Advanced Search

عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - نبيل حاجي نائف

صفحات: 1 [2] 3 4
16
تحاتي فلكينو .
في رأيي  لا يمكن الجمع بينهما  إلا بعد تعديل نظرية النسبية , )ففيها ثغرات في رأيي  (لتتطابق مع نظرية الكم التي حتى الآن لا يوجد فيها أي خلل .وهي متناهية الدقة في وصف الواقع الفيزيائي .

17
وعليك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخت الكريمة شرشبيل أهلاً بك وبمداخلتك الراقية .

نعم إن هذه النظرة للأمور نظرة مادية تسعى لوصف الواقع المادي والاجتماعي دون تقييمه .

بالنسبة ل : إن بنية الحياة لن تحقق دوافعك كلها ولكن من الأفضل لك أن تتبع دوافعها , لأنها أساس جميع دوافعك .
الذي أقصده من هذا :ليس تنفيذ هذه الدوافع بشكل غريزي وعشوائي , فيجب أيضاً مراعات هذه الدوافع البيولوجية وتوافقها أيضاً مع دوافع المجتمع والضرورات الأجتماعية والأخلاقية والدينية .وإلا سوف   نفشل , لأن قوى ودوافع المجتمع سوف ترد علينا وتمنعنا من الإضرار بها .
وبالنسبة  "إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون "   المقصود به أيضاً القبول بالقدر الأقوى منا ,خيره , وشره
          شكراً لك

18
القوى والدوافع التي تحركنا وتتحكم بنا
إن القوى التي تحرك وتتحكم بكل إنسان تابعة لخصائص البنيات التي تؤلفه , وبنية الإنسان مؤلفة من عدد هائل من البنيات المتنوعة ومن مستويات مختلفة . فهناك بنياته الفيزيائية والفزيولوجية وبنيات خلاياه وأجهزته وأعضائه ، وبشكل خاص بنية جهازه العصبي وبالذات دماغه , وهذه البنيات متفاعلة مع بعضها ضمن توازنات أو دورات من التوازن المستقرة , وضمن حدود معينة . وهذا ينتج خصائص متنوع لطبيعة القوى أو الدوافع , التي توجه وتتحكم بتصرفات واستجابات كل منا.
ودوافع الإنسان تابعة أيضا لتأثيرات البنيات الخارجية عليه , وهذه التأثيرات كثيرة ومتنوعة بشكل كبير . وهي من أنواع ومستويات كثيرة مختلفة  , فيزيائية, وكيميائية , و فزيولوجية , وعصبية , ونفسية , وفكرية , واجتماعية وهذه أصبحت واسعة جداً الآن ....
و يظل التأثير الأكبر الذي يقرر استجاباتنا وتصرفاتنا تابع لخصائص وطبيعة عمل الجهاز العصبي . فالكثير من التأثيرات الداخلية والخارجية تحول إلى قوى ومؤثرات عصبية وبالتالي إلى مؤثرات فكرية تولد الاستجابات وتتحكم بتصرفاتنا . وهذا يجعل طبيعة وخصائص وآليات الجهاز العصبي هي التي تدير بالدرجة الأولى دوافع الإنسان , وتأتي بالدرجة الثانية تأثيرات البنيات والأجهزة الأخرى  .
إن كل إنسان يملك دوافع كثيرة عند ولادته , فزيولوجية , وعصبية موروثة . وتنشأ لديه كثير من الدوافع أثناء حياته . فالدوافع لديه متنوعة وكثيرة جداً . والدوافع التي تكون لديه عند ولادته هي طرف سلسلة من دوافع أو قوى فيزيائية و فزيولوجية و بيولوجية , موجودة  قبل إحساسه أو وعيه بها .
فهناك دوافع أساسية نحو أهداف معينة مسبقاً , موجودة لدى كل إنسان عند ولادته . فالأهداف والدوافع له محددة مسبقاً . فهو يسعى نحو ثدي أمه دون أن يؤثر فيه أو يثيره هذا الثدي أولاً ، أي هو مبرمج مسبقاً على البحث والسعي نحو هدف معين , محتمل وجوده .
فهناك الكثير من هذه الدوافع المعينة مسبقاً لدى الإنسان ( الغرائز ) ، وآليات تكونها تكون موجودة مسبقاً أي هي موروثة , وهذه الدوافع والأهداف تكونت نتيجة حياة وتطور سلسلة الكائنات الحية .

فالدوافع والرغبات منها المدرك والواعي ومنها غير مدرك ولا يتم وعيه , هي قوى تنشأ من تفاعل البنيات التي تكون الكائن الحي , مع بعضها . ومن تفاعل بنية الكائن الحي مع البنيات الخارجية التي تؤثر عليه . وهذه الدوافع لها مجال تأثير وتأثر , وهي لا تظهر إلا في أوضاع معينة وأبعاد معينة .
فالإنسان مؤلف من بنيات كثيرة متنوعة وهو مكون من مجموعها . ولكل إنسان خصائصه التي تحدد شكل وطبيعة تأثره أو استجابته . فهو مؤلف من البنيات الفيزيائية والكيميائية و الفزيولوجية والعصبية والنفسية والفكرية . وهناك تأثيرات البنيات الاجتماعية المتعددة عليه . وهناك تأثير متبادل بين مستويات هذه البنيات جميعها.
إن محصلة تأثير مثير ما أو تأثير بنية ما على الإنسان تابعة لمحصلة ردود بنيات الجسم التي تأثرت بها بطريق مباشر أو غير مباشر . ولكن الرد أو الاستجابة على مثير ما والتحكم بهذا الردود , يكون غالباً تابعاً بشكل أساسي لخصائص البنيات العصبية العليا لديه اي الدماغ .
مثال :
إن تعرض خلايا جسم الإنسان للحرارة العالية يؤثر على تفاعلاتها الكيميائية وبالتالي الفزيولوجية وبالتالي العصبية ، فتحدث استجابة عصبية مناسبة . فإذا كان مصدر الحرارة وعاءاً ساخناً ممسوكاً ترك هذا الوعاء يسقط . ولكن إذا كان ذلك يحدث أضراراً أكبر من الأضرار الحرارة العالية ( حسب تقرير وتقييم عمل الفكر ) , فإن الاستجابة أو الرد لن يكون بترك الوعاء . وهذا معناه أن الاستجابة الفكرية لها القيادة العليا والقرار وبالتالي الاستجابات النهائية , هذا في أغلب الأحيان . ويمكن في بعض الحالات أن لا تنفذ قراراتها و تنفذ أوامر البنيات الفزيولوجية أو النفسية لشدتها وقوتها ، مثل الألم الشديد أو الخوف الشديد وغيره ... ففي هذه الحالات لا تنفذ قرارات الفكر العليا .
ونحن غالباً ما نهتم بالدوافع التي استطعنا إدراكها ، فيمكن لدوافع هامة لبنيتنا ولكن إدراكنا لها ضعيف أو غير موجود , أن لا تلاقي الاهتمام المناسب . فنحن غالباً نعطي الأولوية للدوافع التي أدركناها ووعيناها ، ونضع في المرتبة الثانية الدوافع التي إدراكها ضعيفاً . فيمكن لمؤثر ذو أهمية ضعيفة ولكنه واضح وقوي في الشعور والإدراك , وله أبعاده النفسية والاجتماعية , أن يكون تأثيره كبيراً جداً على بنية الكائن ولا يتناسب مع أهميته الفعلية . فيمكن لكلمة تأنيب أو شتم أن تولد انعكاسات وردود مدمرة لبنية الكائن وذلك نتيجة المعالجة الفكرية للمؤثر وبالتالي تضخيم تأثيراتها الذي يؤدي إلى رد غير مناسب

دور التكوين الشبكي الهام في تشكيل الاستجابات والدوافع :
" توضح الأبحاث الحديثة أن وصول أثر المنبه للقشرة غير كاف ليحدث النشاط الخاص بالمخ وإنما لابد من تهيئة خلايا المخ – القشرة- للعمل, وهذا يتم بفضل العلاقة بين القشرة والتكوين الشبكي , حيث يتم الإدراك وتشكيل المعلومات , ولتلك النظم دور أساسي في عملية الدافعية  فإذا لم يتم تهيئا المخ لاستقبال المعلومات التي تعمل كمؤثرات دافعية فإنه لا يمكن القيام بأي عمل , وهناك اتصالات عصبية للقشرة وبين التكوين الشبكي حيث تحدث العمليات العكسية وهي تحكم القشرة في عناصر نظام التكوين الشبكي .
ومن أهم وظائف التكوين الشبكي:
1- التأثير بطريق غير مباشر من خلال أجزاء المخ والحبل الشوكي على تغيير الحالة الوظيفية لها
2- التحكم في حالة النوم واليقظة , وهو المسؤول عن مستوى النشاط العام للمخ
3- يتحكم كيميائياً بالوظائف الدماغية "

أهم الدوافع البشرية الأساسية :
دوافع المحافظة على الذات
دوافع المحافظة على النوع واستمراره , وهي يتضمن الدافع الجنسي والأمومة و دوافع أخرى
دوافع السعي للحصول على اللذة وتحاشي الألم ، أو السعي لتحقيق الأحاسيس المرغوبة وتحاشي الأحاسيس غير المرغوبة .
دوافع اللعب والتقليد أو المحاكاة .
دافع التملك والنمو , والسيطرة .
دافع الانتماء أو العنصرية .
دافع المنافسة والتفوق على الآخرين وتحقيق المكانة العالية.
دافع الإنجاز ، وهو موجود لدينا نحن البشر بشكل مميز , ويغطي مجالاً واسعاً من السلوكيات الموجهة نحو تحقيق هدف .
ويمكن أن نصنف الدوافع إلى :
دوافع فزيولوجية و بيولوجية , وهي التي تنتج الغرائز الموروثة
دوافع عصبية , وهي استجابات وانفعالات وأحاسيس .
دوافع فكرية ، وهي دوافع عصبية متطورة نتيجة المجتمع والثقافة .
دوافع اجتماعية , وهي نتيجة العلاقات الاجتماعية
والدوافع تنتج استجابات كما أن الاستجابات يمكن أن تعود وتنتج دوافع ، وأنواع الاستجابات هي :
استجابات حركية , استجابات عصبية ونفسية وانفعالية , استجابات اجتماعية.
إن لدينا مجموعات كثيرة ومتنوعة من الاستجابات العصبية والفكرية في نفس الوقت ، وهي تؤثر على بعضها وتتداخل مع بعضها ، وعندها ينشأ لدينا عدد هائل من الدارات العصبية المفتوحة والمغلقة . فهذا ما يحدث في الجهاز العصبي أثناء الاستجابات والوعي والتفكير . وليست كل الاستجابات العصبية حسية و واعية , فالاستجابة للمؤثرات تولد دوافع -النوابض المحركة للفعل -  ويمكن أن تكون غير واعية .
وهناك الشعور والإدراك والوعي وهو يولد الكثير من الاستجابات , والكثير من الاستجابات الدافعية أو الفعل , تقوم بإحداث استجابات حسية , مثلاً : نخاف فنركض ولأننا نركض خائفين يزداد خوفنا . وكذلك أغلب الأحاسيس يمكن أن تحدث استجابات فعل ، ويمكن أن يحدث ما يشبه الجدل أو التغذية العكسية أو التأثير المتبادل , استجابة فعل تولد إحساساً , وهذا بدوره يولد استجابة فعل , ثم هذه الاستجابة تولد إحساساً .. فتحدث دارة من التغذية العكسية الموجبة التضخمية التي لها آلياتها وخصائصها .
إذاً هناك كمية كبيرة وهائلة من المؤثرات المتنوعة يتعرض لها الجسم والجهاز العصبي فتولد فيه استجابات ودوافع وأحاسيس كثيرة متنوعة . وتحدث ترابطات وتداخلات نتيجة التأثيرات المتزامن ، ونتيجة آليات أخرى ، مما يولد سلاسل من التيارات العصبية , وبالتالي استجابات فعل وأحاسيس تنشئ بدورها تيارات عصبية تولد استجابات . وتبقى هذه التفاعلات والتيارات عاملة إلى أن يتحقق التوازن , ويتم ذلك بطريقتين :
الأولى : الرد على المؤثرات باستجابات فعل وإلغاء تأثيرها , أو التوافق معها مما يؤدي إلى توقف تأثيرها .
والثانية : هي تعديل أو كف ما تولده المؤثرات من تيارات في الجهاز العصبي . هذا إذا لم يتم تحاشي أو إيقاف التأثيرات على الجهاز العصبي ، أو إذا لم تنجح الحالة الأولى .
تشابه الدوافع بين البشر
إن كثيراً من الدوافع لدى البشر تتشابه بصورة كبيرة ، فالدوافع الموروثة تتشابه بينهم أو تتطابق . وكذلك تتطابق الأحاسيس الأولية الأساسية بين كافة الناس , وتتشابه بشكل أقل المشاعر و الإدراكات الواعية .
وهناك تشابهات كبيرة بين أنا أو ذات لكل منا , تمكننا من استعمال نفس الأحكام على دوافعنا وعلى آليات تكونها ، فهناك تشابهات كثيرة تسمح بالتعميم ,مع وجود اختلافات بين كل أنا وأخرى. فالصفعة على الوجه هي مؤلمة لدى غالبية الناس .
وكذلك تتشابه الحواس وآليات الإحساس والانفعال وهذا التشابه هو الذي يسمح بالتواصل بين البشر, بكافة أشكاله، ولولا هذا التشابه , وخاصة في الأحاسيس لما أمكن قيام أي تواصل بين إنسانين . فالوعي والأحاسيس والمشاعر المتشابهة هم الأساس لقيام التواصل بينا ، وبالتالي هم ما سمحوا بنشوء اللغة والثقافة والعلم.
التعامل مع الدوافع الكثيرة المتضاربة ( تنظيم الدوافع والاستجابات )
إننا مدفوعون لتحقيق الكثير من الدوافع ، كما أنه تنشأ لدينا وبشكل مستمر دوافع جديدة . ونحن نشعر بالسعادة عند تحقيق دوافعنا , ونشعر بالألم والإحباط عند عدم تحقيقها .
والقضية الأساسية التي تسبب الإحباط هي محاولة تحقيق مجموعة دوافع في نفس الوقت , مع أن هذا شبه مستحيل ، لأن بعض هذه الدوافع متضارب ومتناقض مع بعضها أي لا يمكن تحقيقها جميعاً في نفس الوقت ، ونحن لا نتبين أو لا نعي أو ندرك ذلك لأنه غير واضح لدينا .
وهناك قضية أخرى يمكن أن تسبب الألم والمعاناة , وهي اختيار دوافع يصعب تحقيقها , أو أن احتمال تحقيقها منخفض نظراً لإمكانياتنا أو ظروفنا . لذلك يكون من المهم تنظيم الدوافع واختيارها بعد دراسة , وتوقيت تحقيقها , لكي نتمكن من خفض نسبة الفشل والإحباط إلى أقل حد ممكن . بالإضافة إلى الاهتمام بتحقيق أكبر قدر من دوافعنا الأساسية والمتاح تحقيقها . ولكن كيف نحدد هذه الدوافع الأساسية ؟
إن أغلب الناس في الوقت الحاضر لا ينتبهون لذلك ، فهم يضعون أو يخلقون كثيراً من الدوافع غير المناسبة لهم ، أوهم يدفعون لتحقيق دوافع لا يستطيعون تحقيقها .
إن رجال الدين الناجحين هم مثال على الناس الذين نجحوا في اختيار وتنظيم وتحقيق دوافعهم ، لذلك هم الذين يحصلون على أكبر قدر من السعادة ، نظراً لأنهم يحققون غالباً أكبر قدر من دوافعهم , ويتعرضون لفشل وإحباط أقل.
إذاً الدوافع متنوعة وكثيرة، ويمكن أن تتضارب مع بعضها لكثرتها وتنوعها , لذلك كان تنظيمها ضرورياً جداً . ولتنظيمها لا بد من معرفة المستقبل أو التنبؤ له بشكل جيد , لكي يتم تحقيق أكبر قدر من هذه الدوافع وبطريقة فعالة .
والإنسان في الوقت الحاضر يوجد دوافع كثيرة جديدة باستمرار، فلم تعد دوافع الحياة الأساسية هي المسيطرة على تصرف بعض الناس ، فلقد أوجد بعض الناس دوافع قويةً جداً , ويمكن أن تتعارض مع دوافع الحياة الأساسية مثل الدافع لتعاطي المخدرات وغيرها . وجميع هذه الدوافع مهما كانت طبيعتها وقوتها إذا كانت لا تتفق مع دوافع الحياة ودوافع المجتمع فإنها سوف تقاوم لأنها لا تتفق مع دوافع الحياة ودوافع المجتمع .
فالأديان والأخلاق, والقوانين ..... هي التي تنظم الدوافع بما يتفق مع فائدة الفرد والمجتمع . فيجب أن تتفق مع دوافع بنية الحياة مع دوافع الإنسان .
فإذا أردنا المحافظة على استمرار بنية الحياة , وبنية المجتمع , وبنية الإنسان , يجب أن نلبي دوافعهم الأساسية التي تمكنهم من الاستمرار و النمو و التطور . لذلك عندما تجعل دوافعك ورغباتك وأهدافك متفقة مع الدوافع الأساسية لبنية الحياة وبنيات المجتمع فسوف يكون احتمال تحقيقها كبيراً ، لأن قوى بنية الحياة كبيرة وذات قدرات هائلة وهي على الأغلب سوف تتحقق ، وبذلك تتجنب الكثير من الفشل - انضم إلى الفريق الرابح - .
نعم إن بنية الحياة لن تحقق دوافعك كلها ولكن من الأفضل لك أن تتبع دوافعها , لأنها أساس جميع دوافعك . فمرجع وأساس جميع دوافعك هو من صنع بنية الحياة , طبعا ًبالإضافة إلى تأثيرات البنيات الأخرى .
والذي يهم كل منا هو الوقت الحالي هو وقت وجوده بالدرجة الأولى , لأنه بعد موته يمكن أن ينتهي كل شيء بالنسبة له , فما يريده كل منا هو السعادة واللذة وتحاشي الألم والمعاناة ، أما مستقبل غيره فيأتي لاحقاً .
إن التحكم بالدوافع والرغبات يحقق الكثير من السعادة , ويجعل الشقاء والألم أقل . وكما ذكرت قامت الأديان والعقائد بتحقيق ذلك بدرجة كبيرة .
ويمكن بدل أن تغير الواقع لكي تحقق دوافعك و رغباتك , قم بتغيير رغباتك لكي تتوافق مع الواقع وبالتالي تتحقق بسهولة ( إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون ) , ابحث عن الممكن بالنسبة لك . فالأديان والعقائد سعت  لبناء ونشر أفكار ومناهج للتعامل مع الواقع , تحقيق التوافق بين الدوافع والرغبات مع ما هو متاح وما يمكن تحقيقه , وبغض النظر عن أنها تتفق مع الواقع الحقيقي أم لا  .

19
بارك الله في جهودك اختي الكريمة شرشبيل

للأسف الشديد أنا لا أتقن الرسم أو التصميم .والأفكار لوحدها في هذن لمجالين عاجزة .
سوف أتابع المسابقة وأشارك في الاختيار .

تمنياتي لكم بالتوفيق ،،

20
كيف نتصور الوجود , الوجود الذاتي والوجود الموضوعي

إن الوجود أكان وجود الأشياء أم ألأفكار أم أي شيء أخر , في رأي الكثير من المفكرين لا يكمن تعيينه إلا إذا تم رصده من بنية معينة , فالوجود هو دوماً وجود شيء بالنسبة لشيء آخر , ولا يمكن أن يوجد شيء بالنسبة لنفسه , مثال : الإلكترون لا يمكن تعيّن صفاته و خصائصه إلا بالنسبة لشيء آخر, بالنسبة للبروتون أو بالنسبة لمجال كهربائي أو مغناطيسي أو بالنسبة للجاذبية .
وصفات وتأثيرات أي شيء لا يمكن أن تعيّن بشكل مطلق , فصفات وتأثيرات أي شيء تابع للبنية أو البنيات التي يؤثر فيها أو يتأثر بها . وعندما قال ديكارت أنا أفكر إذا أنا موجود , كان بعض ظواهر وجوده مرصود من قبل وعيه وأحاسيسه , ورصد الوجود يتم بالاعتماد على طبيعة التأثر بالوجود . وكل تعرف على بنيات أو حوادث الوجود يعتمد على ما يتأثر به  من البنيات والقوى , فنحن نتعرف على بنيات وحودث الوجود عن طريق تأثيرها فينا , وبالذات تأثيرها على حواسنا , وعن طريق هذه التأثيرات ومن ثم ترميزها وتصنيفها وتقيمها نتعرف على الوجود وخصائصه .
فدماغنا يقوم بتمثيل أو ترميز ما يرده من المستقبلات الحسية وبناء تصور للوجود , وعناصر رموزه يتم تشكيلها من واردات حواسه , فالألف باء التي يصنع منها رموزه يشكلها أيضاً من واردات حواسه . وتنوع واختلاف التصورات للوجود من إنسان لآخر يكون نتيجة اختلاف الرصد واختلاف التقييم واختلاف المعاني بينهم .
وبناءً على كافة المعارف الدقيقة التي لدينا الآن , يمكن أن نعتبر أن الوجود : أنه لا متناهي في الزمان والمكان والتنوع . . . , وهو في صيرورة , ولا يمكن تعيينه بشكل كامل أو مطلق , لأنه يمكن أن يأخذ أشكال لا نهائية , وذلك حسب الراصد والمكان والزمان .
يقول لجون كوتنغهام
نحن كائنات متناهية , والواقع إذا لم يكن متناه , فهو أوسع بشكل غير محدود من أي شيء يمكن أن تفهمه عقولنا المتناهية . ولكن ذلك ليس سبباً للتنازل عن فكرة الواقع الموضوعي, أو التخلي عن الكفاح لجعل رؤيتنا أوضح وأشمل وأدق بالتدريج.
خصائص الوجود بالنسبة لنا .
1ً – لا متناهي في المكان والزمان والتنوع . .
2ً – هو في صيرورة وتغير مستمر .
3ً – يمكن اختزال الوجود إلى ثلاث عناصر قوى وأمواج وبنيات , والبنيات تتشكل من القوى والأمواج باستمرار , وأي بنية مهما كانت بنية فيزيائية , أم بنية حية , أم بنية اجتماعية , أم بنية فكرية , لها عمر , أي : تشكّل أو ولادة – ثبات نسبي أو عمر – تفكك واضمحلال .
4ً – عناصر الوجود الثلاثة القوى , والأمواج , والبنيات تتبادل التأثير مع بعضها .
5ً – لا يمكننا رصد الوجود بشكل كامل أو تام , أي يستحيل معرفته بشكل كامل . فنحن نتعرف على بعض خصائصه و بنياته , وتعرفنا دوماً احتمالي ولن يبلغ الدقة التامة .  
عالم الفكر الذاتي
إن عقل كل إنسان يقوم ببناء الأفكار والمفاهيم  لتمثل الواقع وتأثيراته و كل ما هو موجود بالنسبة له , فهو يقوم ببناء نموذج للوجود . فلكل عقل يقوم بتشكيل أفكار تمثّل الواقع خاصة به , وأفكاره تختلف عن أفكار العقول الأخرى وكذلك طريقة بناءه ( أو تصوره) للوجود , و كل عقل تتشكل أفكاره  وطريقة تصوره  نتيجة التعلم والتفاعل أثناء الحياة .
فالوجود بالنسبة لكل عقل يمثّل بصف وربط وتنظيم ما يرده من المستقبلات الحسية ومعالجتها في دماغه وبناء أفكاره , وهذه الأفكار تعود وتتفاعل مع ما يرد من الحواس .
وتتشابه الكثير من الأفكار لدى كثير من الناس , وكذلك تتشابه آليات وطرق المعالجة والربط نتيجة التشابه الوراثي وتشابه البيئة والظروف (  تشابه الحواس والمشاعر وآليات التفكير والأوضاع المادية والاجتماعية. .) . لذلك تتشابه نماذج الوجود الممثلة في العقول .
وللتواصل واللغة والثقافة الموحدة دور كبير في تشابه تصوراتنا للوجود , فاللغة تقوم بتمثيل الأفكار والأحاسيس المنقولة بين العقول , فهي تساعد على التواصل بين العقول وعلى توحيد البنيات الفكرية وعلى نموها وانتشارها . فالأفكار مثلت ببنيات لغوية عندما خرجت من العقول وهي تكون موحدة ومتشابه بشكل كبير عند الذين يتكلمون نفس اللغة.
فعقل كل إنسان يتعامل مع الوجود كأنه بزل كبير واسع مؤلف من قطع كثيرة جداَ ( كقطع لعبة الليغو ) , وهو يحاول أن يركب هذه القطع ويشكل البزل الممثل للوجود ( نموذج أو ببنية للوجود واحدة متماسكة مترابطة ) , فهو يضع ما يصادفه من قطع في المكان المناسب أو ما يظنه أنه المكان المناسب , وبما يتفق مع باقي القطع المجاورة , وبذلك ينشئ نموذجاً للوجود , ممثلاً بواسطة ذلك البزل الذي أنشأه .
وبما أن عناصر وخصائص الوجود لانهائية ويمكن أن تمثل بقطع لانهائية التعدد والتنوع , لذلك يكون كل بزل  يمثل الوجود  يركبه أي عقل ليمثل به الوجود محدوداً ومختزلاً ومختلفاً عن الآخر وخاصاً به , وكذلك نجد الجماعات تبني نموذج الوجود الخاص بها, وبذلك تظهر الخلافات والفروق بين العقول في تمثلها للوجود .
التعرف الحسي و وعي الوجود
لقد كان نشوء الجهاز العصبي نتيجة التوافق مع الأوضاع والظروف التي يتعرض لها الكائن الحي , وكان لتحقيق التكيف الفعال واستمرار الكائن الحي كفرد وكنوع . لذلك كان توجه عمل الجهاز العصبي بالدرجة الأولى  نحو تحقيق المفيد لحياة واستمرار الكائن الحي , أي المفيد أولاً .
فالهدف الأساسي للجهاز العصبي بما فيه الدماغ هو تحديد وتعيين تأثيرات الأوضاع التي يتعرض لها الكائن الحي , وذلك من أجل التصرف بفاعلية عن طريق استجابات مناسبة تؤمن حماية واستمرار ونمو الكائن الحي , وكذلك من أجل تحديد وتعيين نتائجها المستقبلية المتوقعة على الكائن الحي , والتعامل معها بناء على المعنى الذي أعطي لها.
فبناء المعنى لمثير أو وضع ما , هو تحديد وتعيين قيمته أي مقدار فائدته أو ضرره للكائن في الحاضر أو المستقبل , وبناءً على المعنى الذي يبنى يجري تصرف أو استجابة الكائن الحي , ونتيجة تحديد المعاني تقرر الأهداف والغايات . فالأحاسيس هي المهمة والمنطق و الموضوعية تأتيان لاحقاً .
وتعرفنا على الوجود نشأ نتيجة رصد بعض تأثيرات الوجود الفيزيائية بواسطة الحواس , ومن تحديدها وترميزها نشأ الوجود الحسي الذاتي .
ونتيجة توحيد أو تشابه هذه الترميزات بين البشر والتواصل فيما بينهم نشأ ما يمكن اعتباره الوجود الحسي العام , ومن ثم نشأ الوجود الحسي الفكري , والذي نشأ منه الوجود الموضوعي نتيجة عوامل متعددة سوف نتكلم عنها .
فنتيجة الحياة الاجتماعية والنشوء الثقافة والحضارة صار تعرفنا على الوجود ليس فقط عن طريق الحواس , فالثقافة أصبح دورها يضاهي دور الحواس في تعرفنا على الوجود . فالترميز اللغوي للأفكار والتواصل بين العقول ونشوء المعارف أو الثقافة وتناميها هو من يحدد الآن نموذج الوجود لدى كل منا .
إن لكل إنسان عالمه وأفكاره الخاصة وكذلك قيمه واتجاهاته . وأن طبيعة وخصائص أي إنسان ( وكذلك أناه) ليست ثابتة  فهي في تغير وصيرورة مستمرة , ففي كل لحظة له تحدث تغيرات أكانت صغيرة أم كبيرة . وثبات ذات أو طبيعة الإنسان هو ثبات اصطلاحي نسبي , وهذا يتم نتيجة خصائص تفكيره وذاكرته , وبشكل خاص نتيجة الحياة الاجتماعية التي تستدعي ثبات الشخص .

إن وضع العقل لأهدافه  يحدد القوى المحركة - كماً واتجاها - التي تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف . فكل هدف أو رغبة أو دافع يتبناه العقل يحدث تأثيرات في عمل العقل , وهناك دوماً سلسلة مترابطة من الأهداف , لاعتماد العقل لآلية السببية .  ولطول وقوة ترابط هذه السلاسل تأثير أساسي على مسارات وطبيعة التفكير, وبالتالي  تأثيرها على تحقيق الدوافع والأهداف . ودوماً ترافق سلسلة الأهداف , سلسلة المعنى لهذه الأهداف .
ولكل إنسان منهجه وطريقته لبناء سلاسل المعنى وسلاسل الأهداف الخاصة به , وغالباً ما تكون هذه السلاسل قصيرة بضع حلقات أساسية تتضمن كل منها تفريعات لحلقات جزئية , مثلاً : العمل لجمع المال لتحقيق الدوافع والرغبات . أو الدراسة لتأمين  عمل أو وظيفة ذات مردود مالي جيد أو مركز ومكانة جيدة . وكلما ازدادت معارف ومعلومات الإنسان توسعت وتفرعت سلاسل أهدافه وشملت مناحي أكثر, وكذلك توسعت معها سلاسل المعنى, وبالتالي تشابكت وتعقدت أيضاً.
لذلك كان التخطيط والتنظيم لسلاسل الأهداف سواء كانت لفرد أو لجماعة  أو مؤسسة أو دولة , هو هاماً جداً , وبناء سلاسل أهداف مترابطة و طويلة صعب ولا تمارسه إلا عقول قليلة , ومثال على هذا الفلاسفة العظام أرسطو,  ليبنتز, كانت....  . فالسير خطوات أكثر في سلاسل الأهداف وسلاسل المعنى هو ما يميز العقول الكبيرة المبدعة, فهم يبحثون ويعالجون سلاسل أطول  ماذا بعد ذلك ..  ثم أيضاً ماذا بعد ذلك ؟ ثم ماذا أيضاً...  . صحيح أنه لا بد من توقف  ونهاية لسلسلة الأهداف وسلسلة المعنى, وليس ضرورياً أن تكون هذه السلسلة طويلة بالنسبة للفرد , فطول سلسلة الأهداف ضروري في حالة الجماعة وفي حالة البنيات الاجتماعية الكبيرة مثل الشركات, الوزارات الجيوش, الدول... , وبالنسبة للفرد المهم من سلاسل الأهداف والمعنى بالدرجة الأولى هو الممتع المفيد له . أما بالنسبة للجماعات والبنيات الاجتماعية فالمهم أولاً المفيد والذي يساعد على البقاء والنمو والتطور والتقدم .

أن الحياة وبالذات الوعي البشري بظواهر الوجود , هو الوجود بالنسبة لكل منا , والموت هو انعدام الوجود للوعي البشري وبالتالي انعدام الكون والوجود للذي مات .
فالوجود وجد عندما وجدت أنا- أو كل منا- , وبزوالي عند موتي سوف يزول هذا الوجود . أنت عالم أو وجود قائم بذاته , أنت الموجود فقط . كل منا هو عالم ووجود قائم بذاته . فكل إنسان هو وجود أو كون انبثق وتشكل نتيجة ولادته وحياته , وسوف ينعدم هذا الوجود عند موته .
لقد تكلموا عن العوالم المتوازية , وهذه هي العوالم أو الأكوان المتوازية في رأيي

الذاكرة  ونشوء الزمن البشري الذاتي  .
عندما شكل عقل الإنسان الأفكار أو البنيات الفكرية , التي استطاعت أن تمثل البنيات الواقعية وتمثل تفاعلاتها مع بعضها , تكون زمن فكري يمثّّل الحوادث و صيرورة الوقائع . فهو ( عقل الإنسان )  يستطيع أن يعرف أي يتنبأ بالأحداث , أو نتائج تفاعلات بين بنيات , حدثت في الماضي أو سوف تحدث في المستقبل . وكذلك يستطيع أن يتنبأ بحوادث أو تفاعلات لم يتأثر إلا بجزء قليل منها , فهو يكمل ما ينقصه ويضع سيناريو للكثير من تلك الحوادث .
واستطاع الدماغ أو العقل تشكيل نموذج مختصر وبسيط  للوجود وصيرورته , بواسطة البنيات الفكرية التي شكلها , تمكّنه من تحريك أو مفاعلة النموذج الذي شكله للوجود , إلى الأمام إلى المستقبل وهذا هو التركيب , أو إلى الخلف إلى الماضي وهو التحليل . وذلك بسرعة أكبر من سرعة تغيرات الواقع الفعلية .
لقد استطاع العقل التعامل مع صيرورة وعدم تعيين الوجود بتلك الطريقة , صحيح أنه لن يستطيع بلوغ المطلق, ولكنه سوف يصل إلى نسبة عالية جداً من دقة التنبؤ  تكفي متطلباته  وأوضاعه .
فالفكر يستطيع السير بتفاعلاته الفكرية بسرعة أكبر من السرعة التي تجري فيها في الواقع , أي إلى المستقبل . وكذلك يستطيع السير إلى الماضي عن طريق عكسه التفاعلات أو التحليل , ووضعه لسيناريو لما يمكن أن يكون حدث أو ما سوف يحدث , وتزداد دقة تنبؤاته باستمرار لتقترب من الواقع الفعلي .
إن كشف بنيات الوجود المتنوعة و اللا متناهية -  بتمثيلها ببنيات فكرية-  هو ما  قام به العقل البشري, فهو يقوم بكشفها وتحديدها وتعيين خصائصها وبدقة متزايدة . والبنيات الفكرية العلمية العالية الدقة التي يكشفها - أو يشكلها- العقل البشري بمساعدة التكنولوجيا والذكاء الصناعي - الكومبيوتر وما شابهه-  تتزايد بسرعة هائلة سواء كان بكميتها أو بدرجة دقتها أو سعتها وشمولها .
وكما ذكرنا لا يمكن كشف كامل بنيات الوجود مهما فعلنا لأنها لا متناهية , وهي في صيرورة دائمة , وتتخلق باستمرار بنيات جديدة وتختفي بنيات , فبنية الوجود الكلية لا يمكن تحديدها وتعيين خصائصها بصورة تامة , أي أن عدم التعيين والصيرورة لهذا الوجود , موجودة مهما فعلنا.

الاتصال والتواصل البشري , الإعلام
لكي يتواصل عقل إنسان مع آخر يجب أن يستعمل نفس البنيات اللغوية التي تمثل نفس البنيات الفكرية بين الاثنين, فلن يستطيع عقل إنسان أن يدرك أفكار عقل إنسان آخر إلا إذا استعملت أفكار – بنيات لغوية- موحدة تمثل بنيات فكرية متشابهة أو موحدة بين الاثنين, عندها يمكن نقل ما يدركه أو ما يشعر به أو يفكر به أحدهما إلى الآخر.  
إن آليات التواصل بين البشر تشابه كافة آليات الإرسال و الاستقبال تماماَ, فهناك بنيات لغوية تمثل البنيات الفكرية تقوم بنقل مضمون الإحساسات والأفكار والمعاني من عقل إنسان لآخر, وهذه تنقل على شكل أصوات أو رموز بصرية أو غيرها من وسائل الترميز, وتحمل المعلومات من عقل إلى آخر.
ويجب أن تتطابق آليات أو دارات الإرسال مع مثيلتها في الاستقبال، لكي يتم نقل الرموز وبالتالي الأفكار والمعاني , فأنا لا أستطيع نقل مفهوم أي إحساس إلى إنسان آخر إذا لم يكن لديه نفس الإحساس أو شبيه به, أي يجب وجود دارة - بنية أو جهاز- إحساس لدى الآخر تشابه دارة الإحساس الموجودة لدي لكي يستطيع استقبال ما أرسله له, وبالتالي يشعر بشبيه ما أشعر.
فالتواصل البشري بكافة أشكاله يعتمد على الأحاسيس والأفكار المتشابهة بالدرجة الأولى, وعلى البنيات الوسيطة المتشابهة - اللغة أو الرموز الموحدة - وعلى تشابه بنيتي الاستقبال والإرسال, أي يجب تشابه بنية وآليات العقلين المتواصلين  مثل أجهزة الراديو وكافة أنواع أجهزة التواصل, والتواصل الإنساني طبعاَ أعقد بكثير من أي تواصل آخر .
" قال برغسون:هناك شيء واحد أمام الفيلسوف يستطيع أن يفعله, وهو أن يعين الآخرين على الشعور بحدس مشابه لحدسه، وذلك بواسطة التشبيهات والخيالات والصور الموجهة بالأفكار "
إذاَ فلكي ندرك ما أدركه وما شعر به أفلاطون أو أرسطو أو فيثاغورس... وباقي الفلاسفة والمفكرين والعلماء, أو ما يقوله الأدباء والشعراء- بشكل خاص- يجب علينا أن نستخدم بنيات لغوية نبني بها بنيات فكرية خاصة بنا, تشابه البنيات الفكرية التي توصلوا إليها وأعطتهم الإدراك والشعور ذاك, عندها يمكن بذلك أن ندرك ونشعر بشبيه ما أدركوه وما شعروا به.
إن كل إنسان يجد أحاسيسه وأفكاره وحقائقه واضحة وصحيحة ومدركة بسهولة, ولكن عندما ينقلها لإنسان آخر يجد في أغلب الأحيان عدم تقبل أو تفهم أو إدراك لهذه الأفكار, وذلك بسبب اختلاف البنيات الفكرية أو اللغوية أو طريقة المعالجة الفكرية التي استعملت من قبل الاثنين, بالإضافة إلى اختلاف الدوافع والأهداف والأهميات والمراجع بينهما.
و يظل الصحيح أو الحقيقي أو المهم بالنسبة لكل منا هو ما يحسه ويدركه, ويفيده و يساعده هو، ولا تهمه حقيقة أي إنسان آخر مهما كانت هامة- بالنسبة لصاحبها- إن لم يكن لها أهمية بالنسبة له.
الإعلام
الإعلام هو نقل تأثيرات أو رموز تتضمن معلومات أو معارف , من مكان لأخر أو من زمان لآخر , أو من بنية لأخرى . الإعلام لدى الكائنات الحية : كان الإعلام في أول الأمر يعتمد التأثيرات الفيزيائية والكيميائية ( حرارة -  ضوء – تأثيرات كيميائية . . . ) , يتعرف الكائن الحي وحيد الخلية على محيطه وتأثيراته عن طريقها . ثم أصبح لدى الكائنات الحية المتطورة  تقوم به الحواس , وهو تلقي تأثيرات الأشياء عن طريق المستقبلات الحسية وترميزها بتيارات عصبية كهربائية ونقلها إلى الدماغ . وفي هذا الإعلام يمكن أن يحدث خطأ بالتعرف نتيجة نقص في رصد التأثيرات أو  خطأ في الترميز أو في نقل الرموز أو في تفسير الرموز في الدماغ .
الإعلام لدينا نحن البشر تطور وتعقد نتيجة الحياة الاجتماعية واللغة المحكية والمكتوبة  
فقد تطورت كثيراً طرق وأساليب الترميز نتيجة نشوء اللغة المحكية , فبواسطة اللغة التي هي ترميز ثاني للرموز الحسية الخام ( البصرية والصوتية . . . ) تم تمثيل أو ترميز واردات الحواس المختلفة بلغة أو رموز واحدة . فبواسطة اللغة المحكية ( أي الصوتية ) أو المقروءة , تم ترميز الكثير من واردات الحواس المختلفة , وأيضا تم تمثيل أحاسيسنا وعواطفنا وأفكارنا بتلك اللغة .
وكان يحدث تدقيق وتصحيح  لتلك التمثيلات أو التشبيهات أو النماذج التي يبنيها دماغنا كي يكون التمثيل أدق وأكثر مطابقة للواقع .
فالإعلام الآن يوسع إدراكنا للوجود . من كان يتصور قبلاً  أن الكون بهذا الاتساع غير المعقول ؟
وأن عالم الكائنات الحية بهذا التنوع وهذا التعقيد الهائل , والتكيف العجيب مع الظروف والأوضاع ؟
نشوء المعارف والتعرف على الوجود , نشوء الوجود الموضوعي .
أن رصد كمية كبيرة من تأثيرات الوجود من عدد كبير من المراكز ( أي العقول ) وخلال زمن طويل , والتواصل فيما بينها , أدى للتعرف بدقة عالية على جزء كبير من خصائص الوجود , وهذا ما يمكن اعتباره الوجود الموضوعي  الذي هو :
وجود أفكار عن الوجود عالية الدقة  موجودة  في عقول كثيرة وفي كافة أشكال المراجع .
فالفكر العلمي الدقيق أنشأ  نموذجاً فكرياً يمثل الوجود يعتبره الكثيرون أدق وأوسع من أي نموذج آخر ركبه أي عقل بشري بمراحل كثيرة , في مشابهته ودقته بتمثيل الوجود, فهو- أي الفكر العلمي الدقيق- يمثل الوجود بدقة عالية ويزداد هذا التمثيل دقةً واتساعاً باستمرار.
تصور البعض  لنموذج الوجود الذي أنشأه العلم :
إننا باعتماد البنيات والقوى الفيزيائية , كمنطلق لتفسير أي شيء في الوجود , نرى :
أنه من تفاعل البنيات الفيزيائية الأساسية الإلكترون والبروتون والنيترون نتيجة القوى الكهرطيسية والنووية ، تكونت ذرات كافة العناصر الكيميائية .
ومن ذرات العناصر الكيميائية تكونت كافة المركبات الكيميائية بكافة أشكالها العضوية وغير العضوية .
ومن هذه المركبات الكيميائية تكونت البنيات الحية البسيطة جداً ثم وحيدات الخلية البسيطة وهي نباتية وحيوانية ، ثم الكائنات الحية كثيرة الخلايا ثم الفقريات وغيرها ثم الثدييات ثم الرأسيات ثم البشر .
وقد شكل البشر بعد أن ملكوا الكثير من القدرات الجسمية المناسبة بالإضافة إلى عقل متطور استخدم اللغة المحكية ، البنيات الاجتماعية ,  والبنيات التكنولوجية البسيطة مثل السكين والفأس والرمح والمحراث . . ، وكذلك كونوا البنيات الثقافية المتطورة بعد أن تشكلت اللغة المكتوبة ، وتكونت الحضارات والبنيات السياسية والاقتصادية ، ثم البنيات التكنولوجية المتطورة ، القطارات والطائرة والمصانع والآلات . . . ، ثم تكونت البنيات الإلكترونية التي تطورت وكونت العقول الإلكترونية .
لكن هناك سؤال : هل كل شيء يمكن إرجاعه إلى أسس فيزيائية ، والقوانين الفيزيائية تنطبق عليه ؟
كان الفيزيائي الشهير" فينمان " يؤكد بشدة أن كل ما تفعله الكائنات الحية يمكن للعناصر الفيزيائية أن تقوم به , ووجهة نظره هذه تدعى بالاختزالية : أي يمكن اختزال كافة ما نشهده من بنيات في الوجود , و إرجاعها إلى أسس فيزيائي . فهي تقر أن المتعضية الحية ليست سوى بنية فيزيائية معقدة . ونجاح البيولوجيا الحديثة يبرهن على صلاحية هذه النظرة .
إن ما يقوم به علماء الفيزياء هو صياغة " نظريات " فعالة ومجدية تساعدنا على فهم وتفسير كثير من الأمور , أي نظريات عالية الدقة في انطباقها على الواقع وتمكننا من التنبؤ للكثير من الأمور بدقة عالية جداً , ولكنها ليست رؤيا مباشرة وحقيقية وتامة للواقع .
فهؤلاء العلماء يتحدثون عن جسيمات , وأمواج , وطاقة ,  وكتلة , واسبين . . .  وهذا يساعدهم على تفسير الكثير من الأمور والتنبؤ العالي الدقة .
ولكن تبقى مفردات العلم و نماذجه النظرية هي دوماً نوع من التشبيهات أو الاستعارات , ولا يحق لنا أن نخلط بينها وبين الواقع الحقيقي نفسه , لأنه سوف يبقى مستعصي علينا الإحاطة به بشكل كامل ومطلق .

إن كل إنسان عندما يصدر أحكامه أو تقييماته , يعتمد ما لديه من أفكار ومعلومات بالإضافة إلى ميوله ودوافعه وأهدافه وما يتبنى من مبادئ وعقائد . وغالباً ما يكون تأثير الميول والغايات والعقائد كبير , وهو الذي يقرر منحى أحكامه وتقييماته . فيتم اختيار المعلومات التي تخدم وتناسب تلك الغايات والاعتقادات, ويجري تحاشي المعلومات التي تناقض ذلك.
إن هذا يحدث غالبية التناقضات في الأحكام والتقييمات بين الناس , فالوقائع التي تجري على عدد معين من الناس تكون متشابهة , ولكن غالباً ما تكون الأحكام والتقييمات عليها مختلفة لدى كل منهم . والذي يساهم في زيادة هذا الاختلاف هو خصائص الذاكرة وآليات عمل العقل الأخرى , فتسجيل الوقائع واستعادتها يكون غالباً مختلف فيما بينهم , وهو يتعرض للتحريف والتبديل في أحيان كثيرة .
إن الدوافع والأهداف , والانتماءات , والإيمانيات , والعقائد , هي التي تقرر أغلب التصرفات البشرية ، فوجود الهدف أو الانتماء ( فالانتماء يحدد الهدف بشكل عام ) هو الأساس , ثم تأتي بعد ذلك التبريرات السببية والبراهين والإثباتات التي تشرحه وتفسره وتدعمه ، وبالتالي تقرر طريقة الوصول إليه ، وضرورة اعتماده .
إن الدوافع والأهداف والقيم التي يتم اعتمادها أو الإيمان بها , هي الموجه للبحث عن الأسباب والتبريرات ، التي تكون متوافقة ومنسجمة معها
والمشكلة بالنسبة لكل منا , أن مشاعرنا وعواطفنا تحرف أحكامنا , فنحن بشكل أساسي نعتمد أحكام قيمة وليس أحكام واقع , كما أن بيئتنا ومجتمعنا هم من يدخلوا كافة ما يعالج في عقل كل منا. والذي يقرر ما نعتمد من أفكار ومعارف ليس مقدار دقتها , فهناك الكثير من العوامل التي تتحكم في ما نتبناه ونؤمن به .
ويقول جان بيير مونييه
"إن معتقداتنا وأحكامنا بما فيها أحكمها دلالة , محدود دائماً بالرهط الذي ننتمي إليه . فمع المبالغة في لفت الانتباه إلى ما يقاس , لا يرى المرء سوى قسم من الواقع الاجتماعي , ويعلق عليه أهمية تتجاوز حدوده .
إن الذي يحدد ويقرر الاستجابة والتصرف , هو ما ينتج عن الدلالات والمعاني بعد التقييم النهائي , وبالتالي تتقرر وتنفذ الاستجابة التي تم التوصل إلى اعتمادها . ونحن نلاحظ أن تحديد الدلالات والمعني و تقيمهم  يتم بناء على محصلة كافة ما تم معالجته . هذه الظاهرة هي أساس تشكل أغلب التناقضات والتضاربات بين الاستجابات التي يتم اعتمادها . فهناك تداخل وتأثير المتبادل  بين الفزيولوجي والنفسي والفكري يعقد الوضع , ويجعل بناء المعاني متغيراً ومتطوراً حسب تغير الأوضاع , وحسب نتائج المعالجات الفكرية الجارية.
نحن نتجاوز فكرياً منطقياً أو واقعياً كافة المتناقضات التي تمنع أو تعيق ما نريد الوصول إليه , أو نتغاضى عنها ، وهذا ما يحقق لنا هدفنا بسهولة في أغلب الأحيان .
فنحن نستطيع التلاعب بالمراجع والمنطلقات ونكيفها مع الأسباب التي اخترناها من بين عدد كبير جداً من الأسباب المحتملة الأخرى , وبذلك نستطيع أن نبرر ما نريد من أفعال أو أقوال .
ولأننا نختار الأسس والمنطلقات التي نريد من بين المنطلقات الكثيرة المتاحة .
وكذلك لأننا نعتمد مرجع القياس والتقييم الذي نريد من بين مراجع أخرى كثيرة .
لذلك عندما نقرر ونعتمد قراراً و نؤمن به نكون قد بنينا منطلقاتنا وسلاسل أسبابنا , ونسعى لنبرر ما نريد .
ولكن هل هذه التبريرات دقيقة ؟؟
أن المعارف عالية الدقة لا تهمنا لأنها عالية الدقة بل لأنها تمكننا من الوصول لما نريد , لذلك نبحث دوماً في المجالات التي توصلنا إلى ما نريد , أو تبرر لنا ما نعتمده من أفكار وعقائد وغايات .
فالمعارف الدقيقة ليست هدفنا النهائي بل هي هدف مرحلي لهدفنا النهائي الذي هو سعادة كثيرة وشقاء قليل, ونمو واستمرار وجود . وهناك ما برمجنا علية وراثياً واجتماعياً فله الدور الأكبر في تصرفاتنا .

21
الحل :

( 9+9)/(9+9) = 1

9/9+9/9 = 2

(9+9+9)/9 = 3

9 - (9+9)/9 = 7

(9*9-9)/9 = 8

(9-9)*9+9= 9

(9*9+9)/9 = 10

(9+9)/9+ 9= 11

22
آلية التغذية العكسية أهم الآليات في الوجود        

هناك مفهوم هام جداً لا بد من الإشارة إليه إنه " التغذية العكسية".

إن مفهوم التغذية العكسية أوالمرتدة بشكله الواضح لم يكن موجوداً قبل القرن الثامن عشر , وقد بدأ في الظهور أولاً في المجال العملي عندما استعمل " جيمس واط " منظمه لسرعة عمل آلته البخارية . هذا المنظم كان مؤلفاً من كرتين معدنيتين معلقتين بزراعين تدوران حول محور , وحسب سرعة هذا الدوران ترتفعان إلى أعلى نتيجة القوة النابذة , وحسب شدة هذا القوة يتم إغلاق جزئي لمرور البخار الذي يحرك الآلة , فإذا تباطأت سرعة الآلة تتباطأ سرعة دوران الكرتين فتنخفضان وهذا يؤدي إلى زيادة فتحة البخار فيتسارع عمل الآلة , وهذا بدوره يؤدي إلى تباطؤها , وهكذا دواليك حتى يحدث توازن في وضع معين . وهذا كان نموذجاً مثالياً لطريقة عمل آلية التغذية العكسية , فالخرج يعود فيؤثر في الدخل بشكل سالب ( معكوس ) , أي النهاية تتحكم بالبداية.

ويمكن التعرف على التغذية العكسية بشكلها الكهربائي , من خلال أجهزة الاستقبال اللاسلكية , ففي دارة تنظيم قوة الصوت كهربائياً نأخذ جزءاً من خرج دارة تكبير الإشارة ونعود وندخله مع الأشارة الداخلة , ولكن بعد عكس إتجاهه , وذلك لتخفيف قوة الإشارة, وبذلك تقل قوة الإشارة الخارجة وبالتالي يقل الجزء المستعمل في التغذية العكسية وهذا يؤدي إلى تقوية الإشارة , فتعود وتزداد قوة التغذية العكسية وهكذا دوالك إلى أن تنتظم قوة أشارة الخرج عند حد معين , ويحدث هذا بسرعة كبيرة جداً.

والتغذية العكسية يمكن أن تكون موجبة وعندها يتسارع النمو , وإذا استمر غالباً ما يؤدي إلى الانفجار أو الاخلال بالتوازن .

إن كافة أجهزة التحكم تعتمد مبدأ التغذية العكسية , وآلية التغذية العكسية تستعمل في كافة مجالات الطبيعة.

ولضبط أى عمل غائي ( أى موجه نحو هدف )  يجب أن تتشكل حلقة أو دارة تأثيرات بين النتائج والمقدمات ( حلقة إعلام أوتعرف ) تساعد على التوجيه نحو الهدف , وعلى تلاؤم النتائج مع المقدمات , وهذه الخاصية يجب أن تكون موجودة في أي جهاز تسديد على هدف مهما كان نوعه أوطبيعته . وهذه الآلية موجودة في كافة أعمال الجملة العصبية الموجهة , وهي موجودة في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ..

والعلم الذي يدرس آليات وقوانين دارات التغذية العكسية هو السبيرنية , وهو يعتمد على الرياضيات بشكل أساسي . إن النظر إلى المشاريع على أنها منظومات سبيرنية , يسهل معرفة سلوكها وتطورها , وبالتالي التنبؤ لها بدقة عالية . وكذلك يسهل معرفة حدود النمو أو التطور لأي  بنية أو مشروع .

التغذية العكسية وأصابة وتحقيق الأهداف

عندما نريد إصابة أو تحقيق أي هدف مهما كان , لابد من أن نستعمل التغذية العكسية , وإلا كانت محاولاتنا عشوائية ,  وبالتالي احتمال تحقيق المطلوب تابع  للصدفة فقط . فلابد من أن تجري دارة من التأثيرات المتبادلة , وهي بمثابة رسائل متبادلة , أو تبادل إعلام , بيننا وبين الهدف . وطبيعة هذه التأثيرت المتبادلة , أو هذا الإعلام المتبادل بين الطرفين ( أي نحن والهدف) هي التي تحدد النتائج . وهذا يحدث بين أي بنيتين تحدث بينهما دارة تأثيرات متبادلة , فهذا بمثابة تغذية عكسية.

خير الأمور الوسط وعلاقته بالتغذية العكسية.

غالباً ما يقولون خير الأمور الوسط  . إن آلية التغذية العكسية هي التي استدعت هذا القول . ففي أغلب دارات التغذية العكسية ومهما كان نوعها , هناك منطقة أو مجال يحدث فيه التوازن أوالاستقرار , وينهار هذا التوازن بالابتعاد عن هذه المنطقة , إن كان ابتعاد بالزيادة , أو بالنقصان . وهذا يعني أن الوسط أو منطقة التوازن هي المطلوبة .

تعريف التغذية العكسية عند " ريمون رويه"

" تطلق كلمة تغذية عكسية , على الامكان المتاح في السبرنتيك , للآلة لتنظيم ذاتها , وذلك باطلاعها الاعلامي المستمر على سيرها .  وقد عم استعمال الكلمة فأصبحت تطلق على العضوية وعلى المجتمعات من حيث قدرتها على التنظيم الذاتي

السيالات وآلية التغذية العكسية ودورهم في تشكل ونمو البنيات الاقتصادية

إن كافة البنيات المادية , أساسها سيالات لبنيات جزئية ( أو أولية ) . وكذلك أغلب البنيات مهما كان نوعها أو مستواها , يمكن إرجاعها إلى سيالات لبنيات جزئية تجري ضمن هذه البنيات .

وكذلك تتشكل أغلب البنيات الاقتصادية من سيالات لعناصر ودارات من هذه السيالات . وقد كانت السيالات التي تشكل البنيات الاقتصادية في أول الأمر هي سيالات البضائع والخدمات ( التجارة التبادل المباشر ) , ثم بعد تشكل النقود , أصبحت سيالات النقود هي الأكثر أهمية في تشكيل البنيات الاقتصادية . فتم نتيجة تشكل سيالات النقود , ودارات من هذه السيالات , تشكل بنيات اقتصادية جديدة , فتشكلت المصارف والبنوك وغيرها . ثم تطور دور هذه البنوك فأصبحت تقوم بأعمال كثيرة , وتشكلت البنيات الرأسمالية المتطورة , مثل الشركات و البورصات , والبنوك المركزية , والبنوك الدولية , والشركات متعددة الجنسيات, . .  وبذلك تطورت وتعقدت البنيات الاقتصادية . وكذلك تعقدة دارات سيالاتها وتفاعلات هذه السيالات .

ولكي تتوضح لنا البنيات الاقتصادية وتتضح خصائصها وآليات تفاعلها وتطورها, يجب أن نوضح عناصر وآليات تشكلها . وسوف نجد إن أهم خصائص تشكلها , هو طبيعة وخصائص السيالات , وخصائص  دارات السيالات التي تشكلها .

العناصر والظروف لتحقيق ذلك , وبما يتفق مع غاية أوهدف تم اعتماده .

23
التواصل واللغة
إن الأحاسيس والمشاعر والأفكار تجري في دماغ كل إنسان , وهي طنينات حسية تحدث بشكل فردي داخل دماغه , ولا يمكن أن يعلم بوجودها الآخرين , إلا إذا حدث ما يعلمهم بوجودها . إي حصول تواصل معهم يتم بموجبه إعلامهم بها . بالإضافة إلى ضرورة وجود ما يشابهها لديهم , و إلا يستحيل أن يتمثلوها و يتصورها وبالتالي يعرفوها .
لقد نشأ التواصل بين أدمغة الكائنات الحية وتطور إلى أن أصبح على ما هو عليه الآن لدى الإنسان . فالحيوانات وخاصةُ الثدييات التي تعيش جماعات , لديها طرق تنقل بواسطتها نواياها أو أفكارها إلى رفاقها , فهي تستعمل الحركات والأصوات وتعابير الوجه والعينين لنقل ما يجري في دماغها إلى أدمغة الآخرين . فالغزال عندما يشاهد الأسد متحفز لافترسه ويشاهد تعابير وجهه وعينيه , ويقرأ نية الأسد لافترسه , يجري ويهرب بسرعة . واللبوة وكل أم ( لدى الثدييات) تقرأ أو تعرف دوافع ونوايا طفلها من خلال تصرفاته فتعرف بعض ما يجول في دماغه , وكذلك وليدها يعرف بالوراثة ويتعلم أن يتواصل مع أمه فيقرأ بعض ما يجول في دماغها.
لقد استطاعت الحيوانات أن تتواصل مع بعضها ونقل بعض ما يجري في أدمغتها إلى الآخرين . فقد تحقق نقل جزء مما يجري في أدمغتها إلى أدمغة غيرها بواسطة لغة مؤلفة من رموز بصرية وصوتية وشمية .
والطفل بعد ولادته يتواصل مع أمه بإشارات وتعبيرات وحركات وبواسطة الشم واللمس والنظر والسمع وباقي الحواس ، ثم يبدأ التواصل اللغوي بالتشكل تدريجياً وبالاعتماد على التواصل الحسي , الذي هو أساس التواصل بين الإنسان والواقع بكافة مجالاته . والتواصل الحسي يبقى الأساس في كل تواصل مباشر مع الآخرين ، وهذا التواصل له عناصره وأسسه وآلياته وهي التي تقرر نتيجة التواصل . فتأثير اللقاءات المباشرة بين البشر يختلف كثيراً عن تأثير اللقاءات غير المباشرة مثل المراسلات والاتصالات الهاتفية ، فتعابير الوجه ونبرات وخصائص الكلام  وطريقة الرد  كل منها تقرأ , والمعلومات المتضمنة في كل تواصل مباشر أوسع بكثير من أي لقاء غير مباشر . وتأثيرات اللقاء المباشر لم تدرس بشكل كاف لأنها أوسع وأعم بكثير مما يتوقع ، وتأثيرات اللقاء المباشر تختلف من مجتمع إلى آخر مع أن هناك أسساً مشتركة عامة بين كافة أنواع المجتمعات . والتأثيرات الاجتماعية , الثقافة والعادات وغيرها  , ظلت تنتقل عبر آلاف السنين بالاتصال المباشر , بالتعابير والتصرفات والإيحاءات و تعابير الوجه والعينين , مترافقة مع اللغة .
وقد تطورت اللغة لدينا نحن البشر نحو التخصص والاختزال والتبسط إلى أن أصبحت إلى ما هي عليه لدينا الآن , لغة صوتية أو بصرية محكية أو مقروءة , و بقي استخدام كافة أشكال التواصل الأخرى . وتم توحيد الرموز والدلالات اللغوية لكي تسهل نقل ما يجري في العقل إلى الآخرين . فأصبحت أحاسيس ومشاعر وأفكار الأخر مكشوفة بشكل كبير, وتحقق تواصل فعال  لدى البشر .
فالإنسان الآن لم يعد يعي ذاته فقط , فهو يستطيع أن يتمثل وعي الآخر , ولم يعد وحيداً , فقد تداخل وعيه الذاتي مع وعي الآخرين . فالحياة الاجتماعية التي يعيشها ليست مشاركة مادية فقط , فهي مشاركة في الأحاسيس والمشاعر والأفكار والرغبات والوعي أيضاً .

لكي يتواصل إنسان مع آخر بواسطة اللغة يجب أن يستعمل الكلمات أو الدلالات التي تمثل نفس المعاني والأفكار الفكرية , فلن يستطيع عقل إنسان أن يدرك أفكار عقل إنسان آخر إلا إذا استعملت واسطة تواصل ( لغة ) موحدة بين الاثنين, عندها يمكن نقل ما يدركه أو ما يشعر به أو يفكر به أحدهما إلى الآخر.  
إن آليات التواصل بين البشر تشابه كافة آليات الإرسال و الاستقبال تماماَ , فهناك بنيات لغوية تمثل البنيات الفكرية تقوم بنقل مضمون الأحاسيس والأفكار والمعاني من عقل إنسان لآخر, وهذه تنقل على شكل أصوات أو رموز بصرية أو غيرها من وسائل الترميز, وتحمل المعلومات من عقل إلى آخر.
ويجب أن تتطابق آليات أو دارات الإرسال مع مثيلتها في الاستقبال ، لكي يتم نقل الرموز وبالتالي الأفكار والمعاني , فأنا لا أستطيع نقل مفهوم أي إحساس إلى إنسان آخر إذا لم يكن لديه نفس الإحساس أو شبيه به , أي يجب وجود - بنية أو جهاز- إحساس لدى الإنسان الآخر تشابه بنية الإحساس الموجودة لدي , لكي يستطيع استقبال ما أرسله له , وبالتالي يشعر بشبيه ما أشعر.
فالتواصل البشري بكافة أشكاله يعتمد على الأحاسيس والأفكار المتشابهة بالدرجة الأولى , وعلى البنيات الوسيطة المتشابهة - اللغة أو الرموز الموحدة - وعلى تشابه بنيتي الاستقبال والإرسال , أي يجب تشابه بنية وآليات العقلين المتواصلين  مثل أجهزة الراديو وكافة أنواع أجهزة التواصل, والتواصل الإنساني طبعاَ أعقد بكثير من أي تواصل آخر .
" قال برغسون:
هناك شيء واحد أمام الفيلسوف يستطيع أن يفعله , وهو أن يعين الآخرين على الشعور بحدس مشابه لحدسه، وذلك بواسطة التشبيهات والخيالات والصور الموجهة بالأفكار "
إذاَ فلكي ندرك ما أدركه وما شعر به أفلاطون أو أرسطو أو فيثاغورس... وباقي الفلاسفة والمفكرين والعلماء, أو ما يقوله الأدباء والشعراء بشكل خاص , يجب علينا أن نستخدم بنيات لغوية نبني بها الأفكار الخاصة بنا , تشابه البنيات الفكرية التي توصلوا إليها وأعطتهم الإدراك والشعور ذاك , عندها يمكن بذلك أن ندرك ونشعر بشبيه ما أدركوه وما شعروا به.
إن كل إنسان يجد أحاسيسه وأفكاره وحقائقه واضحة وصحيحة ومدركة بسهولة , ولكن عندما ينقلها لإنسان آخر يجد في أغلب الأحيان عدم تقبل أو تفهم أو إدراك لهذه الأفكار , وذلك بسبب اختلاف البنيات الفكرية أو اللغوية أو طريقة المعالجة الفكرية التي استعملت من قبل الاثنين , بالإضافة إلى اختلاف الدوافع والأهداف والمراجع بينهما .

نحن نرسل ونستقبل حالاتنا المزاجية من وإلى بعضنا البعض إلى الدرجة التي يتم فيها تنظيم للنفس خفي ضمني . أحياناً يكون تأثير بعض من يصادفوننا تأثيراًً سيئاً , وأحياناً أخرى يكون التأثير منعشاً للذات . هذا التبادل الشعوري العاطفي يحدث من دون أن ندركه حسياً , لأنه يتم برهافة, مثل الأسلوب الذي ينطق به البائع مثلاً بكلمة "شكراً " فقد يتركنا وقد شعرنا بالتجاهل والغيظ , أو بالترحيب والتقدير . فنحن ننقل المشاعر لبعضنا البعض كما لو أنها فيروسات اجتماعية .
نحن نرسل إشارات عاطفية للمحيطين بنا , إشارات تؤثر فيهم. وبقدر ما نكون حاذقين اجتماعياً , تكون قدراتنا أفضل فيما نرسله من إشارات عاطفية . إنها- ببساطة- الوسيلة التي تضمن عدم تسرب الانفعالات المزعجة التي تسبب الضيق والكدر إلى علاقاتنا . والذكاء العاطفي يشمل" إدارة هذا التبادل" للإشارات. فالأشخاص القادرون على مساعدة الآخرين وإشباع رغباتهم يملكون  سلعة اجتماعية ذات قيمة خاصة   .
وبنشوء وتطور التواصل اللغوي  بقيت التأثيرات الحسية موجودة  وتفاعلت معها في نقل المعلومات والتواصل بين أفراد الجماعة ، لذلك نجد فرقاً كبيراً بين الوضع النظري والوضع العملي في العلاقات الاجتماعية المباشرة . فالمهارة في العلاقات الاجتماعية يكتسبها البعض خلال حياتهم دون دراسة نظرية ، فهم يكتسبونها ويتعلمونها من الاتصالات الواقعية المباشرة مع الآخرين ، وهذه المهارة يصعب تعلمها نظرياً لأنها تكتسب بشكل عملي مباشر , لكي تشترك كافة الأحاسيس مع الأفكار أثناء ممارستها  ويتم الترابط والانسجام بين التصرفات والانفعالات والأحاسيس والأفكار .
فمهارات التواصل الاجتماعي المباشر هي من أعقد المهارات ، و مع أنه يمكن اكتسابها وتعلمها بطريقة مدرسية إلا أن ذلك يحتاج إلى زمن طويل ، وتشارك فيها كافة طرق التواصل . إن هذه المهارات تكتسب أثناء الحياة  وعندما تتاح  للفرد عناصر وخصائص فزيولوجية وعصبية ونفسية  موروثة مناسبة ، وظروفاً وأوضاعاً وعلاقات اجتماعية ومادية مناسبة أيضاً ، فالأفراد الحساسون جداً أو الإنفعاليون أو الكسولون أو الإنطوائيون  يصعب عليهم اكتساب مهارات في التواصل الاجتماعي المباشر . وكذلك الذين لم يتعرضوا لعلاقات اجتماعية واسعة ومتنوعة مباشرة مع الآخرين  لا يحققون مهارات تواصل عالية . وكما نعلم إن المهارة في العلاقات الاجتماعية المباشرة  لها دورها الهام في كافة العلاقات والصفقات البشرية المباشرة ، فالتاجر الذي يتعامل مع الزبائن مباشرة يكون رأسماله الأساسي والفعال ليس المال أو البضاعة فقط ، بل مهارته في التواصل الاجتماعي مباشرة ، وهو يكتسبه بالممارسة وخلال الزمن  وفي بدايات حياته لأنه يصعب اكتساب هذه المهارات أو ربما يستحيل في الكبر .
إن الماهر في التواصل المباشر يقرأ ويفهم ويعرف تعابير الوجه والصوت والحركات - وبدقة عالية - لمن يتواصل معه ، ويتصرف بما يناسب هذه الدلالات والأوضاع ، فالتاجر يعرف بعد بضع لحظات من اللقاء بأن الزبون يريد الشراء فعلاً أم لا ، أو أنه يستعلم فقط ، أو أنه يرغب كثيراً بالبضاعة أو العكس .......الخ .
والمهارة في التواصل المباشر  تظهر بوضوح لدى الفرد الذي ينجح في مصالحة فريقين متخاصمين ، أو إجراء صفقة تجارية أو اجتماعية أو سياسية ........الخ .
إن الأمهات والآباء يفهمون أوضاع أولادهم بمجرد ملاحظات قليلة ، فهم يعرفون كيف يقرؤون حركاتهم وانفعالاتهم وأحاسيسهم ونبرات صوتهم وحركة وجههم ، كما أن الأبناء يعرفون آبائهم ، وكذلك الأصدقاء .        
عندما يتواصل شخصان معاً , تنتقل الحالة النفسية من الشخص الأكثر قوة في التعبير عن مشاعره إلى الشخص الأضعف. وهناك أيضاَ بعض الأفراد أكثر حساسية في انتقال الانفعالات سريعاً إليهم .
إن ما نشعر به نحو إنسان- سواء كان شعوراً مريحاً أو سخيفاً- يكون في جانب منه على مستوى جسدي . وإن أحد العوامل المؤثرة في التفاعل بين الناس , هو الدقة التي يتم فيها التزامن العاطفي بينهم .  فإذا كانوا خبراء في التناغم مع حالات الآخرين النفسية , أو قادرين على استيعاب الآخرين تحت سيطرتهم , عندئذ يسهل تفاعلهم أكثر على المستوى العاطفي . وهذا ما يميز القائد القوي أو الممثل القدير . إنها القدرة على تحريك آلاف الجماهير بهذه الطريقة . وهذا ما نعنيه حين نقول : " إن هذا الإنسان أو ذاك قد وضعهم في قبضة يده" فالجذب العاطفي هو جوهر التأثير"  .  

إن  مكالمة أو كتابة أو فعل أي شيء للآخرين يكون غالباً بمثابة رسالة إلى فكر آخر ، وكل رسالة فكرية لا يمكن أن تصل وتحدث التأثير المطلوب أو المتوقع ، إذا لم تصل إلى الفكر المستقبل المناسب ، الذي يستطيع فك رموزها و يتأثر بها بالكيفية التي يتوقعها المرسل , والأهم من ذلك تقبل المستقبل استلامها ودرجة هذا التقبل , فالرسالة التي ترسل إلى  من لا يرغب باستلامها ، أو لا يستطيع فك رموزها ومعرفة معناها المقصود, لن تحدث الأثر المطلوب، ويمكن أن تحدث أثراً مختلفاً غير متوقع .
 والأفكار لا يمكن نقلها أو إرسالها أو استقبالها إذا لم تحقق شروط التواصل الفكري . فنقل أفكار ومعلومات عن الدين البوذي إلى إنسان يؤمن بالدين المسيحي أو اليهودي ، لن تستقبل أو تحدث تأثيراً مماثلاً عندما تستقبل من إنسان يؤمن بالبوذية , فالخلفية أو الطريقة التي تفسر فيها الأفكار والمعلومات المنقولة ، تابعة لثقافة وأفكار ومعتقدات ودوافع الذي يقوم بتفسيرها .
فالتواصل الفكري معقد جداً ويتعرض للتغيير والتحوير، وهذا يكون في حالة نقل الأفكار والمعلومات غير الرياضية , فالأفكار الرياضية المنقولة والعلوم الفيزيائية تفسر بشكل موحد , هذا إذا تم استقبالها من قبل مستقبل مناسب .
طرق نقل الأفكار إلى الآخرين  
لقد استخدم أفلاطون المحاورة في صياغة ونقل الأفكار إلى الآخرين ، وقد حققت طريقته النجاح في بناء ونقل أفكاره , وقد استخدم هذه الطريقة الكثير من المفكرين منهم جاليلو ، وتم استخدام الجدل والمحاورة الذاتية مثلما فعل ديكارت في التأملات ، وكانت هذه الطريقة فعالة أيضاً في صياغة ونقل الأفكار .
و قديماً استخدمت الطريقة الشعرية في رواية الملاحم المتضمنة للأفكار ، وكانت قد استخدمت في أول الأمر القصص والروايات لنقل الأحداث والأفكار المتضمنة فيها .
وقد كانت الأمثال الأكثر استخداماً وفاعلية في صياغة ونقل الأفكار والمعاني، ونحن نلاحظ  هذا الكم من الأمثال لدى أغلب الشعوب .
والآن هناك طرق كثيرة لصياغة ونقل الأفكار المستخدمة في التربية والتعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وباقي طرق ووسائل الإعلام والتواصل ، وإن طرق صياغة ونقل الأفكار تحظى دوماً باهتمام كبير ، لأهميتها وفاعليتها ، وبالتالي تأثيراتها الكبيرة .
فهم الرأي الآخر
إن معرفة وفهم فكر و وجهة نظر الآخر ليس بالأمر السهل ، فهو صعب لعدة عوامل منها :
1_ لا يمكن معرفته إلا بطريقة غير مباشرة ، أي محاولة تمثيله بالوقوف مكانه، وهذا صعب لأنه يحتاج إلى  قدرات كثيرة .
2_ عدم أهمية رأي الآخر بشكل مباشر ، فهو لا يهمنا بشكل مباشر يفرض علينا السعي لمعرفته وفهمه ، فذاتنا ورأينا هو  المحسوس والمهم لنا .
3_ عدم توفر معلومات كافية لبناء ومعرفة الرأي الآخر فأغلبه محجوب عنا .
لذلك من الأسهل على كل منا اعتماد رأيه و فرضه على الآخر ، وهذا ما يفعله أغلبنا ، فخياراتنا هي الواضحة والملموسة والمعروفة، أما خيارات ودوافع الآخر فغير ظاهرة بوضوح لنا، وبالتالي أهميتها وتأثيرها بالنسبة لنا ضعيف ، فكل منا يحاول فرض دوافعه وخياراته على الآخرين ، كما يقوم الآخرون بفرض خياراتهم علينا . ولا بد من تنظيم ذلك طالما نحن والآخرون موجودون  ويجب أن نبقى معهم شئنا أم أبينا .
من سوء التصرف وعدم فاعليته فرض خياراتنا على الآخرين , إلا في حالات خاصة وبعد معرفة دوافعهم وخياراتهم ، والأوضاع التي نحن جميعاً موجودون فيها. إن معرفة دوافع وخيارات الآخر ورأيه وكذلك معرفة الوضع العام ، بالإضافة إلى معرفة دوافعنا وخياراتنا ثم السعي إلى إجراء صفقة مناسبة لنا وله هو المطلوب , فالصفقة نقوم بها نحن والآخر ، فكيف نحقق ذلك  بمشاركة الآخر  ومراعاة دوافعه ورأيه ، ودون فرض خياراتنا عليه ؟
هنا المشكلة ، ويمكن أن تحل ، أو هي حلت بوضع الأنظمة والأعراف والقوانين الاجتماعية بكافة أشكالها .
إن معرفة وفهم الآخر هامة وضرورية في حالة التعامل معه ، ففي كافة العلاقات الاجتماعية يلزمنا فهم ومعرفة الآخر ، لكي يتم التعامل معه بفاعلية وكفاءة ، وهذا ما قد حصل ، فقد تكيفت الانفعالات والعواطف بناء على فهم ومعرفة الآخر .
فالتعاطف والمشاركة والتقمص .. كلها آليات غريزية متوارثة ، مهمتها فهم ومعرفة الآخر والتواصل معه بفاعلية .
فالحياة البشرية الاجتماعية تكيفت بما يسهل التعامل والتواصل مع الآخر بشكل انفعالي تعاطفي غريزي . وكان هذا قبل نشوء اللغة ، وبعدها اتسع فهم الآخر وأصبح التعاطف والمشاركة بناء على الإشارات واللغة والدلالات الانفعالية يسهل فهم الآخر .
وكلنا يعرف ويفهم الانفعالات ودلالاتها الكثيرة بمجرد النظر والملاحظة للآخر ، فيمكن نقل وتبادل المعلومات الكثيرة عن طريقها .
ونشوء اللغة سهل فهم الآخر والتواصل معه من جهة ، وطور وعقد العلاقات البشرية من جهة أخرى , وبالتالي صعب فهم ومعرفة الآخر وما يفكر فيه- لزيادة الاحتمالات الممكنة في فك رموز ومعاني اللغة - وذلك نتيجة تطور المعارف والعلوم والعلاقات البشرية بشكل كبير ، وكان ذلك وبشكل خاص نتيجة سيطرة الكثيرين على انفعالاتهم  وعلى الإشارات والدلالات الغريزية التي تظهر الوضع الداخلي للإنسان وبالإضافة إلى الكذب والمجاملة والتحايل وإظهار عكس الواقع .....الخ ، كل ذلك صعب فهم الآخر ، وخاصة إذا كانت هناك فروقاً في البيئات الاجتماعية والفكرية والعقائدية واللغوية .
والعقبات الكبرى في الوقت الحاضر في طريق فهم الآخر هي تعقد الأوضاع ، وبشكل خاص اختلاف الانتماءات ولاسيما المراجع، فالدلالات الفزيولوجية والنفسية والانفعالية واللغوية تداخلت مع بعضها ومع ما تم اكتسابه من عادات و معارف و ثقافات كثيرة مختلفة .
قدرات التواصل البشرية الخارقة تجعل كل إنسان عالم نفس  
إن الذي مكن الروائي من بناء وتشكيل أو خلق الشخصيات في القصص والروايات والمسرحيات والأساطير .. هو قدرته على تمثٌل مشاعر وأفكار الآخرين عن طريق التواصل الفكري واللغوي والنفسي والانفعالي والحسي والرمزي ...الخ .
وكما ذكرنا مضامين الرسائل المتبادلة في اللقاءات المباشرة أوسع بكثير مما نتصور, وكل منا يملك قدرات تواصل أوسع بكثير من اللغة المحكية ، فاللغة المحكية بما تتضمنه من نبرات الصوت وطريقة الإلقاء .....الخ لها قراءاتها ومدلولاتها ومعانيها الفكرية والنفسية .. والإعجاز في هذه القدرات ما يشاهد لدى الكثير من الأدباء والروائيين  في بناء وخلق الشخصيات والحوادث والمواقف .. لا يمكن أن يحدث دون وجود بنية تحتية له ، أي مؤهلات وقدرات وعناصر لازمة له .

24
أخي العزيز  الأستاذ أبو عمر  .
شكراً على مداخلتك العميقة , كما ذكرت نظرة الإسلام هي المتكاملة والتي وضعت الأمور في نصابها , وأحاطت بكافة العلاقات بين الرجل والمرأة , وتكاملت مع باقي العلاقات والأوضاع الاجتماعية , وهناك أمثلة ودلائل كثيرة تثبت ذلك .
فالوضع معقد جداً وليس بسيط , فهناك الكثير من العناصر والأمور والأوضاع المختلفة المتفاعلة .

تحياتي ومودتي
نبيل

25
التفكير الفزيولوجي أو الكيميائي و التفكير العصبي وآليات التفكير
إن أبسط الكائنات الحية هي" الأوالي " ويبلغ عمرها حوالي 2500مليون سنة, وهي وحيدة الخلية , أي أن وظائف الحياة كلها تنجز في خلية واحدة فقط , فلا يوجد فيها أجهزة مستقلة مثل الجهاز الهضمي أو الدوران أو الحماية أو العصبي..., ففي الأوالي تتم بواسطة البلعمة وظائف التنفس والهضم والتغذية والدفاع أو المناعة أو الحماية من المؤثرات الخارجية الضارة . وأول مظاهر المناعية لديها هي تمييز الذات عن اللا ذات , فبعض الأوالي تعيش في مستعمرات ويجب تمييز الذات عن بعضها, وإنه يصعب قيام الحياة في مستعمرة أو حدوث توالد جنسي(أي بين كائنين حيين) دون في غياب القدرة على تمييز الذات عن اللا ذات . لذلك فمن المرجح أن تتوفر هذه المقدرة لدى الحيوانات الأوالي , و حتى الإسفنجيات التي تعد أبسط التوالي(الحيوانات عديدة الخلايا) باستطاعتها تمييز الذات عن اللا ذات , فخلاياها تهاجم طعوماً من إسفنجيات أخرى, ولكن استجابة الرفض ليست مماثلة لما يوجد لدى الفقريات, وذلك بسبب تطور وتعقد وتنوع المناعة ونشوء الذاكرة المناعية, فالرفض والمقاومة لدى الفقريات يكون أسرع وأشد في المرة الثانية , أي يحدث تذكر وبالتالي تعلم لتكيف أفضل مع الأوضاع التي يمكن أن تحدث, وعنصر التعرف و الذاكرة في الاستجابة المناعية هو حجر الأساس في الجهاز المناعي.إن السمة الأساسية لأي جهاز مناعي هي القدرة على تمييز بين الخلايا والنسج والأعضاء التي هي أجزاء من الجسم وبين المواد الغريبة. أما المهمة الثانية فهي التخلص من هذه المواد الغريبة , والتي تكون غالباً بكتريا أو فيروسات, إضافة لذلك فإن الجهاز المناعي  عادة ما يميز , ويتخلص من خلايا ونسج الذات التي تبدلت بفعل الطفرة أو غيرها أو المرض, كالسرطان. ويتفق معظم المناعيين على أن الجهاز المناعي لدى الثدييات بما فيها الإنسان , يملك أشد الآليات تعقيداً "لتعرف "على الغزاة وعلى العناصر الضارة والتخلص منها . المناعةيطلق على الاستجابة الخلوية السريعة أسم المناعة الطبيعية أو الفطرية, ذلك أن الخلايا التي تقوم بها تكون ناشطة سلفاً وقبل دخول الغزاة إلى الجسم , وكافة الحيوانات تمتلك آلية دفاعية من هذا النوع, وهي من أكثر أشكال المناعة قدماً.

والمكون الثاني للمناعة الفطرية هي أكثر من 30 بروتين في الدم تعمل يتتال تسلسل متلاحق على نحو يشبه الشلال لتمييز الغزاة و من ثم القضاء عليهم, وتكفي عادة المناعة الفطرية للقضاء على المكروبات الغازية, لكن إذا لم تتمكن من ذلك , فإن الفقريات يستعمل استجابة أخرى وهي المناعة المكتسبة, وتمثل الكريات البيض جند المناعة المكتسبة, وهي تعمل متعاضدة كما قوات الجيش. وفي أثناء تجوالها في الجسم, عن طريق الدم, تكون عادة في حالة راحة, ولكنها تنشط وتتكاثر عندما تصادف جزئيات تعرف بالمستضات, وهذه تترافق مع الكائنات الحية الغريبة, والخلايا البيض أو اللمفاويات صنفان: الخلايا البائية , والخلايا التائية. تفرز الخلايا البائية الأضداد وهي بروتينات دفاعية تترابط بالمستضدات وتساعد على التخلص منها. تنتج الخلايا البائية جزئيات بروتينية أو ما يسما أضداد, ترتبط بالأجسام الغريبة أو الغازية أو ما يسمى المستضات الموجودة على سطوح البكتريات أو الفيروسات . ويمكٌن هذا الارتباط عناصر أخرى من القضاء على البكتريات والفيروسات بطرق مختلفة.

أما الخلايا التائية فهي بعكس الخلايا البائية لا تنتج أضداداً إنما تميز المستضدات المرتبط بأحد أنماط البروتين الموجود على سطح نوع مختلف من الخلايا , لذا فهي مجهزة بصنف "متخصص" من الجزئيات يسمى المستقبلة. ومن المظاهر النموذجية لفعالية الخلايا التائية يمكن أن نذكر أحداث متنوعة مثل رفض الطعم الجلدي الغريب وقتل الخلايا السرطانية . وتعمل الخلايا التائية على تمييز مستضات معينة, وهي أيضاً تساعد على تنظيم عمل الخلايا البائية. ( والطحال غني مصدراً غنياً بالخلايا البائية  الخلايا البائية) ويحتوي جسم الإنسان عادة على أكثر من بليون خلية بائية, كل واحدة منها تفرز ضداً مختلفاً عن معظم ما تفرزه سائر الخلايا.  و وظيفة الخلايا التائية كما قلنا متعددة الجوانب, فهي تتعرف مثلاً الخلايا التي تحمل عل سطوحها جزئيات غريبة (ليست من الذات)فتقتلها, كما أنها تساعد الخلايا البائية على إنتاج الأضداد. ومع أن المناعة المكتسبة عالية الفاعلية, فإنها تحتاج (بسبب التعقيد الشديد لهذه الآلية ) إلى أيام كي تبلغ ذروتها, فعلى الميكروب أن يلتقي الخلية التائية أو البائية المناسبة, كما يجب تنشيط البلاعم لمسعدة الخلايا المناعية, وعلى الخلايا البيض المشتركة أن تركب وتفرز بروتينات تضخم الاستجابة , وأخيراً على الخلايا البائية أن تصنع الأضداد وتطلقها في الدم. ويمكن أن تخطئ في التعرف , فتتعرف على بعض أنواع خلايا الجسم على أنها خلايا غازية فتقوم بمهاجمتها وقتلها, وهناك عدد من الأمراض تنتج عن ذلك مثل مرض السكر الشبابي , وهذا نتيجة خطأ و مهاجمة خلايا البنكرياس التي تفرز الأنسولين, والأخطاء في التعرف لها أسباب حدوثها.وللمناعة المكتسبة سمة مميزة وهي "الذاكرة المناعية" أي التعلم , و التي بوسعها اختصار التأخير. وتنشأ الذاكرة المناعية عن آليات أساسها ألدنا, وهي تسمح للمفاويات الجسم أن تميز بين التنوع الهائل للمستضدات على الرغم من أن اللمفاوية الواحدة تميز نمطاً واحد من هذه المضادات. فكل لقاء بمكروب يترك بصدمة جينية على خلايا بائية أو تائية معينة. فإذا ما التقت هذه الخلايا  الميكروب نفسه مرة ثانية استعملت المجموعة الجينية نفسها على نحو تحدث فيه الاستجابة بسرعة أكبر وبفاعلية أنجع مما تمت عليه في المرة الأولى. إن هذه الظاهرة تشكل أساس الجرعة الداعمة التي تعطى في عمليات تمنيع الأطفال والجهاز المناعي لن ينسى ذلك.وفي الحقيقة فإن عدداً غير قليل من عناصر وآليات المناعة موجود تقريباً في الكائنات الحية كافة, ومثال ذلك البلعمة, و يتشابه الجهاز المناعي للفقريات مع الافقريات بشكل كبير ويعود هذا التشابه إلى أن الآليات الدفاعية للافقاريات هي أصول ما يماثلها في الفقريات وهذا يثبت أن الجهاز المناعي للإنسان والثدييات قد تطور عبر مئات ملايين السنين من مخلوق أقدم .نلاحظ أن الجهاز المناعي يعمل من أجل أهداف محددة معينة, وهو يتعرف ويميز ويختار الخيارات, أو السبل الأفضل والأجدى للوصول إلى أهدافه, وله ذاكرة قوية وعالية الدقة جداً , وهو يصحح أو يعدل خياراته(يتحكم ويدير ويقود) حسب الأوضاع والظروف المتغيرة , ليستمر في تحقيق أهداف التي هي تأمين تنمية وحماية الجسم من المواد والعناصر الدخيلة أو العناصر والخلايا الذاتية التي شذت أو ماتت( السرطانات وغيرها). وهو يعمل حسب عناصر وآليات فزيولوجية وكيميائية فعالة متوارث.فهو بمثابة عقل يعمل بكفاءة عالية , وإذا قارناه بالعقل العصبي فسوف نجد أنه لا ينقصه إلا الشعور والوعي      والتنوع والتعقد الموجود لدى العقل العصبي

والعقل العصبي مؤلف من عدة عقول تعمل معاً متعاونة فيما بينها  منها العقل الشمي  والعقل البصري والعقل السمعي ... والمخيخ المسؤول عن قيادة العضلات وتنسيق عملها, والعقل التقييمي (الحوفي) وهو الذي يبني التقييمات ويدير التأثيرات المتبادلة بين الغدد الصم والجهاز العصبي .
وهناك أهم العقول بالنسبة لنا وهو العقل الوحيد الذي نتميز به عن باقي الكائنات الحية لأننا نحن الكائنات الحية الوحيدة الذين نملكه( حسب المعلومات المتوفرة الآن)  وهو العقل اللغوي , فهو يتعامل مع كافة العقول الأخرى( العقل البصري والسمعي .... ), لأنه يستطيع التخاطب معها, وذلك ببناء البنيات العصبية الفكريةاللغويالتي تمثٌل أغلب البنيات الفكرية التي تتعامل معها تلك العقول .
ونحن كذوات  أو كأنفس موجودون فقط في العقل الواعي  وهو جزء صغير أقل من واحد بالمئة من الجهاز العصبي , وهو يستطيع الإطلاع على الكثير من العمليات الجارية داخل الجسم وداخل الدماغ لأنه القائد والمدير الأعلى والنهائي , ويستطيع التدخل في أغلب عمليات كافة العقول, وهوالمتعاون الأساسي مع العقل اللغوي وهو الذي يقود عملياته . وقد نشأ لدينا عقل جديد وهو خاص بنا أيضاً فمفهوم الضمير( أو الأنا العليا عند فرويد) يقصد به عقل نشأ نتيجة الحياة الاجتماعية واللغة والتربية, فهو بنية متماسكة تنمو وتتطور, فهو العقل الذي أنشأته الحياة الاجتماعية.
كما قلنا إننا نعتبر أن الوعي والإدراك هما أساس مفهوم العقل وهذا ما حجب عنا أساس مفهوم العقل ، فالإدراك والوعي والفهم هم المراحل المتقدمة جداً من العقل , وأساس العقل في رأيي هو القدرة على التعامل مع الخيارات والتحكم بها لتحقيق هدف ، وهذا ما جعل كما قلنا الكثير من البنيات هي بنيات مفكرة , فبنية الحياة ، وكذلك بنية كل كائن حي (حيوان كان أو نبات ) والبنيات الاجتماعية والكومبيوتر وغيرها ... هي بنيات تتعامل مع الخيارات وتحقق هدفاً موضوعاً .

26
حل لقضية شغلت كثيراٌ الفلاسفة والمفكرين
هناك قضايا لا يمكن الوصل إلى حل منطقي لها وأمثلة من هذه القضايا

يقول أفلاطون كل ما يقوله سقراط صحيح , ويقول سقراط كل ما يقوله أفلاطون غير صحيح .
أن في هذا تناقض لا يمكن حله .
فإذا كان ما يقوله أفلاطون صحيح وهو " أن سقراط يقول الحق أو الصحيح وهو كل ما يقوله أفلاطون غير صحيح "
فحسب هذا القول أفلاطون لا يقول الحق .

ومعنى هذا أن كلامه غير صحيح , وهذا يؤدي بالتالي إلى صحة قول سقراط .
وبالتالي يصبح قول أفلاطون صحيح . وهذا يكذب قول سقراط .
وتستمر النتيجة بالتغير ولا نصل إلى حل لصحة أو كذب ما يقوله أفلاطون.
مثال آخر:
هناك رجل واقف على جسر ومطلوب منه أن يختبر كل من يريد المرور إن كان صادقاٌ أو كاذباٌ , فإذا كان كاذباٌ يشنقه .
أتي رجل ذكي يريد المرور , وقال له سوف أموت شنقاٌ .
هنا أراد الواقف على الجسر أن يختبر صحة أو كذب ما يقول هذا الرجل
فإذا سمح له بالمرور ولم يشنقه , فهو يكون كاذب ويجب شنقه .
وإذا شنقه عندها سوف يكون صادقاٌ ويجب عدم شنقه . وهنا لم يستطع الوصول إلى نتيجة أو محصلة ثابتة .
مثال آخر :
" كل الجمل الصغيرة كاذبة "
وهذه جملة صغيرة
هل هذا صحيح ؟
إذا كانت هذه الجملة صحيحة , يجب أن تكون بالتالي غير صحيح , لأنه وجدة جملة صغيرة صحيح وهذا يكذبها , وهكذا دواليك .
وهناك الكثير من الأمثلة المشابه .

إن كل من درس الفلسفة والمنطق شغلته قليلاٌ أو كثيراٌ هذه القضايا .
في رأي هناك حل لهذه القضايا وهو :
إن جميع هذه القضايا تعتمد على تأثير النتيجة بالمقدمة , أي هناك تغذية عكسية من النتيجة إلى المقدمة , وهذا ما يحرك النتيجة أو يغيرها .
ولتوضيح ذلك لنعود إلى مثال الواقف على الجسر ولنجعل أحد الرجال يقول إنني سوف لن أموت شنقاٌ
هنا نجد أن الواقف على الجسر إذا سمح له بالمرور , ويكون هذا الرجل صادق وهو لم يمت شنقاٌ.
ويستطيع أيضاٌ أن يشنق هذا الرجل لأنه في هذه الحالة سوف يكون كاذباٌ لأنه قال سوف لن أموت شنقاٌ .
كيف حدث هذا ؟
التحليل :
لنمثل النتيجة الإيجابية ب " + " ونمثل النتيجة السلبية ب " – "
وكذلك نمثل المقدمة الإيجابية أ " + " والمقدمة السلبية أ " – "
وتكون المحصلة هي ما ينتج عن تأثير النتيجة بالمقدمة أي نضرب ب * أ  , لأن هناك تغذية عكسية من النتيجة إلى المقدمة .
وهذا معناه أنه يجب ضرب إشارة النتيجة بإشارة المقدمة , وما ينتج يكون هو إشارة المحصلة .
وبما أنه توجد تغذية عكسية مستمرة بين النتيجة والمقدمة , فسوف يكون تبدل مستمر للمحصلة إذا ضرب السالب بالموجب لأنه في هذه الحالة سوف يحدث عكس للمحصلة .
وهذا لا يحدث إذا ضرب الموجب بالموجب , أو السالب بالسالب .
وهذا هو الذي حدث عندما غيرنا إجابة الرجل وجعلناه يقول سوف لن أموت شنقاٌ
وهذا أدى إلى أن تصبح المحصلة في الحالتين موجبة .
ففي الحالة الأولى يكون صادق أي + والنتيجة صحيح أي + والمحصلة +* + = + أي ممكنة وصحيحة
وفي الحالة الثانية يكون كاذب أي - والنتيجة كاذبة أي - والمحصلة - * - = + أي صحيحة


أما في الحالة الأولى لقد قال الرجال سوف أموت شنقاٌ , وهنا تكون المحصلة هي ضرب الموجب السالب , أو ضرب السالب بالموجب وفي الحالتين هي سلبية أي متناقضة وغير ممكنة .
في الوضع الأول يكون صادق أي + والنتيجة غير صحيح أي – والمحصلة + * - = - أ غير مكنة أو غير صحيحة
وفي الوضع الثاني يكون كاذب أي – والنتيجة صحيحة أي + والمحصلة - * + = - أي غير ممكنة أو غير صحيحة

27
سيطرة الرجال على النساء أسبابه وعوامله ونتائجه ومستقبله

لنلق نظرة إلى وضع الذكر والأنثى لدى الكائنات الحية .
إن وجود الذكر والتزاوج مع الأنثى ليس ضرورياً للتوالد وتكاثر النوع كما يظن في بادئ الأمر ، فالوظيفة الأساسية أهم من ذلك بكثير , لأنه يمكن لكائن حي  واحد إنجاب وتربية الذرية , ونجد أمثلة على ذلك لدى الكائنات التي تتكاثر دون تزاوج  .
فالمهمة الأساسية من وجود الذكر والأنثى هي مزج وتوزيع الجينات الوراثية مع الاحتفاظ بأكبر كمية من الجينات المختلفة موجودة ضمن النوع منتشرة بين أفراده ، وبشكل يحقق هدفين معاً .
فيتم اللعب أو التعامل بأكبر كمية من الخيارات المتاحة (وهي الجينات) بالخلط العشوائي المستمر ( نصف من الذكر ونصف من الأنثى ) .
ثم نشرها وتوزيعها في أكبر عدد من أفراد النوع . وفي نفس الوقت يتم المحافظة على كافة هذه الجينات وخصائصها , حتى الجينات الطافرة والتي تكون غير خطرة ، وذلك بنسخها بدقة . وهي تبقى موزعة بشكل عشوائي ومختلف على كافة أفراد النوع , لأن كمية هذه الطفرات تتراكم وتصبح كبيرة جداً ولا يمكن أن يحملها فرد واحد , وهذا هام جداً  لبقاء وتطور النوع  في ظروف وأوضاع متغيرة باستمرار .
ونحن نلاحظ أن مسؤولية بقاء واستمرار النوع لدى الكائنات الحية البدائية وحتى مرحلة الأسماك , موزعة بين الذكر والأنثى , فالأنثى تطرح البيوض ويلقحها الذكر , وغالباً كانت تترك هذه البيوض  للظروف , وأحياناً ترعاها الأنثى أو يرعاها الذكر , وكانت بعض أنواع الحشرات مثل النحل والنمل قد تطورت فيها الإناث وصارت هي المسيطرة والقائدة , ودور الذكر محدود بتلقيح الأنثى أو الملكة .
ثم لدى الزواحف كانت الإناث قي بعض الأنواع ترعى بيوضها وأحياناً صغارها . ولدى الطيور كانت أحياناً الإناث لوحدها ترعى بيوضها وصغاره , وأحياناً يتشارك الذكر والأنثى في رعاية البيوض والصغار . وكان تلقيح البيوض يكون وهو داخل الأنثى .
أما لدى الثدييات فتطور الوضع وصارت البيوض تلقح وتنمو داخل الأنثى وتلدها عندما تنضج , وكانت ترضعها وترعاها لتكبر وتصبح قادرة على العيش بمفردها , وظهرت الأنثى الأم ( بشكله الصريح والمختلف عن الأم لدى الزواحف ) , والتي تميزت عن الذكر بعدة أمور , وظل دور الذكر الأساسي التزاوج مع الأنثى , وإن كان الذكر في بعض الأنواع يتعاون مع الأنثى في تربية ورعاية الصغار . وأصبحت الأنثى هي المسؤول الأساسي عن استمرار النوع .

أما الوضع بالنسبة لنا نحن البشر ونتيجة الحياة الاجتماعية والثقافية التي نعيشها , فقد حدثت  فروق واضحة بين الرجال والنساء أهمها :
الرجال كانوا هم المغامرين والذين يتنافسون  ويتقاتلون من أجل الفوز بالتزاوج مع النساء , وهم من يسعى للقتال وللحروب . بعكس النساء اللاتي كن يتحاشين الصراع والحروب والمجابهة المباشرة , و يستخدمن المناورة والتحايل وطرق كثيرة في صراعاتهن وتنافسهن , وتعاملهن مع الرجال , واستطعن غالباً توجيه قدرات الرجال بطرق وأساليب كثيرة .  وكنّ أحياناً يستخدمن القتال والعنف مع بعضهن . وهن غالباً محافظات غريزياً واجتماعياً  و يخشين المجازفة , وغالباً ما يمانعن التجديد ( طبعاً ليس في مجال عرض مفاتنهن وميزاتهن كنساء ) , وهن غالباً أكثر تديناً من الرجال . وهن أكثر مثابرة  وأكثر تحملا ً للمعاناة  والأوضاع والظروف الصعبة .
ونحن نلاحظ أن الفروق الكبيرة بين النساء والرجال تظهر عندما تصبح المرأة أم . وتأثير الدافع الغريزي للأمومة والإنجاب وتربية الصغار هو لدى النساء أقوى بكثير منه لدى الرجال .    

أسباب سيطرة وهيمنة الرجال على النساء له الكثير من التفسيرات
ما ذكره آنجلز من أن أول تعبير عن المجتمع الطبقي كان في امتلاك الذكور لأدوات الإنتاج . كما أن بعض التفسيرات تقول أن سيطرة الذكور على الإناث تمت عندما أدرك الذكور أنهم جزء من عملية الحمل . فالكثير من التفسيرات القديمة ترجع الأمر إلى أن المرأة تحمل بنفسها دون حاجة للرجل ولم يكن العقل البشري قد وصل إلى التطور الذي يقوده إلى الربط البسيط بين الممارسة الجنسية والحمل . وقد ذكر الكثير من الأسباب التي أدت لسيطرت الرجال على النساء .
بشكل عام إننا نجد أن من يسيطر على الأمور ويتحكم في الآخرين ويسيطر عليهم هو من يملك القوة . وهي ثلاث أشكال :
القوة الجسمية والمادية .
القوة الاقتصادية الممتلكات والمال ووسائل الإنتاج .
القوة الفكرية أو العقائدية أو الدينية .
فكل من يملك أحد هذه القوى أو بعضها , أكان من الرجال أو النساء ويستخدمها , يمكن أن يسيطر ويتحكم بالآخرين .
أما أهم العوامل التي أدت لسيطرة الرجال على النساء فهي :
1 - تنافس وصراع الرجال على التزاوج مع النساء , وهذا كان نتيجة التكيف الأفضل مع الظروف التي تسمح باستمرار النوع , فالرجال الأقوى والذين يملكون القدرات الأنسب ( وأهمها الرغبة الجنسية القوية ) في تحقيق إنجاب ذريّة ونقل خصائصها الوراثية المناسبة للأوضاع والظروف الموجودة لذريتها , وهم من كانوا يحددوا منحى التطور .
فتطور ونمو قدرات تنافس وصراع الرجال على التزاوج مع النساء , سمح  للرجال الذين يملكون القدرات الأنسب بسيطرتهم على الموارد والممتلكات بالإضافة لتملكهم النساء , فنتيجة هذا التنافس والصراع أدت لنمو قوة وقدرات الرجال واستطاعوا السيطرة على الموارد والممتلكات والتحكم بها , وكانت النساء من ضمن هذه الممتلكات .
فقد سيطر الرجال  في المجالات التي تحتاج إلى عنف وقتال ومجازفة أي في الصراعات الدامية والحروب , وهذا أدى إلى سيطرتهم على غالبية الموارد والممتلكات . وهم كانوا يسبون النساء و يتداولونهم .
فالملاحظ أن المجتمعات التي تعتمد الصراع والحروب والغزو في معيشتهم , هم من سيطروا على النساء بشكل كبير وهم من استعبدوا الرجال والنساء .
بعكس المجتمعات التي تعتمد الزراعة وجني الثمار وتربية الحيوانات في تأمين معيشتها , فقد بقيت المرأة فيها لها مكانتها وغالباً لم تستعبد أو تظلم , وكانت الأعراف والتشريعات في تلك المجتمعات غالباً تنصف المرأة إن لم تعطها ميزات على الرجل .
2 - مسؤولية المرأة عن الإنجاب وتربية ورعاية صغارها . والعقبات التي تواجه المرأة في سعيها للتملك . ففي نظام هرمية السلطة في الحكم يصعب على المرأة أن تكون رئيسة إذا لم تتخلى عن مسؤوليتها الأساسية في الحمل والإنجاب ورعاية وتربية أولادها , وهذا كان من أهم العوامل التي أدت إلى سيطرة الرجل على مراكز القيادة والحكم والتشريع وسن القوانين , وكان القلم بيدهم , وهذا من أهم العوامل التي أدت إلى سيطرتهم وظلمهم للنساء . وكان المفكرين والفلاسفة والمصلحين والمشرعين  دوماً من الرجال .  وهذا ما أدى إلى خسارة المرأة كثير من حقوقها .

كلنا يعلم أن سيطرة الذكور على مقاليد القرار في الدولة وفي مؤسسات المجتمع المدني على حد سواء ، شكلت آلية حاسمة لاستمرار سيطرتهم على المراكز الجديدة الشاغرة أو القديمة المتداولة فقط بينهم ، وأن هذا هو العامل الأساس الذي يقف وراء ضحالة تمثيل المرأة في الحياة العامة ومؤسسات الدولة المختلفة. وعلى ذلك يبدو الحديث عن عدم توفر الكفاءات النسائية القادرة على القيادة والتوجيه هو أكثر الأقوال خطأ وبعداً عن الحقيقة والواقع .
وحتى عند غياب ميزات منصوص عليها في القانون ، تمثل الأعراف والديانات عوائق بنفس القوة بوجه مساواة النساء. وهكذا ليس للنساء، في جميع بلدان أفريقيا والهند وأندونيسيا والشرق الأوسط، نفس حقوق الرجال في ما يخص الإرث وملكية الممتلكات والأرض . وُتقدر نسبة ما تملكه النساء من أراض بالعالم ب 01%. وحتى عندما تملك النساء أملاكا أو أرضا، لا يملكن حق الاستعمال والتسيير. وقد قامت بلدان كثيرة بإصلاحات زراعية بهدف إنصاف اجتماعي أكبر لكن ذلك جرى دوما حسب القوانين العرفية المضرة بالفلاحات , وهذا ما جعل تلك الإصلاحات تزيد صعوبة حصول النساء على الأرض , و لم تتمكن النساء من الحصول على أراض وبقيت بالغالب جماعية , رغم أنهن يقمن بزراعتها .
تعود مكانة النساء الدونية هذه في مضمار الملكية إلى كون القوانين أو التقاليد تعين بغالب الأحيان الرجل رئيسا للأسرة وتمنحه السلطة على المجموع . ما زالت غالبية نساء العالم محرومات من نفس حقوق الرجل في مجال الإفادة من الملكية ، والإرث ، وحقوق التصويت أو الحماية الاجتماعية.
تحقق تقدم كبير في القرن الماضي لكن ثمة بلدان عديدة ذات قوانين محافظة وممانعة للتطور. لم تكسب بعد النساء حق التصويت ببلدان مثل المملكة السعودية والكويت وعمان والإمارات العربية. وقد حصل الرجال على حق التصويت قبل النساء في جميع البلدان ( ما خلا الدانمرك حيث حصل عليه الجنسان معا منذ 1915). وفي سويسرا انصرمت 120 سنة بين حصول كل من الرجال والنساء عليه. وفي فرنسا جرى إقصاء النساء من الاقتراع العام لعام 1948 ولم يفزن بهذا الحق سوى سنة 1944 أي بعد 96 سنة .

الملاحظ أن الموروث الاجتماعي والثقافي الذي يؤثر على تصرفات النساء غالباً أقوى من الموروث البيولوجي . فعن طريق التربية والعلاقات الاجتماعية والثقافية تتحدد غالبية تصرفات النساء , وهذا نلاحظه عند دراسة وضع النساء لدى جماعات مختلفة الثقافة والعلاقات الاجتماعية , فنرى الكثير من أوضاع النساء المختلفة , وفي بعضها تكون النساء هي المسيطرة . ويفيد علما السلالات البشرية و الأتنروبولوجيا أن الأدوار التي يضطلع بها الرجال والنساء في مختلف المجتمعات لا تنتج عن اعتبار هشاشة أو قوة مفترضتين لدى المرأة أو الرجل بل هي تعبر عن بناء اجتماعي .
هل النساء أكثر هشاشة وبحاجة إلى حماية من رجال أقوياء ؟
 إن كان لدى النساء بوجه عام قوة عضلية اقل من قوة الرجال، فمن المفيد التذكير بكون النساء قدّمن وما زلن يقدمن بعدد كبير من البلدان جهودا بدنية كبيرة لإنجاز مهام شاقة جدا. منها مثلا في فرنسا القرن 19 جر القوارب النهرية بالحبال بدلا عن الدواب، وأشغال الحفر والبناء في بلدان أوربا الشرقية القديمة أو الصين اليوم، وأشغال جلب الماء والحطب المرهقة التي غالبا ما تجبر نساء أفريقيا على حمل أثقال قد تتجاوز 20 ك غ.
ويعتقد البعض أن أصل التمييز ضد المرأة نابع من القوة الجسدية للرجل وهو اعتقاد في مجمله غير دقيق ، فطبيعة الرجال الجسدية ليست أقوى من طبيعة النساء , فالنساء أقدر على تحمل الألم ، والنساء بالعموم أطول عمرا من الرجال والنساء لديهن مقاومة للأمراض تفوق مقدرة الرجال , فالكثير من النساء أقوى من معظم الرجال .

في أي المجالات سيطر الرجال على النساء وكانت سيطرتهم كبيرة ومؤثرة  ؟ ويا ترى هل فعلاً سيطر الرجال على النساء ؟
كانت سيطرتهم غالباً ضمن مجالات معينة , وإن كانت مؤثرة ومعيقة , فقد كان الرجال غالباً هم القادة وعلى النساء أن تعمل تحت هذه القيادة وتحقيق هدفهم الأساسي ( هدف النساء ) وهو الإنجاب وتربية ورعاية أولادهم , بالإضافة لتأمين اللذة الجنسية لهم .
في الواقع ليس صعباً على غالبية النساء التعامل مع سيطرة الرجال وتحقيق دوافعهن وأهدافهن الأساسية الذاتية , فهن استطعن إبداع وسائل وخيارات كثيرة ومتنوعة تمكنهن من إقناع الرجال اللذين يتعاملون معهن أكانوا أزواجهن أم أولادهن أو غيرهم .
" تباه أحد الرجال أمام محبوبته : لدي ثلاث عمارات , ويخت , و5 سيارات , وعدة متاجر , ورصيد في البنك , ماذا لديك ؟
ابتسمت وقالت أنت يا حبيبي "  
ولكن كان الصعب عليهم هو التعامل مع الأعراف والتشريعات والقوانين المعتمدة في مجتمعهم , والتي هي مكرسة لتحقيق سيطرة الرجال عليهم وظلمهم . فقوانين الزواج والطلاق , وقوانين التوريث , وأنظمة العمل والأجور . . . المعتمدة في مجتمعهم والتي تقيدهم وتظلمهم لا يستطعن تغييرها بسهولة . ومعركتهن الآن من أجل تغييرها وتعديلها , ولقد حققن النساء في بعض المجتمعات والدول تغيير وتعديل غالبية القوانين والتشريعات التي تظلمهم .
دور وتأثير غريزة التزاوج والدافع الجنسي  وتأثيره على العلاقات بين الرجل و المرأة .
إن وظيفة ودور المكافأة والعقاب ( وكذلك اللذة والألم )  في توجيه تصرفات الكائن الحي هامة جداً , وبالنسبة لصراع وتنافس الذكور ( أو الرجال ) على التزاوج مع الإناث كانت اللذة الجنسية هي مكافأة التزاوج , وكان القتال أو الصراع بين الذكور هو بمثابة معاقبة الذكور لبعضها من أجل الفوز بالتزاوج مع الإناث . وهذا ما أدى إلى توجيه التطور ليكون الذكور الأقوى والأصح هم الذين ينشرون ذريتهم .
وبالنسبة للإناث ( أو النساء ) كانت اللذة الجنسية غالباً قوية كمكافأة بالإضافة إلى دافع غريزة الأمومة , وذلك من أجل أن يتفوقوا على معاناة الحمل وآلام الولادة ومعاناة تربية ورعاية أولادهم , فهذا كانا بمثابة عقاب . فيجب أن تكون المكافأة أكبر من العقوبة .
ويجب الإشارة إلى أهمية فهم العلاقة الجنسية بين الرجل و المرأة ، ونرى في هذا السياق أن التركيز على العلاقة الجنسية دائما عند الحديث عن هذه العلاقة ( بالنسبة للرجال ) هو من قبيل اقصار المرأة عن دورها كطرف في العملية الجنسية ، ونلاحظ ذلك في الكثير من الكتب والصحف والمجلات ، فالحديث عن المرأة يستجر الحديث مباشرة عن العلاقة الجنسية ، وإن كانت العلاقة الجنسية هي تعبير عن طبيعة الترابط بين الرجل و المرأة
فإن الخلل في هذه العلاقة هو خلل في التعبير عن هذا الترابط في هذه العلاقة وهو خلل في القوة والسيطرة على القوة في العلاقة .
الرد على سيطرة الرجال
ومع كل هذا  بقيت غالبية النساء تملك الخيارات والقدرات التي بواسطتها تستطيع التعامل مع سيطرة وظلم الرجال وذلك عن طريق  توظيف واستغلال الرغبة الجنسية للرجال , وتقنين الجنس .
لقد سعت النساء إلى توظيف الرغبة الجنسية القوية عند الرجال لتحقيق التكيف الأفضل مع الظروف من أجل الإنجاب وتربية ورعاية أولادها , وذلك عن طريق التحكم في تصرفات الرجال وتوجيهها بما يناسب ذلك . وكذلك استخدمن الكثير من الخيارات التي تمكنهم من التعامل مع سيطرت الرجال .
أما الوضع الآن فقدرات النساء على التملك والتحكم أكبر وأوسع من قدرات الرجال , فبعد أن أصبحن شبه متساوين مع الرجال من ناحية الحصول على المال والمراكز الاجتماعية المتقدمة , أضيف هذا للقدرات التي أبدعنها لمجابهة سيطرة الرجال وظلمهم , وهذا ما جعل مجموع أو محصلة قدرات النساء أكبر من قدرات الرجال .
هل استفدن النساء أم خسرن نتيجة الثورة الجنسية ؟
كان لفصل الجنس عن الإنجاب  من أهم عوامل التي أدت للثورة الجنسية .
كانت النساء كما ذكرنا قد قننت تقديم الجنس لأسباب كثيرة أهمها أنه يترتب عليه الحمل والولادة , صحيح أن بعض النساء كانت تبيع الجنس ولكن هذا لم يؤثر على سعي الرجال للنساء ورغبتهم بهم , ولم ينخفض طلب الرجال للجنس و المرأة الجميلة ، فقد كانت المرأة الجميلة دوماً لها تقييم عال.
والملاحظ أن الثورة الجنسية قد أثرت بشكل كبير على تقنين النساء للجنس . حيث كانت غالبية النساء لا تطلب الجنس وتنتظر سعي الرجل إليها . فصارت هي تطلب الجنس الذي ترغب به أو تبادل به و أحياناً هي التي تشتري الجنس , صحيح أنه قديما كانت بعض النساء تطلب وتشتري الجنس , ولكنهن  قلائل وهن من  يملكن المال والمكانة .
إننا نرى عدم تقنين الجنس له أبعاد كثيرة , ويؤثر على العلاقة بين الرجال والنساء , وهذا يؤدي لخسران النساء خيار هام وأساسي كن يستخدمنه في التعامل مع  سيطرة الرجال .

وفي النهاية إن الأمور طبعاً ليست بهذه البساطة . فليست كل النساء تملكن خصائص واحدة وخاصة بهم , وكذلك ليس لكل الرجال خصائص واحدة خاصة بهم . فيمكن للكثير من النساء أن يملكن بعض خصائص الرجال , ويمكن العكس أن يملك الرجال بعض خصائص النساء .
ماذا يريد الرجل من المرأة ؟
الحب واللذة الجنسية  وإنجاب الأولاد
ماذا تريد المرأة من الرجل ؟
تحقيق دافع الأمومة والإنجاب وتأمين رعايتها ورعاية أولادها , والحب واللذة الجنسية
وهناك دوماً تعاون ومشاركة بينهم , و المرأة هي أم للرجل , والرجل هو ابن المرأة , وهي ابنته , وهي زوجته وشريكته في الحياة . والتنافس أو حتى الصراع بينهم هو من أجل التقدم نحو الأفضل لكليهما .

28
الأخت الكريمة عاشقة الأقصى الشريف .
طبعاً أن معك في الفصل بين البنات والأولاد , في المرحلة الإعدادية والثانوية وهذا بسبب خصائص هذه المرحلة العمرية , ولكن في المرحلة الابتدائية , أرى أنه يفضل عدم الفصل .وفي الجامعة يعود عدم الفصل لحدوث التضج الجسمي والفكري والأخلاقي .

شكراً لمداخلتك .

29
التطور والارتقاء أصبح الآن اجتماعياً وثقافياً وتكنولوجياً ولم يعد بيولوجياًً

التطور والارتقاء للكائن الحي هو : اكتسابه خصائص وأعضاء أو أجهزة , وتصرفات أو طرق استجابات (أي برامج) تمكن وتسهل للكائن الحي التوافق مع بيئته , والعيش والتكاثر واستمرار ذريته أو نوعه , في ظل ظروف وأوضاع متزايدة التنوع والاختلاف مثال على ذلك :
تطور الزواحف إلى ثدييات أو تطورها  إلى طيور, و تطور الرأسيات لتصبح قادرة على المشي على قدمين وتحرر يداها , و تطور الإنسان واكتسابه اللغة . . الخ . وتطور الكائنات الحية يلزمه عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من السنين , فليحدث التطور يجب أن يصبح موروث أي مسجل في الجينات الوراثية , وهذا يلزمه وقت طويل .
وكذلك تطور الإنسان وارتقى عندما ملك اللغة وبالتالي الثقافة والحضارة وأصبح الإنسان صانع للأدوات والأجهزة , فنشأت البنيات الفكرية ( الأفكار والمعارف والمعلومات ) وصارت تتطور وتنمو وتزداد دقة , وكذلك نشأت البنيات التكنولوجية  بكافة أشكالها بدء بالدولاب وحتى المحطات الفضائية والكومبيوترات والذكاء الصناعي , والتي صارت  تتطور وترتقي باستمرار , وقام الإنسان بتطوير جسمه وفكره و ذاته .
والتطور والارتقاء يحدث أيضاً للبنيات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية  بكافة أشكالها , والتي بدورها مع البنيات الفكرية المتطورة والبنيات التكنولوجية المتطورة , تعود وتساهم في تطور وارتقاء الإنسان .

لقد كان دوماً يحدث جدل عن أيهما أكثر تأثيراً على كيفية تصرف الإنسان ,  الوراثة , أم المكتسب ( البيئة والمجتمع ) . وكذلك كان هناك جدل عن أيهما أقوى تأثيراً التصرفات الغريزية والانفعالية والعاطفية , أم التفكير والمعرفة .
فالوراثة أو الموروث البيولوجي , وما يكتسب نتيجة الحياة , هما ما يقرر تصرفات الإنسان وبالتالي منحى تطوره . يمكننا تشبيه الموروث البيولوجي بالهاردوير في الكومبيوتر , والموروث الاجتماعي أو ما يكتسبه ويتعلمه الإنسان نتيجة حياته الاجتماعية والمادية , يمكن تشبيهه بالسوفتوير في الكومبيوتر, وهناك تشابه كبير بين الأفراد من ناحية الهاردوير أو الموروث البيولوجي , ولكن ما يكتسبه الإنسان أثناء حياته وبشكل خاص حياته الاجتماعية( السوفتوير أو البرامج ) يمكن أن يختلف بشكل كبير , نتيجة الأوضاع المادية والاجتماعية التي عاش ضمنها الإنسان .    
لم يعد تطور وارتقاء النوع الإنساني بيولوجياً فقط , لقد أصبح تطوره وارتقاءه مرتبط بما نشأ من بنيات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية . فلقد أصبح الإنسان الفرد جزء من بنية اجتماعية تتطور وتنمو . وارتبط تطوره وارتقاؤه بطبيعة وخصائص البنيات الاجتماعية الموجود ضمنها , وأصبح لهذه البنيات الاجتماعية وخصائصها ومدى تطورها التأثير الأكبر على تطور الإنسان .
فأي فرد مهما كانت خصائصه البيولوجية جيدة ( الذكاء والنشاط والفاعلية ...) إذا عاش في مجتمع متخلف لا يمكن أن تنمو وتتطور قدراته ويحقق نتائج جيدة , كما لو عاش في مجتمع متطور يستطيع توظيف وتنميه قدرات هذا الفرد ليحقق نتائج جيدة . وهناك الكثير من الدلائل التي تثبت ذلك . . فتخلف أنظمة وثقافة وحضارة الدول أو تقدمها , له التأثير الأهم على تطور وارتقاء أفرادها .
فلإنسان نتيجة عيشه ضمن جماعة متعاونة ومتفاعلة مع بعضها قد أكسبه خصائص وتصرفات جديدة تناسب أوضاع وخصائص بنية المجتمع الذي يعيش ضمنه . وكان التواصل واللغة من أهم العوامل التي سارعت في تطور الإنسان بشكل ليس له مثيل , ونشأت نتيجة لذلك المجتمعات والبنايات التي لها خصائصها وتأثيراتها الحاسمة على حياة وتصرفاته , وأصبح تأثيرها هو الذي يحدد منحى وطبيعة تطوره .
ماذا يورث أو ينقل المجتمع لأفراده ؟
يكسبهم اللغة والقيم والعقائد والثقافة والحضارة بكافة أشكالها . و تنظيم وتعديل الموروث البيولوجي كالانفعالات والغرائز التي أصبحت غير مناسبة للأوضاع الموجودة الآن نتيجة الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية .
إذاً هناك أولاً الدوافع البيولوجية( الغرائز والدوافع والأحاسيس والانفعالات الموروثة بيولوجياُ ) , وهناك الدوافع الموروث الاجتماعي , العادات والتقاليد , والانتماءات والدوافع والغايات , والعقائد والأديان , وكل أشكال الثقافة التي يطبعها مجتمعنا فينا فتوجه غالبية تصرفاتنا .
وأيضاً هناك تأثيرات المنجزات في كافة مجلات العلوم والمعارف , وتأثيرات المنجزات التكنولوجية بكافة أشكالها وبشكل خاص الأجهزة الإلكترونية ومجلات الاتصالات والذكاء الصناعي . . . الخ .
وبالنسبة للإنسان أصبح المكتسب أثناء الحياة يشمل تأثيرات البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والحضارية والتي تشمل المنجزات التكنولوجية بكافة أشكالها , وهذا أصبح تأثيره كبير ويمكن أن يفوق تأثير الموروث البيولوجي في أغلب الأحيان .

والموروث البيولوجي ويشمل خصائص وطبيعة الإنسان الفزيولوجية والجسمية , وأهمها " الدوافع " , و" الانفعالات " , وقدراته الفكرية , وكافة قدراته الجسمية . وهو يرثها من آبائه .
الدوافع : كل إنسان يملك دوافع كثيرة عند ولادته , دوافع فزيولوجية وعصبية موروثة وهي التي تنتج الغرائز أو العكس , وتنشأ لديه كثير من الدوافع أثناء حياته , فالدوافع لديه متنوعة وكثيرة جداً .
والدوافع التي تكون لديه عند ولادته " الموروثة بيولوجياً "هي طرف سلسلة من دوافع ( أو قوى فيزيائية و فزيولوجية ) موجودة قبل تكونه ، وبالتالي هي موجودة قبل إحساسه أو وعيه بها . فهناك دوافع أساسية نحو أهداف معينة مسبقاً , موجودة لدى الإنسان عند ولادته ، فالأهداف والدوافع  له محددة مسبقاً , فهو يسعى نحو ثدي أمه دون أن يؤثر فيه أو يثيره هذا الثدي أولاً ، أي هو مبرمج مسبقاً على البحث والسعي نحو هدف معين محتمل وجوده . فهناك الكثير جداً من هذه الدوافع المعينة مسبقاً لدى الإنسان ، وآليات تكونها تكون موجودة فزيولوجياً ( أي موروثة ) وهذه الدوافع والأهداف تكوّنت نتيجة تطوره .
والدوافع لدى البشر تتشابه بصورة كبيرة ، فالدوافع الموروثة فيزيولوجياً ونفسياً وعصبياً تتشابه بينهم , أو تتطابق ، وكذلك تتطابق الأحاسيس الأولية الأساسية بين كافة الناس ، وتتطابق بشكل أقل المشاعر والادراكات والواعية . وهناك تشابهات كبيرة بين ( أنا أو ذات ) لكل منا , تمكننا من استعمال نفس الأحكام على دوافعنا . فهناك تشابهات كثيرة تسمح بالتعميم ، مع وجود اختلافات بين كل أنا وأخرى ، فالصفعة على الوجه هي مؤلمة لدى غالبية الناس . وكذلك تتشابه الحواس وآليات الإحساس والانفعال وهذا التشابه هو الذي يسمح بالتواصل بين البشر, بكافة أشكاله، ولولا هذا التشابه وخاصة في الأحاسيس لما أمكن قيام أي تواصل بين إنسانين.
فالوعي والأحاسيس والمشاعر المتشابهة هم الأساس لقيام التواصل بينا ، وبالتالي هم  سمحوا بنشوء اللغة والثقافة والعلم.
وأهم الدوافع البشرية الأساسية والتي هي موروثة بيولوجياً
دافع المحافظة على الذات وعلى بقاء النوع واستمراره , وهو يتضمن دوافع كثيرة
دافع طلب اللذة وتحاشي الألم ، والسعي لتحقيق الأحاسيس المرغوبة وتحاشي الأحاسيس غير المرغوبة .
دافع اللعب والتقليد أو المحاكاة .
دافع النمو , والجمع , والسيطرة .
دافع الانتماء للجماعة , وهو موجود لدى الكثير من الثدييات.
دافع المنافسة والتفوق على الآخرين وتحقيق المكانة العالية , وهو أيضاً موجود لدى الكثير من الثدييات.
الانفعالات : إن الوظيفة الأساسية للانفعالات هي رفع جاهزية وقدرة الفعل والاستجابة التي تعتبر مناسبة وفعالة في مواجهة ما يتعرض له الكائن الحي , وهي موجودة فقط لدى الحيوانات الراقية, فهناك انفعالات أساسية نشترك بها مع الثدييات الراقية و الرأسيات, وهي انفعال الغضب والخوف والحب....., وهي انفعالات أساسية قديمة لدينا. وأحاسيس الانفعالات لا تنتج عن واردات أجهزة الحواس فقط , فهي تنتج بعد حدوث تفاعلات وعمليات في الدماغ والذاكرة بشكل خاص, بالإضافة إلى عمل وتأثيرات الغدد الصم , فالغضب لا يحدث لدينا إلا بعد معالجة فكرية , والتي تتأثر بالذاكرة وما تم تعلمه, وهناك تأثير متبادل بين الدماغ والغدد الصم, ويمكن المساعدة في إحداث الانفعالات باستعمال تأثيرات كيميائية وفسيولوجية .

وهناك دوافع نشأة نتيجة الحياة الاجتماعية , فالإنسان في الوقت الحاضر يوجد دوافع كثيرة جديدة باستمرار، فلم تعد دوافع الحياة الأساسية الموروثة هي فقط المسيطرة والمتحكمة بتصرفاته . فلقد أوجد بعض الناس دوافع قويةً جداً , ويمكن أن تتعارض مع دوافع الحياة الأساسية , مثل الدافع لتعاطي المخدرات . ., وجميع هذه الدوافع مهما كانت طبيعتها وقوتها إذا كانت لا تتفق مع دوافع الحياة ودوافع المجتمع فإنها سوف تقاوم أو تعدل لتتفق مع دوافع الحياة ودوافع المجتمع .
والأديان والأخلاق, والقوانين . .  هي دوافع تسعى لخدمة بنية المجتمع ، ويجب أن تتفق مع دوافع الإنسان أيضاً ، فإذا أردنا المحافظة على بنية المجتمع وبنية الإنسان يجب أن نلبي دوافعهم الأساسية التي تمكنهم من الاستمرار و النمو و التطور.
أهم الدوافع الموروثة اجتماعياً
 دافع الإنجاز ، وهو يغطي مجالاً واسعاً من السلوكيات الموجهة نحو تحقيق هدف .
دافع الانتماء - أو العنصرية -.
 دافع المنافسة والتفوق على الآخرين وتحقيق المكانة العالية.
دوافع اجتماعية متنوعة , وهي نتيجة العلاقات الاجتماعية
دوافع فكرية، وهي دوافع عصبية متطورة نتيجة المجتمع والثقافة .
وأيضاً تطورت ونشأت لدينا نتيجة حياتنا الاجتماعية انفعالات جديدة وهي خاصة بنا, فهي تكونت نتيجة العلاقات الاجتماعية , و الحضارة والثقافة والعقائد..., وقد نشأت وتطورت أنواع كثيرة من الانفعالات نتيجة لذلك. والانفعالات دوماً تكون مترافقة مع أحاسيس خاصة بها , وهناك انفعالات إخبارية مثل الدهشة والتعجب والترقب والضحك, وهناك انفعالات مثل الحب والحنان والصداقة, والزهو, الغيرة, الحسد , والكراهية....., وكل هذه الانفعالات ترافقها أحاسيس معينة خاصة بكل منها.

دور وتأثير التكنولوجيا
يعزى البعض التغير الشامل والسريع الذي نتعرض له الآن إلى تقدم التكنولوجيا . والتكنولوجيا تشمل كل الآلات والأجهزة . . . الخ , بالإضافة للمعارف والمعلومات العلمية , أيّ النباتات هي الأصلح للأكل ، وأيّ الحشرات تحمل أمراضاً . وكذلك الكلمات والبنى القواعدية التي نتواصل بها ، ونماذج الواقع التي نفكر بها، و الترتيبات الاجتماعية التي وجدناها فعالة. وبالمعنى الأوسع يمكن تعريف التكنولوجيا بأنها القدرة على فعل الأشياء ، ولا يستثنى إلا المعرفة غير العلمية وقيمنا وتقييماتنا.
ونحن نشهد زيادة مستمرة في مستوى التعليم على نطاق العالم ، وصعود العقلانية في تنظيم العمل والتمويل والسياسة والأخلاق والدين . وكان استخدام المنتجات التكنولوجية المختلفة على مستوى العالم هو اتجاه لتشكل ظاهرة العولمة التي باتت تحيط بكل شيء.
إن الاتجاهات التي تعمل على تغيير العالم الآن هي المعارف والعلوم الجديدة، والتقنية أو التكنولوجيا الجديدة , ونتائجهم . وإذا أردنا أن نستشف المستقبل يجب النظر إلى دوافعنا وغاياتنا والقوى والغرائز الأساسية التي توجهنا ، بالإضافة لكافة التأثيرات التي نتعرض لها نتيجة حياتنا الاجتماعية والثقافية والعقائدية . فكل هذا هو الذي يقرر كيف سيكون المستقبل .
القدرات التي منحتنا إياها التكنولوجيا
سرعة الحركة والانتقال , العربات و السيارات والقطارات والبواخر والطائرات , وكافة منجزات الثورة الصناعية الحديثة . توسع مجالات وقدرات الاتصال السمعي والبصري , مهارات الأيدي والآلات , سهولة استخدام القوى وتعدد أشكل القوى الممكن استخدامها , مساعدة القوى البيولوجية في مقاومة الأمراض والتطورات الهائلة في مجلات الطب , الثور الزراعية والحيوانية المعتمدة على ما تم اكتشافه في مجلات الورثة , ثورة الإلكترونيات والكومبيوتر والبرمجة  والذكاء الصناعي , منجزات الواقع الافتراضي . . . الخ
لقد تصور بعض المفكرين في بداية القرن العشرين أنه سوف يحدث انقسام أو تطور البشر إلى أنواع أو أشكال مختلفة نتيجة الثورة الصناعية , طبقة عمال متدنية الثقافة والتفكير وفقراء , وطبقة ميسورين ومثقفين ومتحكمين بالأمور . لكن الأمر ليس كذلك , فالثورة الصناعية و التكنولوجية لا يمكن أن تحدث فروق كبيرة بين البشر خلال لفترة صغيرة , فالاختلافات المؤثرة يلزمها عدة أجيال 5 أو 10 لتحدث فروق في التربية والأفكار وطريقة المعيشة , ونشوء بنيات وأنظمة اجتماعية تدعمها وترسخها , ومثال على ذلك الديمقراطية وحكم المؤسسات وأنظمة الدولة الحديثة جعلت حياة الأفراد الذين يعيشون ضمنها متكيفين معها , وهذا لم يحدث إلا خلال فترة عدة أجيال تطورت خلاله الأفراد والبنيات الاجتماعية , الثقافية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية .
إن التغيرات المتسارعة والمستجدات الطارئة التي يشهدها العالم , تثير كثيرا من علامات الاستفهام والتساؤلات عما سيكون عليه مستقبل المجتمع الإنساني و مصير الإنسان نفسه إزاء ارتياد العلم الحديث مجالات من البحث , لقد استطاع في الآونة الأخيرة أن يحطم كثيرا من تلك القيود, ويتدخل في أدق عمليات التكوين الفسيولوجي والبيولوجي لدى الكائنات الحية, لكي يستنسخ منها كائنات جديدة لها مواصفات وقدرات مختارة, على أن تمتد هذه التجارب إلى الإنسان نفسه بعد التغلب على الاعتبارات الأخلاقية والدينية, التي لا يزال الكثيرون يثيرونها احتراما لقداسة الكائن البشري .
يشير كورزويل في كتابه "حين يتسامى البشر" إلى اقتراب حدوث انكسار تاريخي جذري بالغ العمق من شأنه تغيير كل ما يؤلف طبيعة الكائن البشري . فهو يتوقع نتيجة التطور السريع لقدرات الكومبيوتر والذكاء الصناعي المترافق مع التقدم هائل في مجال التحكم في المورثات ، أن يؤثر ذلك على عملية التطور البيولوجية، وأن يصبح التحكم في التطور البيولوجي بيد المعارف العلمية.
وكذلك كان فون نويمان قد تنبأ بأن الجنس البشرى سوف يتطور بشكل سريع وغير متوقع نتيجة نمو التكنولوجيا وتطور الكومبيوتر.
وقال ستيفن هوكنج ما معناه: أدى نقل المعلومات عن طريق غير بيولوجي إلى أن يسيطر الجنس البشرى على العالم، فقد حدث منذ حوالي سبعة آلاف سنة أن أنشأ الإنسان اللغة المكتوبة وهذا يعنى انتقال المعلومات دون الاتصال المباشر أو الشفاهية، فقد توضعت المعلومات خارج عقل الإنسان وصارت هذه المعلومات تسير عبر الزمن وتنتقل إلى الآخرين بدقة وبعد موت منتجها بزمن طويل. لذلك نحن الآن على مشارف عصر جديد سوف نتمكن فيه من زيادة تعقيد سجلنا الداخلي من دون أن نحتاج إلى انتظار عمليات التطور البيولوجي البطيئة والتي تحتاج إلى عشرات الآلاف من السنين. ومن المرجح أننا سنتمكن من إعادة تصميم الإنسان بالكامل في  الألف العام القادمة.

وفي مجال تكنولوجيا الإعلام والتواصل والذي هو أهم العوامل التي تتحكم في الكثير من الأمور نجد :
إن عملية تكوين الرأي عند البشر تتم من خلال برامج معمِقة للمعتقدات والأفكار الدينية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية، بما في ذلك العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية .
لقد لعب الإعلام بكافة أشكاله الدور الأهم في التقدم العلمي التقني ، وتشجيع الإبداع الكامن داخل أفراد المجتمع هذا أو ذالك، والذي دفع باتجاه تطوير الوضع الاقتصادي والبنية الاجتماعية، وتعزيز التأثير السياسي، والتوافق والفهم الديني ، مما أدى في كثير من الدول إلى إعادة تشكيل المشهد الثقافي فيها .
ومن ناحية أخرى فان القراءة في مجتمعاتنا المعاصرة،  واستخدام مصادر المعلومات أصبح استحقاق لا غنى عنه لكل فرد من أفراد المجتمع ، مشكلةً للحياة الثقافية والروحية و مربية لأفراد قادرين على التعاطي مع متغيرات جديدة ضمن ظروف العولمة واليات السوق الحاكمة، وتكوين الاقتصاديات المستقلة، والتطورات المتسارعة في التكنولوجيا والاتصالات والتعايش بين الأديان ، والتفاهم في الآراء والأفكار، وتفهم علاقة الخلاف في الرأي والدين.
إن المعلومات الآن و في عصر " اقتصاد المعلومات " الذي تزيد فيه قوة العمل في قطاع المعلوماتية عن القوة العاملة في قطاعات الاقتصادية الأخرى ، خلق اصطلاح المجتمع الواعي الذي يملك معلومات  وأفكاراً و خبرات تمكنه من فهم ما يحيط به من أجل تطويره، وهذا لن يتم إلا من خلال توفير المعلومات اللازمة لتطوير المجتمع اقتصادياً  واجتماعياً و سياسياً
والآن أصبحت الإنترنت من ركائز نجاح نشر المعارف والأفكار، وأصبحت تفرض نفسها باعتبارها تمنح امتيازا للتبادل وتشارك المعلومات ,  ووسيلة معتمدة للمناصرة والدفاع عن قضايا والترويج لأهداف والعقائد
, لقد زادت اليوم قيم الحرية والانفتاح ، إلا أن هذه القيم ليست واحدة بالنسبة إلى جميع الناس . فلكل فئة أو جهة أو فرد مفهوم خاص للحرية كما يضع كل فضاء حدودا معينة لها.
والرقابة على الإعلام والتحكم به موجودة دوماً وإن كانت بشكل غير ظاهر, فالتقييم والتوجيه لكافة أشكال الإعلام هو موجود دوماً , وإذا دققنا في التاريخ المروي أو المسجل , وهو شكل من أشكال الإعلام , وكذلك كل الإعلام الواصل إلينا , فإننا نره مراقب ومقيم وموجه من قبل راويه أو كاتبه . وكل من مارس أو يمارس الإعلام مهما كانت صفته , يترك بصمته عليه بطريقة من الطرق , فيمكن أن يذكر أشياء أو يتحاشى ذكر أشياء ,أو يستعمل طرق كثيرة أخرى معروفة ليترك بصمته (أو بصمت من يكون تابع له ) , وهذا نتيجة الدوافع والأفكار والقيم والمصالح التي يعتمدها , ودوماً الأقوى ( والأقوى يمكن أن يقون الأقوى فكرياً أو عقائدياً أو مادياً أو اقتصادياً ) هو الذي يفرض تقييماته وتوجهاته وينشر ما يحقق مصالحه . لذلك كان الإعلام غير دقيق وفيه الكثير من التحوير . بالإضافة إلى أنه كان قليل ومحدود مقارنة بالإعلام الموجود الآن .
 لقد كان دوماً مسيطراً على الإعلام وموجه من قبل الأقوياء , ولكن الآن بوجود الانترنيت والإعلام الفضائي الذي سمح للكثيرين نشر أفكارهم ومعارفهم وقيمه , وضمن حرية واسعة , أصبحت قوة سيطرة الأقوياء على التحكم وتوجيه الإعلام مهددة , وإن بقيت موجودة . فيجب أن يستغل هذا الوضع من قبل الضعفاء لأنهم تحرروا من سلطة الأقوياء , والسعي لإظهار أفكارهم وقيمهم وتوجهاتهم , فهو الأفضل حتى وإن كان لهذا العديد من المحاذير المعروفة . لأنه في النهاية سوف ينتشر الإعلام الأدق والأفضل ( ولا يصح إلا الصحيح ) ويتوارى الغث والتافه والسيئ , ولن يكون هذا خلال وقت طويل . فيجب أن تتحقق ديمقراطية وحرية الإعلام وإن كان الثمن كبير.
لقد ساهمت الانترنيت في مزيد توسيع دائرة الجدل حول موضوع القيم , فالانترنيت تتيح للباحث فرصا كبرى لاقتصاد الجهد و تركيز بؤر البحث و الاستطلاع ، فبنقرة واحدة على ال " غوغل " مثلا ينكشف المبحوث عنه ، و ينطلق التسكع الفكري بين دروب المعرفة ، وزيارة المكتبات الكبرى و الإطلاع على أحدث النتائج العلمية في حقل تخصصه ، و في ذلك تشجيع مباشر على البحث العلمي و تكريس لديمقراطية المعرفة ، و من جهة ثانية فالشبكة أتاحت للكثيرين فرصا مهمة لتمتين عرى التواصل مع زملاء لي من دول مختلفة ، فالبريد الإلكتروني و المحادثة المباشرة توفر اليوم بديلا رائعا لأشكال التواصل التقليدية التي تتطلب وقتا أكبر و مصروفا مرهقا .
ويرى البعض أن الانترنيت حمل الكثير من الفوائد الجمة للكتّاب ، فاليوم لم يعد مفروضا على الكاتب أن ينتظر الأسابيع و ربما الشهور لكي ينشر له نص بالملحق الثقافي ، و لم يعد في حاجة أيضا للسؤال ، لعشرات المرات ، عن مصير نصه و سبب تأخره في النشر ، فطريقة " أضف مقالا " تعفيه من كل هذه المتاهات ، و تتيح له تصحيح نصه بنفسه و اختيار الإخراج الممكن له بنفسه ، كما أن بمقدوره لو كان يتوفر على بعض مال أن يحدث لنفسه موقعا خاصا به , والانترنيت حرر المبدعين من تجرع الكثير من الإهانات و المرارات التي يسببها طرق أبواب بعض الملاحق الثقافية التي استحالت مع توالي الأيام إلى ضيعات خاصة تنشر لفلان و لقبيلة فلان ، ترفض بالطبع كل صوت آخر لا يعزف لحن القبيلة و لا يعبد سيد القبيلة ، كثيرة هي الأسماء التي تلتمع اليوم في الشبكة و تكرس حضورها النوعي في أكثر من موقع و تستقبل إنتاجاتها بغير قليل من الاهتمام و الترحيب من قبل المشارقة و المغاربة ، كانت تقريبا ممنوعة من الصرف في كثير من الملاحق الثقافية ، لكن بمجرد ما اكتشفت عوالم الشبكة ، حتى أفصحت عن إبداعيتها و أصالتها الفكرية ، و في ذلك تأشير بالغ على الإقصاء الذي تنتهجه جملة من الملاحق الثقافية .

إذاً لقد تطورت القدرات والخيارات المتاحة للإنسان نتيجة تواصله مع الآخرين بواسطة اللغة ونقل أفكاره ونواياه ومعارفه لهم , فتراكمت المعارف ونمت وساهمت في تسريع تطور المجتمعات البشرة بشكل غير مسبوق .
والآن بنشوء المعارف والأفكار غير البيولوجية نتيجة نشوء وتطور الكومبيوتر تسارع نمو وانتشار المعارف والأفكار بشكل ليس له مثيل .
أمام تطور وسائل الاتصال الحديثة نعيش أكبر ثورة عالمية في وقتنا الحاضر , لقد ساهمت في تطور الفكر وأساليب العيش ورفاهية الإنسان . والعالم الرقمي الجديد كان أكثر إغراء بالنسبة للشباب ، الذي لم يعد بإمكانه الإفلات من حبال الشبكة العنكبوتية.
إننا ننظر إلى الانفجار الإعلامي نظرة غير واقعية فنتكلم عن كم المعلومات والمعارف الهائل ودقة بعضها العالية جداً وتوفرها في أي مجال نظري أم عملي , ولكننا ننسى قدراتنا الجسمية والعقلية التي تسمح لنا بالتناول والهضم والتمثل - المحدود جداً- لهذا الكم الهائل من المعلومات.
إن استطاعتنا للتعامل مع هذا الكم من المعارف والأفكار هزيلة جداً , فنحن نظن أننا قادرين على التعامل مع هذه المعارف, ولا ننتبه إلى قدرات جسمنا وعقلنا وذاكرته المحدودة جداً, وغير الدقيقة.
لذا فإن أصعب مهمة تواجهنا هي اختيار المجال الذي سوف يمتص أو يستهلك قدراتنا الفكرية .

30
محاورة عن التربية الجنسية .
أجرى الحوار مراسل مؤسسة أفاق الأستاذ عبدالعزيز ابولطيفة

دمشق- آفاق - خاص
أكد الباحث السوري في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية نبيل نائف على أهمية التربية الجنسية للأطفال في بناء اتجاهات سليمة لديهم نحو الجنس ضمن شروط المجتمع الذي يعيشون فيه. وأشار في حوار خاص بـ"آفاق" إلى أن المجتمعات البدائية والحديثة والعقائد والأديان والتشريعات والأعراف قامت بتنظيم العلاقات الجنسية بشكل يتناسب والأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الموجودة.
واعتبر نائف أن التثقيف الجنسي من واجب الأب بالنسبة للذكور، والأم بالنسبة للإناث، لأنهما مصادر ثقة للطفل. وانتقد نائف نظام الفصل بين الولد والبنت في المدارس وقال إن ذلك "يكرس التعتيم ويعيق تفهم الأولاد والبنات لبعضهم البعض".
وذكر نائف أن الكثير من المشاكل الجنسية التي تواجه الشباب والشابات ناتجة عن عدم توافق العادات والتقييمات التي تنظم وتضبط العلاقات الجنسية المعتمدة والمنتشرة، مع الظروف والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الموجودة لدينا.
وشدد على ضرورة تعديل أو تطوير طريقة تعامل المجتمعات العربية مع العلاقات الجنسية، حتى تلائم الأوضاع والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي حصلت والتي لم يعد يناسبها ما هو منتشر ويطبق.

وفيما يلي نص الحوار:
س - يتردد الحديث عن التربية الجنسية للطفل، فما هو المقصود بها؟

إن المقصود بالتربية أو التعليم بشكل عام: الخبرات التي يقدمها المربين للمتعلمين ليكتسبوا أفكار ويتعلموا تصرفات معينة، وهي تختلف باختلاف المجتمعات والسمات المميزة لها. فكما تكون المجتمعات تكون سمات التعليم لديها، طالما أن التعليم هو الذي يجعل هذه السمات تتوارثها الأجيال، وتختلف في المجتمع الواحد باختلاف ظروفه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية .
وبالنسبة للتربية الجنسية، هناك حاجة ماسة أو ضرورة للتربية الجنسية الموضوعية والمناسبة للمجتمع والأفراد. ومن أهداف هذه التربية الجنسية التوعية الجنسية التي تسعى إلى بناء اتجاهات سليمة لدى الناشئة نحو الجنس والأمور الجنسية ضمن شروط المجتمع الذي يعيشون فيه. وتلك ليست بإشكالية سهلة في كل الأحوال .
فالدافع الجنسي من أقوى الدوافع الفطرية لدى الإنسان، وأكبرها أثرا ً في تفكيره وسلوكه وصحته النفسية. وتعقد الطبيعة الحياة البشرية وكثرة القيود التي تفرضها الحياة الاجتماعية والثقافية على هذا الدافع تجعل دراسته وتحليله عند الإنسان أمرا صعباً جداً. فدور الجنس لدى الإنسان تطور وازداد تأثيراً واتساعاً عن باقي الكائنات الحية الأخرى، لمعرفة الإنسان ارتباط الجنس بالإنجاب وتأثيره الهام على العلاقات الاجتماعية .
يتميز الدافع الجنسي لدى للإنسان بمظاهر مختلفة تميزه عن بقية المخلوقات لابد من أخذها دائماً بعين الاعتبار:
1- مظهراً بيولوجياً .
2- مظهراً ذاتياً كخبرة حسية ونفسية وفكرية .
3- مظهراً أخلاقياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً .
فالتوجيه الغريزي للدافع الجنسي عند الإنسان غير مرتبط بفترة زمنية محددة والحاجة للتكاثر منفصلة عند الإنسان عن الحاجة للإشباع الجنسي. والتكيف مع المحيط ونمط السلوك الجنسي وطبيعته تتحدد بصورة جوهرية من خلال عمليات التعلم التي تتأثر بدرجة كبيرة بالبنية الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والاقتصادية السائدة.
إن الدافع الجنس بالنسبة لنا تأثيرات وأبعاد أكثر مما نتصور. وهو يظهر بشكلين مختلفين بشكل واضح عند كل من الرجل و المرأة، فدور وتأثير الجنس عند الرجل البيولوجي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي، يختلف عن دوره ووظيفته عند المرأة.
وتأثيرات الدافع الجنسي ونتائجه لها أبعاد تشمل غالبية مناحي حياتنا، نظراً لتأثيراته النفسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك كان ضرورة تنظيم أمور الجنس لأسباب بيولوجية ونفسية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية .
وقد سعت كافة المجتمعات البدائية والحديثة إلى تنظيم العلاقات الجنسية، وكذلك كافة العقائد والأديان والتشريعات والأعراف والأخلاق، قامت بتنظيم العلاقات الجنسية بشكل مناسب للأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الموجودة .
وكان هذا الدافع هو أساس نشوء الأسرة، وكذلك نشوء العلاقات بين الذكور والإناث، والعلاقات بين الذكور مع بعضها أو بين الإناث مع بعضها. والعلاقات بين أباء وأولادهم .
وكان دور الجنس وتأثيراته على تماسك الأسرة هام جداً. وقد كان هذا الدافع الهام يوظف لأهداف متعددة، أكانت مادية أو اجتماعية أو غير ذلك .
إن تنظيم التزاوج وفق ما أقرته الشرائع والأديان والأنظمة الاجتماعية هو الشكل الأفضل فيما يتعلق بالنمو والتطور الاجتماعي الراهن والمستقبلي ، إذ أنه الشكل الأمثل الذي يضمن مصالح الأزواج والأطفال والمجتمع.
والتربية الجنسية للطفل هي :تعريف الطفل بأعضائه الجنسية، دورها وعملها وأهميتها، وكيفية التعامل معها والاهتمام بها .
والتعامل مع الدافع الجنسي وأبعاده الجسمية والصحية والنفسية والاجتماعية (الأخلاقية والدينية).
كيف نوصل المعلومات المتعلقة بالحياة الجنسية، إلى أطفالنا و مراهقينا وشبابنا؟ ما هو مستوى المعلومات وعملية التوصيل التي تتم في مرحلة الطفولة ؟
وكيف نتعامل مع الأطفال، وكيف نتعامل مع المراهقين والشباب، وكيف نوصل هذه المعلومات إليهم، فهي جزء من صحة الإنسان العامة، جزء من حياته، وجزء أساسي من حياته. ويرتبط تحقيق ذلك بشرط محدد مثل توفر إيصال المعلومات الأساسية حول الوجوه البيولوجية والنفسية وحول النمو الجنسي والتكاثر الإنساني وتنوع السلوك الجنسي واضطراب الوظائف والأمراض الجنسية. والسعي تنظيم وضبط العلاقات الجنسية وما يرتبط بها من تأثيرات على باقي العلاقات الاجتماعية.
فالتربية الجنسية للطفل تبدأ من عمر ثلاث سنوات تقريباً، ومرحلة الطفولة من ثلاث إلى ست سنوات. تعريف الطفل بأعضائه الجنسية وكيفية الاعتناء بها ونظافتها، تعريفه بارتباط الجنس بالإنجاب .
الأصل في الطفل أنه يحب أن يكمل معلوماته، والطفل يحاول استكمال معلوماته من كل شيء يراه يسأل عنه من حوله، وأقرب من يسأله هما الأبوان بطبيعة الحال.
إن الطفل سوف يبدأ بإثارة هذه الأمور، لأنه يحاول أن يتعرف على الأشياء، ويحاول أن يتطلع إلى ما وراء ما يشاهده، ومن أجل ذلك يسأل كثيرًا من الأسئلة التي يشاهدها مشاهدة عادية. لماذا لأمه ثدي وليس له ثدي مثلا؟ لماذا بعض الرجال في وجوههم الشعر مثلا أو لحية أو ما شابه ذلك، بينما للنساء لا يوجد شعر، هذه الأسئلة العادية التي تسأل كما يسأل عن أي شيء آخر.
يجب أن يجاب الطفل إجابة واضحة، ليس من الضروري أن تكون تفصيلية جدًّا، ولكن يجب أن يلقى إجابة على كل سؤال، إن التهرب من أسئلة الطفل أو انتهار الطفل حينما يسأل سؤالاً من هذا القبيل، يحدث أثرًا سيئًا في نفسية الطفل فيما بعد. الأسئلة المعتادة من الأطفال: من أين جئت؟ كيف ولدت؟ لماذا يتزوج الرجل المرأة؟ وكيف أيضًا؟
وفي مرحلة المدرسة وحتى سن المراهقة واكتشاف أبعاد اللذة جنسية في عمر التسع سنوات علينا التوضيح له عن التغيرات التي ستحدث لجسمه عند البلوغ، أكان فتى أم فتاة، وبالنسبة للفتاة علينا ان نخبرها عن الحيض بطريقة ايجابية.
ودور التربية الجنسية الأساسي هو : التوفيق بين تحقيق الدافع الجنسي وبين العادات والتقاليد والقيم التي تنظم وتضبط العلاقات الجنسية والمعتمدة من قبل أفراد المجتمع، وبين الظروف والأوضاع الاجتماعية والحياتية (أو الاقتصادية) الموجودة. لذلك لكل مجتمع ثقافته الجنسية الخاصة به .
لقد أصبح من المؤكد اليوم أكثر مما مضى أن المشكلات في مجال الجنس هي ذات تأثير كبير الأهمية على صحة الفرد الجسدية والنفسية وعلى شعوره بالرضا والسعادة، وأن هناك روابط شديدة بين الجهل الجنسي والتصورات الخاطئة حول الجنس وبين المشكلات والاضطرابات الصحية المختلفة.
فهناك ثلاثة عناصر أساسية يجب العمل على تحقيقها :
1- القدرة على السلوك التكاثري والجنسي وفقاً للمعايير الدينية و الاجتماعية والأخلاقية والشخصية السائدة في كل مجتمع.
2- التخلص من القلق والخجل والذنب والتصورات الخاطئة والعوامل النفسية الأخرى التي تكف الحياة الجنسية وتلحق الضرر بالعلاقات الجنسية.
3- الخلو من الاضطرابات والأمراض والعيوب الجسدية التي تلحق الضرر بالوظائف الجنسية والتكاثرية.
ومن الملاحظ إن قوة الدافع الجنسي الكبيرة تجعل التحكم به وتكييفه مع الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية والنفسية والاقتصادية ليس بالأمر السهل أبداً. وكما ذكرنا سعت الأديان والتشريعات والقوانين والأعراف لتحقيق ذلك، وكان نجاحها مرتبط بمدى تقنينها وتنظيمها لهذا الدافع، ومدى العوامل والإغراءات الموجودة والتي يتعرض لها الرجل و المرأة. ولا تختلف نظرة المسيحية كثيراً عن نظرة الإسلام وإن كان البعض يعتمد نظام الرهبنة والامتناع عن الجنس، وعدم الطلاق، وكذلك نظرة غالبة الأديان للجنس نظرة احترام. على أنها أساس تكاثر البشرية وأنها غريزة وضعها الله في الإنسان، ولكن نظمها ووضعها في ضوابط شرعية وهي الزواج، لقد سعت الكثير من الدول لإدخال التربية الجنسية في جميع مراحل التعليم وبرامج التوعية والتثقيف لاعتباره ضرورة اجتماعية ونفسية، وضرورة بيئية وصحية .
ومن المعروف أن تغيير أو تعديل العلاقات الجنسية صعب جداً نظراً لقوة ترسيخها النفسي والعقائدي والاجتماعي والأخلاقي. فالغيرة على الشريك وعدم تقبل المشاركة فيه لا يمكن تغييرها أو يصعب جداً تغييرها، يمكن أن تتطور أو تتعدل خلال عدة أجيال ، وكذلك الرادع الديني والأخلاقي لا يمكن تغييره

س - ما هو الفرق بين "الإعلام الجنسي" و "التربية الجنسية"؟؟؟

الفرق يشبه الفرق بين التربية والتعليم المدرسي المنهجي، والتعليم عن طريق وسائل الإعلام الأخرى التلفزيون والفضائيات والصحف والمجلات.
فالإعلام الجنسي يبحث أمور الجنس بصورة مجزأة ومحدودة، ولا يواكب مسيرة حياة الطفل (بل لا يستطيع مخاطبة الطفل) إلى المراهقة وإلى الشباب، وأحياناً يكون هدفه تجاري، ولكن هذا لا يمنع أن يكون أحياناً منهجي وجيد.
بينما التربية الجنسية هي التربية والتعليم المنهجي والمستمر، تبدأ في الأسرة ثم يقوم المجتمع والمدرسة بالمتابعة، ويعتمد في هذه التربية ما هو معتمد من عادات وقيم وتشريعات دينية .

س - من هو الشخص أو الجهة التي يفضل أن تكون مرجعية للطفل في تعلمه وتثقيفه جنسيا ؟؟؟

يرى البعض إن الأفضل أن يقوم الأب بهذه العملية بالنسبة للذكور، والأم بالنسبة للإناث (وبعضهم يرى إنه من الممكن أن تقوم به الأم للذكور والإناث معًا، لأن الأم هي مؤهلة أكثر من الأب للحديث في هذه الأشياء، وهي أرحب صدرًا، وأطول بالا، فتستطيع أن تستوعب أسئلتهم أكثر من الأب).
ويمكن أن يقوم الأب أو الأخ الأكبر بتعليم الولد الصغير أو أحد الأقارب المؤهلين لذلك. أما البنت فيمكن أن تعلمها أختها الكبرى أو العمة أو الخالة .
ينبغي أن يبدأ التعليم أو التثقيف الجنسي من الأسرة، لأن الطفل يثق في أسرته في هذا المجال، ويمكن له أن ينفتح في الحديث معها أكثر مما ينفتح مع الآخرين، ثم يلي ذلك الجانب العلمي، وينبغي أن يعرف الطفل الجانب الغريزي في الشهوة الجنسية لأنه ينبغي ألا يكتم عنه جانب من جوانبها حتى لا يضل فيفسد..
إن هذا الأمر متوافق تمامًا مع نشأة الإنسان، لأن التوجيه نحو الأسرة، فالطفل موجود ضمن أسرة، وقد يبدأ هذا التثقيف في مرحلة مبكرة جدًّا، وتوعية الطفل ببعض الأمور التي يراها غريبة. يمكن أن يبدأ بتثقيفه اجتماعيًّا من البداية لأنه موجود في وسط اجتماعي .
أما المسألة الدينية فإنها تأتي بعد ذلك، عندما يبدأ عقل الطفل يعي بعض هذه المسائل الدينية. فالتربية الجنسية تبدأ بالبيت ثم تنتقل إلى المدرسة..

س - أيهما بحاجة إلى تثقيف جنسي أكثر من الآخر هل هو الرجل أم المرأة ؟؟؟

في رأيي المرأة أكثر حاجة لتثقيفها جنسياً نظراً لأهمية دور الجنس من الناحية النفسية (أو العاطفية) والاجتماعية بالنسبة لها، ولأن أعضائها الجنسية أعقد نسبياً من أعضاء الرجل ، وتحتاج لاهتمام ورعاية أكثر.

س - هل يكفي تعلم الأطفال للثقافة الجنسية من خلال الشارع والأصدقاء، وخاصة في فترة التغيرات الهرمونية "فترة المراهقة" ؟؟؟

إن تعلم الثقافة الجنسية من الرفاق تنبع من توجهات ودوافع ونفسية الأطفال لذلك هي غير كافية لأنها لا ترعي الأهمية الحقيقية لدور الجنس، ويمكن أن تكون ضارة.
والتعلم من الأصدقاء والشارع هو بمثابة تطبيق عملي لما تم تعلمه والتربية عليه، ويمكن أن تغير ما تم تعلمه.

س - ما هي المشاكل التي قد تواجه أبنائنا في المستقبل في حال تركناهم دون علم ودراية بالثقافة الجنسية؟؟

في الواقع إن الكثير من المشاكل التي تواجه أبناءنا ليست ناتجة عن عدم دراية أو نقص بالثقافة الجنسية، بل هي ناتجة عن عدم توافق العادات والتقييمات التي تنظم وتضبط العلاقات الجنسية المعتمدة والمنتشرة، مع الظروف والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الموجودة لدينا.
فنحن بحاجة إلى تعديل أو تطوير تعاملنا مع العلاقات الجنسية، ليلائم الأوضاع والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي حصلت والتي لم يعد يناسبها ما هو منتشر ويطبق. فظروف وأوضاع الشباب والفتيات الآن لا تناسب بشكل كبير عادات وتقاليد الزواج المتبع، والذي هو السبيل الوحيد المتاح لتحقيق الرغبات الجنسية بشكل مشروع وأخلاقي. فهناك صعوبات كثيرة تعترضهم وتصعب تحقيق هذا الزواج. وهذا له الكثير من الآثار السلبية النفسية والصحية ويؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية، وبشكل خاص بالنسبة للفتيات العازبات المحبطات الذي زاد عددهم بشكل كبير، ومشكلة الشباب العزاب أقل نسبياً نظراً لوضعهم الاجتماعي المختلف عن وضع الفتيات، وقد طرحت حلول متعددة للتعامل مع هذه المشكلة ولكنها ما زالت موجودة ولم تحل .
والغرب أيضاً لم يستطع حتى الآن حل المشاكل التي تعترض تحقيق أرواء الدافع الجنسي، فنسب الطلاق عنده عالية جداً، فأكثر من نصف الأطفال لهم والد واحد أم، أو أب فقط. وهذا يعوض بدعم ورعاية الدولة.

س - هل نظام الفصل التام بين الولد والبنت في مراحل الطفولة يكرس التعتيم لدى الطفل حول علاقته بالجنس الآخر في المستقبل ؟؟؟

نعم يكرس التعتيم ويعيق تفهم الأولاد والبنات لبعضهم، وهذا الشيء لمسته أنا، ففي وقتنا (الخمسينات) كان الفصل بين الولد والبنت يبدأ من المرحلة الابتدائية، لذلك كنا ننظر للبنات بشكل مضخم ومحور وغير واقعي. وهذا كانت له نتائج غير إيجابية. الآن يجري الفصل بعد المرحلة الأساسية في الصف العاشر، وهذا كان بناء على دراسات وتجارب.

صفحات: 1 [2] 3 4