اجتمع الرجال الثلاثة "ميليتوس" و"أنيتوس" و"بوليقراط" في منزل أنيتوس اجتماعهم المرتقب ...
هؤلاء الثلاثة من الطبقة الأرستقراطية في أثينا كانت تجمعهم صداقة كبيرة تنامت وازدادت بسبب مشترك بينهم وهو بغضهم الشديد لسقراط ....
سقراط هذا كان أحد الفلاسفة الإغريق ذوي الشهرة الكبيرة ، وهو أحد الثلاثة الذين يشكلون رموزهم ويعدهم الإغريق أعظم اليونانيين في تاريخهم وهم "سقراط"و"بلاتو" تلميذه و"أرسطوطاليس"..!
قال ميليتوس بحدة : إلى متى سيبقى هذا الهرِم الخرِف يثير أسئلته السخيفة ويحاول إحراج الجميع ... لم يسلم من لسانه أحد .. لا الشعراء ولا المسرحيون ولا حتى الاستراتيجيون - وهم القيادة العسكرية العليا في أثينا والمكونة من عشرة أشخاص-
بالفعل كان سقراط يطرح على هؤلاء الأشخاص أسئلة مربكة لا يستطيعون الرد عليها من باب "واجب الفلسفة..!!" ، ولم يكن أحد يستطيع الرد عليه وأدى ذلك إلى إعجاب الشباب به واتباعه ...
وحتى السفسطائيون الذين كانوا يعلمون الشباب الآثينيين أساليب الجدل"لأجل الجدل والانتصار في الكلام" لم يكونوا قادرين على أن يصمدوا أمام أسئلته التعجيزية مما زاد في إعجاب الشباب المتحمس للانتصار في الكلام به ..
قال أنيتوس وابتسامة قلقة كانت قد اعترت وجهه الخشن : إن أكثر ما يقلقني هو حماس الشباب لتبني أفكاره .. ولا أخفيكم أيها الأصدقاء بأن ابني واحد منهم ...أنا قلق للغاية ..
أما بوليقراط فكانت مشكلته مع سقراط هي الحسد لأنه سرق الأضواء منه وهو الكاتب المسرحي المرموق .. فجمعه ذلك بهذين الاثنين ...
تعاهد الثلاثة على أن يضعوا لسقراط حداً .. دارت أفكار عديدة في رؤوسهم إلى أن توصلوا إلى فكرة رفع دعوى قضائية عليه إلى المحكمة العليا في" أديون" ...
في السوق جاء الصوت الجهوري للمنادي حليق الرأس قوياً وواضحاً لفت انتباه الجميع إليه... ووقف يتلو البيانت الرسمية والأحكام القضائية عليهم ...
تجمهر الجميع بمن فيهم سقراط الذي كان في السوق آنئذ ... وانطلقت عبارات البينات تنهمر فوق رؤوس الجميع..
آيونيس بن ستراتون .. متهم بتوجيه الإهانة للأماكن المقدسة المرتبطة بديميترا .. الحكم.. إعدام..
آكريب بن هويسيبوس.. متهم بقطع شجرة الزيتون المقدسة .. الحكم .. إعدام (أشوى إنو ما قطع نخلة على فكرة ) !!..
فلان بن فلان .. ............إعدام ..
سقراط بن سوفرونيسكوس .. إن عليك المثول أمام المحكمة العليا في أديون في الشكوى المقدمة من قبل ميليتوس بن ميليتوس ...
لم يحرك سقراط ساكناً وإنما أخذ الأمر ببرود وثقة عجيبة ...
في يوم المحاكمة ذهب سقراط إلى أديون ووجد الحشود المجتمعة بانتظار محاكمته ...
وهنا صعد السيكرتار " أو وكيل النيابة في مصطلح اليوم" وقال بأن ميليتوس بن ميليتوس من بيفيا يتهم سقراط بن سوفرونيسكوس من ألوبيكا بأنه يضلل الشباب الآثيني ويتجاهل الآلهة "التي يعبدونها من دون الله تعالى طبعاً " ويتجاهل الطقوس المتبعة في العبادة ...
ووقف ميليتوس يعرض الأدلة والوقائع ...ويشير بيديه إلى سقراط الذي بدا ساكناً وهي طبيعته التي أكسبته الوقار في حقيقة الأمر ...
ثم جاء دور سقراط للدفاع عن نفسه... فصعد بالخطأ..على حجر اللاعفو بالخطأ ...
تجاهل القاضي ذلك وطلب منه أن يدافع عن نفسه .. لكن سقراط لم يستطع الكلام ...
وأحس هذا الذي كان يسكت الناس فجأة بأنه غير قادر على الكلام .. ولم يطلب من القاضي سوى الحكم حسب القانون ... ولم يكن القرار بالطبع إلا الحكم....... بالموت...
إلا أن المحكمة كانت كريمة مع سقراط فسمحت له أن يختار طريقة موته من بين تشكيلة واسعة "ومتميزة" من الطرائق ..! وكان اختيار سقراط أن يموت بالكأس المسموم ...
يذكر تلميذه "بلاتو" حادثة إعدامه في كتابه المسمى "المحاورات" فيقول..
في يوم التنفيذ وقبل غروب الشمس أحضر السجان الكأس فأخذه سقراط وسأل السجانَ إن كان باستطاعته أن يسكب القليل منه كقربان لهذه الآلهة!!!! ...
إلا أن السجان أخبره بأن ما في الكأس هو جرعة محددة كافية لقتله فقط !!!"جماعة اقتصاديين"..
وضع سقراط الكأس على فمه وتناوله ، ثم سأل السجان عن أفضل طريقة تريحه بسرعة ... فأشار إليه بان يسير حتى يشعر بثقل رجليه ثم يستلقي وعندها يكون السم قد أخذ مفعوله ...
السم الذي شربه سقراط لم يكن إلا خلاصة نبات الشوكران Hemlock
والذي يحتوي على الكونيين
والكونيين مركب كيميائي ينتمي إلى فصيلة الألكالوئيدات "أو أشباه القلويات" أو ما يعرف أيضاً بالقلويدات....
يقوم هذا المركب بشل نهايات الأعصاب الحركية في الجسم ..
وعندما قام سقراط بالمشي بعد تناول السم فقد ساعد ذلك على نشر السم في كامل الجسم ... وبالفعل شعر بالأعراض التي عرفها العلم الحديث عن تأثير الكونيين وتتطابق الوصف الذي جاء في كتاب بلاتو تماماً مع معطيات العلم الحديث ...
تؤدي الجرعات الكافية من الكونيين إلى إضعاف جهاز التنفس والقلب والأطراف مع أن الوعي يبقى حاضراً حتى النهاية .. وتؤدي زيادة هذه الجرعة إلى حدوث أعراض أعنف تتمثل تتضمن الإقياء والإسهال والاختناق والارتعاش وهي تماماً الأعراض التي وصفها بلاتو ...
يستعمل الكونيين بتراكيز مناسبة كمخدر طبي ولتخفيف بعض الآلام ...
ويعتقد بعض العلماء أن مركبات فصيلة الألكالوئيدات هي نواتج استقلاب ثانوية ضمن النبات بينما يعتقد البعض أنا النبات يفرزها لحماية نفسه ...
العجيب في الأمر ان محاكمة سقراط أرجئت إلى أن بلغ سقراط السبعين من العمر في عام 399 قبل الميلاد ولا أحد يدري لماذا ..
وفي رأيي بأن سقراط لو نظر إلى صيغة الكونيين لفضل الموت بطريقة أخرى ولم يجرب اللعب مع ... الكيمياء...!!
منقول