Advanced Search

المحرر موضوع: ما هو علم الأنثروبولوجيا ...1  (زيارة 1224 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

يونيو 18, 2003, 08:38:56 صباحاً
زيارة 1224 مرات

mng1

  • عضو مبتدى

  • *

  • 17
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
ما هو علم الأنثروبولوجيا ...1
« في: يونيو 18, 2003, 08:38:56 صباحاً »
الأنثروبيولوجيا هي مصطلح مركب من مقطعين باللغة اليونانية هما ( أنثروس ) و تعني إنسان و ( لوجيا ) و تعني علم و بهذا فهي تعني علم الإنسان أو المعرفة المنظمة عن الإنسان , و هي تجمع في علم واحد الجوانب البيولوجية و الاجتماعية و الثقافية للإنسان و ميدان الدراسة الأساسي لها هو الجماعات أو المجتمعات التي تدعى بالبدائية و إن كان هذا الميدان اتسع في الفترة الأخيرة بحيث أصبح يشمل دراسة المجتمعات العليا القديمة و بتأثير المدرسة الثقافية الأميركية ازداد المجال اتساعاً ليشمل مجتمعات أوروبية الأصل تعيش في ظروف تكنولوجية حديثة , و بالتالي أصبحت تدرس الأنماط الحضارية ذات الطابع المعاصر و القديم و الأولي و المدني , كما تدرس المجتمعات الحديثة في الريف و المدينة و تأثير الهجرات في التركيبات الحضارية الثقافية المعاصرة . و من الناحية الاصطلاحية نجد تصورين أساسيين لهذا العلم , التصور الأول هو التصور الأميركي الذي ينظر للأنثروبيولوجيا كعلم يهتم بدراسة الإنسان من الناحيتين العضوية و الثقافية  على حد سواء و يستخدم الأميركيون مصطلح الأنثروبيولوجيا الجسمية أو الفيزيقية للإشارة إلى دراسة الجانب العضوي التطوري الحيوي للإنسان , بينما يستخدمون مصطلح الأنثروبيولوجيا الثقافية لمجموع التخصصات التي تدرس النواحي الثقافية و الاجتماعية لحياة الإنسان يدخل في ذلك الدراسات المتعلقة بالإنسان القديم ( الأركولوجيا ) , كما تتناول الأنثروبيولوجيا الثقافية دراسة لغات الشعوب الأولية و اللهجات المحلية و التأثيرات المتبادلة بين اللغة و الثقافة بصفة عامة و ذلك في إطار ما يعرف بعلم اللغة .
أما التصور الأوروبي للإنثروبولوجيا فهو مختلف بين بلد و آخر , فقد كان يقصد بالأنثروبيولوجيا حتى عهد( كانت  ) دراسة التاريخ الطبيعي للإنسان حيث اتسعت في أوروبا موضوعات الأنثروبيولوجيا بهذا المعنى و تنوعت لتشمل الدراسات المقارنة بين الإنسان و الحيوان و بين السلالات البشرية بل و حتى الدراسة المقارنة بين الذكور و الإناث و صلة ذلك بالأدوار الاجتماعية .و قد اصطلح الفرنسيون على الأنثروبيولوجيا الاجتماعية بالأثنولوجيا و الأثنوغرافية و هم يدرسونها تحت مظلة علم الاجتماع , أما الإنكليز فأسموها بالأنثروبيولوجيا الاجتماعية و تعاملوا معها كعلم قائم بذاته لا يدرج تحته أي من الأركولوجيا أو علم اللغويات و هذا ما ساعدهم على وضع نماذج نظرية تشرح أبنية المجتمعات و تفسّر الآليات و الوظائف التي تساعد على استمرارية الحياة الاجتماعية و تماسكها , و بهذا خرج إلى الوجود ما يشار إليه مثلاً بأنثروبيولوجيا القرابة أو الدين أو الاقتصاد أو النظم السياسية و غير ذلك مما يسير ضمن إطار الانثروبيولوجيا الاجتماعية . و هكذا فالانثروبيولوجيا الاجتماعية في إنكلترا و إلى حد ما في أميركا استعملت للدلالة على فرع معين من الأنثروبيولوجيا التي تعنى بدراسة الإنسان ثقافياً و اجتماعياً , أما في أوروبا فالقاموس اللفظي مختلف , فعندما يتحدث الأوروبيون عن الأنثروبيولوجيا فهم يذهبون إلى ما يسميه الإنكليز الأنثروبيولوجيا الفيزيقية الحيوية أما ما يسميه الإنكليز بالأنثروبيولوجيا الاجتماعية يسمى في أوروبا بالأثنولوجيا أو بالاجتماعيات . و بشكل علم يمكن تقسيم الأنثروبيولوجيا إلى فرعين رئيسيين يتشعب عنهما مجموعة كبيرة من الفروع الأخرى , الفرع الأول هو الأنثروبيولوجيا الحيوية أو الفيزيقية أو الطبيعية , و هي فرع قديم ظهر في أواخر القرن الثامن عشر تحت تأثير الأفكار الداروينية و هو يهتم بدراسة الإنسان من حيث سماته الجسمية و التشريحية كشكل الجمجمة و طول القامة , كما يدرس الإنسان في نشأته الأولى و في تطوره عن الرئيسيات و في كيفية اكتسابه السمات و الخصائص السلالية التي تميزه عن غيره من الأجناس و الأنواع الحيوانية . أما الفرع الثاني فهو الأنثروبيولوجيا الثقافية ( بشقيها الاجتماعي و الثقافي )  وهي تهتم بدراسة منتجات الإنسان الثقافية على اعتبار أنه نوع يتميز عن بقية الأنواع الحيوانية بالثقافة و هذا الفرع تندرج تحته مجموعة من المباحث الأساسية هي علم اللغويات الأنثروبولوجية التي تقوم بدراسة اللغات و تاريخها دراسة بحثية وصفية بغية تحديد أصول اللغات الإنسانية بالإضافة للأنثروبيولوجيا الاجتماعية التي تنقسم بدورها إلى عدة فروع سياسية و قانونية و اقتصادية و دينية … الخ , ثم هناك علم الآثار و ما قبل التاريخ الذي يحاول دراسة أسلوب تطور تفكير الإنسان القديم من خلال مخلفاته الأثرية المختلفة و طرق تطويرها . ومن هذا التيار يمكننا الحديث عن تياران أساسيان هما الأنثروبيولوجيا الاجتماعية و الأنثروبيولوجيا الثقافية , الأولى تهتم بدراسة المجتمعات البسيطة الصغيرة التي يمكن فيها فهم دراسة العلاقة بين النظم الاجتماعية جميعاً , و لذلك بدأ هذا الفرع بدراسة المجتمعات الأولية صغيرة الحجم ذات النسيج الاجتماعي المحدود و المتكامل , و الذي يمتاز ببساطة الفنون و الآلية الاقتصادية و قلة التخصص في الوظائف الاجتماعية , وهذا الاتجاه ساد في إنكلترا بشكل خاص . أما الأنثروبيولوجيا الثقافية فهي بشكل خاص تهتم بالسلوك التقليدي للبشر في السياق الاجتماعي حيث تدرس أنساق الحكم و السلوك لدى الجماعات بدءً من المجتمعات الأولية ذات التكنولوجيا البسيطة وصولاً إلى المجتمعات الأكثر تنظيماً , و على ذلك إذا كانت الانثروبيولوجيا الاجتماعية قد نظرت للإنسان الشامل من خلال نتاجاته فإن نظيرتها الثقافية نظرت للإنسان انطلاقاً من تصوراته  و إذا كانت الأنثروبيولوجيا الاجتماعية تركز على العنصر البشري كالعلاقات الشخصية و العلاقات القائمة بين البشر داخل الجماعات فإن نظيرتها الثقافية تركز على الإنجاز الخلاّق و الأهداف و الأفكار التي يتم توضيحها و نقلها من جيل لآخر .و هذا الفرع من الانثروبيولوجيا نجده قد ساد في الولايات المتحدة الأميركية .  أما من الناحية المنهجية فإن الأنثروبيولوجيا تقسم إلى فرعين أساسين هما الأثنوغرافية و الأثنولوجيا : و كلمة أثنوغرافية تعود إلى المؤرخ الألماني  (ب . ج . نيبور ) عام 1810 و هي تعني الدراسة الوصفية لأسلوب الحياة و مجموعة التقاليد و العادات و القيم و الأدوات و الفنون و المأثورات الشعبية لدى جماعة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة , أما الأثنولوجيا و هي كلمة ظهرت سنة 1787 على يد عالم الأخلاق  (دوشوفان ) فهي تهتم بالدراسة التحليلية و المقارنة للمادة الأثنوغرافية بهدف الوصول إلى تصورات نظرية و تعميمات بصدد مختلف النظم  الاجتماعية الإنسانية و بهذا تكون الأثنولوجيا هي نظرية الأثنوغرافية , فإذا كانت الأثنوغرافية كالتاريخ تعتمد على الاستقصاء و صياغة المواد , فإن الأثنولوجيا كعلم الاجتماع تحلل و تبرز النماذج المقامة على أساس الوثائق الأثنوغرافية هادفة القيام بتركيب ثلاثي , الأول بيئي يقارن مكانياً بين الجماعات السكانية المتجاورة , و الثاني تاريخي زماني يضع الحوادث الرئيسية الخاصة بجماعة معينة في ديمومة الزمان , و الثالث منهجي يتوصل من خلاله إلى تفسير نمط من التقنيات و المؤسسات أو المواقف المتعلقة بجماعة ما , و الأنثروبيولوجيا وفقاً لذلك هي العلم الذي يقود إلى درجة أعلى من التعميم لأنها تطمح إلى تحقيق المعرفة الشاملة عن الإنسان منذ بداياته حتى الوقت الحالي , و هكذا تغدو علاقة الأثنوغرافية بالأثنولوجيا هي نفس العلاقة بين الأثنولوجيا و الأنثروبيولوجيا حيث ترتبط الأولى بالطابع الميداني التحليلي و الثانية بالطابع النظري التوثيقي التركيبي و الثالثة أعم تشمل الاثنين معاً لتقدم نظرة شاملة و عمومية , بحيث لا يمكننا اليوم التحدث عن بحث أنثروبيولوجي بالمعنى الأكاديمي دون أن يكون قد مر بتلك المراحل الثلاث .
و عن تلك التقسيمات و المراحل نشأت المدارس الأنثروبولوجية المختلفة و التي تقسم حسب النشوء التاريخي إلى المدارس التالية :
1-   المدرسة التطورية : و هي أقدم و أول المدارس الأنثروبولوجية و كان يسود على روادها الطابع النظري المحض الذي لا يرافقه البحث الميداني المطلوب في العمل الأنثروبيولوجي , و إذا ما حاولنا تقصي الإرهاصات التي سبقت تلك المدرسة يمكننا ذكر كتابات هامة ذات طابع أنثروبيولوجي مهدت لنشوء تلك المدرسة , فمنذ القرن الثامن عشر جاءنا مونتسيكو بكتابه 0 روح الشرائع ) الذي يعتبر أول بحث يقوم بدراسة أنثروبيولوجيا تقوم على أساس المقارنة بين الشعوب بحسب مواقعها الجغرافية و المناخية المختلفة , و هو يؤكد بأن التغيير الذي لا يأخذ بعين الاعتبار عادات و تقاليد الجماعة الموروثة لا بد و أن يفشل و الإصلاح لا يكون إلا بغرس عادات و تقاليد جديدة يوجهها المصلحون و يعملون على نشوءها و تطورها , و كذلك تشكل دراسات جان جاك روسو ركيزة هامة في تاريخ الأنثروبيولوجيا نظراً لما تتضمنه من تناول للمادة الأثنوغرافية عن الشعوب المكتشفة في إطار المقارنة بينها و بين المجتمعات الأوروبية حيث استطاع أن يخلص نفسه من التحيز الثقافي لمجتمعه منتقداً قيمه و مشيداً بطرق حياة الشعوب في المجتمعات الأخرى . و في القرن التاسع عشر ظهرت الانثروبيولوجيا كعلم مستقل مع كتّاب أمثال دالمبير و كوندروسه و تورغو ثم سان سيمون و تلميذه الذي اختلف معه فيما بعد أوجست كونت ,  ففي مؤلفات هؤلاء نجد الأسس النظرية لعلم الأنثروبيولوجيا كما صيغت فيما بعد بحيث كانوا الآباء المؤسسون لأول مفهوم نظري للأنثروبيولوجيا مثلته المدرسة التطورية التي صاغها مجموعة كبيرة من الباحثين نشروا الكتب الأثنولوجية تباعاً في كل من فرنسا و ألمانيا و إنكلترا و أميركا , من تلك الكتب نذكر كتاب المدينة القديمة للفرنسي فوستيل دو كولين عام 1864 , ثم كتاب الإنكليزي إدوارد تايلور الثقافة البدائية عام 1871 , ثم كتاب المجتمع القديم للأميركي لويس مورجان سنة 1877 , ثم كتاب أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة للألماني فريدريك أنجلز سنة 1884 , و أخيراً و ليس آخراً نذكر الكتاب الشهير – الغصن الذهبي – للإنكليزي جيمس فريزر الذي ظهر جزءه الأول في العام 1890 . و تعكس تلك المؤلفات اهتماما مركزاً حول اتجاه فكري معين ساد إبان هذه الفترة و دفع بالأنثروبيولوجيا دفعة جديدة من حيث تركيزها على الدراسات الأثنولوجية حيث نشأ مفهوم التطورية الثقافية كمرادف لمفهوم التطورية الطبيعية التي جاء بها داروين في كتابه الشهير أصل الأنواع , و بالتالي فإن الفكرة الأساسية لتلك المدرسة تقوم على مفهوم التطور الثقافي على أساس أنه لا يمكن فهم العقل الإنساني إلا بربطة بالتاريخ الذي من خلاله فقط يمكن فهم الحياة الإنسانية و الوصول إلى القوانين التي تحكم مسارها , فتاريخ البشر واحد على أساس وحدة الفكر الإنساني أما الفروقات الثقافية فهي وليدة ظروف تاريخية معينة , وعليه تكون المجتمعات وجود متجانس و متواصل مؤلف من طبقات تطورية و أقسام متوازية يسير فيها التطور حتماً وفق خط مستقيم لا بد على جميع المجتمعات أن تمر به , فالتاريخ خطي المسير و ذا شكل موحد في نشأته و تجاربه و تقدمه و هو ينتقل وفق درجات متتالية للتطور بحيث تكون كل درجة وليدة سابقتها و مساهمة في تشكيل تاريخ ما بعدها , وهذا بالطبع يفترض وجود وحدة سيكولوجية بين جميع البشر على اختلاف ثقافاتهم , لقد تحدث مورجان قائلاً " يتحدد الذكاء بالاختراع و الاكتشاف و تطور القانون الاجتماعي و مفهوم الأسرة و الملكية و يكون التطور بمقدار عملية إنتاج أو تطور إنتاج شروط حياة الإنسان المادية و الذهنية " و هذا بالطبع يقود لفكرة شكلت محور ذهنية تلك المدرسة  , تلك الفكرة تقول بحتمية نهاية العصور القديمة لصالح مفاهيم العصور الأحدث بحيث تقوم الفكرة التطورية على إحداث قطيعة بين الثقافات الأولية و الثقافات العلمية , فالثقافات البدائية تدرك نظرياً بالتحليل على اعتبارها بقايا أو عقلنه ميتة و بالتالي يجب أن تختفي من الحياة العملية و الممارسة و ذلك كما قال تايلور " بسبب ترابطها مع المراحل المتدنية من تاريخ البشر العقلي " , وهذا يقود بدورة إلى إيديولوجيا قوامها مفهوم التماثل التي نادت و روجت لها تلك المدرسة و هذا المصطلح يعني ضرورة أن تماثل الشعوب البدائية أو الأقل تحضراً الشعوب المتمدنة و الحضارية و ذلك يكون بأن ينشر لواء المدنية لدى تلك الشعوب بالقضاء على إرثها المتخلف و حملها على الرقي المدني الذي يوحد مفهوم التطور البشري , كما يلاحظ على من يطّلع على مختلف مؤلفات باحثي تلك المدرسة مدى الأهمية التي يعلقونها على ما كان يسميه تايلور بالرواسب الاجتماعية التي تقارن بالأعضاء النافلة عند بعض الكائنات الحية أو الحروف الخرساء في بعض الكلمات , فهذه الرواسب لا تلعب أي دور أو وظيفة أساسية و إن كان لها وظيفة فهي ثانوية و مختلفة كل الاختلاف عن الوظيفة الأساسية و هذه الرواسب لا تعدو أن تكون بقايا زمن منصرم و هي التي تقدم الدليل على أن هذه السلسلة من المراحل الاجتماعية كانت في الواقع سلسلة تاريخية ,  و إذا ما تمكنا حسب تلك النظرة من تحديد النسق الذي تم بموجبه تتابع تلك المراحل يبقى علينا أن نسعى إلى تحديد المؤثرات التي ولدّت الانتقال من مرحلة إلى أخرى , فهذا مورغان يدعي أن النظام التصنيفي لقاموس ألفاظ القربى ( التي تطلق لفظ أبي على من هو من جيل أبيه و كذلك كلمة أمي على من هم من جيل أمه ) تدل على أن أعضاء تلك الجماعات الغابرة كانوا قد عاشوا قبل ذلك في حالة من الاختلاط الجنسي أو حالة شبيهة بها , كما أدخل مكلينان و هو من رواد تلك المدرسة مفاهيم الزواج و الطقوس المرافقة له كرواسب تشير إلى مرحلة مبكرة من التطور , و كذلك نجد رائد آخر هو الفيلسوف الاجتماعي سبنسر  الذي أدخل المفهوم ألد ارويني على المجتمع مع فارق بسيط هو تأكيده على أن التطور الاجتماعي ناتج عن وراثة قدرات مكتسبة لا عن الانتخاب الطبيعي , و كذلك عبر كونت عن قانون الحالات الثلاث ( الحالة اللاهوتية فالحالة الميتافيزيقية فالحالة الوضعية ) التي تصاحب كل المجتمعات البشرية , و هذا على نحو قريب مما عبر عنه مورغان و أنجلز بالمراحل الثلاث للتطور البشري ( الوحشية فالبربرية فالحضارة ) و كذلك فريزر عندما قسم تاريخ الفكر وفق ثلاث مراحل ( السحر – الدين – العلم ) .
بمثل هذا  المنهج ألد ارويني سعى باحثي تلك الفترة إلى دراسة كافة مفاهيم المجتمع الإنساني المختلفة من دين و فن و علم و أدب و سياسة .... , و لا يمكن إنكار أن تلك المجموعة من الباحثين قد قدمت معلومات هامة التي ساهمت و دعمت فيما بعد إرساء أسس الأنثروبيولوجيا حيث يعتبر باحثين أمثال مكلينان و تايلور و مورجان من أوائل من نظروا إلى دراسة المجتمعات الأولية كموضوع جدي يمكن للعلماء أن يقصروا عليه إهتمامهم , كما كانوا شديدي الرغبة بتخليص دراسة النظم الاجتماعية من التفكير النظري رغم عدم ابتعاد معظمهم عن ذلك النمط من التفكير , كذلك فقد أسهموا في إدخال الكثير من الدراسات و الموضوعات إلى المجال العام للأنثروبيولوجيا كمورجان الذي أدخل الدراسة المقارنة لنظم القرابة و ماكلينان الذي أو ضح دور النظام الأمومي و مفهوم الطوطمية و فريزر الذي برهن على عمومية المعتقدات السحرية و جمع العديد من الأمثلة عن النظام الإلهي و المقدس , و تايلور الذي برهن على عمومية المعتقدات الحيوية و أدخل كلمة أنيميزم إلى المصطلحات الانثروبيولوجية . و لكن هذا لم يمنع تلك المدرسة تقع بمجموعة من الأخطاء جعلت الكثير من الباحثين ينتقدونها بشدة , فقد وجه إليها الكثير من التحفظات و الانتقادات التي تتميز بالحدة و الصواب منذ لووي و بواس انتهاءً بليفي شتراوس و بالانديه , حيث وضع موضع الشك مبدؤها القائل بالتقدم وفق المسار الخطي وحيد الاتجاه من المجتمع البدائي البسيط إلى المجتمع العصري المعقّد , دون الأخذ بعين الاعتبار عوامل الزمان و المكان الهامة جداً في دراسة ديناميكية الثقافة , فتطور الإنسان ليس مسألة علم حياة و حسب , بل هو ترابط خصائص الإنسان الفيزيائية و الثقافية حيث تؤثر كل واحدة بالأخرى , و المنظور الإنساني لا يكف عن كونه جدل مستمر بين البيولوجيا و الثقافة , و قد تحطمت على أيدي أقطاب المدرسة الأميركية في الأنثروبيولوجيا الثقافية أمثال بنديكت و هرسكوفيتز فكرة الثقافة وحيدة الاتجاه حيث تساءل هرسكوفيتز قائلاً " كيف يمكن إطلاق أحكام قيم على هذه الثقافة أو تلك ما دامت هذه الأحكام مؤسسة على التجربة , و ما دام كل فرد يؤول التجربة في حدود تثقيفه الخاص " . و المشكلة الأساسية كانت في اعتماد التطوريين على مزيج من المعلومات الخاطئة و الغير دقيقة جمعها الرحالة و المبشرون و التجار , و بالتالي اعتمادهم على التاريخ الظني و التخميني بحيث لم يستطيعوا تقديم تفسير واضح عن فكرة التطور الموازي للثقافة , فكيف يمكن تفسير التطور غير المتوازي بين الشعوب و الثقافات ؟ و إذا افترضنا بصحة الفكرة القائلة بوحدة التكوين الفيزيولوجي السيكولوجي للإنسان فهل يمكن القول أن مجتمع الأسكيمو قد انتقل من مرحلة الصيد إلى الزراعة المنظمة على النحو الذي نجده في مصر و الشرق الأوسط ؟ و بهذا نرى أن الأساس الأثنولوجي لهذه المدرسة لم يكن متيناً و لم يجمعه أثنولوجيون مختصون , هذا الأمر دفع إلى قيام بعض الباحثين المتأثرين بأفكار تلك المدرسة بمحاولة لتحسين مفاهيمها و تعديلها و ذلك ما عرف بإسم التطورية الجديدة , فبعد الحرب العالمية الثانية قام مجموعة من الإثنولوجيين يتقدمهم ليزي هوايت و جوليان ستيوارد  بمحاولة لاعادة إحياء تلك المدرسة , و على الرغم من أن تساؤلاتهم جاءت متشابهة إلى حد كبير مع الخطوط العريضة و الأساسية لأفكر سابقيهم إلا أنهم أضافوا إليها بعض التعديلات المتعلقة بميكانيزمات التغيير و آلياته , فهوايت تحدث عن مراحل تطور الثقافة كما لو كانت مرتحل كلية عامة تميزها الخبرة الإنسانية المتراكمة و هو يرى أن الثقافة تنمو و ترقى وفقاً لإزدياد كمية الطاقة وفق المعادلة التالية : P=E*T  حيث E  هي الطاقة و T  التكنولوجيا و P   النظم الأساسية للثقافة , و عليه إن المضمون التكنولوجي في ثقافة ما هو الذي يحدد الكيان الاجتماعي و الاتجاهات التكنولوجية لها , و يستدل هوايت أنه في المجتمعات التي يستخدم أفرادها قدراً محدوداً من الطاقة تنشأ عندهم نظم سياسية و دينية و اقتصادية أقل و أكثر بساطة من تلك المجتمعات التي تتنوع و تكثر فيها استخدامات الطاقة , و قد مهدت تلك الأبحاث إلى ظهور تخصص جديد في الأثنولوجيا يتناول العلاقة المتبادلة بين البيئة و الثقافة عرف باسم الإيكولوجيا الثقافية . و قد انتقد شتراوس نظرية هوايت قائلاً : " يبدو أن التطورية الجديدة التي ذهب إليها هوايت عاجزة هي الأخرى عن تذليل الصعوبات التي تعترض التطورية الكلاسيكية عموماً , فإذا كان المعيار الضابط الذي اقترحه هو معدل الطاقة المتوفرة للفرد الواحد لكل مجتمع يستجيب لمثال من المثل قد يبدو مقبولاً في بعض مراحل الحضارة الغربية و في عدد من جوانبها , فإن المرء لا يرى كيف يمكن تطبيق هذا العامل المحدد على الأغلبية الساحقة من المجتمعات البشرية حيث تبدو هذه المقولة المقترحة لا تتخذ فوق ذلك أية دلالة على الإطلاق , فالأسكيمو يعتبرون من كبار التقنيين و مع ذلك هم من صغار الاجتماعيين , على العكس من سكان أستراليا الأصليين الذين يعتبرون من كبار الاجتماعيين و صغار التقنيين ." و هكذا فإن الانتقاد المتسارع للتطورية بشقيها ساهم بمحاولة تجاوز تلك المدرسة و تقديم مفاهيم مختلفة كلياً عن مفاهيمها و هذا ساهم بدورة في نشوء مدارس أخرى أكثر حداثة نذكر منها .

يونيو 18, 2003, 12:23:31 مساءاً
رد #1

morshed

  • عضو مساعد

  • **

  • 133
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
ما هو علم الأنثروبولوجيا ...1
« رد #1 في: يونيو 18, 2003, 12:23:31 مساءاً »
اخي mng1
اهلا بك في المنتديات العلمية
واشكرك على تقديم معلومات قيمة عن علم لأنثروبيولوجيا
ولك تحياتي