Advanced Search

عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - التواق للمعرفة

صفحات: 1 2 [3] 4 5 6 ... 31
31
المناعة Immunity هي القدرة التي وهبها الله للجسم لمنع حدوث المرض بإذنه تعالى، وذلك بمقاومته للميكروبات ومنع آليات العوامل الممرضة الأخرى من احداث آثارها المرضية. ذلك يتم بتزويد الجسم بآليات ووسائل دفاعات أولية غير متخصصة تصد هذه الميكروبات والعوامل المرضية الأخرى ولا تسمح بدخولها وغزوها أنسجة الجسم الداخلية فتسبب المرض، وإذا عجزت هذه الوسائل العامة غير المتخصصة عن صد العوامل المرضية تصدت لها وسائل دفاعات أخرى قوية ومتخصصة تتعرف على الميكروبات والأجسام الغريبة عن الجسم بدقة، ثم تقوم بتسخير جميع آلياتها الدفاعية القوية لتحطيم ونفتيت هذه الأجسام وتخليص الجسم من شرورها.

 

الجهاز المناعي Immune System في الجسم البشري هو جهاز متناثر الأجزاء، أي لا ترتبط أجزاؤه ببعضها البعض بصورة تشريحية متتالية كما في الجهازالهضمي أو التنفسي أو الدوري، ولكنه يتكون من أجزاء متفرقة في أنحاء الجسم، ولكنها تتقاعل و تتعاون مع بعضها البعض بصورة متناسقة متناغمة، وبهذا يعتبر من الناحية الوظيفية وحدة واحدة، ومن أهم مكوناته، نذكر مايلي:

* الخلايا المناعية التي ينتجها نخاع العظم من الخلايا الجذعية:  وهي كريات الدم البيضاء عديدة النوى (الحياديات) Neutrophils وكريات الدم البيضاء وحيدات النوى Monocytes وكريات الدم الحامضية ُEosinophils وكريات الدم القاعدية Basophils والخلايا الليمفاويةLymphocytes  البائية والتائية (الزعترية) وتخرج جميعا من نخاع العظم لتدور في الدم لتتحسس أي ميكروب أو جسم غريب فتشغل آلياتها الدفاعية والمناعية على مراحل  ويذلك تخلص الجسم من شرورالميكروبات الممرضة التي تحاول غزو الجسم والتكاثر والإنتشار فيه وتخريب أنسجته وتعطيل وظائفه الحيوية الفسيولوجية.

* الخلايا اللاهمة الكبيرة :Macophages وهذه خلايا خلق الله لها القدرة على لهم وادخال أي جسم غريب أو ميكروبات حية غازية وكذلك  تـلهم الخلايا البيض المتهتكة التي بداخلها الأجسام الغريبة أو الميكروبات التي عجزت عن تفتيتها وقتلها.  واللاهمات الكبيرة تلهم أي مخلفات بالية وأشلاء متواجدة بين خلايا أنسجة الجسم، فهي بمثاية كانسات منظفات لأنسجة الجسم بالأضافة لكونها جزء هام من الجهاز المناعي.  والخلايا الكبيرة اللاهمة موجودة بين خلايا معظم أنسجة الجسم وتعرف باسماء مختلفة حسب نوع النسيج والعضو المتواجدة فيه فمثلا في الكبد تدعى خلايا "كبفر" Kupffer's cells، وليس اللاهمات الكبيرة هي الخلايا الوحيدة، في الجهاز المناعي، التي لها هذه الخاصية وهي القدرة على لهم الميكروبات والأجسام الغريبة بل يشاركها في ذلك خلايا أخرى مثل: البيض عديدات النوى (الحياديات) والبيض وحيدات النوى وهذه الخلايا الأخيرة تدور في الدم أما اللاهمات الكبيرة فهي ثابتة قابعة مترقبة في الأنسجة وتعرف الأنواع الثلاثة من الخلايا اللاهمة بنظام اللهم للجهاز المناعي Phagocytic System.  

* الخلايا القاتلة الطبيعية :Natural Killers (NK) وهي خلايا موجودة بين خلايا الأنسجة تقتل أي ميكروب يلامس سطحه سطحها  وذلك بقذف موادها وانزيماتها المفتتة القاتلة للميكروبات، وهي تختلف عن الخلايا اللاهمة الكبيرة بأنها لا تملك القدرة على الإلتهام وادخال الأجسام الغريبة داخل احشائها، بل  توجه أسلحتها الدفاعية نحو الهدف وتقذفه قذفا وتفتك به  فتكا.

* الغدة الزعترية: Thymus Gland  وهي غدة موجودة خلف عظمة الفص وسط الصدر تقوم بانتاج وافراز مواد هامة جدا لتطوير وتنمية وظائف الخلايا المناعية الليمفاوية التائية T-cells  ومن أهم هذه المواد التي تفرزها: هرمون الزعترين "الثايموزين"Thymosin  

* الغدد الليمفاوية: Lymph Nodes  ويوجد منها العشرات وهي كتل عضوية صغيرة مكونة من فصوص من الخلايا المناعية مترابطة مع  الأوعية الليمفاوية Lymphatic Vessels التي يجري فيها السائل الليمفاوي Lymphatic Fluid المتصل بالأوعية الدموية.  وعندما يصل السائل الليمفاوي المحمل بالميكروبات والمواد الغريبة المختلفة عن المركبات الكيميائية المكونة لمركبات الجسم تقوم الغدد الليمفاوية. بالتعرف عليها والتقاطها وتخلص الجسم من شرورها بوسائلها الدفاعية المتنوعة


* اللوزتان :Tonsils وهما غدتان ليمفاويتان متخصصان تعملان بمثابة حارسيين مخلصين لحماية الجسم من بوابته الرئيسية ونعني الفم ويمكن لك رؤية هاتين اللوزتين عندما تفتح فمك جيدا أمام المرآة وتصيح "آه، آه !" فهما يقبعان في خلف الفم على جانبي اللهاة المتدلية. تلتقط اللوزتان أي ميكروب أو جسم غريب يدخل مع الطعام أو الهواء وتمنع دخوله إلى أعماق الجسم. * الطحال: وهو عضو ذو جيوب دموية كبيرة قد يدعى دعابة بـ"مقبرة الجسم" ويقبع الطحال في الجزء العلوي الأيسر بالقرب من الجنب الأيسر للمعدة. يقوم الطحال بالتقاط كل غريب عن الجسم سواء كانت ميكروبات أو أجسام غريبة منفردة أو خلايا جسدية هرمة ككريات الدم الحمراء الهرمة ويفتتها ألى مكوناتها الأولية ليتخلص منها الجسم بوسائله الأخرى.

* الطحال :Spleen وهو عبارة عن غدة ليمفاوية كبيرة ذات جيوب واسعة توجد في الجزء العلوي من تجويف البطن، من الجهة اليسرى،  ويعتبر مكونا من الجهاز المناعي يمكن تشبيهه كمقبرة للجسم،  يلعب دورا هاما في مناعة الجسم، يخلص الجسم من الخلايا الهرمة والميكروبات  الشاردة ويقوم يتفتيت أشلاء الخلايا المندثرة ككريات الدم وتفكيك مكوناتها لارجاعها في الدم لمراكز الإنتاج للأستفادة منها.  

* المواد الكيميائية المساعة: التي تتعاون وتساعد الآليات المتخصصة للجهاز المناعي، وهي كثيرة، نذكر منها ما يلي:

<> الأنزيمات القاتلة للميكروبات مثل: الكاتاليز واللايزوسومات.

<> عوامل جذب الخلايا المناعية نحو موقع تواجد الميكروب الغازي أو الجسم الغريب الداخلChemokines Or Chemotactic Factors (CTFs) وعوامل الجذب هذه تحث على وصول الخلايا المناعية اللاهمة المتحركة مع الدم بأعداد كبيرة لتحد من تكاثر وانتشار الميكروب الممرض.

<> الإنترليوكينات Interleukins (IL) وهي كثيرة الأنواع كل له وظائفه المعينة واتلمخصصة، وهذه تلعب أدوارا هامة ومختلفة في آليات حدوث الإلتهاب وعمليات التفاعلات المناعية.

<>  سسلة المكملات Compliments وهي أيضا كثيرة الأنواع ومعقدة في آلياتها، وهي تلعب دورا هاما جدا لمساعدة الدفاعات المتخصصة في الجسم، ونقص أي منها في الجسم قد يعطل الجهاز المناعي المتخصص عن العمل.  

<> الإنترفيرونات(IFNs)  Interferons ويوجد منها ثلاثة أنواع هي (ألفا ά  وبيتا β  وجاما γ ) ومن وظائفها الهامة في حمايةالجسم،  نذكر مثلا: الإنترفيرون-ألفا  يحرم الفيروسات من قدرتها على اجبار آليات الخلية الحية على انتاج نسخ عديدة منه وذلك بحث الخلايا الحية المجاورة للخلايا المصابة والتي لم تصب بالفيروس بعد على انتاج نوع من الإنزيمات والمواد التي تثبط عمل إنزيمات النسخ بالفيروس، وبهذا يمنع الفيروس من التكاثر والانتشار في الجسم وتعطي فرصة أفضل لجهاز المناعة المتخصص بتأدية عمله بصورة أحسن لتخليص الجسم من شروره وكذلك تمنع الانترفيرونات الخلايا السرطانية من الانقسام المستمر، وتزبد من نشاطات الخلايا الفاتلة الطبيعية كما تمكن الليمفاويات التائية القاتلة من تفتيتها، كما إنها تحور الاستجابات بواسطة الخلايا الليمفاوية البائية المسؤولة عن انتاج الأجسام المضادة المناعية.

<> عوامل تفتيت الخلايا السرطانية Tumor Necrosis Factors (TNFs) التي تحاول التكاثر والانتشار في الجسم، وبهذا تحمي بإذن الله أنسجة الجسم من تسرطن الأنسجة.

<> عوامل تحريض تكوين مجموعات الخلايا الليمفاوية المتخصصة Colony Stimulating Factors (CSFs) من الخلايا الليمفاوية البائية والتائية، التي تحسست توا بالميكروبات أو الأجسام الغريبة.

هذه، باختصار، هي أهم مكونات الجهاز المناعي المتفرقة في الجسم،والتي يمكن تصنيففها بايجاز، في الآليات التالية:

·       نظام المناعة عن طريق انتاج اجسام مناعية مضادة بواسطة الخلايا الليمفاوية البائية.

·       نظام المناعة عن طريق انتاج خلايا مناعية متخصصة مضادة بواسطة الخلايا الليمفاوية التائية.

·       نظام اللهم عن طريق الخلايا اللهمة وهي البيض عديدات النوى (الجياديات) والبيض وحيدات النوى واللاهمات الكبيرة.

·       نظام المكملات المناعية المساند لجهاز المناعة المتخصصة والداخل في آليات حدوث الإلتهابات.

·       نظام السايتوكينات وهي مواد كيميائية مطلوبة لاتمام عمليات الدفاع والمقاومة بواسطة الأنظمة الأخرى.

ويعمل كل نظام من تللك الأنظمة المذكورة إما منفردا لوحده أو بمساندة وتعاون الأنظمة الأخرى، ولهذا فإن أي خلل وظيفي أو نقص كمي في أحدها قد بحدث آثارا سلبية ربما تكون وخيمة على الصحة حيث يتعطل الجهاز المناعي عن العمل وبيصبح الجسم فريسة للميكروبات تعيث فيه فسادا حمانا الله من ذلك، وهذا يعتمد طبعا على نوع العنصر المناعي المختل وعلى مدى تأثيره على بقية الأنظمة المناعية الأخرى.

أما الغدد الليمفاويةالليمفاوية الكثيرة واللوزتان والطحال فإنها تعمل، جميعا في الجسم، كمصيدة  تتحسس وتنتظر مرور أي جسم غريب أو ميكروب غاز، مكونات جسمه تختلف عن تلك الموجودة بالجسم وهذه الأجسام الغريبة تدعى علميا المستضدات أو "الأنتيجينات" Antigens، والتي تصل إليها عن طريق الهواء أو الطعام أو الدم أو السائل الليمفاوي أو الجروح الموجودة في الجلد، فتلتقطه خلاياها المناعية وتوجه له ما يناسبه من أسلحة قذف لتدميره وتخليص الجسم منه.

ماهي المتضدات؟

المستضدات أو الأنتيجينات Antigens هي مواد كيميائية مشتقة من أجسام الكائنات الحية الأخرى أو خلايا الميكروبات أو جزيئات بروتينية أو كربوهيدراتبروتينية وغيرها وهذه المواد تختلف في تركيبها الكيميائي عن مكونات الجسم وبهذا تحث الخلاياالمناعية المتخصصة في الجسم للتفاعل معها وتكوين أجسالما مضادة لها أو لسمومها أو بلعها وتفتيتها أو إنهاء آثارها الضارة على الجسم بآليات الجهاز المناعي المختلفة.

 ماهي الأجسام المضادة؟                              

 Antibodiesهي مواد كيميائية متخصصة تفرزها الخلايا الليمفاوية البائية B-Lymphocytes عندما تلامس وتتحد  بالأنتيجنات الغريبة عن الجسم، حيث تحث آلياتها المناعية لتقوم بتصنيع وافراز هذه المواد المضادة التي تسهل عمليات تخليص الجسم من شرورها.H
 





الخلايا الليمفاوية،
 
 الخلايا الليمفاوية Lymphocytes:

هي نوع من الخلايا المتخصصة تابعة لجهاز المناعة في الجسم، تنتج داخل نخاع العظم وتخرج منه لتدور في الدم حتى يحين عملها عندما تصادف ميكروبات غلزية فتحاربها وتبيدها أو أجسام غريبة عن مكونات الجسم فتخلص الجسم منها،  وهي نوعان:

 

أ)- الليمفاويات البائية B-Lymphocytes

 وهي الخلايا المناعية التي تقوم بالتعرف على الأجسام والمكونات الغريبة (الأنتجينات) Antigens عن الجسم فتقوم بعد ذلك بانتاج أجسام مناعية مصممة ومناسبة لمضادة هذه الأجسام الغريبة عن الجسم وتدعى المواد التي تنتجها، الجلوبينات المناعية (المضادات المناعية أو الأجسام المناعية المضادة) Immunoglobulins واختصارها هو Ig  وتوجد منها خمسة أنواع هي:

1- الجلوبيولينات المناعية من النوع "إيه"  IgA

2- الجلوبيولينات المناعية من النوع "جي" IgG

3- الجلوبيولينات المناعية من النوع "إم"  IgM

4- الجلوبيولينات المناعية من النوع "دي" IgD

5- الجلوبيولينات المناعية من النوع "إي" IgE

 

واليمفاويات البائية عندما تصادف الأنتيجينات الغريبة لأول مرة تقوم بالإنقسام المتكرر لتكوين مجموعات كل مجموعة تدعى مستعمرة منسوخة أو " كلون Clone " كل مجموعة تتخصص لانتاج نوع واحد من الأجسام المضادة توجه لنوع واحد من الأنتيجينات وبعض من خلايا المجموعة يذهب ليخلد للراحة والاستقرار ولكنها تحتفظ بادق التفاصيل المعلوماتية عن أنتيجينها الذي كان السبب في انتاجها أساسا، وتدعى مثل هذه الليمفاويات البائية " ليمفاويات الذاكرة البائية B-Memory Lymphocytes " وهذا النوع يكون بمثابة جنود احتياط، تدعى فورا في حالة هجوم العدو مرة ثانية أي عندما يحصل غزو جديد من الميكروب القديم الذي أبيد أو دخول نفس الأنتيجين الجسم من جديد حيث كان له سجل قديم في سجلات ليمفاويات الذاكرة البائية، فتقوم هذه الخلايا بالانقسام المتكررالسريع دون تأخير وصب تركيزات عالية من الأجسام المضادة في وقت قصير، فتباد الميكروبات أو تفتت الأنتيجينات دون اعطائها قرصة لها لتفعل فعلها المشين في الجسم.  

 

ب)- الليمفاويات التائية (أوالزعترية) T-lymphocytes

وتدعى أيضا " المناعة الخلوية Cell- mediated Immunity " تنتج في نخاع العظم وعندما تصل الغدة الزعترية تتطور وتنمو هناك وتتخصص في وظائفها، وعندما تنقسم الخلايا الليمفاوية التائية الأمهات ينتج عنها مجموعات من الخلايا المختلفة كل مجموعة تتخصص بالقيام بوظائف معينة تختلف عن مهام المجموعات الأخرى مثل:

 

*  الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة T-helper Cells :

ومن أهم وظائفها الرئيسية التعرف على الأنتيجينات الغريبة في الجسم وتقديم المعلومات والآليات المساعدة للخلايا الليمفاوية البائية النامية التي تقوم بالإنقسام لتكوين خلايا بائية أخرى تقوم بانتاج تركيزات عالية من الجلوبينات والأجسام المناعية المضادة وبهذا تلعب التائيات المساعدة دورا أوليا في انتاج مناعة الجسم، وفيروس الإيدز يقوم باتلاف التائيات المساعدة بشكل خاص وبهذا تضعف مناعة الجسم.

 

*  الخلايا الليمفاوية التائية الخاقضة للتفاعل المناعي  T-Suppressor Cells :

وهي خلايا مناعية تائية تنظم درجة التفاعل المناعي بين الخلايا المناعية البائية والأجسام الغريبة وتجعله متزنا لا مفرطا وبهذا تعمل تماما بعكس آلية الخلايا المساعدة السابقة الذكر أي أن هذه الخاليا المناعية التائية تقلل من إنقسام الخلايا البائية النامية التي تنتج خلايا متخصصة لإنتاج المضادات المناعية المتخصصة لنوعية الإنتيجينات الغريبة الداخلة في الجسم. وربما يكون فرط الحساسية ونشوء بعض الأمراض المناعية الذائية هو بسبب اختلال عدد التائيات الخافضة في الجسم!!؟

 

*  الخلايا الليمفاوية التائية التالفة للخلايا الأخرىor  Cytotoxic

 Killer T-cells:

وهذه أيضا نوع آخر متخصص من الليمفاويات التائية، ينتخ بالإنقسام المتكرر للخلايا التائية النامية بعد أن تتعرف وتسجل معلومات مناعية داخلها من أسطح خلايا غريبة عن الجسم كخلايا عضو أو نسيج مزروع داخل الجسم. وهذا النوع من الخلايا المناعية التائية هو المؤول عن رفض الأنسجة والأعضاء المزروعة عندما تترك لتعمل بدون ضابط أو رادع لهذا بجب على من زرع عضو في جسمه أن ينتظم على نوع من مثبطات الخلايا المناعية خصوصا التالفة للخلايا.

32
منتدى علوم البيئة / المواطن والبيئات في العالم
« في: نوفمبر 12, 2004, 10:50:45 مساءاً »
المواد الأولية للحياة بسيطة : الماء والأكسجين وثاني أكسيد الكربون وبعض المعادن . وبمساعدة الطاقة الشمسية تستطيع النبة أن تصنع غذاء من هذه المواد وحيثما وجدت هذه العناصر توجد النباتات ولكن لا شيء في العالم يعيش بمفرده . النباتات تحتاج إلى الحشرات لتلقيحها والحشرات تحتاج النباتات لطعامها  وبعض الحيوانات تقتات بالنباتات وبالحشرات ثم تؤكل هي بدورها من قبل حيوانات أكبر منها وتفرز الحيوانات مواد تساعد على تسميد التربة ففي كل مكان تؤلف الحيوانات والنباتات مجتمعات يعتمد فيها أحدها على الآخر للبقاء.

 

ونوع المجتمع الذي ينمو في بقعة معينة يتوقف على المواد الأولية المتوفرة هناك . فالمعادن تختلف بإختلاف المناطق كما تختلف كميات نور الشمس والماء والأكسجين وثاني أكسيد الكربون فهذه الأمور بالإضافة إلى المناخ تقرر ما هي النباتات التي تستطيع العيش هناك والحيوانات التي تأكل النبات تأتي لتجد نوع النبات الذي تأكله كما أن لهذه الحيوانات إحتياجات أخرى مثل المأوى والماء ، والحيوانات الآكلة للحوم تتبع الحيوانات العاشبة وهكذا تدريجيا تقطن أصناف متعددة من المخلوقات لتؤلف مجتمعا متوازنا .

 

الأقاليم المناخية:

إذا إنتقلت من أي من القطبين إلى خط الإستواء فإنك تمر عبر كل أنواع المناخ ، من الجليدي الفائق الصقيع إلى الحار جدا وهذه التدرجات في الحرارة المختلفة هي الأقاليم أو المناطق المناخية الرئيسية في العالم ففي خط الإستواء هناك الصيف الدائم والنهار والليل متساويان في الطول فإذا تواجد مطر كثير تنمو الغابات وإذا كان جافا أصبح المكان صحراء محرقة . وهطول الأمطار بإعتدال يشجع الأعشاب على النمو أما في منطقة القطبين فالبرد شديد على مدار السنة إلا أنه يخف قليلا في الصيف ونور النهار يتغير كثيرا تبعا للفصول . ففي الصيف لا يكون هناك ظلمة تماما كما أن الشمس تكاد لا ترى بتاتا طيلة فصل الشتاء . وبين هذين الطرفين توجد مناطق مثل أميركا الشمالية وآسيا وأوروبا نسميها مناطق معتدلة ففيها صيف دافيء وشتاء بارد وهو مناخ مناسب لنمو الأحراج .

 

المواطن الصغيرة:

وضمن الأقاليم المناخية الواسعة في العالم توجد مناطق كثيرة أصغر للسكن كالأحراج والمستنقعات والمروج والقرى والوحدات الصغيرة الفردية مثل جذوع الأشجار والبرك الصغيرة وبساتين القرى التي تصلح لسكن منفرد تسمى المواطن المصغرة وحتى في المحيطات توجد مواطن مصغرة مثل البحيرات البحرية الضحلة ( اللاغون) أو الجزر المرجانية أو السفن الغارقة وكما أن المواطن المصغرة تؤلف قسما من المواطن العريضة الواسعة فإن المواطن الواسعة تتداخل الواحدة بالأخرى فحدود الغابة تحتوي على مظاهر خليط بين الغابة وبين الحقل المجاور ومصبات الأنهر حيث يلتقي النهر مع البحر تكون ملوحة الماء أقل من باقي المياه فتكون ظروف الإستيطان هناك مختلفة قليلا عما حولها .

 

الزوايا الصغيرة:

هناك أعداد لا تحصى من الزوايا والمخابيء الصغيرة حيث تجد الحيوانات أو النباتات مكانا تعيش فيه الحياة التي تلائمها والمخلوقات التي تحتل هذه الأماكن قد تكيفت على مر ملايين السنين من التطور وأصبحت تجد ما تحتاجه في هذه البيئة كما تكيفت كذلك على العيش مع جميع الأجناس الأخرى من المخلوقات في البيئة ذاتها.

فالموطن أو البيئة لا يعني المكان فقط ، بل يعني أيضا النباتات والحيوانات التي تعيش فيه أيضا .

33
منتدى الاحياء العام / كيف تتصرف الحيوانات
« في: نوفمبر 12, 2004, 10:36:35 مساءاً »
الدفاع والهجوم :

كل حيوان له طريقة ما للدفاع عن نفسه ، وكل نوع طور سلوكا خاصا وأساليب تساعده لإتقاء أعدائه ، فكثير من الحيوانات تستخدم التمويه في ألوان جلدها لكي تنسجم مع ما يحيط بها فلا تظهر . وغيرها له ألوان قوية متضاربة ، مثل الخطوط السوداء على سمكة (( الملاك )) فهذا التناقض يموه شكل السمكة الحقيقي ويزيد من صعوبة رؤيتها وثمة أنواع أخرى من الحيوانات تستطيع محاكاة وتقليد محيطها أو جزء منه بحيث يصبح شكلها مشابها لقطعة جماد. كذلك تمكنت بعض الأنواع من تطوير وسائل دفاعها ، وهي تستعملها للدفاع كما تستعملها للهجوم على أعدائها. وتوجد أنواع متعددة تنتج السم لتحمي نفسها من أعدائها ، وهذه الأنواع تكون عادة براقة الألوان بتصاميم تنذر بالخطر.

 

أشكال الرقش والتلوين :

بلعب رقش الحيوانات وألوانها دورا هاما في مساعدتها على حماية نفسها . فبعض الرقشات تختلط مع ما حواليها من ألوان طبيعية ، ونسميها (( ألوان التخفي)) فيعجز عدوها عن تمييزها فتسلم . مثالا على ذلك بعض أنواع السمك ،  وألوان العظايات والطيور ، من التي يشابه لون ريشها الوان المناطق الرملية حيث تتكاثر.

 

التغير السريع :

تستطيع بعض الحيوانات تغيير لونها بسرعة ، وأحسن مثال على ذلك الحرباء التي تستطيع ان تغير لونها من أخضر إلى بني إلى لون داكن أو فاتح بغضون دقائق معدودة .... وهكذا تستطيع الحرباء ان تنسجم مع أي نوع يحيط بها ساعة الخطر . ومن أفضل الأمثلة وأشدها تأثيرا كذلك الأخطبوط الذي يستطيع تغيير لونه من أصفر باهت إلى أحمر غامق بمدة ثوان معدودة إذا أخافه شيء ما ، ثم يطلق سحابة من الحبر الأسود ويعود إلى لونه الطبيعي في ثوان وينطلق طلبا للنجاة .

 

التغيرات الموسمية :

الحيوانات التي تعيش في المناطق دون القطبية قد تغير ألوانها من البني أو الرمادي الصيفي إلى اللون الشتوي الأبيض . فهذه الأنواع قد طورت لنفسها (( التلون الدفاعي )). ولكي تصبح أقل ظهورا في الثلوج فهي تفقد ألوان (( التخفي الصيفية )) ويصبح لونها أبيض في أشهر الشتاء . وفي المناطق القطبية تظل بعض الحيوانات بيضاء اللون على مر النسة ، مثل الدب القطبي الأبيض وبومة الثلوج والحوت الدلفين الضخم .

 

التنكر :

كثير من الحيوانات ، خصوصا الحشرات ، طورت أزياء محيرة من التنكر . فثمة عدد كبير من الحشرات يظهر كأنه قطعة من النبات الذي يعيش عليه ، بعضها يبدو كأنه أملود ، بينما يبدو البعض الآخر كأنه زهور أو أوراق أو أشواك . وهناك أنواع مثلمة الشكل تظهر كأنها أوراق شجر قضمها حشرة أخرى .

 

الأسلحة ووسائل الدفاع :

كثير من الحيوانات الضخمة تملك أسلحة ، إما بشكل أسنان حادة أو مخالب أو قرون . والحيوانات ذات الأظلاف غالبا ما تعيش قطعانا كبيرة ، ويكون عادة قائد قوي لكل قطيع ، فهو كثيرا ما يحتاج إلى منازلة غيره من الفحول على قيادة القطيع ، لذللك يكون عادة أقواهم . ومع أن الحيوانات ذوات القرون أو الشعب تستعملها عادة لمظاهر الرجولة وللمقارعات في مواسم التزاوج ، إلا أنها تعتمد عليها في الدفاع ضد أعدائها . والحيوانات المفترسة أمثال القطط الكبيرة ، كالأسود والنمور والفهود والكلاب والذئاب وغيرها تستخدم أسنانها الحادة للعض.

 

السلوك :

أكثر طرق الدفاع شيوعا هي بالبقاء ضمن قطيع كبير . وتلجأ بعض الحيوانات إلى الهرب من الخطر إما بالسباحة أو بالعدو السريع أو بالطيران . وهناك أنواع ، خاصة التي تمتلك ألوانا تمويهية أو أشكالا تنسجم مع بيئتها وتخفيها عن الملاحظة ، تظل عادة قابعة مكانها دون أي حراك على أمل ان لا يراها عدوها المهاجم . وبعض الأنواع تجعل نفسها تبدو اكبر من حجمها الطبيعي لتخيف مهاجميها . فالضفدع الشجري ينفخ جسمه ويقف على رجليه الخلفيتين ، وذلك لكي يبدو أكبر من ان يستطيع ثعبان العشب ان يبتلعه . وأنواع غيرها مثل القنافذ وكبابات الشوك مثلا تلتف حول نفسها فيصبح جسمها بشكل كرة محاطة بالأشواك . وهناك حيوانات تتماوت ، أي تتظاهر كأنها ميتة .

 

أساليب الصيد :

ولكي ينجخ فيمقصده يجب على الحيوان المفترس ان يفاجئ فريسته على حين غرة . وقد طورت الحيوانات المفترسة أساليب عديدة للصيد . فمنها من يتصيد جماعات ، مثل الذئاب والبعض الآخر يتصيد بمفرده مثل الفهد الصياد .

  

المجتمعات المعيشية :

الصلة المعقدة بين النبات والحيوان تسمى العلاقة البيئية . ويقرر المناخ والمحيط الطبيعي إلى حد كبير هذه العلاقة البيئية . ففي كل مجتمع يوجد ترابط معقد بين النبات والحيوانات وغير ذلك من الأجهزة . فالحيوانات والنباتات تعتمد الواحدة على الأخرى للغذاء . فالنبات يحول الطاقة الشمسية إلى نشا وسكر وتأتي الحيوانات الراعية فتأكل النبات والأعشاب ، ثم تأتي الحيوانات آكلة اللحوم فتأكل الحيوانات الراعية . وبقايا الحيوانات والنباتات ومخلفاتها تبقى ملقاة على الأرض حيث تنحل وترجع إلى عناصرها البسيطة ، وبالإختلاط مع المعادن وغير ذلك من أنواع الجماد ، يستخدمها النبات لكي ينمو مجددا . وهذه الدورة تعرف بإسم (( سلسلة الغذاء)) . وعندما تكون الحيوانات والنباتات قسما من عمليات وسلاسل غذاء معقدة ندعوها (( الإشتراك الغذائي )) ، وهذا بدورة يكون أساسا بناء المجتمع المعيشي.

 

المنافسة :

الإشتراك الغذائي مكون من نباتات وحيوانات تتنافس على مستويات مختلفة . فالنباتات تتنافس للوصول إلى مكان تحصل فيه على نور الشمس ، كما تتنافس للحصول على المواد الخام كالماء والمعادن التي تحتاجها للنمو . ولاحيوانات آكلة الأعشاب تتنافس على النباتات والأعشاب التي ترعها وتتغذى بها ، وآكلات اللحوم تتنافس على الحيوانات الأخرى التي تقتات عليها .

 

البناء المجتمعي :

المجتمع المعيشي مكون من مستويات مختلفة من التنظيم  ، وبين غالبية هذه المستويات يوجد نظام إجتماعي صارم إلى حد ما ، ويحافظ على هذا النظام الصارم صراع مستمر بين أفراد كل جماعة .

 

المخلوقات المنفردة :

النباتات لا تعتبر عادة أنها تعيش كجماعات ، إلا أنها هامة جدا في بناء المجتمعات . فبصفتها مخلوقات منفردة توفر الأشجار مأوى ومصدر غذاء لنباتات وحيوانات أخرى .

وبعض الحيوانات ، مثل الزاق والأفاعي تعيش حياة منفردة كذلك .

 

الجماعات العائلية :

كثير من الحيوانات تعيش في مجموعات عائلية . وقد تكون المجموعات صغيرة تضم الوالدين والأولاد أو مجموعات كبيرة تضم عدة إناث للتوليد ، وهذه الأجناس التي تعيش مجموعات تفرق بين الذكور والإناث ، والتزاوج لا يتم إلا في موسمه . وتتبع هذه المجموعات نظاما إجتماعيا صارما ، فيكون هناك ذكر مسيطر وعدد من الإناث تحت تصرفه . والذكور البالغة تتنازع عادة على مركز السيطرة ، وهذا يعني بالنتيجة أن أقوى الذكور هم الذين يقومون بتلقيح الإناث ، لأنهم مرجحون لأن يكونوا أكثر إنتاجا للذرية . وجميع الأفراد من جنس واحد الذين يعيشون ضمن المجتمع الواحد يدعون (( السكان)) وكثير من الحيوانات تعيش عيشة إنفرادية ولا تجتمع إلا في مواسم التزاوج.

 

البقاء سوية :

بعض أنواع (( السكان )) يعيشون معا أكثر الوقت . وأنواع عديدة من الطيور والثدييات الظلفية والسمك وجدا أن القاء سوية والإلتفاف ضمن القطيع هو وسيلة دفاع فعالة ضد الحيوانات المفترسة وهذه الجماعات او القطعان تتحرك على الدوام وتظل في حالة تغير على أن الحيوانات المفترسة تتبعها أينما رحلت لكي تظل (( سلسلة الغذاء)) متواصلة . وثمة أنواع عديدة من المخلوقات طورت لنفسها  أساليب مجتمعية معقدة . وبين هذه الأنواع النحل والنمل وثدييات مثل الأرانب والإنسان نفسه .

 

 

البحث عن الزوج :

جميع الكائنات الحية تتزاوج وتتوالد إذا أرادت أن تبقى على وجه الأرض . وهناك نوعان أساسيان من التوالد والتكاثر : التوالد اللنزواجي والتوالد الجنسي ، أو التناسلي . التوالد اللانزواجي يعني ان الحيوان لا يحتاج إلى البحث عن زوج .  فكثير من أجناس الخلية الواحدة تتكاثر بهذه الطريقة ، فتنقسم إلى قسمين متشابهين تماما عندما تصير بالغة وهذه الطريقة في التكاثر تعني أن الحيوانات تكون جميعها متشابهه ، وكل بالغ منها يستطيع ان ينتج اثنين على شاكلته يحلان محله.

 

التوالد الجنسي أو التناسلي :

الاسلوب الأكثر شيوعا هو التوالد الجنسي . وهذا يتطلب خليتين تتحدان معا ، إذ أن كل خلية تحتوي على نصف المواد الوراثية اللازمة لإنتاج نسل جديد. إحدى الخليتين اكبر من الأخرى ولا حاجة لها للتحرك وهي خلية البويضة أما الخلية الأخرى فأصغر بكثير ، ولها ذنب طويل كالسوط وهذه هي الجرثومة المنوية . البويضة تفرزها أنثى الحيوان ، والجراثيم المنوية من الذكر . وعندما تتحد البويضة والجرثومة المنوية تجتمع العناصر الوارثية خصائص من الأم والأب. بعض الحيوانات تستعمل الطريقتين أعلاه في التناسل فالمرجان وأشباهه من المخلوقات المائية تتواتر بين أطوار اللانزواجية والجنسية في دروتها الحياتية . وأثناء التطور اللانزوجي ينتج الحيوان (( برعما)) على جانب الكتلة المكونة ، ويصبح هذا البرعم مخلوقا إضافيا . وقد تصبح هذه المخلوقات الإضافية مستعمرة قائمة بذاتها. أما في الطور التناسلي الجنسي فهي تطلق مخلوقات هلامية تحمل بويضات وجراثيم منوية تتحد في الماء وتصبح يرقانات تنمو وتتحول إلى مخلوقات جديدة . ديدان التراب والبزاق وأمثالها خنثوية ، أي تحمل كل واحدة منها أعضاء تناسلية أنثوية وذكرية يمكنها أن تنتج بويضات وجراثيم منوية وأي حيوانين بالغين منهم يمكن أن تتوالد .

 

المغازلة :

كثير من الحيوانات تتزواج فقط في أوقات معينة من السنة حينما تجتمع وفي أحيان كثيرة تتبع الحيوانات طرقا معقدة في المغازلة . الذكور عادة تتنافس على الإناث ، وكثيرا ما تكون الذكور أكبر حجما وأكثر ألوانا من الإناث ، فالطاووس الذكر يجر ذنبا طويلا من الريش الملون ، يفتحه بشكل مروحة جذابة عندما يريد ان يلفت نظر الأنثى ، التي تكون أقل بهرجة منه . وتستعمل الحيوانات كذلك أصواتا مختلفة لإستمالة أزواجها . فالضفادع تنق والعصافير تغرد . وبعض الحيوانات تلجأ أحيانا إلى إطلاق روائح خاصة لإجتذاب أزواج فالروائح التي تطلقها بعض الحشرات تصل إلى مسافات بعيدة حيث تستنشقها الأزواج العتيدة وتسارع إلى تلبية النداء . كذلك العديد من الثدييات تصدر عنها روائح خاصة في مواسم التلقيح والتزاوج وهذه الروائح تصدر عن الذكور وعن الإناث، وتعني غالبا أن الحيوانات حاضرة للتزاوج. أكثر الحيوانات تلجأ غلى أساليب خاصة للتزاوج ، مع تغيير ألوانها أو إصدار روائح خاصة ، مقرونة بسلوك خاص لهذه المناسبات قود يكون هناك (( مشية )) أو رقصة ، أو مبارزة بين ذكرين تكون فيها الإناث من حظ الفائز. وثمة أسباب عديدة للمغازلة فهي تبين أيا من الحيوانات قد بلغ أشده وأصبح مستعدا للتزاوج ، كما تبين قدرته الجسدية على ذلك وأكبر فوائد المغازلة ربما كانت لتشجيع التزاوج والتناسل . ولدى العناكب وفرس النبي ((Praying Mantis)) من الضروري جدا أن يتبع الذكر أساليب المغازلة الصحيحة ، وإلا فقد تخطيء الأنثى وتظن أنه إحدى فرائسها وتأكله !

 

العناية بالصغار :

السبب في عناية الأهل بالصغار هو للتأكيد من أن بعض المواليد تعيش حتى تبلغ سن النضوج ، ولا تكرس كل الحيوانات نفس الجهد والعناية لصغارها ، إذ أن ذلك يتوقف على عوامل عديدة . فالحيوانات القصيرة العمر قد لا تكرس أي وقت لهذا الأمر ، كذلك عدد المواليد قد يؤثر على مقدار العناية ونوعيتها. فالحيوانات التي تضع أعدادا كبيرة من المواليد كل سنة تصرف وقتا أقل بكثير للعناية بمواليدها.

 

القليل أو الكثير :

قد تترك الحيوانات بيوضها في أوقات مختلفة من التطور . فبيض العديد من حيوانات البحر والماء العذب تترك لتفقس بدون أي اهتمام أو عناية من الأهل . وقد تضع الأنثى آلاف البيوض في كل موسم تزاوج . وأكثر هذه البيوض تذهب غذاء لحيوانات تقتات بها وما يتبقى عليها أن تتنافس لكي تظل على قيد الحياة ولكن إنتاج هذه الآلاف من البيوض يؤمن وصول بعضها على الأقل إلى سن البلوغ . وكلما زاد وتحسن تطور المخلوق الجديد عند ولادته زادت إمكانيات بقائه وقدرته على بلوغ سن النضج . والحيوانات التي تنتج بعض المواليد فقط تستطيع ان تولى عناية أكبر لكل منها . فالأهل قادرون على تأمين قدر معين من الغذاء ، وإذا قل عدد الصغار زادت كمية الغذاء لكل منها . والعناية الطويلة تعني عادة إقلالا في عدد المواليد ولكن إمكانية بلوغ هذه المواليد عمر النضوج تكون أكبر وأفضل. والبيئة كذلك قد تؤثر على عدد المواليد ففي المناطق الباردة حيث ظروف الحياة صعبة والغذاء غير متوفر بسهولة نجد أن الحيوانات تضع أعدادا قليلة من المواليد وغالبا ما تكتفي بواحد فقط كل موسم . فهي تحتاج إلى الكثير من العناية ، إلا أنها تنمو بسرعة وفي بعض أجناس السمك يلعب الذكر دورا هاما في العناية بالبيض وحمايته . فالذكر في بعض الأنواع يبني عشا تضع فيه الأنثى بيوضها ، وبعد إخصابها يتولى الذكر حمايتها ، وحصان البحر الذكر يعني بالصغار والأنثى تضع البيض في (( حقيبة)) خاصة بذلك لدى الزوج فتلوى هو حمل البيوض بينما تتطور . وعندما (( يفقس)) البيض تنفتح ((الحقيبة)) ويخرج الصغار سابحين . والحيوانات التي طورت أساليبها المعيشية الإجتماعية تعتني عناية كبيرة بتربية صغارها . فأنثى تمساح النيل تضع بيوضها في حفرة في رمال الشاطئ ، فوق مستوى ماء النهر ، فتتطور البيوض على حرارة مستقرة إلى حد ما بسبب كونها مطمورة بالرمل . وعندما توشك أن تفقس تصرخ التماسيح الصغيرة منادية من  داخل البيضة وصراخها يسمعه الوالدان على بعد بضعة أمتار فتحفر الأم الرمل وتنبش البيض فيخرج الصغار منه فيحمل الولدان الصغار في شدقيهما الواسعين وينقلانهما إلى منطقة الحضانة قرب النهر وقد تظل عائلة تمساح النيل معا لحوالي سنة كاملة والطريقة التي يتصرف فيها الصغار تجعل الأهل يؤمنون الطعام والعناية .

 

المستعمرات :

بعض جماعات الحشرات مثل الزنابير والنحل طورت أنظمة إجتماعية معقدة جدا . فهي تعيش في مستعمرات وكل أفراد المستعمرة يكونون عادة من نسل ملكة واحدة جبارة وزوجها . والبيوض التي تضعها الملكة تنتج عمالا غير مخصبين بعض العمال تبني العش وتنظفه والبعض الآخر تعتني بالبيوض وبالغذاء. أما الحيوانات الأكثر ضخامة ، كالعديد من الثدييات مثلا فتقضي وقتا طويلا بإطعام صغارها والعناية بها كما تُعلم الصغار كيف تتدبر أمورها بنفسها . كثير من صغار الثدييا تولد عمياء بدون القدرة على القيام بأي شيء فهي تعتمد على أمها لترضعها وتحميها من الأخطار . والثدييات الجرابية مثل الكنغر لها كيس او جراب تنمو فيها الصغار حيث يقبع المولود داخل الجراب يرضع من حليب أمه ويظل لفترة معينة بعد تركه جراب أمه يلجأ إليه كلما أحس بالخطر يتهدده.

 

الإسبات والدورات الحياتية :

تختلف عادات الحيوانات ودوراتها الحياتية إختلافا كبيرا أحيانا ، إلا أن هناك إحتياجات مشتركة بين الجميع . فالحيوانات لا تستطيع أن تصنع طعامها مثل النباتات ، لذلك عليها أن تبحث وتسعى وراء غذائها . ولكي تتمكن من ذلك عليها ان تنتقل وتعي ما يجري حولها لذلك فإن لديها حواس لكي ترى وتسمع وتتذوق وتشم .

 

البقاء على قيد الحياة :

بعض الحيوانات تقتات بالنباتات ، وبعضها باللحوم ، والبعض الآخر يأكل الإثنين والحيوانات التي تأكل الجيف والفضلات تسمى الحيوانات القمامة . ويمر الغذاء عبر الفم إلى مجرى الطعام حيث يطحن ويهضم وينتشر في الجسم بواسطة الدورة الدموية ويخزن الطعام في جسم الحيوان كي ينمو يقوم بإحتياجاته . والقوة التي تتطلبها أسباب العيش والحركة تأتي من الغذاء ، وتحرق في الجسم بواسطة الأكسجين . والأكسجين غاز موجود في الماء والهواء ، يدخل إلى رئات الحيوانات بواسطة التنفس أو تأخذه الأسماك بطريق خياشيمها . وأهم عمل يقوم به الحيوان هو التوالد ، وحياة كل حيوان تبلغ نهايتها ونتيجة لذلك فمن الواجب عليه أن يتوالد وإلا إنقرض جنسه .

 

الحيوانات ذات الخلية الواحدة :

أكثر الحيوانات بساطة هي البرزويات ، أو ذوات الخلية الواحدة وأحد هذه الأنواع يعيش في برك المياه ويسمى (( الأميبا)) ، وتنتقل بين النباتات المائية بطريقة دفع قسم من جسمها الصغير ولكي تتغذى تلف جسمها حول فريستها وتخلق فراغا في الوسط يكون بمثابة معدة ، فتهضم الأكل فيه وتمتصه ويتخلص الجسم من النفايات من وقت لآخر. الأمبيا لا ترى بل تحس بما حولها وتبتعد عن النور الساطع ولكي تتكاثر فإنها تنقسم إلى قسمين والقسمان تنقسم إلى أربعة ثم ثمانية إلى آخرة .

 

التناسل الجنسي :

في الحيوانات العليا توجد ذكور وإناث، فالذكر يفرز جراثيم منوية تتحد مع خلايا بويضة الأنثى في أثناء عملية التزاوج وكل بويضة مخصبة تنمو وتصبح حيوانا جديدا وتغذى هذه البويضة بواسطة الأم قبل ان تخرج من جسمها. وأغلب الحشرات تبيض وكذلك الديدان والصدفيات والعناكب والأسماك الصدفية . وبين الحيوانات العليا مثل السمك والقوازب والزواحف والطيور إلا أن بعض هذه المخلوقات تحتفظ بالبيض داخل جسمها حتى يقترب ميعاد فقسها فتضعها بعد ذلك . إن أكثر الحيوانات تنمو لتصبح مشابهة لوالديها فالحشرات تمر في أطوار يرقانات قبل ان تنمو وتتغير . كذلك القوازب ( البرمائيات) تمر في أطوار متعددة قبل أن تصبح ضفدعة . والحيوانات الدنيا تبيض أعدادا كبيرة لأن قليلا منها يسلم حتى يكتمل نوه. فعلى الصغار أن يتدبروا أمورهم بأنفسهم . وتستطيع الحشرة أن تضع آلاف البض وكذلك الأسماك وفي كل كتلة بيض تضعها الضفدع هناك أكثر من 4000 بيضة . الطيور والثدييات ذوات عائلات أصغر بكثير وللتأكد من أن بعضها يكمل نموه تعطى البيوض بعض الحماية مثلا تضع أنثى الطير بيضعها في عش تبنيه لأجل صغارها وتتولى إطعام الصغار ريثما تستطيع مغادرة العش والثدييات ترضع صغارها من حليب الأم وتعتني بها مدة طويلة بعد ولادتها .

 

سلوك الحيوانات :

أكثر تصرفات الحيوانات تحكمها الغريزة فبإستطاعة العنكبوت أن تنسج مأواها والعصفور أن يبني عشه دون ان يعلمه أحد ذلك ، وطير الوقواق الصغير يستطيع ان يجد طريقه إلى أفريقيا بدون مساعدة والديه غير أن الحيوانات العليا مثل الشمبانزي فإنه بإمكانها ان تتعلم . بعض الحيوانات تسبت في الشتاء أي أنها تغرق في سبات عميق طيلة الأشهر الباردة وهي الحيوانات ذات الدم البارد التي لا تستطيع ضبط حرارة جسمها فإذا لم تغرق في افسبات تتدنى حرارة جسمها فتموت. والحيوانات ذوات الدم الحار لا تحتاج إلى الإسبات إلا أن هناك بعض الشواذ ففيران الحقل والقنافذ والدببة وبعض الخفافيش تسبت مع أنها ذات دم حار.

 
الهجرة والإنتقال :

الهجرة هي الحركة التنقلية للحيوانات ، أحيانا لمسافات بعيدة ، وتقوم بها بعض الحيوانات كل سنة بإنتظام . وهي رحلة إلى مكان تستطيع فيه الحيوانات أن تتوالد ، وحيث يوجد غذاء يكفي للقيام بأود العائلة . ويتزامن ذلك عادة مع التغييرات في المواسم . وبعد التوالد تعود الحيوانات أدراجها إلى موطنها الأصلي بإنتظار قدون الموسم الجديد للهجرة .

 

هجرة الطيور :

لقد درست هذه الظاهرة بعناية ودقة فالسنونو تبني أعشاشها في أوروبا في فصل الصيف ، وعند إقتراب الشتاء تصبح الفراخ قادرة على الطيران وترحل أسراب السنونو بأجمعها إلى أفريقيا حيث تبقى إلى حلول الربيع وقد تعود بعض السنونو إلى أعشاشها التي تركتها في الصيف السابق. وفي النصف الشمالي من الكرة الأرضية تسمى طيور الوقواق والمغرد والبلابل (( زوار الصيف)) وهناك أيضا (( زوار الشتاء)) أمثال البط والأوز التي تمضي فصل الصيف في المناطق القطبية حيث تبني أعشاشها . أما في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية فالأمر مماثل إلا أنه يتم بالعكس فالطيور تتجه جنوبا لتتوالد ، وترجع شمالا للإستراحة . وبعض رحلات الطيور مدهشة ، وأطول مسافة سجلت لهجرة طائر هي 17600 كم وهي المسافة التي تقطعها الخرشنة القطبية إذ تهاجر جنوبا من القطب الشمالي لتقضي الصيف في القطب الجنوبي وتهاجر الطيور عادة أسرابا والسنونو تتجمع لتهاجر سوية إلى أفريقيا ، والأوز يصل إلى المناطق القطبية بأعداد كبيرة وهو يطير بتشكيلة مثل الرقم 7 .

 

الإهتداء إلى الطريق :

يعتقد الخبراء بأن الطيور المهاجرة تهتدي بواسطة الشمس في النهار والنجوم في الليل . وبعض الطيور قد تتعرض إلى إضاعة طريقها إذا ضربتها عاصفة ما. ولزيادة فهمهم للهجرة يقوم العلماء بإمساك بعض الطيور ويضعون حلقات على أرجلها ويطلقونها. وهذه الطيور التي يعاد الإمساك بها بعد عودتها تدل على الطرق التي تسلكها والمسافة التي تقطعها . وأحد هذه الطيور أطلق في أميركا وطار مسافة 4800 كم عبر الأطلسي إلى عشه على جزيرة غربي شاطئ ويلز . والدافع الطبيعي إلى الهجرة قد يتأثر بطول النهار فبإقتراب الربيع تزداد قابلية الطير للأكل كي يكنز دهنا استعدادا للرحلة الطويلة . وتقوم بعض الحشرات والقوازب والأسماك برحلات أقصر وكل سنة تقوم أنواع من الفراشات بالهجرة من أوروبا إلى بريطانيا وكذلك بعض أنواع العث وثمة أنواع من الحشرات الطائرة تهاجر مرة واحدة إلى بريطانيا مثلا وهناك تضع بيوضها ثم تموت.

وبين القوازب العلجوم ( ضفدع الطين) يهاجر كل سنة إلى البركة نفسها ، ويقضي الصيف في المناطق البرية المحيطة بالمكان أو البساتين ثم يسبت وعند الربيع يعود مساء إلى بركته الأصلية متجاهلا وجود أية برك أخرى وقد تبلغ مسافة هجرته 2 كم.

 

الهجرة في البحر :

سمك السلمون يصعد من البحر إلى أعالي النهر لكي يضع بيوضه . كذلك الإنكليس العادي ، ولكن بالعكس إذ أن الإنكليسيضع بيوضه في أعماق البحر من جهة القارة الأميركية ، وعندما تفقس البيوض تعوم اليرقانات على سطح الماء ويدفعها التيار عبر المحيط الأطلسي إلى شواطئ أوروبا ، حوالي 3200 كم وفي مطلع الصيف تشاهد أسراب من صغار الإنكليس حوالي الشواطئ الأوربية . والإنكليس يعيش في الأنهار والبرك وبعد خمس او سمت سنوات يعود إلى البحر .

 

تغيرات الطقس :

الثدييات البرية التي تهاجر تكون عادة هاربة من الطقس البارد او من الجفاف . فالغزال الأحمر يقضي الصيف في الجبال وينزل إلى الوديان التي تقيه برد الشتاء. والأيل القطبي ( أو الرنة) يتجه شمالا في الربيع ويرجع جنوبا في الشتاءوعلى سهول أفريقيا الشرقية تقوم قطعان هائلة من الغزلان وحمار الزرد بالإتجاه نحو مراع أفضل فتغادر السهول التي يجف فيها العشب ويقل الطعام وتندفع نحو موطيء الجبال حيث يتاح لها إيجاد ما يكفي من الغذاء.

 

الإتصال والذكاء :

ليس من الضروري أن نعلم الحيوان كيف يصنع أكثر الأشياء فهو يولد وتولد معه القدرة على إيجاد طعامه وإتقاء الخطر وهذه القدرة ندعوها (( الغزيرة )) وكثير من لحيوانات تعيش معتمدة على الغريزة فقط فجميع اللافقاريات ومجموعات عديدة من الفقريات تعيش فقط متجاوبة مع ما حولها .

 

التعلم :

هناك أنواع كثيرة من الحيوانات قابلة للتعلم وأحد الأساليب الأساسية هو بطريقة الخطأ والصواب أي التجربة فإذا حاول حيوان أن يفعل شيئا ولم ينجح فلنجعله يحاول مرة أخرى. وتستطيع الحيوانات أن تتعلم إذا راقبت غيرها وقلدته كما يمكن تعليم حيوان كيف يفعل أمرا ما. فصغار الحيوانات تكتسب مهارات عديدة من والديها كما تتعلم من بعضها البعض.

 

التفكير والإستنتاج :

تستطيع بعض الحيوانات ان تجد الطريقة كي تفعل شيئا ما وهذا ما ندعوه الإستنتاج والحيوانات التي لديها هذه المقدرة تعتبر حيوانات ذكية . والذكاء يختلف كثيرا بين الحيوانات فالإختبارات التي أجريت على أنواع من الإخطبوط بينت على أن بإستطاعته حل بعض المسائل البسيطة فإذا شاهد الإخطبوط سرطانا داخل إناء زجاجي ذي غطاء فإنه يحاول نزع الغطاء ليصل إلى السرطان ويلتهمه . وطير النورس لا يستطيع ان يكسر أصداف المحار بمنقاره لذلك تعلم أن يحملها ويطير بها عاليا ثم يلقي بها على الصخور حيث تتحطم. وبعض الطيور والحيوانات أمثال الشمبانزي والإنسان تستخدم أشياء تساعدها على التغلب على المصاعب فعصفور الدوري في جزر (( غالاباغوس)) يستخدم شوكة الصبير لإستخراج الحشرات من تجاويف الشجر والشمبانزي يعرف كيف يحل مسائل أكثر تعقيدا مثلا ان يضع عدة صناديق الواحد فوق الآخر كي يصل إلى قرط من الموز. الإنسان وحده له القدرة على حل مسائل عويصة مثل إستنباط وصنع كمبيوتر يستعمله في حل مشاكله .

 

الإتصال أو تبادل المعلومات :

الإتصال هو إبلاغ معلومات ما من حيوان إلى آخر . والمعلومات قد تقتصر فقط على هوية وجنس الفرد أو الإبلاغ عن نواياه وطباعه. كل الحيوانات تقريبا لها إتصال مع أعضاء جنسها او مع الأنواع الأخرى ولهذه الإتصالات أسباب مختلفة فأفراد المجموعة الواحدة قد يحذر أحدهم الآخر من خطر يتهددهم كما أنهم قد يتبادلون المعلومات بوجود غذاء كذلك عندما يحين موعد التزاوج.

 

لغة الحيوانات :

ويتم الإتصال بين الحيوانات بطريقتين ، وتنقل المعلومات من حيوان إلى آخر بالطريقة التي يتصرف بها ، وتسمى هذه الرسائل (( رسائل نشاط)) أو (( رسائل تصرف)) أما إذا كان الإتصال فقط لإعطاء معلومات عن المرسل دون أن يتبع ذلك أي حدث فتسمى هذه (( رسائل سلبية )) أو (( لا سلكية )).

 

الرسائل اللاسلكية :

مظهر الحيوان يعطي بعض المعلومات عنه شكله ولونه وعلامات جسمه وحجمه تعرف عن الحيوان وعن المجموعة التي ينتسب إليها كما أنها قد تدل على مكانته في مجتمعه . وبين أعضاء كل مجموعة قد توجد فروقات جسدية بين الذكر والأنثى ولا تظهر هذه الفروق إلا عندما يصبح الحيوان بالغا أو كامل النمو جنسيا . ولكثير من الحيوانات رائحة خاصة تنتجها غدد خاصة للرائحة تفرز سائلا وتستعمل هذه الإفرازات لتحديد مناطقها أو أحدها الآخر . وقد تختلف هذه الروائح بين أعضاء المجموعة الواحدة. وفي غضون موسم التزاوج قد تستخدم الحيوانات هذه الروائح لإجتذاب وإستثارة الزوج العتيد.

 

الرسائل التصرفية :

هذه الرسائل أكثر تعقيدا من سابقاتها فكل عمل يقوم به الحيوان يعطي شيئا من المعلومات عن نفسه ، وأكثر هذه الرسائل التصرفية قد توضح كيف يشعر الحيوان أو انه قد يفعل شيئا ما . والغاية منها إما كإشارة أو للمظهر فقط . وفي جميع أنواع الإتصالات يجب إيصال الملعومات ثم فهمها وتفسير المعلومات يتطلب استعمال حاسة أو بضعة حواس ويستطيع الحيوان أن يستخدم أكثر أعضاء جسمه في عملية الإتصال ولكثير من الفقريات الرأس هو أهم عضو في الإتصال واستعمال حركات الوجه يبين حقيقة الشعور خصوصا لدى الثدييات وهذا يمكنهم من التفريق بين ما يشعر به الآخرون حتى لو كانوا من فصيلة أخرى. والمقدرة على إخراج أصوات هي إحدى أهم وسائل الإتصال فهي تتيح للحيوانات أن يرسلوا معلومات إلى الآخر حتى ولو لم يستطيعوا رؤيته.
  
 

                
 










.

34
منتدى علوم الأرض / علم الجيولوجيا
« في: نوفمبر 12, 2004, 10:31:35 مساءاً »
الجيولوجيا هو علم الأرض أي العلم الذي يبحث في كل شيء يختص بالأرض من حيث تركيبها و كيفية تكوينها و الحوادث التي كانت في نشأتها الأولى وكذلك يبحث هذا العلم في حالة عدم الاستقرار و التغير المستمر الذي يحدث بالكتلة الصلبة للأرض نتيجة لتأثير عمليات وقوى مختلفة سواء كانت هذه القوى من خارج الكتلة الصلبة للأرض أو من داخلها كما يبحث في نتائج هذا التغير. و الجيولوجيا كلمة إنجليزية مأخوذة أصلاً عن الكلمة اللاتينية و اليونانية <Geology>، حيث أن المقطع (Geo) معناه الأرض، والمقطع (logy) معناه العلم.

مع تقدم وسائل البحث في العلوم عامة، تعمق العلماء في دراسة الجيولوجيا، وبدأ يضيق الاختصاص في نواح معينة منه، وكان من نتيجة ذلك أن تفرعت الجيولوجيا إلى فروع متعددة لكل منها مجال واضح.

ومن فروع الجيولوجيا ما يلي:
1- الجيولوجيا الكونية Cosmic Geology
تختص الجيولوجيا الكونية بدراسة أصل الأرض وصلتها بالأجرام السماوية، وطبيعة تكوين هذه الأجرام، ومقارنة ذلك بطبيعة تكوين الأرض.
2- الجيولوجيا الطبيعية Physical Geology
وتختص بدراسة العمليات الطبيعية التي أثرت وما زالت تؤثر على القشرة الأرضية، والتي شكلت ولا زالت تشكل تضاريس الكتلة الصلبة للأرض حتى أصبحت على ما هي عليه الآن ، وما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل.
3- علم المعادن Mineralogy
يشمل علم المعادن دراسة المعادن من حيث صفاتها الطبيعية والكيميائية والتعرف عليها، كما يشمل دراسة وجودها كمواد خام وطرق استخلاصها.
4- علم البلورات Crystallography
يختص هذا العلم بدراسة البلورات من حيث شكلها الظاهري  وتركيبها والتعرف عليها وعلى الصخور والمعادن التي تحتويها

35
منتدى علوم الحاسب / المخاطر الأمنية للانترنت:
« في: نوفمبر 10, 2004, 09:28:48 صباحاً »
مقدمة حول جرائم الحاسب الآلي والإنترنت:

اُشْتُقّتْ كلمة الجريمة في اللغة من الجُرم وهو التعدي أو الذنب، وجمع الكلمة إجرام وجروم وهو الجريمة. وقد جَرَمَ يَجْرِمُ واجْتَرَمَ وأَجْرَم فهو مجرم وجريم (ابن منظور، بدون : 604 – 605)، وعَرَّفت الرشيعة الاسلامية الجريمة بانها " محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير" (الماوردي، 1417هـ : 19)

تعرّف جرائم الحاسب الآلي والإنترنت بانها: " ذلك النوع من الجرائم التي تتطلب المام خاص بتقنيات الحاسب الآلي ونظم المعلومات لارتكابها أو  التحقيق فيها ومقاضاة فاعليها" ( مندورة،1410 : 21 )، كما يمكن تعريفها بانها " الجريمة التي يتم ارتكابها اذا قام شخص ما باستخدام معرفته بالحاسب الآلي بعمل غير قانوني " ( محمد ، 1995 : 73 )

وهناك من عرفها بانها " أي عمل غير قانوني يستخدم فيه الحاسب كاداة، أو  موضوع للجريمة " ( البداينة، 1420هـ : 102 ).

أما التعريف الإجرائي لدراسة الباحث فتُعَرَّفْ جرائم الإنترنت بأنها : جميع الأفعال المخالفة للتشريع الإسلامي ولأنظمة المملكة العربية السعودية والتي ترتكب بواسطة الحاسب الآلي من خلال شبكة الإنترنت، ويشمل ذلك الجرائم الجنسية،جرائم الاختراقات ،الجرائم التجارة الإلكترونية ، جرائم إنشاء أو  ارتياد المواقع المعادية، جرائم القرصنة ،الجرائم المنظمة. وفي كل الاحوال فجريمة الحاسب الآلي " لاتعترف بالحدود بين الدول ولا حتى بين القارات فهي جريمة تقع في اغلب الاحيان عبر حدود دولية كثيرة " ( عيد، 1419هـ: 252 )، وتعد جريمة الإنترنت من الجرائم الحديثة التى يُستخدم فيها شبكة الإنترنت كأداة لارتكاب الجريمة أو  تسهيل ارتكابها (Vacca , 1996 )

واطلق مصطلح جرائم الإنترنت أو (Internet Crimes) في مؤتمر جرائم الإنترنت    المنعقد في استراليا للفترة من 16 – 17/2/1998م (بحر، 1999م : 2 )

وبالرغم من حداثة جرائم الحاسب الآلي والإنترنت نسبيا الا انها لقت اهتماما من قبل بعض الباحثين حيث اجرت العديد من الدراسات المختلفة لمحاولة فهم هذه الظاهرة ومن ثم التحكم فيها، ومنها دراسة اجرتها منظمة ( Busieness Software Alliance)  في الشرق الاوسط حيث أظهرت أن هناك تباين بين دول منطقة الشرق الاوسط في حجم خسائر جرائم الحاسب الآلي حيث تراوحت ما بين ( 30) مليون دولار أمريكي في المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة و ( 1.4 ) مليون دولار أمريكي في لبنان ( موثق في البداينة، 1420هـ : 98)  

كما أظهرت دراسة قامت بها الامم المتحدة حول جرائم الحاسب الآلي والإنترنت      بان ( 24 – 42 ٪ ) من منظمات القطاع الخاص والعام على حد سواء كانت ضحية لجرائم متعلقة بالحاسب الآلي والإنترنت ( البداينة، 1999م : 5 ).

وقدرت الولايات المتحدة الامريكية خسائرها من جرائم الحاسب الآلي مابين ثلاثة وخمسة بلاين دولار سنويا، كما قدرت المباحث الفيدرالية (FBI) في نهاية الثمانينات الميلادية أن متوسط تكلفة جريمة الحاسب الآلي الواحد حوالي ستمائة الف دولار سنويا مقارنة بمبلغ ثلاثة الاف دولار سنويا متوسط الجريمة الواحدة من جرائم السرقة بالاكراه. وبينت دراسة اجراها احد مكاتب المحاسبة الامريكية أن مائتين واربعين (240) شركة امريكية تضررت من جرائم الغش باستخدام الكمبيوتر Computer Fraud)).

كما بينت دراسة اخرى اجريت في بريطانيا انه وحتى اواخر الثمانينات ارتكب ما يقرب من (262) مائتين واثنين وستون جريمة حاسوبية وقد كلفت هذه الجرائم حوالي   ( 92 ) اثنان وتسعون مليون جنيه استرليني سنويا ( محمد ، 1995م : 21 ).

وأظهر مسح اجري من قبل (the computer security institute)  في عام    (1999م) ان خسائر (163) شركة من الجرائم المتعلقة بالحاسب الآلي بلغت أكثر من مائة وثلاثة وعشرون مليون دولار، في حين اظهر المسح الذي أجري في عام (2000م)  ارتفاع عدد الشركات المتضررة حيث وصلت إلى  (273) شركة بلغ مجموع  خسائرها اكثر من مائتين وستة وخمسون مليون دولارRapalus,2000))، كما بينت احصائيات الجمعية الامريكية للامن الصناعي ان الخسائر التى قد تسببها جرائم الحاسب الالي للصناعات الامريكية قد تصل الى (63) بليون دولار امريكي وان (25٪ ) من الشركات الامريكية تتضرر من جرائم الحاسب الالي في حين اصيب (63٪ ) من الشركات الامريكية والكندية بفيروسات حاسوبية، وان الفقد السنوي بسبب سوء إستخدام الحاسب الالي وصل (555) مليون دولار (Reuvid,1998, p. 14)

ومن الصعوبة بمكان تحديد أي جرائم الحاسب الآلي المرتكبة هي الاكبر من حيث الخسائر حيث لا يعلن الكثير عن مثل هذه الجرائم، ولكن من اكبر الجرائم المعلنة هي جريمة لوس انجلوس حيث تعرضت اكبر شركات التامين على الاستثمارات المالية (EFI) للافلاس وبلغت خسائرها مليارين دولار امريكي. وهناك ايضا حادثة انهيار بنك بارينجر  البريطاني في لندن اثر مضاربات فاشلة في بورصة الاوراق المالية في طوكيو حيث حاول البنك اخفاء الخسائر الضخمة باستخدام حسابات وهمية ادخلها في الحسابات الخاصة بالبنك بمساعدة مختصيين في الحاسب الآلي وقد بلغت اجمالي الخسائر حوالي مليار ونصف دولار امريكي  ( داود، 1420هـ: 31 )

وتعتبر هذه الخسائر بسيطة نسبيا مع الخسائر التى تسببتها جرائم نشر الفيروسات والتي تضر بالافراد والشركات وخاصة الشركات الكبيرة حيث ينتج عنها توقف اعمال بعض تلك الشركات نتيجة إتلاف قواعد بياناتها، وتتراوح اضرار الفيروسات ما بين عديمة الضرر إلى  البسيط الهين وقد تصل إلى  تدمير محتويات كامل الجهاز، وأن  كان الاكثر شيوعا من هذه الفيروسات هو ما يسبب ضررا محصورا في اتلاف البيانات التي يحتويها الجهاز وبالرغم من ذلك فإن الضرر قد يصل في بعض المنشئات التجارية والصناعية إلى  تكبد خسائر مادية قد تصل إلى  مبالغ كبيرة، وعلى سبيل المثال وصلت خسائر فيروس كود رد إلى  ملياري دولار امريكي، في حين وصلت الاضرار المادية لفيروس الحب الشهير (8.7) مليون دولار واستمر انتشار الفيروس لخمسة اشهر وظهر منه (55) نوعا. (Ajeebb.com,8/8/2001)  

وجرائم الإنترنت كثيرة ومتنوعة ويصعب حصرها ولكنها بصفة عامة تشمل الجرائم الجنسية كإنشاء المواقع الجنسية الاباحية والتى تقوم بإيجار الأفلام الجنسية وجرائم الدعارة أو  الدعاية للشواذ أو  تجارة الأطفال جنسيا، كما تشمل جرائم ترويج المخدرات أو  زراعتها، وتعليم الإجرام والإرهاب كتعليم صنع المتفجرات، إضافة إلى  جرائم الفيروسات واقتحام المواقع. وكثيرا ما تكون الجرائم التى ترتكب بواسطة الإنترنت    وثيقة الصلة بمواقع ارضية على الطبيعة كما حدث منذ حوالي سنتين عندما قام البوليس البريطاني بالتعاون مع أمريكا ودول أوروبية بمهاجمة مواقع أرضية لمؤسسات تعمل في دعارة الإنترنت   ، وأن  كانت متابعة جرائم الحاسب الآلي والإنترنت     والكشف عنها من الصعوبة بمكان حيث أن " هذه الجرائم لا تترك اثرا، فليست هناك اموال أو  مجوهرات مفقودة وأن ما هي ارقام تتغير في السجلات. ومعظم جرائم الحاسب الآلي تم اكتشافها بالصدفة وبعد وقت طويل من ارتكابها، كما أن الجرائم التى لم تكتشف هي اكثر بكثير من تلك التى كشف الستر عنها" ( مندورة ، 1410هـ : 22).

وتعود أسباب صعوبة إثبات جرائم الحاسب الآلي إلى  خمسة امور هي :

أولا: انها كجريمة لا تترك اثر لها بعد ارتكابها.

ثانيا: صعوبة الاحتفاظ الفنى باثارها ان وجدت.

ثالثا: انها تحتاج إلى  خبرة فنية ويصعب على المحقق التقليدي التعامل معها.

رابعا: انها تعتمد على الخداع في ارتكابها والتضليل في التعرف على مرتكبيها.

خامسا: انها تعتمد على قمة الذكاء في ارتكابها(موثق في شتا،2001م : 103).

إلا ان أهم خطوة في مكافحة جرائم الإنترنت    هي تحديد هذه الجرائم بداية ومن ثم تحديد الجهة التى يجب ان تتعامل مع هذه الجرائم والعمل على تاهيل منسوبيها بما يتناسب وطبيعة هذه الجرائم المستجدة وياتي بعد ذلك وضع تعليمات مكافحتها والتعامل معها والعقوبات المقترحة ومن ثم يركز على التعاون الدولي لمكافحة هذه الجرائم .

والإنترنت ليس قاصرا على السلبيات الأمنية   فقط حيث يمكن أن يكون مفيدا جدا في النواحي الأمنية كأن يستخدم الإنترنت في ايصال التعاميم والتعليمات بسرعة وكذلك في امكانية الاستفادة من قواعد البيانات المختلفة والموجودة لدى القطاعات الاخرى وتبادل المعلومات مع الجهات المعنية، ويفيد ايضا في مخاطبة الإنتربول ومحاصرة المجرمين بسرعة.

ففي دراسة أمنية لشرطة دبي حول الاستخدامات الأمنية  للانترنت حددت عشر خدمات امنية يمكن تقديمها للجمهور عن طريق شبكة الإنترنت وابرزت (15) سلبية يمكن أن تنجم عن الاستخدام السيئ لهذه التقنية أبرزها الاباحية والمعاكسات والاحتيال والتجسس والتهديد والابتزاز. وتطرقت الدراسة إلى  أهمية الاستعانة بشبكة الإنترنت    نظرا لدورها في نشر المعلومات بين الافراد في كافة انحاء العالم ( البيان،2000م ).

كما حددت دراسة الشهري الايجابات الأمنية  لشبكة الإنترنت في تلقي البلاغات، توفير السرية للمتعاونين مع الأجهزة الأمنية، طلب مساعدة الجمهور في بعض القضايا، نشر صور المطلوبين للجمهور، نشر المعلومات التى تهم الجمهور، تكوين جماعات اصدقاء الشرطة، توعية الجمهور امنيا، استقبال طلبات التوظيف، نشر اللوائح والانظمة الجديدة، توفير الخدمة الأمنية خارج اوقات العمل الرسمي، سهولة الوصول إلى  العاملين في الجهاز الامني ، اجراء استفتاءت محايدة لقياس الرأي العام، وسيط فاعل في عملية تدريب وتثقيف منسوبي القطاع واخيرا وسيط مهم للاطلاع على خبرات الدول المتقدمة ولاتصال مع الخبراء والمختصين في مختلف دول العالم (الشهرى، فايز، 1422هـ).

وليس الامر قاصرا على ذلك بل بادرت الدول الاوروبية الى الاستخدام الفعلي لشبكة الإنترنت في البحث عن المجرمين والقبض عليهم " فقد تمكنت العديد من الدول وفي مقدمتها المانيا وبريطانيا وتأتي في المرتبة الثالثة فرنسا من إستخدام شبكة الإنترنت في السعي نحو ضبط المجرمين – بل التعرف على كل الحالات المشابهة في كل انحاء اوروبا والاتصال فورا بالانتربول عبر شبكة الإنترنت" (الشهاوي، 1999م : 25)

فئات الجناة في جرائم الحاسب الآلي :

يمكن بصفة عامة حصر انواع الجناة في جرائم الحاسب الآلي في اربعة فئات :

الفئة الاولي : العاملون على اجهزة الحاسب الآلي في منازلهم نظرا لسهولة اتصالهم باجهزة الحاسب الآلي دون تقيد بوقت محدد أو  نظام معين يحد من استعمالهم للجهاز.

الفئة الثانية : الموظفون الساخطون على منظماتهم التى يعملون بها فبعودون إلى  مقار عملهم بعد انتهاء الدوام ويعمدون إلى  تخريب الجهاز أو  اتلافه أو  حتى سرقته، وقد يجد الموظف نفسه احيانا مرتكبا لجريمة حاسوبية بمحض الصدفة ودون تخطيط مسبق منه .

الفئة الثالثة : فئة العابثين أو  ما يعرفون بمسمى المتسللين (Hackers) وينقسم المتسللين إلى  قسمين فمنهم الهواة أو  العابثون بقصد التسلية ، وهناك المحترفين اللذين يتسللون إلى  اجهزة مختارة بعناية ويعبثون أو  يتلفون أو  يسرقون محتويات ذلك الجهاز. وتقع اغلب جرائم الإنترنت    حاليا تحت هذه الفئة سواء الهواة منهم أو  المحترفون.

الفئة الرابعة: الفئة العاملون في الجريمة المنظمة كالعصابات العاملة في مجال سرقة السيارات حيث يستخدمون الشبكة في معرفة الولايات الاعلى سعرا من حيث قطع الغيار ومن ثم يقومون ببيع قطع غيار السيارات المسروقة في تلك الولايات( محمد،1995م :74- 75 )  

 خصائص وأنواع جرائم الحاسب الآلي والإنترنت     :

بطيعة الحال فان من الصعوبة بمكان الفصل بين جرائم الحاسب الآلي وجرائم الإنترنت    فلابد للاول لارتكاب الثاني ولذلك فسنبين هنا خصائص وأنواع جرائم الحاسب الآلي بصفة عامة والتى تشمل في المقابل بعض جرائم الإنترنت، ومن ثم سنتطرق إلى  بعض المخاطر الأمنية للانترنت بصفة خاصة، ويمكن تصنيف جرائم الحاسب الآلي في مجموعات:

المجموعة الاولي :

 تستهدف مراكز معالجة البيانات المخزنة في الحاسب الآلي واستغلالها بطريقة غير مشروعة كمن يدخل إلى  احدى الشبكات ويحصل على ارقام بطاقات ائتمان بنكية مخزنة في الجهاز ويستدعى الجاني رقما معينا لاحدى البطاقات ويحصل بواسطته على مبالغ من حساب مالك البطاقة ، وما يميز هذا النوع من الجرائم انه من الصعوبة بمكان اكتشافه ما لم يكن هناك تشابهه في بعض اسماء اصحاب هذه البطاقات .

 المجموعة الثانية :

 تستهدف مراكز معالجة البيانات المخزنة في الحاسب الآلي بقصد التلاعب بها أو  تدميرها كليا أو  جزئيا ويمثل هذا النوع الفيروسات المرسلة عبر البريد الالكتروني أو  بواسطة برنامج مسجل في احد الوسائط المتنوعة والخاصة بتسجيل برامج الحاسب الآلي ويمكن اكتشاف مثل هذه الفيروسات في معظم الحالات بواسطة برامج حماية مخصصة للبحث عن هذه الفيروسات ولكن يشترط الامر تحديث قاعدة بيانات برامج الحماية لضمان اقصى درجة من الحماية . ومع أن وجود هذه البرامج في جهاز الحاسب الآلي لا يعنى اطلاقا الحماية التامة من أي هجوم فيروسي وأن ما هو احد سبل الوقاية والتى قد يتسلل الفيروس إلى  الجهاز بالرغم من وجودها ويلحق اذى بالجهاز ومكوناته خاصة اذا كان الفيروس حديث وغير معروف من السابق .

 المجموعة الثالثة :

تشمل استخدام الحاسب الآلي لارتكاب جريمة ما، وقد وقعت جريمة من هذا النوع في احدى الشركات الامريكية التى تعمل سحبا على جوائز اليانصيب حيث قام احد الموظفين بالشركة بتوجيه الحاسب الآلي لتحديد رقم معين كان قد اختاره هو فذهبت الجائزة إلى  شخص بطريقة غير مشروعة [وأن  كان اليانصيب غير مشروع اصلا ]

 المجموعة الرابعة :

تشمل اساءة استخدام الحاسب الآلي أو  استخدامه بشكل غير قانوني من قبل الاشخاص المرخص لهم باستخدامه ومن هذا استخدام الموظف لجهازه بعد انتهاء عمله في امور لا تخص العمل .( محمد ، 1995م) و ( مندورة ، 1410 هـ)
 
المخاطر الأمنية للانترنت

لايمكن حصر المخاطر الأمنية  بصفة دقيقة لاسباب متعددة منها ان انتشار الإنترنت    يعتبر حديثا نسبيا كما انه ولطبيعة العمل الامني فان المخاطر مستجدة دوما ولا تقف عند زمن معين أو  على نمط محدد، فالخير والشر في صراع دائم لايتوقف منذ قديم الزمن، الا انه  

         " يمكن النظر للانترنت كمهدد للامن الاجتماعي وخاصة في المجتمعات المغلقة والشرقية، حيث ان تعّرض مثل هذه المجتمعات لقيم وسلوكيات المجتمعات الاخرى قد تسبب تلوثا ثقافيا يؤدي إلى  تفسخ اجتماعي وأن هيار في النظام الاجتماعي العام لهذه المجتمعات. إن الاستخدام غير الاخلاقي واللاقانوني للشبكة قد يصل إلى  مئات المراهقين والهواة مما يؤثر سلبا على نمو شخصياتهم النمو السليم ويوقعهم في ازمات نمو، وازمات قيمية لا تتماشى مع النظام الاجتماعي السائد، وبخاصة عند التعامل مع المواضيع الجنسية وتقديم الصور والمواد الاباحية" ( البداينة، 1999م : 101)

ولذلك سنتطرق هنا إلى  أهم – وليس إلى  جميع - المخاطر الأمنية  للانترنت. ومن أهم هذه المخاطر:  
 
 1.  التجسس الالكتروني:·

" في عصر المعلومات وبفعل وجود تقنيات عالية التقدم فإن حدود الدولة مستباحة بأقمار التجسس والبث الفضائي " (البداينة، 1988م) و العالم العربي والاسلامي كان ولا يزال مستهدف امنيا وثقافيا وفكريا وعقديا لاسباب لاتخفى على احد. وقد تحولت وسائل التجسس من الطرق التقليدية إلى  الطرق الإلكترونية   خاصة مع استخدام الإنترنت    وأن تشاره عربيا وعالميا. ولا تكمن الخطورة في استخدام الإنترنت    ولكن في ضعف الوسائل الأمنية  المستخدمة في حماية الشبكات الخاصة بالمؤسسات والهيئات الحكومية ولايمكن حتما  الاعتماد على وسائل الحماية التى تنتجها الشركات الاجنبية فهي ليست في مأمن ولا يمكن الاطمئنان لها تماما. ولا يقتصر الخطر على محاولة اختراق الشبكات والمواقع على العابثين من مخترقي الانظمة أو ما يعرفون اصطلاحا ( hackers ) فمخاطر هؤلاء محدودة وتقتصر غالبا على العبث أو  اتلاف المحتويات والتى يمكن التغلب عليها باستعادة نسخة اخرى مخزنة في موقع امن، اما الخطر الحقيقي فيكمن في عمليات التجسس التى تقوم بها الأجهزة الاستخباراتية للحصول على اسرار ومعلومات الدولة ومن ثم افشائها لدول اخرى تكون عادة معادية، أو  استغلالها بما يضر بالمصلحة الوطنية لتلك الدولة. وقد وجدت بعض حالات التجسس الدولي ومنها ما اكتشف اخيرا عن مفتاح وكالة الامن القومي الامريكية ( NSA )  والتى قامت بزاعته في نظام التشغيل الشهير وندوز، وربما يكون هذا هو احد الاسباب الرئيسية التى دعت الحكومة الالمانية باعلانها في الاونة الاخيرة عن استبدالها لنظام التشغيل وندوز بانظمة اخرى.كما كشف اخيرا النقاب عن شبكة دولية ضخمة للتجسس الالتكروني تعمل تحت اشراف وكالة الامن القومية الامريكية بالتعاون مع اجهزة الاستخبارات والتجسس في كندا،بريطانيا، استراليا ونيوزيلندا ويطلق عليها اسم   (ECHELON) لرصد المكالمات الهاتفية والرسائل بكافة انواعها سواء ماكان منها برقيا، تلكسيا، فاكسيا أو  الكترونيا. وخصص هذا النظام للتعامل مع الاهداف غير العسكرية وبطريقة تجعله يعترض كميات هائلة جدا من الاتصالات والرسائل الالكتروينة عشوائيا باستخدام خاصية الكلمة المفتاح بواسطة الحاسبات المتعددة والتى تم انشاء العديد من المحطات السرية حول العالم للمساهمة في مراقبة شبكات الاتصالات الدولية ومنها محطة رصد الاقمار الصناعية الواقعة في منطقة واي هوباي بجوب نيوزيلندا، ومحطة جير الدتون الموجودة باستراليا، والمحطة الموجودة في منطقة موروينستو في مقاطعة كورنوول ببريطانيا، والمحطة الواقعة في الولايات المتحدة الامريكية بمنطقة شوجرجروف وتبعد(250) كيلومترا جنوب واشنطن دي سي، وايضا المحطة الموجودة بولاية واشنطن على بعد(200) كيلومتر جنوب غرب مدينة سياتل. ولا يقتصر الرصد على المحطات الموجهة إلى  الاقمار الصناعية والشبكات الدولية الخاصة بالاتصالات الدولية، بل يشمل رصد الاتصالات التى تجرى عبر انظمة الاتصالات الارضية وكذا الشبكات الإلكترونية  . أي انه يرصد جميع الاتصالات التى تتم بأي وسيلة. ويعتبر الافراد والمنظمات والحكومات اللذين لا يستخدمون انظمة الشفرة التامينية أو  انظمة كودية لحماية شبكاتهم واجهزتهم، اهدافا سهلة لشبكة التجسس هذه، وأن  كان هذا لا يعنى بالضرورة ان الاهداف الاخرى التى تستخدم انظمة الشفرة في مأمن تام من الغزوات الاستخباراتية لهذه الشبكة ومثيلاتها. ولا يقتصر التجسس على المعلومات العسكرية أو  السياسية بل تعداه إلى  المعلومات التجارية والاقتصادية بل وحتى الثقافية ( عبدالمطلب، 2001م : 30-45).

فمع توسع التجارة الإلكترونية  عبر شبكة الإنترنت تحولت الكثير من مصادر المعلومات إلى  اهداف للتجسس التجاري ففي تقرير صدر عن وزارة التجارة والصناعة البريطانية أشار إلى  زيادة نسبة التجسس على الشركات من ( 36٪ ) عام (1994م) إلى  ( 45٪ ) عام (1999م).كما اظهر استفتاء اجرى عام (1996م) لمسؤلي الامن الصناعي في الشركات الامريكة حصول الكثير من الدول وبشكل غير مشرع على معلومات سرية لانشطة تجارية وصناعية في الولايات المتحدة الامريكية( داود،1420هـ : 62).

ومن الاساليب الحديثة للتجسس الالكتروني اسلوب إخفاء المعلومات داخل المعلومات  وهو أسلوب شائع وأن  كان ليس بالامر السهل، ويتلخص هذا الاسلوب في لجوء المجرم إلى  اخفاء المعلومة الحساسة المستهدفة بداخل معلومات اخرى عادية داخل الحاسب الآلي ومن ثم يجد وسيلة ما لتهريب تلك المعلومة العادية في مظهرها وبذلك لا يشك احد في ان هناك معلومات حساسة يتم تهريبها حتى ولو تم ضبط الشخص متلبسا، كما قد يلجأ إلى  وسائل غير تقليدية للحصول على المعلومات السرية( داود، 1420هـ : 67 )  

وبعد الاعتداءات الاخيرة على الولايات المتحدة الامريكية صدرت تعليمات جديدة لأقمار التجسس الاصطناعية الأمريكية بالتركيز على أفغانستان والبحث عن أسامة بن لادن والجماعات التابعة له، وقررت السلطات الأمريكية الاستعانة في عمليات التجسس على أفغانستان بقمرين اصطناعيين عسكريين مصممان خصيصا لالتقاط الاتصالات التي تجرى عبر أجهزة اللاسلكي والهواتف المحمولة، بالإضافة لقمرين اصطناعيين آخرين يلتقطان صورا فائقة الدقة وفي نفس الوقت طلب الجيش الأمريكي من شركتين تجاريتين الاستعانة بقمرين تابعين لهما لرصد الاتصالات ومن ثم تحول بعد ذلك إلى  الولايات المتحدة حيث تدخل في أجهزة كمبيوتر متطورة لتحليلها. وتشارك في تلك العمليات شبكة إشيلون المستخدمة في التجسس على المكالمات الهاتفية ورسائل الفاكس والبريد الإلكتروني، الأمر الذي يتيح تحليل الإشارات التي تلتقطها الأقمار الصناعية حتى إن كانت واهنة أو  مشفرة (BBC,2001)


--------------------------------------------------------------------------------

·  للاستاذة يمكن الرجوع الى كتاب الجريمة عبر الانترنت للدكتور ممدوح عبدالمطلب ص 30 – 45
 

2. القرصنة :
يقصد بالقرصنة هنا الاستخدام او/و النسخ غير المشروع لنظم التشغيل أو/ولبرامج الحاسب الآلي المختلفة. وقدتطورت وسائل القرصنة مع تطور التقنية، ففي عصر الإنترنت تطورت صور القرصنة واتسعت واصبح من الشائع جدا العثور على مواقع بالإنترنت خاصة لترويج البرامج المقرصنة مجانا أو بمقابل مادي رمزي. وقد ادت قرصنة البرامج إلى خسائر مادية باهضة جدا وصلت في العام (1988م) إلى ( 11 ) مليار دولار امريكي في مجال البرمجيات وحدها، ولذلك سعت الشركات المختصة في صناعة البرامج إلى الاتحاد وأن شاء منظمة خاصة لمراقبة وتحليل سوق البرمجيات ومن ذلك منظمة اتحاد برمجيات الاعمال ( Busines Software Alliance ) أو ما تعرف اختصارا بـ(BSA)، والتى اجرت دراسة تبين منها ان القرصنة على الإنترنت ستطغى على انواع القرصنة الاخرى، ودق هذا التقرير ناقوس الخطر للشركات المعنية فبدأت في طرح الحلول المختلفة لتفادي القرصنة على الإنترنت ومنها تهديد بعض الشركات بفحص القرص الصلب لمتصفحي مواقعهم على الإنترنت لمعرفة مدى استخدام المتصفح للموقع لبرامج مقرصنة الا ان تلك الشركات تراجعت عن هذا التهديد اثر محاربته من قبل جمعيات حماية الخصوصية لمستخدمي الإنترنت . كما قامت بعض تلك الشركات بالاتفاق مع مزودي الخدمة لابلاغهم عن اي مواقع مخصصة للبرامج المقرصنة تنشأ لديهم وذلك لتقديم شكوي ضدهم ومقاضاتهم ان امكن أو اقفال تلك المواقع على اقل تقدير. والقرصنة عربيا لا تختلف كثيرا عن القرصنة عالميا ان لم تسبقها بخطوات خاصة في ظل عدم توفر حقوق الحماية الفكرية أو في عدم جدية تطبيق هذه القوأن ين ان وجدت ( فادي، نوفمبر 1999م : 28-35 ).

3. الارهاب الالكتروني :
في عصر الازدهار الالكتروني وفي زمن قيام حكومات الكترونية كما في الامارات العربية المتحدة، تبدل نمط الحياة وتغيرت معه اشكال الاشياء وأن ماطها ومنها ولا شك انماط الجريمة والتي قد يحتفظ بعضها بمسماها التقليدي مع تغيير جوهري أو بسيط في طرق ارتكابها، ومن هذه الجرائم الحديثة في طرقها القديمة في اسمها جريمة الارهاب والتى اخذت منحنى حديث يتماشى مع التطور التقنى.
وقد انتبه الغرب إلى قضية الارهاب الالكتروني منذ فترة مبكرة، فقد شكل الرئيس الامريكي بيل كلنتون لجنة خاصة (www.nipc.gov) مهمتها حماية البنية التحتية الحساسة في امريكا والتى قامت في خطوة اولى بتحديد الاهداف المحتملة استهدافها من قبل الارهابين ومنها مصادر الطاقة الكهربائية والاتصالات اضافة إلى شبكات الحاسب الآلي، ومن ثم تم انشاء مراكز خاصة في كل ولاية للتعامل مع احتمالات أي هجمات ارهابية الكترونية، كما قامت وكالة الاستخبارات المركزية بانشاء مركز حروب المعلوماتية وظفت به الفا من خبراء امن المعلومات، كما شكلت قوة ضاربة لمواجهة الارهاب على مدار الساعة ولم يقتصر هذا الامر على هذه الوكالة بل تعداه إلى الأجهزة الحكومية الاخرى كالمباحث الفدرالية والقوات الجوية. وبعد الهجمات الاخيرة على الولايات المتحدة الامريكية ارتفعت اصوات البعض بممارسة الارهاب الالكتروني ضد المواقع الاسلامية والعربية التى يشتبه بانها تدعم الارهاب، واوردت شبكة (CNET) الاخبارية خبرا عن اتفاق (60) خبيرا في امن الشبكات ببدء تلك الهجمات الارهابية على مواقع فلسطينية وافغانية. ( مجلة انترنت العالم العربي، 2001م)
وحذّر تقرير صدر من وزارة الدفاع الامريكية عام 1997م من (( بيرل هاربور الكتروينة )) في اشارة إلى الهجوم المفاجئ الذى شنه سلاح الجو الياباني على الاسطول الامريكي في ميناء (( بيرل هاربور )) اثناء الحرب العالمية الثانية، وتوقع التقرير ان يزداد الهجوم على نظم المعلومات في الولايات المتحدة الامريكية من قبل الجماعات الارهابية أو عصابات الاجرام المنظم أو عملاء المخابرات الاجنبية وأن يصل هذا الهجوم إلى ذروته عام 2005م ، واوضح التقرير ان شبكة الاتصالات ومصادر الطاقة الكهربائية والبنوك وصناعات النقل في الولايات المتحدة الامريكية معرضة للهجوم من قبل أي جهة تسعى لمحاربة الولايات المتحدة الامريكية دون ان تواجه قواتها المسلحة. ( داود، 1420هـ )


4. الجرائم المنظمة :
يتبادر إلى الذهن فور التحدث عن الجريمة المنظمة عصابات المافيا كون تلك العصابات من اشهر المؤسسات الاجرامية المنظمة. وقد سارعت عصابات المافيا بالاخذ بوسائل التقنية الحديثة سواء في تنظيم أو تنفيذ اعمالها، ومن ذلك انشاء مواقع خاصة بها على شبكة الإنترنت لمساعدتها في ادارة العمليات وتلقي المراسلات واصطياد الضحايا وتوسيع اعمال وغسيل الاموال، كما تستخدم تلك المواقع في انشاء مواقع افتراضية تساعد المنظمة في تجاوز قوأن ين بلد محدد بحيث تعمل في بلد اخر يسمح بتلك الانشطة. ويوجد على الشبكة ( 210 ) موقع يحتوي اسم نطاقها على كلمة مافيا، في حين يوجد ( 24 ) موقعا يحتوى على كلمة مافيا، كما وجد ( 4 ) مواقع للمافيا اليهودية. وقد خصص بعض هذه المواقع للاعضاء فقط ولم يسمح لغيرهم بتصفح تلك المواقع في حين سمحت بعض المواقع للعامة بتصفح الموقع وقامت مواقع اخرى بوضع استمارة تسجيل لمن يرغب في الانضمام إلى العصابة من الاعضاء الجدد. ( الجنيدي(أ)، 1999م : 36 )
والجريمة المنظمة ليست وليدة التقدم التقني وأن كانت استفادت كثيرا منه فا" الجريمة المنظمة وبسبب تقدم وسائل الاتصال والتكنلوجيا والعولمة أصبحت غير محددة لا بقيود الزمان ولا بقيود المكان وأن ما أصبح إنتشارها على نطاق واسع وكبير وأصبحت لاتحدها الحدود الجغرافية"( اليوسف، 1420هـ ، ص : 201 )، كما أستغلت عصابات الجريمة المنظمة " الامكانيات المتاحة في وسائل الإنترنت في تخطيط وتمرير وتوجيه المخططات الاجرامية وتنفيذ وتوجيه العمليات الاجرامية بيسر وسهولة " (حبوش،1420هـ: 253)
5. المواقع المشبوهة :
يكثر انتشار الكثير من المواقع غير المرغوب فيها على شبكة الإنترنت ومن هذه المواقع ما يكون موجها ضد سياسة دولة محددة أو ضد عقيدة أو مذهب معين. وهي تهدف في المقام الأول إلى تشويه صورة الدولة أو المعتقد المستهدف.
ففي المواقع السياسية المعادية يتم غالبا تلفيق الاخبار والمعلومات ولو زورا وبهتانا أو حتى الاستناد إلى جزيئ بسيط جدا من الحقيقة ومن ثم نسج الاخبار الملفقة جولها، وغالبا ما يعمد اصحاب تلك المواقع إلى انشاء قاعدة بيانات بعناوين اشخاص يحصلون عليها من الشركات التى تبيع قواعد البيانات تلك أو بطرق اخرى ومن ثم يضيفون تلك العناوين قسرا إلى قائمتهم البريدية ويبدأو في اغراق تلك العناوين بمنشوراتهم، وهم عادة يلجئون إلى هذه الطريقة رغبة في تجاوز الحجب الذي قد يتعرضون له ولايصال اصواتهم إلى اكبر قدر ممكن. اما المواقع المعادية للعقيدة فمنها ما يكون موجها من قبل اعداء حاقدين من اتباع الديانات الاخرى كالمواقع التى تنشئها الجاليات اليهودية أو النصرانية تحت مسميات اسلامية بقصد بث معلومات خاطئة عن الاسلام والقران، أو بهدف الدعاية للاديان الاخرى ونشر الشبهه والافتراءت حول الاسلام ومن أمثلة هذه المواقع:
موقع http://www.answering-islam.org/
وموقع http://www.aboutislam.com/
وموقع /http://www.thequran.com/
اما القسم الثاني من المواقع المعادية للعقيدة فهي المواقع التى يكون افرادها من ذات العقيدة واحدة ولكن يختلفون في المذاهب.

6. المواقع المتخصصة في القذف وتشويه سمعة الاشخاص:
المواقع الموجهة ضد اشخاص محددين فهي موجود ولكنها ليست منتشرة انتشار المواقع الاخرى وتركز هجومها غالبا على ابراز سلبيات الشخص المستهدف و نشر بعض اسراره سواء التى يتم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة بعد الدخول على جهازه والعبث به أو بتلفيق الاخبار عنه. وهناك حادثة مشهورة وقعت في بداية دخول الإنترنت وجرىتداولها بين مستخدمى الإنترنت حول قيام شخص في دولة خليجية بإنشاء موقع خاص بفتاة قام بنشر صورها عارية اضافة إلى صور اخرى مع صديقها وهي في اوضاع مخلة والتي حصل علي تلك الصور بعد التسلل إلى حاسبها الشخصي وسرقة تلك الصور منه ومن ثم حاول ابتزازها جنسيا وعندما رفضت هددها بنشر تلك الصور في موقع على الإنترنت فاصرت على الرفض فقام بتنفيذ تهديده ووزع الرابط لذلك الموقع على العديد من المنتديات والقوائم البريدية وادى ذلك إلى انتحار الفتاة حيث فضحها بين ذويها ومعارفها.
كما وقعت حادثة تشهير اخرى من قبل من اسموا نفسهم " الامجاد هكرز " حيث اصدروا بيان نشر على الإنترنت بواسطة البريد الالتكروني ووصل العديد من مشتركي الإنترنت واوضحوا فيه قيام شخص يكنى بحجازي نادي الفكر في احدى المنتديات ( منتديات الحجاز للحوار ) على التطاول بالقدح والسب السافر على شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبدالوهاب وغيرهم من رموز الدعوة السلفية وقد استطاع (الأمجاد هكرز ) اختراق الموقع المذكور واختراق البريد الإلكتروني الشخصي للمكنى حجازي نادي الفكر ومن ثم تم نشر صوره وكشف اسراره في موقعهم على الإنترنت حيث خصصوا صفحة خاصة للتشهير بالمذكور وعنوانها على الشبكة هو : http://216.169.120.174/hijazi.htm ( موقع منتدى الفوائد،1421هـ )

7. المواقع والقوائم البريدية الاباحية:
" أصبح الانتشار الواسع للصور والافلام الاباحية على شبكة الإنترنت يشكل قضية ذات اهتمام عالمي في الوقت الراهن، بسبب الازدياد الهائل في اعداد مستخدمي الإنترنت حول العالم " ( الزعاليل، 1420هـ: 76 )، وتختلف المواقع والقوائم البريدية الاباحية عن المواقع المشبوهة والمصنفة في البند السابق في كون ان هذه المواقع والقوائم البريدية مخصصة لنشر الصور الجنسية بكافة انواعها واشكالها، وتختلف المواقع الاباحية عن القوائم البريدية - التى تخصص لتبادل الصور والافلام الجنسية - في ان المواقع الاباحية غالبا ما يكون الهدف منها الربح المادي حيث يستوجب على متصفح هذه المواقع دفع مبلغ مقطوع مقابل مشاهدة فيلم لوقت محدد أو دفع اشتراك شهري أو سنوي مقابل الاستفادة من خدمات هذه المواقع، وأن كانت بعض هذه المواقع تحاول استدراج مرتاديها بتقديم خدمة ارسال صور جنسية مجانية يومية على عناويهم البريدية.
اما القوائم البريدية فهي غالبا مجانية ويقوم اعضائها من المشتركين بتبادل الصور والافلام على عناوينهم البريدية وربما تكون القوائم البريدية ابعد عن امكانية المتابعة الأمنية حيث يركز نشاطها على الرسائل البريدية والتى تكون من الصعوبة بمكان منعها عن اعضاء اي مجموعة، حتى وأن تم الانتباه إلى تلك القائمة لاحقا وتم حجبها، فان الحجب يكون قاصرا على المشتركين الجدد واللذين لا يتوفر لديهم وسائل تجاوز المرشحات، اما الاعضاء السابقين فلا حاجة لهم إلى الدخول إلى موقع القائمة حيث يصل إلى بريديهم ما يحتاونه دون ان تستطيع وسائل الحجب التدخل.
واستفادت هذه المواقع والقوائم من الانتشار الواسع للشبكة والمزايا الاخرى التى تقدمها حيث " تتيح شبكة الإنترنت أفضل الوسائل لتوزيع الصور الفاضحة والافلام الخليعة بشكل علنى فاضح يقتحم على الجميع بيوتهم ومكاتبهم، فهناك على الشبكة طوفان هائل من هذه الصور والمقالات والافلام الفاضحة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ" (داود،1420هـ : 93)، فكل مستخدم للانترنت معرض للتأثر بما يتم عرضه على الإنترنت الذي لا يعترف باي حدود دولية أو جغرافية فهو يشكل خطرا حقيقيا للاطفال فضلا عن الكبار نتيجة تاثيراته المؤذية وغير المرغوبة( موثق في الزغاليل، 1420هـ : 78). ويوجد على الإنترنت الاف المواقع الاباحية وعدد كبير جدا من القوائم الجنسية والتى اصبحت اكثر تخصصا فهناك قوائم خاصة للشواذ من الجنسين وهناك قوائم اخرى تصنف تحت دول محددة ومن المؤسف انه وجدت بعض المواقع الشاذة بمسميات عربية بل وسعودية والادهى والامر ان يربط بين بعض القوائم الاباحية والاسلام كموقع اسمى نفسه " السحاقيات المسلمات " وهكذا.
وكشفت احدى الدراسات ان معدل التدفق على الواقع الاباحية في اوقات العمل التى تبدأ من الساعة التاسعة صباحا إلى الخامسة عصرا تمثل (70٪ ) من اجمالي نسبة التدفق على تلك المواقع.( بي بي سي، 12/6/2001م ).
كما كشفت دراسة قام بها الدكتور مشعل القدهي بان هناك اقبال كبير جدا على المواقع الاباحية حيث تزعم شركة (Playboy) الاباحية بأن (4.7) مليون زائر يزور صفحاتهم على الشبكة اسبوعيا، وبان بعض الصفحات الاباحية يزورها (280034) زائر يوميا وأن هناك مائة صفحة مشابهة تستقبل اكثر من (20000) الف زائر يوميا واكثر من الفين صفحة مشابهة تستقبل اكثر من (1400) زائر يوميا، وأن صفحة واحدة من هذه الصفحات استقبلت خلال عامين عدد (43613508) مليون زائر ، كما وجد ان (83.5٪) من الصور المتداولة في المجموعات الاخبارية هي صور اباحية، وبان اكثر من (20٪) من سكان امريكا يزورون الصفحات الاباحية حيث تبدأ الزيارة غالبا بفضول وتتطور إلى ادمان، وغالبا لا يتردد زوار هذه المواقع من دفع رسوم مالية لقاء تصفح المواد الاباحية بها أو شراء مواد خليعة منها وقد بلغت مجموعة مشتروات مواد الدعرة في الإنترنت في عام (1999م) ما نسبته (8٪) من دخل التجارة الإلكترونية البالغ (18) مليار دولار امريكي في حين بلغت مجموعة الاموال المنفقة للدخول على المواقع الاباحية (970) مليون دولار ويتوقع ارتفاع المبلغ ليصل إلى (3) مليار دولار في عام (2003م)، وقد اتضح ان اكثر مستخدمى المواد الاباحية تتراوح اعمارهم ما بين (12) و (15) عام في حين تمثل الصفحات الاباحية اكثر صفحات الإنترنت بحثا وطلبا(القدهي،1422هـ).
كما وضحت دراسة أدست (Adsit) عن إدمان المواقع الاباحية ان المواقع الاباحية اصبحت مشكلة حقيقية وأن الاثار المدمرة لهذه المواقع لا تقتصر على مجتمع دون الاخر، ويمكن ان يلمس اثارها السيئة على ارتفاع جرائم الاغتصاب بصفة عامة وإغتصاب الاطفال بصفة خاصة، العنف الجنسي، فقد العائلة لقيمها ومبادئها وتغيير الشعور نحو النساء إلى الابتذال بدل الاحترام. ويبدوا ان لكثرة المواقع الاباحية على الإنترنت والتى يقدر عددها بحوالي ( 70.000 ) ألف موقع دور كبير في ادمان مستخدمي الإنترنت عليها حيث اتضح ان نسبة 15٪ من مستخدمي الإنترنت البالغ عددهم(9.600.000 ) مليون شخص تصفحوا المواقع الاباحية في شهر ابريل عام (1998م)( Adsit, 1999 )
وقد جرت محاولة حصر القوائم العربية الاباحية في بعض المواقع على شبكة الإنترنت ومنها موقع الياهو (YAHOO) فوجد انها تصل إلى (171 ) قائمة، بلغ عدد اعضاء اقل تلك القوائم ( 3 ) في حين وصل عدد اكثرها أعضاء إلى ( 8683 ). اما موقع قلوب لست (GLOBELIST) فقد احتوى على ( 6 ) قوائم اباحية عربية ، في حين وجد عدد ( 5 ) قوائم عربية اباحية على موقع توبيكا (TOPICA) وقد قامت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مشكورة باغلاق تلك المواقع.

8. تزوير البيانات :
تعتبر من اكثر جرائم نظم المعلومات انتشارا فلا تكاد تخلو جريمة من جرائم نظم المعلومات من شكل من اشكال تزوير البيانات، وتتم عملية التزوير بالدخول إلى قاعدة البيانات وتعديل البيانات الموجودة بها أو اضافة معلومات مغلوطة بهدف الاستفادة غير المشروعة من ذلك. وقد وقعت حادثة في ولاية كاليفورنيا الامريكية حيث عمدت مدخلة البيانات بنادي السيارات وبناء لاتفاقية مسبقة بتغيير ملكية السيارات المسجلة في الحاسب الآلي بحث تصبح باسم احد لصوص السيارات والذي يعمد إلى سرقة السيارة وبيعها وعندما يتقدم مالك السيارة للابلاغ يتضح عدم وجود سجلات للسيارة باسمه وبعد بيع السيارة تقوم تلك الفتاة باعادة تسجيل السيارة باسم مالكها وكانت تتقاضي مقابل ذلك مبلغ مائة دولار واستمرت في عملها هذا إلى ان قبض عليها، وفي حادثة الخرى قام مشرف تشغيل الحاسب باحد البنوك الامريكية بعملية تزوير حسابات اصدقائه في البنك بحيث تزيد ارصدتهم ومن ثم يتم سحب تلك المبالغ من قبل اصدقائه وقد نجح في ذلك وكان ينوى التوقف قبل موعد المراجعة الدورية لحسابات البنك الا ان طمع اصدقاءه اجبره على الاستمرار إلى ان قبض عليه( داود، 1420هـ : 45- 47 ). ومما لاشك فيه ان البدء التدريجي في التحول إلى الحكومات الإلكترونية سيزيد من فرص ارتكاب مثل هذه الجرائم حيث سترتبط الكثير من الشركات والبنوك بالإنترنت مما يسهل الدخول على تلك الانظمة من قبل محترفي اختراق الانظمة وتزوير البيانات لخدمة اهدافهم الاجرامية.
9. غسيل الاموال :
مصطلح حديث نسبيا ولم يكن معروفا لرجال الشرطة فضلا عن العامة وقد بدأ استخدام المصطلح في امريكا نسبة إلى مؤسسات الغسيل التى تملكها المافيا، وكان اول استعمال قانوني لها في عام 1931م إثر محاكمة لاحد زعماء المافيا تمت في امريكا واشتملت مصادرة اموال قيل انها متأتية من الاتجار غير المشروع بالمخدرات. واختلف الكثير في تعريف غسيل الاموال وقد يكون التعريف الاشمل هو " أي عملية من شأنها اخفاء المصدر غير المشروع الذي اكتسبت منه الاموال"( عيد، 1422هـ: 124-125)
ومن البديهي ان ياخذ المجرمون باحدث ما توصلت اليه التقنية لخدمة أنشطتهم الاجرامية ويشمل ذلك بالطبع طرق غسيل الاموال التى استفادت من عصر التقنية فلجأت إلى الإنترنت لتوسعة وتسريع اعمالها في غسيل اموالها غير المشروعة، ويجد المتصفح للانترنت مواقع متعددة تتحدث عن غسيل اموال ومنها الموقع :http://www.laundryman.u.net.com كما يجد ولا شك ايضا المواقع التى تستخدم كساتر لعمليات غسيل الاموال ومنها المواقع الافتراضية لنوادي القمار والتى قام مكتب المباحث الفدرالية(FBI) الامريكي بمراقبة بعض هذه المواقع واتضح انها تتواجد في كاراكاو، جزر الانتيل، جزيرة أنتيجوا وجمهورية الدومينكان وقد اسفرت التحريات التى استمرت خمسة اشهر عن اعتقالات واتهامات للعديد من مدراء تلك المواقع.ومن المميزات التى يعطيها الإنترنت لعملية غسيل الاموال السرعة، اغفال التوقيع وأن عدام الحواجز الحدودية بين الدول، كما تسأهم البطاقات الذكية، والتى تشبه في عملها بطاقات البنوك المستخدمة في مكائن الصرف الآلية، في تحويل الاموال بواسطة المودم أو الإنترنت مع ضمان تشفير وتأمين العملية. كل هذا جعل عمليات غسيل الاموال عبر الإنترنت تتم بسرعة اكبر وبدون ترك اي اثار في الغالب. ويقدر المتخصصون المبالغ التى يتم تنظيفها سنويا بـحوالي (400) مليار دولار ( عبدالمطلب،2001م : 68 - 72 )

10. القمار عبر الإنترنت :
كثيرا ما تتداخل عملية غسيل الامول مع اندية القمار المنتشرة، الامر الذي جعل مواقع الكازيهونات الافتراضية على الإنترنت محل اشتباه ومراقبة من قبل السلطات الامريكية. وبالرغم من ان سوق القمار في امريكا يعتبر الاسرع نموا على الاطلاق الا ان المشكلة القانونية التى تواجه اصحاب مواقع القمار الافتراضية على الإنترنت انها غير مصرح لها حتى الان في امريكا بعكس نوادي القمار الحقيقية كالمنتشرة في لاس فيجاس وغيرها، ولذلك يلجأ بعض اصحاب تلك المواقع الافتراضية على الإنترنت إلى انشائها وادارتها من اماكن مجاورة لامريكا وخاصة في جزيرة انتيجوا على الكاريبي.
ويوجد على الإنترنت اكثر من الف موقع للقمار يسمح لمرتاديه من مستخدمى الإنترنت ممارسة جميع انواع القمار التى توفرها المواقع الحقيقية، ومن المتوقع ان ينفق الامريكيون ما يزيد عن ( 600 ) مليار دولار سنويا في اندية القمار وسيكون نصيب مواقع الإنترنت منها حوالي مليار دولار.
وقد حاول المشرعون الامريكيون تحريك مشروع قانون يمنع المقامرة عبر الإنترنت ويسمح بملاحقة اللذين يستخدمون المقامرة السلكية أو اللذين يروجون لها سواء كانت هذه المواقع في امريكا أو خارجها ( عبدالمطلب، 2001م : 78 – 82 )

11. تجارة المخدرات عبر الإنترنت :
كثيرا ما يحذّر اولياء الامور ابنائهم من رفقاء السوء خشية من تأثيرهم السلبي عليهم وخاصة في تعريفهم على المخدرات فالصاحب ساحب كما يقول المثل وهذا صحيح ولا غبار عليه ولكن وفي عصر الإنترنت اضيف إلى اولياء الامور مخاوف جديدة لا تقتصر على رفقاء السوء فقط بل يمكن ان يضاف اليها مواقع السوء - ان صح التعبير- ومن تلك المواقع طبعا المواقع المنتشرة في الإنترنت والتى لاتتعلق بالترويج للمخدرات وتشويق النشئ لاستخدانها بل تتعداه إلى تعليم كيفية زراعة وصناعة المخدرات بكافة اصنافها وأن واعها وبأبسط الوسائل المتاحة. والامر هنا لايحتاج إلى رفاق سوء بل يمكن للمراهق الانزواء في غرفته والدخول إلى اي من هذه المواقع ومن ثم تطبيق ما يقرأه ويؤكد هذه المخاوف أحد الخبراء التربوين في بتسبيرج بالولايات المتحدة والذي أكد إن ثمة علاقة يمكن ملاحظتها بين ثالوث المراهقة والمخدرات وأن ترنت. ولا تقتصر ثقافة المخدرات على تلك المواقع فقط بل تسأهم المنتديات وغرف الدردشة في ذلك ايضا. وبالرغم من انتشار المواقع الخاصة بالترويج للمخدرات وتعليم كيفية صنعها الا ان هذه المواقع لم تدق جرس الانذار بعد ولم يهتم باثارها السلبية وخاصة على النشئ كما فعلته المواقع الاباحية وخاصة في الدول التى تعرف باسم الدول المتقدمة، وقد اعترف الناطق الرسمي للتحالف المناهض للمخدرات بانهم خسروا الجولة الاولي في ساحة الإنترنت حيث لم يطلق موقعهم الخاص على الشبكة http://www.cadca.org الا منذ عامين فقط. وبالاضافة إلى هذا الموقع توجد مواقع اخرى تحارب المخدرات وتساعد المدمنين على تجاوز محنتهم ومن ذلك الموقع الخاص بجماعة (Join-Together) وعنوانهم على النت هو http://192.12.191.21 إلا أن هذه المواقع قليلة العدد والفائدة مقارنة بكثرة وقوة المواقع المضادة( الجنيدي(ب)، 1999م : 39-40).

12. تهديدات التجارة الإلكترونية :
بدأ مفهموم التجارة الإلكترونية ينتشر في السبعينات الميلادية وذلك لسهولة الاتصال بين الطرفين ولامكانية اختزال العمليات الورقية والبشرية فضلا عن السرعة في ارسال البيانات وتخفيض تكلفة التشغيل والأهم هو ايجاد اسواق اكثر اتساعا. ونتيجة لذلك فقد تحول العديد من شركات الاعمال إلى استخدام الإنترنت والاستفادة من مزايا التجارة الإلكترونية ، كما نحول تبعا لذلك الخطر الذي كان يهدد التجارة السابقة ليصبح خطرا متوافقا مع التجارة الإلكترونية . فالاستيلاء على بطاقات الائتمان عبر الإنترنت امر ليس بالصعوبة بمكان اطلاقا، فـ" لصوص بطاقات الائتمان مثلا يستطيعون الان سرقة مئات الالوف من ارقام البطاقات في يوم واحد من خلال شبكة الإنترنت ، ومن ثم بيع هذه المعلومات للاخرين " ( داود، 1420هـ: 73 ) وقد وقع بالفعل بعض الحوادث التى قام اصحابها باستخدام الإنترنت لتنفيذ عملياتهم الاجرامية ومن ذلك حادثة شخص الماني قام بالدخول غير المشروع إلى احد مزود الخدمات واستولى على ارقام بطاقات ائتمانية الخاصة بالمشتركين ومن ثم هدد مزود الخدمة بافشاء ارقام تلك البطاقات ما لم يستلم فدية وقد تمكنت الشرطة الالمانية من القبض عليه. كما قام شخصان في عام (1994م) بانشاء موقع على الإنترنت مخصص لشراء طلبات يتم بعثها فور تسديد قيمتها الكترونيا، ولم تكن الطلبات لتصل اطلاقا حيث كان الموقع وهمي

36
منتدى علوم الحاسب / جرائم الانترنت
« في: نوفمبر 10, 2004, 09:21:49 صباحاً »
مقدمة - تعريف الإنترنت وبداياته واستخداماته:
 

"الإنترنت هو جزء من ثورة الاتصالات، ويعرّف البعض الإنترنت بشبكة الشبكات، في حين يعرّفها البعض الآخر بأنها شبكة طرق المواصلات السريعة" (أبو الحجاج، 1998م : 18)، كما أن الإنترنت " تعنى لغوياً (( ترابط بين شبكات)) وبعبارة أخرى (( شبكة الشبكات)) حيث تتكون الإنترنت من عدد كبير من شبكات الحاسب المترابطة والمتناثرة في أنحاء كثيرة من العالم. ويحكم ترابط تلك الأجهزة وتحادثها بروتوكول موحد يسمى ((بروتوكول تراسل الإنترنت)) (TCP/IP)"(الفنتوخ، 1421هـ:11).

بدأ الإنترنت في 2/1/1969 عندما شكّلتْ وزارة الدفاع الأمريكية، فريقاً من العلماء، للقيام بمشروع بحثي عن تشبيك الحاسبات، وركّزت التجارب على تجزئة الرسالة المراد بعثها إلى  موقع معين في الشبكة، ومن ثم نقل هذه الأجزاء بأشكال وطرق مستقلة، حتى تصل مجّمعة إلى هدفها، وكان هذا الأمر يمثل أهمية قصوى لأمريكا وقت الحرب، ففي حالة نجاح العدو في تدمير بعض خطوط الاتصال في منطقة معينة، فإن الأجزاء الصغيرة يمكن أن تواصل سيرها من تلقاء نفسها، عن أي طريق آخر بديل، إلى  خط النهاية، ومن ثم تطّور المشروع وتحوّل إلى  الاستعمال السلمي حيث انقسم عام (1983م) إلى شبكتين، احتفظت الشبكة الأولى باسمها الأساسي (ARPANE) وبغرضها الأساسي، وهو خدمة الاستخدامات العسكرية، في حين سُمِّيتْ الشبكة الثانية باسم (MILNET) وخصصت للاستخدامات المدنية ،أي تبادل المعلومات، وتوصيل البريد الإلكتروني، ومن ثم ظهر مصطلح  ((الإنترنت)) حيث أمكن تبادل المعلومات بين هاتين الشبكتين. وفي عام (1986م) أمكن ربط شبكات خمس مراكز للكمبيوترات العملاقة وأطلق عليها اسم (NSFNET) والتي أصبحت فيما بعد العمود الفقري، وحجر الأساس، لنمو وازدهار الإنترنت في أمريكا، ومن ثم دول العالم الأخرى( الفنتوخ،1421هـ: 21- 24).

 

من يملك الإنترنت؟
لا أحد في الوقت الراهن يملك الإنترنت، وإن كان يمكن القول في البداية بأنّ الحكومة الأمريكية ،ممثلة في وزارة الدفاع، ثم المؤسسة القومية للعلوم، هي المالك الوحيد للشبكة، ولكن بعد تطّور الشبكة، ونمّوها، لم يعد يملكها أحد، واختفى مفهوم التملك، ليحل محله ما أصبح يسمي بمجتمع الإنترنت، كما أنّ تمويل الشبكة تحول من القطاع الحكومي، إلى  القطاع الخاص. ومن هنا ولدت العديد من الشبكات الإقليمية ،ذات الصبغة التجارية، والتى يمكن الاستفادة من خدماتها مقابل اشتراك (أبو الحجاج، 1998م : 18).

وهذه الخصوصية أي عدم وجود مالك محدد أو معروف للانترنت يجعل مهمة رجال الأمن أكثر صعوبة (Thompson, 1999).  

 
توسع الشبكة:
 في عام (1985م) كان هناك أقلّ من (2.000) ألفي حاسوب آلي مرتبط بالشبكة، ووصل العدد إلى (5.000.000) خمسة مليون حاسوب في عام (1995م) وفي عام (1997م) تجاوز  (6.000.000) الستة مليون حاسوب، وتستخدم ما يزيد علي (300.000) ثلاثمائة ألف خادم شبكات (SERVER) ،أي شبكة فرعية، متناثرة في أرجاء العالم, ويمكن القول بأن عدد المستخدمين الجدد يبلغ (2.000.000) إثني مليون شهرياً، أي ما يعني انضمام (46) ستة وأربعين مستخدماً جديداً للشبكة في كل دقيقة (السيد،1997م : 15).

وفي استطلاع أجرته شبكة (NUA) الأمريكية (NUA, 1998) قدّر عدد مستخدمي الشبكة عالمياً في العام (1998م) بحوالي (134.000.000) مئة وأربعة وثلاثين مليون مستخدم، وتصدرت أمريكا وكندا الصدارة من حيث عدد المستخدمين الذي بلغ (70.000.000) سبعون مليون مستخدم (NUA ,6/1998).

وفي تقرير أجرته ايضاً شبكة (NUA) الأمريكية وصدر بتاريخ 26/10/2000م (NUA, 2000) قدّر أن عدد المستخدمين للشبكة عام (2005م) سيكون حوالي (245.000.000) مئتان وخمسة وأربعون مليون مستخدم، وقدّر أنّ غالبية هذه الزيادة ستكون خارج الولايات المتحدة الأمريكية (NUA ,10/2000).

وقدّرت دراسة أجراها موقع عجيب (Ajeeb.com,25/3/2001) تجاوز عدد المستخدمين العرب الـ(5.000.000) الخمسة ملايين مستخدم مع نهاية عام (2001م)، وأن يصل العدد إلى (12.000.000) اثني عشر مليون مستخدم عربي مع نهاية عام (2002م)، كما قدرت الدراسة عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة العربية السعودية بـ(570.000) خمسائة وسبعون ألف مستخدم.  

وأشار الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إلى مشروع مستقبلي، لتطوير شبكة الإنترنت، باسم ( الإنترنت 2) أو  الجيل الثاني من الإنترنت فقال: " لا بُدّ من أنْ نبني الجيل الثاني لشبكة الإنترنت لتتاح الفرصة لجامعاتنا الرائدة ومختبراتنا القومية للتواصل بسرعة تزيد ألف مرة من سرعات اليوم، وذلك لتطوير كل من العلاجات الطبية الحديثة ومصادر الطاقة الجديدة، وأساليب العمل الجماعي" ( آفاق الإنترنت، 1997م : 38).

وظهر حديثاً ما يشير في هذه الأيام إلى وجود سباق فضاء من نوع آخر، حيث استطاعت شركة ستارباند (Star band) في تجربه أجرتها في شمال أميركا، من إكمال مشروع انترنت بواسطة أقمار اصطناعية ذي اتجاهين، وسرعته تبلغ (500) خمسمائة ك.ب في الثانية، من الإنترنت إلى  الحاسب الآلي، وسيبدأ تسويقه إلى المستهلك قريباً ( الجزيرة،2000).
 
خدمات الإنترنت   :
 يوفر الإنترنت خدمات عديدة من أهمها:

1.            البريد الإلكتروني: لإرسال واستقبال الرسائل ونقل الملفات مع أي شخص له عنوان  بريدي اليكتروني بصورة سريعة جداً لا تتعدى ثواني.

2.            القوائم البريدية: تشمل إنشاء وتحديث قوائم العناوين البريدية لمجموعات من الأشخاص لهم اهتمامات مشتركة.

3.            خدمة المجموعات الإخبارية: تشبه خدمة القوائم البريدية باختلاف أن كل عضو يستطيع التحكم في نوع المقالات التي يريد استلامها.

4.            خدمة الاستعلام الشخصي: يمكن الاستعلام عن العنوان البريدي لأي شخص أو جهة تستخدم الإنترنت والمسجلين لديها.

5.            خدمة المحادثات الشخصية: يمكن التحدث مع طرف آخر صوتا وصورة وكتابة.

6.            خدمة الدردشة الجماعية: تشبه الخدمة السابقة إلا انه ،وفي الغالب، يمكن لأي شخص ان يدخل في المحادثة ،أو يستمع اليها، دون اختيار الآخرين.

7.            خدمة تحويل أو نقل الملفات:  (FTP)لنقل الملفات من حاسب إلى آخر وهي اختصار كلمة (FILE TRANSFER PROTOCOL).

8.            خدمة الأرشيف الإلكتروني: (ARCHIVE) تُمكّن البحث عن ملفات معينة قد تكون مفقودة في البرامج المستخدمة في حاسب المستخدم.

9.            خدمة شبكة الاستعلامات الشاملة: (GOPHER) تفيد في خدمات كثيرة كنقل الملفات والمشاركة في القوائم البريدية حيث يفهرس المعلومات الموجودة علي الشبكة.

10.            خدمة الاستعلامات واسعة النطاق: (WAIS) تسمي باسم حاسباتها الخادمة وهي أكثر دقة وفاعلية من الأنظمة الاخرى، حيث تبحث داخل الوثائق أو المستندات ذاتها عن الكلمات الدالة التي يحددها المستخدم ثم تقدم النتائج في شكل قائمة بالمواقع التي تحتوي المعلومات المطلوبة.

11.            خدمة الدخول عن بعد: (TELNET) تسمح باستخدام برامج وتطبيقات في حاسب آلي آخر.

12.            الصفحة الإعلامية العالمية:(WORLD WIDE WEB) أو الويب (WEB)  تجمع معاً كافة الموارد المتعددة التي تحتوي عليها الإنترنت للبحث عن كل ما في الشبكات المختلفة وإحضارها بالنص والصوت والصورة، وتعد الويب نظاماً فرعياً من الإنترنت، لكنها النظام الأعظم من الأنظمة الأخرى فهي النظام الشامل باستخدام الوسائط المتعددة ( يونس، 1421هـ : 34-38).

 
مستلزمات الاتصال بالشبكة:
يلزم الاتصال بالشبكة العالمية ( الإنترنت) توفر عدة أشياء هي :

1.       حاسب إلى.  

2.       جهاز مودم.

3.       خط هاتفي.  

4.   الاشتراك في الخدمة.  

5.     برامج تصفح الشبكة واشهرها  (INTERNET EXPLORER)و  (NETSCAPE)

 

وبعد هذه النبذة عن تاريخ الإنترنت واستخداماته، نعرض فيما يلي مباحث نظرية رئيسة تنطلق منها الدراسة، وهذه المباحث هي:

المبحث الاول: جرائم الحاسب الآلي والإنترنت.

المبحث الثاني: جرائم الإنترنت من منظور شرعي وقانوني.

المبحث الثالث: الأبعاد الفنية للأفعال الجنائية المرتكبة من قبل مستخدمي الإنترنت في المجتمع السعودي )تصور إسلامي).
 
المبحث الأول: جرائم الحاسب الآلي والإنترنت

 

اُشْتُقّتْ كلمة الجريمة في اللغة من الجُرم وهو التعدي أو الذنب، وجمع الكلمة إجرام وجروم وهو الجريمة. وقد جَرَمَ يَجْرِمُ واجْتَرَمَ وأَجْرَم فهو مجرم وجريم (ابن منظور، بدون : 604 – 605).

وعَرَّفت الشريعة الإسلامية الجريمة بأنها: " محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير"  (الماوردي، 1417هـ : 19).

وتعرّف جرائم الحاسب الآلي والإنترنت بأنها:" ذلك النوع من الجرائم التي تتطلب إلماماً خاصاً بتقنيات الحاسب الآلي ونظم المعلومات، لارتكابها أو التحقيق فيها ومقاضاة فاعليها "( مندورة،1410هـ : 21 ).

كما يمكن تعريفها بأنها " الجريمة التي يتم ارتكابها إذا قام شخص ما باستخدام معرفته بالحاسب الآلي بعمل غير قانوني " ( محمد ، 1995م : 73 ).

وهناك من عرّفها بأنها " أي عمل غير قانوني يستخدم فيه الحاسب كأداة، أو موضوع للجريمة" ( البداينة، 1420هـ : 102 ).

وفي كل الأحوال فجريمة الحاسب الآلي " لا تعترف بالحدود بين الدول ولا حتى بين القارات،فهي جريمة تقع في أغلب الأحيان عبر حدود دولية كثيرة "(عيد، 1419هـ: 252 ).

وتعد جريمة الإنترنت من الجرائم الحديثة التي تُستخدم فيها شبكة الإنترنت كأداة لارتكاب الجريمة أو  تسهيل ارتكابها (Vacca , 1996 ).

وأطلق مصطلح جرائم الإنترنت (Internet Crimes) في مؤتمر جرائم الإنترنت المنعقد في استراليا للفترة من 16 – 17/2/1998م (بحر، 1420هـ : 2).

 

أما التعريف الإجرائي لدراسة الباحث فتُعَرَّفُ جرائم الإنترنت بأنها : جميع الأفعال المخالفة للشريعة الإسلامية، وأنظمة المملكة العربية السعودية، المرتكبة بواسطة الحاسب الآلي، من خلال شبكة الإنترنت، ويشمل ذلك: الجرائم الجنسية والممارسات غير الأخلاقية، جرائم الاختراقات، الجرائم المالية، جرائم إنشاء أو ارتياد المواقع المعادية، جرائم القرصنة.

وبالرغم من حداثة جرائم الحاسب الآلي والإنترنت نسبياً، إلا أنها لقيتْ اهتماماً من قبل بعض الباحثين، حيث أُجريتْ العديد من الدراسات المختلفة، لمحاولة فهم هذه الظاهرة، ومن ثم التحكم فيها، ومنها دراسة أجرتها منظمة (Business Software Alliance)  في الشرق الأوسط، حيث أظهرت أنّ هناك تباين بين دول منطقة الشرق الأوسط، في حجم خسائر جرائم الحاسب الآلي، حيث تراوحت ما بين (30.000.000) ثلاثين مليون دولار أمريكي في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، و (1.400.000) مليون وأربعمائة ألف دولار أمريكي في لبنان (البداينة، 1420هـ : 98).  

وأظهرت دراسة قامت بها الأمم المتحدة حول جرائم الحاسب الآلي والإنترنت بأنّ (24– 42٪) من منظمات القطاع الخاص، والعام، على حد سواء، كانت ضحية لجرائم متعلقة بالحاسب الآلي والإنترنت ( البداينة، 1999م : 5 ).

وقَدّرتْ الولايات المتحدة الأمريكية خسائرها من جرائم الحاسب الآلي، مابين ثلاثة وخمسة بلايين دولار سنوياً، كما قَدّرتْ المباحث الفيدرالية (FBI)، في نهاية الثمانينات الميلادية، أنّ متوسط تكلفة جريمة الحاسب الآلي الواحدة، حوالي ستمئة ألف دولار سنوياً، مقارنة بمبلغ ثلاثة آلاف دولار سنوياً ،متوسط الجريمة الواحدة، من جرائم السرقة بالإكراه. وبينت دراسة أجراها أحد مكاتب المحاسبة الأمريكية أن (240) مئتين وأربعين  شركة أمريكية، تضررت من جرائم الغش باستخدام الكمبيوتر Computer Fraud))، كما بينت دراسة أخرى أُجريتْ في بريطانيا، أنه وحتى أواخر الثمانينات، ارتكب ما يقرب من (262) مائتين واثنين وستين جريمة حاسوبية، وقد كلفت هذه الجرائم حوالي   (92.000.000) اثنين وتسعين مليون جنيه إسترليني سنوياً ( محمد ، 1995م : 21 ).

وأظهر مسح أُجري من قبل (the computer security institute) في عام (1999م)، أنّ خسائر (163) مئة وثلاثة وستون شركة أمريكية ،من الجرائم المتعلقة بالحاسب الآلي، بلغت أكثر من (123.000.000) مئة وثلاثة وعشرين مليون دولار أمريكي، في حين أظهر المسح الذي أُجري في عام (2000م)  ارتفاع عدد الشركات الأمريكية المتضررة من تلك الجرائم، حيث وصل إلى  (273) مئتين وثلاث وسبعين شركة، بلغ مجموع خسائرها أكثر من (256.000.000) مائتين وستة وخمسون مليون دولارRapalus,2000)).

 كما بينت إحصائيات الجمعية الأمريكية للأمن الصناعي أن الخسائر التي قد تسببها جرائم الحاسب الآلي للصناعات الأمريكية قد تصل إلى (63.000.000.000) ثلاث وستون بليون دولار أمريكي، وأنّ (25٪) من الشركات الأمريكية تتضرر من جرائم الحاسب الآلي، وقد أصيب (63٪) من الشركات الأمريكية والكندية بفيروسات حاسوبية، ووصل الفقد السنوي بسبب سوء استخدام الحاسب الآلي (555.000.000) خمسائة وخمسة وخمسون مليون دولار .(Reuvid,1998)

ومن الصعوبة بمكان، تحديد أيّ جرائم الحاسب الآلي المرتكبة هي الأكبر من حيث الخسائر، حيث لا يعلن الكثير عن مثل هذه الجرائم، ولكن من أكبر الجرائم المعلنة هي جريمة لوس انجلوس، حيث تعرضت أكبر شركات التأمين على الاستثمارات المالية (EFI) للإفلاس، وبلغت خسائرها (2.000.000.000) ملياري دولار أمريكي. وهناك أيضاً حادثة انهيار بنك بارينجر البريطاني في لندن، إثر مضاربات فاشلة في بورصة الأوراق المالية في طوكيو، حيث حاول البنك إخفاء الخسائر الضخمة، باستخدام حسابات وهمية، أدخلها في الحسابات الخاصة بالبنك، بمساعدة مختصين في الحاسب الآلي، وقد بلغت إجمالي الخسائر حوالي مليار ونصف دولار أمريكي ( داود، 1420هـ: 31 ).

وتعتبر هذه الخسائر بسيطة نسبيا مع الخسائر التي تسببتها جرائم نشر الفيروسات والتي تضر بالأفراد والشركات وخاصة الشركات الكبيرة حيث ينتج عنها توقف أعمال بعض تلك الشركات نتيجة إتلاف قواعد بياناتها، وقد يصل الضرر في بعض المنشئات التجارية والصناعية إلى  تكبد خسائر مادية قد تصل إلى  مبالغ كبيرة، وعلى سبيل المثال وصلت خسائر فيروس (Code Red) إلى ملياري دولار أمريكي، في حين وصلت الأضرار المادية لفيروس الحب الشهير (8.7) مليون دولار واستمر انتشار الفيروس لخمسة اشهر وظهر منه (55) نوعا. وتتراوح أضرار الفيروسات ما بين عديمة الضرر إلى  البسيط الهين وقد تصل إلى  تدمير محتويات كامل الجهاز، وأن  كان الأكثر شيوعا هو ما يسبب ضرراً محصوراً في إتلاف البيانات التي يحتويها الجهاز .(Ajeebb.com,8/8/2001)  

وجرائم الإنترنت كثيرة ومتنوعة ويصعب حصرها ولكنها بصفة عامة تشمل الجرائم الجنسية كإنشاء المواقع الجنسية وجرائم الدعارة أو الدعاية للشواذ أو تجارة الأطفال جنسيا، وجرائم ترويج المخدرات أو زراعتها، وتعليم الإجرام أو إرهاب كصنع المتفجرات، إضافة إلى جرائم الفيروسات واقتحام المواقع.

وكثيراً ما تكون الجرائم التي ترتكب بواسطة الإنترنت وثيقة الصلة بمواقع أرضية على الطبيعة كما حدث منذ حوالي سنتين عندما قام البوليس البريطاني بالتعاون مع أمريكا ودول أوروبية بمهاجمة مواقع أرضية لمؤسسات تعمل في دعارة الإنترنت.

وإن كانت متابعة جرائم الحاسب الآلي والإنترنت والكشف عنها من الصعوبة بمكان حيث أن " هذه الجرائم لا تترك أثرا، فليست هناك أموال أو  مجوهرات مفقودة وأن ما هي أرقام تتغير في السجلات. ومعظم جرائم الحاسب الآلي تم اكتشافها بالصدفة وبعد وقت طويل من ارتكابها، كما أن الجرائم التي لم تكتشف هي أكثر بكثير من تلك التي كشف الستر عنها" ( مندورة ، 1410هـ : 22).

وتعود أسباب صعوبة إثبات جرائم الحاسب الآلي إلى  خمسة أمور هي :

أولا: أنها كجريمة لا تترك اثر لها بعد ارتكابها.

ثانيا: صعوبة الاحتفاظ الفني بآثارها إن وجدت.

ثالثا: أنها تحتاج إلى  خبرة فنية ويصعب على المحقق التقليدي التعامل معها.

رابعا: أنها تعتمد على الخداع في ارتكابها والتضليل في التعرف على مرتكبيها.

خامسا: أنها تعتمد على قمة الذكاء في ارتكابها (موثق في شتا،2001م : 103).

إلا أن أهم خطوة في مكافحة جرائم الإنترنت هي تحديد هذه الجرائم بداية ومن ثم تحديد الجهة التي يجب أن تتعامل مع هذه الجرائم والعمل على تأهيل منسوبيها بما يتناسب وطبيعة هذه الجرائم المستجدة ويأتي بعد ذلك وضع تعليمات مكافحتها والتعامل معها والعقوبات المقترحة ومن ثم يركز على التعاون الدولي لمكافحة هذه الجرائم .

والإنترنت ليس قاصرا على السلبيات الأمنية فقط حيث يمكن أن يكون مفيدا جدا في النواحي الأمنية كأن يستخدم الإنترنت في إيصال التعاميم والتعليمات بسرعة وكذلك في إمكانية الاستفادة من قواعد البيانات المختلفة والموجودة لدى القطاعات الأخرى وتبادل المعلومات مع الجهات المعنية، ويفيد أيضا في مخاطبة الإنتربول ومحاصرة المجرمين بسرعة.

وحددت دراسة أمنية لشرطة دبي حول الاستخدامات الأمنية للانترنت عشر خدمات أمنية يمكن تقديمها للجمهور عن طريق شبكة الإنترنت، وأبرزت (15) سلبية أبرزها الإباحية والمعاكسات والاحتيال والتجسس والتهديد والابتزاز ( البيان،2000م ).

كما حددت دراسة الشهري الايجابيات الأمنية لشبكة الإنترنت في تلقي البلاغات، توفير السرية للمتعاونين مع الأجهزة الأمنية، طلب مساعدة الجمهور في بعض القضايا، نشر صور المطلوبين للجمهور، نشر المعلومات التي تهم الجمهور، تكوين جماعات أصدقاء الشرطة، توعية الجمهور امنيا، استقبال طلبات التوظيف، نشر اللوائح والأنظمة الجديدة، توفير الخدمة الأمنية خارج أوقات العمل الرسمي، سهولة الوصول إلى  العاملين في الجهاز الأمني ، إجراء استفتاءات محايدة لقياس الرأي العام، وسيط فاعل في عملية تدريب وتثقيف منسوبي القطاع وأخيرا وسيط مهم للإطلاع على خبرات الدول المتقدمة ولاتصال مع الخبراء والمختصين في مختلف دول العالم (الشهري، فايز، 1422هـ).

وليس الأمر قاصرا على ذلك بل بادرت الدول الأوروبية إلى الاستخدام الفعلي لشبكة الإنترنت في البحث عن المجرمين والقبض عليهم " فقد تمكنت العديد من الدول وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا وتأتي في المرتبة الثالثة فرنسا من استخدام شبكة الإنترنت في السعي نحو ضبط المجرمين – بل التعرف على كل الحالات المشابهة في كل أنحاء أوروبا والاتصال فورا بالانتربول عبر شبكة الإنترنت" (الشهاوي، 1999م : 25)
 
فئات الجناة في جرائم الحاسب الآلي :

يمكن حصر أنواع الجناة في جرائم الحاسب الآلي في أربعة فئات(محمد،1995م :74- 75):

الفئة الأولي : العاملون على أجهزة الحاسب الآلي في منازلهم نظرا لسهولة اتصالهم بأجهزة الحاسب الآلي دون تقيد بوقت محدد أو  نظام معين يحد من استعمالهم للجهاز.

الفئة الثانية : الموظفون الساخطون على منظماتهم التي يعملون بها فيبعودون إلى  مقار عملهم بعد انتهاء الدوام ويعمدون إلى  تخريب الجهاز أو  إتلافه أو  حتى سرقته.

الفئة الثالثة : فئة المتسللين (Hackers) ومنهم الهواة أو العابثون بقصد التسلية، وهناك المحترفين اللذين يتسللون إلى أجهزة مختارة بعناية ويعبثون أو يتلفون أو يسرقون محتويات ذلك الجهاز، وتقع اغلب جرائم الإنترنت حاليا تحت هذه الفئة بقسميها.

الفئة الرابعة:العاملون في الجريمة المنظمة كعصابات سرقة السيارات حيث يحددون بواسطة  الشبكة أسعار قطع الغيار ومن ثم يبيعون قطع الغيار المسروقة في الولايات الأعلى سعرا.  

 

خصائص وأنواع جرائم الحاسب الآلي والإنترنت :

من الصعوبة الفصل بين جرائم الحاسب الآلي وجرائم الإنترنت،فلابد للأول لارتكاب الثاني، ويُصِّنف محمد ومندورة (محمد،1995م؛ مندورة،1410هـ) تلك الجرائم إلى مجموعات:

المجموعة الأولي : تستهدف مراكز معالجة البيانات المخزنة في الحاسب الآلي لاستغلالها بطريقة غير مشروعة كمن يدخل إلى  إحدى الشبكات ويحصل على أرقام بطاقات ائتمان يحصل بواسطتها على مبالغ من حساب مالك البطاقة ، وما يميز هذا النوع من الجرائم انه من الصعوبة بمكان اكتشافه مالم يكن هناك تشابهه في بعض أسماء أصحاب هذه البطاقات.

المجموعة الثانية : تستهدف مراكز معالجة البيانات المخزنة في الحاسب الآلي بقصد التلاعب بها أو  تدميرها كليا أو  جزئيا ويمثل هذا النوع الفيروسات المرسلة عبر البريد الإلكتروني أو  بواسطة برنامج مسجل في احد الوسائط المتنوعة والخاصة بتسجيل برامج الحاسب الآلي ويمكن اكتشاف مثل هذه الفيروسات في معظم الحالات بواسطة برامج حماية مخصصة للبحث عن هذه الفيروسات ولكن يشترط الأمر تحديث قاعدة بيانات برامج الحماية لضمان أقصى درجة من الحماية . ومع أن وجود هذه البرامج في جهاز الحاسب الآلي لا يعنى إطلاقا الحماية التامة من أي هجوم فيروسي وأن ما هو احد سبل الوقاية والتي قد يتسلل الفيروس إلى  الجهاز بالرغم من وجودها ويلحق أذى بالجهاز ومكوناته خاصة إذا كان الفيروس حديث وغير معروف من السابق .

المجموعة الثالثة :تشمل استخدام الحاسب الآلي لارتكاب جريمة ما، وقد وقعت جريمة من هذا النوع في إحدى الشركات الأمريكية التي تعمل سحبا على جوائز اليانصيب حيث قام احد الموظفين بالشركة بتوجيه الحاسب الآلي لتحديد رقم معين كان قد اختاره هو فذهبت الجائزة إلى  شخص بطريقة غير مشروعة[وإن كان اليانصيب غير مشروع أصلاً].

المجموعة الرابعة : تشمل إساءة استخدام الحاسب الآلي أو  استخدامه بشكل غير قانوني من قبل الأشخاص المرخص لهم باستخدامه ومن هذا استخدام الموظف لجهازه بعد انتهاء عمله في أمور لا تخص العمل.
 
المبحث الثاني: جرائم الإنترنت من منظور شرعي وقانوني

 

         " يمكن النظر للانترنت كمهدد للأمن الاجتماعي وخاصة في المجتمعات المغلقة والشرقية، حيث أن تعّرض مثل هذه المجتمعات لقيم وسلوكيات المجتمعات الأخرى قد تسبب تلوثا ثقافيا يؤدي إلى  تفسخ اجتماعي وانهيار في النظام الاجتماعي العام لهذه المجتمعات. إن الاستخدام غير الأخلاقي واللاقانوني للشبكة قد يصل إلى  مئات المراهقين والهواة مما يؤثر سلبا على نمو شخصياتهم النمو السليم ويوقعهم في أزمات نمو، وأزمات قيمية لا تتماشى مع النظام الاجتماعي السائد، وبخاصة عند التعامل مع المواضيع الجنسية وتقديم الصور والمواد الإباحية" ( البداينة، 1999م : 101)

والمخاطر الأمنية متجددة وليست قاصرة على وقت أو نوع معين و" مع دخول الكمبيوتر ( الحاسب الآلي ) الذكي إلى المنازل فان ذلك سيفتح الباب لأنواع متطورة من الجرائم التي تستغل إمكانية برمجة الأجهزة المنزلية ووصلها بالحاسب الآلي وبشكبة الانترنت، فطالما انك تستطيع مثلا وصل خزانة الأموال في مكتبك بشبكة الانترنت لإعطاء إنذار عند محاولة فتحها فربنا يكون من الممكن فتحها عن بعد بواسطة الكمبيوتر  ( الحاسب الآلي ) ثم الوصول إليها وإفراغها " ( داود، 1420هـ : 32 ).

واستلزم التطور التقني تطور في طرق إثبات الجريمة والتعامل معها، فالجرائم العادية يسهل – غالباً - تحديد مكان ارتكابها، بل أن ذلك يعتبر خطوة أولى وأساسية لكشف ملابسات الجريمة، في حين انه من الصعوبة بمكان تحديد مكان وقوع الحادثة عند التعامل مع جرائم الانترنت، لكون الرسائل والملفات الحاسوبية تنتقل من نظام إلى آخر في ثواني قليلة، كما انه لا يقف أمام تنقل الملفات والرسائل الحاسوبية أي حدود دولية أو جغرافية. ونتيجة لذلك فإن تحديد أين تكون المحاكمة وما هي القوانين التي تخضع لها أمر في غاية الحساسية والتعقيد خاصة وان كل دولة تختلف قوانينها عن الدولة الأخرى، فما يعتبر جريمة في الصين مثلا قد لا يعتبر جريمة في أمريكا والعكس صحيح، بل أن الأمر يصل إلى حد اختلاف قوانين الولايات المختلفة داخل الدولة الواحدة كما في الولايات المتحدة الأمريكية (Thompson, 1999).

وأدى التطور التقني إلى ظهور جرائم جديدة لم يتناولها القانون الجنائي التقليدي، مما اجمع معه مشرعي القانون الوضعي في الدول المتقدمة على جسامة الجريمة المعلوماتية والتهديدات التي يمكن أن تنشأ عن استخدام الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت، ودفعهم هذا إلى دراسة هذه الظاهرة الإجرامية الجديدة وما اثارته من مشكلات قانونية حول تطبيق القانون الجنائي من حيث الاختصاص القضائي ومكان وزمان ارتكاب الجريمة حيث يسهل على المجرم في مثل هذه الجرائم ارتكاب جريمة ما في مكان غير المكان الذي يتواجد فيه أو الذي حدثت فيه نتائج فعله (تمام، 2000م : 1- 3).

وتطوير القوانيين الجنائية وتحديثها امر يستغرق بعض الوقت فـ" هناك تعديلات كثيرة مطلوب ادخالها على التشريعات التي تتعامل مع الجريمة كي تأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة التي نشأت عن إستخدام الحاسب الآلي في مجال المعلومات وعن ظهور شبكات المعلومات العالمية" ( داود، 1421هـ : 68).

ولاقت جرائم الحاسب الآلي اهتماما عالميا فعقدت المؤتمرات والندوات المختلفة ومن ذلك المؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي عام (1993م) الذي تناول موضوع جرائم الحاسب الآلي والجرائم الأخرى في مجال تكنلوجيا المعلومات وتوصل الي توصيات احاطت بجوانب مشكلة جرائم الحاسب الآلي الا انها لم تتعرض لجزئية هامة وهي التعاون الدولي الذي يعتبر ركيزة اساسية عند التعامل مع هذه النوعية من الجرائم (عيد، 1419هـ:56 – 259).

    وهذا المؤتمريعتبر تحضيرا للمؤتمر الدولي الخامس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات الذي عقد في البرازيل عام (1994م) والذي وضع توصيات حول جرائم الحاسب الآلي والانترنت والتحقيق فيها ومراقبتها وضبطها وركز على ضرورة ادخال بعض التعديلات في القوانين الجنائية لتواكب مستجدات هذه الجريمة وافرازاتها (احمد،2000م : 5 – 10).

والتعاون الدولي مهم عند التعامل مع جرائم الإنترنت، كونه سيطّور اساليب متشابهة لتحقيق قانون جنائي واجرائي لحماية شبكات المعلومات الدولية ،خاصة ان هذه الجرائم هي عابرة للقارات ولا حدود لها، وفي المقابل فان عدم التعاون الدولي سيؤدي إلى زيادة القيود على تبادل المعلومات عبر حدود الدول مما سيعطي الفرصة للمجرمين من الإفلات من العقوبة ومضاعفة أنشطتهم الإجرامية (الشنيفي، 1414هـ :113).

 

وتعتبر السويد أول دولة تسن تشريعات خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت، حيث صدر قانون البيانات السويدي عام (1973م) الذي عالج قضايا الاحتيال عن طريق الحاسب الآلي إضافة إلى شموله فقرات عامة تشمل جرائم الدخول غير المشروع على البيانات الحاسوبية أو تزويرها أو تحويلها أو الحصول غير المشرع عليها (الشنيفي، 1414هـ : 108؛ عيد، 1419هـ : 255)

وتبعت الولايات المتحدة الأمريكية السويد حيث شرعت قانونا خاصة بحماية أنظمة الحاسب الآلي (1976م – 1985م)، وفي عام (1985م) حدّد معهد العدالة القومي خمسة أنواع رئيسة للجرائم المعلوماتية وهي:

جرائم الحاسب الآلي الداخلية، جرائم الاستخدام غير المشروع عن بعد، جرائم التلاعب بالحسب الآلي، دعم التعاملات الإجرامية، وسرقة البرامج الجاهزة والمكونات المادية للحاسب. وفي عام (1986م) صدر قانونا تشريعاً يحمل الرقم (1213) عرّف فيه جميع المصطلحات الضرورية لتطبيق القانون على الجرائم المعلوماتية كما وضعت المتطلبات الدستورية اللازمة لتطبيقه، وعلى اثر ذلك قامت الولايات الداخلية بإصدار تشريعاتها الخاصة بها للتعامل مع هذه الجرائم ومن ذلك قانون ولاية تكساس لجرائم الحاسب الآلي، وقد خولت وزارة العدل الأمريكية في عام (2000م) خمسة جهات منها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) للتعامل مع جرائم الحاسب الآلي والانترنت (الشنيفي، 1414هـ: 109؛ عبدالمطلب، 2001م: 92 – 94؛ عيد، 1419هـ: 255).    

وتأتي بريطانيا كثالث دولة تسن قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي حيث أقرت قانون مكافحة التزوير والتزييف عام (1981م) الذي شمل في تعاريفه الخاصة بتعريف أداة التزوير وسائط التخزين الحاسوبية المتنوعة أو أي أداة أخرى يتم التسجيل عليها سواء بالطرق التقليدية أو الإلكترونية أو بأي طريقة أخرى (الشنيفي، 1414هـ : 109؛ عيد، 1419هـ : 255)

وتطبق كندا قوانين متخصصة ومفصلة للتعامل مع جرائم الحاسب الآلي والانترنت حيث عدلت في عام (1985م) قانونها الجنائي بحيث شمل قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت، كما شمل القانون الجديد تحديد عقوبات المخالفات الحاسوبية، وجرائم التدمير، أو الدخول غير المشروع لأنظمة الحاسب الآلي، كما وضّح فيه صلاحيات جهات التحقيق كما جاء في قانون المنافسة (The Competition Act) مثلا الذي يخول لمأمور الضبط القضائي متى ما حصل على أمر قضائي حق تفتيش أنظمة الحاسب الآلي والتعامل معها وضبطها (احمد، 2000م : 263؛ الشنيفي، 1414هـ : 110؛ عيد، 1419هـ : 255)

وفي عام (1985م) سنّت الدنمارك أول قوانينها الخاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت والتي شملت في فقراتها العقوبات المحددة لجرائم الحاسب الآلي كالدخول غير المشروع إلى الحاسب الآلي أو التزوير أو أي كسب غير مشروع سواء للجاني  أو لطرف ثالث أو التلاعب غير المشروع ببيانات الحاسب الآلي كإتلافها أو تغييرها أو الاستفادة منها (الشنيفي، 1414هـ : 110؛ عيد، 1419هـ : 255)

وكانت فرنسا من الدول التي اهتمت بتطوير قوانينها الجنائية للتوافق مع المستجدات الإجرامية حيث أصدرت في عام (1988م) القانون رقم (19-88) الذي أضاف إلى قانون العقوبات الجنائي جرائم الحاسب الآلي والعقوبات المقررة لها، كما تم عام (1994م) تعديل قانون العقوبات لديها ليشمل مجموعة جديدة من القواعد القانونية الخاصة بالجرائم المعلوماتية وأوكل إلى النيابة العامة سلطة التحقيق فيها بما في ذلك طلب التحريات وسماع الأقوال (تمام، 2000م : 91- 92، 115؛ شتا، 2001م : 70)  

أما في هولندا فلقاضي التحقيق الحق بإصدار أمره بالتصنت على شبكات الحاسب الآلي متى ما كانت هناك جريمة خطيرة، كما يجيز القانون الفنلندي لمأمور الضبط القضائي حق التنصت على المكالمات الخاصة بشبكات الحاسب الآلي، كما تعطي القوانين الألمانية الحق للقاضي بإصدار أمره بمراقبة اتصالات الحاسب الآلي وتسجيلها والتعامل معها وذلك خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام (احمد، 2000م : 222، 263)  

وفي اليابان قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت ونصت تلك القوانين على انه لا يلزم مالك الحاسب الآلي المستخدم في جريمة ما التعاون مع جهات التحقيق أو إفشاء كلمات السر التي يستخدمها إذا ما كان ذلك سيؤدي إلى إدانته،كما أقرت عام (1991م) شرعية التنصت على شبكات الحاسب الآلي للبحث عن دليل (احمد، 2000م : 222، 276).

 كما يوجد في المجر وبولندا قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت توضح كيفية التعامل مع تلك الجرائم ومع المتهمين فيها، وتعطي تلك القوانين المتهم الحق في عدم طبع سجلات الحاسب الآلي أو إفشاء كلمات السر أو الأكواد الخاصة بالبرامج، كما تعطي الشاهد أيضا الحق في الامتناع عن طبع المعلومات المسترجعة من الحاسب الآلي متى ما كان ذلك إلى إدانته أو إدانة احد أقاربه. بل تذهب القوانين الجنائية المعمول بها في بولندا إلى ابعد من هذا حيث أنها تنص على أن لا يقابل ذلك أي إجراء قسري أو تفسيره بما يضر المتهم (احمد، 2000م : 276).

هذا وعلى مستوى الدول العربية فانه وحتى تاريخه ،وبحسب علم الباحث، لم تقم أي دولة عربية بسن قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت، ففي مصر مثلا  لا يوجد نظام قانوني خاص بجرائم المعلومات، إلا أن القانون المصري يجتهد بتطبيق قواعد القانون الجنائي التقليدي على الجرائم المعلوماتية والتي تفرض نوعا من الحماية الجنائية ضد الأفعال الشبيهة بالأفعال المكونة لأركان الجريمة المعلوماتية، ومن ذلك مثلا اعتبر أن قانون براءات الاختراع ينطبق على الجانب المادي من نظام المعالجة الآلية للمعلومات، كما تم تطويع نصوص قانون حماية الحياة الخاصة وقانون تجريم إفشاء الأسرار بحيث يمكن تطبيقها على بعض الجرائم المعلوماتية، وأوكل إلى القضاء الجنائي النظر في القضايا التي ترتكب ضد أو بواسطة النظم المعلوماتية (تمام، 2000م : 91- 104، 126).

وكذا الحال بالنسبة لمملكة البحرين فلا توجد قوانين خاصة بجرائم الإنترنت، وان وجد نص قريب من الفعل المرتكب فان العقوبة المنصوص عليها لا تتلاءم وحجم الأضرار المترتبة على جريمة الإنترنت. وقد أوكل إلى شركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو) مهمة تقديم خدمة الإنترنت للراغبين في ذلك، كما أنيط بها مسئولية الحد من إساءة استخدام شبكة الإنترنت من قبل مشتركيها (بحر، 1420هـ : 39، 43).

وعلى المستوي المحلي نجد أن المملكة العربية السعودية أيضا لم تسن قوانين خاصة بجرائم الإنترنت ،إلا أن الوضع مختلف هنا، فهي ليست في حاجة لتحديث قوانينها وتشريعاتها كونها تنطلق من الشريعة الإسلامية الكاملة، فالمشرع واحد لا ثاني له والتشريع أزلي لا تجديد له، وهو مع كونه أزلي فانه صالح لكل زمان ومكان كونه صادر من خالق الكون والعليم بما يَصْلُحُ له ويُصْلِحُهُ " وتركت الشريعة الإسلامية الباب مفتوحا لتجريم الجرائم المستحدثة تحت قواعد فقهية واضحة منها لا ضرر ولا ضرار وتركت لولي الأمر تقرير العقوبات لبعض الجرائم المستحدثة مراعاة لمصلحة المجتمع ويندرج ذلك تحت باب التعازير" (الشهري، عبدالله، 1422هـ : 38)، وهناك قاعدة سد الذرائع أي "دفع الوسائل التي تؤدي إلى المفاسد، والأخذ بالوسائل التي تؤدي إلى المصالح" (أبو زهرة، 1976م : 226)

"ومن المقرر فقهياً أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح" (أبو زهرة، 1976م  : 228)

ونظراً لأن "الظاهرة الإجرامية من الظواهر الاجتماعية التي تتميز بالنسبية، لأنها تختلف باختلاف الثقافات، فما يعد جريمة أو جنحة في مجتمع ما قد يعد مقبولا في مجتمع آخر. فالتشريع والثقافة السائدان في كل مجتمع هما اللذان يحددان الجرائم والفضائل" (السيف، 1417هـ:1).

لذا فان هذا البحث وعند دراسته لجرائم الانترنت في المجتمع السعودي فانه ينطلق من القوانين الشرعية المعمول بها في المملكة العربية السعودية التي تستمد قوانينها من كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وليس من القوانين الوضعية التي قد تتفق في تعريف الجريمة إلا أنها تختلف حتما في تقسيمها للجريمة.

فالجريمة في القوانين الوضعية تعّرف بأنها كل فعل يعاقب عليه القانون، أو امتناع عن فعل يقضي به القانون، ولا يعتبر الفعل أو الترك جريمة إلا إذا كان مجرّماً في القانون. أما التعريف الشرعي للجريمة فهي إتيان فعل محرم معاقب على فعله أو ترك فعل محرم الترك معاقب على تركه، أو هي فعل أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.       (عودة، 1401هـ : 66). أو بمعنى آخر هي "فعل ما نهي الله عنه، وعصيان ما أمر الله به" (أبو زهرة، 1976م : 24).

وقد لا يبدوا أن هناك اختلاف كبير بين التعريفين ،وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن يتّضح الاختلاف في التقسيم الذي يأخذ به كل فريق، ففي الشريعة الإسلامية تقّسم الجريمة من حيث جسامة العقوبة إلى حدود، قصاص أو دية، وتعازير، في حين تقّسم القوانين الوضعية الجريمة من حيث العقوبة إلى جنايات، جنح، ومخالفات (الدمينى، 1402هـ، طالب، 1998م : 168). أو بمعنى آخر فان القوانين الوضعية " تقسم الجريمة أساسا على مقدار العقوبة، وبذلك كأن تحديد الجريمة يعتبر فرعا من العقوبة، في حين أن التشريع الإسلامي يجعل الأساس في العقوبة هو جسامة الجريمة وخطرها من حيث المساس بالضرورات الخمس" (منصور، 1410هـ : 213 – 214).

وبشكل أدق فالاختلاف يقع في التقسيم الثالث أي في قسم التعازير في الشريعة وقسم المخالفات في القوانين الوضعية، ففي الأولي أشمل واعم حيث انه يدخل في التعازير كل الأفعال سواء المجرمة أو غير المجرمة، أي التي لها عقوبة محددة أو التي لم ينص علي عقوبة محددة لها، فالعقوبة هنا تقديرية للقاضي وتبدأ من الزجر والتوبيخ وتصل إلى حد إيقاع عقوبة القتل تبعا للفعل المرتكب ولنظرة القاضي لذلك الفعل. في حين يحدد القانون الوضعي عقوبات محددة للمخالفات بمعنى انه لا يمكن معاقبة أي فعل ما لم يكن هناك نص محدد له في القانون وإلا لم يعتبر جرما، ومن هنا تختلف النظرة إلى الجريمة في الشريعة الإسلامية عنها في القوانين الوضعية حيث أنها أشمل وأعم في الشريعة عنها في القوانين الوضعية، الأمر الذي يجعل معه الشريعة الإسلامية متطورة ومتجددة دوما فهناك عقوبة لكل فعل شاذ أو غير مقبول وان لم ينص على تجريمه قانونيا.

ولا يعنى هذا أن كل الأفعال مجرّمة في الشريعة بل المقصود هو أن أي فعل شاذ أو منافي لتعاليم الدين الإسلامي ولو كان جديدا فان هناك عقاب له في الشريعة، فـ"الأساس بلاشك في اعتبار الفعل جريمة في نظر الإسلام هو مخالفة أوامر الدين"(أبوزهرة، 1976م: 31)، أما العقوبة المقررة لكل جريمة فمتفاوتة حيث "تتفاوت الجرائم في الإسلام بتفاوت ما فيها من مفاسد" (أبو زهرة، 1976م: 185)، فالشريعة حددت إطار عام للأفعال المقبولة وغير المقبولة جديدها وقديمها، كما حددت العقوبة المناسبة لكل جريمة أو فعل غير مقبول، وهنا سر تفوق الشريعة الإسلامية.  

ومن هذا فقضية الجريمة والعقوبة ومستجداتها أمر محسوم في المملكة العربية السعودية ويميزها عن غيرها من الدول، فالقانون الجنائي لديها ،والمستمد من الشريعة، يتسم "بوضع متميز بين سائر التقنيات الجنائية المقارنة، حيث عالجها الشارع الحكيم في إطار النظام القانوني الشامل المتكامل الذي يغطي كل جوانب الحياة ويصلح لكل زمان ومكان. فالتجريم والعقاب في النظام الإسلامي يتوجه مباشرة إلى صيانة وحماية المصالح المعتبرة في الإسلام، وهي الدين والنسل والنفس والمال والعقل، وأي اعتداء على مصلحة من تلك المصالح يعتبر جريمة يعاقب فاعلها، ويختلف بالطبع مقدار العقوبة حسب جرامة الفعل الإجرامي" (عجب نور، 1417هـ : 13).

ومع ذلك فالأمر يحتاج إلى وضع أسس تنظيمية فاعلة وشاملة لتحديد الجهة المخولة بداية للتعامل مع جرائم الإنترنت والأفعال غير الأخلاقية والتصرفات السلبية التي تحدث أثناء استخدام شبكة الإنترنت تحقيقاً وضبطاً ووقايةً، وكذلك تحديد كيفية التعامل الإداري والإجرائي في هذه القضايا، فلا بد أن يواكب استخدام المملكة العربية السعودية لتقنية الإنترنت ظهور أنماط جديدة من الإجرام -كغيرها من الدول التي أخذت بالتقنية الحديثة- فهذه الأنماط ليست قاصرة على دولة دون أخرى.

فلا بد إذن من وضع تنظيم إداري واضح للحد من سلبيات هذه الأفعال ومحاسبة مرتكبيها وإعطاء الحق للمتضررين منها. فهذه التنظيمات سوف تُفَعِّلْ قوانين وتشريعات المملكة المستمدة من الشريعة الإسلامية لتضع بعض الحواجز والروادع أمام من يرتكب مثل هذه الجرائم من داخل المملكة.

 
 
وقد بدأت المملكة بالعمل في هذا الاتجاه حيث أوكلت المهمة مبدئيا إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لتقديم هذه الخدمة عبر مزودي خدمة تجاريين، كما شكلت لجنة أمنية دائمة برئاسة وزارة الداخلية وعضوية ممثلين من القطاعات الأمنية والدينية والاجتماعية والاقتصادية المختصة للإشراف على أمن خدمة الإنترنت في المملكة وتشمل مهمتها تحديد المواقع غير المرغوبة والتي تتنافى مع الدين الحنيف والأنظمة الوطنية ومتابعة كل ما يستجد منها لحجبها خاصة تلك المواقع الإباحية أو الفكرية أو الأمنية     ( النشرة التعريفية، 1419هـ).

وفي تقرير صحفي نشر في موقع صحيفة الجزيرة بتاريخ 2/2/1421هـ ( الجزيرة، 1421هـ)، كشفت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من خلال وحدة الإنترنت المشرفة على عمل مقدمي خدمة الإنترنت في المملكة عن إجراءات فنية تهدف إلى محاصرة أعمال المخربين أو المتسللين ومنعهم ومخالفتهم. وأوضحت الوحدة أنها قد ألزمت جميع مقدمي خدمة الإنترنت في المملكة بتطبيق عدد من الإجراءات الفنية لمنع أعمال المتسللين وإساءة استخدام البريد الإلكتروني وغيرها من المخالفات المتعلقة بالجوانب الأمنية لاستخدام شبكة الإنترنت في المملكة ومن بين هذه الإجراءات ما يلي:

1.   منع انتحال أرقام الإنترنت أو ما يعرف بـIp-spoofing)) والتي يقوم خلالها بعض المتسللين المحترفين باستخدام أرقام بعض الأشخاص بطريقة غير مشروعة.

2.   منع إساءة استخدام البريد الإلكتروني أو ما يعرف بـE-Mail Spamming))       سواء للتهديد أو لإرسال عروض أسعار أو دعايات لا يقبل بها المستخدم وهو ما عرف اصطلاحا باسم البريد المهمل والذي ينتشر بشكل كبير في الدول المتقدمة.

3.   الاحتفاظ بسجل استخدام مزود الاتصال الخاص بالمشتركين (Dialup-Server) وسجل استخدام البروكسي (Proxy) لمدة لا تقل عن (6) أشهر.

4.   الحصول على خدمة الوقت ((NTP عن طريق وحدة البروكسي ومزود الاتصال بهدف اللجوء إليها لمعرفة توقيت حدوث عملية الاختراق للأجهزة أو الشبكات.

5.   تحديث سجلات منظمة رايب (www.ripe.com) الخاصة بمقدمي الخدمة.

6.   ضرورة تنفيذ ما تتوصل إليه اللجنة الأمنية الدائمة بخصوص متابعة ومعاقبة المخالفات الأمنية.

كما أشارت صحيفة عكاظ في عددها رقم (12789) وتاريخ13/6/1422هـ (عكاظ،1422هـ)، بأن مجلس الوزراء السعودي يدرس نظاما جديدا للإنترنت يتضمن فرض عقوبات من بينها السجن وغرامات مالية على مخربي شبكة المعلوماتية (المتسللين)، وأن العقوبات على مخربي الإنترنت ستحدد وفقا للضرر الناجم عن عمليات الاختراق والأعمال التخريبية وأن العقوبة قد تصل إلى السجن سبع سنوات إلى جانب غرامات مالية.

وهذه التنظيمات مفيدة ولا شك إلا أنها ليست كافية، فالمهم هنا وبداية تحديد جهة متخصصة ومؤهلة للتعامل مع جرائم الإنترنت تحقيقا وضبطا ووقاية، خلاف مدينة الملك عبدالعزيز التي تضطلع بمهام كثيرة ومختلفة عن المهام التي ستوكل للجهة التي ستحدد لمثل هذا العمل. وعلى كل حال فيجب أن لا يركن إلى الأنظمة والتعليمات فقط عند التعامل مع الجرائم والتجاوزات، فالأنظمة ليست وحدها الرادع لأي مخالفات أو سلبيات وخاصة في بيئة دينية محافظة كالمملكة العربية السعودية حيث يلعب الوازع الديني والرقابة الذاتية دور مهم في عملية في عملية الردع والحد من أي تجاوزات، فمن المهم أن يؤخذ

" الجانب الديني في الاعتبار عند مناقشة أخلاقيات تدوال المعلومات كنوع من الضوابط الدينية التي تحكم أخلاقيات استخدام وتداول المعلومات، والتي تردع أي اتجاه لدى الأفراد نحو ارتكاب جرائم نظم المعلومات ( الانترنت )، فالملاحظ انه توجد معلومات تقدمها جهات كثيرة بالمجان وشبكة الانترنت متخمة بكميات هائلة من هذه المعلومات الصالح منها والمفسد. وينطبق هذا على جميع أنواع العلوم والفنون من خلال ملايين المواقع التي يطلع على محتواها أكثر من ستين إلى مائة مليون متصل بالشبكة يوميا ويتضاعف عددهم بسرعة مخيفة. ومن ثم يجب أن نركز على ضرورة وجود الضوابط الدينية والأخلاقية، فالذي لا وازع ولا ضمير له قد أتيحت له وسيلة سهلة للغاية في توصيل أفكاره ونشر مفاسده بالدرجة نفسها المتاحة أمام النافعين للناس، وقوانين الدول تختلف فيما تتبناه من أساليب للتحكم فيما ينشر عبر شبكة الانترنت، والمحرمات تختلف من مكان لآخر." ( داود ، 1420هـ  : 217).

        ولعلنا لا نغفل العادات والتقاليد المستوحاة من شريعتنا الإسلامية وتقاليدنا العربية الأصيلة والتي تزرع بداخل المواطن الوازع الديني الرادع عن ارتكاب المخالفات والنواهي، ومع كل هذه الضوابط فالنفس أمارة بالسوء والشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم، فيجب أن يكون هناك ضوابط عقابية تحد من يضعف رادعه الإيماني ليجد الرادع السلطاني له بالمرصاد فان الله ليردع بالسلطان ما لا يردع بالقرآن.
المبحث الثالث:

الأبعاد الفنية للأفعال الجنائية المرتكبة

من قبل مستخدمي الإنترنت في المجتمع السعودي ( تصور إسلامي )

 

الاستعراض السابق كان يتحدث بصفة عامة عن مواكبة القوانين الدولية والعربية والمحلية للجرائم المستحدثة ومنها جرائم الإنترنت، ولكن ما هي المنطلقات الشرعية والقانونية لإطلاق مصطلح جريمة على الأفعال المرتكبة أثناء استخدام الإنترنت في المجتمع السعودي. وللإجابة على هذا ال

37
كما هو الحال في استخدام طيور الكناري داخل المناجم للتعرف على سمومها، يمكن للميكروب ان يشعر بالاخطار البيئية قبل الانسان. ولكن كيف يمكن معرفة شعور الميكروب؟ وكيف يمكن توجيه ميكروب للاتصال؟ إحدى هذه الوسائل لتحقيق ذلك هي عن طريق شريحة سليكون. حيث طور غاري سايلر عالم الميكروبات في جامعة تينسي ومجموعة من زملائه، جهازا يستخدم الشرائح لجمع ادلة من ميكروبات معدلة. وقد تمكن الباحثون من استخدام هذه الاجهزة المعروفة بإسم الدوائر الحيوية المضيئة المدمجة لمتابعة التلوث في الارض. وهم يصممون الان وبدعم من مكتب «ناسا» للابحاث البيولوجية والفيزيائية نسخة من هذا الجهاز لسفن الفضاء.


وقد تمكنت مجموعة سايلر التي تضم كلا من ستيف ريب وسيد اسلام وبن بلالوك بالاضافة الى باحثين في مركز كيندي الفضائي، من «هندسة» ميكروبات جديدة تومض باللونين الازرق والاخضر عند التعرض للتلوث. ثم ربطوا هذه البكتيريا مع شرائح مصممة لقياس الضوء.


ونقل موقع «ساينس ناسا» عن سايلر ان جهاز الدوائر الحيوية المضيئة المدمجة يقدم وسيلة قليلة التكلفة ويستخدم اقل طاقة ممكنة لاستكشاف التلوث. والجهاز صغير للغاية لا تزيد ابعاده عن مليمترين طولا ومليمترين عرضا، ولن يزيد حجم الجهاز بأكمله بما فيه مصدر الطاقة، عن حجم علبة الثقاب، وهو يراقب البيئة المحيطة به بطريقة مستمرة.

 

و«ناسا» مهتمة بإستشكاف التلوث لان سفن الفضاء محكمة. ولذا يمكن للبخار المنبعث من التجارب العلمية او المواد السامة الناتجة عن العفن ان تتجمع وتعرض رواد الفضاء للخطر. ويمكن اعداد هذا الجهاز لاستكشاف أي شيء: الأمونيا وملح حامض الكروميك والكوبالت والنحاس والبروتين والرصاص والزئبق والموجات فوق الصوتية والاشعة فوق البنفسجية والزنك - والقائمة لا تنتهي.


والمثير في هذا النظام انه قوي، فالميكروبات تزدهر في مجموعة كبيرة من البيئات، ولذا فمن الممكن تصميم جهاز قادر على الحياة في بيئات ملوثة. ويوضح سايلر «يمكنه (الجهاز) القيام بعمله في اماكن مثل مزيج المياه والوقود». وبالرغم من ان الميكروبات يمكنها حماية نفسها من السموم، فلديها العديد من الاحتياجات، مثل التغذية. واوضح سايلر ان الحفاظ عليها على قيد الحياة «كان جزءا هاما من عملنا».


احدى المشاكل المرتبطة بالجهاز، انه يجب الحفاظ على الميكروبات عديمة الحركة لكي تبقى بالقرب من الشريحة. والتحدي، هو محاولة اكتشاف كيفية الحفاظ على الميكروبات عديمة الحركة بطريقة تجعلها تبقى حية الى اطول فترة ممكنة. ويختبر العلماء عدة مواد تجعل الميكروبات بلا حركة.


ويفضل بالطبع مادة ذات شفافية بصرية، بحيث اذا ما اضاء الميكروب، يمكن للشريحة استكشاف ذلك. ويجب ان تكون المادة التي تمنع الميكروب من الحركة مسامية، بحيث تسمح للمواد الملوثة بالوصول الى الميكروب.


كما يجب ان تضم مواد غذائية لكي تتغذى عليها الميكروبات. كما يجب ان تسمح بوجود مساحة كافية للميكروبات. وينبغي تغذية الميكروبات عديمة الحركة في المرشح، من دون السماح لها بالنمو، اذ لا ينبغي لها النمو كثيرا. واذا ما نمت، فهي تغير الكمية الاجمالية للخلايا في النظام، وتربك كمية الضوء التي تقابل درجة التلوث. ويشير سايلر الى ضرورة وجود عدة الاف من الميكروبات في الشريحة الواحدة، لكي تؤدي الى ظهور ضوء كاف - وحجمها الكبير هذا يكفي لتغطية رأس دبوس.


ويأمل الباحثون في تطوير جيل يمكن للميكروبات الحياة في اطاره لعدة شهور. ويمكن وضع اجهزة الاستشعار على حوائط سفن الفضاء، بحيث تراقب مناخ السفينة طوال الوقت. كما ستراقب ذاتها ايضا، للتأكد من ان الميكروبات لا تزال حية. واوضحوا ان الشريحة مصممة بحيث ترسل بعد 6 أشهر على سبيل المثال، رسالة تشير الى ان الوقت قد حان لتغيير مواد الاستشعار.


ويمكن لرائد فضاء الحصول على عبوة من الميكروبات المجمدة، واضافة قليل من المواد المرطبة، ولصقها بجهاز الاستشعار. وليست هناك حاجة الى القيام بأي شيء الى المرة القادمة، التي تختفي فيها الاشارة، ربما بعد 6 اشهر من الان. وهذه الاجهزة مفيدة على الارض ايضا. فيمكن ان تستكشف مادة الفورمالدهايد المنبعثة من خشب الاثاث المضغوط، او العفن الذي يصعب استكشافه الموجود في المباني المريضة. ويقول العلماء انه اذا عملت هذه الاجهزة كما يتوقع لها، فسوف يمكن لأي انسان الذهاب الى الصيدلية المحلية وشراء واحد منها، ووضعها على حائط المنزل. ويمكن للجهاز الكشف عما اذا كان السجاد يصدر غازات او اذا كان هناك مشكلة عفن اسود.


كما يمكن لمسؤولي وزارة الامن الداخلي استخدام تلك الاجهزة لمراقبة الارهاب البيولوجي، وكجهاز تشخيص للاطباء. ومن بين الامثلة التي يتخيلها سايلر هي استخدام هذا الجهاز في اطار برنامج لعلاج السكري، اذ يمكن لجهاز يحتوي على جهاز ارسال، مزروع في جسم المريض، ان يراقب نسبة السكر في جسد المريض ويتصل بجهاز بعيد لتوفير الانسولين. ومثل هذه الاجهزة يمكنها مسح السوائل بحثا عن بروتينات تشير الى وجود اورام، وبكلمة اخرى، نظام تحذير مبكر للسرطان.

38
منتدى الاحياء العام / النبات و ......السرطان !!
« في: نوفمبر 10, 2004, 09:15:44 صباحاً »
عادة ما يلجأ الإنسان لعالم النباتات والأعشاب للعلاج خاصة إذا كان المرض عضالا كالأورام السرطانية.. لكن ماذا لو أصيب النبات نفسه بالسرطان؟ هل يمكن علاجه؟! لا شك أن هناك تشابهًا كبيرًا بين ميكانيكية حدوث الورم في النباتات والإنسان. فتحول الخلية سواء الحيوانية أو النباتية إلى خلية سرطانية يكون بسبب بكتريا أو فيروس أو عوامل أخرى كثيرة ينتج عنها اضطرابات في عملية تكاثر الخلايا، حيث تتحول الخلايا الطبيعية إلى نوع شاذ يتناسخ ويتكاثر بطريقة غير منضبطة؛ وهو ما يؤدي إلى حدوث خلل في العمليات الفسيولوجية للكائن الحي.

 

وينتهي الحال بالإنسان في الأغلب بعد الإصابة بالورم السرطاني وعدم استئصاله إلى الوفاة، أما في النبات فينتج عنه خنق لمسار المياه والعناصر الغذائية الصاعدة للنبات؛ وبالتالي يزداد النبات ضعفًا ويقل إنتاجه وهو ما يدفع المزارعين إلى التخلص منه وهذا ما يحدث في أشجار الفاكهة، مثل الخوخ والمشمش والبرقوق وغيرها من الأشجار وهو ما يمثل خطورة شديدة على الاقتصاد الزراعي.

 

لم يكن العلماء القائمون على دراسة سرطان النبات يتوقعون أن أبحاثهم ستستغرق سبعين عاما كاملة عندما بدءوا الأبحاث في عام 1904. وعلى الرغم من إنفاق مليارات الدولارات على هذه الأبحاث، فإنها لم تحقق المرجوّ منها إلا في عام 1974 عندما توصل الباحثون إلى ميكانيكية عمل البكتريا المسببة لسرطان النبات والمسماة ببكتريا "أجرو باكتيريم تيوميفشينس"  (Agrobacterium tumefaciens). الاكتشاف الذي ساهم بشكل فعَّال في معرفة كيفية حدوث الأورام في النبات، وبالتالي التعرف على كيفية حدوثها في الإنسان.

 

يوضح المختصون في أمراض النبات أن الأورام بصفة عامة يطلق عليها تدرنات (Tumors). وهي عبارة عن نمو غير طبيعي في أنسجة النباتات والأشجار بأحجام مختلفة على الأوراق أو السيقان أو الأفرع أو الجذور أو البذور. ويصل حجم الورم من تدرنات قد لا ترى بالعين المجردة إلى أورام قد تصل لحجم البرتقالة. ويشير المختصون إلى أن الأورام التي تصيب النباتات تصنف إلى ثلاثة أنواع، منها ما يسمى بالورم الحميد والورم الحشري والنوع الثالث هو الورم السرطاني.

 

والورم في النبات بشكل عام لا يخرج عن كونه رد فعل للمؤثرات الخارجية التي تسفر عن أنواع مختلفة من الأورام باختلاف ذلك المؤثر، كتدرن بسيط أعلى جرح عمل النبات على التئامه، أو نشاط زائد من الخلايا البارنشيمية كرد فعل للإفرازات الكيماوية من الحشرات التي تحدث تهيجا في الأنسجة، أو الإصابة ببكتريا مثل الأجروباكتيرم تيوميفشينس المسببة للتدرن. ونظرًا لأن البكتريا تستطيع أن تعيش في الأرض لمدة قد تصل إلى حوالي 25 عامًا، فإن فرصة إصابة الأشجار المثمرة التي تزرع في الأرض الملوثة بهذه البكتريا تصبح كبيرة.

 

وأخطر التدرنات هي التي تسببها بكتريا الأجروباكتيرم تيوميفشينس (Agrobacterium tumefaciens) ، وتُعرف بالتدرنات التاجية أو سرطان النبات فالتاج هو المنطقة الفاصلة بين الجذر والساق، وتحتوي على خلايا نشطة، وتصيب هذه التدرنات معظم النباتات ذات الفلقتين، مثل العدس والفول وكافة أشجار الفاكهة عدا النخيل.

وحول كيفية حدوث الورم السرطاني في النبات يؤكد المختصون إلى أن بداية حل اللغز جاء بعد عشرات السنين من الأبحاث المختلفة، حيث اتضح أن البكتريا المعروفة باسم أجروباكتيرم تيوميفشينس بها كرموسوم حلقي زائد سمي بلازميد (Plasmid) يحمل جزءًا كبيرًا من الجينات المسئولة عن حدوث الورم، وأن جزءًا منه يدخل إلى الخلية النباتية ويلتحم مع المادة النووية بها؛ وبالتالي فإن الـ DNA (الشريط الوراثي) الخاص بالخلية يصبح به جزء من الـDNA الخاص بالبكتريا.

 

وينتج عن ذلك خلايا سرطانية تتكاثر في جميع الاتجاهات بطريقة عشوائية ودون أية ضوابط، كما أنها تفرز مركبات كيميائية ضارة تؤثر على الجهاز الوعائي للنبات المسئول عن نقل المواد الغذائية من التربة إلى الأوراق التي تعتبر المصنع الذي تتحول فيه المواد الغذائية إلى بروتينات ونشويات ودهون لإنتاج الثمار.

وللتأكد من أن البلازميد هو السبب في إحداث الورم تم زراعة البكتريا وتنميتها في درجة حرارة أعلى من درجة نموها المثلى -33ْ- حيث تفقد هذا الكرموسوم. وعند استخدامها فيما بعد لإحداث العدوى وجد أنها لا تحدث أية أورام.

 

جدير بالذكر أن الأورام تنتشر من مكان ظهورها في البداية إلى أماكن أخرى في النبات، تماما مثلما هو الحال في الإنسان وبنفس الميكانيكية. من ناحية أخرى فقد فتحت البكتريا المسببة للأورام في النبات الباب للدخول إلى مجال الهندسة الوراثية نظرًا لقدرتها على نقل الجينات إلى داخل الخلية النباتية. وهذا ما لم يمكن تنفيذه بطرق أخرى من قبل، وقد أدت دراسة طبيعة عمل هذه البكتريا من قبل العلماء لأكثر من خمسين عامًا دورا كبيرا في مجال الهندسة الوراثية.

 

هناك طرق للكشف المبكر عن سرطان النبات عن طريق تقدير نسبة البكتريا المسببة للورم في النبات قبل حدوث الأعراض، وهناك مركبات كيميائية ومجموعة من المضادات الحيوية التي تُستخدم في قتل هذه البكتريا. وفيما يتعلق بطرق الوقاية فيجب تجنب حدوث الجروح التي تحدث في الشعيرات الجذرية والتي تعتبر البوابة الطبيعية لدخول البكتريا المسببة للمرض.

 

كما يجب التعامل مع الجروح التي تحدث نتيجة التقليم عن طريق سدها بعجينة معينة تمنع دخول البكتريا إلى النبات، بالإضافة إلى منع عملية التطعيم بأفرع مصابة بورم سرطاني. وفي حالة ظهور ورم سرطاني يجب إزالته من على الأشجار مع دهان الجرح بعجينة مطهرة ومضاد حيوي للحفاظ على النسيج المكشوف. وينصح المختصون بضرورة توخي الحذر عند القيام بالإجراءات المعملية المتبعة في المعامل البكتريولوجية؛ نظرًا لأنه من الممكن أن تتسبب الخلايا السرطانية النباتية في حدوث أورام موضعية على جلد الإنسان، خاصة إذا ما كان هناك جرح على سطح الجلد.

39
منتدى الاحياء العام / عالم الطيور البرية
« في: نوفمبر 10, 2004, 09:13:47 صباحاً »
تتميز الطيور عن بقية الحيوانات الفقارية بالريش المغطي لجسمها والمنقار القرني الذي يغطي فكيها ، ويقدر عدد أنواع الطيور المختلفة في العالم بنحو عشرة آلاف نوع يختلف كل منها عن الآخر من حيث الحجم والشكل والعادات وتتوزع في جميع أنحاء المعمورة بين القطبين الشمالي والجنوبي، وحتى الجزر النائية الصغيرة لا تكاد تخلو من الطيور، ويقدر العلماء مجموع أفراد الطيور في العالم بمائة ألف مليون طائر. يحد من التنافس بين الطيور في الحصول على الغذاء أن بعضها ليلي النشاط على حين أن بعضها الآخر يمارس نشاطه خلال النهار، فالبومة السمراء والباشق مثلا هما من الطيور الجارحة لكن الأول يصطاد ليلا والثاني يصطاد نهارا. تمتاز ذكور الطير عن إناثها عادة بألوان جذابة مزركشة يكون لها دور مهم في التكاثر، وتختلف ألوان الطيور بحسب أنواعها ولا شك أن هذا التباين قد جاء نتيجة التكيف لبيئات مختلفة في كل حالة.

 

معظم الطيور تبني أعشاشها بنفسها وتحضن صغارها وتحميها لفترات متباينة، بيد أن بعض الطيور تخلّت في تطورها عن سلوكها الطبيعي في حضن البيض فأصبحت تعيش متطفلة على أعشاش طيور أخرى.  تمتاز معظم الطيور بقدرة فائقة على الطيران، فالطيور ذات الأحجام الكبيرة مثل طائر البجع والطيور الجارحة الكبيرة تركب التيارات الهوائية الصاعدة لتقطع مسافات شاسعة بأقل جهد ممكن. وثمة طيور أخرى كالحباري تقض الكثير من وقتها على الأرض وهي قادرة على العدو السريع، وكثير من الطيور مكيّف للمعيشة في الماء ومن أمثلتها البط والإوز التي تجيد السباحة.

 

التكيف للطيران:

لكي يستطيع الطائر أن يطير ويحلق بحرية عليه أن يحقق عنصرين هامين هما خفة الوزن والعمل على زيادة قوّته واندفاعه، ويتطلّب الطيران أيضا وجود جناحين يدعمانه ويرفعانه في الهواء، وامتازت الطيور عمّا عداها من الفقاريات بتحورات خاصة، وقد تهيأت هذه الأمور تطوريا من خلال تحوّر الطرفين الأماميين إلى جناحين وكذلك من خلال عدة تحورات فسيولوجية هامة أدت إلى نجاح كبير في ارتياد الهواء.

 

تحورات للطيران:

اكتسبت الطيور خلال تطورها صفات عديدة هيأتها من ناحية البنيان والوظيفة والسلوك للنجاح في الطيران، فانفتحت أمامها فرص عظيمة للنجاح البيولوجي والتطور السريع. ومن أهم تلك التحورات ما يلي:

تحور الطرفين الأماميين إلى جناحين: اصبحا يشكلان عضوي الطيران الأساسيين وقد اقتضى الأمر تغيرات تطورية في هيكل الطرف الأمامي جعلت منه أداة بديعة للطيران، وازداد سطح ذلك الطرف بعدة سبل منها ظهور ثنية جلدية خلفية بين العضد والجذع وثنية جلدية أخرى أمامية بين العضد والساعد، ثم اختزال عدد الأصابع وحجمها. علما بان الريش الذي يغطي الجناح قوي ومرن وخفيف ويسهم إلى درجة كبيرة في زيادة سطحه.  وقد عادت بعض فصائل الطيور ففقدت القدرة على الطيران، وهنا نجد أن الجناحين اصبحا مختزلين كما هي الحال في النعامة وأقاربها أو تحورا إلى زعنفتين صغيرتين نسبيا كما في البطريق.

وجود هيكل عظمي للطيور يتميّز بتكيفاته الخاصة للطيران: تمتاز العظام بخفة وزنها وخاصة في الطيور الكبيرة وهذه مسألة مهمة وضرورية لتخفيف الوزن النوعي ومن ثم تمكينها من الطيران يضاف إلى ذلك أن العظام الطويلة الكبيرة تمتاز بوجود فراغات هوائية متصلة بالأكياس الهوائية.  ولما كان الطيران يتطلب جسما متماسكا لذا تكون العظام متصلة اتصالا دائما وثابتا فعظام الجمجمة يتصل بعضها ببعض والتحامها التحاما تاما. والأسنان غير موجودة عادة مما يخفف الوزن وتمتاز الجمجمة بكبر حجاج العين. وحدثت الكثير من التحورات في العمود الفقري والأحزمة الكتفية والعجزية. فاغلب الفقرات ملتحمة، وكذلك عظم العجز المركّب. أما عظم القص الزورقي فيهيئ سطحا كبيرا يساعد في وجود عضلات صدرية كبيرة وهي أساسية في عملية الطيران، وعظم القص أكبر حجما واكثر بروزا في الطيور النشطة الطيران، كما يضمر ويصبح اقرب إلى التسطح في الطيور عديمة الطيران. وهناك تحورات عديدة في عظام الجناح والأرجل كدمج أو اختزال بعض العظام ، ويلعب الهيكل العظمي دورا بارزا في شكل الجسم الانسيابي.

نشأ الريش الذي تطور من حراشف قرنية كانت توجد في أسلاف الطيور من الزواحف. ويمتاز الريش بخفة وزنه وقوته وهو قادر على ضرب الهواء بكفاءة عالية. ويعمل الريش على المحافظة على درجة حرارة الجسم ومنعها من التبعثر، والريش على ثلاثة أنواع رئيسة:

الريش المحيط (القلمي): يظهر على سطح الجسم ويعطي شكله العام. وأطول وأقوى الريش المحيط هو الريش القلمي المتصل بالجناحين والذيل. وبفحص ريشة قلمية تحت المجهر تظهر أجزاؤها وقوة تماسكها.

الوبر(الريش الخيطي): يقع عند قواعد الريش المحيط وتمتاز اسيلاته بعدم وجود الخطاطيف.

خفّة الوزن: وهي صفة هامة تحققت للطيور عن طريق عدة سمات منها:

وجود الريش الذي يخفف الوزن النوعي للطائر.

التحورات الخاصة للهيكل العظمي والتي تميزت بقوته وخفة وزنه.

اختزال أو ضمور بعض الأعضاء الداخلية في بعض الطيور إذ ليس في الأنثى سوى مبيض واحد فقط. وعادة ما يضمر المبيض في غير موسم التكاثر، كما وان تكوين البيض لا يحتاج إلى فترة زمنية كبيرة فالطيور ليست ملزمة بحمل البيض لفترة طويلة، أما فيما يتعلق بالجهاز الإخراجي فقد اختفت المثانة البولية ويتم التخلص من الفضلات النيتروجينية على صورة حامض البوليك مما يقلل كمية الماء اللازمة للإخراج وعليه فالطائر ليس بحاجة إلى حمل كمية كبيرة من الماء.

شكل الجسم الانسيابي : يسهّل على الطائر اختراق الهواء بأقل مقاومة ممكنة.

معدل عال من الايض والتنفس الخلوي يوفران الطاقة اللازمة للنشاط العضلي الذي يتطلبه الطيران، ويعتمد هذا المعدل الايضي العالي على:

جهاز تنفسي عالي الكفاءة يوفر الكميات اللازمة من الأكسجين والواقع أن التنفس في الطيور اكفأ منه في الثدييات، ويمتاز بوجود أكياس هوائية تؤدي إلى تخفيف وزن الطائر وتعمل على تشتيت جانب كبير من الحرارة الناتجة من النشاط العضلي الكبير وبذلك تبقى درجة حرارة الأعضاء الداخلية في النطاق الطبيعي.

جهاز دوري عالي الكفاءة: الطيور من ذوات الدم الحار وتحافظ على درجة حرارة ثابتة لأجسامها فهي قادرة على الاستمرار في نشاطها الحيوي حتى لو انخفضت درجة حرارة الوسط الذي تعيش فيه. وقلبها ذو أربع حجرات وعليه فالدم المؤكسد مفصول كليا عن الدم غير المؤكسد. والدورة الدموية سريعة وذات كفاءة عالية. وهناك أوعية دموية خاصة تساعد عند الحاجة على سرعة دوران الدم في الجسم، ويمتاز الدم باحتوائه على نسبة عالية من الجلوكوز للتزود بالطاقة المطلوبة.

جهاز هضمي يمتاز بسرعة وكفاءة عملية الهضم وقدرتها التحويلية العالية إلى بناء أنسجة الجسم وعليه فالطيور ذات معدل ايض عالي. وهناك الكثير من التحورات في الجهاز الهضمي بين الطيور تبعا لطريقة معيشتها ونوع غذائها كتحور الجهاز الهضمي في الطيور آكلة الحبوب لتلائم وظيفته مثل الحوصلة والمعدة الهاضمة والقانصة وردبي المستقيم.

وهناك تحورات أخرى ساعدت الطيور على ارتياد الهواء بيسر وسهولة منها:

الجهاز العصبي الذي يمتاز بتحورات خاصة في المخ والمخيخ مما جعل له أثرا عميقا في تنسيق عمل العضلات المخططة المهمة في حفظ توازن الطائر وعملية الطيران.

كبر حجم العيون بالنسبة إلى الجسم وما ينتج عنه من قوة أبصار تجعل ارتياد الأفاق أمرا سهلا وميسورا.

كيف يحمل الهواء الطائر:

يلعب الشكل الانسيابي دورا مميزا في تقليل مقاومة الهواء، وتسمح الأجنحة للطائر بالتحليق في الهواء والاندفاع فيه إلى الأمام وللجناحين شكل انسيابي في المقطع العرضي ويتصلان بالجذع فوق مركز ثقل الجسم تقريبا. وحركة الجناحين الرئيسية هي إلى الأعلى والأسفل. ويحمل الجناح الريش الأولى الكبير وهو أساس في عملية الطيران، وفي الطيور الكبيرة يكون اتصال الريش بعظام الجناح ذاتها، ويمتاز السطح العلوي للجناح بكونه محدبا بينما السطح السفلي مقعرا، وهذا الاختلاف في الشكل يؤدي إلى زيادة الضغط اسفل الجناح مما عنه أعلاه مؤديا إلى دفع الطائر إلى أعلى والى اسفل.

 

الرفرفة والتحليق:

تختلف الطيور كثيرا في حركة جناحيها فبعضها يحلق والبعض الأخر يرفرف، وبعضها يرفرف عند بدء الطيران ثم يستخدم التيارات الهوائية ليحلق أو ينزلق فيها وبعض الطيور تستخدم الرفرفة والتحليق حسب ظروف طيرانها وخاصة في عملية الصيد كما في بعض أنواع الطيور الجارحة. والطيران المرفرف اصعب بكثير من الطيران التحليق أو الانزلاق وصغار بعض الأنواع تنجح في الطيران المرفرف حال مغادرتها العش الذي فقست به ودون سابق تجربة، وتتناسب سرعة الرفرفة تناسبا عكسيا مع حجم الطائر، فالطيور الكبيرة كالنسور مثلا ترفرف أجنحتها مرة كل ثانية تقريبا، والطيور متوسطة الحجم كالحمام والغربان والبط تضرب بأجنحتها ثلاث مرات في الثانية، وفي الطيور الصغيرة كبعض العصافير الدورية فتصل الرفرفة إلى 30 ضربة في الثانية، وتبلغ الرفرفة ذروتها في الطيور المغردة الصغيرة والتي لا يزيد حجم بعضها عن حجم الفراشة كالطائر المغرد الفلسطيني(عصفور الشمس الفلسطيني) لتصل ضربات الجناح إلى ما يزيد عن مائة ضربة في الثانية.

 

والطيور المحلقة تستخدم التيارات الهوائية ولا تطير إلا في ساعات معينة من النهار وبعد أن تنشط التيارات الهوائية الصاعدة، وهذه الطيور تستطيع أن تحتفظ بجسمها محلقا في الهواء دون رفرفة جناحيها، وهي قد لا ترفرف أجنحتها بأكثر من مرة في الثانية، وتمتاز الطيور المحلقة لفترات طويلة نسبيا عادة بكبر الحجم وكبر مساحة الجناح وطوله، وكلما زاد حجم الطائر زادت قدرته على الطيران التحليق، وكثير من الطيور المهاجرة التي تمر عبر وادي الأردن خاصة كالنسور والعقبان الكبيرة تستخدم التيارات الهوائية لتطير بأقل جهد ممكن قاطعة مسافات شاسعة دون أن تبذل سوى قدر ضئيل من الطاقة في رحلتها، وهذه الطيور تستطيع زيادة ارتفاعها دون رفرفة الجناح وذلك بركوب التيارات الهوائية، وكثيرا ما نشاهد هذه الطيور قد اتخذت أعشاشها في الجبال العالية ذات الانحدار السحيق المحيطة بمنطقة جبال أريحا و البحر الميت الغربية.

 

تكيف الطيور لظروف معيشة متباينة:

وهو يتمثل في وجود أشكال أو تحورات خاصة لدى الطيور المختلفة للاستفادة القصوى من بيئتها وللتخصص بتلك البيئات وما بها من غذاء ، واهم تلك التحورات هي التي حصلت في المنقار أو الأطراف الخلفية (الأرجل).

 

المناقير:

المنقار في الطيور عبارة عن تحورات في الفكين العلوي والسفلي ويستخدم في أعمال كثيرة كالتقاط الغذاء والدفاع وبناء الأعشاش وتنظيف الريش وتنسيقه، لذلك فهناك اختلاف كبير في شكل المنقار تبعا لطبيعة الطائر وسلوكه والبيئة التي يعيش فيها، ويوجد على الطرف الأمامي للمنقار، قبل الفقس، نتوء بارز يدعى السن البيضي وهو يساعد في تحرير الصوص من قشرة البيضة ولكنه يتلاشى بعد ذلك.  وعموما فان شكل المنقار يدل على عادات الطائر الغذائية.  ففي الطيور التي تتغذى على الحبوب كالعصفور الدوري مثلا يكون المنقار سميكا ومخروطي الشكل ويستدق بشكل مفاجئ ، وهذا النوع من المناقير يساعد في التقاط البذور وفي تقشيرها وكذلك استخراج البذور من المخاريط النباتية.

 

أما الطيور التي تتغذى على اللحوم فيكون طرف منقارها حادا ومدببا على شكل الخطاف ليساعدها في تمزيق اللحوم إلى قطع ملائمة للبلع. الطيور التي تتغذى على السمك مثل طائر مالك الحزين تمتاز بمنقار طويل على شكل مدبب كطرف الحربة. بينما تمتاز طيور نقّار الخشب بمنقار قوي يشبه الأزميل قادر على نقر الخشب واختراق الطبقة الفلينية للأشجار للبحث عن الحشرات المتواجدة في الثقوب. الطيور المائية كالبط مثلا يتميز منقارها بوجود صفائح مثقبة لتصفية المواد التي يحتويها الماء.

 

أما عصفور الشمس الفلسطيني فهو قادر على الحصول على مادة الرحيق من الأزهار الطويلة العنق بفضل منقاره الأنبوبي الطويل. وكثير من الطيور التي تعيش على الشواطئ أو التي تخوض في الماء مثل طائر الشنقب (الجهلول) تستعمل منقارها الطويل والرفيع للنبش في الطين أو الرمل بحثا عن الغذاء.  والطيور التي تلتقط الحشرات من أوراق النباتات مثل الهازجة (الطيور المغردة) يكون منقارها رفيعا ومدببا كالملقط ، والطيور التي تلتقط الحشرات وهي طائرة مثل طائر السنونو تتميز بمنقار مضغوط من أعلى للأسفل ويصل أقصى عرض له عند قاعدته. وهناك طيور مثل البجع لها كيس اسفل التجويف الفمي ليغترف به عددا من الأسماك في كل غطسة، ولتغذية الصغار وربما كان لهذا الكيس شأن في عملية المغازلة أثناء التكاثر أيضا.

 



الأرجل:

أرجل الطيور تدل على عادات نوعها وهي مختلفة حسب سلوكها وبيئتها. قد تكون الأرجل كلها مغطاة بالريش كما في البومة أو قد يكون جزءا منها غير مغطى كما في النسور، وفي اغلب الطيور كالدجاج تكون الأرجل غير مغطاة بالريش. وفي الطيور التي تحط أو تجثم على الأغصان أو مجاثم مشابهة كطيور الحسون أو السنونو نجد أن هناك ثلاثة من الأصابع تتجه إلى الأمام بينما تتجه الإصبع الرابعة إلى الخلف. وفي اغلب أنواع طيور نقّار الخشب حصلت بعض التحورات فنجد أن هناك إصبعان أماميتان واثنتان خلفيتان وكذلك في أنواع الببغاوات والدرّج. وفي بعض طيور نقّر الخشب نجد أن إبهام الرجل قد اختفت كليا مما أدى إلى وجود إصبعين أماميتين فقط وواحد خلفي.

 

وفي بعض أنواع السماقة تتجه الأصابع الأربعة إلى الأمام حتى يمكن لتلك الطيور التعلق بالأسطح العمودية وفي أنواع أخرى من الطيور التي تتعلق بالسطوح العمودية أو تتسلقها نجد أن الأصابع جميعها متجهة للأمام ولكن المخالب شديدة التقوس أو الانحناء مما يعينها في مهمتها. وفي الطيور المائية التي تستعمل أرجلها كمجاديف للسباحة أو التي تخوض في الماء بحثا عن الطعام قد ترتبط الأصابع بأغشية مما يساعد على زيادة سطح القدم. ففي بعض تلك الطيور كالبجع نجد أن أصابع القدم الأربعة متصلة بأغشية تمتد حتى نهاية أطراف الأصابع.

 

وتمتاز معظم أرجل طيور البط والإوز بوجود ثلاثة أصابع متجهة للأمام ومتصلة بأغشية، بينما تتجه إبهام الرجل للخلف وعليها ثنية جلدية صغيرة. وفي قدم الطيور التي تعيش على الشواطئ ومنها مالك الحزين مثلا فالأصابع الثلاثة الأمامية وإبهام الرجل المتجهة للخلف امتازت بوجود غشاء ضيق يمتد على جانبي كل إصبع وحتى نهايته الطرفية. أما الطيور التي تعيش في الصحاري مثل كثير من طيور العائلة الطهوجية فان الأصابع لها بروزات جانبية كأسنان المشط. وفي الطيور الجارحة والبوم تكون الأصابع قوية متباعدة والمخالب طويلة حتى تستطيع القبض على الفريسة والإمساك بها وقتلها ويصل مخلب بعض الطيور الجارحة إلى حوالي 8 سم.

 





موئل الطيور:

تنتشر الطيور في جميع أنحاء المعمورة وقد تكيفت لملائمة البيئة التي تعيش فيها، ففي المستنقعات أو الشواطئ الرملية تنبش الطيور المائية في الطين أو الرمل بحثا عن غذائها وغالبا ما يكون من الحيوانات اللافقارية. والطيور التي تتغذى على الأسماك تخوض في الماء، أو تسبح أو تغطس فيه. وتختلف هذه الطيور من حيث الأماكن التي تبني فيها أعشاشها والطريقة التي تبني فيها تلك الأعشاش. فبعضها يعشش بين النباتات المائية أو بين حصى الشاطئ أو بين كثبان الرمال أو في أوكار أو جحور. وفي الأراضي الزراعية الجبلية تبني الطيور أعشاشها في الربيع في الغابات والحقول. وعلى أشجار الفاكهة حيث يتوافر لها الغذاء اللازم والملجأ الأمين.

 

وقد اعتاد بعض الطيور على المعيشة في المدن والقرى وتبني أعشاشها كلما أمكنها ذلك في الأماكن البعيدة عن متناول الإنسان وعبثه كالمآذن وحواف الشبابيك وثقوب المباني البعيدة والأماكن المهجورة. وفي سلسلة الجبال الجنوبية المطلة على البحر الميت من منطقة  وادي الدرجة (رأس نقب الحمار) أو منطقة وادي القلط  والتي تمتاز بوجود جبال عالية ذات انحدار شديد، تتخذ الطيور الكبيرة الجارحة من قمم الجبال مكانا لبناء أعشاشها حيث يصعب الوصول إليها. يلجأ كثير من الطيور لتمضية فترة الشتاء في مناطق الأغوار حيث الدفء وتوافر الغذاء والمأوى الملائم.

 

وكثير من الطيور تحمي أعشاشها بإخفائها بين أوراق الشجر الكثيفة. وغالبا ما يكون لون البيض شبيها بلون المكان الذي يوضع فيه، وبعض الطيور وخاصة الصحراوية منها تضع بيضها في حفر على الأرض بين الأعشاب أو في أماكن بعيدة يتعذر الوصول إليها كالمنحدرات الصخرية السحيقة أو رؤوس الأشجار العالية. وقد أدى إنشاء المحميات للأحياء البرية وحماية النباتات البرية في المناطق الطبيعية من العالم إلى اجتذاب العديد من الطيور بشكل خاص والحياة البرية بشكل عام.

 

أخطار تهدد الطيور:

لقد انقرض ما بين سبعين وثمانين فصيلة من الطيور في القرون الثلاثة الماضية في العالم، وكان السبب المباشر لذلك الإنسان باصطياده الجائر للطيور، أو بتدميره لمواطنها الطبيعية وقد تمثل ذلك في قطع أشجار الغابات لبناء المساكن والتوسع الزراعي واتساع رقعة العمران والطرق. وحرق الغابات وتجفيف المستنقعات أو الواحات وازحف الصحراوي وأدى ذلك كله إلى تناقص أعدادها ومن ثم إلى انقراضها. وهناك أعداد كبيرة من الطيور يقضي عليها الإنسان عمدا إما بالبندقية أو بالشباك والمصائد أو بالدبق أو بالحبوب المخدرة. وبعض الطيور تموت عند اصطدامها بخطوط الكهرباء ذات الضغط العالي، أو من تلوث غذائها بالمبيدات الحشرية والزراعية مثل مادة د.د.ت التي يؤثر تراكمها في جسم الطائر بشكل سلبي على عملية تكوين قشرة البيض ويؤدي بالتالي إلى عدم فقسه. والطيور البحرية كثيرا ما يلوث ريشها ويلتصق به زيوت متسربة من ناقلات النفط، مما يعيق حركتها بل يشلها ويؤدي إلى موتها.

 

حاجات الطيور:

إن أهم ما تحتاج إليه الطيور هو المكان الملائم الذي تشعر فيه بالراحة والطمأنينة للحصول على احتياجاتها الأساسية من غذاء ومأوى. فلا بد من وجود المكان المناسب لبناء أعشاشها. ووجود الغذاء المناسب الوفير ومصادر الماء. كما تحتاج الطيور المهاجرة التي تقطع البلاد خلال انتقالها إلى حمايتها من أخطار الصيد أو الموت بفعل التلوث.

 

موارد الغذاء:

تعتمد موارد الغذاء على عدة عوامل منها المناخ، فإذا كانت الظروف الجوية غير ملائمة لنمو النباتات أو الحشرات والثدييات الصغيرة تضطر الطيور إلى الهجرة لاماكن أخرى تتوفر فيها ظروف مناخية ملائمة وغذاء كاف. ولا يجب أن ننسى بان وجود الماء هو عامل أساسي بالنسبة لنمو الزرع وبالتالي لتواجد كافة الكائنات التي تتغذى بالنباتات، يجب أن نتوقع أن وفرة الماء تتناسب وتواجد الطيور وان غيابه أو شحه في موسم ما يؤدي إلى نزوحها أو هجرتها، واغلب الطيور تحتاج إلى الماء لكي تشرب وتستحم أو تنظف ريشها. ويجب الحرص على عدم إزعاج الطيور في أعشاشها لكي لا تهجر بيضها أو صغارها وفي فترة الشتاء لا بد من أن تحصل الطيور على غذاء وفير كي تنمو وتتهيأ لوضع البيض.

 

فوائد الطيور وأهميتها:

عرف الإنسان أهمية الطيور منذ اقدم العصور ودجّنها ،  فالدجاج الذي انحدر من طيور الأدغال الحمراء في جنوب شرق آسيا هو مصدر مهم من مصادر اللحوم لا سيما أن قدرته التحويلية من غذاء إلى لحم عالية جدا بالمقارنة مع الحيوانات الأخرى، وهو يزودنا كذلك بالبيض الغني بالمواد الغذائية، ومن الطيور الأخرى المدجّنة والمفيدة لنا البط والإوز وديك الحبش، ويستخدم الريش الزغب المستمد من بعض هذه الطيور في صنع الفرشات والوسائد المريحة. ولقد استخدم الإنسان حمام الزاجل لنقل الرسائل منذ 5000 سنة ولا يزال يستخدمه. وتتغذى أنواع كثيرة من الطيور على الحشرات والديدان والقوارض الصغيرة فهي بذلك تساعد المزارعين وتقيهم شر هذه المخلوقات التي لو تركت لزادت الأضرار التي تحدثها بالمحاصيل.

 

وتلعب بعض الطيور دورا مهما في عملية تلقيح الأزهار بنقلها حبوب اللقاح من زهرة لأخرى وفي انتشار البذور بواسطة أرجلها أو ذرقها. ولا شك أن من الممتع مراقبة الطيور وسماع أغاريدها الشجية ومراقبة حركاتها وطيرانها. وقد كانت الطيور وما زالت مصدر الهام ووحي للشعراء والفنانين والمصورين. وعلينا أن لا نغفل دور الطيور في الإيحاء للإنسان بمحاولة الطيران مما أدى إلى صناعة الطائرات، ومعظم الطائرات الحديثة شكلها مستلهم من أشكال الطيور.

 

كيف تستطيع أن تساعد الطيور:

بعدما علمنا شيئا يسيرا عن فوائد الطيور للإنسان والطبيعة فانه يجدر بنا أن نهيئ لبعض الطيور الموجودة في بيئتنا المسكن الملائم البسيط وذلك بتجهيز مكان لإطعامها مكون من صندوق خشبي صغير قليل العمق ويتدلى من غصن شجرة أو يثبت على حامل ارتفاعه لا يقل عن متر ونصف، وستعتاد الطيور بسرعة على هذا المكان لذلك يجب أن نستمر في تزويده بالغذاء والماء بانتظام، ويمكن أيضا تعليق بذور الفستق السوداني بخيط أو تعليق نصف جوز هند تحت الصندوق لتكون في متناول صغار العصافير.

  

صناديق الأعشاش:

تلعب صناديق الأعشاش دورا مهما في اجتذاب الطيور. وهناك عدة أشكال لهذه الصناديق، فهي إما أن تكون مربعة أو أسطوانية الشكل، ويجب أن تجهز قبل موسم التكاثر ولا بد من تثبيتها جيدا حتى لا تتقلقل أو تسقط بفعل الرياح. ويجب أن تجعل فتحتها مائلة للأمام كي يحول ذلك دون دخول الأمطار أو أشعة الشمس الحارقة ، وكذلك وضع رف فوق الفتحة لمنع دخول الأمطار. ويستحسن تنظيف هذه الصناديق بعد نهاية موسم التكاثر حتى لا تكون المواد المتخلفة بها مأوى للطفيليات. وتستطيع الطيور أن تعشش  في الأوعية القديمة والصفائح وأصص الأزهار، ويفضل عدم وضع أي مواد داخل الصندوق لان الطيور تفضل جلب ما تحتاج إليه بنفسها.

 

تغذية الطيور:

أن من افضل الطرق لجلب الطيور إلى حديقة منزلك تهيئة قدر كاف لها من الغذاء الطبيعي كلما أمكن ذلك طوال العام، ويحسن تقليب التربة يوميا فوق مساحة من متر مربع وحتى يسهل على الطيور العثور على بعض الديدان وغيرها من الحيوانات التي تتغذى بها. ويفضل زراعة نبات عباد الشمس وغيره من النباتات التي تحمل البذور ويفضل عدم إزالة أجزاء النبات الجافة بالقرب من النباتات المنتظر أزهارها ومن المستحسن تنوع الحشائش البرية في الحديقة. في فصل الشتاء لا بد من تزويد الطيور بالغذاء اللازم، الطيور لا تقتسم الغذاء بينها بل يسبق الكبير منها الصغير إليه ويأخذ حصة الأسد فيجب توفير اكثر من مكان واحد للغذاء، ويجب عدم ترك الغذاء في الأماكن التي تهب عليها رياح قوية مما قد يؤدي إلى فقدانه، يجب إبعاد القطط والكلاب عن أماكن تغذية الطيور لان ذلك يسبب إزعاجها، كما قد يمثل خطرا عليها. لا تعبث بالنباتات والحشائش بل اتركها لتعشش فيها الطيور، ولا تعبث بأعشاشها، ولا تلمس البيض أو الفراخ الصغيرة.

 

الشرب والاستحمام:

إن وجود إناء للشرب يلعب دورا مهما في اجتذاب الطيور، وتستعمل الطيور الماء للشرب والاستحمام. ويمكن استعمال الأطباق أو الأواني الواسعة قليلة العمق ويجب أن لا يزيد ارتفاع الماء في الوعاء على 5 سنتمترات.

 

الإمساك بالطيور:

قد يكون ضروريا الإمساك بالطيور البرية بين الفينة والأخرى لنقلها من مكان إلى آخر أو وضع الحلقات في أرجلها. ومن الضروري أن يتم الإمساك بجسم الطير كاملا بحيث يكون الجناحان على جانبي الجسم ويجب تجنب الإمساك بالطائر من الذيل أو الأجنحة حتى لا يتسبب ذلك في فقدان بعض الريش اللازم للطيران ويجب أن تكون فترة الإمساك قصيرة وان لا تعرق اليد الممسكة بالطائر مما يؤثر في تلبّد ريشها، وإذا بدا أن الطير لحق به بعض الضرر أثناء الإمساك به لا بد من تركه حالا

40
مدخل:

يروج ممثلو الحكومات الغربية والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية بقوة وبمنهجية لما يسمى بتحرير التجارة و"عولمة" الاقتصاد و"تحسين مناخ الاستثمار الأجنبي" في البلدان "النامية". بمعنى أن الدول الغربية لا زالت تصر على المضي قدما في فرض "تنمية" قسرية على مجتمعات "العالم الثالث" من الخارج، يكون عمودها الفقري مفاهيم اقتصادية – اجتماعية لا علاقة لها ببنيتها الانتاجية والاقتصادية – الاجتماعية. فمفهوم "تحرير التجارة" مثلا هو افراز مباشر للمستويات الاقتصادية والتكنولوجية والادارية في الدول الصناعية الغربية المتقدمة، فضلا عن مكانة هذه الدول الاقتصادية في السوق العالمي والمختلفة تماما عما هو قائم في بلدان "العالم الثالث" التي حاولت تطبيق النماذج الغربية بعيدا عن واقعها الاقتصادي- الاجتماعي فكانت النتيجة الفشل الذريع. ناهيك عن سحق البنى الاقتصادية التقليدية التي كانت قائمة قبل الوجود الاستعماري المباشر في هذه البلدان والتي اعتمدت على الموارد والسوق المحلية، كالزراعة مثلا، وبالتالي حطم الغرب أسس اعتماد غالبية دول "العالم الثالث" على ذاتها اقتصاديا وضمن بالتالي تبعيتها الاستهلاكية والغذائية له، وبالنتيجة جردها من أمنها الغذائي وقذف بها الى مستنقع المجاعة.



وبالرغم من تأكيد منظمة "الفاو" بأن عام 1996 شهد ارتفاعا في الانتاج العالمي لمحاصيل الحبوب الاستراتيجية بحوالي 7%، إلا أن المعروض العالمي من الحبوب قد انخفض وارتفعت الأسعار بأكثر من 50% في نفس العام,وهذا يشير الى أن "أزمات" القمح العالمية الدورية ليست سوى أزمات مفتعلة سببها الأساسي يكمن في التنافس على سوق القمح العالمي بين أمريكا (أكبر مصدر عالمي للقمح) وأوروبا، وبالتالي التلاعب بفائض القمح المعروض عالميا وبالمحصلة التحكم بغذاء "العالم الثالث.

. ويتحدث حاليا منتجو القمح الغربيون (أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي) عن ضرورة زيادة المساحات المزروعة بالقمح في بلدانهم، في الوقت الذي تفرض فيه هذه الدول ومؤسساتها المالية الدولية على "العالم الثالث" زراعة محاصيل كمالية للتصدير لأوروبا وأمريكا واليابان، بينما تفتقر غالبية شعوب "العالم الثالث" للمحاصيل الغذائية الأساسية التي تحتاجها. ويشير هذا التوجه الاقتصادي الغربي المفروض على "العالم الثالث" الى أن الزراعة الأحادية الموجهة لما يسمى بالسوق العالمي قد أوصلت هذه الشعوب الى درجة العجز عن انتاج وتأمين الغذاء الأساسي لنفسها، فلم يبق أمامها سوى مواجهة مصيرها المحتوم: المجاعة أو الفقر الغذائي.

والحقيقة أن المشكلة لا تكمن في عدم كفاية الانتاج الغذائي العالمي، لأن العالم ينتج كميات كبيرة من الطعام أكثر من حاجته. لكن المشكلة تكمن في أن جياع وفقراء "العالم الثالث" لا يملكون الأموال اللازمة لشراء أو زراعة حاجتهم من الغذاء، بمعنى أن الكميات الزراعية لا تشكل، اطلاقا، حلا للمشكلة.

كما أن الزيادة الضخمة التي أحدثتها "الثورة الخضراء" في الانتاج، كانت نتيجة لاضافة مدخلات مرتفعة التكلفة من بذور عالية الانتاجية وسماد ومبيدات كيماوية وري. وعادت وتعود الفائدة، أساسا، على المزارعين الأغنياء القادرين على اقتناء كميات كبيرة من المدخلات والحصول على الاعتمادات أكثر من المزارعين الفقراء الذين لا يملكون المدخلات المطلوبة.

ومن الملفت للنظر، أن معظم المبيدات (الكيماوية) التي استخدمت في "العالم الثالث" (أكثر من 70%) استعمل على محاصيل كمالية تزرع للتصدير للولايات المتحدة وأوروبا واليابان، ولم يستخدم في المحاصيل الغذائية الرئيسية والأساسية التي يعتمد عليها الفقراء.



على الصعيد العربي، وبالرغم من شراء العديد من الأنظمة العربية لوصفات البنك وصندوق النقد الدوليين المتعلقة بما يسمى "التصحيح الهيكلي" و"الخصخصة" و"السوق الحرة" وبالتالي تراجع القطاع العام والتخطيط، فضلا عن ما يسمى "المشروع الشرق أوسطي"، فان ما تروج له هذه الأنظمة من مقولات المؤسسات المالية الدولية بأن هذه الوصفات والمشاريع ستأتي على العرب بالازدهار الاقتصادي، ليس فقط أنها (أي المقولات) لم تتحقق، بل هناك تدهور مستمر في قدرة معظم الأقطار العربية على توفير الغذاء لشعوبها، استنادا الى الموارد المحلية، وبالتالي زيادة التبعية للغذاء المستورد. فمثلا، انخفضت نسب الاعتماد على الذات (غذائيا) في كل من مصر والجزائر، من 84% و88% عام 1963 على التوالي، الى 62% و41% عام 1995 على التوالي(. علما بأن الزراعة في العديد من الدول العربية تستوعب أكثر من نصف قوة العمل وفي بعض الأحيان قد تصل النسبة الى 70%، إلا أن مساهمة الزراعة في إجمالي الناتج المحلي العربي لا تزيد عن 20% في أحسن الحالات، ناهيك عن وجود مساحات شاسعة من الأراضي العربية الصالحة للزراعة غير مستغلة (نحو 910 مليون دونم)، أي أكثر من 68% من اجمالي المساحات الصالحة للزراعة في الوطن العربي والتي تقدر بنحو 1330 مليون دونم، أي أن المساحات المزروعة تبلغ حوالي 420 مليون دونم (أقل من 32% من إجمالي المساحات الصالحة للزراعة. وبالرغم من أن معظم الأقطار العربية ظل مكتفيا غذائيا حتى بداية السبعينات، وكان بعضها في الخمسينات والستينات يصدر الحبوب والقمح (كما مصر والسودان)، إلا أنها أصبحت حاليا من أكبر مستوردي المنتجات الغذائية في "العالم الثالث". كما تهاوى الوطن العربي، في عام 1989، الى فجوة غذائية قدرت بأكثر من 16.6 مليار دولار. ويكمن السبب المباشر لأزمة الغذاء العربي في كون الزيادة بمعدل الطلب على المنتجات الزراعية أعلى من نسبة نمو الانتاج الزراعي السنوي (بفارق نحو 3.5% سنويا لصالح الزيادة بمعدل الطلب. وبالمقابل، نجد ملايين الأيدي العاملة العربية العاطلة عن العمل والمهاجرة الى خارج أوطانها، في الوقت الذي يعج فيه الوطن العربي (خاصة دول الخليج) بالعمال و"الخبراء" والفنيين الأجانب.



وتنفيذا لمتطلبات "الخصخصة" فقد سنت بعض الأنظمة قوانين جديدة تبرر عملية إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، كما حدث مؤخرا في مصر، حيث ألغت الحكومة من "قانون المستأجر والملاك"، البند الذي كان يضمن حماية مستأجر الأرض (الفلاح المصري) من تحكم الملاكين والاقطاعيين الذين منعهم القانون السابق (الذي سنه النظام الناصري) من رفع إيجار الأرض أو طرد الفلاح منها. وبالنتيجة أعيدت للأقطاعيين القدامى "حرية" استبداد ملايين الفلاحين المصريين الفقراء الذين حرموا من مصدر رزقهم الوحيد.



إن تجاوز هذه الصورة القاتمة أمر ممكن إذا ما تم التركيز على الانتاج الزراعي بهدف تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية للشعوب العربية، وذلك عبر خطط زراعية عربية تكاملية تستفيد من المناخ المعتدل في العديد من الأقطار العربية ومن المساحات الشاسعة للأراضي الصالحة للزراعة وغير المزروعة ومن المياه.



فلسطينيا، باءمكاننا القول ان الشروط والعوائق الاقتصادية التي فرضتها وتفرضها اسرائيل على الضفة والقطاع، حسب الاتفاقات السياسية – الاقتصادية مع الطرف الفلسطيني، أشد قساوة مما كان عليه الحال قبل أوسلو. خاصة وأن عملية "السلام" بنيت على حقيقة كون الاقتصاد الفلسطيني ملحق بالاقتصاد الاسرائيلي. كما أن الخطط الاقتصادية الدولية والفلسطينية الخاصة بمناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، تم تأسيسها على فرضية خاطئة أصلا، وهي أن الاتفاقات السياسية ستترجم الى "حركة حرة" لقوة العمل والمنتجات بين اسرائيل والمناطق الفلسطينية والخارج. لكن الطرف الوحيد الذي يتمتع فعليا "بالحركة الحرة" هو اسرائيل.



علاوة على ذلك، منح اتفاق باريس الاقتصادي، فضلا عن الاتفاقات التي سبقته، اسرائيل، الحق بأن تقرر الحلال والحرام الاقتصادي- السياسي، بالنيابة عن الشعب الفلسطيني. وتعتبر اسرائيل، وفقا لهذه الاتفاقيات، المرجعية الأولى والأخيرة في كل ما يتعلق بالصادرات والواردات الفلسطينية والاتفاقات الاقتصادية مع آية دولة عربية أو غير عربية. إذ ليس فقط المسائل السياسية – الأمنية خاضعة للجان الاسرائيلية – الفلسطينية المشتركة، بل أيضا، القضايا الاقتصادية، وبالطبع، الطرف الأقوى في هذه اللجان (اسرائيل) هو الذي يقرر. بمعنى أن الاتفاقات الاسرائيلية – الفلسطينية تخول اسرائيل لوحدها بأن تقرر أصناف السلع وكمياتها التي يسمح للطرف الفلسطيني استيرادها أو تصديرها. وينطبق هذا الأمر أيضا على التبادل الزراعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنفيذ "الرزنامة الزراعية" التي تم "الاتفاق" عليها بين وزيري الزراعة الفلسطيني والأردني بتاريخ 9 /10 / 1997، منوط بموافقة اسرائيل التي تفرض على الطرف الفلسطيني العودة اليها للحصول على موافقتها على هذه "الرزنامة"(.

ليس هذا فقط، بل إن الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، تفرض على الجانب الفلسطيني أي القطاعات والسلع والخدمات يجب أن يركز عليها (بما فيها الزراعة)، من منطلق "التكامل" مع السوق الاسرائيلي في القطاعات المختلفة، وخاصة تلك القطاعات التي تضمن تسويق السلع والمدخلات الاسرائيلية. فضلا عن التركيز على الطرق التي تربط مناطق الحكم الذاتي والمستعمرات باسرائيل.



وبالرغم من حقيقة كون الأرض الزراعية أندر وأغلى عناصر رأس المال الوطني الفلسطيني وبالتالي فان الحفاظ عليها وتنميتها أمانة يتحملها الجيل الحالي المسؤول أمام الأجيال القادمة والتاريخ، إلا أن التناقض المأساوي في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي لا تملك سوى اقتصاد هش واستهلاكي، يكمن في تنامي قطاع الخدمات الذي بلغت حصته عام 1994 في الناتج المحلي الاجمالي أكثر من 60%، بينما انخفضت حصة الزراعة من حوالي 35% قبل احتلال عام 1967 الى أقل من 16% (عام 1994. كما أن استيعاب القطاع الزراعي للعمالة هبط من حوالي 32% في بداية الثمانينات الى أقل من 13% في أواسط التسعينات). علما بأن المستوطنين، بشكل عام، ومستوطني الغور، بشكل خاص، لم يتوقفوا عن التوسع في المناطق الزراعية الفلسطينية وحراثة وزراعة المزيد من الأراضي التي يسيطرون عليها، والتي لم يزرعها الاسرائيليون سابقا، بينما مساحات الأراضي الفلسطينية المزروعة تتقلص باستمرار، ليس فقط بسبب المصادرات والتهويد، بل أيضا بسبب مواقف وسياسات وسلوكيات غير جذرية تجاه الأرض وانتاج الغذاء.



وعلى ضوء تحكم اسرائيل بغذائنا وسيطرتها على حركة عمالنا ومنتجاتنا وإحكامها الحصار التجويعي على شعبنا، فان المطلوب إطلاق العنان للحريات وللمبادرات الانتاجية الشعبية المعتمدة على الذات والتي تنتج الغذاء الأساسي للناس، تطبيقا لمبدأ الاستفادة من مواردنا المحلية وعلى رأسها الأرض لتلبية احتياجاتنا المحلية، بدلا من إشباع رغبات الأسواق الخارجية وقلة من الناس المتكسبين وبالتالي إعادة انتاج البطالة والفقر والجوع.

ويعتبر هذا التوجه مقاومة وطنية من أجل الصمود الاقتصادي الفلسطيني، في مواجهة الضغط الاقتصادي والسياسي الذي تمارسه السلطة الاسرائيلية وقوى خارجية أخرى ضد شعبنا. وهذا يعني الاستثمار في مشاريع انتاجية زراعية شعبية، على أساس جماعي أو تعاوني أو فردي.



والسؤال المطروح: لماذا تعمل المؤسسات المالية الدولية والسوق الأوروبية المشتركة ومن قبلهما اسرائيل، على دفع مزارعينا الفلسطينيين الى ممارسات زراعية ثبت فشلها في بلدانهم، كالزراعة الأحادية مثلا وبالتالي تصدير فشلهم إلينا؟ فهناك في بلدانهم (أوروبا وأمريكا الشمالية) يتحدثون حاليا عن الزراعة المستدامة والزراعة البيئية والتنويع الزراعي كضرورة للاستقرار المعيشي والاقتصادي وكبديل للزراعات الأحادية التي تتطلب تبعية كبيرة للمدخلات من خارج الوحدات الانتاجية كالمبيدات والأسمدة الكيماوية والبذور المهجنة والمياه والقروض المالية وغير ذلك. ناهيك عما تسببه الزراعات الصناعية الأحادية من تلويث بيئي وإخلال في التوازن البيئي الطبيعي وتدمير لخصوبة التربة وهدر للمياه. علما بأن مجتمعنا الريفي تميز تقليديا وتاريخيا بالتنويع الزراعي والاكتفاء الغذائي الذاتي. فلماذا إذن الهرولة الى تبني نظم وأنماط زراعية غريبة وقصيرة النظر ولا تهدف سوى تحقيق أرباح سهلة وعابرة وسريعة على حساب احتياجاتنا الغذائية الحقيقية وبيئتنا ومياهنا وتربتنا وأجيالنا القادمة؟ علما بأن معظم هذه الأرباح تتدفق الى جيوب المستوردين والمسوقين في الأسواق الخارجية، بينما لا يبقى سوى الفتات للمزارع المحلي.




تشوه البنية الانتاجية الزراعية الفلسطينية بسبب عوامل موضوعية وخارجية



باءمكاننا القول، إن أهم سمة خطيرة مميزة للاقتصاد الفلسطيني، تتمثل في عملية تعميق متواصلة للبنية الاستهلاكية والطفيلية لهذا الاقتصاد. وتتجسد هذه البنية في حقيقة أن مجتمعنا الفلسطيني ينتج حاليا أقل بكثير مما يستهلك، ولا توجد مؤشرات فعلية تدل على أن الفجوة الكبيرة بين الانتاج والاستهلاك آخذة في التقلص. وهذه الفجوة، فضلا عن العجز التجاري، تغطيهما الى حد كبير التدفقات والتحويلات المالية الخارجية وليس التراكم الرأسمالي الداخلي في الضفة والقطاع. وهذا الأمر واضح من تدني حصة الناتج المحلي الفلسطيني الاجمالي في الناتج القومي الفلسطيني الاجمالي. كما يتضح هذا الأمر من مجرد نظرة سريعة الى السلع الغذائية، "الطازجة" والمصنعة، المعروضة في سوقنا المحلي، حيث تبرز بشكل صارخ الحصة المتواضعة جدا للسلع "الفلسطينية" المحلية أو بشكل أدق حصة السلع الوطنية (أي التي تم انتاجها من موارد وخامات محلية) من إجمالي أنواع وأصناف السلع الغذائية المعروضة في سوقنا المحلي. ناهيك عن أن كميات كبيرة ومتنوعة من السلع "المحلية" ليست أكثر من سلع اسرائيلية تسوق في الضفة والقطاع بغطاء فلسطيني (ملصقات فلسطينية).

إن حقيقة كوننا مجتمعا استهلاكيا، يشتري معظم طعامه من اسرائيل والخارج، بما فيه الغذاء الاستراتيجي، تعني، تحديدا، أننا نفتقر الى الأمن الغذائي. وهنا بالذات يكمن السبب الأساسي في تبعيتنا للخارج. وافتقارنا للأمن الغذائي يعني أيضا افتقارنا للأمن الوطني الذي لا يمكننا توفيره ما دامت اسرائيل والاقتصاديات الخارجية تتحكم في عملية إطعامنا وتجويعنا.



تحطيم أسس الاعتماد على الذات:

تعتبر السياسة الاقتصادية الاسرائيلية (في جوهرها) تجاه فلسطينيي الضفة والقطاع ومن قبلهم فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948، استمرارا لنفس السياسة الاستعمارية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين ووعد بلفور، والمتمثلة في القضاء على الزراعة. فاذا ما كانت الأرض بور يسهل على صاحبها تركها أو بيعها أو تسريبها لليهود. كما أن العمل في السوق الاسرائيلي أرغم شبابنا على ترك الأرض بور بدون أي عمل فيها، وخاصة الأرض الوعرة، ما عدا الأرض التي يصلها التراكتور، وبالتالي أصبحت الأرض بدون إنتاج، ركضا وراء النقود التي تقذفها اسرائيل لشبابنا. ويشكل هذا الواقع تطبيقا للسياسة الاستعمارية القديمة: "قوموا باغرائهم حتى تبقى الأرض بور".



وكما حدث في سائر أرجاء الوطن العربي، كذا أيضا في الضفة والقطاع، فان الغرب، من خلال مؤسساته "التنموية" و"التمويلية" المختلفة، يساهم مباشرة، عبر نشاطه لتكريس ما يسمى بالسوق الحرة وتحرير التجارة، في تهميش أو حتى سحق البنى الاقتصادية التقليدية التي كانت قائمة قبل الوجود الاستعماري في فلسطين والتي اعتمدت على الموارد والسوق المحلية، وخاصة الزراعة، ليس لأن هذه البنى "متخلفة" كما روج بعض الأغبياء، وإنما ليستكمل ما قام به الاحتلال الصهيوني من تحطيم أسس اعتمادنا على ذاتنا اقتصاديا ويضمن بالتالي تبعيتنا الاستهلاكية له. فضلا عن النهب الصهيوني لمساحات كبيرة من أخصب الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي أدى الى حرمان آلاف الفلسطينيين من أهم مصدر انتاجي وبالتالي ضرب أهم مصدر من مصادر تراكم الرأسمال الذي كان مرشحا لأن يستثمر في تطوير الزراعة وقطاعات انتاجية أخرى. ولو أضفنا الى ذلك استمرار واقع التجزئة المزدوجة للضفة والقطاع: تجزئة الأرض المتمثلة أساسا بعزل قطاع غزة والقدس عن سائر أنحاء الضفة، والتجزئة البشرية، نجد بأن الشعب الفلسطيني يفتقر حاليا الى القاعدة الطبيعية الضرورية لوجود وتنمية أي مجتمع انساني طبيعي.



التوسع في الزراعات الكمالية لصالح من؟

يحاول المركز التجاري الدولي التابع لمنظمة التجارة العالمية إيهامنا (في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967)، بأننا "على مسافة شبر" من السوق الأوروبي الضخم الذي يمثل 65 – 70% من حجم التجارة الدولية في زهور القطف والبالغ حوالي 10 مليار دولار، لدرجة، حسب ادعاء المركز الأخير، أن "قيمة التجارة الدولية للزهور التي يمكن انتاجها في المناطق الفلسطينية وتصديرها بشكل واسع يتجاوز 14 مليار دولار"(، أي بامكان المناطق الفلسطينية انتاج وتصدير كميات من الزهور تتجاوز في قيمتها إجمالي قيمة تجارة الزهور الدولية! ليس هذا فقط، بل إن نفس المركز "يطالب" وزارة الزراعة الفلسطينية بزيادة المساحات الفلسطينية المزروعة بالزهور من 900 دونم (حاليا) الى 125 ألف دونم "في أسرع وقت لأن الانتاج الحالي لا يذكر"().

عدا عن التساؤلات حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الحماس لزيادة انتاج الزهور للتصدير زيادة ضخمة وحول من هم المستفيدون الحقيقيون من هذه السياسة التصديرية، من المفيد هنا الاشارة الى أن إجمالي المساحات المزروعة في الضفة والقطاع تبلغ حوالي 1,782,000 دونم، أما المساحات المروية فهي نحو 217000 دونم()، بمعنى أن المساحات التي يريدنا المركز التجاري الدولي زراعتها بالزهور تشكل نحو 7% من إجمالي المساحات المزروعة و58% من إجمالي المساحات المروية! علما بأن زراعة الزهور عبارة عن زراعة مروية بشكل مكثف، وتتوفر لها، فجأة (يا للعجب)، المياه النقية التي يحرم منها شعبنا (وخاصة في غزة).



علاوة على ذلك، يدعو مركز التجارة الدولي السلطة الفلسطينية والدول "المانحة" الى توفير الدعم الكامل للمزارع الفلسطيني المصدر للزهور، لضمان عدم خسارته بسبب الاجراءت الاسرائيلية أو الأخطار الطبيعية(. والسؤال البديهي هو: لماذا الاهتمام الغربي والاسرائيلي يتركز تحديدا باتجاه تسهيل زراعة وتصدير الزهور دون غيرها من المنتجات الزراعية الفلسطينية؟ ولماذا الدعم والتسهيلات تحديدا لقطاع زراعي كمالي، وليس لزراعة محاصيل استراتيجية أساسية كالقمح مثلا، أو توفير الدعم والتعويض لمزارعينا عن الخسائر الكبيرة التي يتكبدونها، سنويا، بسبب الحصار الاسرائيلي والعوامل الطبيعية؟



وهنا لا بد من التنويه الى أن الحكم العسكري الاسرائيلي تحديدا، عمل منذ أواخر الثمانينات على تشجيع مزارعينا في غزة على زراعة الورود، وذلك في إطار توجيه الزراعة الفلسطينية لانتاج محاصيل تلبي حاجات الاقتصاد الاسرائيلي إما للاستهلاك المباشر أو لسد فجوات معينة في الصادرات الاسرائيلية، تمشيا مع سياسة تعميق دمج الاقتصاد الفلسطيني في الاقتصاد الاسرائيلي. تلك السياسة القائمة على سلسلة من الأوامر العسكرية والاجراءات الضريبية لمنع المنتجين الفلسطينيين من منافسة المنتجين الاسرائيليين سواء في السوقين الاسرائيلي والفلسطيني أو في الأسواق العالمية.

ولاغراء مزارعي غزة، قدمت لهم "الادارة المدنية" في حينه بعض "القروض والمساعدات الفنية"، فضلا عن ضمان شراء الزهور منهم. وبالفعل، نجح الاحتلال في "إقناع" بعض المزارعين بزراعة الزهور بدلا من الخيار والبندورة وسائر الخضروات والحمضيات). وعندما تمكن الأخير من تسخير الانتاج الزراعي الفلسطيني لخدمة اقتصاده، توقف عن إعطاء المزارعين "الحوافز"، فصار الانتاج الزراعي خاضعا لتقلبات السوق. بمعنى عمل الاحتلال على سحق المنتجات الزراعية الفلسطينية الأساسية، من خلال منع حمايتها من المنافسة الاسرائيلية والأجنبية من ناحية، وتشجيع تحويل المزارعين الفلسطينيين الى الزراعة الكمالية التي لا يستفيد محليا من أرباحها سوى نفر من الملاكين والتجار الكبار، من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق، لا بد من التنويه الى أن السوق الأوروبي لن يفتح لنا أبوابه على مصراعيها لمنتجاتنا من الزهور وغيرها، نظرا لسياسته الزراعية الموحدة (PAC) التي تفرض القيود على الاستيراد من غير الدول الأوروبية لحماية المزارع الأوروبي(). لهذا وفي ظروف سياسية - اقتصادية محددة، فان إغلاق هذا السوق أمام منتجاتنا أمر وارد جدا. ناهيك عن الأسعار الاحتكارية التي تفرضها الدول الغربية على منتجاتها الزراعية والصناعية وبالتالي قدرة هذه المنتجات على منافسة مثيلاتها في الدول المتخلفة.



ولنلاحظ هنا ذكاء الرأسمال الأوروبي المتجلي في اتفاق "التجارة الحرة" الذي وقعه الاتحاد الأوروبي (في شباط 1997) مع الضفة القطاع، بشكل منفصل عن اسرائيل، إذ في الوقت الذي رفعت فيه العوائق الجمركية وغير الجمركية في الاتحاد الأوروبي عن السلع المصنعة الفلسطينية، فان "الاعفاء الجمركي" في الاتحاد الأوروبي لا يشمل سوى حصة هامشية من بعض السلع الزراعية الفلسطينية()، ذلك أن بعض المنتجات الزراعية الفلسطينية تحديدا، مرشحة لمنافسة المنتجات الأوروبية.



والأهم مما ورد، فقد باشرت وزارة الزراعة الاسرائيلية، مؤخرا، في استثمار أكثر من 300 مليون دولار، لزراعة أكثر من 100 ألف دونم في صحراء النقب (جنوبي غزة) لانتاج كميات كبيرة من الحمضيات والخضروات والزيتون والقمح والورود. ويتوقع أن تكون هذه المنتجات التي ستروى بالمياه العادمة المعالجة من منطقة تل أبيب، منافسة في الأسواق الأوروبية والأمريكية(). وهذا يذكرنا أيضا باغراق السوق الفلسطيني بالبطيخ الاسرائيلي الذي ضارب بأسعاره البطيخ الفلسطيني وسحق انتاجه. مع العلم أن الانتاج الفلسطيني من البطيخ وصل عام 1985 الى أكثر من 100,000 طن كانت حصة جنين منه حوالي 60,000 طن، ثم هبط في أواخر الثمانينات الى حوالي 10,000 طن، وتدنت الكمية في الغور الى حوالي الصفر، بالرغم من أن طبيعة الأرض وكميات المياه المتاحة لزراعة البطيخ لم تتغير().



إن توريط مزارعينا في الزراعات الكمالية وإغرائهم بالتخلي عن الزراعات الأساسية والتقليدية سيؤدي بالمحصلة الى تدمير ما تبقى من قطاعنا الزراعي، لصالح تصدير اسرائيل لنفس المحاصيل التي يراد لنا التخلي عنها. كما أن اسرائيل والجهات الغربية نفسها التي تشجع مزارعينا وبعض المسؤولين المحليين الآن على زراعة الزهور ستقوم فيما بعد باءبادة هذا القطاع، لأن الأولوية ستكون آنذاك لزهور النقب، وبالمحصلة مزيد من تشويه اقتصادنا وإفقار وتجويع مزارعينا وبالتالي شعبنا.






البنوك و"التنمية" الزراعية:

بادرت مؤخرا بعض الجهات الدولية، بالتعاون مع بنوك محلية في الضفة والقطاع، الى منح قروض قصيرة ومتوسطة الأجل للعاملين في مجال "الزراعات المروية في البيوت البلاستيكية والحقول المكشوفة"، ولأصحاب المشاريع الزراعية "الذين يرغبون في إدخال زراعات جديدة مثل العنب اللابذري، الأزهار، التوت الأرضي…"(. علما بأن الزراعات الأخيرة تعتبر أحادية وكثيفة الرأسمال وموجهة أساسا للأسواق الخارجية. بمعنى أن الاستدانة هنا تهدف أساسا الى تكثيف الرأسمال في الزراعة، عبر الوقوع في "مصيدة" الديون، وبالتالي زيادة مستمرة في مدخلات الانتاج من الخارج والغرق في مزيد من القروض لزراعة المحاصيل الأحادية بدل التنويع الزراعي، وبالمحصلة الادمان على الديون وتعميق التبعية للأسواق الخارجية وقوانينها القاسية. كما ويطلب أحيانا من المقترضين، كضمانات، رهن عقارات.



ان الأسواق الخارجية (الغربية والاسرائيلية) التي تستهدفها المنتجات الكمالية والأحادية (التي تم زراعتها بالقروض) هي التي تتحكم بأسعارهذه المنتجات لتفرض عليها غالبا أبخس الأسعار. وفي حالة أن هذه الأسواق تقرر، لأسباب سياسية واقتصادية، وقف الاستيراد، وبالتالي انسداد آفاق التسويق، بالتوازي مع ارتفاع تكلفة الانتاج والمستلزمات الزراعية، فان النتيجة ستكون تآكل خطير ومدمر في مداخيل اولئك المزارعين الأحاديين، الأمر الذي سيؤدي، كما سبق وأدى في حالة بعض مزارعي الغور وغزة، الى تورط العديد من المزارعين في الديون والفوائد الكبيرة، لدرجة فقدان بعض المزارعين القدرة على السداد. وبالرغم من منح بعض المزارعين المتورطين في الديون، فترة إضافية للسداد، أو إعادة جدولة ديونهم، إلا أنه ومع ذلك، فان العديد منهم لا يستطيع السداد، لتصل بعض الحالات الى المحاكم().

إذن، القروض، الهزيلة أصلا، الممنوحة للمزارعين الفلسطينيين، تهدف الى تكريس عملية "التخصص" في الانتاج الأحادي الغزير للتصدير، على قاعدة "المنافسة الحرة" التي لا ترحم الضعفاء، وذلك بدلا من إنشاء مؤسسة إقراض أو أكثر للتنمية الزراعية، بحيث تمنح القروض الميسرة وبشروط مريحة حقا للمزارعين، بهدف تشجيع تنويع الانتاج الزراعي والمشاريع الزراعية المعتمدة على الموارد الذاتية والمتحررة من التبعية المهلكة للمدخلات الخارجية، وبالتالي تشجيع المزارع على البقاء في أرضه وعدم هجرها.



المياه الفلسطينية المنهوبة:

تنهب اسرائيل مصادر مياه الأرض المحتلة عام 1967، وتقيدها وتتحكم في إدارتها وتحدد الحصص وبالتالي تسرق حقوقنا في السيادة على مواردنا واستخدامها وإدارتها. ويشمل النهب الاسرائيلي مياهنا الجوفية والسطحية. إذ حفر الاحتلال وجفف ولا زال يحفر ويجفف الآبار الارتوازية في الضفة الغربية، ناهيك عن تجفيف الينابيع المتدفقة بشكل طبيعي، لصالح مستعمراته في الضفة والقطاع والاسرائيليين داخل "الخط الأخضر"، بحيث نحرم من الاستفادة من مياهنا الطبيعية، الأمر الذي يؤدي، بشكل مباشر، الى تدمير الزراعة الفلسطينية، وبشكل غير مباشر، الى تصحر الأراضي الفلسطينية. في حين يعاني الانسان الفلسطيني من نقص خطير في مياه الشرب وتتهدده الآثار الصحية والبيئية الخطيرة نتيجة شح المياه المسموح له باستهلاكها. خاصة وأن الصهاينة يسرقون كميات ضخمة من مياهنا الجوفية، إذ أن حصة الشعب الفلسطيني في مياهه الجوفية أقل من 20%. علما بأن جزءا كبيرا من المياه المستهلكة في المستعمرات يستخدم لأغراض الرفاهية والترف (إرواء حدائق الزينة وبرك السباحة و"النجيل" وغيره). ويقدر المعدل العام لاستهلاك الفرد الفلسطيني اليومي للمياه (الضفة والقطاع) بحوالي 40 لترا (يشمل القدس)، بينما يقدر معدل استهلاك الاسرائيلي في مستعمرات الضفة والقطاع بنحو عشرة أضعاف هذا المعدل()، علما بأن الاسرائيليين يتمتعون بالمياه المدعومة حكوميا، إذ يدفع المزارع الفلسطيني ما يعادل 0.07 دولار / م3 من المياه، بينما يدفع المزارع الاسرائيلي نحو 0.014 دولار / م3(). كما يقدر إجمالي نهب اسرائيل المائي لصالح مستعمراتها بحوالي 70% من إجمالي موارد المياه السنوية في الضفة والقطاع، ومن الباقي (30%) فان حولي 18% عبارة عن مياه مالحة أو أن استخراجها صعب ومكلف، وهذا يعني أن المتاح من المياه لسكان الضفة والقطاع ليس أكثر من 12% من إجمالي موارد المياه().

وقد تسبب استغلال اسرائيل لمواردنا المائية، وضخها الزائد للمياه، خاصة في قطاع غزة، في هبوط سطح الماء الباطني الى ما دون مستوى التغذية الطبيعي، وبالتالي تدفق المياه المالحة والملوثة الى المياه الجوفية القليلة المتاحة لفلسطينيي القطاع، وجعل جودة هذه المياه متدنية جدا، بل وغير صالحة للاستخدامات البيتية والزراعية. أما في منطقة الغور، فقد انخفض سطح الماء الباطني، منذ عام 1969 بمعدل أكثر من 16م وبالتالي جفاف عشرات الآبار(). وفي الفترة 1982 – 1991 ارتفع التركيز الكلي للكلور بحوالي 50%، فوصل في منطقة أريحا الى 1700ملغم / لتر().



تشكل المياه الفلسطينية بالنسبة لاسرائيل، عنصرا أساسيا من عناصر "أمنها الاستراتيجي" وبالتالي فهي قد "توافق" على "زيادة حصة الفلسطينيين من المياه" ولكن "ليس على حساب آية نقطة ماء تسيطر عليها اسرائيل" كما أوضح في حينه بقوة، شمعون بيرس(). لهذا حافظت وتحافظ حكومات اسرائيل المتعاقبة على استراتيجية واضحة، ثابتة ومثابرة، يتلخص جوهرها بأن تأخذ اسرائيل ما تشاء من المصادر الطبيعية الفلسطينية والمياه والأراضي والغور وأخصب أراضي غزة وتترك للفلسطينيين مجرد حطام.



ولم تأل بعض الدول الغربية ومؤسساتها الدولية جهدا في التنظير والضغط على الفلسطينيين لتحقيق هذه الغاية. فمثلا، "نصح" تقرير البنك الدولي حول المياه في الشرق الأوسط (لعام 1996) الفلسطينيين بالتخلي عن الزراعة "التي تحتاج الى مياه كثيرة ونادرة" والتحول الى "اقتصاد التكنولوجيا المتقدمة". وبالمقابل، تتمتع المستعمرات اليهودية بوفرة غير محدودة من المياه العذبة وعالية الجودة، ولا توجد لديها آية مشكلة في استهلاك ما تشاء من مياهنا، والمطلوب من الشعب الفلسطيني فقط أن يقتصد ويعطش ويحرم من الاستفادة من مصادر مياهه الطبيعية المتوفرة، تحديدا، بالضفة الغربية، بغزارة.



بالاضافة، تحاول اسرائيل، عبر بعض وجوهها الأكاديمية، ومدعومة من بعض المؤسسات الدولية، إخفاء سياستها التقليدية المتمثلة بمواصلة استنزافها الرخيص لمياهنا ومواردنا الطبيعية وتعميقها الخلل في التوازن البيئي الطبيعي، تحت غلاف تنموي جذاب هو "التنمية المستدامة". كما تحاول نفس الوجوه، إلقاء مسؤولية تدمير البيئة، في الضفة والقطاع، علينا(). علما بأن ممارسات الفلسطينيين الملوثة لبيئتنا ومياهنا الجوفية تبقى هامشية، قياسا بممارسات اسرائيل البيئية الكارثية، وخاصة بسبب النفايات والمياه العادمة المتسربة من المستعمرات الى أراضينا الزراعية ومياهنا الجوفية. والأنكى من ذلك، أن بعض الجهات الدولية التي تعتبر هذا التخريب الاسرائيلي للبيئة أمرا واقعا، يقترح علينا أن نعيد تدوير هذه النفايات (الاسرائيلية) لصالحنا، مساهمين بذلك في منع التلوث البيئي()!



تدمير البيئة:

يشكل الاحتلال الاسرائيلي، حاليا، أهم عامل مدمر للبيئة الفلسطينية. ويتخذ التدمير الاسرائيلي لبيئتنا أشكالا متعددة أهمها الدمار البيئي الناتج عن مخلفات المصانع في المستعمرات الاسرائيلية، من نفايات صلبة وسائلة وغازات تتسبب في مخاطر صحية للانسان والحيوان، فضلا عن تخريب التربة الزراعية. علما بأن معظم المصانع في المستعمرات منعت من العمل في اسرائيل، نظرا لدورها في تلويث البيئة. وتتمثل أخطر الصناعات في المستعمرات بالصناعات الكيماوية (مصانع بلاستك وبطاريات وبوجيات للسيارات وألومنيوم وجلود ومصابغ وغيرها) التي تخلف مركبات كيماوية وحامضية تتسرب الى الأرض وتلوث التربة (والهواء) وتفقدها خصوبتها أو تجعلها غير قابلة للزراعة، بل قد تؤدي الى تصحرها). ناهيك عن العناصر السامة الناتجة عن هذه الصناعات، كالكادميوم والكروم والزرنيخ المدمرة للتربة والملوثة للمياه الجوفية(. كما أن صناعات مواد البناء والحجارة والاسمنت في المستعمرات لا تقل خطورة عن الصناعات الكيماوية من ناحية التلويث البيئي وتخريب الأراضي الزراعية والتسبب في أمراض مزمنة وخطيرة(. دون إغفال الكسارات التي أقامتها الشركات الاسرائيلية في الضفة الغربية والتي يتسبب غبارها الكثيف وانفجاراتها بالتصحر ويحدث أضرارا بيئية ويترك آثارا صحية مميتة على السكان المقيمين في منطقة الكسارات وعلى الثروة الحيوانية والأراضي الزراعية والأشجار المثمرة والمراعي. ناهيك عن مخطط الاحتلال لانشاء كسارات في وادي التين بمنطقة طولكرم.




العامل الذاتي في تعميق عملية تشوه الاقتصاد الزراعي الفلسطيني



ما يميز القطاع الزراعي الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، هو غياب التخطيط وانعدام توزيع الانتاج المحلي على اطول فترة ممكنة، وفي نفس الوقت اعتماد العديد من المزارعين على نوع واحد أو نوعين من المحاصيل، الأمر الذي يزيد من المغامرة والمخاطرة. إذ أن التنويع الزراعي يضمن ثباتا في الأسعار واستقرارا اقتصاديا أكبر من الاعتماد على زراعة صنف واحد أو صنفين. وحاليا، هناك نوع من الفوضى في حجم ومواعيد زراعة أصناف معينة، الأمر الذي يؤدي الى تراكم كميات كبيرة فائضة من نفس المنتجات لدى معظم المزارعين وفي نفس الفترة. وبالنتيجة، انعدام الجدوى الاقتصادية في قطف وتعليب وتسويق هذه المنتجات التي ونظرا لغزارتها غير المبرمجة لا مفر من بيعها بأسعار منخفضة جدا أو حتى قد تترك أحيانا غير مقطوفة على الأرض حتى تتلف. بمعنى لا يوجد تخطيط للمزارعين على مستوى وطني لتنويع الزراعة، وكل مزارع يخطط على مستواه بداخل مزرعته، كما أن غالبية المزارعين تتحمل بشكل فردي ومباشر مسؤولية تسويق انتاجها. فمثلا في منطقة الغور التي تعتبر قلب الزراعة الشتوية، ونظرا لسؤ التخطيط، نرى بأن عددا كبيرا من المزارعين يزرع بعض الخضار في نفس الفترة، وبالتالي فان نضوج هذه الخضار وتسويقها يكونان أيضا في نفس الفترة. ونظريا، فان الأرض المحتلة تنتج خضارا رئيسية أكثر من حاجتها، إلا أن فترة الانتاج تكون قصيرة، بحيث نستورد فيما بعد العديد من هذه الخضار من اسرائيل بأسعار مرتفعة وقد تكون نفس الخضار التي اشتراها منا الاسرائيليون وقاموا بتبريدها وتخزينها. كما أن المزارع في منطقة طوباس يضطر أحيانا لبيع شاحنة من محصوله من الخضار بـِ400 شيكل اسرائيلي (نحو 109 دولار أمريكي)، أي حوالي شيكل واحد للصندوق (نحو 0.2 دولار للصندوق. علما بأن تدفق المنتجات الزراعية الاسرائيلية إلينا بدون قيود. وما دام الوضع على ما هو عليه الآن فلا يمكننا ضمان التسويق في الموسم القادم وبالتأكيد ليس خلال الأربع أو الخمس سنوات القادمة. فالمزارع يعرف بالضبط تكاليف انتاجه، لكن، بالمقابل، لا يمكنه معرفة كم سيكون مدخوله من هذا الانتاج، لأن التسويق غالبا ما يكون حسب الظروف والحظ، وبالتالي فان المخاطرة كبيرة.



انعدام التمفصل القطاعي:

من الواضح أننا في الضفة والقطاع نفتقر الى الاستراتيجية التنموية الواضحة التي تضمن عملية التمفصل في القطاع الاقتصادي الواحد وبين مختلف القطاعات. بمعنى وضع جزء من قطاع اقتصادي معين في خدمة جزء آخر من نفس القطاع أو من قطاع آخر، وبالمحصلة تحقيق الترابط بين جوانب القطاع الاقتصادي الواحد، من ناحية، وبين القطاعات المختلفة، من ناحية أخرى. علما بأن مختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني مندمجة، حاليا، في الاقتصاد الرأسمالي الاسرائيلي، بدلا من تكاملها مع بعضها البعض.

إن غياب العلاقات بين وداخل القطاعات المختلفة يساهم في تكريس وتجزيء القوة الانتاجية الفلسطينية، كما ويقلل من امكانيات تبادل الخبرات المتراكمة في مجالات الانتاج وتقنيات التسويق وبالتالي يؤدي الى إبطاء عملية التوسع القطاعي ويحافظ على تبعيته لمصادر الموارد وخطوط التسويق القائمة.



ممارسات زراعية غير مستدامة:

تعتبر الزراعة أهم مورد معيشي واقتصادي لشعبنا، ناهيك عن كونها مكونا أساسيا من مكونات تراثنا وثقافتنا. علما بأن انتاجنا الزراعي، في الماضي غير البعيد، كان خيرا ومتنوعا، وتمتع ريفنا الفلسطيني باكتفاء ذاتي في كل احتياجاته الغذائية. أما اليوم فقد تحولت قطاعات واسعة من شعبنا الى عاطلة عن العمل، بل وجائعة.

بالمقابل، وبالاضافة لمصادرة اسرائيل ونهبها لمئات آلاف الدونمات من أخصب أراضينا الزراعية، هناك مساحات لا يستهان بها من الأراضي الصالحة للزراعة لكنها غير مستغلة، فضلا عن الأراضي المباشرة حول البيوت والتي تملؤها الأشواك والأعشاب الضارة، وبالتالي بامكاننا زراعتها والاستفادة من انتاجها. بل، أحيانا كثيرة، وكأن هذا الاهمال للأرض غير كاف، نجد البنايات التجارية وقد ارتفعت فجأة، على حساب الأرض الصالحة للانتاج الزراعي.



لقد تضاءلت كثيرا ممارسات الانتاج الزراعي الطبيعي، المتنوع والصحي، فضلا عن تربية الدواجن والماشية، على مستوى الوحدات المنزلية. وهذا يعني أن مخلفات كثيرة تنتجها منازلنا لا يعاد استخدامها في نطاق النشاط الانتاجي المنزلي. علما بأن البعض يهتم بتربية الدواجن أو الأغنام لكنه لا يزرع الأرض التي بامكانها الاستفادة من الروث الحيواني الذي، في حالة عدم إعادة استخدامه، سيتحول الى نفايات وبالتالي تلوث.

ومن الملاحظ أن الممارسات الزراعية "الحديثة" قد تسببت في تلاشي العديد من الممارسات الزراعية التقليدية الحكيمة التي طورها أجدادنا المزارعون، عبر الأجيال، من خلال تجاربهم وذكائهم والتي أثبت الزمن بأنها صحية ومجدية أكثر من الزراعة "الحديثة" التي أدت الى تعميق تبعية المزارعين للخارج و"ورطتهم" في الديون وتسببت في تدهور خصوبة التربة وغير ذلك من الأزمات المستعصية. علما بأن الاستخدام المكثف للبذور المهجنة وبالتالي اندثار البذور البلدية أدى ويؤدي الى ضياع متواصل للتنوع الجيني (البيولوجي) مما يتسبب حاليا في هجوم الآفات على المزروعات، الأمر الذي يستوجب "تحسينا" متواصلا في البذور المهجنة، إلا أن هذا "التحسين" لا يمنع مزيدا من ضياع التنوع البيولوجي.

وفي أغلب الأحيان، لم يؤد ركض المزارعين وراء الأساليب الزراعية "الحديثة" والمكثفة الى اختفاء الوسائل التقليدية للوقاية من الآفات فقط، بل أدى كذلك الى خسائر بيئية وصحية واقتصادية كبيرة. ومع ذلك كان الرد المهيمن هو اللجؤ الى مبيدات الآفات التي تم التعامل معها باعتبارها الحل الوحيد، وبالتالي بولغ في إبراز "فوائدها" والتصغير من شأن أضرارها.



لقد عملت المؤسسة الاسرائيلية، كما عمل وكلاء ووسطاء شركات الكيماويات والبذور المهجنة الاسرائيلية والغربية طويلا، ولا زالوا يعملون، على إقناع مزارعينا بالتحول نهائيا الى الزارعة المكثفة و"الحديثة" أو الزراعة الأحادية التصديرية. وبالفعل اشترى العديد من مزارعي الضفة والقطاع أفكار هذه الشركات وأسمدتهم الكيماوية وأدويتهم الزراعية وبذورهم المهجنة. بل، ونتيجة قيام اسرائيل بربط الاقتصاد الزراعي الفلسطيني باقتصادها، أصبحت كل المستلزمات الزراعية من علاجات وأسمدة وأغطية بلاستيكية وغيرها تشترى من اسرائيل، لدرجة أن الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين اسرائيل والطرف الفلسطيني تمنع الأخير من شراء نفس هذه المستلزمات من خارج اسرائيل وبأسعار أرخص، الأمر الذي يؤدي الى ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية الفلسطينية وبالتالي أسعار المخرجات، مقارنة مع الأسعار الأرخص في الأقطار العربية المجاورة. وبالنتيجة، أدمن المزارعون على الأسمدة الكيماوية التي صاروا ملزمين بزيادة الكميات المستخدمة منها لنفس المساحات المزروعة، سنويا، نظرا لتسبب هذه الكيماويات بتناقص مستمر في خصوبة التربة، وكذا أيضا حال المبيدات الكيماوية، إذ أن استخدامها المتواصل من قبل مزارعينا ولد مناعة لدى الآفات ضد هذه المبيدات، فضلا عن تآكل التربة، مما حدى بالمزارعين الى زيادة كميات المبيدات المستخدمة سنويا، دون أن يؤدي ذلك الى تناقص الآفات الزراعية، بل بالعكس، فقد ازدادت الآفات انتشارا وظهرت أنواع جديدة منها، الأمر الذي يحول دون التحكم بها. كما أن الاعتماد على المدخلات الكبيرة من خارج الوحدات الانتاجية الزراعية أدى الى زيادة تكاليف الانتاج والمديونية، مما أرغم عددا لا يستهان به من المزارعين على هجر أراضيهم والعمل في أعمال أخرى، وبالنتيجة تدهور مزيد من الأراضي الزراعية. ناهيك عن تحكم اسرائيل المطلق بالمعابر والجسور والتلاعب في الأسعار العالمية التي هبطت كثيرا وهبط معها التصدير الفلسطيني.



فوضى الكيماويات:

نشهد حاليا نوعا من الفوضى والعشوائية الواضحتين في تسويق الكيماويات الزراعية واستخدامها، إذ أن إغراءات الشركات الاسرائيلية التي تزور المزارعين الفلسطينيين مباشرة أو من خلال وكلائهم المحليين تلعب دورا هاما في هذا الانفلات الكيماوي. والجدير ذكره أن أوضاع الأخيرين قد تحسنت في الآونة الأخيرة، ولم يتورع بعضهم، في ظل غياب الرقابة الرسمية أو الشعبية الجدية، من بيع مبيدات مغشوشة، وبنفس أسعار غير المغشوشة (للتمويه.

والحقيقة أن شركات الكيماويات الاسرائيلية تستخدمنا كحقل تجارب، إذ تعمل أولا على تسويق مبيداتها الجديدة (التي تنتجها أو تستوردها) في السوق الفلسطيني، ومن ثم تقرر تسويقها أو عدمه في السوق الاسرائيلي وغيره. وحاليا تنتشر في الضفة والقطاع عشرات أصناف المبيدات الكيماوية السامة والمحظورة والتي تستخدم بآلاف الأطنان سنويا، علما بأن بعض الأوساط تقدر نسبة المبيدات من إجمالي تكاليف الانتاج الزراعي الفلسطيني بما لا يقل عن 35%، وهي تعتبر من أعلى النسب في العالم(). والأنكى من ذلك، أن بعض النشرات الارشادية الصادرة عن مؤسسات رسمية وغير رسمية، والموجهة للمزارعين، توصي باستخدام بعض المبيدات الكيماوية التي حظر استخدامها دوليا أو منع استعمالها في العديد من دول العالم، بسبب أضرارها الصحية والبيئية الخطيرة، والأمراض المزمنة والمميتة التي قد تسببها للانسان().



ومن المفيد الاشارة هنا، الى أنه غالبا ما تكون شركات الكيماويات الزراعية المنتجة أو المسوقة هي المصدر الوحيد لمعلومات المزارعين أو المهندسين والمرشدين الزراعيين الخاصة بهذه الكيماويات، علما بأن أبحاثا عديدة في العالم أثبتت عدم دقة أو حتى خطأ معظم هذه المعلومات التي هدفها الأول والأخير الدعاية التجارية لسلعها الكيماوية. ونتج عن هذه المعضلة الأساسية معضلة أخرى تتمثل في الضعف الواضح في قدرة العديد من المهندسين والمرشدين الزراعيين على تشخيص المرض الزراعي وتحديد العلاج، بحيث تكون الكيماويات أول خيارات المهندسين، بدلا من جعلها الخيار الأخير(.



العامل الذاتي في تدمير الأرض والبيئة:

بالرغم من عوامل التدمير البيئي الموضوعية، والمتعلقة أساسا باسرائيل ومستعمراتها، إلا أننا كمجتمع فلسطيني نتحمل أيضا قسطا هاما من المسؤولية في التدمير البيئي الجاري. وبامكاننا إيجاز العامل الذاتي الفلسطيني في تدمير الأرض والبيئة بما يلي:

أولا: التقلص المستمر في مساحات الأراضي الفلسطينية المزروعة، ليس فقط بسبب المصادرات الاسرائيلية والتهويد، بل أيضا بسبب مواقف وسياسات وسلوكيات فلسطينية غير جذرية تجاه الأرض وانتاج الغذاء. وهنا لا بد من الاشارة الى ظاهرة اقتطاع أجزاء كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة لاقامة المنشآت والمباني، الأمر الذي يمس الأمن الغذائي والوطني الفلسطيني ويهدد بتدمير ما تبقى من بنيتنا الزراعية.

ثانيا: تقلص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة بسبب إقامة المزيد من المنشآت الصناعية عليها، فضلا عن زيادة نسبة الكلس في الأراضي المحيطة بهذه المنشآت بسبب مخلفات الأخيرة، وبالتالي تدمير خصوبة التربة، بالاضافة لقتل الغطاء النباتي وتلويث المياه الجوفية والسطحية. ناهيك عن التأثيرات البيئية والصحية الخطيرة والمباشرة التي تحدثها الكسارات ومناشير الحجر الفلسطينية المنتشرة في المناطق الزراعية والسكنية. علما بأن سلطات الاحتلال هي التي رخصت (عمدا) معظم هذه الكسارات في المناطق المذكورة.

ثالثا: ينحصر اهتمام العديد من مزارعينا في مجرد تحصيل أكبر قدر ممكن من المداخيل والأرباح، حيث ينعدم لدى بعض المزارعين الحرص الضروري للحفاظ على التربة أو أنه لا يتبع الدورة الزراعية أو الممارسات الزراعية المستديمة التي يمكنها أن تحافظ على خصوبة التربة ومعدلات انتاج جيدة. لهذا نجد، باستمرار، المزيد من مشاكل التربة، كالارتفاع المتواصل في نسبة الملوحة والكلس في منطقة أريحا مث

41
منتدى علم الطب / حقائق عن الدهون
« في: أغسطس 02, 2004, 12:08:04 صباحاً »
   لدى الكثير من الاشخاص تعتبر كلمة الدهون كلمة مزعجة وفي بعض الاحيان مقرفة، ولكن في الواقع تعتبر الدهون من العناصر الغذائية الهامة كما هو الحال بالنسبة للبروتينات والكربوهيدرات. ومن الفوائد الهامة للدهون:
تعتبر من المصادر المركزة بالطاقة، حيث انها تزودنا بـ 9 كيلوكالوري/ غرام، بينما تزودنا الكربوهيدرات والبروتينات بـ4 كيلوكالوري/ غرام.
تزودنا الدهون بالاحماض الدهنية الاساسية (والتي لا يستطيع الجسم تكوينها ويجب ان يتم تناولها عن طريق الغذاء) مثل حمض اللينولينك الذي يلعب دورا هاما في نمو الاطفال.
الدهون مهمة لصحة الجلد
مهمة لتنظيم مستوى الكوليسترول في الجسم
مهمة لانتاج بعض المركبات الشبيهة بالهرمونات مثل prostglandins والتي تلعب دورا هاما في تنظيم بعض الانشطة الحيوية في الجسم.
الدهون مصدر هام للفيتامينات الذائبة في الدهون مثل فيتامين أ و د وهـ و ك، كما انها مهمة للمساعدة في امتصاص هذه الفيتامينات من الامعاء.
تساعد الدهون الجسم على الاستفادة القصوى من الكربوهيدرات والبروتينات.
يحول الجسم الدهون الى طاقة يستفيد منها، والزائدة عن حاجته يتم خزنها في الانسجة الدهنية. بعض الدهون موجودة في الدم، والقسم الاكبر يكون مخزونا في الخلايا الدهنية. هذه التجمعات الدهنية ليست مهمة فقط في خزن الطاقة، ولكنها مهمة في عزل الجسم والعمل كوسادة داعمة للأعضاء الداخلية وبالتالي فهي تحافظ على درجة حرارة الجسم وتعمل على امتصاص الصدمات.
تتكون الدهون من ثلاث عناصر اساسية - كما هو الحال ايضا في الكربوهيدرات - الكربون والهيدروجين والاوكسجين، الا ان الدهون تحتوي على كربون وهيدروجين اكثر واوكسجين اقل من الكربوهيدرات، وكنتيجة لهذا الاختلاف تزودنا الدهون بطاقة اكبر (9 كيلوكالوري / غرام من الدهون) من الكربوهيدرات والبروتينات (4 كيلوكالوري/ غرام من الكربوهيدرات).

ان الجزء الأكبر من الدهون يعطي عند تحلله ثلاث جزيئات من الاحماض الدهنية وجزيء واحد من الغليسيرول، ولهذا تعرف الدهون بالغليسريدات الثلاثية. تتكون الدهون من انواع مختلفة من الاحماض الدهنية، وتصنف هذه الاحماض الدهنية الى ثلاثة اقسام اساسية وهي: احماض دهنية مشبعة و احماض دهنية احادية اللااشباع واحماض دهنية متعددة اللااشباع، وتصف هذه التصنيفات السابقة عدد ذرات الهيدروجين الموجودة على سلسلة الاحماض الدهنية.

بشكل عام يمكننا القول بان الدهون المحتوية على نسبة عالية من الاحماض الدهنية المشبعة تكون جامدة على درجة حرارة الغرفة، بينما تكون الدهون المحتوية على نسبة عالية من الاحماض الدهنية غير المشبعة تكون سائلة على درجة حرارة الغرفة وتسمى بالزيوت.

من ناحية تقنيةلا يعتبر الكولسترول من دهون، ولكن يعتبر بأنه شبيه بالدهون.، وهو عبارة عن مركبات مهمة لجسم الكائن الحي حيث انه موجود في جدران جميع الخلايا، كما انه مهم لانتاج العصارة الصفراوية.

ولكن، ما علاقة الدهون والكولسترول بأمراض القلب التاجية؟

لقد اصبح واضحا بما لا يدع مجالا للشك بأن زيادة كمية الدهون في الوجبات الغذائية المتناولة تعتبر عاملا مهما يؤثر في حدوث و تطور الامراض المزمنة. وتشير الدراسات الى ان الاحماض الدهنية المشبعة تلعب دورا مهما في رفع مستوى الكولسترول في الدم، مما يشكل خطرا يتمثل في الاصابة بامراض القلب التاجية. ان زيادة كمية الكولسترول في الدم تؤدي الى تراكمه على جدران الاوعية الدموية، ومع مرور الزمن يحدث تضيق للاوعية الدموية ينتج عنه تصلب الشرايين والذي يؤدي الى نقص في كمية الدم المتدفقة عبر الاوعية الدموية

ان الغذاء يعتبر احد العوامل المؤدية الى ارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، ويعتقد العديد من الخبراء ان اثر الغذاء على ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم معقد، ويتجاوز مجرد محتوى الاغذية من الكوليسترول والاحماض الدهنية. ومن خلال التجارب السريرية تم اعتبار العوامل التالية كمتغيرات يمكنها ان تؤثر على اثر الحميات الغذائية على مستوى الكولسترول في الدم:

العادات الغذائية
درحة الاستجابة للحميات
مستوى الكوليسترول
مكونات الوجبة الغذائية
وتلعب الوراثة لدى بعض الاشخاص دورا اكبر في التأثير على مستوى الكولسترول في الدم من الوجبات الغذائية المتناولة، بمعنى انه بغض النظرعن كمية الدهون والكولسترول الموجودة في الوجبات الغذائية المتناولة، فان اجسامهم ستنتج كميات عالية من الكولسترول يمكنها ان تتسبب في حدوث النوبات القلبية. وقد يستطيع العلماء في يوم من الايام تحديد الجين المسؤول عن انتاج الكولسترول بكميات كبيرة لدى هؤلاء الاشخاص.

ومن العوامل الاخرى التي تؤثر في مستوى الكولسترول في الدم والخارجة عن السيطرة ايضا:

العمر
السلالة
والجنس
ومع ذلك يوجد الكثير من العومل التي نستطيع السيطرة عليها للتقليل من مستوى الكولسترول في الدم وللحماية من الكثير من امراض القلب مثل:

عدم تدخين السجائر
السيطرة على ارتفاع ضغط الدم
المحافظة على الوزن المناسب
المداومة على ممارسة بعض النشاطات الرياضية
السيطرة على الضغوطات العصبية
وللمصابين بالسكري، السيطرة على مستوى السكر في الدم مهمة جدا
يتنقل الكولسترول في الدم عن طريق مركبات تسمى البروتينات الدهنية (تتكون من بروتين ودهون) وهذه المركبات مهمة جدا حيث ان مستوى الكولسترول الكلي في الدم يعكس مستوى ثلاثة انواع من البروتينات الدهنية هي : البروتينات الدهنية المنخفضة جدا بالكثافة، البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة وهذا النوع يرتبط بمعظم الكولسترول الموجود في الدم، واخيرا البروتينات الدهنية عالية الكثافة. واقد اصبح واضحا ان البروتينات منخفضة الكثافة هي المسؤولة عن ترسب الكولسترول على جدران الاوعية الدموية.

وعلى العكس من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، تعتبر البروتينات الدهنية عالية الكثافة مفيدة جدا، حيث تدل الدراسات الى انه كلما زادت كمية هذا النوع من البروتينات في الدم كلما قلت فرص الاصابة بامراض القلب التاجية. وتعمل البروتينات الدهنية عالية الكثافة على نقل الكولسترول من الدم الى الكبد حيث يتم هناك تحطيم الكولسترول واخراجه مع العصارة التي تفرزها المرارة.

ويعتبر تركيز البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، هي المعبر الاساسي عن تركيز الكولسترول الفعلي، ولكن بما ان معظم الكولسترول الموجود في الدم مرتبط مع البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، يمكننا ان نعتبر ان التركيز الكلي للكولسترول، معبر عن التركيز الفعلي للكولسترول.

ويتراوح التركيز الطبيعي للكولسترول في الدم من 150 الى 200 ملغم لكل 100 ملليلتر، ومع تقدم السن فانه قد يرتفع الى 300 ملغم او اكثر، ويمكن القول انه اذا تجاوز مستوى الكولسترول 225 ملغم فان الفرصة للاصابة بامراض القلب سوف تزداد.

وكعلاج لارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، ينصح الخبراء الى اللجوء الى الحميات الغذائية والمصممة لتقليل تناول الدهون المشبعة والكولسترول بالاضافة الى تخفيض الوزن لمن يعانون من الوزن الزائد.

ويقترح في بداية تنفيذ برنامج الحمية الغذائية ان لا تتجاوز كمية الدهون اكثر من 30% من الطاقة الكلية، وان لا تتجاوز الدهون المشبعة اكثر من 10 % من الطاقة الكلية، وان لا يتجاوز الكولسترول 300 ملغم في اليوم.

اذا لم ينجح البرنامج السابق خلال ستة اشهر في تخفيض مستوى الكولسترول في الدم، يتم تخفيض الدهون بمقدار اكبر، والدهون المشبعة الى 7% من الطاقة الكلية والكولسترول الى 200 ملغم او اقل يوميا. واذا لم ينخفض مستوى الكولسترول بالحمية الغذائية، يتم العلاج بالادوية بالاضافة الى الاستمرار بالحمية الغذائية.

مصادر الدهون والكولسترول:

تعتبر المنتجات الغذائية من مصدر حيواني مثل اللحوم الحمراء والدجاج و السمك و الحليب ومنتجاته و البيض هي المصدر الاساسي للدهون (58 % من الدهون الكلية المتناولة) والدهون المشبعة (75 % من الدهون المشبعة المتناولة). وفي هذه الايام ازداد الاعتماد على الزيوت النباتية مثل زيت فول الصويا وزيت دوار الشمس .....

وبالاضافة الى المصادر السابقة هناك المايونيز، الزبدة، السمنة، الاجبان، الفطائر والمعجنات، وبعض انواع الصلصات.

اما بالنسبة لمصادر الكولسترول، فهو موجود في جميع الاطعمة الحيوانية، ويكون موجودا بكميات كبيرة في الاعضاء الداخلية للحيوانات وفي صفار البيض. اما الزيوت والدهون النباتية فهي خالية من الكولسترول.

الغذاء                               كمية الكولسترول ملغم/ 100 غم

 
الحليب خالي الدسم                             2        

 
الحليب كامل الدسم                             14  

 
الجبنة الصفراء (تشيدر)                        100
 
الجبنة الغنية بالكريما                            94
 
الكسترد                                      105
 
البيض                                       500
  
صفار البيض                                 1482
  
الكلى                                       562  
 
لحم الدجاج                                   65
 
كبد العجل                                   438
 
لحم البقر                                    94
 
القريدس                                    150
 
المحار                                      45
 
لحم السمك                                  69
 
الزبدة                                      250




42
منتدى علوم البيئة / البيئة والاستخلاف الرباني
« في: أغسطس 01, 2004, 11:51:10 مساءاً »
ربما يثير اللبس دومًا البحث عن مصطلح من لغة ما في فكر لغة أخرى، وعند افتقاده يقال بأن هذا الفكر لم يقدم إسهامًا تحت هذا المصطلح أو العنوان، وهو ما يقال أحيانًا بشأن موقف الإسلام من حقوق الإنسان ومن قضايا البيئة ومن حقوق المرأة، في حين أن النظر للإشكاليات في جوهرها والألفاظ في معانيها مشترك بين العقول ومتكرر في أي سياق حضاري رغم اختلاف التوصيف والتصنيف، وبذلك لو أخذنا معالم نظرية البيئة لوجدنا الفقه الإسلامي القديم والحديث قد تعرض لمكوناتها، ولكن في المواضع التي ترتبط بها في مجال العقيدة أو العبادة أو التشريع القانوني بأقسامه، أي في مكانها من خريطة العقل المسلم في تكييفه لها، فالرؤية الكلية   Holistic تدخل في المكونات الإبستمولوجية للنظرية البيئية، وتدخل في المقابل في العقيدة الإسلامية التي ترى الإنسان سيدًا في الكون -لا سيدًا للكون-، ومستخلفًا من الله على الكون بكائناته ومخلوقاته، فلا هي مركزية بشرية يستنزف فيها الإنسان الطبيعة، ولا هي مركزية للطبيعة تساوي بين الإنسان والمادة والإنسان والحيوان، وتتجاهل خالق الكون ورسالة البشر وأمانتهم المسئولة في الدنيا.. واليوم الآخر.

والاستدامة تدخل في نظرية المقاصد في العدل كمقصد وحفظ المال، ومراتب هذا الحفظ من حفظ بقاء لحفظ أداء لحفظ نماء. والقيم الأخلاقية لا تقتصر على المسئولية تجاه الأجيال بل المسئولية أمام الله بالأساس عن الموارد والكائنات، بدءاً من التوجيه النبوي بعدم الإسراف في الماء ولو للوضوء، مروراً بالرحمة الواجبة بالحيوانات التي قد تدخل الجنة ونقيضها قد يدخل النار-مع تسخيرها للإنسان للأكل والانتفاع-، وأخيرًا -وليس آخرًا- بالتواصل مع كل مكونات الكون النباتية بل و الجمادات التي يؤمن الإنسان بأنها تسبح لله.

ويحكم الإنسان في كل موقف ميزان الضرر والنفع، في الحال والمآل.

والأمة توفر لسياسات البيئة التمويل عبر الأوقاف ، وتضمن الالتزام بالقواعد والنظم بالقانون، والأهم من ذلك عبر إدماجها في السلوكيات والآداب اليومية العبادية والفردية والجماعية.

وفي مقابل رؤية الأيدلوجيات للبيئة كدائرة حيوية يجعلها الإسلام أمانة على الإنسان التعامل معها بمنطق العمارة، والإنسان هنا يحمل قيمًا ربانية، ويستوي في حملها الرجال والنساء؛ فليست المرأة أقرب للطبيعة من الرجل، ولا هو أكثر إفسادا لطبع فيه من النساء كما تذهب النسوية، بل المناط التقوى والالتزام بالعدل والقسط، والرحمة صفة المؤمن وليست شيمة النساء، وهكذا في كل قضية تندرج تحت نظرية البيئة وتجد لها في خريطة الفكر والفقه الإسلامي موضعًا يرتبط بملامح تلك الخريطة المتأسسة على عقيدة التوحيد لله الأعلى الذي خلق الإنسان ويسأله في يوم لقيامة عما استرعاه.

ومن اللافت أن أجندة التيارات الإسلامية السياسية المعاصرة لم تستنبط هذه المقاصد المرتبطة بالبيئة، وتصوغها بلسان معاصر تأسيسًا على تراث غني، بل انصرفت لرؤية مركزية للدولة، وبالتالي لتعريف ضيق للسياسة همّش قضايا البيئة رغم كونها من أولويات المشروع الحضاري الإسلامي في الواقع البيئي الدولي الراهن.




43
قد تبدو التوقعات بخصوص المذهب البيئي للقرن الحادي والعشرين شديدة الارتباط بحالة الأزمة البيئية والمستوى العام لفهم القضايا والمشكلات البيئية؛ فمن المتوقع أن يزيد البحث عن بديل للتقدم الصناعي المولع بالنمو، وإحدى المشاكل التي تواجه الأحزاب الخضراء أن منافسيهم قد اتخذوا مواقف "صديقة للبيئة" كانت قبل ذلك حكرًا على الخضر (مثلما اتخذت الرأسمالية بعد نقد الشيوعية لها سياسات دولة الرفاهة والحقوق الاجتماعية)؛ إذ لن يكون للجنس البشري بدٌّ في القرن الحادي والعشرين من قلب السياسات والممارسات التي كادت أن تدمر كل من الجنس البشري والعالم الطبيعي.

وتواجه النظرية البيئية عددًا من المشكلات:

الأولى: صعوبة جعل المذهب البيئي أيديولوجية عالمية، فيبدو أن القيود التي تكبل الدول النامية قد سلبتها فرصة اللحاق بركب الغرب، حيث تطورت الدول الغربية بالصناعات الكبيرة وباستنزاف الموارد المحدودة والتلوث... إلخ، وهي ممارسات يسعون الآن إلى إنكارها على الدول الساعية للتقدم. والغرب الصناعي مثله مثل العالم النامي غير مهيأ لأخذ الأولويات البيئية في الاعتبار، حيث يعني ذلك التخلي عن الرخاء الذي ينعم به بوصفه أكبر مستهلك للطاقة والموارد.

والمشكلة الثانية: تتمثل في الصعوبات التي تحف رسالة المذهب البيئي المعادية للنمو، فسياسة النمو المستديم أو اللانمو قد تكون غير مشجعة للجماهير بحيث تستحيل عمليًا كخيار انتخابي.

ثالثًا: قد يكون المذهب الأخضر greenism ما هو إلا بدعة حضرية أو شكل من أشكال رومانسية ما بعد الحركة الصناعية، وهو ما يملي أن الوعي البيئي ما هو إلا رد فعل مؤقت للتقدم الصناعي، ويميل إلى الاقتصار على الشباب والأغنياء الذين يملكون ترف الاحتجاج.

           رابعاً: أن الرؤية البيئية صعبة التحقيق لو استقام الناس عليها؛ لأنها تتضمن تضحيات لا يريد الكثيرون تقديمها ويفضلون المصالح العاجلة، فالبيئية الحقيقية أكثر راديكالية من الاشتراكية والفاشية والحركة النسائية أو أي اعتقاد سياسي آخر، فهذا المذهب لا يقتصر على المطالبة بتحول النظام الاقتصادي أو إعادة تنظيم العلاقات بين السلطات داخل النظام السياسي فحسب، بل لا يرضى بأقل من إقامة نمطا جديدًا للوجود أي أسلوب مختلف في تجربة الوجود وفهمه. والأكثر من ذلك أن نظرياته وقيمه وأحاسيسه تتعارض كلية مع تلك الخاصة بالمجتمعات التي يهيمن عليها التقدم الصناعي

44
منتدى علوم البيئة / البيئة  في الأيدلوجيات السياسية
« في: أغسطس 01, 2004, 11:40:02 مساءاً »
يمكننا من منظور آخر اعتبار المذهب البيئي رؤية أفقية، شأنها في ذلك شأن القومية؛ أي أنها تتجاوز الأيدلوجيات لتصبح موضوعًا ساهمت كل أيدلوجية في تطويره من منظورها. فقد أظهر المحافظون والفاشيون والاشتراكيون و اللاسلطويون (الأناركيون) والحركة النسائية والليبراليون تعاطفا خاصا مع قضايا البيئة ككل، ولكنهم وضعوا أفكارا بيئية تدعم أهدافا سياسية شديدة الاختلاف.

المذهب البيئي اليميني

على الرغم من ارتباط سياسة الخضر الحديثة بالمبادئ والاهتمامات اليسارية بصفة عامة، كالاعتقاد في اللامركزية والعمل المباشر ومعارضة التدرج الهرمي ( الهيراركية) وفكرة التقدم الاقتصادي الخطي، فقد أشارت أنّا برامويل (1989) أن أول ظهور لعلم البيئة السياسي كان ذا توجه يميني بالأساس، وتجلى ذلك بشكل متطرف بظهور المذهب البيئي الفاشي خلال الفترة النازية في ألمانيا، وكان يمثله وولتر داريه الذي كان وزيرًا للزراعة أثناء حكم هتلر من 1933إلى 1942، كما تولى منصب زعيم الفلاحين النازيين، فقد أدت تجربة التحول السريع نحو التقدم الصناعي في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر إلى ظهور حركة قوية تنادي "بالعودة إلى الأرض"، والتي جذبت الطلاب والشباب في حركة الشباب الألماني؛ حيث لجأت أعداد كبيرة من الطلاب إلى التجول في الغابات والجبال للخروج من غربة الحياة في الحضر، وكانت أفكار داريه مزيجا من العنصرية الجرمانية وإعلاء مكانة الحياة الريفية، وقد اندمجت لتصبح فلسفة زراعية حول "الدم والتربة"BLUT UND BODEN تداخلت في مواضع كثيرة مع الاشتراكية القومية

وارتبطت النازية على سبيل المثال بشكل من أشكال المذهب الحيويLebensraum   التي تؤكد دور "قوى الحياة"، وعلى الرغم من ارتباط داريه بالنازية فإن أفكاره تتشابه تشابها كبيرا مع الحركة الخضراء الحديثة، فقد اقتنع في المقام الأول أن الرضا الحقيقي لا يتأتى إلا بالحياة بالقرب من الطبيعة وفوق الأرض؛ ولهذا تمنى إعادة إنشاء ألمانيا الريفية. وردد علماء البيئة المحدثون مثل إدوارد جولد سميث (1988) هذه الأفكار، كما أن داريه أصبح مؤيدا قويا للزراعة العضوية التي تستخدم المخصبات الطبيعية فقط مثل سماد الحيوان وترفض المخصبات الكيميائية تأسيساً على الدورة الطبيعية: "الحيوان-التربة-الغذاء-البشر".

وفي "اليمين المعتدل" soft right أظهر المحافظون تعاطفا مع الموضوعات البيئية. فعلى سبيل المثال وصفت مارجريت تاتشر (المرأة الحديدية) المحافظين في المملكة المتحدة في "خطابها الأخضر" الشهير عام 1988 بأنهم "حماة ورعاة الأرض".

ومثل هذه إدراكات البيئية دأبت على التركيز على موضوع المحافظة على البيئة، أي حماية ما يسمى بالموروث الطبيعي كالغابات والفصائل الحيوانية والنباتية بالتوازي مع حماية الموروث المعماري والاجتماعي، ومن ثم ترتبط المحافظة على الطبيعة بالدفاع عن القيم والمؤسسات التقليدية.

المذهب  الاشتراكي البيئي Ecosocialism

تتميز الحركة الخضراء بطابع اشتراكي غالب، وتجلى ذلك بوضوح بين الخضر  الألمان؛ حيث كان كثير من زعمائهم أعضاء سابقين  للجماعات اليسارية بما فيها المتطرفة، وكثيرا ما يعتمد المذهب الاشتراكي البيئي على التحليل الماركسي، ويرد استنزاف الطبيعة للرأسمالية، وفي الوقت ذاته دأب على استبعاد الأفكار شبه الدينية التي كانت ذات تأثير لدى تيارات عديدة من الحركة البيئية أيضًا على خلفية الفكر الماركسي وموقفه من الدين.

وقد أثار موقف ماركس  فيما يخص العالم الطبيعي جدلا حوله؛ فالبعض يرى إيمانه بالتنمية التقدمية للقوى المنتجة على أنه بيان كلاسيكي عن التقدم الصناعي والبعض الآخر يعتقد أن تناوله للعمل في أعماله الأولى بوصفه "إصباغا للإنسانية" على الطبيعة و"إصباغا للطبيعة" على الإنسان يمثل علامة بيئية لا محالة.

وجوهر المذهب الاشتراكي البيئي يتمثل في أن الرأسمالية هي عدو البيئة، أما الاشتراكية فهي صديقتها. ولكن هذه الصياغة - تماما مثل الحركة النسائية الاشتراكية - تجسد صراعا بين عنصرين، ولكن الصراع هذه المرة بين أولويات "حمراء" و"خضراء". فإذا كانت الكارثة البيئية ما هي إلا نتاج ثاني للرأسمالية فإن حل المشكلات لن يتأتى إلا بسقوط الرأسمالية أو ترويضها على الأقل، تماما مثلما تسعى الحركة النسائية الاشتراكية، وبالتالي على علماء البيئة أن يعملوا في إطار الحركة الاشتراكية، وأن يتناولوا الموضوع الحقيقي المتمثل في النظام الاقتصادي، ولا يركنوا إلى تشكيل أحزاب خضراء متفرقة أو إلى إقامة المنظمات البيئية الضيقة، بل يغيروا النظام برمته الذي كان استنزاف البيئة مجرد أثر من آثاره.

ومن ناحية أخرى أشاع معارضو الاشتراكية النظر إلى الاشتراكية على أنها اعتقاد سياسي آخر "مؤيد للإنتاج" لتأييدها استنزاف ثروات الكوكب لصالح البشرية بأسرها لا لصالح مجموعة محدودة من الرأسماليين، فلا فارق جوهري يحق لها أن تزعمه لنفسها في مواجهة الرأسمالية.

ونتج عن ذلك أنه كثيرا ما رفض علماء البيئة تهميش الأخضر أمام الأحمر، ومنها إعلان الخضر الألمان أنهم "لا يساريين ولا يمينيين"، ونادى العديد من علماء البيئة الاشتراكيين إلى أن الأزمة البيئية شديدة الإلحاح لدرجة أنه يجب أن تكون لها الأولوية عن الصراع الطبقي، مؤكدين أن الاشتراكية بيئية بالأساس، فإذا كانت الثروة ملكية جماعية فإنها تستخدم لصالح الجماعة، وهو ما يعني على المدى البعيد مصالح البشرية.

ولكن تجربة اشتراكية الدولة في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية نتج عنها بعض من أكثر المشكلات البيئية، فقد قامت الأولويات الاقتصادية في الشرق الشيوعي -كما في الغرب الرأسمالي -على تتبع خط النمو الكمي، وفي ستينيات القرن العشرين مثلا أعيد شق طريق النهرين الأساسين اللذين يغذيان بحر "أرال" في أسيا المركزية السوفيتية لزراعة القطن والأرز، ونتج عن ذلك أن انكمش حجم بحر "أرال" الذي كان رابع أكبر بحيرة في العالم إلى نصف حجمه الطبيعي، كما تراجعت شواطئه100 كيلومتر في بعض المناطق مخلفة صحراء مالحة وملوثة.

وكان انفجار تشيرنوبل النووي في أوكرانيا 1986 أكثر الكوارث البيئية المعلن عنها حيث أجبر دوي الانفجار النظام السوفيتي على مزيد من الصراحة بخصوص المشكلات البيئية بصفة عامة.

وفي عصر ما بعد الشيوعية انطلقت جماعات الاحتجاج البيئية من الاتحاد السوفيتي، ولكن من الملاحظ أن هذه الجماعات قلما اعتنقت المذهب  الاشتراكي البيئي، بل ارتبطت أكثر بالمناحي السياسية المعارضة للاشتراكية كتجربة ضاغطة وشمولية بخلاف الحركة الخضراء في الغرب.

المذهب  الأناركي البيئي

تبدو اللاسلطوية أكثر الأيديولوجيات حساسية تجاه البيئة، فقبل أن يصدر كارسون كتابه المهم "الربيع الصامت" كان بوكتشين قد نشر كتابه الرصين "بيئتنا المصطنعة" (1962)، ويدين الكثير في "الحركة الخضراء" بأفكارهم إلى الشيوعيين الفوضويين الذين ينتمون إلى بواكير القرن العشرين، خصوصا بيتر كروبوتكين. ورأى بوكتشين توازيا واضحا بين أفكار الفوضوية ومبادئ علم البيئة التي جاء التعبير عنها في فكرة "علم البيئة الاجتماعي"، وهو الاعتقاد أن التوازن البيئي هو أساس الاستقرار الاجتماعي.

ويؤمن الفوضويون بمجتمع بلا دولة يتولد فيه التناغم من الاحترام المتبادل والترابط الاجتماعي بين الأفراد؛ فيقوم رخاء مثل هذا المجتمع على التنوع والاختلاف. ويؤمن علماء البيئة كذلك أن التوازن والتناغم يتولدان بصورة تلقائية في الطبيعة فيظهر على شكل أنظمة بيئية لا تتطلب سلطة أو رقابة خارجية تمامًا، مثل المجتمعات اللاسلطوية التي تتخلى عن مؤسسة الدولة المركزية وتهمشها، ومن ثم يتوازى رفضهم  للحكومة في المجتمع البشري وتحذيرات علماء البيئة من "الحكم" البشري في العالم الطبيعي؛ لذا شبه بوكتشين المجتمع اللاسلطوي بالمنظومة البيئية، ورأى أن كليهما يميزه احترام مبادئ التنوع والتوازن والتناغم.

وأيد الفوضويون بناء مجتمع لا مركزي  ينظم كمجموعة من القرى والجماعات  وتكون الحياة فيه قريبة من الطبيعة؛ حيث تسعى كل جماعة لتحقيق درجة كبيرة من الاكتفاء الذاتي. ويتنوع اقتصاد هذه الجماعات فينتجون الغذاء إلى جانب نطاق واسع من السلع والخدمات الأخرى، وبالتالي ينضوي اقتصادهم على الزراعة والأعمال الحرفية والصناعات الصغيرة، ويحث الاكتفاء الذاتي كل مجتمع على الاعتماد على بيئته الطبيعية فيتأتى فهم العلاقات العضوية وعلم البيئة بالتبعية. ويرى بوكتشين أن اللامركزية ستؤدي إلى" استخدام أكثر حكمة  للبيئة" فالمجتمع الذي ينظمه التراحم التلقائي بين الأفراد من شأنه أن يشجع التوازن البيئي بين الأفراد والعالم الطبيعي.

وتأثر تصور علماء البيئة عن المجتمع الصناعي دون شك بكتابات كروبوتكين وويليام موريس، فقد تبنت الحركة الخضراء من الفكر الأناركي أيضا أفكارا كاللامركزية وديمقراطية المشاركة والعمل المباشر، ولكن على الرغم مما تقدمه الأناركية من تصور لمستقبل بيئي صحي فقلما تتخذ كوسيلة لتحقيق ذلك، فأنصارها يؤمنون بأن التقدم لن يكون ممكنا إلا بسقوط الحكومة وجميع أشكال السلطة السياسية، بينما ينظر الكثير في الحركة الخضراء إلى الحكومة على أنها أداة لتفعيل العمل الجماعي وتنظيمه، وبالتالي تصبح الحكومة حتى لو على المدى القصير أنسب الوسائل لمواجهة الأزمة البيئية، وهم يخشون من أن القضاء على الحكومة أو حتى إضعافها قد يطلق العنان للقوى التي أحدثت التقدم الصناعي وأفسدت البيئة الطبيعية في المقام الأول.

الحركة النسائية البيئية

تقدم الحركة النسائية  تناولا فريدا ومميزا للموضوعات الخضراء إلى حد أن تطورت الحركة النسائية البيئية لتصبح أحد أكبر المدارس الفلسفية للفكر البيئي، وموضوعها الأساسي يتمثل في أن جذور الدمار البيئي تعود إلى البطريركية الذكورية؛ فالطبيعة معرضة  للتهديد لا من قبل الجنس البشري كله ولكن من قبل الرجال ومن مؤسسات سلطة الرجل.

ومؤيدو الحركة النسائية الذين يتبنون موقفا جندريًا Gender Perspective  من الطبيعة البشرية (لا يميزون بين الذكورة والأنوثة وينكرون الفروق بينهما)  يرون أن البطريركية قد شوهت غرائز وأحاسيس الإنسان عبر عالم التنشئة "الخاص" والعلاقات الشخصية و الأسرية، ومن ثم فإن التقسيم القائم على الجنس (المرأة للبيت/ والرجل للكسب والإنفاق) من شأنه أن يحث الرجل على التقليل من قدر المرأة والطبيعة؛ حيث يرى الرجل نفسه "سيداً" لكليهما، ومن هذا المنظور يمكن تصنيف علم الحركة النسائية البيئي  كشكل خاص من علم البيئة الاجتماعي.

والتناقض الطريف أننا نلاحظ تبني الكثير من مؤيدي الحركة النسائية البيئية المذهب الحتمي essentialism؛ حيث تقوم نظرياتهم على الاعتقاد في الاختلافات الجذرية والحتمية بين الرجل و المرأة والتأكيد على أن المرأة أكثر حفاظاً على الطبيعة؛ لأنها الأم حاملة قيم الرعاية والرحمة، وهو ما يؤدي إلى مركزية الأنثى في النهاية.

وقد تبنت ماري دالي مثلا مثل هذا الموقف في علم أمراض النساء من منظور  البيئة؛ حيث رأت أن المرأة ستحرر نفسها من الثقافة البطريركية الأبوية الذكورية إذا تحالفت مع "طبيعتها الأنثوية".

 والمفهوم الذي يربط المرأة بالطبيعة ليس بجديد، فديانات ما قبل المسيحية والثقافات البدائية طالما صورت الأرض والقوى الطبيعية كإله، وقد أُحييت هذه الفكرة من جديد في افتراض جايا السابق الذكر. ومؤيدو الحركة النسائية المحدثون يبرزون القاعدة البيولوجية لقرب المرأة من الطبيعة في حقيقة حملها للأطفال وإرضاعهم، كما يشكل التصاق المرأة بالإيقاعات والعمليات الطبيعية توجهها السياسي والثقافي.

ومن ثم تتمثل القيم "الأنثوية" التقليدية في مبدأ المعاملة بالمثل والمشاركة والتنشئة، وهي قيم "لينة" ذات طابع بيئي، وإذا كانت ثمة رابطة "حتمية" أو "طبيعية" تربط بين المرأة والطبيعة؛ فلأن علاقة الرجل بالبيئة تختلف اختلافًا شديدًا، فبينما المرأة تعتبر كائنا طبيعيا يعد الرجل كائنا ثقافيا، فعالم الرجل صناعي من صنع الإنسان، وهو نتاج الإبداع البشري لا الإبداع الطبيعي؛ إذًا يتقدم الفكر في عالم الرجل على الحدس ترتيبا، وتتفوق القيمة المادية على الروحانية، كما يكون الاهتمام بالعلاقات الميكانيكية أكثر من العلاقات الكلية holistic .

 انعكس ذلك في الصعيد السياسي والثقافي في الإيمان بتحقيق الذات والتنافس والتدرج الهرمي وإيحاءات ذلك للعالم الطبيعي واضحة، ومن هذا المنظور تسيطر الثقافة من خلال البطريركية على البيئة؛ حيث تصبح الطبيعة ما هي إلا قوى وجب تسخيرها أو استنزافها أو تخطيها. وبالتالي يمثل كل من الدمار البيئي وعدم المساواة القائم على النوع جزءًا من عملية هيمنة الرجل"المثقف" على المرأة"الطبيعية"، وهي رؤية تكرس الصراع في دائرة مفرغة موظفة البيئة كموضوع لتكريس التمركز حول الأنثى.

45
منتدى علوم البيئة / علم البيئة البحث عن نموذج جديد
« في: أغسطس 01, 2004, 11:38:48 مساءاً »
تتمثل الموضوعات الرئيسية للمذهب البيئي في الآتي:

- المذهب الكلي HOLISM

- الاستدامة  SUSTAINABILITY

- الأخلاق البيئية ETHICS

- ما بعد المادية POST-MATERIALISM

*  المذهب الكلي HOLISM

أول افتراض في النظرية البيئية أن الأنظمة البيئية ليست "مغلقة"، ولا تكفي نفسها بنفسها بصورة مطلقة، فكل نظام بيئي يتفاعل مع غيره من الأنظمة الأخرى، والعالم الطبيعي  يتكون من شبكة من الأنظمة البيئية أكبرها المنظومة البيئية العالمية التي شاعت تسميتها بـ"المجال البيئي"eco-sphere أو "المجال البيولوجي" bio-sphere.

وقد غيّر التطور العلمي لعلم البيئة المفهوم عن العالم الطبيعي، ووضع الإنسان من المفهوم الذي يجعل الإنسان "سيدا" على الطبيعة إلى تصور يرى عكس ذلك، فالبشرية في الحاضر تواجه احتمال وقوع كارثة بيئية يعود السبب فيها تحديدًا إلى أن الإنسان في ملاحقته العمياء والمندفعة للثروة المادية  أخل "بميزان الطبيعة"، وهدد الأنظمة البيئية التي لا يمكن للحياة البشرية أن تقوم إلا بها.

فاحتياطات المعادن وفق التقديرات لن تدوم أكثر مما يتراوح بين 40 و80 سنة. وخلال 50 عاما ستزول الغابات الاستوائية المطيرة التي من شأنها أن تنقي مناخ الأرض وتنظمه إذا ما استمر معدل التصحر الحالي، بالإضافة إلى ذلك فإن المصانع ومحطات الطاقة تلوث الأنهار والبحيرات والغابات التي تمد الإنسان بالغذاء والوقود والماء والموارد الحيوية الأخرى. وأخيرًا تمتلك التكنولوجيا الذرية القدرة على سحق الجنس البشري وتدمير الكوكب الذي يقله.

ولم تنظر الأيديولوجيات السياسية التقليدية بجدية أبدا إلى العلاقة بين الطبيعة والجنس البشري؛ فهي كلها تزعم أن البشر هم "أسياد" العالم الطبيعي، ومن ثَمَّ لم تزد الطبيعة عن كونها أحد الموارد الاقتصادية إلا قليلا، وبذلك كانت جزءًا من المشكلة لا جزءًا من الحل. وقد أرجع فريتجوف كابرا في كتابه "نقطة التحول" (1982) جذور هذه الأفكار إلى علماء وفلاسفة القرن السابع عشر أمثال رينيه ديكارت وإسحق نيوتن الذين صوروا العالم كآلة يمكن تحليل جزئياتها وفهمها بالأساليب العلمية حديثة الاكتشاف، والتي تطلبت اختبار الافتراضات مقابل "الحقائق" من خلال تجارب كثيرة ودقيقة، معرضين في ذلك عن النظرة العضوية للعالم التي كان يقدمها الدين.

وقد حقق العلم تطورات بارزة في المعرفة الإنسانية، كما وضع أساس التنمية في الصناعة الحديثة و التكنولوجيا. وكان من عظم إنجازات العلم أن هيمن المذهب العلمي الوضعي scientism على البحث الفكري في العالم الحديث؛ حيث اعتبرت المعرفة الحسية هي سبيل المنهج العلمي المادي للوصول إلى الحقيقة، ونظر إليها باعتبارها الطريقة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها، وهو ما وضع في نظر البيئيين الأساس الفلسفي للكارثة البيئية المعاصرة، فالعلم يتعامل مع الطبيعة على أنها آلة شأنها شأن أية آلة أخرى تكون معرضة للإهمال أو الإصلاح أو التعديل أو حتى الاستبدال.

  ورأى "كابرا" أن الإنسان إذا تعلم أنه جزء من العالم الطبيعي –لا سيده- سينهار ذلك التشبث "بعالم نيوتن الآلي"، ويحل محله نموذج جديد أكثر احترامًا لموازين الطبيعة.

وانجذب المفكرون البيئيون أثناء بحثهم عن ذلك النموذج الجديد إلى مجموعة متنوعة من أفكار ونظريات مستقاة من العلم الحديث والأساطير القديمة والتراث الديني، ومفهوم الكلية Holism هو الفكرة الموحدة بين هذه الأفكار، لتعبر عن أن العالم يفهم بكليته لا بأجزائه الفردية، و يقوم  "المذهب الكلي" holism على الاعتقاد بأن "الكل" أهم من "الأجزاء"، ويرى أن كل جزء لا يستقيم له معنى في ذاته إلا فيما يتعلق بالأجزاء الأخرى، وأخيرا فيما يتعلق بـ"الكل".

ففي مجال العلم الطبي –على سبيل المثال- كان المرض يفهم ويعالج على أنه خلل في عضو بعينه أو حتى في خلايا معينة في الجسم لا على أنه عدم توازن أصاب حياة المريض كلها. وبالتالي انصب الاهتمام على الأعراض العضوية، بينما تم تجاهل العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية.

ويعالج التناول الكلي holistic للصحة "الإنسان ككل"؛ حيث ينظر إلى الإصابات والأمراض على أنها مجرد أعراض عضوية لما قد يكون تركيبا من العوامل العضوية والنفسية والاجتماعية والبيئية.

ويبين المذهب الكلي holism أن التقسيم التقليدي للمعرفة الإنسانية إلى أقسام منفصلة كالعلوم والفلسفة والتاريخ والسياسة... إلخ يفتت الظواهر ويفككها؛ فعلم الاقتصاد مثلا لم يعد مجرد دراسة إنتاج البضائع واستهلاكها؛ فالتناول الكلي holistic لعلم الاقتصاد يتطلب الاهتمام بالتكلفة البيئية للإنتاج وقيمته الأدبية والروحية وعواقبه السياسية.

وتؤكد هذه النظرة على أهمية إدراك العلاقات داخل النظام واندماج عناصرها المختلفة داخل الكيان الكلي. وكان لهذه النظرة إيحاءات راديكالية قوية؛ فالمعرفة الموضوعية على سبيل المثال تعد مستحيلة؛ لأن عملية الملاحظة نفسها تغير ما يتم ملاحظته، كما أن الفاعل والمفعول به واحد، فالباحث لا ينفصل عن تجربته وبيئته، وهكذا فإن النظر إلى العالم على أنه مجموعة من الأنظمة قد أحدث ثورة في علم الطبيعة وهو في طور تغيير العلوم الأخرى، ويمكن حتما أن يطبق بالطريقة نفسها على بحث المسائل الاجتماعية والسياسية والبيئية- باختصار يمكن "للفيزياء الجديدة" أن تقدم نموذجا قادرا على أن يحل محل النظرة الميكانيكية الصلبة.

وقد قدم الدين مصدرا خصبا للمفاهيم والنظريات الجديدة، وقد نبّه كابرا في كتابه "طاوية الفيزياء"(1975) إلى التوازي المهم بين أفكار الفيزياء الحديثة وأفكار صوفية الشرق، فقد رأى أن الديانات مثل الهندوسية والطاوية والبوذية -وعلى الأخص مذهب الزن- قد نادت بالوحدة أو توحد كل شيء وهي حقيقة لم يكتشفها العلم الغربي إلا في القرن العشرين.

وانجذب الكثيرون من حركة الخضر إلى الصوفية الشرقية حيث رأوا فيها فلسفة تعبر عن حكمة علم البيئة، كما رأوا فيها منهج حياة يحث على التعاطف مع بني البشر وغيرهم من الفصائل ومع العالم الطبيعي، ويرى كتاب آخرون أن مبادئ علم البيئة يتجسد في الديانات التوحيدية كالمسيحية واليهودية والإسلام التي تعتقد أن البشر والطبيعة من صنع إلهي. وقد وصف جوناثان بوريت المدير الأسبق لجماعة أصدقاء الأرض الكوكب الأرضي بأنه يمثل "أقوى تجسيد باد لنا لصنع الخالق"، ويرى أن المحافظة على هذا الكوكب وصيانته واجب ديني، وأن الإنسان لن يتوافق مع الطبيعة إلا إذا اعتبر نفسه عبدًا لله فوق الأرض.

ولكن لشيوع العلمانية تعود أكثر مفاهيم الخضر الغربيون انتشارًا إلى أفكار ما قبل المسيحية، فلم تميز الديانات البدائية في الأغلب بين البشر وغيرهم من أشكال الحياة، وقلما ميزت بين كائنات حية وغير حية؛ فجميع الأشياء الحجارة والأنهار والجبال وحتى الأرض نفسها التي صورت في الغالب بـ"الأرض الأم".

واهتم علماء البيئة بفكرة الأرض الأم في محاولة لإيجاد علاقة جديدة بين الإنسان والعالم الطبيعي، فقدّم جيمس لوفلوك الكيميائي الكندي  في المجال الجوي، شارك وكالة ناسا NASA في برنامج الفضاء الخاص بها؛ حيث أدلى بدلوه في كيفية البحث عن حياة فوق كوكب المريخ، وفي كتابه "جايا" نظرة جديدة للحياة على الأرض 1979 فكرة أن الكوكب نفسه حي وسماه "جايا"، وهو اسم إله الأرض "جايا" عند اليونان. وعرف جيمس لوفلوك "جايا بأنه المجال البيولوجي للأرض ومجالها الجوي ومحيطاتها وتربتها" وحذر لوفلوك من "أن تدمير مثل هذا القدر الكبير من المنظومة البيئية لجهلنا بطبيعة ما تقوم به من عمل يشبه تفكيك نظام التحكم في طائرة جوية  أثناء طيرانها".

* القدرة على الاستدامة SUSTAINABILITY

يرى علماء البيئة أن فرص الحياة البشرية غير المحدودة في النمو المادي والازدهار تمثل الافتراض المتأصل في المعتقدات السياسية التقليدية، والذي تنادي به جميع الأحزاب السياسية السائدة؛ ففي أجزاء عديدة من العالم يتمتع الناس بمستويات معيشة كانت تُعد مستحيلة منذ 50 أو 100 عام، فالعلم و التكنولوجيا دائما ما يحلان المشكلات القديمة كالفقر والمرض، كما يفتحان الباب أمام فرص جديدة من خلال التلفزيون والفيديو والكمبيوتر والإنسان الآلي (روبوت) و ركوب الجو بل ركوب الفضاء. ومع ذلك يرى منظور المركزية البيئية أن انتظار الازدهار والوفرة المادية غير المحدودة الذي سماه هيرمان دالي "هوس النمو" (1974) ليس مضللا فحسب بل هو مسبب أساسي للكارثة البيئية.

ويشيع بين المفكرين الخضر جمع الرأسمالية والشيوعية معا و تصويرهما كنماذج "للتقدم الصناعي"، ومن ثم تطلب الاقتصاد الأخضر تصورات معتدلة عن الطبيعة وإعادة التفكر في أهداف النشاط الاقتصادي، خصوصا فيما يتعلق بنظرة الإنسان إلى الأرض والموارد التي تحتوي عليها.

وقد وجهت حركة الخضر الانتباه إلى ما تعده "قنبلة الكثافة السكانية الموقوتة". ومثل هذا القلق ليس حديث العهد، فمنذ عام 1798 حذّر الاقتصادي ورجل الدين البريطاني "توماس مالثوس" (1766-1834) من أن الزيادة السكانية ستؤدي حتمًا إلى مجاعة شديدة عامة وفظيعة؛ لأن إنتاج الغذاء محدود. ولكن مالثوس أغفل قدرة أساليب الزراعة الحديثة على إطعام الكثافة السكانية دائمة الزيادة. ومع ذلك يرى الخضر المعاصرون أن أفكار مالثوس البيئية لم تكن غير صحيحة ولكنها سبقت عصرها؛ فالزيادة السكانية مشكلة في حد ذاتها، ولكنها أيضا تبرز خطورة المشاكل البيئية، فالحيز الذي يملؤه كل إنسان يزداد ضيقا، أي أن الناس يتكاثرون في العيش في مدن متسعة، لكنها تعاني من انفجار سكاني. أما الريف وهو الأقل تعرضا للضرر فينحصر في وقت الفراغ والترويح.

وتعد "أزمة الطاقة" من أكثر الموضوعات التي  تعكس قلق البيئيين، فقد تحقق التقدم الصناعي Industrialism والوفرة الضخمة على حساب الفحم والغاز و احتياطيات البترول التي استنزفت لتوفر الوقود لمحطات الطاقة والمصانع والسيارات والطائرات... إلخ. والوقود وقود حفري تكوّن بتحلل أو اندماج الكائنات التي ماتت في عصور ما قبل التاريخ. وهذا الوقود الحفري غير قابل للتجدد فما أن ينفد لا يمكن الاستبدال به. ورأى شوماخر الاقتصادي البريطاني الذي  ناصر في  كتابه "الصغير جميل: دراسة في الاقتصاد لو أن الناس مهمون" (1973) أن مبدأ الإنتاج البشري مهم في التحليل الاقتصادي، وقدّم فلسفة اقتصادية مستمدة من البوذية تركز على أهمية الأخلاق و"العيش السليم". وكان معارضا للعملاق الصناعي، وآمن بالإنتاج "المعتدل"، كما دأب على دعم التكنولوجيا "المتوسطة".

وفي كتابه "الصغير جميل" ذهب إلى أن الإنسان أخطأ في اعتبار الطاقة "دخلاً" يتكرر كل أسبوع أو كل شهر بدلا من اعتبارها "رأس مال طبيعي" يضطر الإنسان إلى استهلاكه لحاجته. وأدى هذا الخطأ إلى أن زاد استهلاك الطاقة عاليا، خصوصا في سماء الغرب الصناعي في الوقت الذي اقتربت موارد الوقود المحدودة فيه من النضوب حيث من المحتمل أن تنفد قبل نهاية القرن الجديد.

ولا يركز الاقتصاد البيئي على التهديدات والتحذيرات فحسب بل يهتم أيضا بالحلول. فالوقود الحفري مثلا يعد شكلا من أشكال الطاقة "غير النظيفة"؛ لذلك اجتهدوا في البحث عن مصادر "نظيفة" للطاقة، ورهن علماء البيئة بقاء الجنس البشري وازدهاره على إدراك الإنسان أنه مجرد أحد عناصر المجال البيولوجي المركب، وأن هذا المجال البيولوجي لن يتمكن من دعم الحياة البشرية إلا إذا كان متوازنا وسليما. وبالتالي يجب الحكم على السياسات والأفعال بمبدأ "القدرة على الاستدامة"، أي قدرة النظام أو المجال البيولوجي في هذه الحالة على المحافظة على سلامته وبقائه.

تضع "القدرة على الاستدامة" حدودا للطموح الإنساني وأحلام الإنسان المادية؛ لأنها تحتم ألا يسبب الإنتاج إلا أقل القليل من الضرر للمنظومة البيئية العالمية الهشة، فمن الجلي أن الاستخدام الحالي للوقود الحفري مثلا غير قادر على الاستدامة؛ فالفحم والبترول والغاز الطبيعي ستنفد.

  وبالتالي يجب أن تقوم السياسة القادرة على استدامة الطاقة على الحد من استخدام الوقود الحفري والبحث عن مصادر طاقة بديلة ومتجددة مثل الطاقة الشمسية والهوائية وطاقة الأمواج التي تعد قادرة على الاستدامة بحكم طبيعتها، ويمكن التعامل معها بوصفها "دخلا" لا "رأس مال طبيعي"؛ لهذا رأى الخضر أن "عصر الوقود الحفري" يجب أن يفسح الطريق أمام "العصر الشمسي"، كما حثوا الحكومات على بحث وتنمية مصادر الطاقة المتجددة.

واهتم أنصار البيئة بالقيم التي تدعم هذه الرؤية البديلة بدعم الإنسانية وتشجيع الناس على العمل الجماعي، والحديث عن مسئوليتنا أمام الأجيال القادمة، وقيمة "التكنولوجيا ذات الطابع الإنساني"، وهاجموا النزعة الاستهلاكيةconsumerism  ، ودعوا إلى "العودة إلى الطبيعة".

* الأخلاقيات البيئية ETHICS

تهتم السياسة البيئية بجميع أشكالها بتوجيه التفكير الأخلاقي في عدة اتجاهات مختلفة؛ وذلك لأن الأنظمة الأخلاقية الحداثية تكرس الفردية مركزية الإنسان بشكل واضح. فعلى سبيل المثال يرى المذهب النفعي "الخير" و"الشر" على أساس ما يمر به الإنسان من آلام ومتع. وللأفراد أن يتصرفوا بأي طريقة تجلب لهم أكبر قدر من السعادة وأقل قدر من التعاسة، وذلك بموجب أنهم نفعيون من الدرجة الأولى.  

وإذا كانت ثمة مكانة للعالم غير البشري من الفصائل الأخرى من مملكة الحيوان والأشجار والنباتات والتربة وغيرها فهي قيمة أداتية، أي مجرد وسيلة لتحقيق أهداف الإنسان ومواءمة اهتماماته. وينطبق ذلك على النظريات العمالية في القيمة والتي تبناها الاقتصاديون الكلاسيكيون وأبرزهم ريكاردو في القرن التاسع عشر، بل وكارل ماركس أيضًا، ومفادها أن العالم غير البشري تكون له قيمة فقط عند الحد الذي "يختلط" فيه بالإنتاج والعمل البشري، أو عندما يدعم التفاعل بين الأفراد والطبيعة وتطوير مهارات الإنسان وإدراكه من خلال العمل.

والموضوع الأخلاقي الذي يتشبث به علماء البيئة بشدة هو الالتزام الأدبي تجاه الأجيال القادمة، فإن طبيعة المسائل البيئية تحتم ألا تظهر نتائج السلوك المتبع تجاهها إلا بعد عشرات -بل مئات- السنين وتعارض مقولات، مثل: لِمَ الاهتمام بنضوب الوقود الحفري إذا كان أهل هذا الزمن لن يكونوا موجودين عندما ينفد؟ ولِمَ القلق بشأن تراكم المخلفات النووية إذا كانت الأجيال التي ستتعامل معها لم تولد بعد؟

ومن الواضح أن الاهتمام بالمصالح العامة، وكذلك المصالح البشرية جمعاء لا يمتد إلى المستقبل إلا قليلاً.

يسعى علماء البيئة  إلى مد مفهوم مصلحة الإنسان ليشمل الجنس البشري كله -الآن ومستقبلاً- وبالتالي لا يفرق بين الأجيال الحالية والأجيال في المستقبل ولا بين الأحياء ومن لم يولدوا بعد، وهو ما يجعل جيل الزمن الحاضر مجرد "حماة" للثروة التي كونتها الأجيال السابقة ووجبت المحافظة عليها من أجل الأجيال المستقبلية. ومن ناحية أخرى قد يرى الاشتراكيون البيئيون أن الاهتمام بالأجيال المستقبلية ما هو إلا صورة تعبر عن امتداد حب الإنسانية والتعاطف معها عبر الأزمنة تمامًا، كما يتعدى هذا الحب والتعاطف حدود القومية والعرق والنوع.

لكن نسبية هذه المنظومة القيمية وردها للطبيعة فقط كان من تجلياتها مساواة الإنسان بالحيوان ونزع خلافة الإنسان وتميزه على سائر الكائنات، وكانت النتيجة تتضمن أن يتم  تناول الأخلاقيات البيئية بشكل أفقي يساوي البشر بباقي الكائنات الطبيعية، وتطبيق المعايير والقيم الأخلاقية الخاصة بالبشر على غيرهم من الفصائل والكائنات، وأكثر هذه المحاولات شيوعا هو "حقوق الحيوان"؛ حيث قدّم بيتر سينجر في كتابه "تحرير الحيوان" (1976) رؤية للدفاع عن رفاهية الحيوان، وأن الحيوان –شأنه شأن الإنسان- من مصلحته أن يتجنب الألم العضوي؛ ولهذا أدان أية محاولة لتقديم مصالح الإنسان على مصالح الحيوان، ووصفها بـ"التعصب النوعي"، فهي تحامل مستبد غير عقلاني يشبه التعصب الجنسي والعنصري. ولكن هذا الاهتمام الغيري بالفصائل الأخرى لا يحتم معاملة متساوية معها، فرأي سينجر لا يمكن تطبيقه على أشكال الحياة الجامدة كالأشجار والصخور والأنهار التي "لا تحتوي على قيمة ما" على حد وصفه.

وكان الفيلسوف الأمريكي توم ريجان في كتابه "الدفاع عن حقوق الحيوان" هو الذي قدّم الفكرة الأكثر راديكالية التي تقول بأن كلا من الإنسان والحيوان له أن يتمتع بالوضع الأدبي نفسه، استنادًا إلى أن كل الكائنات الحية لها صلاحية حيازة الحقوق، ويصعب في مثل هذا الوضع التمييز بين عوالم الإنسان والحيوان بل قد يكون مستحيلا، ومع ذلك أخبر ريجان أنه في الوقت الذي يتم فيه استثمار بعض الحقوق في الجنس البشري بموجب أن البشر قادرون على الفكر العقلي والسيطرة الأدبية على الذات تطبق هذه الحقوق فقط على مجموعات مختارة من الحيوانات وعلى الأخص على الثدييات الطبيعية والتي عمرها سنة أو أكثر.

ويتمثل الموقف الأدبي لعلم البيئة  في أن الطبيعة لها قيمة في حد ذاتها، أي قيمة في جوهرها، ومن هذا المنطلق لا تتعلق الأخلاقيات البيئية بأية حال من الأحوال بالواسطة البشرية، ولا يمكن التعبير عنها بمجرد مد القيم البشرية إلى العالم غير البشري. وحاول جودين (1992) مثلا تقديم "نظرية خضراء في القيم" ترى وجوب تقدير الموارد تحديدًا؛ لأنها نتاج العمليات الطبيعية لا النشاط البشري، وأن هذه القيمة تنبع من حقيقة أن المنظر الطبيعي يساعد الأفراد على استشعار "بعض الإحساس والنمط في حياتهم"، وتقدير "شيء أكبر" من أنفسهم، وبالتالي يأتي تصوير الطبيعة نفسها كأنها مجتمع أخلاقي، وهو ما يعني أن البشر ما هم إلا "مواطنون عاديون" لا يمتلكون حقوقا أو يستحقون احتراما أكثر من أي عضو آخر في الجماعة الطبيعية.

ويملي مثل هذا الموقف الأدبي "مساواة مركزية بيولوجية"، وفي هذا أن يكون جميع الكائنات والكيانات في المجال البيئي لها قيمة أدبية متساوية؛ حيث إن كلا منهم يعد جزءًا من عالم مترابط، ووصف آرن نايس (1989) ذلك بأنه "حق متكافئ في الحياة والازدهار". ولكن اللافت أن هذا الموقف المؤمن بالقيمة في جوهر الطبيعة يخفق في إدراك أن الأخلاق قيمة بشرية مرتبطة بتحسين الحسن وتقبيح القبيح وهذا مصدره العقل والوحي، وأن "طبيعة" الطبيعة تنبع تحديدا من كونها بعيدة لا تعرف الأخلاق بل البقاء فيها للأقوى والقوانين هي قوانين مادية وحسب.

* ما بعد  المادية POST-MATERIALISM

لما كان رفض السلوك الأناني والطمع المادي أحد الموضوعات الثابتة في المذهب البيئي، فقد سعى هذا المذهب إلى تقديم فلسفة بديلة تقوم على الرضا الشخصي والتوازن مع الطبيعة. وبالفعل يشيع ربط نمو الاهتمام بالموضوعات البيئية منذ ستينيات القرن العشرين بظاهرة ما بعد المادية POSTMATERIALISM البارز في كتابات إينجلهارت.

ويرى مذهب ما بعد المادية أنه بينما تغذي ظروف الندرة المادية السلوك الأناني، ستدفع ظروف انتشار الرخاء في الغرب الأفراد لمزيد من الإقبال على موضوعات، مثل "ما بعد المذهب المادي" أو "جودة الحياة"، وتهتم هذه الموضوعات جميعا بالأخلاق والعدالة السياسية والرضا الشخصي، كما تتضمن الحركة النسائية والسلام الدولي والتناغم العنصري وعلم البيئة وحقوق الحيوان.

ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار "المذهب البيئي" واحدًا من الحركات الاجتماعية"الجديدة" التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي تلتزم التزاما كبيرا بجدول عمل يتجاوز أسس المجتمع الرأسمالي التقليدي وحداثته إلى ما بعد الحداثة وحقوق الجماعات وتعددية المنظومات القيمية والأخلاقية في سيولة ونسبية كاملة، وهو ما يعيننا على فهم ارتباط حركات البيئة الآن بحركات الراديكالية وبحقوق الشواذ.

فالمذهب البيئي في أحد أبعاده أيضًا يعطي حق التجريب لا في الطبيعة وميزانها بل في الجسد وأحاسيس الإنسان واختياراته وتحقيقه لذاته، وهو ما حذّر منه موراي بوكتشين الفيلسوف الاجتماعي الأمريكي والمفكر البيئي وأحد النشطاء الراديكاليين، ومن أوائل المفكرين الاجتماعيين الذين تناولوا القضايا البيئية بجدية، والذي يرى أن الأزمة البيئية تعود إلى انهيار النسيج العضوي للمجتمع والطبيعة.

ووصف هذه النزعات المادية بأنها شكل من أشكال "معاداة الإنسانية"؛ حيث رأى أن اختلاقها للأساطير حول "الطبيعة" يمثل سقوطا لثقة الإنسان في طبيعته الاجتماعية المتجاوزة  وتمركزًا حول جسده وإهمالا تامًّا للاهتمامات الأوسع، وهذا في رأيه هو أساس "تحول النموذج" الذي يجب أن  يسعى المذهب البيئي إلى تحقيقه؛ حيث بذونه سيكرر الأخطاء التي ارتكبتها السياسة "القديمة" لعدم قدرتها على تخطي مفاهيمها وافتراضاتها الوضعية، حتى وإن حاولت الحديث عن "الروحانيات" التي هي في ذاتها تجربة فردية خلاصية وليست منظومة أخلاقية متجاوزة.

ويدعو الفيلسوف الأسترالي وورويك  فوكس(1990) لتبني "علم البيئة المتعدي للجانب الشخصي".

صفحات: 1 2 [3] 4 5 6 ... 31