Advanced Search

عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - ((Biologist))

صفحات: 1 [2]
16
قسم اسئلة علم الحيوان. / ابي بحث اذا تكرمتوا
« في: أكتوبر 13, 2005, 03:51:34 مساءاً »
الزحار البلنتيدي ومرض الديدان المثانية ومرض التريكينا  
ثلاثة تهديدات محتملة للبلاد الإسلامية
دراسة وبائية ورسالة تحذير

للأستاذ  الدكتور عبد الحافظ حلمي محمد

الكويت


يعرض البحث أهم الأمراض الطفيلية التي يمكن أن تنتقل من الخنزير إلى الإنسان ويعالج بشيء من التفصيل الأمراض الثلاثة الهامة التي يقوم الخنزير بدور رئيسي فى انتشارها وعلى الأخص من الناحية الوبائية. وتخلص الدراسة إلى إبراز النقاط الآتية:-

ا- الأمراض الثلاثة من الأمراض الزونوسية ، أي المشتركة بين الفقاريات والإنسان، والزحار البلنتيدي مرض زونوسي مباشر، من الصور الحيوانية البشرية لا العكس، ويكون أحيانا مهنيا يصيب قطاعا معينا من المجتمع، ولكن انتشاره قد يتسع ليعم قطاعات أخرى. أما مرض الديدان المثانية الخطير فهو زونوسي دوري منعكس جزئيا ، بينما مرض التريكينا الوبيل مرض زونوسي مباشر.

2- من الخطأ البين، بل الخطر الشديد، التهوين من شأن هذه الأمراض أو الاستجابة لقول القائلين بأن تحريم لحم الخنزير أمر تعبدي وحسب وأن ما به من طفيليات مماثل لما في غيره من حيوانات اللحوم.

3- بعض الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان من الخنزير لا يكون انتقالا عن طريق اللحم، كالزحار ومرض الديدان المثانية ، ولكن تحريم لحم الخنزير يسقط معظم قيمته الاقتصادية.

4- بعض طفيليات الخنزير قد تنتقل إلى الحيوانات المباح أكل لحومها.

5- مرض التريكينا الوبيل، الذي كان من القضايا المسلمة عدم وجوده في معظم بلادنا قد ثبت وجوده الآن في أكثر من بلد إسلامي .

6- ينبغي أن نتيقظ للأمر تماما وأن تظل عيون رقابتنا الصحية مفتوحة حذرة، ولا ننسى أن الحذر يؤتي من مأمنة.

 7- قبل ذلك ينبغي أن ينال الأمر الاهتمام الجدير به في مناهج التدريس بالكليات الطبية والعلمية في جامعات بلادنا الإسلامية.
وينوه البحث بأن تحريم لحم الخنزير تحريم معلل وأنه حرام لذاته، أي لعلة أوصلا مستقرة فيه أو وصف لاصق به، ولذا ينبغي عليت الاجتهاد في معرفة بعض جوانب الحكمة في هذا التحريم، ففي هذا تقدير لنعمة الله علينا إذ أحل لنا سبحانه وتعالى الطيبات وحرم علينا الخبائث، فضلا عما في هذا من جوانب عملية هامة، كما تضح من هذه ا لدراسة .

الزحار البلتيدي ومرض الديدان المثانية ومرضى التريكينا
ثلاثة تهديدات محتملة للبلاد الإسلامية
دراسة وبائية ورسالة تحذير

يدور هذا البحث حول الاجتهاد العلمي في معرفة بعض نواحي الحكمة في تحريم لحم الخنزير وهو تحريم قرآني قطعي معلل- كما سوف يأتي فيما بعد. شعلة هذا التحريم وليس التحريم في حد ذاته، طبعا موضع نقاش يتجدد كثيرما يفسده الوهم أو السطحية أو النقل والتقليد أو التعالم أو التحرج في غير موضعه.

وقد تأكد لي مما أقرأ بين الحين والحين وفي جولات من الحوار في مناسبات متعددة أن معظم الحقائق المتعلقة بالموضوع خاف على معظم المسلمين، عامتهم ومثقفيهم بل وبعض أطبائهم ممن ضللتهم مناهج دراستهم القاصرة في بعض الأمور. وإني ، لأهدف من طرح هذا البحت إلى غايات، لعل أهمها هو أن أكرر قرع نواقيس التحذير من جسامة الخطأ الذي نتورط  فيه إذا مضينا في تصورنا أن بلادنا الإسلامية بمنجاة من بعض الأمراض الوبيلة التي يسببها أكل لحم الخنزير، أو إذا ردد بعضنا ما تروجه بعض الأوساط من التهوين من أمر الضرر الناجم من أكل لحم الخنزير وأنه ضرر ممكن تجنبه تماما واتباع الوسائل العصرية في تربية الخنازير ومعالجة لحومها أو فحصها، وأن التحريم هنا أمر تعبدي وحسب. ولست أجد لهذا الطرح مناسبة خيرا من هذا المؤتمر الذي يجتمع فيه صفوة من فقهاء المسلمين وقادة العلم الطبي فيهم.

طفيليات الخنزير بصفة عامة:

يؤوي الخنزير في جسمه عددا كبيرا من أنواع الطفيليات، شأنه في ذلك شأن غيره من أنواع الحيوان. وكثير من هذه الطفيليات نوعي خاص به أو يكاد ، وبعضها لا يصيب الإنسان على أية حال، ولكن الذي يسترعي الالتفات حقا هو أن أكثر من. عشرين نوعا من هذه الطفيليات يصيب الإنسان أيضا، فهي داخلة فيما يسمى بالأمراض الزونوسية (Zoonoses) (أي المشتركة بين الإنسان والحيوان، أو بين الإنسان وغيره من الفقاريات على التخصيص) ، وتسلط عليها فى الوقت الحاضر الأضواء وتلاقى العناية البالغة من الباحثين. ويقول تقرير أعدته عام 1979  لجنة مشتركة من  خبراء هيئة الصحة العالمية والهيئة العالمية للغذاء والزراعة إن الأمراض الزونوسية تعد تحديا طبيا خاصا، ويتوقع أن يتزايد بشكل ملحوظ مقدار إسهامها في فداحة ثقل عبء المرض الملقى على البشرية . ولكن الأمراض الطفيلية بين الإنسان والخنزير ليست كلها سواء، وإنما مجدد وضع أي منها عدة اعتبارات أهمها حدود تأثر الإنسان من الإصابة بها، أي درجة خطورة المرض الذي يحدثه الطفيلي فيه، وحقيقة الدور الذي يقوم به الخنزير في دورة حياة الطفيلي ، ونسبة تعرض الإنسان للإصابة به.

والطفيليات المشتركة بيت الخنزير والإنسان مجموعة متباينة تنتمي إلى معظم المجموعات الرئيسية من الطفيليات (المراجع ا-6 بصفة أساسية)، سوف نستعرض أشهرها أولا في إلمامة  وجيزة ثم نتكلم عن ثلاثة منها هي موضوع بحثنا هذا.

ا- من الفيروسات والبكتيريا: فيروسات مرض الكلب والحمى الصفراء وسلالات من الإنفلونزا ، وصور من العدوى البكتيرية المحتملة. ومن آخر ما أضيف في هذا الباب ما أذيع لا أخريات عام 1983 م من أن باحثين في جامعة هار فارد قد وجدوا أن الفيروس المسبب لمتلازمة قصور المناعة المكتسبة (أيدز AIDS) يصب الخنازير التي تمارس ذكورها اللواط ، شأنها في ذلك شأن معظم المصابين بهذا الداء الوبيل من بني الإنسان.

2- من البروتورزوا (الحيوانات الأولية): ثلاثة أنواع من الأميبات المتطفلة:
(Entamoeba polecki, Endolimax nana and Lodamoeba beutschlii)
أحد النوعين المسببين لمرض النوم الأفريقي : Trypanosoma brucei gambiense
Trypanosoma (Schizotrypanuon) cruzi المسبب لمرض شاجاس في أمريكا الجنوبية ، طفيلي العضلات Sarcocystis meisheriana . ولكن لعل أهم هذه المجموعة جميعا هو طفيلي الزحار البلنتيدي Balantidium coil الذي سوف نتكلم عنه فيما بعد .  

3- من الديدان المفلطحة، وتعنينا منها مجموعتان رئيسيتان:

أ- التريماتودا أن الوشائع: فمن وشائع الدم يصاب الخنزير بديدان البلهارسيا اليابانية، كما أن بويضات تلك الديدان تمر مع براز ذلك الحيوان الرمام ، وهذا يساعد على إكمالها دورة حياتها وانتشارها. وكذلك يصاب الخنزير بوشيعة الرئة Paragonimus westermani التي تصيب الإنسان في كثير من أرجاء العالم، وعلى الأخص في الشرق الأقصى، وكذلك بوشيعة الأمعاء الكبيرة Fasciolopsis buski التي يعد الخنزير العائل الخازن الرئيسي لنشر العدوى بها بعد أن تتم دورة حياتها في أنواع معينة من القواقع والأسماك. وإصابة الخنزير بهذه الدودة شائعة جدا في كثير من مناطق الشرق الأقصى ، ومن ثم تتفشى عدوى الإنسان بها، ويذكر سميث أن نسبة الإصابة قد تبلغ 100% في بعض مناطق الصين حيث تعد هذه الدودة من المشاكل الصحية الهامة، وينتشر في الشرق الأقصى أيضا وشيعتان أخريان بعد الخنزير من العوائل الخازنة الرئيسية لها، وإن كانتا أقل أهمية من الدودة السابقة، وهما: وشيعة الأمعاء الصغيرة Castrodiscoider hominis ووشيعة الكبد الصينية Chlonorchis sinensis ..

ب- السستودا أو الديدان الشريطية: يصيب الخنزير منها نوعان: دودة السمك الشريطية (أو " دودة الإنسان الشريطية العريضة " (Diphyllobothrium La tum) وهي أكبر الديدان التي تصيب الإنسان (قد يبلغ طولها 12 مترا)، ويصاب الخنزير بالطور البالغ منها كالإنسان ، ولكن هذا ليس له أهمية خاصة. أما النوع الثاني، وهو دودة لحم الخنزير الشريطية Taenia solium فله أهمية كبرى كما سوف نفصله فيما بعد.

4- من الديدان شوكية الرأس: منها نوع يسمى Macracanthorynchus hirudinaceus شائع في الخنزير ، ولكنه يوجد أيضا في الإنسان، فقد اكتشف مثلا ، بين فلاحي وادي الفولجا في جنوبي روسيا.

5- من الديدان الخيطية أو الاسطوانية (النيماتودا): يصيب الإنسان والخنزير منها بضعة أنواع، فثمة نوع من الأسكارس أو "ثعبان البطن " Ascuris suum يعيش في الخنازير، وقد ثبت بالدليل القاطع أنه يعدي الإنسان أيضا، كما ثبت أن النوع الذي يعيش في الإنسان Asaris lumbricoides يعدي الخنازير، أي أن الخنازير تساعد على انتشار العدوى بهذه الديدان بصفة عامة. أما الديدان السوطية، فيعتقد أن الذي يصيب الإنسان والخنزير منها نوع واحد Trichuris trichiura فالخنازير تساعد أيضا على انتشار هذه الدودة أيضا بين الناس. بيد أن الدودة الخيطية الخطيرة حقا هي دودة "التريكينا" أو التريكنلا الحلزونية  Trichinella spiralisوسوف نتناولها فيما بعد بما تستحقه من عناية خاصة.

6- من الحشرات والحلم: يصلح الخنزير عائلا لعدد من الطفيليات الخارجية الخاصة بالإنسان، كأنواع البعوض والبرغوث الشائع في الإنسان، وأنواع من القمل، وذبابة تسي تسي الناقلة لطفيليات مرض النوم، وأنواع من ذباب الجلد التي تصيب يرقاناتها الفم والعينين والأذنين والجروح المكشوفة ثم الأنف على الخصوص. كذلك هناك أنواع من الحلم (Mites) تصيب الخنزير وقد تصيب الإنسان في وجهه وفي داخل أذنيه.

وسوف نتناول الآن الأمراض الثلاثة الرئيسية التي تنتقل من الخنزير إلى الإنسان:

ا- الزحار البلنتيدي (Balantidiasis - Balantidial Dysentery):

الطفيلي المسبب لهذا المرض Balantidium coil هو النوع الوحيد من الحيوانات الأولية المهدبة التي تصيب الإنسان، وهو من طفيليات الأمعاء الغلاظ في الخنازير والقردة وبخاصة الشمبانزي، ولما كانت فرص الاتصال بين الإنسان والقردة محدودة للغاية، ولما كان الطفيلي واسع الانتشار في الخنازير فإنها تعتبر من الناحية العملية المصدر الوحيد لعدوى الإنسان. والحالات في الإنسان معروفة في بقاع كثيرة من العالم، وفي ألمانيا وفرنسا والفلبين وفنزويلا على الخصوص ، وهي عادة لا تنتشر إلا بين من يقومون على تربية الخنازير أو يعملون على ذبحها وتجارتها، فتتلوث أيديهم بحوصلات الطفيلي المعدية من براز الخنزير أو من أمعائه بعد ذبحه. ويبدو أنه يلزم لإحداث العدوى بالإنسان جرع كبيرة من هذه الحويصلات، ولذلك كان انتشار المرض محصورا عادة في هؤلاء الناس ومن ثم يمثل المرض لونا معينا من الزونوسس يصيب قطاعا معينا من المجتمع ، وهو هنا لون مهني Occupational. ولما كانت العدوى تنتقل من الخنزير إلى الإنسان دون وسيط يتم فيه جزء من دورة حياة الطفيلي، فهي زونوسس مباشرة (Direct zoonosis )، ولما كانت العدوى منتقلة ، من الحيوان (أي الخنزير) إلى الإنسان لا العكسى، فهي  زونوسس حيوانية بشرية  (Anthropozoonosis). ولكن العدوى قد تتجاوز هذه الحدود في بعض الأحيان، فتنتشر نتيجة تلوث مصادر مياه الشرب ببراز الخنازير، ومن قبيل ذلك ما حدث في إحدى جزر المحيط الهادي الغربية في أعقاب قيام إعصار نشر براز الخنازير على مدى واسع تلاه انفجار المرض بصورة وبائية. وفي مرتفعات إيريان الغربية بأندونيسيا يتناسب معدل انتشار العدوى بالزحار البلنتيدي في منطقة ما مع حجم جماعات الخنازير التي تربى في تلك المنطقة .

وفي الإنسان تعيش الطفيليات في القولون والأعور المعوي ولكنها قد تننتقل إلى الجزء الأسفل من اللفائفي من الأمعاء الدقاق في بعض الأحيان، كما أنها قد توجد في الأوعية الدموية واللمفية والغدد المسراقية المتصلة بالأمعاء. وفي الخنزير لا يحدث ، الطفيلي أعراضا ذات بال، بيد أن الأمر مختلف تماما عن ذلك في الإنسان، ففي نسبة من الحالات تتحول الإصابة إلى حالة مرضية تتفاوت فيها الأعراض بين الإسهال اليسير إلى نوبات من الإسهال الشديد المتكرر إلى زحار (ديزنتاريا) مزمن. أما الأعراض العامة فهي المغص وفقد الشهية والدوار والضعف العام والهزال في بعض الأحيان. والزحار البلنتيدي يشبه الزحار الأميبي من نواح كثيرة، فتحدث الطفيليات في نسبة من المصابين آثارا مرضية شديدة بسبب القروح العميقة التي تنخرها في أنسجة الأمعاء، حتى لقد يصبح القولون من بدايته لنهايته كتلة من القرح، وقد ينتهي المرض بالوفاة في بعض الحالات.

2- مرض الديدان المثانية (Cysticercosis):

" الديدان المثانية" المعنية هنا هي يرقانات دودة لحم الخنزير الشريطية "تينيا سوليوم " Taenia solium الطورالذي يوجد عادة في لحم الخنزير وبتناولها تتم عدوى الإنسان بالطور البالغ، أي بالديدان الشريطية نفسها. وقبل معرفة العلاقة بين المطورين كان يطلق على اليرقانات اسم علمي مستقل هو Cysticercus cellulosae وما تزال كتب علم الطفيليات تستخدم هذا الاسم تجاوزا.

وتعيش الديدان الشريطية البالغة في أمعاء الإنسان حيث يبلغ طولها من مترين إلى سبعة أمتار (أربعة في المتوسط). وللدودة رأس أصغر من رأس الدبوس، مزود بأربعة ممصات وقمتها عليها طوق من الأشواك. ويلي الرأس عنق قصير تنمو منه باستمرار قطع أو أسلات صغار تتباعد عنه تباعا وتأخذ في النمو مكونة ذلك الشريط الذي قد يحوي منها ألفا. وكل أسلة كأنها حيوان قائم بذاته إذ فيها جهازا التناسل المذكر والمؤنث، فلا تلبث الأسلة الناضجة أن تمتلىء بآلاف كثيرة من البويضات، حتى تصبح في النهاية مجرد كيس مثقل بذلك البيض الوبيل الذي ينمو في كل واحدة منه جنين كروي ذو ست أشواك تشبه الخطاطيف.

وتنفصل الأسلات المثقلات من طرف الشريط وتخرج مع براز الإنسان المصاب. وفي التربة الملوثة الرطبة تبقى الأسلة أو ما يخج منها من بيض زمنا ليس بالقصير، حتى يأتي خنزير لمام  يقم ما في الأرض من قذر ونفايات فيبتلع معها الأسلات أو البيض فتعمل العصارات الهاضمة على إطلاق الأجنة من محابسها، ومن ثم تشق طريقها بأشواكها مخترقة جدار الأمعاء- حتى تصل إلى أوعية الدم أو اللمف فتدور مع هذا وذاك حتى تستقر في جسم الخنزير، حيث تنمو في عضلاته، وبخاصة في اللسان والرقبة والكتف والبطن، مكونة حوصلات أو مثانات كروية أو بيضية منتفخة طولها 7 ــ 18 ملليمترا هي اليرقانات أو الديدان المثانية التي تقدم ذكرها، وفي كل منها رأس صالح لأن تنمو منه دودة شريطية كاملة. ويحدث، هذا عندما يأكل إنسان هذا اللحم المصاب دون أن يجيد إنضاجه لقتل ما فيه من تلك الديدان المثانية المعدية.

وفي هذه الدورة يقوم الخنزير بدور ما يسمي بالعائل الوسيط، وفيه يتم تحول البيض إلى اليرقانات المعدية، ومن ثم فالإصابة بالديدان الشريطية من الأمراض الزونوسية الدورية (Cyclic Zoonosis). والخنزير هنا ليس عائلا احتياطيا أو خازنا للمرض، بل وجوده ضروري لإتمام دورة الحياة وكذلك الإنسان، ومن ثم توصف هذه الحالة أيضا بأنها مرض زونوسي أصيل أو صادق (Euzoonosis). والخنزير ليس العائل الوسيط الوحيد المحتمل، ولكنه من الناحية العملية يعتبر في واقع الأمر المصدر الوحيد لعدوى الإنسان. بيد أن الأمر الخطير حقا هو أن هذه الدورة قد تنعكس في كثير من الأحيان انعكاسا جزئيا ، فيحل الإنسان فيها محل الخنزير إذ يصبح عائلا وسيطا في دورة تنتهي بطريق مسدود، وذلك أن المثانات التي سوف تتكون في جسمه لن تتحول إلى ديدان بالغة إلا إذا أكل لحم ذلك الإنسان المصاب إنسان آخر، ولن يحدث هذا طبعا، اللهم إلا أن يكون من بلاد أكلة لحوم البشر.

وينشأ هذا الانعكاس الجزئي من ابتلاع الإنسان بيض الدودة إذا تلوثت يده أو تلوث طعامه بشيء منها، من فضلاته هو أو من مصادر خارجي. كذلك يشك أن البيض الناضج أو الأسلات المثقلة بالبيض الناضج قد ترتد من أمعاء الشخص المصاب بالدودة الشريطية إلى معدته، وذلك نتيجة انعكاس الحركة الدودية لأمعائه (1، 007 الخ) وفي هذه الحالة يفقس البيض  في المعدة والأمعاء وتنطلق منه الأجنة ذوات الأشواك الست فتدور مع دمه لتنتشر في أجزاء جسمه ثم تستقر مكونة ديدانا مثانية ، مثلما يحدث للخنزير المبتلع للبيض في الدورة المعتادة.

والأجنة المنطلقة من البيض قد تذهب إلى أي عضو تقريبا في جسم الإنسان، وبخاصة في عضلات الأطراف واللسان والعنق والأضلاع، وأحيانا في الرئتين والكبد والعين، أو في النخاع الشوكي والدماغ، حيث تكون ديدانا مثانية  في هذه المواضع الشتى . ومن الواضح أن الضرر الناشىء عن وجودها يتوقف كيفا ومقدارا على عددها، وعلى طبيعة المكان والعضو الذي تستقر فيه، فإنه إذا استقر بها المطاف في الأنسجة الرخوة تحت الجلد أو في عضلة غير رئيسية وكان عددها قليا كان أذاها محدودا ، إلا إن كانت معوقة لحركة أو ضاغطة على عصب أو مجرى معين.

أما وجود المثانات في العين أو القلب أو الرئتين أو الكبد فله بالطبع شأن آخر، وقد ثبت أن لها ميلا خاصا للدماغ، ومن ثم يرجح أنها السبب في نسبة كبيرة من حالات الصرع. وقد وجد بعض الباحثين، باستخدام وسائل خاصة للتصوير بالأشعة، أن نسبة من الحالات التي سبق تشخيصها بأنها أورام في المخ هي في حقيقة أمرها مثانات دودة لحم الخنزير الشريطية. وإصابة الدماغ قد يتسبب عنها أعراض متباينة ومتفاوتة في الشدة، فمن صداع قاس إلى شلل عضوي جزئي إلى دوار واضطرابات عصبية ونفسية قد تتخذ مظهرا هستيريا. وقد تظل المثانات حية في الجسم مدة طويلة، ولكنها قد تموت بعد فترات متفاوتة فتنطلق منها توكسينات ضارة، وكتيرا ما تتكلس في النهاية، وآثارها الخطيرة قد تنتهي بالوفاة.

ويعتمد  في التشخيص على وسائل مختلفة من التصوير بالأشعة مع دعمها بوسائل معدلة ومستحدثة من الفحوص المصلية المتنوعة. وإلى عهد قريب جدا (1979) لم يكن ثمة أي علاج معروف بالعقاقير وكانت الجراحة هي الملجأ الوحيد، ولكنها قلما تكون مجدية وكثيرا ما تكون محفوفة بصعوبة شديدة أو خطر بالغ إذا كان عدد المثانات كبيرا ومواضعها دقيقة. ولكن الباحثين اتجهوا في السنوات الأخيرة إلى تجارب يبدو أنها حققت قدرا من النجاح في استخدام عقاقير كان معظمها يشختدم أصلا في علاج الحيوانات المصابة بالديدان المثانية من قبيل مادة (Praziquantel)  ومادة (Fenbendszole) .

وقبل أن أترك هذه الفقرة من المقال، أود أن أبرز النقاط التالية:-

ا- بالنسبة لدودة لحم الخنزير الشريطية يمكن أن يصاب الإنسان بمرضين مختلفين تماما :

أ- الإصابة بالدودة الشريطية البالغة، وهذا يكون عن طريق أكل لحم خنزير مصاب بالديدان المثانية .

ب- الإصابة ب لديدان المثانية، وهذا  يكون عن طريق تناول طعام ملوث ببيض الديدان الموجودة جسمه أو في جسم إنسان آخر ، وليس عن طريق تناول لحم الخنزير. وهذا المرض الأخير مرض وبيل شديد الخطر.

2- ولكن وجود الخنزير ضروري على أية حال لحدوث المرضين، إذ أنه المصدر الوحيد- من الناحية العملية- لإصابة الإنسان بالدودة الشريطية البالغة التي هي مصدر البيض.

3- في حالة دودة لحم البقر الشريطية (وهي تتبع جنس آخر واسمها العلمي:- Taeniorhynchus saginatus Taenia saginatus لا يصاب الإنسان إلا بالدودة الشريطية البالغة فقط، ولا يصاب البتة بديدانها المثانية التي تسمى تجاوزا Cysticercus bovis. وإصابة الإنسان بأي من الدودتين البالغتين- دودة لحم الخنزير أو دودة لحم البقر ليس في حد ذاته أمرا ذا أهمية خاصة، إذ أن الأعراض تكون يسيرة في معظم الأحيان، ولكنها قد تسبب بعض الاضطرابات الهضمية أو أعراض نقص الفيتامينات وفقد الشهية ونقص الوزن. وعلى أية حال فعلاج هذه الأعراض والتخلص من الدودة بالعقاقير الطاردة للديدان أمران ميسوران.

3- مرض التر يكينا (Trichinellosis):
تعيش الديدان الخيطية البالغة من هذا النوع (Trichinella spiralis) في الأمعاء الدقاق للإنسان وأنواع أخرى معينة من الحيوان، كما سيأتي فيما بعد. والديدان دقاق قصار الأجسام، تبلغ إناثها نحو أربعة مليمترات وذكورها لا تتجاوز نصف هذا الطول والأنثى المخصبة المثقلة بالبيض تتعمق في جدار الأمعاء لتضع صغارها التي تعرف باليرقانات، فهي  لا تضع بيضا ، كمعظم الديدان، وإنما يفقس بيضها وهو لم يزل في باطنها، ومن ثم توصف تلك الإناث بأنها بيوض ولود.

وتجري اليرقانات مع دودة الدم مارة بالقلب والرئتين ثم تستقر بين ألياف العضلات في أعضاء مختلفة من الجسم، حيث تنمو حتى جلغ طولها مليمترا واحدا، ثم تلتف على نفسها، ومن ثم كان وصفها بالديدان الشعيرية الحلزونية، ولا تلبث هذه اليرقانات أن تتحوصل، والأغلب أن تضم كل حويصلة يرقانة واحدة أو اثنتين. وهذه الحويصلات هي الطور المعدي، فإن كانت في لحم حيوان انتقلت إلى الإنسان أو الحيوان الذي يأكل هذا اللحم، أما إن كانت في إنسان فقد انتهت إلى طريق مسدود، كما ذكرنا من قبل في حالة اليرقانات المثانية لدودة لحم الخنزير الشريطية. وخاتمة المطاف، في الإنسان الذي بقدر له أن يعيش طويلا بإصابة خفيفة، أن تتكلس هذه الحويصلات بعد شهور عديدة ثم تموت اليرقانات الحبيسة فيها وتتكلس بعد عدد من السنين (يقدر البعض أنها قد تبلغ أحيانا الثلاثين). ويلاحظ هنا أن الأمهات من الديدان وبناتها من اليرقانات توجد في الفرد نفسه، ولكن اليرقانات لا تتم دورتها فتصل إلى الرحلة البالغة إلا إذا وصلت إلى فرد عائل جديد. ومن هذا الوصف يتضح أن عدوى الإنسان زونوسس ماشرة، وأنها زونوسس حيوانية بشرية.

وكما هي الحال أيضا بالنسبة لدودة لحم الخنزير الشريطية، ليست الديدان الشعيرية البالغة هي الخطيرة، وإنما يرقاناتها هي أس البلاء. فعندما يأكل الإنسان اللحم المصاب غير جيد الطهي تخرج الديدان من حويصلاتها وتبلغ نضجها الجنسي فتتزاوج، ثم سرعان ما تموت الذكور أما الإناث فإنها  ترقد في جدار الأمعاء وتصبح قادرة على وضع يرقاناتها بعد أسبوع واحد. وقد تستقر اليرقانات بعد دورانها في الجسم، في أي جزء عضلي منه، إلا عضلة القلب، ولكنها تكثر في عضلات الحجاب الحاجز والأضلاع والحنجرة واللسان والعين وبعض عضلات الذراع!ت والرجل!ت، وقد تموت الإناث البالغة جميعهـا بعد شهرين أو ثلاثة، ولكن بعد أن تكون قد نفثت في أنحاء الجسم ذريتها الخبيثة. ويقدر أن كل أنثى تستطيع  أن تضع في حياتها القصيرة عددا من اليرقانات قد يبلغ عشرة آلاف .

وتتفاوت الأعراض نوعا وشدة حسب مراحل المرض وكثافة العدوى وحمالة المريض الصحية العامة، وعادة ما تظهر الأعراض في الأسبوع الثاني بعد تناول اللحم المعدي.

وتتميز المرحلة الأولى من المرض بالاضطرابات المعدية والمعوية والإسهال الشديد الذي قد تصحبه حمى وضعف عام. أما المرحلة الثانية، وهي فترة انتشار اليرقانات في الجسم واختراقها للعضلات، فكثيرا ما تكون قاتلة، ومن أعراضها انتفاخ الجفون وما تحت العينين وآلام عضلية روماتيزمية مبرحة، واضطرابات في وظائف العضلات التي تتعرض لعدد كبير من الغزاة، كحركة العينين والبلع والتنفس. ولا غرابة في ذلك فقد قدر عدد اليرقانات في عضلة الحجاب الحاجز  لإنسان مصاب بألف يرقانة في الجرام الواحد! ويصاب المريض بحمى تكاد تكون مستمرة وعرق غزير وهذيان ونزف تحت الأظافر وما إلى ذلك. وفي هذه المرحلة توجد اليرقانات في السائل الدماغي الشوكي ومن ثم تظهر أعراض التهاب الدماغ والسحايا . أما المرحلة الثالثة المصاحبة لتكلس الحوصلات، فتبدأ بعد نحو ستة أسابيع من بدء العدوى. وفيه، تشتد الأعراض السابقة، وينتشر الارتشاح في الوجه والبطن والذراعين والرجلين. ويصاب المريض بضعف عام شديد وطفح جلدي وفقر في الدم ونزف في الأحشاء وتضخم في الطحال واضطرابات عصبية وعقلية، وتحدث معظم الوفيات بين الأسبوعين الرابع والسادس. أما إذا شفي المريض فقد تعوده الآلام العضلية طيلة سنة كاملة.

وهذا الخليط المحير من الأمراض يجعل تشخيص الإصابة بالتريكينلا أمرا عسيرا، وقد يفلت تماما من الطبيب، وعلى الأخص، إذا كان ذهنه خاليا من توقع مصادفتها كما هو حادث فعلا في معظم بلادنا. ولا الإصابات الكثيفة والمتوسطة قد يجدي فحص قطعة من سمانة الساق، كذلك يمكن اللجوء إلى وسائل متنوعة من الفحوص المصلية، وإن كان هناك احتمال إعطائها نتائج سلبية زائفة في بعض الأحيان.

وكان الاعتقاد السائد هو عدم وجود عقار نوعي لمرض التريكينا ، ولكن عددا من العقاقير يؤثر في الديدان البالغة في الأمعاء، وبعضا منها يرجي أن يكون مفيدا في القضاء على اليرقانات المنتشرة في الجسم أيضا، مثل عقاري Mebendazole  ,  Thiabenda zole، ولكن من مشاكل العلاج أن المرض لا يكتشف عادة إلا في مرحلة انتشار اليرقانات في عضلات الجسم. هذا إذا اكتشف أصلا، فبعض الحالات لن تعرف حقيقتها إلا بفحص قطعة من الحجاب الحاجز بعد الوفاة!

تحليل ومناقشة عامة
بعد أن استعرضنا أهم الأعراض التي قد تنتقل إلى الإنسان من الخنزير ينبغي أن نتناول ما قدمنا بالتحليل ومناقشة المتشككين والمعترضين، وأن نتبصر في الأخطار المحدقة بنا من هذه الناحية، مجتهدين في تلمس ما يتضح لنا من بعض العلة في تحريم لحم الخنزير.

ا- مواضع التحريم في القرآن الكريم:
حرم لحم الخنزير في أربعة مواضع من القرآن الكريم:

ا- " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ".

2- " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به  والمنخنقة  والموقوذة والمتردية والنطيحة  وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب".

3- " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم " .

4- " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم " .

 وتشمل هذه الآيات الكريمة جملة ما حرم النص القرآني الحكيم في هذا الباب، فضلا عما جاء في السنة الشريفة من " تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ونحو ذلك ". أما المحرمات المذكورة في القرآن الكريم فإنها تندرج في أقسام خمسة:-

ا- الميتة 20- المنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة، وما أكل السبع 30- الدم المسفوح 40- لحم الحنزير. 5- ما أهل لغير الله به أو ذبح للطواغيت والأصنام. وتنفرد آية سورة المائدة، وهي آخر ما نزل في هذا الباب، بتفصيل ما سبق إجماله، كصور الموت الحادثة وغير الناجمة عن المرض أو الشيخوخة الطبيعية للحيوان.

2- لحم الخنزير محرم لذاته، وهو تحريم معلل؟

ولا يدور بحثنا الحاضر إلا عن تحريم لحم الخنزير، ومن ناحية واحدة وهي الأمراض الطفيلية التي قد ينقلها الخنزير إلى الإنسان. وينبغي الالتفات إلى أن لحم الخنزير ينفرد من بين جميع اللحوم المذكورة في آيات التحريم بأنه حرام لذاته ، أي لعلة- أو علل - مستقرة فيه أو وصف لاصق به، أما أنواع اللحوم الأخرى فهي محرمة لعلة عارضة عليها ولكنها تكون حلالا طيبا إذا ذكيت بالطريقة المشروعة.

والتحريم في حد ذاته ليس موضع نقاش، فالمؤمن حين يأتيه الأمر أو النهي من الله سبحانه وتعالى إنما يقول سمعنا وأطعنا، وما يريد الله بنا إلا خيرا ، فالطاعة امتثال وعبادة، لكن شرع لنا أن نجتهد في تفهم علة الأمر أو النهي إذا توفرت لنا الأسباب المعينة على ذلك. بيد أن الأمر هنا يزيد على هذا إذ أن تحريم لحم الخنزير تحريم معلل، كما يتضح من قوله تعالى في جملة معترضة وبصورة منبهة للأذهان، "فإنه رجس ". ومن أهدافنا في هذا البحث الاجتهاد في محاولة فهم بعض جوانب رجاسة هذا اللحم الحرام.

3- انتشار الزحار البلنتيدي:

تتفاوت شدة إصابة الإنسان بهذا الطفيلي تفاوتا شديدا ، كما أنه قد يكون قاصرا على المزارعين والقصابين ونحوهم، ممن لهم اتصال مباشر بالخنازير، أو قد يتسع ليشمل قطاعات أخرى أوسع من المجتمع كما تقدم. ويمكن أن يعدي هذا الطفيلي حيوانات أخرى، كالرئيسيات والقردة، وأحيانا الكلاب والجرذان والخراف والماشية ، ولكن مصدر عدوى الإنسان به عادة هو الخنزير. وثمة أدلة على أن الطفيلي آخذ في التكيف للحياة في الإنسان، فقد وجدت الإصابات البشرية مثلا في إيران حيث لا تربى الخنازير . والشيء الذي ننبه إليه هنا أن العدوى قد تمتد إلى المسلمين الورعين لأنها لا تنشأ من تناول اللحم وإنما تحدث بالتلوث، عن طريق  الخضراوات  مثلا .

4- انتشار دودة لحم الخنزير الشريطية ومرض الديدان المثانية:

انتشار دودة لحم الخنزير الشريطية ومرض الديدان المثانية الخطير المتولد منها (بصوره العضلية والعصر البصرية والدماغية ) مرتبط أوثق الارتباط بالمستوى الصحي والاجتماعي للأقوام وعاداتهم الغذائية والأديان السائدة فى أقاليمهم. والدودة واسعة الانتشار في أوروبا وجنوبي آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. فقد وجد في مدينة المكسيك، مثلا، أن 9. 1% من جميع حالات الوفاة كان سببها مرض الديدان المثانية ، بينما وجدت هذه المثانات في 5. 3% من جميع الجثث التي شرحت - ويعرف الوبائيون أن هذه نسب مرتفعة للغاية. ومن المعروف أن عددا كبيرا من إصابات الدماغ مردها إلى الديدان المثانية. ويذكر نلسون  أن تفشي مرض الديدان المثانية في جنوب أفريقيا يعد مثالا  لتأثير سلوك الأقوام وعاداتهم في انتشار أمراض معينة بينهم، فيه يروي عن آخرين هذه الطرفة: وهي أن المشعوذين هناك يعالجون مرضاهم بطبخة فيها الديدان الشريطية، وقطع منها تحوي بيضا ناضجا في الغالب.

ومن ناحية أخرى، يقرر ولكوكس  ومانسون بار أن هذه الدودة غير معروفة بين المسلمين واليهود، ويذكر  تشاندلر وريد ما نترجمه حرفيا فيما يلي: "أما في البلاد اليهودية (كذا) والإسلامية، حيث يعد أكل لحم الخنزير خطيئة دينية خطيرة، فليس هذا الطفيلي إلا أدنى الفرص للبقاء ، وهو دليل فاضح على فساد الأخلاق عند حدوثه... "، ويشير المؤلفان إلى ملاحظة يقولان إنها ما زالت أن ألغاز علم الطفيليات المشكلة، وهي أن الديدان المثانية (أي اليرقانات) أوسع انتشارا  في الإنسان من الديدان الشريطية البالغة. وهذا أمر له أهميته، لأن الديدان المثانية هي الأخطر ولكن يبدو أن تفسير هذا اللغز هو أن المصاب بالدودة البالغة- أي آكل لحم الخنزير قد يعدي بالبيض نفسه كما يعدي الخنازير كما قد يعدي أناسا غيره قد يكونون كثيرين، فالمسألة متوقفة على مقدار التلوث الذي يحدثه حوله، أما الإصابة بالدودة الشريطية فهو متوقف على تناول لحم شهـير مصاب غير جيد الطهي. وهذا يجعلنا نسارع بالتنبيه إلى الحقيقة التالية، وهي أن المسلم الورع لا يمكن أن يعدى بدودة شريطية (إلا أن يكون غير عالم بمصدر اللحم الذي يأكله) ولكن يجوز أن يعدى بالديدان المثانية القاتلة، فهناك- للتذكير- دورتان:

أ- مثانية (في خنزير)- شريطية (في إنسان)- مثانية (في خنزير)- وهكذا.

ب- مثانية (في خنزير)- شريطية (في إنسان)- مثانية (في إنسان)، ثم تتوقف.

ترى كم عدد المسلمين المصابين بالديدان المثانية في البلاد التي يأكل فيها غيرهم لحوم الخنازير ولا ندري عنهم شيئا ؟!

وفي البلاد التي تستشري فيها هذه الأدواء تتلخص سبل المقاومة في علاج المصابين بالدودة الشريطية، وفحص ذبائح الخنازير- والتثقيف الصحي ، ورفع مستوى الصحة العامة، ومعالجة الفضلات الآدمية والتخلص منها بالطرق المناسبة.

5- كانت دودة التريكينلا خارج أسوار البلاد الإسلامية:

مرض التريكنلا منتشر في جميع البلاد الأوروبية (وعلى الأخص: بولندا، المناطق الغربية والجنوبية الشرقية من روسيا، رومانيا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، إيطاليا، ألمانيا، النمسا- وبدرجة أقل في أقطار أوروبا الأخرى) وفي الولايات المتحدة الأمريكية، والمناطق القطبية الشمالية، وفي المكسيك والأنحاء الجنوبية من أمريكا الجنوبية وعلى الأخص في شيلي (عدة مراجع).

ويقرر تشاند لروريد  أن دودة التريكنلا تنفرد دون معظم الديدان المتطفلة في الإنسان بأنها تكاد تكون غير موجودة في المناطق الحارة، فيمكن اعتبارها غير موجودة- من الناحية العملية- "من سان فرنسيسكو إلى السويس ومن أفريقيا إلى استراليا ". ولكن المؤلفين يذكران في موضع سابق ما ترجمته: " وقد قيل إن هذه الدودة هي علة تحريم أكل لحم الخنزير في الشريعة اليهودية القديمة. ولكن يبدو أن هذا بعيد للغاية، إذ ليس ثمة من سبب خاص لافتراضنا أن مرض ديدان التريكينا كان متفشيا في الخنازير على عهد موسى (عليه السلام)، ثم قل بعد ذلك حتى كاد يختفي من الشرق الأوسط (2: 404). ولكننا نرى- على نقيض ما ذهب إليه المؤلفان- أنه ليس ثمة ما يمنع صحة هذا الفرض- من سابق انتشار المرض ثم اختفائه في الأزمان التالية. هذا فضلا عن أن المؤلفين تناسيا أن شريعة الإسلام الغراء قد بسطت ظلها الوارف في تلك المناطق، فتراجع المرض مدحورا وراء حدودها. ولعل الذي جعل المؤلفين يميلان إلى استبعاد ذلك الفرض هو ملاحظتهما للصورة الحالية التي قرراها من عدم وجود الطفيلي في المناطق الحارة. بيد أن ما سوف نذكره من اكتشاف المرضى في ذلل الحزام الذي كان بعيدا عنه يؤيد صحته، إذ يبدو أن التراخي في التمسك الجاد بتحريم الإسلام لحم الخنزير مؤيدا للشرائع السابقة عليه- هو الذي سمح للدودة اللعينة بأن تتسلل عائدة لتسترد مناطق نفوذها القديمة، من خلال الجشع الاقتصادي والنهم الآدمي. وهذه المكتشفات الجديدة تؤيد أنه ليس ثمة من أسباب ايكولوجية في هذه المناطق تمنع من انتشار الدودة.

ويعجب نلسون  قائلا ما ترجمته: " أما العلة في إدماننا- نحن أهل العالم الغربي- أكل لحم الخنزير فإنها لغز محير، وخاصة أننا نذكر على الدوام بمخاطر هذا ونحن نقرأ الكتاب المقدس " مشيرا إلى الإصحاح الرابع عشر من سفر التثنية من التوراة. ثم يستطرد المؤلف قائلا : "أما اليهود الملتزمون وأتباع محمد (صلوات الله وسلامه عليه) فإنهم مضوا في نفورهم من الخنازير وعدم استساغتهم لحومها، ومن ثم خلت جماعاتهم من مرض التريكينا خلوا تاما" .

وهذه العلة البديهية لنجاة الأمم التي لا تأكل لحم الخنزير من الإصابة بمرض التريكينا تلتقي التأييد من جميع المصادر (مثلا ، غير ما ذكر).

6- دودة التريكنلا تقتحم الأسوار.

ويبدو أن البلاد الإسلامية كادت تفقد ذلك الوضع الفريد الذي كان يحسدها عليه الأوروبيون والأمريكيون، فهاكم ما يقرره سمث في كتابه: "... والذي كان موضع القبول العام، إلى عهد قريب، هو أن المرض قاصر على المناطق المعتدلة والقطبية، ولكننا نعلم الآن أنه موجود أيضا في المناطق الحارة، كما أنه قد أبلغ عنه من الجزائر والشرق الأوسط والصين، وهاواي وأفريقيا ونادرا من أمريكا الجنوبية .

ولست بصدد التقصي الشامل للموضوع في الشرق الأوسط، ولكن في مصر مثلا، كان أساتذة علم الطفيليات الطبي واثقين تماما ، من  خلوها من ديدان التريكنلا، فيؤكد  رفعت وزملاؤه من عهد غير بعيد- عام 1969- تأكيدا مجددا هذا الاعتقاد ولكن عام 1975 وجد تادرس واسكندر (17) يرقانات التريكنلا لحوم الخنازير بالقاهرة ثم وجدها النواوي  في مجازر الخنازير في المنيا عام 1977. ثم جاء النبأ المتوقع في السنة التالية ، عام 1978، عندما نشر مرقص وزملاؤه  عن أول إصابة بالتريكنلا في مصر، من سيدة بالإسكندرية. وفي عام 1982 وجدت رشيدة بركات وزملاؤها  يرقانات التريكنلا في الجرذان والفئران والكلاب الضالة حول مرابي الخنازير في الإسكندرية. وفي العام التالي (983 1) وجد مرسي وزملاؤه  ديدان التريكنلا البالغة في 5. 3% من القطط الضالة في القاهرة.هكذا اكتملت الصورة .

ومن لبنان أذاعت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في 25 مارس 1980 نبأ مفاده أنه قد نقل قي ذلك اليوم خمسون مصابا ، بعضهم  في حالة خطر شديد إلى مستشفيات مدينة زحلة، شرقي بيروت، إثر تناولهم لحم خنزير. وذكر النبأ أن راديو بيروت أذاع أن بعض القصابين في مدينة زحلة باعوا زبائنهم لحم خنزير على أنه لحم غنم وأصيبوا إثر تناوله بداء أطلق عليه الراديو اسم التريشينوز (وهو الاسم الفرنسي لمرض التريكينا) أو الشعريات، إلا أنه لم يذكر أي إيضاحات أخرى عن هذا الداء أو عن حالة المرضى". (جريدة "الأنباء" الكويتية في 3/26/ 80).

7- دودة التريكنلا أنواع، ولها دورات مختلفة وعوائل متعددة:

يمكن أن تصيب ديدان التريكنلا نحوا من 120 نوعا من الحيوان ، معظمها من اللواحم والقوارض والحيوانات الرمامة، وأهمها الخنازير والدببة والثعالب والقطط والكلاب والجرذان. وفي المناطق القطبية الشمالية تصيب الدودة الدببة القطبية والفقام والحيتان، ومنها تنتقل إلى السكان من الإسكيمو ورواد تلك المناطق النائية من الرحالة والمستكشفين.

ويبدو أنه يوجد من ديدان التريكنلا سلالات أربع، يميل بعض الباحثين إلى اعتبارها أنواعا مستقلة. وهذه الأنواع هي : Trichinella spiralis وهي ذات الدور الزونوسي المشترك مع حياة الإنسان (form) Synanthropic zoonotic T.nelsoni المختصة بالدورات البرية (أي في الغابات ونحوها) وتتعلق باللواحم، و T.nativaفي الأصقاع الشمالية وتدخل فيها الحيوانات البحرية، كما تقدم، ثم T.pseudospiralisفي القوقاز والهـند وهي تتعلق أيضا بدورات برية .

وفي الدورة الزونوسية المشتركة مع الإنسان يكون المصدر الرئيسي، بل الوحيد من الناحية العملية، لعدوى الإنسان هو لحم الخنزير. ولعل هذه الدورة قائمة على العادة المتبعة في أنحاء العالم من تربية الخنازير على القمامة، وعادة الخنازير الذميمة مرة ترمم الفضلات والنفايات، إذ أن القمامة تحوي بقايا لحوم خنازير مصابة ، وهي شيء شائع في تلك البلاد، حتى أن أحد الباحثين يسمى دودة التريكنلا "دودة القمامة" وهكذا تجتمع الدودة مع الخنزير في القذارة والرجس. ولاحظ بعض الباحثين أن الخنازير تصاب أيضا نتيجة أن بعضها يأكل أذيال بعض، على الأخص في المرابي المكتظة بها. بيد أنه من المعتقد أيضا أن الجرذان تقوم بدور قد يكون رئيسيا في نشر العدوى، فالجرذان تصاب بالمرض إذا أكلت ما ينبذ من لحوم الخنازير المصابة. وتعدي الجرذان بعضها بعضا لأنها تأكل لحوم بعضها البعض حية وميتة. ئم تنتقل العدوى من هذه الجرذان إلى الخنازير إذا أكلت جيفها في أكوام القمامات. وهكذا تحدث دورات مختلفة؟ من جرذ الى جرذ، ومن خنزير إلى جرذ، ومن جرذ إلى خنزير، ومن خنزير إلى خنزير، ثم من خنزير إلى إنسان... وتكون هذه نتيجة بائسة للإنسان التعيس والدودة أيضا، لأنه بالنسبة للدودة طريق مسدود.

ومن طريف ما يذكر بهذا الصدد أن باحثا نشر حديثا (1983) أن عدوى الفئران بالتريكنلا يغير من سلوكها بطريقة ما، ربما بإضعاف مقدرتها على التجول واستكشاف ما حولها مما يجعلها أكثر تعرضا لوقوعها فريسة سهلة للمعتدين، وهذا بدوره يعمل على زيادة فرص انتشار الطفيلي. ويجدر التنويه منا بأن البحوث قد أسفرت مؤخرا عن اكتشاف، جرذين نرويجيين مصابين بيرقانات التريكنلا في الكويت، أحدهما من المنطقة المأهولة والآخر من الصحراء ، ولعل ندرة الإصابة وعدم تربية الخنازير في الكويت وعدم استيراد لحومها أمور لا تبعث على القلق من هذه النتيجة التي ما تزال في حاجة إلى تعليل، ولكنني دائما أدعو إلى الحذر الهادىء الحكيم.

ومن أعجب ما أثار انتباهي في هذا الباب ما جاء في خلاصات بحوث المؤتمر الدولي العاشر لطب المناطق الحارة والملاريا، الذي عقد في مانيلا في نوفمبر عام 1980، من أن جماعة من الباحثين الألمان  ذكروا أن خمسة من الشبان في أحد مراكز الشباب الألمانية ظهرت عليهم أعراض مرض التريكينا المتنوعة، وذلك نتيجة تناولهم "لحم جمل مجفف في الهواء، مستورد من مصر" قدم في حفل كلون نادر من أطايب الطعام. وذكر الباحثون أنهم شاهدوا اليرقانات المتحركة في عينة من عضلة "سمانة" باطن الساق من أحد المصابين، وأنهم عالجوهم ببعض المستحضرات الحديثة التي أشرت إليها
من قبل. وتثير القصة كثيرا من التساؤلات:-

فمثلا هل فحص الباحثون لحم الجزور المتهم؟ فإن لم يكن ذلك فكيف اتهموه بالذات وهم في بلد ليس من النادر فيه الإصابة بالتريكينا بتناول لحوم الخنازير؟

وهناك احتمالات شتى، ولكنها أنباء تدعو على أية حال للاهتمام والحذر. ويذكر تقرير خبراء هيئة الصحة العالمية  أن وباء شديدا قد نشأ من تناول لحم خيل، ثبت أنها سمنت على طعام به بقايا من الخنازير والجرذان والفئران !

8- الى أي مدى، يمكن توقى مرض التريكينا فى البلاد الموبوءة؟

كثيرا ما تثار الحجة التالية: ولم لا تربى الخنازير تربية صحية نظيفة؟ ولم لا تتخذ الوسائل الكفيلة باكتشاف اللحوم المصابة وإعدامها؟ ولم لا تتخذ الاحتياطات التي تضمن توقي العدوى؟ وأبسط ما يرد به على ذلك: هب أن هذا كله كان ممكنا في مكان معين وفي ظروف معينة، هل يمكن تحقيقه لكافة البشر في سائر الأماكن وفي كل الظروف؟. أليس الأولى عدم المخاطرة ومن نجنب المهالك؟... بل الحقيقة أن هذه الوسائل كلها لم تكن مجدية- في واقع الحال- في أي- زمان أو مكان.  

ويأتينا الدليل من الولايات المتحدة، ومستوى المعيشة فيها ما نعلم. فبينما نرى أن أفقر قطر إسلامي مالا قد نجا أو كاد- من هذا البلاء، نجد أن الولايات المتحدة بها ثلاثة أمثال ما في العالم أجمع من الإصابات، ونظرا لأن معظم الإصابات لا يكتشف- إذا لم يكن شديدا - أو يساء تشخيصه لتعدد أعراض المرض وشدة تنوعها، فإنه ليس من اليسير التوصل إلى النسب الصادقة للإصابة في أي مكان. وقد وجد بعض الباحثين أنهم قد كشفوا عن 322 حالة بالفحص بعد الوفاة، كان في بعضها نحو من ألف يرقانة  في كل جرام واحد من عضلاتهم المصابة. ومع ذلك لم يسبق تشخيص أية حالة منها. ويذاكر تشاندلر وريد أن نسبة الإصابة تتراوح بين 5% و37% في الولايات المختلفة، ولو أن سميث  يذكر عام 1976 أن النسبة قد انخفضت فيما بعد إلى نحو 4% (وهو رقم غير قليل). ويذكر نلسون أن الحكومات كثيرا ما تتكتم أخبار أوبئة التريكينا التي تنتشر في بلادها فجأة، ربما خوفا من أن يؤثر ذلك على صادراتها من اللحوم. ومن ذلك القبيل وباء شب في أيرلندة عام 1969، وكذلك في بولندة حيث يبلغ المرض درجة كبيرة من الخطورة.

ولكن ما هي التدابير التي يتخذها القوم هناك لوقاية الخنازير وآكليهما من دودة التريكنلا ؟  في  الولايات المتحدة نحو من مليون ونصف مليون خنزير تربى كليا أو جزئيا على القمامة التجارية (إحصاء غير حديث)، وتسن القوانين في الولايات المختلفة، لضبط هذه التجارة، منها قانون يقضي بتعريض القمامة للبخار الساخن نصف ساعة على الأقل قبل تقديمها للخنازير. وفي سخرية بالغة يذكر تشاندلر وريد  ، ونلسون  أن تعرض الخنازير لمرضى فيروسي فتاك، ينتقل أيضا من القمامة، هز المسئولين وأرباب تجارة الخنازير أكثر من اهتمامهم بصحة خمسة وعشرين مليونا من البشر، بل بحياتهم في كثير من الأحيان! ثم ما هي نتيجة هذه الجهود الكبيرة؟. يقدر أن نحوا من 5% من خنازير بوسطن ونحوا من 5, 18% من ذبائح ميتشجان مصاب بهذه الآفة. ويقدر أن كل أمريكي من آكلي لحم الخنزير يتناول في حياته نحوا من مائتي وجبة من اللحم المصاب. وقد قدر بعض الباحثين أن ابتلاع الإنسان خمس يرقانات لكل جرام من وزن جسمه يعرضه لإصابة قاتلة. ويذكر تقرير خبراء هيئة الصحة العالمية  أن مزارع للخنازير في الولايات المتحدة لم تتخذ القمامة فيها غذاء للحيوانات، بلغت نسبة الإصابة فيها أكثر من50 % ، وقد ثبت في تلك الأحوال أن الخنازير قد أخذت العدوى من الجرذان!

أما اللحم نفسه فإن معالجته بالكوبالت والسيزيوم المشعين تصيب بالعقم الديدان الناشئة مما فيه من حويصلات، ولكن هذا الإجراء فني دقيق وليس من الميسور تطبيقه، والتجميد السريع بالتبريد ثم التخزين الطويل في درجات للحرارة شديدة الانخفاض يقضي على الطفيليات الدفينة في اللحم. وتقضي التعليمات الصحية في الولايات المتحدة بخزن لحوم الخنازير التي تؤكل غير مطهية عشرين يوما كاملة في درجة حرارة 15 م تحت الصفر. كذلك الحرارة الشديدة تقتل اليرقانات ،  ولذلك  يوصي بغلي لحوم الخنازير فترة تتناسب مع أحجامها. وفي هذا تتفاوت التقديرات فيقدر بعض الباحثين أن نحوا من أربعين دقيقة كاف لذلك، بينما يقدر بعضهم أن غلي قطعة من لحم الخنزير مدة ساعين لا يكاد يجعل حرارة قلبها، الداخلي تتجاوز 45 م. أما الشي والقلي فيتمان سريعا في المعتاد، ومن ثم فهما ضعيفا الأثر في قتل اليرقانات الدفينة. ومن هذا يتبين خطورة أكل " سجق " الخنازير واللحوم المقدمة في حفلات "البار بيكيو".

ولقد اقت

17
قسم اسئلة علم الحيوان. / ابي بحث اذا تكرمتوا
« في: أكتوبر 13, 2005, 03:47:30 مساءاً »
"تاريخ مرض اللشمانيا الجلدي
                          ودور العلماء المسلمين فيه"

                      دكتور/ عبد الحافظ حلمي محمد والدكتورة/ منى التقي
                                         الكويت


ملخص:-

يحظى مرض اللشمانيا الجلدي بكثير من عناية الباحثين المعاصرين والسابقين وهذا البحث قاصر على صور المرض الجلدية التي تعرف باسم "قرحة الشرق" بصفة عامة. وللمرض قرحة تقيم المصاب بأثر يبقى في مكان ظاهر من جسمه طيلة حياته ومن ثم كان الاهتداء إلى وصفها في المراجع القديمة أمرا ميسورا نسبيا وعلى جانب كبير من الوثوق في معظم الأحيان.
بيد أن الإشارة العابرة إلى ما سمي "دمل النيل " في بردية ابرس المصرية ليس فيها أي دليل على أن هذا الدمل كان حبة الشرق بالذات، كذلك يفند المؤلفان ما قيل من أن الدمامل والبثور التي أصاب الله بها قوم فى عون (سفر الخروج) أو" قرحة مصر" المذكورة بين اللعنات التي يصبها الله على العاصيين (سفر التثنية) هي قرحة الشرق، وذلك لحجج علمية متعددة، فضلا عن أن ذلك كان في حكم المعجزات والخوارق التي لا تعلل، ولا توضح موضع التحليل العلمي. ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يذكر شيئا من ذلك بين النقم الخمس التي صبها الله على قوم فرعون (سورة الأعراف/ الآية 133) كما لم يذكرها المفسرون بين الآيات التسع المذكورة في (سورة الإسراء/ الآية 101)
ويشير التراث إلى أن المرض لم يسجل في كتابات حضارات السومرين والبابليين والآشوريين، مما يدل على خلو ارض ما بين النهرين من هذا المرض في ذلك الوقت بينما كان متوطنا في الشرق في بلخ وحول جرجان، ومن آسيا الصغرى انتقل في وقت لاحق إلى العراق والشرق الأوسط. ويعتقد بعضا الباحثين أن المرض جاء مع الغزاة التترين، ويعتقد آخرون انه انتشر  
بإمداد طبيعي متدرج مع التكيف المستمر لأنواع جديدة من ذباب الرمل الناقل له.
وقد ذكر ابن سينا المرض باسم "البلخية" (نسبة إلى مدينة بلخ) في "الفن" السابع من الكتاب الرابع من "القانون " مشيرا إلى احتمال أن يكون "سببها لسعا مثل البعوض الخبيث.. " والتتبع اللغوي لما يقصد بلفظ "البعوض "، يسمح بان يندرج تحته ذبا ب الرمل. وهذا الاحتمال لم يتأكد بالتجربة العلمية. إلا في القرن العشرين. وكان ظن ابن سينا صائبا، بينما المعتقدات، القديمة كانت ترد المرض إلى ماء الانهيار أو الهواء أو أكل التمر.

تقديم:-
يحظى مرض اللشمانيا الجلدي بكثير من عناية الباحثين المحدثين في شتى نواحي الدراسات والبحوث الطفيلية والوبائية والعلاجية، وهم لا يهدفون من بحوثهم إلى الغايات الطبية العملية وحدها، وانما هم يبتغون منها أيضا فهم بعض الجوانب الهامة من العلاقة المتبادلة بين الطفيليات وعوائلها لا سيما الكشف عن كثير من أسرار المناعة بصفة عامة. والمناعة الخلوية على وجه الخصوص. وقد حاول ثلاثة من الباحثين (9) حصر المراجع المتعلقة بالموضوع، والتي نشرت حتى نهاية عام 978 1، فجمعوا منها نحوا من 1200 بحثا، شغلت عناوينها مجلدين يقعان في زهاء0 0 7 صفحة. ورغم الجهد الصادق الذي بذله هؤلاء المؤلفون ومعاونوهم بغية أن يكون جمعهم شاملا كاملا فإنهم توقعوا أن يكون بعض المراجع قد أفلت منهم، وقد صدق ظنهم فان ثلاثة من المراجع التاريخية الخمسة المكتوبة باللغة الانجيلزية والتي سوف نشير إليها في بحثنا هذا غير واردة في دليلهم الببليوجرافي المفيد.

وقد أفدنا فائدة كبرى من البحث الذي نشره بر نجل Pringle عام 1957 (10) والذي استعان بدوره ببحث سابق نشره الجود Elgood عام1934 (11)، وقد أشار كلاهما إلي مراجع قديمة عربية وغير عربية. وقد بذلنا غاية الجاهد في الاطلاع على تلك المراجع في مظانها الأصيلة، ولكن بعضا منها لم نستطع بعد تتبعه أو الوصول إليه. وعلى أي حال سوف نتناول في بحثنا هذا بالتحليل والتمحيص والمناقشة أهم ما بلغنا بصورة مباشرة وغير مباشرة، ولو أننا نعتقد أن متابعة البحث في تراثنا العربي سوف يكشف عن مزيد من التفاصيل.

نبذة عن المرض:-

من العسير الإيجاز في موضوع يحظى بهذه العناية كلها من العلماء، ولكننا سوف نشير إلى أهم النقاط التي تتعلق ببحثنا التاريخي هذا.

اللشمانيا جنس من سوطيات الدم الترييانوسومية تسبب أنواعه طائفة من الأمراض بعضها جلدي، وبعضها جلدي مخاطي أي يمتد إلى الأغشية المخاطية، وبعضها جهازي حشوي. وسوف نقصر كلامنا على المرض الجلدي، وبالذات من الصور التي يسببها نوع Leishmania tropica لأنها هي المتعلقة بالمنطقة التي نتعرض لها تاريخيا في هذا البحث، فتلك الصور الجلدية متوطنة أو معروفة في كثير من البقاع الممتدة من بعض مناطق الهند والصين إلى جنوب شرقي روسيا إلى آسيا الصغرى إلى مناطق حوض البحر المتوسط من جنوبي أوروبا ثم إيران والعراق والجزيرة العربية ومنطقة الخليج ثم مناطق من شمالي وأواسط وغربي أفريقيا.

وينتقل المرض بفعل أنواع من ذباب الرمل من جنس phlebotomus    أو بصور متنوعة من الملامسة أو العدوى المباشرة. ويتكاثر الطفيلي في موضع العدوى في الخلايا الشبكية البطانية، وتمتد حضانته بضعة أسابيع أو أشهر تظهر على آثرها عقيدة أوثولول يأخذ في النمو البطيء ثم يتباين تطوره، وفقا لعوامل متعددة أهمها سلالة الطفيلي وجرعة العدوى. واذا تجاوزنا عن التنوع الواسع وعن كثير من نقاط الخلاف العلمي يمكننا القول بأن أهم السلالات التي تصيب الإنسان في منطقتنا من العالم ينتمي إلى نوعين:

ا. L. tropica tropica (= minor) وهذه تسبب الصورة المعروفة باسم الصورة الحضرية أو المدنية (Urban) وفيها لا تتفرج الإصابة أو تتسع كثيرا ولا تنز، ومن ثم تسمى بالصورة الجافة.
2. L.tropica major: وهذه تسبب الصورة المعروفة باسم الصورة الريفية (rural) وفيها التقرح أسرع وأوسع، كما أن القرح ينز، وكل ت ثم تسمى بالصورة الرطبة.

ومهما يكن من أمر فان القرحة يغلب أن تندمل تلقائيا بعد نحو عام أو أكثر، إن لم تعالج، مخلفة وراءها مناعة وندبة مميزة تبقيان مع المصاب طيلة حياته. وفي معظم الأحوال يكون عدد الندوب قليلا ولكنها تسم الجسم في مواضع ظاهرة كالوجه والعنق واليدين والذراعين والقدمين والساقين، مما يجعلها غير خافية لا تخطئها العين ولا تلتبس أوصافها في سجلات التاريخ. ونظرا لهذه المظاهر كثيرا ما يطلق على المرض أسماء تدل على بعض صفاته أو تنسبه إلى أماكن توطنه ومن ثم كانت الأسماء:- حبة بغداد أو الأخت، حبة بلخ أو البلخية، قرحة حلب حبة السنة، القرحة الأرمينية، قرحة دلهي، قرحة الصرت والبنده (في تركستان).. الخ أو بعض الأسماء الوصفية بلغات الأقوام المحلية. ولكنا سوف نثير إلى المرض باسم من اشهر أسمائه وهو (قرحة الشرق) إذا أردنا التعميم.

وفي بعض المناطق يتخذ ا لمرض شكلا مثاليا للأمراض الحيوانية البشرية Anthropozoonosis، فتقوم بدور العائل الخازن أنواع معينة من القوارض وقد يقوم الكلب بهذا الدور أحيانا ((12-13-14-15)

هل ذكر المرض في التوراة والقرآن الكريم؟

يعتقد برنجل (10) أن أقد م ما حفظه التاريخ عن قرحة الشرق هو ذكر ما سمي (دمل النيل " في بردية ابرس المصرية الشهيرة، منذ نحو أربعة آلاف سنة، وهذا مجرد ظن لا يقوم عليه دليل. وكذلك يظن برنجل أن هذا هو المرض الذي سلطه الله على قوم فرعون، وجاء في الإصحاح التاسع من سفر الخروج: "ثم قال الرب لموسى وهارون خذا ملء أيداكما من رماد الأتون، وليذره موسى نحو السماء أمام عيني فرعون. ليصير غبارا على كل ارض مصر، فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور في كل ارض مصر" (الخروج، 9: 10، 11).

أما في سفر التثنية، الذي يظن انه جمع بعد سفر الخروج بنحو ثلاثة قرون، فيأتي ذكر "قرحة مصر ضمن اللعنات أو الضربات الكثيرة التي يصبها الله على العاصيين من بني إسرائيل وترددت في الفقرات 15- 68 من الإصحاح الثامن والعشرين،، يكتفي منها بهاتين الفقرتين: "يضربك الرب بقرحة مصر وبالبواسير والجرب والحكة حتى لا تستطيع الشفاء. يضربك الله بجنون وعمى وحيرة قلب " (التثنية 28: 27، 28).

ولعل الذي أغرى  برنجل بالظن بأن مرض اللشمانيا الجلدي، وارد بين تلك اللعنات هو ذكر ما سمي "قرحة مصر" بينها، فان هذا يستدعي للذاكرة شيئا متعلقا بذلك المرض، وهو انه كثيرا ما يسمى محليا بنسبته الجغرافية إلى بلد ما، كما ذكرنا، ولكن هناك استنتاجات لا تؤيد ذلك الظن، فإننا حتى إذا سلمنا بأن الخوارق والمعجزات الإلهية تقبل التحليل العلمي الذي لا يختص إلا بدراسة الظواهر والنواميس الطبيعية المعتادة، لم نجد أن الذي نفهمه من النصوص يسمح لنا بأن نذهب ذلك المذهب، وهذا لعدة وجوه:
أولها أن المرض المشار إليه مما ينتشر بالهواء، مع الغبار محمولا بالرياح، بينما المرض اللشماني ينتقل بالحشرات أو التلامس المباشر إذ انه ليس لطفيليات اللشمانيا طور بوغى يتحمل الجفاف وتذروه الرياح.

وثانيها أن المرض اللشماني الجلدي قد يصيب القوارض، ولكن ليس من المألوف انه يصيب من كبار الثدييات في الطبيعة سوى الكلاب، وهذا لا ينطبق على ما جاء في النص من إصابة "البهائم" (في النص العربي) beasts (في النص الإنجليزي) للتوراة.

وثالثها أن مرض اللشمانيا الجلدي يكون في المعتاد بطيء الانتشار بين الناس بطيء النمو في المصاب محدود الانتشار في الجسم فالقروح لا تتعدد كثيرا  في الأحوال قليلة وعند تعدد لدغات الذباب ولا تتسع رقعتها إلا في بعض السلالات أو بسبب تلوثها بالعدوى الثانوية، كما أن المرض غير فتاك أو معوق أو مسبب لأعراض جسمية عامة. وهذا كله في جملته لا يجعل المرض مثلا للعنة رادعة أو تهديد مروع. وسوف نذكر فيما بعد سببا آخر لرفض افتراض برنجل سببا مبنيا على تصورنا لانتشار المرض عبر التاريخ.

ونود أن نشير هنا إلى  أن القرآن الكريم لم يذكر ذلك المرض بين النقم التي صبها الله على قوم فرعون: (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فلا نحن لك بمؤمنين. فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين) (الأعراف/ 132، 133). وجاء في سورة الإسراء قوله تعالى: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات، فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون أنى لأظنك يا موسى مسحورا" (الإسراء/ 101). ويختلف المفسرون في إحصاء تلك الآيات التسع، فمنهم من لم يذكر بينها شيئا له أدق صلة بمرض جلدي، ومنهم من عد الجرب من بينها. ومن المناسب هنا أن ندلي بملاحظة أبداها. موريس بوكاي ( ا) في كتابه عن "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة" من أن التوراة" تعطي تفاصيل كثيرة عن كل ضربة من هذه الضربات وهناك عدة من هذه العقوبات تتسم ب!جانب وبعل! خارقين. أما القرآن فهو يعد خمسة فقط من هذه الضربات وليست في معظمها إلا مبالغة لظاهرات طبيعية 00) (ص 257).
ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن النص في سفر الخروج من التوراة يفيد بأن الذي ذره موسى عليه السلام كان رماد أتون، أي مادة تكون بحكم المعتاد الغالب معقمة أو تكاد. وهذا يؤكد معنى الإعجاز الذي لا يخضع للتحليل العلمي ويذكرنا بما ذهب إليه بعض  المفسرين السابقين للقرآن الكريم من أن الطير الأبابيل قد أصابت جش ابرهة بالجدري والحصبة حين رمتهم بحجارة من سجيل، وان هذا هو منشأ هذين المرضين. وقد توسع في هذا المعنى الشيخ الأمام محمد عبده فلم يستبعد أن تكون الطيور المشار إليها في سورة الفيل بعوضا أو ذبابا يحمل جراثيم بعض الأمراض أو أن تكون هي تلك الجراثيم
 بذاتها، وقد نقد هذا الاتجاه الشيخ محمد صادق عرجون (2) الذي ذكر أيضا أن ابن الأثير رفضه قديما في تاريخه الكامل فقال" وقال كثير من أهل السير أن الحصبة والجدري أول ما رُئيا في بلاد العرب بعد الفيل، وهذا مما لا ينبغي أن يعرج عليه... فإن هذه الأمراض.. قبل الفيل منذ خلق الله العالم " (عرجون، 1977: 22، 23). ولا يفوتنا أن نتأمل  هذا الجمع بين الجدري والحصبة والخلط المزمن بينهما، وهي مشكلة لم يحلها إلا أبو بكر الرازي في كتابه المشهور في التفريق بينهما.

قرحة الشرق في كتابات علماء المسلمين:

لاحظ برنجل أن ما سجل في ارض ما بين النهرين، من حضارات السومريين والبابليين والآشوريين، عن الطب والعلاج ليس فيه ما يشير إلى وجود مرض جلدي يمكن أن يكون لشمانيا، كما أن المصنفات التي ألفت في مراكز العلم في جنديسابور وبغداد قد خلت أيضا من مثل ذلك. ويدعم برنجل هذا بأن كتاب "الذخيرة" (الذي ينسبه لثابت بن قرة) (1) قد احتوى على فصل كبير عن الأمراض الجلدية ولكنه خلو من أي ذكر لشيء من قبيل قرحة الشرق، مع ثابت- والقول لبرنجل- كان يعيش على شاطئ الفرات غير بعيد عن حلب ولا بد انه كان على تمام المعرفة بالأمراض الجلدية في وسط العراق.

ومعنى هذا أن قرحة الشر ق لم تكن قد دخلت العراق أو بلاد الشرق الأوسط حتى ذلك الوقت. بيد أن المرض كان متوطنا منذ القدم بعيدا في الشرق، فيذكر الجود   Elgood  انه كان معروفا في بلخ التي كانت إحدى عواصم خرا سان القديمة، والتي تدخل الآن ضمن أراضى الاتحاد السوفيتي المتاخمة لأفغانستان، وان الوصف الذي جاء في كتابات أبى المنصور، حسن بن نوح البخاري (المتوفى نحو عام 991 م) لا يدع مجالا لشك أو لبس. كذلك يذكر أن الشيخ الرئيس غليا بن الحسين بن عبد الله بن سينا (المتوفى نحو عام 28 4 هـ- 37 0 1 م)) شار إليها في القانون باسم قرحة بلخ " (وسوف نعود إلى هذا فيما بعد)، كما أن هذا الاسم جاء في الكتاب الكبير(1) الذي جمعه سيد إسماعيل بن الحسن الجر جاني نحو عام 1130م، والذي ذكر أن القرحة كانت متوطنة في بلغ في ذلك الوقت حيث كانت تسمى (باشا- جازيداجي أي قرصة البعوض كذلك كانت في دهستان بالقرب من جرجان حيث كانت تعرف باسم "ساكر وهو لفظ محرف عن آخر يعني "البعوض " أو "قرص البعوض ".
وظلت "قرحة الشرق " متوطنة في تلك المناطق حتى القرن الخامس عشر الميلادي، حين كتب عنها منصور بن محمد بن احمد بن يوسف بن الفقيه الياس، مسميا إياها "البلخية"... ثم جاء أول ذكر للمرض في الشرق الأوسط بعد ذلك بقليل إذ ذكر بهاء  الدولة بن قوام الدين قاسم نربكش الرازي، في كتابه المؤلف نحو عام 1500 م والمسمى خلاصة التجارب " أن المرض، منتشر في بغداد، ومن ثم عرفه بعض الناس باسم "حبة بغداد" ويذكر (الجود) أن المرض كان معروفا في المناطق الشمالية الشرقية من آيبان حيث أطلق عليه اسم "الحبة الأرمينية"ولكنه لم يظهر في بلاد الهضبة الوسطى لإيران إلا في القرن التاسع عشر فظهر في إيران نحو عام 1835 وفي طهران 1840.

السجلات الأولى للمرض في كتابات الأوروبيين:

وثمة مركز آخر لتوطن المرض، وهو حلب وما حولها، ولكن الزمن كان قد دار دورته، فنجد أن أول من أرخ له في منتصف القرن الثامن عشر أوروبيان هما طبيب يدعى الكس رسل عام  
1956"16" ورحالة يدعى عام 1765 (17). وقد ذكر رسل إن الأوروبيين كانوا يسمون المرض " داء حلب أو نقمة حلب   أما أهل حلب أنفسهم فكانوا يسمونه "حبة السنة" وكانوا يميزون بين صورتين للمرض: ذكر وأنثى فأما الصورة الذكر فهي اقرب إلى ما يعرف اليوم بالصورة الحضرية الجافة، وأما الصورة الأنثى فهي اقرب إلى ما يعرف اليوم بالصورة الريفية الرطبة. وقد أضاف الأهالي إلى هاتين الصورتين صورة ثالثة كانوا يعتقدون أنها تنشأ من قرصة نوع من أنواع ذوات الأرجل الألف (والأرجح إنها من مخلبية الأرجل أو ذوات الأرجل المائة، كأم أربع وأربعين).
ونكتفي بهذا القدر مرة التاريخ، إذ أن ما بعده داخل في نطاق ما تكتبه المراجع الطبية المعتادة، ولا يعنينا في بحثنا هذا، إلا في حدود، ونود أن نتناول بشيء من التحليل والمناقشة بعض النقاط التي تعرض لها عرضنا التاريخي السابق.
(1) يسميElgood هذا الكتاب بالإنجليزية( system of medicine  ولم نهتد إليه بعد.

قرحة الشرق في "قانون " ابن سينا:

خصص ابن سينا كتابه الرابع من القانون (4) " للأمراض التي لا تختصر بعضو بعينه والزينة"، وقسم هذا الكتاب  على سبعة فنون وكل فن يشتمل على عدة مقالات وكل مقالة تشتمل على فصول ". وقد جاء ذكر ما نعتقد انه مرض اللشمانيا الجلدي في المقالة الثالثة من الفن السابع عن "الزينة"، وعنوان هذه المقالة هو "فيما يعرض للجلد لا في لونه، لانه سبق أن تكلم في المقالة الثانية عن (أحوال الجلد من جهة اللون. وقد جاء اسم المرض في عنوان أول فصل من فصول المقالة الثالثة: فصل في السعفة والشيربنج والبلحية والبطم ". وقد ذكر لفظ "البلحية" هذا ثلاث مرات في المتن ومرة في فهرس الكتاب، وكلها في الطبعة التي بين أيدينا- بالحاء المهملة، فكأنها منسوبة إلى البلح. وبعض المراجع الإنجليزية (18) يذكر من بين أسماء المرض اسم ( Date Mark) يطلق عليه في العراق. ولكننا رجحنا أن هذا من أخطاء النساخ أو الطابعين، وأن صحته "بلخية" أي بالخاء المعجمة المنقوطة، وذلك لأسباب:
أولها أن الاسم اشتهر في أول أمره منسوبا إلي مدينة بلخ في خرا سان- كما تقدم،
وثانيها أن برنجل يذكر أن ابن سينا كتب عن  (Sore of Balkh)، استنادا على الطبعة التي استقى منها معلوماته (بصفة غير مباشرة) (1)، وثالثهما أن أهل العراق يشيع على ألسنتهم لفظ "التمر" لا البلح " وقد أكد لي زملاء عراقيون هذا الرأي ذاكرين انهم لا يعرفون  للأخت أو حبة بغداد اسما منسوبا إلى التمر أو البلح.
والذي يلفت النظر أن ابن سينا لم يورد المرض في عدة مظان قد يلتمسه فيها الباحث، فهو لم يدرجه مع الأورام والبثور في الفن الثالث، ولا   في المقالة الثالثة عن القروح من الفن الرابع- وعلى الأخص في الفصل الخاص "بالقروح العسرة الاندمال "، ولا في المقالة الخامسة عن لسوع الحشرات والرتيلاوات وعضوضها من الفن السادس، وانما ذكره في الفن السابع عن الزينة، كما تقدم. وعلى أي حال يبدو كما لو أن ابن سينا لم يكن مرتاحا تماما لهذا الوضع فإنه يقول في أول- الفصل، وكأنه يعتذر: "السعفة من جملة البثور القرحية، وقد جرت العادة في أكثر الكتب إنها تذكر في أبواب الزينة (ص 287). وقد ذكر ابن سينا أن علاج البلحية من جنس علاج السعفة الرديئة ووصف دواء له "قويا مجربا نافعا جدا (ص 288)،،-لكن لا تعليق لنا على هذا فإنه لا يدخل في اختصاصنا، ولو انه من المعروف أن مرض اللشمانيا الجلدي لم يعرف له علاج ناجح إلا باستخدام بعض المضادات الحيوية عن الطريق الجهازي.
وتفيد المعاجم إن السعاف "شقاق حول الظفر وتقشر"، ولكن (المعجم الوسيط ) يذكر أن مجمع القاهرة للغة العربية قد عرف السعفة على أنها "مرض جلدي فطري يتميز بلطخ حلقية خضابية مغطاة بحراشف وحويصلات، ويشبه القرع  أما الوصف الذي يذكره ابن سينا للسعفة (وهي ليست البلخية أي قرحة الشرق) فهو كما يلي: "والسعفة تبتدئ بثورا مستحكة خفيفة متفرقة في عدة مواضع ثم تتقرح قروحا يشبه خشكر وتكون الى حمرة وربما سيلت صديدا وتسمى شيربنجا وسعفة رطبة وربما ابتدأت قربائية يابسة كثيرا ما تثور في الشتاء وتزول بسرعة ص 287. ويرى الدكتور محي الدين سليم، خبير الأمراض الجلدية في الكويت أن هذه الأوصاف تنطبق على التهابات الجلد الاكزيمية باعتبارها وصفا لمجموعة من الادواء متعددة الأسباب (الايتيولوجية).

  علية المرض (ايتيولوجيته):

ذكر ابن سينا أن "البلخية" ربما كان سببها لسعا مثل البعوض الخبيث.. ولعل هذا الشك فضلا عما تقدم من اتباعه نسق السابقين، هو الذي جعله لم يذكر هذا المرض بين الادواء الناتجة من لسع الحشرات. ونود أن نبرز هنا أولا أن لفظ البعوض في لغة العرب لا ينصرف بالضرورة الى الحشرات التي تعرف بهذا الاسم في  التصنيف العلمي، وتقول بعض معاجم اللغة أن البعوض "حيوان عضوض " ويقول الجوهري أن البعوض هو البق، ولا يوافقه في ذلك الدميري (7) في كتابه المشهور "- حياة الحيوان الكبرى" (القرن الرابع عشر الميلادي الثامن الهجري) ويقول انه يسمى  بالعراق والشام الجرجس، لغة  في القرقس وهو البعوض الصغار. وفي مادة قرقس يقول الدميري ثانية أن القرقس هو البعوض، ثم يقول (يستحب قتل المؤذيات للمحرم وغيره، كالحية والعقرب.. والبرغوث والبق والزنبور والقراد والحلمة والقرقس... وما أشبهها"، فهو إذن يفرق بين القرقس والبق والقراد.) ما    القزويني (8، فيقول في "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات " (القرن الثالث عشر الميلادي- السابع الهجري) عن البعوض: "ولها خرطوم أدق شي؟ يمكن أن يقال، ومع دقته مجوف حتى يجري فيه الدم الرقيق، وخلق في رأس ذلك الخرطرم قوة يضرب به جلد الفيل والجاموس ينفذ فيهما. والفيل والجاموس- يهربان من البعوض في الماء فسبحان من لا يعرف دقائق حكمه إلا هو". (ص "32). فهذا الوصف البديع بليغ في الإشارة الى حشرة ماصة للدماء تطير. وغني عن القول إن الخلاف في هذه المسميات راجع الى ما نجده الى اليوم من اختلاف بين اللهجات العربية المحيلة في تسمية تلك الحشرات. فلا يستبعد إذن أن ابن سينا كان يشير الى حشرات طائرة لاسعة، كصغار البعوض، وهذا يتفق مع صورة ذياب الرمل. وليس في هذا الكلام  تجوز كثير فلسنا نقصد منه أن ابن سينا كان يعرف أن ذلك البعوض الصغير كان ينقل مرضا طفيليا، وانما كان يظن أن لسعه هو الذي يسبب المرض، وهذا أمر يسهل إدراكه على كل إنسان دقيق الملاحظة.
وشيء عن هذا القبيل- جاء أيضا في تلك التسميات التي ذكرنا أن المرض كان معروفا بها في بلخ وبالقرب من جرجان وكانت تعني "البعوض" أو قرص البعوض ولكن الأقوام اختلفت نظرتهم الى علة المرض، فانتشار المرض في حلب وعنتاب على شواطئ نهري الساجور والقويق جعلت الناس هناك يتهمون الماء، كما يقول رسل (16)، بينما يذكر بوكوك (17) آن الماء في حلب خاصية معينة تبتلى من يشربه من الأغراب بالقرح. ويبدو انهم خصوا الأغراب بالذكر، لان المواطنين يكونون قد اكتسبوا المناعة من المرض بتعرضهم له من صغرهم. أما بكنام  سنة1827فقد كان اكثر تحوطا فقال إن الطفح الجلدي أو "الدودة" المسببة له يتولدان من الماء في حلب أو من الهواء في أورفة (شمال شرقي حلب)، وقد ذكر ونيون (14 عام 1911 أن القوم في العراق يربطون بين انتشار المرض وموسم التمر، حتى انهم قد ردوه الى آكل التمر أو الإصابات الناجمة من أطراف سعف النخيل الشائكة. وواضح عندنا اليوم أن هذا الارتباط هو ارتباط موسمي متعلق بالحشرة الناقلة والظروف الأخرى المتعلقة بانتقال المرض. وكان ونيون يشك كثيرا في ذباب الرمل، وغيره من الحشرات الماصة للدماء، ولكن هذه القضية لم تحسم بالتجارب الدقيقة إلا في العقد الثالث من  القرن العشرين ولم يصدر القول بالفصل فيها إلا في اوائل العقد الخامس من هذا القرن.

تاريخ انتشار المرض.

تختلف الآراء فى وضع النظريات المفسرة لتطور العلاقة بين الطفيلي وعوائله الأولى من القوارض والحشرة الناقلة ثم دخول الإنسان بمراتب متدرجة في هذه الحلقة ولكن هذا ليس داخلا في مجال بحثنا هذا وإنما سوف نكتفي بالإشارة بإيجاز الى ناحية واحدة من تاريخ انتشار قرحة الشرق وذلك أن الراجح أن المرض قد غزا الشرق الأوسط من بؤرة في أسيا الوسطى حيث كان المرض قاصرا على إصابة القوارض به وتنقله ذبابة النمل (10) ثم انتقلت العدوى الى الإنسان وتوطدت به عند احتلاله لمناطق المراعي في آسيا الوسطى ثم استقر به المقام في المدن، كبلخ وجرجان. وقد سبق أن ذكرنا أن اقدم ما حفظه التاريخ من سجلات المرض كانت من هناك، بينما كانت مناطق ما بين النهرين خالية منه. ويرى برنجل (10) هذا الرأي، وهو يناقض ظنونه عن وجود المرض في مصر الفرعونية القديمة، اعتمادا على تفسيره لنصوص التوراة، وهو رأي سبق أن فندناه.

ويرى (إلجود) (11، انو. جحافل المغول الزاحفة هي التي حملت المرض معها من خرا سان إيران الى بغداد. ويرى برنجل (10) إن انتشار المرض كان طبيعيا مع الزمن اذ أخذ يقفز من مرتكز الى مرتكز حتى وصل الى بغداد، ومنها الى غيرها، مع تكيف الطفيليات ا لأنواع أخرى من الحشرات الناقلة من الجنس نفسه. ولسنا بصدد مناقشة أي من الرأيين، ولكن الذي نود أن نبرزه بشان ما جاء في كتابات العلماء المسلمين عن وجود المرض، نفيا أو إثباتا، هو الذي مكن العلماء في القرن العشرين من  دراسة الانتشار التاريخي لمرض قرحة الشرق في فترة انفرد فيها العلماء المسلمون بحمل أمانة العلم ورفع لوائه.

18
قسم اسئلة علم الحيوان. / أسئلة أحيائية
« في: أكتوبر 13, 2005, 02:30:59 صباحاً »
المياة العذبة ليست ماء مقطر الماء المقطر يتكون من H2Oفقط لاغير أما المياه العذبة فهي تحتوي على أملاح وشوائب
فلا يوجد مقارنة بين المياه المقطرة والمياه العذبه
لوكانت المياه العذبة مياه مقطره فقد يموت أي شخص يشرب من الياه العذبه

19
قسم أسئلة علم النبات / أفيدوني ؟1
« في: أكتوبر 13, 2005, 01:47:13 صباحاً »
أنت تأمر يا باشا':laugh:'

20
قسم أسئلة علم النبات / أفيدوني ؟1
« في: أكتوبر 13, 2005, 12:58:56 صباحاً »

صوره لنسيج الطلائي البسيط الحرشفي في محفظة بومان

صوره النسيج الطلائي البسيط المكعب

صور لنسيج الطلائي البسيط العمودي

وصوره النسيج الطلائي المصفف الكاذب المهدب

21
قسم أسئلة علم النبات / احياء
« في: أكتوبر 13, 2005, 12:26:30 صباحاً »
صراحة أول مرة أسمع أسم النبات
بس ممكن توصف النبات؟؟
ممكن أعرفه'<img'>

22
منتدى الاحياء العام / مساعدة من اهل العلوم
« في: أكتوبر 13, 2005, 12:00:21 صباحاً »
المياة العذبة ليست ماء مقطر الماء المقطر يتكون من H2Oفقط لاغير أما المياه العذبة فهي تحتوي على أملاح وشوائب
فلا يوجد مقارنة بين المياه المقطرة والمياه العذبه
لوكانت المياه العذبة مياه مقطره فقد يموت أي شخص يشرب من الياه العذبه  ':p'

23
قسم أسئلة علم النبات / أفيدوني ؟1
« في: أكتوبر 12, 2005, 06:53:09 مساءاً »


الصور في الأعلى توضح تركيب ساق نبات من ذوات الفلقة الواحده
ويلاحظ أن الحزم الوعائية مبعثره في جميع أنحاء الساق وهذا هو الفرق الجوهري بين ذوات الفلقة وذوات الفلقتين




الصور في الأعلى تبين تركيب ساق نبات من ذوات الفلقتين
ويلاحظ وجود الحزم الوعائية متراصه على شكل حلقة

24
قسم أسئلة علم النبات / أفيدوني ؟1
« في: أكتوبر 12, 2005, 06:38:26 مساءاً »

هذه صورة لجذر نبات من ذوات الفلقتين

هذه صورة لجذر نبات من ذوات الفلقة الواحده

رسم توضيحي لتركيب الجذر

25
قسم أسئلة علم النبات / أستفسار عن فصيلة
« في: أكتوبر 11, 2005, 10:14:21 مساءاً »
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو من كل شخص يوجد لدية صور لأجناس الفصيلة الشفوية أن يخبرني بموقعها
وشكراً لكم

26
قسم اسئلة الفطريات. / مساعدة في بحث
« في: أكتوبر 11, 2005, 01:01:05 صباحاً »
شكراً لك يا أخ أبو سلطان على هذه المعلومات القيمة
وبصراحة أنا تفاجأت بسرعة الرد على الموضع وقد توقعت الحصول على الردود بعد يوم أويومين
وهذا ان دل على شى فأنما يدل على أهتمامكم المستمر  
'<img'>

27
قسم اسئلة الفطريات. / مساعدة في بحث
« في: أكتوبر 10, 2005, 11:26:00 مساءاً »
<div align=&quot;center&quot;>بسم الله الرحمن الرحيم</div>

الأخوة الأعضاء أنا طالب لدي بحث عن الفطريات المسببة للحساسية
Fungi in their relation to allergy
أرجو منكم المساعدة في طرح أي موضوع يختص بالبحث سواء كان باللغة العربية أو بالأنجليزي       وشكراً لكم

صفحات: 1 [2]