السلام عليكم
حين تقرصك بعوضة لا تشعر بها غالباً إلا بعد ان تنتهي؛ وحين تنتبه لوجودها تكون قد انتفخت - من فرط ما شفطت - وطارت بسلام. وهي تفعل ذلك بفضل مادتين فعالتين؛ الأولى مخدر فوري يجعلها تغرز خرطومها بلا ألم، والثانية مادة تمنع تجلط الدم كي ينساب بسلاسة وبسرعة - قبل أن ينتبه سيادتكم!.
ويقدر ان هناك حوالي 40ألف نوع من المخلوقات التي تعيش على دماء الآخرين؛ فبالاضافة الى البعوضة هناك الخفاش ودودة العلق وذبابة الرمال وخنفساء الخطاف وبعض أنواع الأفاعي. ومعظم هذه المخلوقات تملك في لعابها مواد تمنع تخثر الدم وتضمن انسيابيته. وهذه المواد - التي ما يزال معظمها مجهولا - يمكن تقليدها واستعمالها كموانع للتجلط لدى مرضى القلب بل تتميز حشرة القراد بأنها تملك افضل مانع لتهيج الجلد بحيث لا يشعر المرء بسرقة دمه أبداً. وفي حالة فهم طبيعة هذه المادة - الموجودة في لعابها - يمكن تقليدها كمنتج تجاري يحارب "الحكة" وتهيج الجلد.
@ اما دودة العلق فتعشق دماء الكدمات والجروح الملتهبة مما يجعلها مثالية لهذا الغرض. ورغم شكلها المقرف يمكن وضعها بأمان فوق الجروح (كما يفعل هنود الأمازون) لأنها تملك في لعابها مضادات طبيعية تفتك بالجراثيم. كما تستعمل كنوع من الحجامة حيث تقوم بشفط ضعفي وزنها من الدماء الفاسدة. وحين تكتفي تسقط بنفسها تاركة خلفها جرحا نظيفا (ومغلقاً كحرف (X وحتى اليوم ما تزال الأندية الانجليزية تستعمل العلق لعلاج اصابات اللاعبين - وتوجد في جنوب انجلترا أكبر مزرعة في العالم لتربية العلق للأغراض الطبية!.
وكثير من الحشرات السابقة يمكن استعمالها لمنع تجلط الدم بعد العمليات الجراحية. كما يمكن للعاب الخفاش إذابة الترسبات الدهنية في العروق ومنع الخثرات من التراكم. وبالاضافة لمنع تهيج الجلد يمكن لحشرة القراد ان توفر علاجا فعالا للربو والحمى والتهاب المفاصل. اما ذبابة الرمل فتوفر عقارا فعالا ضد اللشمانيا وبعض أنواع البهاق!!
@ ويجب أن نميز هنا بين خطورة الحشرة (في الأحوال الطبيعية) واستعمالها في العلاجات الطبية؛ فالبعوضة مثلاً تحمل مواد تمنع تخثر الدم ولكنها أيضا قد تنقل مرض الملاريا. وفي حين يحمل لعاب القراد مضادات لتهيج الجلد قد يحمل ايضا أمراضا جلدية خطيرة.. حتى السموم القاتلة في بعض الحشرات (وأيضا الأفاعي والعناكب) يمكن ان تستعمل كلقاحات ومضادات للسموم ذاتها!.
@ وفي حالات نادرة يمكن استعمال الحشرة (بطريقة مباشرة) بلا إجراءات مخبرية أو صحية خاصة. فبالاضافة لدودة العلق استعملت "يرقات الذباب" منذ أمد بعيد لعلاج الجروح الصعبة والمزمنة. وكان طبيب نابليون قد لاحظ أثناء المعارك ان الجروح التي تنتشر فيها يرقات الذباب تبقى دائما أنظف وافضل من غيرها. وقد سجل هذه الظاهرة ايضا طبيب الجيش الأمريكي ويليام يير واعتمد عليها اثناء الحرب العالمية الثانية. واليوم أصبح مؤكداً ان يرقات الذباب (التي قد لا يتجاوز طولها 2ملم) تفرز مضادات حيوية فعالة وتتغذى فقط على الانسجة الميتة مما يساعد على إبقاء الجرح نظيفا. وحاليا تستعمل بعض المستشفيات الألمانية يرقات الذباب (كما جاء في جريدة الشرق الأوسط 99/3/28) لعلاج الجروح المزمنة والقروح الشديدة. وفي حالات مرضى السكر بالذات (حيث لا تلتئم الجروح بسهولة) تكون يرقات الذباب الحل الأفضل والأكثر فعالية!
لعشرات القرون وقع الإنسان ضحية للحشرات.. واليوم حان الوقت لتدفع الثمن!!
شكرا
