الأهلة نظرة شمولية ودراسات فلكية" هو عنوان الكتاب الذى أصدرته الدار المصرية اللبنانية فى القاهرة أخيراً للباحث عدنان عبد المنعم قاضي وفيه يقدم أطروحة فكرية علمية حول الأهلة التى تتحدد بها الشهور العربية ومنها شهر رمضان.
يأتى الكتاب، الذى يقع فى ثلاثمئة وثلاث وعشرين صفحة من القطع المتوسط، كشهادة فارقة تؤكد ــ كما يرى المؤلف ــ أنه لا تعارض بين الدين والعلم، وتثبت أنهما صنوان لا يختلفان ولا يتصادمان، بل إنهما يلتقيان دائماً فى النقطة نفسها، نقطة من مزيج صاف ضاف، يتوحد فيه النص الشرعى بروحه وجوهره، دون الوقوف على ظاهره اللفظي، والدليل العلمى الرصين..
يتوحد فيه ذلك الفقه الواعى المستنير الذى يستلهم فى كينونته روح الإسلام السامقة الشامخة، بما فيها من آيات إلهية متجاوزة بكل تأكيد عن الخطأ والنقصان، والعرض العلمى المدقق، تصحبه لغة بسيطة سلسة..، يتوحد فيه ثراء المضمون كمحتوي، وجلاء العرض كمعبر لهذا المحتوي. ويشير الباحث السعودى عدنان قاضى إلى أن الموضوعات العلمية الفلكية قد شغلت أذهان كثير من العلماء، وأصبحت قضية الدين والفلك من أهم قضايانا الحياتية، ومن ثم فقد جاء الكتاب ليمثل محاولة لتشكيل لبنة أساسية فى صرح تشييد هذه القضية، وتوضيحها بما يؤكد عموم فائدته للقارئ العام والمتخصص.
من بين ما توصل إليه الباحث أن تحديد دخول الشهور العربية يعتمد على ظاهرة طبيعية هى وجود الهلال فى وقت ومكان معينين: بعد غروب الشمس وفى جهة الغرب، ويقول عدنان قاضي: لإمكانية رؤية الهلال عند بزوغه فى أول ليلة، لا بد من توفر ثلاثة شروط وبهذا التسلسل: أن يولد الهلال ويسمى الاقتران أو المَحَاق أو التقاء النيرين، وهى وقوع الشمس والقمر والأرض على خط طول سماوى واحد، وبهذا التسلسل "ويستخدم علم الفلك هذه الطريقة لبدء الشهر القمرى الاقتراني"، ثم أن تغرب الشمس قبل أن يغرب الهلال "من جهة الغرب، حيث لا علاقة لرؤية الهلال بعد صلاة الفجر من جهة الشرق ولا بغروب الهلال بعد غروب الشمس إذا لم يولد الهلال، فهذا هلال آخر الشهر وقطعاً ليس هلال أول الشهر كما هو مطلوب"، وأخيراً أن يكون هناك وقت كاف بين الغروبين، وإلا طغى ضياء الشمس على نور الهلال النحيل مما يجعل رؤية الهلال مستحيلة، وأن يكون الهلال بعيداً عن الشمس .
ويتساءل الباحث فى كتابه: ماذا يعنى أن يكون هناك وقت كاف بين غروب الشمس أولاً ثم غروب الهلال؟ ويقول مجيباً: هذه نقطة فنية ربما تحتاج إلى شرح علمى مبسط.
فى الفترة من 62 إلى 92 ذى الحجة 1398 "من 27 إلى 30 نوفمبر 1978" انعقد فى إسطنبول بتركيا مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية، هذا المؤتمر قنن النص الشرعى لرؤية الهلال فى صيغة علمية لإمكانية الرؤية واتخذ ضمن توصيات أخرى التوصية التالية:
لإمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة لعموم البشر لا بد من توفر شرطين أساسيين هما: ألا تقل زاوية ارتفاع القمر عن الأفق بعد غروب الشمس رأساً عن 5 درجات، لأن رؤية أى جرم سماوى عند أقل من 5 درجات تصبح متعذرة نظراً لكثافة الغلاف الجوى ودرجة الحرارة وتصاعد الرطوبة والغبرة والأبخرة والغازات وانعكاس وانكسار الأضواء ووجود تلال، والتى قد يصل ارتفاعها الظاهرى فى الأفق إلى أكبر من 3 درجات، وحدة بصر الرائى وأمانته. وأن لا يقل البعد الزاوى بين الشمس والقمر بعد غروب الشمس رأساً عن 7 درجات، لأن ضياء الشمس الهائل يغطى نور الهلال النحيل كلما اقترب القمر من الشمس.
وعلى هذا الأساس وحده يمكن رؤية الهلال بالعين المجردة لعموم البشر فى الأحوال العادية، وحينما تتحقق هذه الشروط يبدأ اليوم والشهر والسنة القمرية فى الوقت نفسه عند مكان واحد معين .
من بين ما تهدف إليه الدراسة إظهار ما إذا كان يوم الإعلان الرسمى لدخول شهر رمضان الكريم وعيد الفطر للفترة من 1380 هـ إلى 1425هـ يوافق الشروط التى وضعها علماء الفلك والشريعة المسلمون فى مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية الذى انعقد فى إسطنبول 1398هـ، وذلك عبر إظهار حيثيات علمية فلكية لليلة التى سبقت دخول الشهر، وذلك لموقع مكة المكرمة. ومنهجية الدراسة هى اتباع شروط المؤتمر، وهي: أن يبدأ الاقتران فى اليوم السابق لبدء الشهر ثم غروب الشمس ثم غروب الهلال مع زاوية ارتفاع القمر عن الأفق تساوى على الأقل 5 درجات، وزاوية انفصال القمر عن الشمس تساوى على الأقل 7 درجات، وذلك لأى شهر قمري.
ويقول الباحث: قُدم اليوم الرسمى لإعلان رمضان من مركز الدراسات والمعلومات فى مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر فى جدة، ولكى نعرف توافق هذا اليوم الرسمى وتوافقه مع شروط المؤتمر فعلينا أن نعرف متى ولد الهلال "اليوم والساعة والدقيقة" وأن نحدد وقت غروب الشمس وغروب الهلال وزاوية ارتفاع الهلال وزاوية انفصال الهلال عن الشمس لليلة السابقة لأول نهار لرمضان وشوال، ولمعرفة اليوم الآخر، استخدم أحدث وأدق برنامج علم فلك متاح للعامة والمختصين والمحترفين واسمه "نتائج الدراسة لشهر رمضان" .
ومن بين ما توصل إليه عدنان قاضى فى نتائج دراسته: لم يحصل قط أن أظهر الحساب العلمى الفلكى أن رمضان كان من المفروض أن يدخل قبل إعلانه رسمياً خلال الفترة، لقد كان أهل الرؤية دائماً سباقين، وأن طريقة الرؤية التقليدية المتبعة وافقت الحساب العلمى الفلكى فى إعلان دخول رمضان فى 6 من 46 مرة، أو بنسبة 13%، وعارضت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة الحساب العلمى الفلكى فى إعلان دخول رمضان فى 40 من 46 مرة أو بنسبة 87%. وفى ليلة إعلان دخول رمضان كان الهلال، بعد غروب الشمس، تحت الأفق فى 29 من الـ 04 مرة، أو بنسبة 63% لكل الفترة، وأن الـ 11 مرة الباقية كان الهلال فى ليلة إعلان دخول رمضان فوق الأفق ما بين 1 إلى 3 لزاوية الارتفاع، وهى أقل من القيمة المطلوبة وهى 5. وفى ليلة إعلان دخول رمضان كان الهلال تحت الأفق من "5 إلى 21 درجة" فى 10 مرات من الـ 29 مرة، بحيث إنه لا بد من مضى يومين لدخول رمضان، وهذه أقصى مدة سجلت، بينما فى 91 مرة من الـ 92 مرة كان الهلال تحت الأفق بحيث إنه لا بد من مضى يوم آخر لدخول رمضان، وكانت هناك 13 مرة ولد الهلال فى صباح نفس اليوم "أى ما بين الساعة 12 صباحاً و11.59 صباحاً، بالتوقيت الزوالي" الذى أعلن أنه بداية رمضان، ومرة واحدة فى مساء نفس اليوم قبل غروب الشمس، وهو رمضان 1412هـ،
وكانت هناك 3 مرات من 36 مرة ولد الهلال فيها قبل يومين من إعلان بدء رمضان "4041 و1423 و4241هـ"، وسجلت سنة 1404 أعلى زاوية ارتفاع للقمر فوق الأفق "10 درجات" لكل الفترة، وسجلت سنة 1412هـ أدنى زاوية ارتفاع تحت الأفق "12 درجة" لكل الفترة.
أما أكبر زاوية انفصال للقمر عن الشمس فقد سجلت سنة 1424 لكل الفترة، بينما سجلت سنة 1382هـ أصغر زاوية انفصال لكل الفترة. ويعتبر إعلان بدء رمضان 1412هـ يوم الأربعاء 4/3/1992 أسوأ إعلان لكل الفترة من حيث بعد الرؤية التقليدية المتبعة عن التوافق العلمى الفلكي، حيث وافق أدنى درجة كان الهلال فيها تحت الأفق "12 درجة"، وبعبارة زمنية، غرب الهلال قبل غروب الشمس بـ 05 دقيقة، فى يوم الثلاثاء 92 شعبان 1412، حسب تقويم أم القرى "3 مارس 1992"، حيث ولد الهلال الساعة 4.23 من مساء يوم الأربعاء 4 مارس 1992 والناس صائمون.
والحقيقة، أنه حتى يوم الخميس "دع عنك الأربعاء" ما كان ليكون بداية رمضان، فالجمعة هو اليوم الأصح .