إذا نظرت إلى السماء في ليلة من ليالي الشتاء ، وقد تلبدت بالغيوم ، فإنك لن ترى شيئاً وتظن أن هذه الأرض وما يحيط بها من غيوم هي الوجود كله ، ولكن سرعان ما تتذكر أن الشمس هي جزء من هذا الوجود . وعندما ينقضي فصل الشتاء ترى القمر يضيء لك الليالي فتسهر وتتسامر في ضوئه الساحر، وعندما يختفي وتظهر النجوم المتلألئة يبدو الكون أكثر اتساعاً ، وتدرك أنه واسع لدرجة قد لا يتسع إليها خيالك .
حقاً إنه لكون بديع بشمسه وقمره ونجومه وأرضه . . . إنه صنع صانع أتقن كل شيء صنعه ، إنه الله ، فسبحان الله أحسن الخالقين ( لقد ورد ذكر السماء في القرآن الكريم في 120 آية وذكر السماوات في 190 آية ) [1].
في الحقيقة ، لقد شغل الكون الإنسان منذ القدم وعلى مر العصور، فعمل جاهداً وما زال يعمل على فهمه ، حتى أنه استطاع رصد حركة النجوم منذ زمن بعيد ، وبالتحديد في أوائل القرن التاسع ، أي في عهد الخليفة المأمون ، عندما كانت الحضارة الإسلامية في أوجها ، حيث شيد مرصدين أحدهما في بغداد والأخر في دمشق وكانا – في ذلك الوقت - الوحيدين في العالم ( في عام 964 صدر كتاب " النجوم الثابتة " للفلكي الفارسي الأصل عبد الرحمان الصوفي الذي يحدد فيه مواقع النجوم ) .
ومع اختراع المقاريب ( التلسكوبات ) وتطويرها ، وزيادة مقدرتها ، استطعنا أن نعرف الكثير عن بناء هذا الكون ، بل إننا استطعنا رصد نشوء واندثار النجوم ، إذ أن النجوم مثل الإنسان تولد وتتطور ثم تموت . وهنا نسأل :
كيف وجد هذا الكون ؟
وما هي مكوناته ؟
ومما تتألف هذه المكونات ؟
وما هي تلك القوى التي تحكمها ؟
الكون كما نراه الآن:
من المعلوم أن الكون مؤلف من مجرات Galaxies , وحشود مجرات Cluster of Galaxies وأن أهم هذه المجرات مجرتنا " درب اللبانة " Milky Way ( وأحياناً يقال لها درب التبان ) وهي تشتمل على أكثر من 100,000مليون نجم شكل ( 1 ) ، من هذه النجوم شمسنا Sun ولها عدد من الكواكب planets تتبعها وتدور حولها ، ولكل كوكب تابع أو أكثر يتبعه ويدور حوله ، وأهم كواكبها أرضنا earth ولها تابع واحد هو القمرmoon الذي تغزل به الشعراء ، وحدثه الناس ، وسامره المحبين . تشكل كل شمس مع توابعها منظومة يطلق عليها " المنظومة الشمسية "Solar System.
الشكل ( 1- أ ) : منظر أمامي لمجرة قرصية الشكل ذات الأذرع يفترض أن هذا هو شكل مجرتنا ، تقع شمسنا على أحد أذرعها وفي منتصف لقرص الذي يبلغ عرضه 100,000 سنة ضوئية. طبعاً بما أننا موجودون في المجرة فلا نستطيع تصويرها من الخارج .
الشكل ( 1- ب ): منظر لمجرتنا من داخلها, وتبدو قرصية الشكل, من الواضح أنها منفوخة قليلاً عند مركزها.
ترسل الشمس بأشعتها لتمد الأرض بالدفء وتبعث فيها الحياة ، وترسلها أيضاً إلى القمر ليعكسها فيضيء لنا ظلمة الليالي . وهكذا نرى أن الأجرام السماوية إما أنها تضيء من تلقاء ذاتها كالشمس ، أو أنها تعكس الضوء كالقمر ، ومنها ما يبدو بلون باهت .
للمجرات أشكال مختلفة ، منها بيضاوي أو إهليلجي elliptical galaxy شكل ( 2 ) ، ومنها حلزوني أو لولبي spiral galaxy شكل ( 1- أ ) ، وبعضها ليس منتظماً irregular galaxy . ليس للمجرات البيضاوية أذرع ، في حين نجد أن للمجرات الحلزونية أذرع ؛ ذراعان أو ثلاثة أذرع وربما أربع .
إذا كانت المجرة الحلزونية ممطوطة باتجاه الذراع قيل عنها أنها قضيبية شكل ( 3 ) تتألف الأذرع من نجوم وغازات تنطلق من مركز المجرة ، ولهذا النوع من المجرات شكل قرص منفوخ قليلاً عند مركزه شكل ( 1-ب ) ، وهي إجمالاً ضخمة , أما المجرات غير المنتظمة فتكون عادة صغيرة مثل غيمتا ماجلانا Magellanic Cloud الأقرب إلى مجرتنا.
قد يجتمع عدد من المجرات فتتشكل مجموعة مجرات مثل " مجموعتنا المجرية " local groub ، حيث أطلق هذا الاسم على مجموعة من المجرات عددها (30 ) ، تشكل مجرتنا ومجرة المرأة المسلسلة Andromeda Galaxy الأقرب إلينا والتي تبعد عنا 22 مليون سنة ضوئية ( السنة الضوئية = 9.465 ألف مليار كيلو متر ) أهم عناصرها .
أما إذا كان عدد المجرات أكبر أطلق على التجمع " حشد مجرات " أو اختصاراً " حشد " شكل (4) ، حيث يمكن أن يبلغ عدد المجرات في الحشود بضعة آلاف من المجرات . تتمركز الحشود الكبيرة حول مجرة حلزونية عملاقة Super Spiral Galaxy. من أقرب حشود المجرات إلينا " حشد العذراء Virgo Cluster وهو يتألف من 2500 مجرة معروفة ، ويبعد عنا 65 مليون سنة ضوئية . وقد يتجمع عدد من الحشود معاً فيتشكل ما يسمى " حشد فائق " Super Cluster .
الشكل ( 2- أ ) : منظر لمجرة بيضاوية الشكل ، تعرف هذه المجرة باسم NGC4414و هذه الصورة مأخوذة بمقراب .Hubble
الشكل ( 2- ب): يظهر مجرة بيضاوية ممطوطة بشدة بالصدفة تعرف باسم , NGC3314إذ يتراوح شكل المجرات البيضاوية بين الأكثر كروية والأشد امتطاطاً كهذه المجرة.
الشكل ( 3) : مجرة حلزونية أذرعها قضيبية الشكل حيث نجد أن المجرة ممطوطة قليلاً باتجاه الذراع ويفسر هذا الإمتطاط بسبب وجود القضيب .
الشكل ( 4 ) : حشد من المجرات حيث يمثل كل جسم يظهر في هذا الشكل مجرة
بصورة عامة ، نتعرف على الكون بالاعتماد على الإشعاع الكهرطيسي ( أو الضوء ) الذي يصل إلينا من الفضاء الخارجي ، ويكاد يكون الأداة الوحيدة التي تساعد - بصورة مباشرة - على فهم بناء الكون . يصل إلينا هذا الإشعاع على هيئة إصدارات من الأمواج الراديويه Radio Waves أو الأشعة تحت الحمراء Infrared أو الضوء Light أو الأشعة فوق البنفسجيةUltra-Violet أو الأشعة السينية X - Ray .
في الحقيقة توجد أكثر من طريقة للكشف عن المادة المرئية الموجودة في هذا الكون بالإضافة للضوء ، أهمها دراسة تأثير قوة الجاذبية على الأجسام وعلى الضوء الذي تصدره ، وكذلك بقياس سرع الأذرع للمجرات الحلزونية . لكن ما بمقدورنا أن نفعل إذا وجدت مادة في هذا الكون لا تومض ، أو لا ترسل إشعاعاً ؟ كيف نعرف أنها موجودة حيث هي ؟ وكيف نستطيع تحديد كم من هذه المادة موجود ؟ وكيف نعرف ما هي؟
إن مثل هذه المادة هي التي أطلق عليها العلماء اسم " المادة العاتمة " dark matter، ويُعتقد الآن أن معظم المادة الموجودة في الكون هو من هذا النوع . إنها مادة ( مواد ) تصدر كمية من الإشعاع لا تكفي للكشف عنها ، أو أنها تصدر كمية كافية من الإشعاع لكنها مخبأة " hidden matter" ، أو أنها لا تصدر الضوء نهائياً .
القوى الأساسية :
من المعلوم أنه توجد في الطبيعة أربعة أنواع من القوى [3 - 2 ] يشار إليها " بالقوى الأساسية " هي : قوة الجاذبية والقوة الكهربائية والقوة النووية الضعيفة والقوة النووية الشديدة ( طبعاً قوة الرياح وقوة المدُ والجذر وما إلى هنالك من قوى لا تعتبر قوى أساسية ) . لكل من هذه القوى مداها ؛ أي مجال تأثيرها [ 2 ] ، وهي مبينة في الجدول ( I ) .
* الشدة محسوبة عند المسافة 10-13 cm وبالمقارنة مع القوى النووية الشديدة.
نرى في الجدول من اليمين إلى اليسار على التوالي : نوع القوى ، مدى تأثيرها معطى بالسنتيمتر ( cm )، شدتها ، الجسيم الوسيط الذي يقوم بنقل فعل القوى ، الكتلة السكونية لوسيط القوى مقدرة بوحدة ( eV / c2 ) أي إلكترون فولط مقسوماً على مربع سرعة الضوء ، الشحنة ، حال الجسيم الوسيط هل هو مكتشف أم أنه - حتى الآن - مفترض .
قوى الجاذبية:
تؤثر في الأجسام المادية كافة ، فنحن موجودون على سطح هذه الأرض بفعل هذه القوة ، وكذلك تحجز المياه في الأنهار وتستقر في البحار والمحيطات بالفعل ذاته ، وينتشر الهواء حول الأرض بتأثير الجاذبية على جزيئات الهواء وتخضع الأجسام المتأثرة بهذه القوة في حالتي الحركة والسكون إلى قوانين نيوتن وما ينتج عنها . ويمتد تأثير فعل الجاذبية هذا من أصغر الجسيمات الموجودة في الطبيعة والتي تدعى " الجسيمات الأولية "[3]
elementary particles - مثل مركبات النواة ، أي البروتونات والنيترونات وجسيمات أخرى نبينها في الجدول ( II ) - إلى أكبر الأجسام الموجودة في الكون ، أي إلى حشود المجرات .
يطلق على العلم الذي يهتم بدراسة التفاعلات أو التأثيرات المتبادل بين الجسيمات الأولية "الفيزياء الصفرية " أو " الميكرو فيزياء " micro physics وعلى العلم الذي يهتم بالتفاعلات على النطاق الأكبر ، أي بمجمل الأجسام المدروسة " الفيزياء الكبرية " أو العيانية أو الماكرو فيزياء macro physics .
القوى الكهربائية :
تؤثرعلى الجسيمات ( الأجسام ) المشحونة فقط وهي إما أنها تنافرية تؤدي إلى ابتعاد الجسيمات ( الأجسام ) المشحونة عن بعضها إذا كان الجسيمان المتفاعلان يحملان شحنة من النوع نفسه ، أو أنها تجاذبيه ( تؤدي إلى اقتراب الجسيمان المتفاعلان من بعضها حتى التلامس إن أمكن ) إذا كان الجسيمان المتفاعلان يحملان شحنتين من نوعين مختلفين ، وذلك لأنه يوجد نوعين من الشحنات ( خاصة أطلق عليها شحنة لها حالتين ) موجبة وسالبة . يعبر قانون كولون في الكهرباء الساكنة عن هذه القوى وتعبر قوانين مكسويل عن الأفعال المتبادلة بين الأجسام في حالة كون الشحنات متحركة ، مثل التيار الكهربائي الذي يسري في الأسلاك الكهربائية.
القوى النووية الضعيفة :
اكتشف هذا النوع من القوى لأول مرة عند ملاحظة عملية نووية تعرف " بتفكك بيتا "nuclear - decay ، وعلى الرغم من أن كافة الهادرونات (الباريونات) والليبتونات - الجدول (II ) - تشارك في العمليات التي تخضع لهذه القوى إلا أن هذه التأثيرات تكون محجوبة ( لا نشعر بها ) بفعل القوى الكهرطيسية الشديدة وغيرها ومدى هذه القوى قصير جداً– الجدول ( I ) .
القوى النووية الشديدة :
مرت هذه التسمية بمرحلتين حيث أطلقت في البداية على القوى الفاعلة بين مكونات النواة [3] ، أي البروتونات والنيترونات ، وتعمل على التغلب على قوة كولون التنافرية المؤثرة على البروتونات كونها مشحونة إيجاباً ، وبالتالي تعمل على تماسك النواة واستقرارها . وبعد أن اكتشف أن كل من البروتونات والنيترونات ليست أجساماً بسيطة إنما مركبة من جسيمات أخرى أطلق عليها " الكواركات " الجدول ( III) أشير إلى القوى النووية الشديدة على أنها القوى الفاعلة بين هذه الجسيمات [2].
نهاية القسم الأول
الجداول و المراجع
يبين هذا الجدول أهم الجسيمات الأولية ونقرأ في الأعمدة على التوالي بداءً من اليسار : اسم ورمز الجسيم – رمز الجسيم المضاد – السبين – الكتلة بوحدة كتلة الإلكترون - الكتلة بوحدة المليون إلكترون فولت – عمر النصف له إن كان يتفكك – الجسيمات الناتجة عن التفكك . أما المجموعات الأفقية فهي على التوالي : البوزونات - اليبتونات – الباريونات [ 3].