكوّن اللبنات الأساسية للكون تأتي ضمن ثلاث عائلات من الكواركات تضم العائلة الأولى الكوارك العلوي والسفلي ويرافقهما لبتونان هما الإلكترون ونترينوه، بينما تضم العائلة الثانية الكوارك الفتّان والغريب ويرافقهما اللبتونان الميون ونترينوه بينما تضم العائلة الأخيرة الكوارك الذروي والكوارك القعري ويرافقهما اللبتونان التاو ونترينوه. تتدرج العائلات في كتلها فالعائلة الثالثة أثقل من الثانية التي هي أثقل من الأولى. تُعتبر قيمُ كتل هذه الجسيمات معطياتِ دخلٍ لنموذج واينبرغ سلام المعياري لوصف الجسيمات الأولية ولكن هذه النظرية- النموذج لا تسأل نفسها عن سبب امتلاك الجسيمات الأولية لقيم الكتل التي لها. إن نظرية الأوتار تطرح على نفسها مثل هذه الأسئلة الجوهرية فتسأل لماذا البروتون أثقل بحوالي 2000 مرة من الإلكترون وتسأل عن سبب وجود عائلات ثلاث فقط في الطبيعة. من أجل ذلك تسمّى نظرية الأوتار أحياناً بنظرية كلّ شيء، وكما قلنا فإننا لا نمتلك غيرها الآن ممّا قد يقدر على توحيد القوى الأربع في الطبيعة: الكهرطيسية، الثقالية، النووية الشديدة والنووية الضعيفة.

ابتدأت نظرية الأوتار تاريخياً أواخر الستينات حيث فكّر فينيزيانو بتوصيف القوى الشديدة بين كواركين من خلال أوتار تصل بينهما وكلما ازداد الشدّ ازدادت إمكانية انفصام الوتر وبالتالي خلق كوارك وكوارك مضاد ممّا يتوافق مع فكرة احتجاز الكواركات وعدم إمكانية رؤيتنا لكوارك حرّ. لم تتوافق النتائج النظرية لهذه الصورة مع المعطيات التجريبيـة ولذلك غُضَّ الطرف عن نظرية الأوتار في بادئ الأمر. ما لفت النظر لها هو برهان شيرك وشفارتز عام 1974 على أنه يجب النظر إلى الأوتار على أنها نظريةٌ لجميع القوى بما في ذلك الثقالية وأن سبب فشل الأوتار السابق هو حصر استخدامها خطأً لوصف القوى الشديدة فقط. تكمن الفكرة الأساسية في الأوتار على أن اللبنة الأساسية للكون هي الوتر وعلى أن جميع الجسيمات الأولية مع جسيمات الرسل المسؤولة عن انتقال القوى (والتي تعبر عن كمّات حقول القوى) إنما هي أنماط اهتزازية لهذا الوتر الأساسي. ما وجده شيرك وشفارتز أن هناك دوماً نمطاً اهتزازياً كتلته معدومة وتدويمه (سبين) مساولـ 2. إن هذا النمط موافق لجسيم الغرافيتون الافتراضي والذي يعبر عن كمّات الثقالة ولذلك يجب النظر إلى الأوتار على أنها نظرية كمومية قادرة على وصف الثقالة. بما أننا لا نرى هذه الأوتار فإننا نتوقع طولها صغيراً جداً من مرتبة طول من الجدير ذكره أن توتّرات كبيرة جداً من مرتبة طاقة بلانك توافق هذه الأطوال الصغيرة ولكن بسبب وجود التراوحات الكمومية فإنه هناك أحياناً حذوفات كبيرة بينها، وهذا يوافق حالة الجسيمات الأولية الخفيفة التي نراها في كوننا بطاقات أصغر بكثير من طاقة بلانك (في حالة الغرافيتون هناك حذف تام بين طاقات التوتّر البلانكية وطاقات التراوحات الكمومية). هذا يعني أنه قد نجد في المستقبل جسيمات أثقل في المسرعات الضخمة توافق أنماطاً اهتزازية للوتر لم يتم خلقها بعد في تجاربنا.

لنعد الآن إلى معالجة الأوتار للتعارض بين النسبية العامة والكم. إذا ما نظرنا إلى حادثة تبعثر جسيمين عبر جسيم رسول فإن نظريات الحقول الكمومية تعرّف حادثةً في الزمكان يتم فيها التفاعل بين الجسيمين حيث يُخلق الجسيم الرسول، كما يبدو في الشكل 3.


الشكل 3: تقول نظريات الجسيمات النقطية بوجود نقطة واحدة يتمّ فيها التفاعل بين جسيمين متبعثرين.

إذا ما نظرنا من وجهة نظرية الأوتار فإنه لا توجد حادثة واحدة (نقطة هندسية في الزمكان) يتفّق جميع المراقبين على حدوث التفاعل فيها

   

الشكل 4: من وجهة نظرية الأوتار، لا يمكن القول بوجود نقطة واحدة يتّفق جميع المراقبين على حدوث التفاعل فيها.

إن توزيع التفاعل بين نقاط عديدة كفيل بإزالة المقادير اللانهائية الشاذة التي تظهر في نظريات الحقول الكمومية والناجمة عن تمركز التفاعل في نقطة واحدة.

هناك صفة للأوتار هي ضرورة تمتعها بالتناظر الفائق في حال توصيفها لفرميونات، كذلك تبيّن الحسابات أنه من أجل انسجام النظرية (وبصورة خاصة، من أجل عدم الحصول على قيم سالبة للاحتمالية) لا بد للكون في نظرية الأوتار من امتلاك تسعة أبعاد مكانية يهتز فيها الوتر. إن فكرة الأبعاد الإضافية، كما رأينا، ابتكرها كالوزا وكلاين في العشرينيات وهدفا فيها لوصف الكهرطيسية في أربعة أبعاد من خلال اعتبار الثقالة في خمسة أبعاد، بينما وجود الأبعاد الإضافية في نظرية الأوتار هو نتيجة حتمية تقتضيها النظرية.

تلتف هذه الأبعاد الإضافية على نفسها ضمن بناء هندسي عليه أن يحقّق بعض الخواص من أجل تضمين التناظر الفائق في النظرية. أبسط هذه الفضاءات الهندسية للأبعاد الإضافية هي كعكات مجوّفة Tori وأفضل منها ظواهرياً هو نوع خاص من الفضاءات الرياضياتية تُعرف باسم فضاءات كالابي-ياو.


الشكل 5: صورة لفضاء كالابي- ياو

بعد الثورة الأولى للأوتار حوالي عام 1984 عندما برهن شفارتز وغرين وويتن عدم وجود الشذوذات anomaly في النظرية (لابدّ لأي نظرية كمومية مقبولة أن تغيب فيها هذه الشذوذات التي ترافق غياباً لتناظرات كلاسيكية ناجماً عن تكميم النظرية)، كان هناك خمس طرق لتضمين التناظر الفائق في الأوتار وبالتالي كان لدينا خمس نظريات أوتار تدعـى: نظرية النوع الأول I، نظريـة النوع الثانـي IIA، نظرية النوع الثاني IIB، نظرية النـوع المتغايـر O (Heterotic O) ونظرية النوع المتغاير E (Heterotic E)، ولم نعرف لفترة طويلة كيفية اختيار واحدة منها. لتبيان الاختلافات بين نظريات الأوتار الخمس هذه، نشير إلى أن الاهتزازات التي تلحق بعروة وترية، يمكن أن تجري، بصورة مبسّطة، إمّا باتجاه عقارب الساعة أو بعكس هذا الاتجاه. تختلف نظرية النوع الثاني IIA عن نظرية النوع الثاني IIB في أن نوعي الاهتزازين هذين في النظرية الأخيرة يتماثلان فيما بينهما، في حين يكونان على نقيضٍ في نظرية النوع الثاني IIA. ولعبارة على نقيض هنا دلالة رياضياتية دقيقة، إلاّ أننا للسهولة سننظر إليها من خلال تدويمات الأنماط الاهتزازية الناجمة في كلّ واحدة من هاتين النظريتين. ففي نظرية النوع الثاني IIB تدوّم كل الجسيمات في الاتجاه ذاته (أي أن لها اللاانطباقية chirality ذاتها) في حين أنها تدوّم في نظرية النوع الثاني IIA في كلا الاتجاهين (أي أن لها كلتا اللاانطباقيتين)، فنقول عن نظرية النوع الثاني IIB إنها انطباقية بينما نظرية النوع الثاني IIA لا انطباقية. مع ذلك فكلّ واحدة من هاتين النظريتين تتضّمن التناظر الفائق. أما نظريتا النوعين الوتريين المتغايرين، فتختلفان على نحو مشابه وإن كان أكثر إثارة. ذلك أن كل واحد من اهتزازاتها التي تجري باتجاه عقارب الساعة يبدو كاهتزاز النوع الوتري الثاني (إذ تتماثل نظريتا النوع الثاني IIA وIIB عندما نركّز اهتمامنا فقط على الاهتزازات التي تجري باتجاه عقارب الساعة)، لكن اهتزازاتها التي تجري بعكس هذا الاتجاه فهي كاهتزازات نظرية الوتر البوزوني الأصلية. ورغم ما يثيره هذا الوتر البوزوني من صعوبات لا يمكن التغلّب عليها إذا ما اختير للدلالة على الاهتزازات الوترية، فقد بيّن كل من غروس وهارفي ومارتينك، وروهم سنة 1985 أن نظريةً كاملةً ودقيقة ستظهر عند دمج نظرية الوتر البوزوني مع نظرية النوع الوتري الثاني. وتبدو السمة الغريبة حقاً لهذا الاتحاد فيما أظهرته أعمال كلود لوفيلاس وبراون وغودارد وثورن سنة 1972، من أن نظرية الوتر البوزوني تقتضي 26 بعداً زمكانياً في حين تقتضي نظرية الأوتار الفائقة، كما ناقشنا، عشرة أبعاد زمكانية فقط، أي أن إنشاء الوتر المتغاير يشكّل هجيناً غريباً، أو تباينية، تجري فيها الاهتزازات بعكس اتجاه عقارب الساعة في 26 بعداً، في حين تجري الاهتزازات باتجاه عقارب الساعة في عشرة أبعاد فقط! مع ذلك،  بيّن غروس ورفاقه أن الأبعاد الإضافية الستة عشر في نظرية الوتر البوزوني يجب أن تلتفّ على ذاتها في هيئة شكلٍ واحد من بين شكلين خاصّين جداً لكعكة مجوّفة ذات أبعاد كثيرة، مولّدة النوعين الوتريين المتغايرين O وE. ولما كانت هذه الأبعاد الإضافية الستة عشر تلتف حول ذاتها بإحكام، فإن كل واحدة من نظريتي النوعين المتغايرين O وE تسلك كما لو كانت نظريةً ذات عشرة أبعاد فقط كما نظرية النوع الوتري الثاني؛ ولكلّ واحدة من نظريتي النوعين المتغايرين تناظرها الفائق الخاص. نشير أخيراً إلى أن نظرية النوع الوتري I قريبة جداً من نظرية النوع الثاني IIB باستثناء أن فيها بالإضافة إلى العرى الوترية المغلقة أوتاراً ذات نهايات طليقة غير متّصلة، وهي ما يُعرف بالأوتار المفتوحة.

من الجدير ذكره وجود نوع آخر من الحركة للوتر لا يتوافر في حالة الجسيمات الأولية إذ يمكن للوتر أن يلتف حول بعد إضافي سنفترضه لتبسيط المناقشة على شكل خرطوم سقاية، وتتحدد كتلة الوتر الأصغرية من مقدار حجم هذا البعد الدائري وعدد المرات التي يلتف الوتر بها حوله: وبالتالي يمكن تصنيف حركة الوتر الاهتزازية إلى:
اهتزازات تأرجحية والتي بدورها تنقسم إلى اهتزازات عادية (يتم حذف أغلبها مع التراوحات الكمومية في حالة الجسيمات الخفيفة) واهتزازات منتظمة توافق حركة انزلاقية للوتر على طول الخرطوم وتتناسب طاقة الوتر هنا عكساً مع نصف قطر الخرطوم، أما النوع الآخر من الاهتزازات فهو اهتزازات التفافية حيث تتناسب الطاقة طرداً مع نصف قطر الخرطوم. هناك ثنوية بين نصف قطر البعد الإضافي ومقلوبه تسمى ثنوية T، ويمكننا أن نرى أنها توافق تبديلاً لنوعي الحركات الاهتزازية المنتظمة مع الاهتزازية الالتفافية.
تسمح هذه الثنوية بالقول إن هناك كوناً فيزيائياً واحداً (جسيماتٌ بقيمِ كتلٍ معطاة) ناجماً عن فضاءين رياضياتيين مختلفين مما يسمح أحياناً بحل مشاكل رياضياتية معقدة في فضاء أول ما عبر الذهاب إلى الفضاء الآخر الرياضياتي والذي يقتضي الكونَ الفيزيائي نفسه للأول.

بقيت معالجتنا لنظرية الأوتار لغاية منتصف التسعينات اضطرابيةً، وكمنت المشكلة في ذلك أنه على خلاف ما اعتدناه عند تطبيق نظرية الاضطرابات في ميكانيك الكم، حيث نعرف المعادلة ولكن نحصل على تقريب جيد للحل، فإنه في نظرية الأوتار لدينا صيغ تقريبية فقط عن معادلاتها المجهولة، وفوق ذلك لا نعرف فيما إذا كانت نظرية الاضطرابات صالحة للتطبيق أم لا. نذكّر أن النظرية صالحة للتطبيق في نظريات الحقول عندما تكون الحدود المتتالية أصغر فأصغر وبالتالي فاقتصارنا على الحدود الأولى يكون تقريباً ممتازاً. في نظرية الأوتار لا نعرف فيما إذا كان الحد الثاني أصغر من الأول أو ما شابه وهذا ما اعترض طريق تقدم نظريي الأوتار في توصيفهم للكون.

استمر ذلك حتى بزوغ الثورة الثانية عام 1995 في مؤتمر الأوتار في كاليفورنيا حيث تقدم العالَم إدوارد ويتن، الحائز على جائزة فيلد في الرياضيات وميدالية ديراك في الفيزياء، إلى المنصة وفاجأ نظريي الأوتار باقتراحه استراتيجيةً جديدة غير اضطرابية لمعالجة المسائل، وحيث بيّن أن النظريات الخمس السابقة ما هي إلا صور خمس مختلفة لنظرية واحدة تضمها كلها سماها باسم نظرية الـM (النظرية الأم الشمولية) والتي لا نعرف عنها الكثير لغاية الآن. ما بيّنه ويتن وزملاؤه من النظريين (أمثال بولشينسكي، غرين، دَفْ وغيرهم) هو وجود علاقات ثنوية قوية بين النظريات الخمس فمثلاً تسمح الثنوية الهندسية T بالانتقال من نظرية النوع المتغاير E إلى النوع المتغاير O. وفوق ذلك هناك ثنوية ثابت الربط القوي-الضعيف التي تسمح بالانتقال من نظرية النوع الأول إلى النوع المتغاير O حيث يمكننا الانتقال من وصف نظرية  O في حالتها اللا اضطرابية، عندما يكون ثابت الربط كبيراً وحيث لا يمكن تطبيق نظرية الاضطرابات، إلى وصف مكافئ لنظرية النوع الأول في حالتها الاضطرابية عندما يكون ثابت الربط ضعيفاً وبالتالي يمكننا إجراء الحسابات. فوق ذلك بيّن ويتن أمراً آخر لافتاً للنظر وهو أننا غفلنا عن وجود بعد آخر في دراساتنا السابقة وبالتالي فإن كوننا بأحد عشر بعداً زمكانياً (10 مكاني و 1 زماني). كيف ذلك وقد بيّنّا أن الحسابات تؤكد وجود تسعة أبعاد مكانية يهتز فيها الوتر؟ ما بيّنه ويتن هو وجود بعد مكاني آخر في بنية الوتر نفسه لا يبدو للعيان إلا إذا زدنا الطاقة كثيراً وبالطبع لا يتحرك الوتر ضمن بعدٍ في بنيته. أدى ذلك إلى وجود كائنات جديدة في كوننا وليس الوتر هو اللبنة الأساسية الوحيدة في الكون، بل هو حالة خاصة في عالَم الغشائيات حيث يمثّل الوترُ الغشائيةَ الأحادية فيه وهناك غشائيات ثنائية وثلاثية و...... تساعية.
ما تبيّنه الأبحاث كذلك هو وجود علاقة وثيقة بين نظرية الأم المجهولة ونظريات تكميم الثقالة النقطية. لقد ابتدأت هذه النظريات الأخيرة في الثمانينات قائمةً على أساس الجسيمات النقطية، وما وجدناه رياضياتياً هو وجود أربع نظريات كمومية للثقالة في عشرة أبعاد ونظرية واحدة بأحد عشر بعداً. إذا ما نظرنا للوتر من بعيد فإنه سيبدو كنقطة، وتبيّنَ أن النظريات الخمس المختلفة للأوتار يمكن تقريبها ضمن هذه الرؤية بالنظريات الأربع للثقالة الكمومية ذوات الأبعاد العشرة، بينما بقيت نظرية الثقالة الكمومية في أحد عشر بعداً أمراً مقبولاً رياضياتياً ولكن بدا أنْ لا علاقة لها بالفيزياء. بّين ويتن عبر الثورة الثانية أن نظرية الـ M عندما ننظر لها من بعيد يمكن تقريبها بهذه النظرية ذات الأبعاد الأحد عشر للثقالة الكمومية، وتكون قد اكتملت بذلك الحلقة التي يمّثلها الشكل 6.



الشكل6: النظرية الأم وعلاقتها بالصور الخمس لنظرية الأوتار. يعني الرمزL.E.  انتقالنا إلى مجال الطاقات المنخفضة، أمّا الرمز cc<<1 فيعني أن ثابت الربط صغير جداً وبالتالي يمكن تطبيق نظرية الاضطرابات. ترمز S-W duality إلى ثنوية ثابت الربط القوي-الضعيف، أمّا T-duality فترمز إلى الثنوية الهندسية بين نصف القطر ومقلوبه.

3
بصراحة شكلك تبيني اغرق في الاحلام
مشكورة على هذا التشجيع

4
':110:'

 ':203:'  بصراحة مواضيعك رائعة  نفسي اكون مثلك

صفحات: [1]