Advanced Search

عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - التواق للمعرفة

صفحات: 1 ... 13 14 15 [16] 17 18 19 ... 105
226
منتدى الاحياء العام / الدلافين
« في: أغسطس 08, 2004, 01:37:45 مساءاً »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موضوع جميل ومفيد وشاشة توقف رائعة أخي السفير .

بارك الله فيك '<img'>

227
منتدى علم الفيزياء العام / رحلة الذرة التاريخية
« في: أغسطس 06, 2004, 03:25:49 مساءاً »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رحلة جميلة فعلا

جزاك الله خيرا أخي الفاضل سلامة

228
منتدى الاحياء العام / الوراثة الخلوية
« في: أغسطس 06, 2004, 03:24:38 مساءاً »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخي الفاضل الاحيائي الكبير .

الى الأمام

229
منتدى علوم البيئة / علم البيئة البحث عن نموذج جديد
« في: أغسطس 04, 2004, 08:07:51 مساءاً »
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

اخوتي الافاضل
اشكر لكم مروركم الكريم .. وجزاكم الله كل خير ..
اشكركم على الاهتمام ...  

تحياتي
اخوكم / التواق للمعرفة




230
منتدى علوم الحاسب / استعرض  صور حاسبك الالي
« في: أغسطس 04, 2004, 12:24:51 صباحاً »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فكرة طيبة أخي الكريم emf '<img'>

شكرا جزيلا لك '<img'>

231
منتدى علم الطب / حقائق عن الدهون
« في: أغسطس 02, 2004, 12:08:04 صباحاً »
   لدى الكثير من الاشخاص تعتبر كلمة الدهون كلمة مزعجة وفي بعض الاحيان مقرفة، ولكن في الواقع تعتبر الدهون من العناصر الغذائية الهامة كما هو الحال بالنسبة للبروتينات والكربوهيدرات. ومن الفوائد الهامة للدهون:
تعتبر من المصادر المركزة بالطاقة، حيث انها تزودنا بـ 9 كيلوكالوري/ غرام، بينما تزودنا الكربوهيدرات والبروتينات بـ4 كيلوكالوري/ غرام.
تزودنا الدهون بالاحماض الدهنية الاساسية (والتي لا يستطيع الجسم تكوينها ويجب ان يتم تناولها عن طريق الغذاء) مثل حمض اللينولينك الذي يلعب دورا هاما في نمو الاطفال.
الدهون مهمة لصحة الجلد
مهمة لتنظيم مستوى الكوليسترول في الجسم
مهمة لانتاج بعض المركبات الشبيهة بالهرمونات مثل prostglandins والتي تلعب دورا هاما في تنظيم بعض الانشطة الحيوية في الجسم.
الدهون مصدر هام للفيتامينات الذائبة في الدهون مثل فيتامين أ و د وهـ و ك، كما انها مهمة للمساعدة في امتصاص هذه الفيتامينات من الامعاء.
تساعد الدهون الجسم على الاستفادة القصوى من الكربوهيدرات والبروتينات.
يحول الجسم الدهون الى طاقة يستفيد منها، والزائدة عن حاجته يتم خزنها في الانسجة الدهنية. بعض الدهون موجودة في الدم، والقسم الاكبر يكون مخزونا في الخلايا الدهنية. هذه التجمعات الدهنية ليست مهمة فقط في خزن الطاقة، ولكنها مهمة في عزل الجسم والعمل كوسادة داعمة للأعضاء الداخلية وبالتالي فهي تحافظ على درجة حرارة الجسم وتعمل على امتصاص الصدمات.
تتكون الدهون من ثلاث عناصر اساسية - كما هو الحال ايضا في الكربوهيدرات - الكربون والهيدروجين والاوكسجين، الا ان الدهون تحتوي على كربون وهيدروجين اكثر واوكسجين اقل من الكربوهيدرات، وكنتيجة لهذا الاختلاف تزودنا الدهون بطاقة اكبر (9 كيلوكالوري / غرام من الدهون) من الكربوهيدرات والبروتينات (4 كيلوكالوري/ غرام من الكربوهيدرات).

ان الجزء الأكبر من الدهون يعطي عند تحلله ثلاث جزيئات من الاحماض الدهنية وجزيء واحد من الغليسيرول، ولهذا تعرف الدهون بالغليسريدات الثلاثية. تتكون الدهون من انواع مختلفة من الاحماض الدهنية، وتصنف هذه الاحماض الدهنية الى ثلاثة اقسام اساسية وهي: احماض دهنية مشبعة و احماض دهنية احادية اللااشباع واحماض دهنية متعددة اللااشباع، وتصف هذه التصنيفات السابقة عدد ذرات الهيدروجين الموجودة على سلسلة الاحماض الدهنية.

بشكل عام يمكننا القول بان الدهون المحتوية على نسبة عالية من الاحماض الدهنية المشبعة تكون جامدة على درجة حرارة الغرفة، بينما تكون الدهون المحتوية على نسبة عالية من الاحماض الدهنية غير المشبعة تكون سائلة على درجة حرارة الغرفة وتسمى بالزيوت.

من ناحية تقنيةلا يعتبر الكولسترول من دهون، ولكن يعتبر بأنه شبيه بالدهون.، وهو عبارة عن مركبات مهمة لجسم الكائن الحي حيث انه موجود في جدران جميع الخلايا، كما انه مهم لانتاج العصارة الصفراوية.

ولكن، ما علاقة الدهون والكولسترول بأمراض القلب التاجية؟

لقد اصبح واضحا بما لا يدع مجالا للشك بأن زيادة كمية الدهون في الوجبات الغذائية المتناولة تعتبر عاملا مهما يؤثر في حدوث و تطور الامراض المزمنة. وتشير الدراسات الى ان الاحماض الدهنية المشبعة تلعب دورا مهما في رفع مستوى الكولسترول في الدم، مما يشكل خطرا يتمثل في الاصابة بامراض القلب التاجية. ان زيادة كمية الكولسترول في الدم تؤدي الى تراكمه على جدران الاوعية الدموية، ومع مرور الزمن يحدث تضيق للاوعية الدموية ينتج عنه تصلب الشرايين والذي يؤدي الى نقص في كمية الدم المتدفقة عبر الاوعية الدموية

ان الغذاء يعتبر احد العوامل المؤدية الى ارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، ويعتقد العديد من الخبراء ان اثر الغذاء على ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم معقد، ويتجاوز مجرد محتوى الاغذية من الكوليسترول والاحماض الدهنية. ومن خلال التجارب السريرية تم اعتبار العوامل التالية كمتغيرات يمكنها ان تؤثر على اثر الحميات الغذائية على مستوى الكولسترول في الدم:

العادات الغذائية
درحة الاستجابة للحميات
مستوى الكوليسترول
مكونات الوجبة الغذائية
وتلعب الوراثة لدى بعض الاشخاص دورا اكبر في التأثير على مستوى الكولسترول في الدم من الوجبات الغذائية المتناولة، بمعنى انه بغض النظرعن كمية الدهون والكولسترول الموجودة في الوجبات الغذائية المتناولة، فان اجسامهم ستنتج كميات عالية من الكولسترول يمكنها ان تتسبب في حدوث النوبات القلبية. وقد يستطيع العلماء في يوم من الايام تحديد الجين المسؤول عن انتاج الكولسترول بكميات كبيرة لدى هؤلاء الاشخاص.

ومن العوامل الاخرى التي تؤثر في مستوى الكولسترول في الدم والخارجة عن السيطرة ايضا:

العمر
السلالة
والجنس
ومع ذلك يوجد الكثير من العومل التي نستطيع السيطرة عليها للتقليل من مستوى الكولسترول في الدم وللحماية من الكثير من امراض القلب مثل:

عدم تدخين السجائر
السيطرة على ارتفاع ضغط الدم
المحافظة على الوزن المناسب
المداومة على ممارسة بعض النشاطات الرياضية
السيطرة على الضغوطات العصبية
وللمصابين بالسكري، السيطرة على مستوى السكر في الدم مهمة جدا
يتنقل الكولسترول في الدم عن طريق مركبات تسمى البروتينات الدهنية (تتكون من بروتين ودهون) وهذه المركبات مهمة جدا حيث ان مستوى الكولسترول الكلي في الدم يعكس مستوى ثلاثة انواع من البروتينات الدهنية هي : البروتينات الدهنية المنخفضة جدا بالكثافة، البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة وهذا النوع يرتبط بمعظم الكولسترول الموجود في الدم، واخيرا البروتينات الدهنية عالية الكثافة. واقد اصبح واضحا ان البروتينات منخفضة الكثافة هي المسؤولة عن ترسب الكولسترول على جدران الاوعية الدموية.

وعلى العكس من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، تعتبر البروتينات الدهنية عالية الكثافة مفيدة جدا، حيث تدل الدراسات الى انه كلما زادت كمية هذا النوع من البروتينات في الدم كلما قلت فرص الاصابة بامراض القلب التاجية. وتعمل البروتينات الدهنية عالية الكثافة على نقل الكولسترول من الدم الى الكبد حيث يتم هناك تحطيم الكولسترول واخراجه مع العصارة التي تفرزها المرارة.

ويعتبر تركيز البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، هي المعبر الاساسي عن تركيز الكولسترول الفعلي، ولكن بما ان معظم الكولسترول الموجود في الدم مرتبط مع البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، يمكننا ان نعتبر ان التركيز الكلي للكولسترول، معبر عن التركيز الفعلي للكولسترول.

ويتراوح التركيز الطبيعي للكولسترول في الدم من 150 الى 200 ملغم لكل 100 ملليلتر، ومع تقدم السن فانه قد يرتفع الى 300 ملغم او اكثر، ويمكن القول انه اذا تجاوز مستوى الكولسترول 225 ملغم فان الفرصة للاصابة بامراض القلب سوف تزداد.

وكعلاج لارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، ينصح الخبراء الى اللجوء الى الحميات الغذائية والمصممة لتقليل تناول الدهون المشبعة والكولسترول بالاضافة الى تخفيض الوزن لمن يعانون من الوزن الزائد.

ويقترح في بداية تنفيذ برنامج الحمية الغذائية ان لا تتجاوز كمية الدهون اكثر من 30% من الطاقة الكلية، وان لا تتجاوز الدهون المشبعة اكثر من 10 % من الطاقة الكلية، وان لا يتجاوز الكولسترول 300 ملغم في اليوم.

اذا لم ينجح البرنامج السابق خلال ستة اشهر في تخفيض مستوى الكولسترول في الدم، يتم تخفيض الدهون بمقدار اكبر، والدهون المشبعة الى 7% من الطاقة الكلية والكولسترول الى 200 ملغم او اقل يوميا. واذا لم ينخفض مستوى الكولسترول بالحمية الغذائية، يتم العلاج بالادوية بالاضافة الى الاستمرار بالحمية الغذائية.

مصادر الدهون والكولسترول:

تعتبر المنتجات الغذائية من مصدر حيواني مثل اللحوم الحمراء والدجاج و السمك و الحليب ومنتجاته و البيض هي المصدر الاساسي للدهون (58 % من الدهون الكلية المتناولة) والدهون المشبعة (75 % من الدهون المشبعة المتناولة). وفي هذه الايام ازداد الاعتماد على الزيوت النباتية مثل زيت فول الصويا وزيت دوار الشمس .....

وبالاضافة الى المصادر السابقة هناك المايونيز، الزبدة، السمنة، الاجبان، الفطائر والمعجنات، وبعض انواع الصلصات.

اما بالنسبة لمصادر الكولسترول، فهو موجود في جميع الاطعمة الحيوانية، ويكون موجودا بكميات كبيرة في الاعضاء الداخلية للحيوانات وفي صفار البيض. اما الزيوت والدهون النباتية فهي خالية من الكولسترول.

الغذاء                               كمية الكولسترول ملغم/ 100 غم

 
الحليب خالي الدسم                             2        

 
الحليب كامل الدسم                             14  

 
الجبنة الصفراء (تشيدر)                        100
 
الجبنة الغنية بالكريما                            94
 
الكسترد                                      105
 
البيض                                       500
  
صفار البيض                                 1482
  
الكلى                                       562  
 
لحم الدجاج                                   65
 
كبد العجل                                   438
 
لحم البقر                                    94
 
القريدس                                    150
 
المحار                                      45
 
لحم السمك                                  69
 
الزبدة                                      250




232
منتدى علوم البيئة / البيئة والاستخلاف الرباني
« في: أغسطس 01, 2004, 11:51:10 مساءاً »
ربما يثير اللبس دومًا البحث عن مصطلح من لغة ما في فكر لغة أخرى، وعند افتقاده يقال بأن هذا الفكر لم يقدم إسهامًا تحت هذا المصطلح أو العنوان، وهو ما يقال أحيانًا بشأن موقف الإسلام من حقوق الإنسان ومن قضايا البيئة ومن حقوق المرأة، في حين أن النظر للإشكاليات في جوهرها والألفاظ في معانيها مشترك بين العقول ومتكرر في أي سياق حضاري رغم اختلاف التوصيف والتصنيف، وبذلك لو أخذنا معالم نظرية البيئة لوجدنا الفقه الإسلامي القديم والحديث قد تعرض لمكوناتها، ولكن في المواضع التي ترتبط بها في مجال العقيدة أو العبادة أو التشريع القانوني بأقسامه، أي في مكانها من خريطة العقل المسلم في تكييفه لها، فالرؤية الكلية   Holistic تدخل في المكونات الإبستمولوجية للنظرية البيئية، وتدخل في المقابل في العقيدة الإسلامية التي ترى الإنسان سيدًا في الكون -لا سيدًا للكون-، ومستخلفًا من الله على الكون بكائناته ومخلوقاته، فلا هي مركزية بشرية يستنزف فيها الإنسان الطبيعة، ولا هي مركزية للطبيعة تساوي بين الإنسان والمادة والإنسان والحيوان، وتتجاهل خالق الكون ورسالة البشر وأمانتهم المسئولة في الدنيا.. واليوم الآخر.

والاستدامة تدخل في نظرية المقاصد في العدل كمقصد وحفظ المال، ومراتب هذا الحفظ من حفظ بقاء لحفظ أداء لحفظ نماء. والقيم الأخلاقية لا تقتصر على المسئولية تجاه الأجيال بل المسئولية أمام الله بالأساس عن الموارد والكائنات، بدءاً من التوجيه النبوي بعدم الإسراف في الماء ولو للوضوء، مروراً بالرحمة الواجبة بالحيوانات التي قد تدخل الجنة ونقيضها قد يدخل النار-مع تسخيرها للإنسان للأكل والانتفاع-، وأخيرًا -وليس آخرًا- بالتواصل مع كل مكونات الكون النباتية بل و الجمادات التي يؤمن الإنسان بأنها تسبح لله.

ويحكم الإنسان في كل موقف ميزان الضرر والنفع، في الحال والمآل.

والأمة توفر لسياسات البيئة التمويل عبر الأوقاف ، وتضمن الالتزام بالقواعد والنظم بالقانون، والأهم من ذلك عبر إدماجها في السلوكيات والآداب اليومية العبادية والفردية والجماعية.

وفي مقابل رؤية الأيدلوجيات للبيئة كدائرة حيوية يجعلها الإسلام أمانة على الإنسان التعامل معها بمنطق العمارة، والإنسان هنا يحمل قيمًا ربانية، ويستوي في حملها الرجال والنساء؛ فليست المرأة أقرب للطبيعة من الرجل، ولا هو أكثر إفسادا لطبع فيه من النساء كما تذهب النسوية، بل المناط التقوى والالتزام بالعدل والقسط، والرحمة صفة المؤمن وليست شيمة النساء، وهكذا في كل قضية تندرج تحت نظرية البيئة وتجد لها في خريطة الفكر والفقه الإسلامي موضعًا يرتبط بملامح تلك الخريطة المتأسسة على عقيدة التوحيد لله الأعلى الذي خلق الإنسان ويسأله في يوم لقيامة عما استرعاه.

ومن اللافت أن أجندة التيارات الإسلامية السياسية المعاصرة لم تستنبط هذه المقاصد المرتبطة بالبيئة، وتصوغها بلسان معاصر تأسيسًا على تراث غني، بل انصرفت لرؤية مركزية للدولة، وبالتالي لتعريف ضيق للسياسة همّش قضايا البيئة رغم كونها من أولويات المشروع الحضاري الإسلامي في الواقع البيئي الدولي الراهن.




233
قد تبدو التوقعات بخصوص المذهب البيئي للقرن الحادي والعشرين شديدة الارتباط بحالة الأزمة البيئية والمستوى العام لفهم القضايا والمشكلات البيئية؛ فمن المتوقع أن يزيد البحث عن بديل للتقدم الصناعي المولع بالنمو، وإحدى المشاكل التي تواجه الأحزاب الخضراء أن منافسيهم قد اتخذوا مواقف "صديقة للبيئة" كانت قبل ذلك حكرًا على الخضر (مثلما اتخذت الرأسمالية بعد نقد الشيوعية لها سياسات دولة الرفاهة والحقوق الاجتماعية)؛ إذ لن يكون للجنس البشري بدٌّ في القرن الحادي والعشرين من قلب السياسات والممارسات التي كادت أن تدمر كل من الجنس البشري والعالم الطبيعي.

وتواجه النظرية البيئية عددًا من المشكلات:

الأولى: صعوبة جعل المذهب البيئي أيديولوجية عالمية، فيبدو أن القيود التي تكبل الدول النامية قد سلبتها فرصة اللحاق بركب الغرب، حيث تطورت الدول الغربية بالصناعات الكبيرة وباستنزاف الموارد المحدودة والتلوث... إلخ، وهي ممارسات يسعون الآن إلى إنكارها على الدول الساعية للتقدم. والغرب الصناعي مثله مثل العالم النامي غير مهيأ لأخذ الأولويات البيئية في الاعتبار، حيث يعني ذلك التخلي عن الرخاء الذي ينعم به بوصفه أكبر مستهلك للطاقة والموارد.

والمشكلة الثانية: تتمثل في الصعوبات التي تحف رسالة المذهب البيئي المعادية للنمو، فسياسة النمو المستديم أو اللانمو قد تكون غير مشجعة للجماهير بحيث تستحيل عمليًا كخيار انتخابي.

ثالثًا: قد يكون المذهب الأخضر greenism ما هو إلا بدعة حضرية أو شكل من أشكال رومانسية ما بعد الحركة الصناعية، وهو ما يملي أن الوعي البيئي ما هو إلا رد فعل مؤقت للتقدم الصناعي، ويميل إلى الاقتصار على الشباب والأغنياء الذين يملكون ترف الاحتجاج.

           رابعاً: أن الرؤية البيئية صعبة التحقيق لو استقام الناس عليها؛ لأنها تتضمن تضحيات لا يريد الكثيرون تقديمها ويفضلون المصالح العاجلة، فالبيئية الحقيقية أكثر راديكالية من الاشتراكية والفاشية والحركة النسائية أو أي اعتقاد سياسي آخر، فهذا المذهب لا يقتصر على المطالبة بتحول النظام الاقتصادي أو إعادة تنظيم العلاقات بين السلطات داخل النظام السياسي فحسب، بل لا يرضى بأقل من إقامة نمطا جديدًا للوجود أي أسلوب مختلف في تجربة الوجود وفهمه. والأكثر من ذلك أن نظرياته وقيمه وأحاسيسه تتعارض كلية مع تلك الخاصة بالمجتمعات التي يهيمن عليها التقدم الصناعي

234
منتدى علوم البيئة / البيئة  في الأيدلوجيات السياسية
« في: أغسطس 01, 2004, 11:40:02 مساءاً »
يمكننا من منظور آخر اعتبار المذهب البيئي رؤية أفقية، شأنها في ذلك شأن القومية؛ أي أنها تتجاوز الأيدلوجيات لتصبح موضوعًا ساهمت كل أيدلوجية في تطويره من منظورها. فقد أظهر المحافظون والفاشيون والاشتراكيون و اللاسلطويون (الأناركيون) والحركة النسائية والليبراليون تعاطفا خاصا مع قضايا البيئة ككل، ولكنهم وضعوا أفكارا بيئية تدعم أهدافا سياسية شديدة الاختلاف.

المذهب البيئي اليميني

على الرغم من ارتباط سياسة الخضر الحديثة بالمبادئ والاهتمامات اليسارية بصفة عامة، كالاعتقاد في اللامركزية والعمل المباشر ومعارضة التدرج الهرمي ( الهيراركية) وفكرة التقدم الاقتصادي الخطي، فقد أشارت أنّا برامويل (1989) أن أول ظهور لعلم البيئة السياسي كان ذا توجه يميني بالأساس، وتجلى ذلك بشكل متطرف بظهور المذهب البيئي الفاشي خلال الفترة النازية في ألمانيا، وكان يمثله وولتر داريه الذي كان وزيرًا للزراعة أثناء حكم هتلر من 1933إلى 1942، كما تولى منصب زعيم الفلاحين النازيين، فقد أدت تجربة التحول السريع نحو التقدم الصناعي في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر إلى ظهور حركة قوية تنادي "بالعودة إلى الأرض"، والتي جذبت الطلاب والشباب في حركة الشباب الألماني؛ حيث لجأت أعداد كبيرة من الطلاب إلى التجول في الغابات والجبال للخروج من غربة الحياة في الحضر، وكانت أفكار داريه مزيجا من العنصرية الجرمانية وإعلاء مكانة الحياة الريفية، وقد اندمجت لتصبح فلسفة زراعية حول "الدم والتربة"BLUT UND BODEN تداخلت في مواضع كثيرة مع الاشتراكية القومية

وارتبطت النازية على سبيل المثال بشكل من أشكال المذهب الحيويLebensraum   التي تؤكد دور "قوى الحياة"، وعلى الرغم من ارتباط داريه بالنازية فإن أفكاره تتشابه تشابها كبيرا مع الحركة الخضراء الحديثة، فقد اقتنع في المقام الأول أن الرضا الحقيقي لا يتأتى إلا بالحياة بالقرب من الطبيعة وفوق الأرض؛ ولهذا تمنى إعادة إنشاء ألمانيا الريفية. وردد علماء البيئة المحدثون مثل إدوارد جولد سميث (1988) هذه الأفكار، كما أن داريه أصبح مؤيدا قويا للزراعة العضوية التي تستخدم المخصبات الطبيعية فقط مثل سماد الحيوان وترفض المخصبات الكيميائية تأسيساً على الدورة الطبيعية: "الحيوان-التربة-الغذاء-البشر".

وفي "اليمين المعتدل" soft right أظهر المحافظون تعاطفا مع الموضوعات البيئية. فعلى سبيل المثال وصفت مارجريت تاتشر (المرأة الحديدية) المحافظين في المملكة المتحدة في "خطابها الأخضر" الشهير عام 1988 بأنهم "حماة ورعاة الأرض".

ومثل هذه إدراكات البيئية دأبت على التركيز على موضوع المحافظة على البيئة، أي حماية ما يسمى بالموروث الطبيعي كالغابات والفصائل الحيوانية والنباتية بالتوازي مع حماية الموروث المعماري والاجتماعي، ومن ثم ترتبط المحافظة على الطبيعة بالدفاع عن القيم والمؤسسات التقليدية.

المذهب  الاشتراكي البيئي Ecosocialism

تتميز الحركة الخضراء بطابع اشتراكي غالب، وتجلى ذلك بوضوح بين الخضر  الألمان؛ حيث كان كثير من زعمائهم أعضاء سابقين  للجماعات اليسارية بما فيها المتطرفة، وكثيرا ما يعتمد المذهب الاشتراكي البيئي على التحليل الماركسي، ويرد استنزاف الطبيعة للرأسمالية، وفي الوقت ذاته دأب على استبعاد الأفكار شبه الدينية التي كانت ذات تأثير لدى تيارات عديدة من الحركة البيئية أيضًا على خلفية الفكر الماركسي وموقفه من الدين.

وقد أثار موقف ماركس  فيما يخص العالم الطبيعي جدلا حوله؛ فالبعض يرى إيمانه بالتنمية التقدمية للقوى المنتجة على أنه بيان كلاسيكي عن التقدم الصناعي والبعض الآخر يعتقد أن تناوله للعمل في أعماله الأولى بوصفه "إصباغا للإنسانية" على الطبيعة و"إصباغا للطبيعة" على الإنسان يمثل علامة بيئية لا محالة.

وجوهر المذهب الاشتراكي البيئي يتمثل في أن الرأسمالية هي عدو البيئة، أما الاشتراكية فهي صديقتها. ولكن هذه الصياغة - تماما مثل الحركة النسائية الاشتراكية - تجسد صراعا بين عنصرين، ولكن الصراع هذه المرة بين أولويات "حمراء" و"خضراء". فإذا كانت الكارثة البيئية ما هي إلا نتاج ثاني للرأسمالية فإن حل المشكلات لن يتأتى إلا بسقوط الرأسمالية أو ترويضها على الأقل، تماما مثلما تسعى الحركة النسائية الاشتراكية، وبالتالي على علماء البيئة أن يعملوا في إطار الحركة الاشتراكية، وأن يتناولوا الموضوع الحقيقي المتمثل في النظام الاقتصادي، ولا يركنوا إلى تشكيل أحزاب خضراء متفرقة أو إلى إقامة المنظمات البيئية الضيقة، بل يغيروا النظام برمته الذي كان استنزاف البيئة مجرد أثر من آثاره.

ومن ناحية أخرى أشاع معارضو الاشتراكية النظر إلى الاشتراكية على أنها اعتقاد سياسي آخر "مؤيد للإنتاج" لتأييدها استنزاف ثروات الكوكب لصالح البشرية بأسرها لا لصالح مجموعة محدودة من الرأسماليين، فلا فارق جوهري يحق لها أن تزعمه لنفسها في مواجهة الرأسمالية.

ونتج عن ذلك أنه كثيرا ما رفض علماء البيئة تهميش الأخضر أمام الأحمر، ومنها إعلان الخضر الألمان أنهم "لا يساريين ولا يمينيين"، ونادى العديد من علماء البيئة الاشتراكيين إلى أن الأزمة البيئية شديدة الإلحاح لدرجة أنه يجب أن تكون لها الأولوية عن الصراع الطبقي، مؤكدين أن الاشتراكية بيئية بالأساس، فإذا كانت الثروة ملكية جماعية فإنها تستخدم لصالح الجماعة، وهو ما يعني على المدى البعيد مصالح البشرية.

ولكن تجربة اشتراكية الدولة في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية نتج عنها بعض من أكثر المشكلات البيئية، فقد قامت الأولويات الاقتصادية في الشرق الشيوعي -كما في الغرب الرأسمالي -على تتبع خط النمو الكمي، وفي ستينيات القرن العشرين مثلا أعيد شق طريق النهرين الأساسين اللذين يغذيان بحر "أرال" في أسيا المركزية السوفيتية لزراعة القطن والأرز، ونتج عن ذلك أن انكمش حجم بحر "أرال" الذي كان رابع أكبر بحيرة في العالم إلى نصف حجمه الطبيعي، كما تراجعت شواطئه100 كيلومتر في بعض المناطق مخلفة صحراء مالحة وملوثة.

وكان انفجار تشيرنوبل النووي في أوكرانيا 1986 أكثر الكوارث البيئية المعلن عنها حيث أجبر دوي الانفجار النظام السوفيتي على مزيد من الصراحة بخصوص المشكلات البيئية بصفة عامة.

وفي عصر ما بعد الشيوعية انطلقت جماعات الاحتجاج البيئية من الاتحاد السوفيتي، ولكن من الملاحظ أن هذه الجماعات قلما اعتنقت المذهب  الاشتراكي البيئي، بل ارتبطت أكثر بالمناحي السياسية المعارضة للاشتراكية كتجربة ضاغطة وشمولية بخلاف الحركة الخضراء في الغرب.

المذهب  الأناركي البيئي

تبدو اللاسلطوية أكثر الأيديولوجيات حساسية تجاه البيئة، فقبل أن يصدر كارسون كتابه المهم "الربيع الصامت" كان بوكتشين قد نشر كتابه الرصين "بيئتنا المصطنعة" (1962)، ويدين الكثير في "الحركة الخضراء" بأفكارهم إلى الشيوعيين الفوضويين الذين ينتمون إلى بواكير القرن العشرين، خصوصا بيتر كروبوتكين. ورأى بوكتشين توازيا واضحا بين أفكار الفوضوية ومبادئ علم البيئة التي جاء التعبير عنها في فكرة "علم البيئة الاجتماعي"، وهو الاعتقاد أن التوازن البيئي هو أساس الاستقرار الاجتماعي.

ويؤمن الفوضويون بمجتمع بلا دولة يتولد فيه التناغم من الاحترام المتبادل والترابط الاجتماعي بين الأفراد؛ فيقوم رخاء مثل هذا المجتمع على التنوع والاختلاف. ويؤمن علماء البيئة كذلك أن التوازن والتناغم يتولدان بصورة تلقائية في الطبيعة فيظهر على شكل أنظمة بيئية لا تتطلب سلطة أو رقابة خارجية تمامًا، مثل المجتمعات اللاسلطوية التي تتخلى عن مؤسسة الدولة المركزية وتهمشها، ومن ثم يتوازى رفضهم  للحكومة في المجتمع البشري وتحذيرات علماء البيئة من "الحكم" البشري في العالم الطبيعي؛ لذا شبه بوكتشين المجتمع اللاسلطوي بالمنظومة البيئية، ورأى أن كليهما يميزه احترام مبادئ التنوع والتوازن والتناغم.

وأيد الفوضويون بناء مجتمع لا مركزي  ينظم كمجموعة من القرى والجماعات  وتكون الحياة فيه قريبة من الطبيعة؛ حيث تسعى كل جماعة لتحقيق درجة كبيرة من الاكتفاء الذاتي. ويتنوع اقتصاد هذه الجماعات فينتجون الغذاء إلى جانب نطاق واسع من السلع والخدمات الأخرى، وبالتالي ينضوي اقتصادهم على الزراعة والأعمال الحرفية والصناعات الصغيرة، ويحث الاكتفاء الذاتي كل مجتمع على الاعتماد على بيئته الطبيعية فيتأتى فهم العلاقات العضوية وعلم البيئة بالتبعية. ويرى بوكتشين أن اللامركزية ستؤدي إلى" استخدام أكثر حكمة  للبيئة" فالمجتمع الذي ينظمه التراحم التلقائي بين الأفراد من شأنه أن يشجع التوازن البيئي بين الأفراد والعالم الطبيعي.

وتأثر تصور علماء البيئة عن المجتمع الصناعي دون شك بكتابات كروبوتكين وويليام موريس، فقد تبنت الحركة الخضراء من الفكر الأناركي أيضا أفكارا كاللامركزية وديمقراطية المشاركة والعمل المباشر، ولكن على الرغم مما تقدمه الأناركية من تصور لمستقبل بيئي صحي فقلما تتخذ كوسيلة لتحقيق ذلك، فأنصارها يؤمنون بأن التقدم لن يكون ممكنا إلا بسقوط الحكومة وجميع أشكال السلطة السياسية، بينما ينظر الكثير في الحركة الخضراء إلى الحكومة على أنها أداة لتفعيل العمل الجماعي وتنظيمه، وبالتالي تصبح الحكومة حتى لو على المدى القصير أنسب الوسائل لمواجهة الأزمة البيئية، وهم يخشون من أن القضاء على الحكومة أو حتى إضعافها قد يطلق العنان للقوى التي أحدثت التقدم الصناعي وأفسدت البيئة الطبيعية في المقام الأول.

الحركة النسائية البيئية

تقدم الحركة النسائية  تناولا فريدا ومميزا للموضوعات الخضراء إلى حد أن تطورت الحركة النسائية البيئية لتصبح أحد أكبر المدارس الفلسفية للفكر البيئي، وموضوعها الأساسي يتمثل في أن جذور الدمار البيئي تعود إلى البطريركية الذكورية؛ فالطبيعة معرضة  للتهديد لا من قبل الجنس البشري كله ولكن من قبل الرجال ومن مؤسسات سلطة الرجل.

ومؤيدو الحركة النسائية الذين يتبنون موقفا جندريًا Gender Perspective  من الطبيعة البشرية (لا يميزون بين الذكورة والأنوثة وينكرون الفروق بينهما)  يرون أن البطريركية قد شوهت غرائز وأحاسيس الإنسان عبر عالم التنشئة "الخاص" والعلاقات الشخصية و الأسرية، ومن ثم فإن التقسيم القائم على الجنس (المرأة للبيت/ والرجل للكسب والإنفاق) من شأنه أن يحث الرجل على التقليل من قدر المرأة والطبيعة؛ حيث يرى الرجل نفسه "سيداً" لكليهما، ومن هذا المنظور يمكن تصنيف علم الحركة النسائية البيئي  كشكل خاص من علم البيئة الاجتماعي.

والتناقض الطريف أننا نلاحظ تبني الكثير من مؤيدي الحركة النسائية البيئية المذهب الحتمي essentialism؛ حيث تقوم نظرياتهم على الاعتقاد في الاختلافات الجذرية والحتمية بين الرجل و المرأة والتأكيد على أن المرأة أكثر حفاظاً على الطبيعة؛ لأنها الأم حاملة قيم الرعاية والرحمة، وهو ما يؤدي إلى مركزية الأنثى في النهاية.

وقد تبنت ماري دالي مثلا مثل هذا الموقف في علم أمراض النساء من منظور  البيئة؛ حيث رأت أن المرأة ستحرر نفسها من الثقافة البطريركية الأبوية الذكورية إذا تحالفت مع "طبيعتها الأنثوية".

 والمفهوم الذي يربط المرأة بالطبيعة ليس بجديد، فديانات ما قبل المسيحية والثقافات البدائية طالما صورت الأرض والقوى الطبيعية كإله، وقد أُحييت هذه الفكرة من جديد في افتراض جايا السابق الذكر. ومؤيدو الحركة النسائية المحدثون يبرزون القاعدة البيولوجية لقرب المرأة من الطبيعة في حقيقة حملها للأطفال وإرضاعهم، كما يشكل التصاق المرأة بالإيقاعات والعمليات الطبيعية توجهها السياسي والثقافي.

ومن ثم تتمثل القيم "الأنثوية" التقليدية في مبدأ المعاملة بالمثل والمشاركة والتنشئة، وهي قيم "لينة" ذات طابع بيئي، وإذا كانت ثمة رابطة "حتمية" أو "طبيعية" تربط بين المرأة والطبيعة؛ فلأن علاقة الرجل بالبيئة تختلف اختلافًا شديدًا، فبينما المرأة تعتبر كائنا طبيعيا يعد الرجل كائنا ثقافيا، فعالم الرجل صناعي من صنع الإنسان، وهو نتاج الإبداع البشري لا الإبداع الطبيعي؛ إذًا يتقدم الفكر في عالم الرجل على الحدس ترتيبا، وتتفوق القيمة المادية على الروحانية، كما يكون الاهتمام بالعلاقات الميكانيكية أكثر من العلاقات الكلية holistic .

 انعكس ذلك في الصعيد السياسي والثقافي في الإيمان بتحقيق الذات والتنافس والتدرج الهرمي وإيحاءات ذلك للعالم الطبيعي واضحة، ومن هذا المنظور تسيطر الثقافة من خلال البطريركية على البيئة؛ حيث تصبح الطبيعة ما هي إلا قوى وجب تسخيرها أو استنزافها أو تخطيها. وبالتالي يمثل كل من الدمار البيئي وعدم المساواة القائم على النوع جزءًا من عملية هيمنة الرجل"المثقف" على المرأة"الطبيعية"، وهي رؤية تكرس الصراع في دائرة مفرغة موظفة البيئة كموضوع لتكريس التمركز حول الأنثى.

235
منتدى علوم البيئة / علم البيئة البحث عن نموذج جديد
« في: أغسطس 01, 2004, 11:38:48 مساءاً »
تتمثل الموضوعات الرئيسية للمذهب البيئي في الآتي:

- المذهب الكلي HOLISM

- الاستدامة  SUSTAINABILITY

- الأخلاق البيئية ETHICS

- ما بعد المادية POST-MATERIALISM

*  المذهب الكلي HOLISM

أول افتراض في النظرية البيئية أن الأنظمة البيئية ليست "مغلقة"، ولا تكفي نفسها بنفسها بصورة مطلقة، فكل نظام بيئي يتفاعل مع غيره من الأنظمة الأخرى، والعالم الطبيعي  يتكون من شبكة من الأنظمة البيئية أكبرها المنظومة البيئية العالمية التي شاعت تسميتها بـ"المجال البيئي"eco-sphere أو "المجال البيولوجي" bio-sphere.

وقد غيّر التطور العلمي لعلم البيئة المفهوم عن العالم الطبيعي، ووضع الإنسان من المفهوم الذي يجعل الإنسان "سيدا" على الطبيعة إلى تصور يرى عكس ذلك، فالبشرية في الحاضر تواجه احتمال وقوع كارثة بيئية يعود السبب فيها تحديدًا إلى أن الإنسان في ملاحقته العمياء والمندفعة للثروة المادية  أخل "بميزان الطبيعة"، وهدد الأنظمة البيئية التي لا يمكن للحياة البشرية أن تقوم إلا بها.

فاحتياطات المعادن وفق التقديرات لن تدوم أكثر مما يتراوح بين 40 و80 سنة. وخلال 50 عاما ستزول الغابات الاستوائية المطيرة التي من شأنها أن تنقي مناخ الأرض وتنظمه إذا ما استمر معدل التصحر الحالي، بالإضافة إلى ذلك فإن المصانع ومحطات الطاقة تلوث الأنهار والبحيرات والغابات التي تمد الإنسان بالغذاء والوقود والماء والموارد الحيوية الأخرى. وأخيرًا تمتلك التكنولوجيا الذرية القدرة على سحق الجنس البشري وتدمير الكوكب الذي يقله.

ولم تنظر الأيديولوجيات السياسية التقليدية بجدية أبدا إلى العلاقة بين الطبيعة والجنس البشري؛ فهي كلها تزعم أن البشر هم "أسياد" العالم الطبيعي، ومن ثَمَّ لم تزد الطبيعة عن كونها أحد الموارد الاقتصادية إلا قليلا، وبذلك كانت جزءًا من المشكلة لا جزءًا من الحل. وقد أرجع فريتجوف كابرا في كتابه "نقطة التحول" (1982) جذور هذه الأفكار إلى علماء وفلاسفة القرن السابع عشر أمثال رينيه ديكارت وإسحق نيوتن الذين صوروا العالم كآلة يمكن تحليل جزئياتها وفهمها بالأساليب العلمية حديثة الاكتشاف، والتي تطلبت اختبار الافتراضات مقابل "الحقائق" من خلال تجارب كثيرة ودقيقة، معرضين في ذلك عن النظرة العضوية للعالم التي كان يقدمها الدين.

وقد حقق العلم تطورات بارزة في المعرفة الإنسانية، كما وضع أساس التنمية في الصناعة الحديثة و التكنولوجيا. وكان من عظم إنجازات العلم أن هيمن المذهب العلمي الوضعي scientism على البحث الفكري في العالم الحديث؛ حيث اعتبرت المعرفة الحسية هي سبيل المنهج العلمي المادي للوصول إلى الحقيقة، ونظر إليها باعتبارها الطريقة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها، وهو ما وضع في نظر البيئيين الأساس الفلسفي للكارثة البيئية المعاصرة، فالعلم يتعامل مع الطبيعة على أنها آلة شأنها شأن أية آلة أخرى تكون معرضة للإهمال أو الإصلاح أو التعديل أو حتى الاستبدال.

  ورأى "كابرا" أن الإنسان إذا تعلم أنه جزء من العالم الطبيعي –لا سيده- سينهار ذلك التشبث "بعالم نيوتن الآلي"، ويحل محله نموذج جديد أكثر احترامًا لموازين الطبيعة.

وانجذب المفكرون البيئيون أثناء بحثهم عن ذلك النموذج الجديد إلى مجموعة متنوعة من أفكار ونظريات مستقاة من العلم الحديث والأساطير القديمة والتراث الديني، ومفهوم الكلية Holism هو الفكرة الموحدة بين هذه الأفكار، لتعبر عن أن العالم يفهم بكليته لا بأجزائه الفردية، و يقوم  "المذهب الكلي" holism على الاعتقاد بأن "الكل" أهم من "الأجزاء"، ويرى أن كل جزء لا يستقيم له معنى في ذاته إلا فيما يتعلق بالأجزاء الأخرى، وأخيرا فيما يتعلق بـ"الكل".

ففي مجال العلم الطبي –على سبيل المثال- كان المرض يفهم ويعالج على أنه خلل في عضو بعينه أو حتى في خلايا معينة في الجسم لا على أنه عدم توازن أصاب حياة المريض كلها. وبالتالي انصب الاهتمام على الأعراض العضوية، بينما تم تجاهل العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية.

ويعالج التناول الكلي holistic للصحة "الإنسان ككل"؛ حيث ينظر إلى الإصابات والأمراض على أنها مجرد أعراض عضوية لما قد يكون تركيبا من العوامل العضوية والنفسية والاجتماعية والبيئية.

ويبين المذهب الكلي holism أن التقسيم التقليدي للمعرفة الإنسانية إلى أقسام منفصلة كالعلوم والفلسفة والتاريخ والسياسة... إلخ يفتت الظواهر ويفككها؛ فعلم الاقتصاد مثلا لم يعد مجرد دراسة إنتاج البضائع واستهلاكها؛ فالتناول الكلي holistic لعلم الاقتصاد يتطلب الاهتمام بالتكلفة البيئية للإنتاج وقيمته الأدبية والروحية وعواقبه السياسية.

وتؤكد هذه النظرة على أهمية إدراك العلاقات داخل النظام واندماج عناصرها المختلفة داخل الكيان الكلي. وكان لهذه النظرة إيحاءات راديكالية قوية؛ فالمعرفة الموضوعية على سبيل المثال تعد مستحيلة؛ لأن عملية الملاحظة نفسها تغير ما يتم ملاحظته، كما أن الفاعل والمفعول به واحد، فالباحث لا ينفصل عن تجربته وبيئته، وهكذا فإن النظر إلى العالم على أنه مجموعة من الأنظمة قد أحدث ثورة في علم الطبيعة وهو في طور تغيير العلوم الأخرى، ويمكن حتما أن يطبق بالطريقة نفسها على بحث المسائل الاجتماعية والسياسية والبيئية- باختصار يمكن "للفيزياء الجديدة" أن تقدم نموذجا قادرا على أن يحل محل النظرة الميكانيكية الصلبة.

وقد قدم الدين مصدرا خصبا للمفاهيم والنظريات الجديدة، وقد نبّه كابرا في كتابه "طاوية الفيزياء"(1975) إلى التوازي المهم بين أفكار الفيزياء الحديثة وأفكار صوفية الشرق، فقد رأى أن الديانات مثل الهندوسية والطاوية والبوذية -وعلى الأخص مذهب الزن- قد نادت بالوحدة أو توحد كل شيء وهي حقيقة لم يكتشفها العلم الغربي إلا في القرن العشرين.

وانجذب الكثيرون من حركة الخضر إلى الصوفية الشرقية حيث رأوا فيها فلسفة تعبر عن حكمة علم البيئة، كما رأوا فيها منهج حياة يحث على التعاطف مع بني البشر وغيرهم من الفصائل ومع العالم الطبيعي، ويرى كتاب آخرون أن مبادئ علم البيئة يتجسد في الديانات التوحيدية كالمسيحية واليهودية والإسلام التي تعتقد أن البشر والطبيعة من صنع إلهي. وقد وصف جوناثان بوريت المدير الأسبق لجماعة أصدقاء الأرض الكوكب الأرضي بأنه يمثل "أقوى تجسيد باد لنا لصنع الخالق"، ويرى أن المحافظة على هذا الكوكب وصيانته واجب ديني، وأن الإنسان لن يتوافق مع الطبيعة إلا إذا اعتبر نفسه عبدًا لله فوق الأرض.

ولكن لشيوع العلمانية تعود أكثر مفاهيم الخضر الغربيون انتشارًا إلى أفكار ما قبل المسيحية، فلم تميز الديانات البدائية في الأغلب بين البشر وغيرهم من أشكال الحياة، وقلما ميزت بين كائنات حية وغير حية؛ فجميع الأشياء الحجارة والأنهار والجبال وحتى الأرض نفسها التي صورت في الغالب بـ"الأرض الأم".

واهتم علماء البيئة بفكرة الأرض الأم في محاولة لإيجاد علاقة جديدة بين الإنسان والعالم الطبيعي، فقدّم جيمس لوفلوك الكيميائي الكندي  في المجال الجوي، شارك وكالة ناسا NASA في برنامج الفضاء الخاص بها؛ حيث أدلى بدلوه في كيفية البحث عن حياة فوق كوكب المريخ، وفي كتابه "جايا" نظرة جديدة للحياة على الأرض 1979 فكرة أن الكوكب نفسه حي وسماه "جايا"، وهو اسم إله الأرض "جايا" عند اليونان. وعرف جيمس لوفلوك "جايا بأنه المجال البيولوجي للأرض ومجالها الجوي ومحيطاتها وتربتها" وحذر لوفلوك من "أن تدمير مثل هذا القدر الكبير من المنظومة البيئية لجهلنا بطبيعة ما تقوم به من عمل يشبه تفكيك نظام التحكم في طائرة جوية  أثناء طيرانها".

* القدرة على الاستدامة SUSTAINABILITY

يرى علماء البيئة أن فرص الحياة البشرية غير المحدودة في النمو المادي والازدهار تمثل الافتراض المتأصل في المعتقدات السياسية التقليدية، والذي تنادي به جميع الأحزاب السياسية السائدة؛ ففي أجزاء عديدة من العالم يتمتع الناس بمستويات معيشة كانت تُعد مستحيلة منذ 50 أو 100 عام، فالعلم و التكنولوجيا دائما ما يحلان المشكلات القديمة كالفقر والمرض، كما يفتحان الباب أمام فرص جديدة من خلال التلفزيون والفيديو والكمبيوتر والإنسان الآلي (روبوت) و ركوب الجو بل ركوب الفضاء. ومع ذلك يرى منظور المركزية البيئية أن انتظار الازدهار والوفرة المادية غير المحدودة الذي سماه هيرمان دالي "هوس النمو" (1974) ليس مضللا فحسب بل هو مسبب أساسي للكارثة البيئية.

ويشيع بين المفكرين الخضر جمع الرأسمالية والشيوعية معا و تصويرهما كنماذج "للتقدم الصناعي"، ومن ثم تطلب الاقتصاد الأخضر تصورات معتدلة عن الطبيعة وإعادة التفكر في أهداف النشاط الاقتصادي، خصوصا فيما يتعلق بنظرة الإنسان إلى الأرض والموارد التي تحتوي عليها.

وقد وجهت حركة الخضر الانتباه إلى ما تعده "قنبلة الكثافة السكانية الموقوتة". ومثل هذا القلق ليس حديث العهد، فمنذ عام 1798 حذّر الاقتصادي ورجل الدين البريطاني "توماس مالثوس" (1766-1834) من أن الزيادة السكانية ستؤدي حتمًا إلى مجاعة شديدة عامة وفظيعة؛ لأن إنتاج الغذاء محدود. ولكن مالثوس أغفل قدرة أساليب الزراعة الحديثة على إطعام الكثافة السكانية دائمة الزيادة. ومع ذلك يرى الخضر المعاصرون أن أفكار مالثوس البيئية لم تكن غير صحيحة ولكنها سبقت عصرها؛ فالزيادة السكانية مشكلة في حد ذاتها، ولكنها أيضا تبرز خطورة المشاكل البيئية، فالحيز الذي يملؤه كل إنسان يزداد ضيقا، أي أن الناس يتكاثرون في العيش في مدن متسعة، لكنها تعاني من انفجار سكاني. أما الريف وهو الأقل تعرضا للضرر فينحصر في وقت الفراغ والترويح.

وتعد "أزمة الطاقة" من أكثر الموضوعات التي  تعكس قلق البيئيين، فقد تحقق التقدم الصناعي Industrialism والوفرة الضخمة على حساب الفحم والغاز و احتياطيات البترول التي استنزفت لتوفر الوقود لمحطات الطاقة والمصانع والسيارات والطائرات... إلخ. والوقود وقود حفري تكوّن بتحلل أو اندماج الكائنات التي ماتت في عصور ما قبل التاريخ. وهذا الوقود الحفري غير قابل للتجدد فما أن ينفد لا يمكن الاستبدال به. ورأى شوماخر الاقتصادي البريطاني الذي  ناصر في  كتابه "الصغير جميل: دراسة في الاقتصاد لو أن الناس مهمون" (1973) أن مبدأ الإنتاج البشري مهم في التحليل الاقتصادي، وقدّم فلسفة اقتصادية مستمدة من البوذية تركز على أهمية الأخلاق و"العيش السليم". وكان معارضا للعملاق الصناعي، وآمن بالإنتاج "المعتدل"، كما دأب على دعم التكنولوجيا "المتوسطة".

وفي كتابه "الصغير جميل" ذهب إلى أن الإنسان أخطأ في اعتبار الطاقة "دخلاً" يتكرر كل أسبوع أو كل شهر بدلا من اعتبارها "رأس مال طبيعي" يضطر الإنسان إلى استهلاكه لحاجته. وأدى هذا الخطأ إلى أن زاد استهلاك الطاقة عاليا، خصوصا في سماء الغرب الصناعي في الوقت الذي اقتربت موارد الوقود المحدودة فيه من النضوب حيث من المحتمل أن تنفد قبل نهاية القرن الجديد.

ولا يركز الاقتصاد البيئي على التهديدات والتحذيرات فحسب بل يهتم أيضا بالحلول. فالوقود الحفري مثلا يعد شكلا من أشكال الطاقة "غير النظيفة"؛ لذلك اجتهدوا في البحث عن مصادر "نظيفة" للطاقة، ورهن علماء البيئة بقاء الجنس البشري وازدهاره على إدراك الإنسان أنه مجرد أحد عناصر المجال البيولوجي المركب، وأن هذا المجال البيولوجي لن يتمكن من دعم الحياة البشرية إلا إذا كان متوازنا وسليما. وبالتالي يجب الحكم على السياسات والأفعال بمبدأ "القدرة على الاستدامة"، أي قدرة النظام أو المجال البيولوجي في هذه الحالة على المحافظة على سلامته وبقائه.

تضع "القدرة على الاستدامة" حدودا للطموح الإنساني وأحلام الإنسان المادية؛ لأنها تحتم ألا يسبب الإنتاج إلا أقل القليل من الضرر للمنظومة البيئية العالمية الهشة، فمن الجلي أن الاستخدام الحالي للوقود الحفري مثلا غير قادر على الاستدامة؛ فالفحم والبترول والغاز الطبيعي ستنفد.

  وبالتالي يجب أن تقوم السياسة القادرة على استدامة الطاقة على الحد من استخدام الوقود الحفري والبحث عن مصادر طاقة بديلة ومتجددة مثل الطاقة الشمسية والهوائية وطاقة الأمواج التي تعد قادرة على الاستدامة بحكم طبيعتها، ويمكن التعامل معها بوصفها "دخلا" لا "رأس مال طبيعي"؛ لهذا رأى الخضر أن "عصر الوقود الحفري" يجب أن يفسح الطريق أمام "العصر الشمسي"، كما حثوا الحكومات على بحث وتنمية مصادر الطاقة المتجددة.

واهتم أنصار البيئة بالقيم التي تدعم هذه الرؤية البديلة بدعم الإنسانية وتشجيع الناس على العمل الجماعي، والحديث عن مسئوليتنا أمام الأجيال القادمة، وقيمة "التكنولوجيا ذات الطابع الإنساني"، وهاجموا النزعة الاستهلاكيةconsumerism  ، ودعوا إلى "العودة إلى الطبيعة".

* الأخلاقيات البيئية ETHICS

تهتم السياسة البيئية بجميع أشكالها بتوجيه التفكير الأخلاقي في عدة اتجاهات مختلفة؛ وذلك لأن الأنظمة الأخلاقية الحداثية تكرس الفردية مركزية الإنسان بشكل واضح. فعلى سبيل المثال يرى المذهب النفعي "الخير" و"الشر" على أساس ما يمر به الإنسان من آلام ومتع. وللأفراد أن يتصرفوا بأي طريقة تجلب لهم أكبر قدر من السعادة وأقل قدر من التعاسة، وذلك بموجب أنهم نفعيون من الدرجة الأولى.  

وإذا كانت ثمة مكانة للعالم غير البشري من الفصائل الأخرى من مملكة الحيوان والأشجار والنباتات والتربة وغيرها فهي قيمة أداتية، أي مجرد وسيلة لتحقيق أهداف الإنسان ومواءمة اهتماماته. وينطبق ذلك على النظريات العمالية في القيمة والتي تبناها الاقتصاديون الكلاسيكيون وأبرزهم ريكاردو في القرن التاسع عشر، بل وكارل ماركس أيضًا، ومفادها أن العالم غير البشري تكون له قيمة فقط عند الحد الذي "يختلط" فيه بالإنتاج والعمل البشري، أو عندما يدعم التفاعل بين الأفراد والطبيعة وتطوير مهارات الإنسان وإدراكه من خلال العمل.

والموضوع الأخلاقي الذي يتشبث به علماء البيئة بشدة هو الالتزام الأدبي تجاه الأجيال القادمة، فإن طبيعة المسائل البيئية تحتم ألا تظهر نتائج السلوك المتبع تجاهها إلا بعد عشرات -بل مئات- السنين وتعارض مقولات، مثل: لِمَ الاهتمام بنضوب الوقود الحفري إذا كان أهل هذا الزمن لن يكونوا موجودين عندما ينفد؟ ولِمَ القلق بشأن تراكم المخلفات النووية إذا كانت الأجيال التي ستتعامل معها لم تولد بعد؟

ومن الواضح أن الاهتمام بالمصالح العامة، وكذلك المصالح البشرية جمعاء لا يمتد إلى المستقبل إلا قليلاً.

يسعى علماء البيئة  إلى مد مفهوم مصلحة الإنسان ليشمل الجنس البشري كله -الآن ومستقبلاً- وبالتالي لا يفرق بين الأجيال الحالية والأجيال في المستقبل ولا بين الأحياء ومن لم يولدوا بعد، وهو ما يجعل جيل الزمن الحاضر مجرد "حماة" للثروة التي كونتها الأجيال السابقة ووجبت المحافظة عليها من أجل الأجيال المستقبلية. ومن ناحية أخرى قد يرى الاشتراكيون البيئيون أن الاهتمام بالأجيال المستقبلية ما هو إلا صورة تعبر عن امتداد حب الإنسانية والتعاطف معها عبر الأزمنة تمامًا، كما يتعدى هذا الحب والتعاطف حدود القومية والعرق والنوع.

لكن نسبية هذه المنظومة القيمية وردها للطبيعة فقط كان من تجلياتها مساواة الإنسان بالحيوان ونزع خلافة الإنسان وتميزه على سائر الكائنات، وكانت النتيجة تتضمن أن يتم  تناول الأخلاقيات البيئية بشكل أفقي يساوي البشر بباقي الكائنات الطبيعية، وتطبيق المعايير والقيم الأخلاقية الخاصة بالبشر على غيرهم من الفصائل والكائنات، وأكثر هذه المحاولات شيوعا هو "حقوق الحيوان"؛ حيث قدّم بيتر سينجر في كتابه "تحرير الحيوان" (1976) رؤية للدفاع عن رفاهية الحيوان، وأن الحيوان –شأنه شأن الإنسان- من مصلحته أن يتجنب الألم العضوي؛ ولهذا أدان أية محاولة لتقديم مصالح الإنسان على مصالح الحيوان، ووصفها بـ"التعصب النوعي"، فهي تحامل مستبد غير عقلاني يشبه التعصب الجنسي والعنصري. ولكن هذا الاهتمام الغيري بالفصائل الأخرى لا يحتم معاملة متساوية معها، فرأي سينجر لا يمكن تطبيقه على أشكال الحياة الجامدة كالأشجار والصخور والأنهار التي "لا تحتوي على قيمة ما" على حد وصفه.

وكان الفيلسوف الأمريكي توم ريجان في كتابه "الدفاع عن حقوق الحيوان" هو الذي قدّم الفكرة الأكثر راديكالية التي تقول بأن كلا من الإنسان والحيوان له أن يتمتع بالوضع الأدبي نفسه، استنادًا إلى أن كل الكائنات الحية لها صلاحية حيازة الحقوق، ويصعب في مثل هذا الوضع التمييز بين عوالم الإنسان والحيوان بل قد يكون مستحيلا، ومع ذلك أخبر ريجان أنه في الوقت الذي يتم فيه استثمار بعض الحقوق في الجنس البشري بموجب أن البشر قادرون على الفكر العقلي والسيطرة الأدبية على الذات تطبق هذه الحقوق فقط على مجموعات مختارة من الحيوانات وعلى الأخص على الثدييات الطبيعية والتي عمرها سنة أو أكثر.

ويتمثل الموقف الأدبي لعلم البيئة  في أن الطبيعة لها قيمة في حد ذاتها، أي قيمة في جوهرها، ومن هذا المنطلق لا تتعلق الأخلاقيات البيئية بأية حال من الأحوال بالواسطة البشرية، ولا يمكن التعبير عنها بمجرد مد القيم البشرية إلى العالم غير البشري. وحاول جودين (1992) مثلا تقديم "نظرية خضراء في القيم" ترى وجوب تقدير الموارد تحديدًا؛ لأنها نتاج العمليات الطبيعية لا النشاط البشري، وأن هذه القيمة تنبع من حقيقة أن المنظر الطبيعي يساعد الأفراد على استشعار "بعض الإحساس والنمط في حياتهم"، وتقدير "شيء أكبر" من أنفسهم، وبالتالي يأتي تصوير الطبيعة نفسها كأنها مجتمع أخلاقي، وهو ما يعني أن البشر ما هم إلا "مواطنون عاديون" لا يمتلكون حقوقا أو يستحقون احتراما أكثر من أي عضو آخر في الجماعة الطبيعية.

ويملي مثل هذا الموقف الأدبي "مساواة مركزية بيولوجية"، وفي هذا أن يكون جميع الكائنات والكيانات في المجال البيئي لها قيمة أدبية متساوية؛ حيث إن كلا منهم يعد جزءًا من عالم مترابط، ووصف آرن نايس (1989) ذلك بأنه "حق متكافئ في الحياة والازدهار". ولكن اللافت أن هذا الموقف المؤمن بالقيمة في جوهر الطبيعة يخفق في إدراك أن الأخلاق قيمة بشرية مرتبطة بتحسين الحسن وتقبيح القبيح وهذا مصدره العقل والوحي، وأن "طبيعة" الطبيعة تنبع تحديدا من كونها بعيدة لا تعرف الأخلاق بل البقاء فيها للأقوى والقوانين هي قوانين مادية وحسب.

* ما بعد  المادية POST-MATERIALISM

لما كان رفض السلوك الأناني والطمع المادي أحد الموضوعات الثابتة في المذهب البيئي، فقد سعى هذا المذهب إلى تقديم فلسفة بديلة تقوم على الرضا الشخصي والتوازن مع الطبيعة. وبالفعل يشيع ربط نمو الاهتمام بالموضوعات البيئية منذ ستينيات القرن العشرين بظاهرة ما بعد المادية POSTMATERIALISM البارز في كتابات إينجلهارت.

ويرى مذهب ما بعد المادية أنه بينما تغذي ظروف الندرة المادية السلوك الأناني، ستدفع ظروف انتشار الرخاء في الغرب الأفراد لمزيد من الإقبال على موضوعات، مثل "ما بعد المذهب المادي" أو "جودة الحياة"، وتهتم هذه الموضوعات جميعا بالأخلاق والعدالة السياسية والرضا الشخصي، كما تتضمن الحركة النسائية والسلام الدولي والتناغم العنصري وعلم البيئة وحقوق الحيوان.

ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار "المذهب البيئي" واحدًا من الحركات الاجتماعية"الجديدة" التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي تلتزم التزاما كبيرا بجدول عمل يتجاوز أسس المجتمع الرأسمالي التقليدي وحداثته إلى ما بعد الحداثة وحقوق الجماعات وتعددية المنظومات القيمية والأخلاقية في سيولة ونسبية كاملة، وهو ما يعيننا على فهم ارتباط حركات البيئة الآن بحركات الراديكالية وبحقوق الشواذ.

فالمذهب البيئي في أحد أبعاده أيضًا يعطي حق التجريب لا في الطبيعة وميزانها بل في الجسد وأحاسيس الإنسان واختياراته وتحقيقه لذاته، وهو ما حذّر منه موراي بوكتشين الفيلسوف الاجتماعي الأمريكي والمفكر البيئي وأحد النشطاء الراديكاليين، ومن أوائل المفكرين الاجتماعيين الذين تناولوا القضايا البيئية بجدية، والذي يرى أن الأزمة البيئية تعود إلى انهيار النسيج العضوي للمجتمع والطبيعة.

ووصف هذه النزعات المادية بأنها شكل من أشكال "معاداة الإنسانية"؛ حيث رأى أن اختلاقها للأساطير حول "الطبيعة" يمثل سقوطا لثقة الإنسان في طبيعته الاجتماعية المتجاوزة  وتمركزًا حول جسده وإهمالا تامًّا للاهتمامات الأوسع، وهذا في رأيه هو أساس "تحول النموذج" الذي يجب أن  يسعى المذهب البيئي إلى تحقيقه؛ حيث بذونه سيكرر الأخطاء التي ارتكبتها السياسة "القديمة" لعدم قدرتها على تخطي مفاهيمها وافتراضاتها الوضعية، حتى وإن حاولت الحديث عن "الروحانيات" التي هي في ذاتها تجربة فردية خلاصية وليست منظومة أخلاقية متجاوزة.

ويدعو الفيلسوف الأسترالي وورويك  فوكس(1990) لتبني "علم البيئة المتعدي للجانب الشخصي".

236
منتدى علوم البيئة / البيئة : دراسة مأخوذة عن الانترنت
« في: أغسطس 01, 2004, 11:36:12 مساءاً »
الإنسان أم العودة إلى الطبيعة ؟

 

انتقد علماء البيئة الافتراض الأساسي الذي يقوم عليه الفكر السياسي الغربي بشأن "مركزية البشرية" أو التمركز حول الإنسان، أي أن البشر هم مركز الوجود. وهو ما دمر وشوه العلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية، وبدلا من المحافظة على كوكب الأرض واحترامه واحترام الفصائل المختلفة التي تعيش على سطحه سعى الإنسان -كما وصفه جون لوك- ليصبح "سيدا للطبيعة ومالكها"، وساعدت الفردية الليبرالية على انطلاق مشروع التراكم الرأسمالي التحديثي بمقاييسه الاقتصادية النقدية بعيدًا عن التكلفة الإنسانية والطبيعية، معطيًا الإنسان الضوء الأخضر للسيطرة على الطبيعة والزعم بالقدرة على معرفة كل أسرارها بالعلم بعد التحرر من الغيب والدين، فتم استنزاف الطبيعة لراحة الإنسان ومصلحته.

والتقسيم التقليدي بين اليمين واليسار في السياسة والصراع بين الجماعية و الفردانية أو اشتراكية مقابل رأسمالية، يخفي حقيقة مهمة هي أن الموقفين يرميان إلى الهدف نفسه الذي يتمثل في مزيد من الوفرة المادية عبر مزيد من الاستنزاف الفعال للعالم الطبيعي الذي هو أفق العقل الآن وهنا فحسب.

ولم يكن العالم الطبيعي وحده هو الذي تهدد من جراء ذلك، بل أوشك الجنس البشري كله على الدمار في ظل سياسات التصعيد النووي إبان الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين.

ويمثل علماء البيئة نمطا جديدا من السياسة تبدأ من تصور للطبيعة بأنها شبكة من علاقات هشة تربط بين الفصائل الحية بما فيها الجنس البشري وبين البيئة الطبيعية، ولم يعد الجنس البشري يحتل وضعا مركزيا بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من الطبيعة ومن ثم وجب على الأفراد التحلي بالتواضع والاعتدال والرقة والتخلي عن الحلم المضلل الذي يجعل من العلم و التكنولوجيا حلاً أسطورياً لجميع المشكلات.

237
منتدى علوم البيئة / البيئة : دراسة مأخوذة عن الانترنت
« في: أغسطس 01, 2004, 11:34:58 مساءاً »
الاهتمام بالبيئة المحيطة بالبشر قديم قدم الإنسان نفسه، فالإنسان لا ينفك عن الاحتياج إلى بيئته والتفاعل معها، والانشغال المتخصص بالبيئة والحفاظ على توازنها بالاستخلاف والعمارة وميزان المقاصد الشرعية من الشواغل المهمة في الفقه الإسلامي؛ ولهذا الغرض خٌصصت الأوقاف وفُصلت الأحكام الشرعية تقييدًا لسلطة الإنسان وحركته بإطار الخلافة لله وأمانة الإصلاح في الأرض وعمارتها، وهكذا دخلت علاقة الإنسان بالبيئة في مراتب الضروريات والحاجيات و التحسينيات في مقاصد الشرع من حفظ للدين والنفس والعقل والمال والعرض، وفي هذا الباب كلام كثير مبثوث في أمهات الكتب بل والمؤلفات الأدبية.

    أما الاهتمام بالبيئة وقضاياها في الغرب عبر السياسات البيئية فحديث نسبيًا، وقد ظهر اصطلاح "علم البيئة" ecology  عام 1866 على يد عالم الحيوان الألماني إرنست هايكل. ويشتق اصطلاح "علم البيئة" ecology  من الكلمة اليونانية oikos والتي تعني الموطن، وقد استخدمه هايكل للإشارة إلى "البحث في مجموع علاقات الحيوان ببيئته العضوية وغير العضوية". ومنذ أوائل القرن العشرين عُرف "علم البيئة" بكونه فرعًا من فروع البيولوجي (الأحياء) يبحث في علاقة الكائنات الحية ببيئتها. ولكنه أخذ يتحول إلى اصطلاح "سياسي"، خصوصا من ستينيات القرن العشرين حيث استخدمته حركات "الخضر" المتصاعدة، وتثير تلك الأيديولوجيا الجديدة وأجندتها قدرًا كبيرًا من الجدل.  

 



البيئة والخضر وشبكة الحياة

 

منذ خمسينيات القرن العشرين استخدم اللون "الأخضر" ليشير إلى التعاطف مع الموضوعات والمشروعات البيئية، ومنذ أواخر سبعينيات القرن العشرين تبنى هذا الاصطلاح عدد متزايد من الأحزاب البيئية كان أولها الألمان الخضر (Die Grünen)، وما لبث أن ظهر موازيًا اصطلاح "البيئية"Environmentalism  الذي استخدم  لوصف أفكار ونظريات تعتقد في جوهرها أن الحياة البشرية لا يمكن فهمها إلا من خلال سياق العالم الطبيعي، وهي بذلك تضم تنوعًا واسع النطاق من المعتقدات العلمية والدينية والاقتصادية والسياسية بدلا من أن تنطوي على مجموعة معينة من السياسات كتلك التي تدعمها حركة الخضر المعاصرة.

ويعود تراجع "البيئية" إلى أنه أحيانا يستخدم للإشارة إلى تناول معتدل أو إصلاحي للبيئة يستجيب إلى الأزمات البيئية، لكن دون بحث الافتراضات التقليدية عن العالم الطبيعي من أساسها. وتكمن فضيلة "المذهب البيئي" ecologism في تأكيده الأهمية المحورية لعلوم البيئة وتناوله لفهم سياسي يختلف اختلافًا نوعيًا عن التناول التقليدي.

وقد أدت دعوة "المذهب البيئي" التي نادت بتغيير سياسي اجتماعي راديكالي وإعادة تفكير جذري في علاقة الإنسان بالطبيعة إلى تطور أفكاره إلى إيديولوجيا قائمة بذاتها.

والأهمية السياسية للعلاقة بين الإنسان والطبيعة في الغرب تعد حديثة الجذور نسبيا، فحتى ستينيات القرن العشرين لم تكن الطبيعة بالنسبة إلى أغلب المفكرين السياسيين الغربيين إلا "مورداً اقتصاديا" على الإنسان أن يستخدمه بكفاءة. وقد تغيرت هذه النظرة بسبب الإدراك المتزايد بأن إساءة استغلال الطبيعة يهدد بقاء الجنس البشري. ومن أوائل الكتابات التي نبّهت إلى وجود أزمة بيئية متزايدة كان كتاب ريتشيل كارسون "الربيع الساكن" (1962)، الذي كان نقداً لما لحق بالحياة البرية وعالم الإنسان من أضرار من جراء الاستخدام المتزايد للمبيدات الحشرية والكيماويات الزراعية الأخرى، والمطالبة باستخدام رشيد للموارد الطبيعية خاصة تلك التي أوشكت على النفاد.

وعلى الرغم من أن السياسات الخضراء والسياسات البيئية الحديثة لم تظهر إلا في ستينيات القرن العشرين فإنه يمكن تتبع الأفكار البيئية إلى ما هو أبعد من ذلك. فقد رأى الكثيرون أن مبادئ المذهب البيئي المعاصر يضرب بجذوره في الديانات الوثنية القديمة التي أكدت مفهوم "الأرض الأم" Mother Earth، وكذلك الديانات الشرقية مثل الهندوسية والبوذية والطاوية.

ومع ذلك يظل المذهب البيئي بالأساس رد فعل على الآثار السلبية للتقدم الصناعي خاصة مع القرن التاسع عشر؛ حيث ولّد امتداد الحياة الصناعية ونمو المدن حنينًا إلى الوجود الريفي النموذجي كما بدا في أعمال روائيين مثل توماس هاردي والمفكرين السياسيين مثل ويليام موريس البريطاني الاشتراكي المؤيد لمذهب الحرية في القرن التاسع عشر، وبيتر كروبوتكين من اللاسلطويين (الأناركيين)، وغالبا ما اشتدت ردود الأفعال المماثلة في أكثر الدول التي شهدت تقدما صناعيا سريعا، وهو ما أثمر تلوثًا بيئيًا وساهم في قيام حركة "العودة إلى الطبيعة" بين الشباب الأوروبي، واشتد الاهتمام بالبيئة بسبب تهديد النمو الاقتصادي لبقاء العنصر البشري والكوكب نفسه الذي يقله. وجاء التعبير عن هذه المخاوف في تقارير منظمات دولية مثل تقرير الأمم المتحدة غير الرسمي "أرض واحدة فقط" (1972) وتقرير "حدود النمو" لنادي روما (1972).

وفي الوقت نفسه نشأ جيل جديد من جماعات الضغط النشطة، مثل: السلام أخضر Green-peace، وأصدقاء الأرض Friends of the Earth التي تسلط الضوء على الموضوعات البيئية كأخطار الطاقة النووية والتلوث وتضاؤل احتياطيات الوقود، وهو ما أثمر تأسيس جماعات أكبر مثل الصندوق الدولي للبيئة - وظهور حركة بيئية شديدة القوة وذائعة الصيت.

ومع ثمانينيات القرن العشرين وصاعدًا احتلت المسائل البيئية الصدارة في الأجندة السياسية للأحزاب الخضراء الموجودة حاليا في معظم الدول الصناعية.

وقد لفتت السياسة البيئية الانتباه إلى موضوعات؛ كالتلوث وصيانة الأنهار والغابات والأمطار الحمضية، والأهم من ذلك قدّم علماء البيئة مجموعة راديكالية جديدة من المفاهيم والقيم لفهم وتفسير العالم، منها النظرة للحرب، والدفاع عن حقوق المرأة.

ويبتعد المذهب البيئي عن الاعتقادات السياسية التقليدية؛ حيث إنه يبدأ بتناول ما تجاهلته تلك الاعتقادات كالعلاقات التي تربط الإنسان بباقي الكائنات الحية والأكثر من ذلك ما يربط الإنسان بـ"شبكة الحياة"، ويصف الخضر الألمان ذلك في شعار "لا اليسار ولا اليمين بل إلى الأمام".




238
منتدى الاحياء العام / قائمة الامراض و الحالات
« في: يوليو 28, 2004, 06:57:23 مساءاً »

239
الزئبق بين كيمياء الحياة وكيمياء الموت العنصر الذي قتل نابليون وملك السويد ايريك الرابع عشر.. وام هاملت في مسرحية شكسبير
لمحة تاريخية
لا احد يعرف بالضبط تراكيب المركبات السامة وانواعها التي استخدمها البشر في غابر الزمان لقتل خصومهم. لكن وبلا ادني ريب يمكن الجزم ان تلكم السموم كانت نباتية المنشأ اذ طالما استخدمت النباتات منذ قديم الزمان كأدوية وعقاقير شافية او مهدئة للآلام او حتي مخدرة كنبات الخشخاش. فعلي وجه التحديد لا احد يدري مثلا بم كانت تسقي السيوف والخناجر والسكاكين، اقصد باي سائل فتاك كانت تنقع حتي تستحيل الي آلات ليست جارحة فحسب، بل ومميتة طال الوقت ام قصر.
اما من الناحية الثانية، فلقد عرف الانسان قديما بعضاً من العناصر المعدنية السامة فوظفها كمواد سامة يجري تناولها اما مع الشراب او مع الاكل عن طريق الفم فقط اذ لم يكن يعرف بعد خطر الغازات السامة ولا تأثير بعض القاتل منها. واشهر هذه المعادن ــ وكانت متاحة لديه فيما يبدو ــ الزئبق والزرنيخ. استعمل هذان العنصران ومازالا علي اوسع نطاق كسموم للتخلص من الخصوم. فالحلة التي اهداها ملك الروم لشاعرنا امريء القيس كانت منقوعة بخليط الزرنيخ والنورة الامر الذي تسبب في تهرؤ جلد امريء القيس ومن ثم وفاته.
وهذه الخلطة شائعة جدا حتي اليوم في بعض الاقطار العربية ولاسيما في العراق ، تستخدم لازالة الشعر في الحمامات العامة ولازالة شعر رؤوس وارجل الخرفان قبل طهوها في أكلة (الباجة) الشهيرة في بلاد وادي الرافدين. تستعمل ذات الوسيلة تارة لاشباع جسد الانسان واخري للفتك به (رب ضارة نافعة).
قصة الرصاص معروفة ودوره ــ كما يري بعض علماء التاريخ اليوم ــ في المساهمة في انهيار الامبراطورية الرومانية اصبح معروفا الان لدي الكثرة الغالبة من القراء . اما اول تنويه لذكر الزئبق كمادة سامة استعملت في جريمة قتل فقد جري في مسرحية هاملت للشاعر العظيم شكسبير  حيث قتل والد هاملت بصب الزئبق في احدي اذنيه اذ كان نائما في حديقة قصره كما ورد في المسرحية. ما هو الجانب العلمي في هذه الجريمة؟ انه الوقوف علي حقيقة ان الزئبق وهو سائل معدني اثقل من الماء بثلاث عشرة مرة ونصف، يمكنه النفاذ من خلال بعض الاغشية كطبلة الاذن مثلا (وهو يمر حتي من خلال ورق الترشيح العادي شأنه في ذلك شأن الماء) ومن ثم الاستقرار في تجاويف الاذن الداخلية قريبا جدا من الدماغ مركز الجهاز العصبي كله. واليوم يعرف الطب الحديث خطورة بخار الزئبق علي خلايا الاعصاب بالدرجة الادني. اجل. بخار الزئبق. فالزئبق هذا المعدن الثقيل الذي يحتل المكان الثمانين في الجدول الدوري للعناصر وكتلة ذرته اكبر من كتلة ذرة الحديد بحوالي اربع مرات، هذا العنصر الثقيل دائم التبخر وبخاره جد خطير. ولم يكن يعرف عطارو الازمنة الخوالي هذه الحقيقة اذ كانوا يبيعونه دونما حاجة لترخيص من جهة ذات اختصاص. كما كانت جداتنا تتداول هذا السائل السام ويدخلنه البيوت ليجبلن منه مع الحناء خلطة مستساغة لتلوين الشيب وتعفير الرأس من بعض المخلوقات الضارة. اذن فجداتنا كن قد استخدمن الزئبق كمادة مسفرة او مبيدة للحشرات قبل ان يهتدي علماء البايولوجي والبيئة والزراعة الي ذلك بزمن لا يعرف مداه إلا الله.
ذاك لان تاريخ الزئبق غير معروف لكنه وجد حتما بعد الحديد والنحاس والرصاص. ولم يركز الانسان القديم عليه لسبب واضح: انه كان بمسيس الحاجة للآلات القاطعة والجارحة كسلاح للدفاع والهجوم (ويصنف الانسان اليوم السلاح الي صنفين: هجومي ودفاعي) والحفر في الارض لشق القنوات التي تجلب له ولمواشيه الماء او لدفن موتاه، وللتنقيب عن الاشياء الاكثر صلادة. او حتي في حفر الكهوف والمغارات في التلال والجبال. وطبيعي ان لا ينتبه الانسان للزئبق السائل طالما انه لا يضاهي الحديد او النحاس متانة وقواما. جري ذكر الزئبق في مقدمة ابن خلدون ((القرن الثامن والتاسع الهجري)  كما جري ذكره قبل ذلك في رسائل اوائل من تعاطي الكيمياء من العرب كجابر بن حيان الذي عاش في القرن الثاني للهجرة.
كما يروي علم الذرة الحديث قصة طريفة حول مأساة نابليون ففي اتباع طريقة التحليل التنشيطي بالنيوترونات Neutron Activation Analysis لاحدي شعرات رأس الامبراطور نابليون يونابرت ظهر انه مات مسموما بالزرنيخ ولم يمت في سجنه حتف انفه وبأجله المرسوم  . كان ذلك عام 1821 للميلاد. كما كشف التحليل التنشيطي لشعر الملك السويدي ايريك الرابع عشر المتوفي في 1577 للميلاد فجأة اثر تناوله شوربة بازلياء، كشف هذا التحليل ان الملك كان قد تناول كميات قاتلة من كل من الزرنيخ والزئبق .
كذلك مازال سرا نوع السم الذي تسرب الي حبات العنب التي مات بها علي بن موسي الرضا مسموما في مدينة طوس عام ثلاثة ومائتين للهجرة كما يذكر المسعودي . وفي ايام الخليفة العباسي المأمون. ولا نوع المحلول السام الذي تتشبع به احجار الخواتم الكريمة فتغدو شديدة السمية حال ان تلقي في كأس ماء او شراب.. وبهذه الطريقة ماتت الملكة والدة هاملت كما تسرد احداث المسرحية .

الزئبق
تنقسم مركبات الزئبق الي قسمين:
1 ــ المركبات غير العضوية
2 ــ ومركبات الزئبق العضوية

مركبات الزئبق غير العضوية
وغالباً ما يختصر هذا الصنف من مركبات الزئبق بوصفه الزئبق غير العضوي ويشمل ذلك معدن الزئبق نفسه.
يعد الزئبق عنصرا نادرة قياسا الي غيره من العناصر وانه يحتل المرتبة السادسة عشرة من بين العناصر الموجودة في الارض واهم ترسباته هي تلك التي اكتشفت في اسبانيا وايطاليا والولايات المتحدة الامريكية وكندا والمكسيك والبرازيل والبيرو والصين واليابان والاتحاد السوفييتي والمجر ويوغوسلافيا والمانيا. كما تعد خامات الزئبق في اسبانيا من اغني الخامات. تركيزا بالزئبق حيث قد تصل نسبته الي 10% في بعض الاحيان.
ورجوعا الي بعض التقديرات فان 16 كيلومترا من سمك طبقة الارض الخارجية فيه زئبق يشكل نسبة 7.2X10 ــ 6% وان في المحيطات كمية من الزئبق تساوي وفق احدث تقدير خمسين مليون طن متري. اما في الهواء فالزئبق موجود بتركيز يساوي 2 ــ 5 نانوغرام في كل متر مكعب من الهواء )(النانوغرام الواحد يساوي 10 ــ 9 من الغرام الواحد) واكثر من ذلك ان الزئبق موجود في الماء وباقي المشروبات اليومية المعتادة بتركيز/ يتراوح بين 2 ــ 6 جزء بالبليون .
لقد عرف الزئبق واستعمل في اغراض شتي منذ الزمان القديم كما ذكرنا آنفا . واليوم للزئبق اكثر من ثلاثة الاف استعمال معترف بها سواء للزئبق نفسه او لمركباته ومشتقاته العضوية منها وغير العضوية. وان اجمالي انتاج الزئبق في العالم اليوم يتجاوز العشرة الاف طن في العام يستهلك منها ثلاثة الاف طن سنويا في الولايات المتحدة الامريكية نفسها. وان الاستهلاك الرئيس للزئبق هو في حقل التحضير الكهربائي لغاز الكلور (بالتحليل الكهربائي لمحلول ملح الطعام) والصودا الكاوية. كذلك يتسعمل لتحضير الكيماويات الزراعية والصيدلانية كعوامل مضادة للبكتريا ومواد محافظة علي مواد الزينة وصيانة شعر النساء، وكذلك في صناعة الورق وصيانة عجينة الورق، وفي تركيب الاصباغ، وللاجهزة الكهربائية، ومقاييس الحرارة والضغط، ويدخل في تركيب حشوة الاسنان، وفي عالم الكيمياء كعامل مساعد وكأقطاب كهربائية، وفي تحضير الملاغم المتنوعة. ان انتاج الكلور والصودا الكاوية مثلا عملية تفكيك كهربائي تتطلب استهلاك مقادير هائلة من الزئبق كقطب كهربائي غير ثابت. فالمصنع الذي ينتج مائة طن من الكلور في اليوم يستخدم كمية من الزئبق تتراوح بين 75000 و 150000 باوندا. وفي التقدير ان مصنعا كهذا يسرب للبيئة ما يقرب من 45.0 باوند من الزئبق مقابل انتاج طن واحد من الكلور. او 000 1200 باوند زئبق في العام.
ان اغلب هذا الزئبق يجد طريقه الي البحيرات ومجاري الانهار، وكميات اخري تنتشر في الجو متعلقة بغاز الهايدروجين بحدود 20 ــ 30 ميلغرام في كل متر مكعب من الهواء. ان الصودا الكاوية (وهي القاعدة المعروفة هايدروكسيد الصوديوم) المحضرة بالطريقة السالفة تحتفظ لنفسها بنسبة من الزئبق تبلغ خمسة اجزاء بالمليون. كما تم الكشف عن وجود الزئبق في مركبات اخري مثل كلوريدات الهايدروكاربونات وحامض الخليك (الخل) والكلايكولات Glycoles وغاز ثاني اوكسيد الكاربون والاسمدة الكيميائية وحامض الكبريتيك وخامات السلفايد (يكون الكبريت فيها بالشكل الايوني ــs2) وفي فضلات العوامل المساعدة المستعملة في الصناعة كما في انتاج كلوريد الفاينل Vinyl Chloride والاسيت الدهايد Acetaldehyde كما ان الزئبق موجود في النفط الخام والفحم الحجري. فاستهلاك خمسمائة مليون طن من الفحم في العام الواحد يؤدي الي اطلاق اربعمائة وخمسين طنا متريا من الزئبق الي البيئة . لا يتضمن هذا الرقم الزئبق الناتج من عمليات تكرير النفط الخام ولا من استهلاك نواتج التكرير التي قد تحتوي علي نسب عالية من الزئبق.
ان اهم مركبات الزئبق غير العضوية هي خلات الزئبق واوكسيد الزئبق (الاحمر والاصفر) ثنائي التكافؤ، ونتزات الزئبق وكلوريده آحادي التكافؤ. ويجري اليوم استعمال هذه المركبات الهامة في الزراعة كمبيدات ومطهرات ولمقاومة التعفن وفطريات الحبوب، كما تستخدم في الدور والحدائق في اغراض مماثلة. اما معدن الزئبق بشكله الحر فانه واحد من اشد العناصر سمية في مجال استخدامه للقضاء علي الحشرات الزراعية الضارة التي تنخر الحبوب والمحاصيل الاخري وتتلفها. فالزئبق المعدني (Quicksilver تماما كما ورد في مسرحية هاملت لشكسبير). استخدم في الهند في تحفير الحبوب (القمح والشعير والرز وغيرها) وهي في حاويات مغلقة معزولة عن الهواء تقريبا.
هنالك مصادر متفرقة اخري تساهم في تلويث البيئة بالزئبق منها:
1 ــ بقايا وحطام بعض الاجهزة كالمحارير واجهزة قياس الضغط والانابيب الضوئية ذات التألق الوهاج Fluorescent Tubes ومصابيح الزئبق والبطاريات.
2 ــ فضلات المستشفيات والمختبرات وعيادات طب الاسنان.
3 ــ معالجة واستعمال بعض المواد الخام الحاوية علي الزئبق كالكاربون والطباشير والفوسفات.
4 ــ استخدام بعض مركبات الزئبق للحيلولة دون تعفن الملابس من قبل اصحاب محلات غسيل وتنظيف الملابس.
5 ــ صناعة الاصباغ وطلاءات الجدران وبقاياها ومواد اضافية يدخل الزئبق في تركيبها لمنع نمو العفن الفطري في هذه الاطلية والاصباغ.
6 ــ واخيرا تنقية وتقطير الزئبق نفسه.

الانسان والزئبق
الزئبق موجود بشكل طبيعي في انسجة جسم الانسان يأتيه مع غذائه اليومي المعتاد. فهنالك نسبة تتراوح بين 2 ــ 4 مايكروغرام في المائة زئبق في كل من الخبز والدقيق والحليب واللحوم المختلفة. كما ان في بعض انواع الفواكه نسبة اعلي من الزئبق علي ان ذلك يتوقف كما هو متوقع علي نوع وظروف التربة وما يرش من مبيدات ومطهرات ومخصبات. كما ان غداء الانسان من الاسماك ولحوم الدواجن والطيور التي اكتنزت كميات كبيرة من الزئبق وخاصة المركب المعروف بالزئبق المثيلي CH3Hg+ Methylmercury والذي يأتيها من مصادر شتي ولاسيما الماء والهواء والاتربة المتساقطة الملوثة بدقائق ورذيذات الزئبق او بخاره.. هذا النوع من اللحوم يشكل خطرا مباشرا علي الانسان. وبهذا الخصوص ويذكر سمك التن وسمك ابو سيف التي يتجمع فيها مقدار من الزئبق يزيد عن الحد المعقول والمقبول والمحدد بكمية تساوي نصف جزء بالمليون حسب تصريح ادارة الدواء، والغذاء الامريكية . ان مسألة امكانية التحولات البايولوجية في البيئة وفي جسم الانسان موضوع بالغ الاهمية. وبقدر تعلق الامر بالزئبق:
1 ــ امكانية تحول الزئبق غير العضوي الي الزئبق المثيلي بواسطة بعض الاحياء المجهرية الدقيقة في ظروف ينعدم او ينقص فيها غاز الاوكسجين.
2 ــ تحول مركبات الزئبق الفنيلي Phenylmercury (وهي مركبات للزئبق العضوي) الي الزئبق غير العضوي الذي يتحول بدوره الي الزئبق المثيلي Methylmercury .
3 ــ واخيرا هناك امكانية تحول مركبات الزئيبق الفنيلي Phenylmercuric Compounds الي الزئبق غير العضوي في جسم الانسان بشكل مباشر.

سلوك الزئبق غير العضوي
يشكل بخار الزئبق وخليطه مع ذرات ودقائق الغبار والعوالق الهوائية الاخري احد المخاطر الجدية في دنيا الصناعة بوجه خاص. فهناك دليل علي ان هذا البخار يمتص من خلال الرئتين. وان عملية الامتصاص هذه تتضمن تأكسد الزئبق كعنصر حر وظهوره في الدم بالشكل الايوني ومن ثم تجمعه في الكليتين كموقع اساس سلوك بخار عنصر الزئبق هذا يشابه تماما سلوك محلول كلوريد الزئبقيك (يكون الزئبق في هذا المركب غير العضوي ثنائي التكافؤ HgCI2 اثر حقنة في مجري الدم . هذا ولقد وجد ان تأكسد عنصر الزئبق يتم في كريات الدم الحمراء اساسا، وفي باقي الانسجة بشكل ثانوي .
كما ان تجارب اخري قد بينت ان تجمع الزئبق في الدماغ بعد تعريض بعض الحيوانات لابخرته هي عملية مشابهة في النتائج لعملية حقن محلول نترات الزئبقيك في دم هذه الحيوانات .
وماذا يترتب علي حقيقة ان عنصر الزئبق انما يتأكسد في كريات الدم الحمراء؟ الجواب خطير بقدر ما هو بسيط: استهلاك غاز الاوكسجين في غير وجهه الامر الذي يؤدي حتما الي نقص الكمية التي تتطلبها الافعال الحيوية في جسم الانسان من هضم وتمثيل وحرق للفضلات وحركة عضلية وتفكير. وبقاء الفضلات بحد ذاته داخل الخلايا الحية يكفي لموتها بالتسمم اختناقا وحقيقة اخري تنبع من طبيعة عنصر الزئبق حيث انه يستطيع خرق جدران الخلايا والنفاذ من خلال اغشيتها الرقيقة بفضل عاملين اثنين: اولاهما قدرته علي الذوبان في الشحوم، وثانيهما خلوه من الشحنات الكهربائية مما يجعله في منأي من عوامل التنافر الكهربائية المعوقة للحركة الحرة. اما ايون الزئبق ثنائي التكافؤ (الزئبقيك) فانه شديد الميل للارتباط بزلال (بروتين) مصل الدم (البلازما) وزلال الكريات الحمر (الهيموغلوبين) عن طريق الاتصال بمجموعات SH المسماة Sulfhydryl Groups والحاوية علي الكبريت S
لقد اثبتت التحليلات ان تناول جرعات كبيرة من املاح الزئبق غير العضوية ينتج عنه مستويات عالية من تجمع الزئبق في كل من الكلي اولا والكبد بدرجة اقل، ويتساوي في ذلك الانسان والحيوانات التي اجريت عليها التجارب. كما بينت التحليلات ان تحرر الدماغ والغدة الدرقة وغدد التناسل الذكريات مما يتجمع فيها من زئبق يجري ببطء شديد الامر الذي يؤدي الي تركزه في هذه الاعضاء علي مر الزمن.
هذا وعلي الرغم من ان املاح الزئبق غير العضوية هي اكثر سمية واشد خطرا من املاح الزئبق العضوية، الا ان بعض التجارب علي الفئران قد بينت ان ملح خلات فنيل الزئبق العضوي Phenylmercury Acetate هو اشد سمية من ملح خلات الزئبق غير العضوي، وفسر ذلك في ضوء التفاوت الكبيرة في قابلية هذين النوعين من الاملاح علي المرور خلال الامعاء بالامتصاص. فلقد وجد مثلا ان قدرة امعاء الفأر والانسان علي امتصاص املاح الزئبق غير العضوية لا تتجاوز 2% بينما تصل هذه النسبة الي 90% او اكثر في حالة الزئبق المثيلي CH3 HG+ Methylmercury وهو ملح للزئبق عضوي كما مر مرارا ذكره.
وبشكل عام وجد ان تركيز الزئبق يتناقض في اجهزة الانسان والحيوان مبتدئين بأعلي تركيز في الكلي ثم الكبد والدم ونخاع العظام والطحال والنسيج المخاطي في الاجزاء العليا من جهاز التنفس وجدران الامعاء والجلد ثم غدد اللعاب فالقلب والعضلات والدماع واخيرا في الرئتين. كما انه تمت البرهنة بالتجارب العملية ان اكبر تصريف للزئبق انما يأخذ مجراه عن طريق الكليتين (اي يطرح مع البول) ومع عصارة الصفراء من الكبد وعن طريق غدد اللعاب (مع اللعاب) ومع الغائط. كما بينت تجارب اخري (64 ــ 66 ) ان التحول البايولوجي داخل الجسم الحي لمركب مثل كلوريد الزئبق المثيلي يلعب دورا مشهودا في تيسير عملية طرح الزئبق والتخلص منه ومن شروره ومخاطره.
فاذا تكسرت الآصرة التي تربط ذرة الزئبق بذرة الكاربون في المركب آنف الذكر، فان الزئبق غير العضوي المتبقي سوف يجد الطريق امامه يسيرا للطرح من خلال الجهاز الهضمي وقناته الهضمية كما وجد ان التحول البايولوجي Biotransformation لمركبات الزئبق علي الجدران الداخلية للزائدة الدودية (المصران الاعور) مسؤول عن وجود الزئبق غير العضوي في فضلات بطون البشر.

الزئبق العضوي
شهدت العقود الثلاثة الاخيرة اهتماما بمسألة اهمية وابعاد خطر الزئبق ومشتقاته العضوية، ولاسيما الزئبق المثيلي، طالما انه ثبت اخيرا ان الاشكال المختلفة للزئبق التي تطرح في البيئة والجو المحيط تتحول الي الزئبق المثيلي (وهو مركب عضوي للزئبق) بفصل بعض الاحياء المجهرية الدقيقة Microorganisms لقد تمت دراسة الآثار الضارة للتلوث بالزئبق بشكل واسع ومعمق في الحالات التالية:
2 ــ في منطقة مينامات في اليابان: حيث تم الكشف عن حالة تخدر الجهاز العصبي المركزي اصيب بها 111 شخصا مات فهم خمسة واربعون ما بين عام 1953 و 1960،.
2 ــ في حادث نيغاتا في اليابان ايضا حيث عولجت ست وعشرين حالة تسمم بالزئبق مات خمسة مصابين من بين هذه الحالات.
ففيما يتعلق بحادث ميناماتا تم اكتشاف تسع عشرة حالة شلل العمود الفقري بين المواليد الجدد للآباء والامهات المصابين والمصابات في ذلك الحادث. ولا غرابة في هذا اذا علمنا ان بعض الباحثين (113 ) كان قد بين ان الزئبق المثيلي بالذات قادر علي العبور من خلال مشيمة الامهات الحوامل الي اجتهن اثناء فترة الحمل.، كما ان فحوصات كريات الدم الحمراء قد بينت ان تركيز الزئبق في كريات الاجنة يتفوق بمقدار 28% علي تركيزه في كريات دم الامهات.
لقد قدر العمر النصفي البايولوجي للزئبق المثيلي في الانسان بحوالي سبعين يوما  لكن المشكلة هي في مقاومته للتحول في الطبيعة خارج حدود جسم الانسان، وفي بقائه سمي الطبيعة لمدة طويلة هذه هي المشكلة، وهي تختلف عن حالة المواد المشعة ذوات الاعمار النصفية القصيرة حيث انها تتحول بسرعة الي عناصر او مركبات مستقرة اي ليست مشعة وبالتالي لا تحمل اي خطر لأي كائن بشراً كان بشر او حيواناً او نباتاً.
لعل من الطريف معرفة ان السويد كانت هي السباقة في ايلاء موضوع تلوث البيئة بالزئبق هذا الاهتمام والمتابعة المعروفان اليوم. ونتيجة لذلك كشف النقاب عن مصادر الزئبق الملوث للزراعية والصناعة وعلاقة هذا الزئبق بآثاره التي وجدت في الاسماك وباقي الحيوانات البرية المدجنة منها وغير المدجنة والتي يتخذها الانسان غذاء. كما تم العثور علي الزئبق في اطعمة اخري غير الاسماك في كل من الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وكندا. فلقد بينت دراسات اجريت في هذه البلدان علي اثني عشر صنفا من طعام الانسان المألوف وجود الزئبق فيها بمقدار لا يتجاوز 02% جزء بالمليون. علما ان متوسط التناول اليومي للزئبق في الولايات التحدة الامريكية علي سبيل المثال هو بحدود 25 مايكروغرام تدخل جسم الانسان بالطرق المألوفة مع الطعام او الشراب او الهواء.
رغم ان الزئبق المثيلي قد طغي علي ما عداه من مركبات الزئبق العضوية الاخري، فلقد اجريت الدراسات علي التأثيرات التناسلية، لمركبات غير عضوية اخري للزئبق وكانت ذبابة دروسو فيلا Drosophila Melanogaster وبذور التفاح من بين المواضيع التي اختيرت لدراسة التأثيرات الوراثية والتناسلية عليها، اذ كان التركيز علي الطفرات الوراثية والتغيرات الشاذة التي تطرأ علي سليقة السلالة او النوع. كما تركزت دراسات اخري علي التأثيرات غير التناسلية لمركب هايدروكسيد فنيل الزئبق ونترات فتيل الزئبق علي بعض النباتات المزهرة.
واذا رجعنا ثانية لحادث شواطئ مدينة ميناماتا اليابانية نجد ان التسمم في الاصل كان ناتجا عن كلوريد الزئبق المثيلي CH3HGC1 Methylmercuric Chloride الذي تكون في الطين والوحول وباقي النفايات التي يطرحها بشكل دوري مصنع يستخدم اوكسيد الزئبق مع حامض الكبريتيك كعامل مساعد في صناعة مركب الاسيت الدهايد. هذه الوحول والفضلات المطروحة في شاطيء ميناماتا تسرب الزئبق العضوي فيها الي المياه ومن ثم تركز في الاسماك والمحار. كما يسود الاعتقاد اليوم ان ثمة مصدر ثان للزئبق العضوي في مياه ميناماتا، الا وهو كلوريد الزئبقيك HGCI2 الموظف كعامل مساعد في انتاج مركب كلوريد الفانيل Vinyl Chloride فلقد وجد ان مرض ميناماتا قد ازداد انتشارا مع الزيادة في انتاج كلوريد الفانيل مما حدا بالسلطات المسؤولة الي اتخاذ قرار منع صيد السمك في تلك السواحل. وكانت تلك السلطات علي حق فلقد ظهر عام 1960 ان انتاج عشرين الف طن من مادة كلوريد الفانيل في مصانع ميناماتا كسبب في تسرب الف كيلوغرام من الزئبق الي الوسط المحيط والبيئة.
لقد بات الان من الجلي انه وان كانت تراكيز الزئبق المثيلي واطئة المستويات فان في وسع هذا المركب ان يتراكم بالتدريج في السمك مع مرور الوقت ولعل هذا هو تفسير الظاهرة المسماة اليوم بمرض ميناماتا (الحالات التي تشابه في اعراضها اصابات شاطي ميناماتا اليابانية) واهم اعراضها كما مر سابقا خدر الجهاز العصبي المركزي وشلل العمود الفقري. فكل اصابة من هذا النوع تسمي مرض. ميناماتا بصرف النظر عن زمانها ومكانها. اما في الانهار العذبة فيحصل تراكم الزئبق اساسا في الطحالب والاشناب والبلانكتون التي تعتبر غذاء ممتازا لأسماك النهر وبالتالي ينتقل الزئبق الي هذه الاسماك ومن ثم الي الانسان: اكون الدهر .
ومما يثير التساؤل وجود اثار من الزئبق المثيلي في سمك بحار ومناطق جد نائية عن مصادر التلوث بالزئبق كالمحيط الهندي والمحيط الهادي وبحر بيرنغ والساحل الافريقي. اما هذا الامر فيفسر اما بقدرة الاسماك علي الهجرة البعيدة المترامية الاطراف اذ يمكنها الاقتراب والعيش ولو لفترة من الزمن في المياه الملوثة او بالقرب من مصبات الانهار الاسيوية والافريقية والاوروبية الشهيرة التي تنقل تصاريف مياه المعامل والمصانع الكبري الواقعة علي ضفا فها، او ان الزئبق موجود اصلا في قيعان وصخور وترسبات المحيطات والبحار البعيدة عن مصادر الزئبق. واذا كان الزئبق المثيلي هو الشكل السائد وجوده في الاسماك والانسان فذاك بسبب قدرة بعض الاحياء المجهرية علي تحويل الاشكال الاخري للزئبق الي هذا الشكل العضوي ذي الخصائص المتفردة. واحدي هذه الخصائص قدرته علي الارتباط باغشية الخلايا العصبية واختزال محتوي الحامض النووي RNA في هذه الخلايا وخاصة خلايا المخيخ وجذور العقد العصبية الظهرية. كما ان الزئبق المثيلي قد وجد في شعر رؤوس ضحايا ظاهرة مرض ميناماتا اينما كانوا وخاصة صيادي الاسماك الفرنسيين علي سواحل المتوسط.
واكثر من هذا فالزئبق المثيلي موجود حتي في شعور رؤوس اناس لم يتعاملوا قط مع الزئبق موجود في شعورهم بصرف النظر عن الجنس والعمر والوظيفة وان كانت مقاديره اقل من تلك الموجودة في ضحايا مرض ميناماتا. وكما كان متوقعا فلقد وجد مركب الزئبق العضوي فنيل الزئبق Phenylmercury في اوراق نباتات الرز التي رشت ببخار هذا المركب في طور من اطوار نموها كعامل مضاد للحشرات. ووجد كذلك في حبات الرز ذاتها.

دورة الزئبق الكيميائية
طالما ان الزئبق المعدني قادر علي التبخر بشكل طبيعي في الظروف العادية فان معني ذلك ان للزئبق دورة في الوسط والبيئة المحيطة. فخامات الزئبق وترسباته في الارض والصخور هي في الحق مصادر ثابتة لهذا البخار يوجد حيثما وجدت تلك الترسبات والخامات ان في الارض او في اعماق البحار. فالزئبق غير العضوي هو عرضه للتحول الي اشكال اخري عضوية تحت تاثير بعض انواع البكتريا وباقي الاحياء المجهرية الدقيقة . فمثلا مركب كريتيد الزئبق HGS الذي لا يذوب في الماء، يتحول الي الزئبق ثنائي التكافؤ HG2+ القابل للذوبان بعملية التأكسد بالبكتريا ومن ثم يتحول هذا الشكل من الزئبق بعملية الاختزال بواسطة بعض انواع الانزيمات البكتريالية الي الزئبق المعدني الحر ذي التكافؤ الصفري HG (O) وعن هذا الطريق يتحرر الزئبق بشكل بخار معدني الي الوسط والبيئة. اما اذا توافق وجود الزئبق المعدني الحر HG10 مع الزئبق ثنائي التكافؤ HG2+ فان هذا الوجود المشترك سيؤدي حتما الي ظهور زئبق ايوني احادي التكافؤ HG.
يوجد عادة بشكل ايوني ثنائي الذرة HG2 2+ وهنالك طريق ثان لاختفاء الزئبق المعدني بتحوله مرة اخري في البكتريا الي شكل اخر بعملية الامثلة METHYLATION والناتج هو اما CH32HG اما تفسير ما يحدث فانه كما يلي: ان فيتامين B12 فيه رابطة كيميائية تربط الكويالت بمجموعة مثيل CO CH3 وان مجموعة المثيل هذه مستعدة للالتحاق بالزئبق تاركة الكوبالت الامر الذي سيتكون منه الزئبق المثيلي الاحادي الذي يمكن بدوره ان يتطور بعملية الامثلة الي مركب الزئبق ثنائي المثيل.
الزئبق المثيلي الاحادي الايوني المتكون من ترسبات قيعان الانهار والبحيرات والبحار ينتشر في مياهها ومن ثم يدخل في دورة الغذاء الكبري مبتدئا بالاسماك والطحالب والاسنات والبلانكتون ومنتهيا بالانسان . اما الزئبق المثيلي ثنائي المثيل فشأنه شأن اخر: يتاطير في الجو متفككا تحت تأثير ضوء الشمس معطيا جذور المثيل الحرة والزئبق المعدني الحر. وبهذا تكتمل دورة الزئبق بوصوله الي الغلاف الجوي مرة ثانية بعد رحلة طويلة غير مرئية يلعب فيها الحيوان والنبات ادوارا فضلا عن البكتريا والانزيمات بل وحتي الفيتامينات التي تتعطل فعاليتها اذا مرت بعض مراحل الدورة في جسم الانسان جراء انسلاخ مجاميع المثيل منها والتحاقها بالزئبق .



( منقول ...)




240
منتدى علم الفيزياء العام / قانون نيوتن الاول
« في: يوليو 26, 2004, 09:05:24 مساءاً »
انتقال الحرارة


وهنا    و...بس ...


 '<img'>  '<img'>




صفحات: 1 ... 13 14 15 [16] 17 18 19 ... 105