يقول علماء الفضاء المشاركون في مهمة المركبة الفضائية الأوربية " كاسييني-هايغنز الإستكشافية التي تدور حول كوكب زحل إن أوجه الشبه بين كوكبنا الأرضي والقمر "تايتان" أحد توابع زحل كبيرة وإن العديد من الظواهر والعمليات الطبيعية التي تحدث على الأرض تحدث أيضا على "تايتان".
فعلى القمر "تايتان" تهب الرياح وتنطلق العواصف وتسقط الأمطار وتثور البراكين وتمور أرضه بالزلازل بشكل يؤثر على طبوغرافية سطحه.
بل حتى أن أحد العلماء يذهب به الأمر إلى حد القول إنه ربما يمكن لحياة أن تعيش على سطح القمر المتجمد.
ويقول الباحث الدكتور"جوناثان لونين" من جامعة أريزونا الأمريكية والمشارك في فريق بحث المهمة" كاسيني-هايغنز" :" لعل القمر تايتان أكثر الأماكن شبها بالأرض في المجموعة الشمسية بما يتعلق بتوازن العمليات-كالرياح وقنوات الأنهار والدليل على وجود أمطار واحتمال وجود بحيرات وتشكيلات جيولوجية لها علاقة على الغالب بالنشاط البركاني وتحرك قشرته".
لكن الطبيعة الكيماوية التي تحرك العمليات في الأرض و"تايتان" مختلفتان بشكل كبير. فعلى سبيل المثال يبدو أن غاز الميثان على تياتان يؤدي الكثير من الأدوار التي يؤديها الماء على كوكب الأرض.
ويعتقد الدكتور "لونين" أن التشابه بين الأرض و"تايتان" نابع من أنهما يحتلان ما يسميه بـ"البقعتين المفضلتين" في المجموعة الشمسية.
وحتى يكون الكوكب أو الجرم السماوي في واحدة من تلك البقع يعني أن يحقق توازنا بين حجمه وكتلته والمسافة التي تفصله عن الشمس.
ويضرب الدكتور "لونين" مثالا على ذلك بثلاثة كواكب داخلية في المجموعة الشمسية وهي الزهرة والأرض والمريخ.
فكتلة الكوكب تتوافق مع القدرة على الإحتفاظ بتدفق الحرارة من قلب الكوكب، بينما البعد عن الشمس له علاقة بالقدرة على الاحتفاظ بماء سائل والتي تعتبر أحد محركات النشاط الجيولوجي على كوكب الأرض.
ويضيف "لونين" :"كوكب الزهرة يماثل في حجمه حجم الأرض تقريبا، لكن قربه الشديد من الشمس يجعل أي ماء على سطحه يغلي ويتبخر. وعليه لا توجد دورة هيدرولوجية( متعلقة بعلم المياه) ولا وجود لنشاط في الطبقات القارية للقشرة السطحية."
أما كوكب المريخ فهو بعيد عن الشمس ما يكفي للاحتفاظ بمياه على سطحه، لكن صغر حجمه جعله يبرد بسرعة مما حوّل الماء إلى جليد ووضع نهاية لنشاط جيولوجي واسع النطاق. أما الأرض فتحتل موقعا وسطا بالنسبة للشمس وهو ما يسمى بـ" البقعة المفضلة".
أما بالنسبة للأجرام الثلاثة الخارجية في المجموعة الشمسية وهي "غانيميد"( أحد أقمار كوكب المشتري) و"تايتان"( تابع للزحل) و"ترايتون"( أحد أقمار الكوكب نبتون) فالطبيعة الكيماوية عليها مختلفة لكن نفس المبادئ تنطبق عليها.
ف"غانيميد" أقرب الأجرام الثلاثة سابقة الذكر إلى الشمس مشابه في حجمه للقمر تايتان" ،لكنه يفتقر إلى غازي الميثان والنيتروجين اللذين يدفعان عجلة العمليات السائلة على "تايتان".
أما القمر "ترايتون" (التابع لكوكب "نبتون") فالمسافة بينه وبين الشمس أكبر من المسافة الفاصلة بين الشمس وكل من "غانيميد" و"تايتان"، وهو يحوي الميثان والنيتروجين. لكن حجم "ترايتون" الصغير تسبب في تجمد الميثان والنيتروجين على سطحه، مما أنهى أاي احتمال لنشاط جيولوجي على سطحه.
هذا وقد كشف العلماء عن معلومات جديدة عن القمر "تايتان" في اجتماع لهم في كابمريدج. ويقول "رالف لورينز" من جامعة أريزونا إن قنوات الأنهار والتيارات على "تايتان" هي أحداث "موسمية".
ويقول العلماء إن غاز الميثان يحتاج فترة طويلة نسبيا لكي يتكثف إلى الدرجة التي ينعقد فيها المطر الذي يمكن أن يهطل على سطح "تايتان"، لكن العلماء يعتقدون أن هذا لا يحدث إلى بصورة عارضة وإنه إنْ حصل يكون كارثيا.
وتشير الأدلة أيضا إلى أن سطح "تايتان" يغطيه خليط سائل من الماء والأمونيا( النشادر) الصادر عن البراكين والينابيع الحارة، وهو ما يفسر أن الصدوع لا تكسو قشرته كما هو الحال مع الأجرام السماوية القريبة منه.
كما تظهر البيانات التي جمعتها المركبة الاستكشافية" كاسييني-0هايغنز" أن سطح القمر "تايتان" الجليدي مغطى بمكونات عضوية.
وقد ألمح أحد الخبراء بناء على ذلك إلى أن هناك احتمالا لوجوة الحياة على هذا القمر. يذكر أن درجة الحرارة على القمر تايتان منخفضة جدا وتصل إلى نحو 178 تحت الصفر مما لا يتيح للكائنات العضوية "المعروفة" البقاء حية.
غير أن الباحث "ديفيد غرينسبون" من "معهد أبحاث الجنوب الغربي" يقول إن الكائنات العضوية قد تعيش في أمكان معينة مثل الينابيع الحارة، إذ يمكنها استخدام غاز "الأسيتيلين"( غاز عديم الرائحة يستخدم في التلحيم) بالتفاعل مع غاز الهيدروجين بما يتيح تحرير قدر من الطاقة كاف لتنشيط عملية الاستقلاب في خلاياها وبالتالي ربما تسخين المحيط الذي تعيش فيه.