يمارس خيسوس ريفاس نوعاً من العمل من شأنه ان يبقى معظمنا مستيقظاً طوال الليل على أمل ابعاد الكوابيس التي قد تدهمه اذا استغرق،
في نومه فهو رجل اتبع هوايته التي تتلخص في التعامل مع الافاعي الضخمة وعلى و جه الخصوص افعى الاناكوندا الخضراء، التي تعتبر اكبر الأفاعي في العالم قاطبة.
قد تعيش افاع اخرى لفترة اطول، ولكن لا توجد افعى في العالم تضاهي الاناكوندا في الطول والوزن فيمكن لأضخم انواعها ان تنمو لتصل الى طول تسعة امتار ووزن 550 كيلوجراماً.
يعتقد ريفاس، الذي ترعرع في فنزويلا ويعمل الآن كباحث زائر في جامعة تنيسي، ان العلم ينبغي ان يتابع بالطريقة التقليدية اي في الميدان.
ومن اجل العثور على الافاعي، يخوض ريفاس حافياً في مياه السهول الفنزويلية التي يصل عمقها الى مستوى الركبة، وهي ارض السافانا المنخفضة التي تغرق كل عام خلال موسم الامطار ويقول ريفاس بهذا الخصوص: «ان الاناكوندا تعتبر سيدة المستنقع وقبل عام 1992 لم يكن احد يعرف شيئاً عنها، ولا يمكنك ان تعرف شيئاً عن حيوان ما عن طريق بناء نماذج حاسوبية في المختبر فلا مفر من الذهاب الى عرين الافعى والتعرف إليها عملياً.
وبهذه الطريقة، تتعلم الفرق بين الحقيقة وما تعتقده حقيقة».
بدأ ريفاس بمشروع الأناكوندا في عام 1992، وطوال عشر سنوات، قام ريفاس ومجموعة من طلاب السنة الاخيرة في الجامعة والمتطوعين بالقبض على حوالي ثمانمائة أفعى من نوع الأناكوندا الخضراء ثم اطلقوا سراحها ونتيجة لهذا الجهد الجبار بات بامكان ريفاس ان يخبرنا قصة الأفعى العملاقة.
وتعتبر السهول الفنزويلية المسماة «يانوس» نظاماً بيئياً متقلباً بدرجة كبيرة ففي كل عام، يهطل ما معدله 1.6 متراً من مياه الامطار مما يؤدي الى اغراق السهول خلال موسم الامطار اما في موسم الجفاف الذي يمتد من يناير الى ابريل، تصبح الارض جافة للغاية لدرجة انها تكون اشبه بالصحراء مع ارتفاع درجات الحرارة الى 54 درجة مئوية.
ويقول ريفاس ان هذا الوضع «رائع للطيور وفظيع على السمك» ويتعين على الحيوانات التي تعتمد على المياه مثل الاناكوندا الخضراء ان تبحث عن ملاذ آمن لكي تبقى على قيد الحياة وعادة ما تلجأ الى حفر الطين والكهوف الباردة الرطبة.
قوارض عملاقة تؤوي المناطق البدائية التي عمل فيها ريفاس وزملاؤه حيوانات لم تشاهد في مناطق اكثر اعتدالاً، من القوارض العملاقة التي تزن 64 كيلوجراماً، الى الثعالب التي تتغذى على السرطعان والراكونات الى الزواحف الغريبة، ويقول ريفاس ان الاناكوندا الخضراء تناسب هذا النظام البيئي تماماً.
عينا الاناكوندا وفتحتا الأنف تقعان في الجزء العلوي من رأسها لكي تتمكن من التنفس ورؤية فريستها اثناء غوصها تحت الماء. ولكي يجد ضالته، يروم ريفاس السهول حافياً واحياناً يخوض الماء حتى الصدر.
يصل قطر الافعى من نوع أناكوندا، التي تعتبر أفعى مائية، الى 30 سنتيمتراً وتعتبر الانثى اكبر حجماً من الذكر ومع ان الاناكوندا قد تتناول طعامها مرة او مرتين في السنة الا انها تلتهم فريستها حية بادئة بالرأس ولأن فكيها مفصولان عن بعضهما البعض، فإن الأفاعي يمكنها ان تلتهم فريسة اكبر منها بكثير.
وعلى الرغم من ان الاناكوندا الخضراء تشتهر بكونها مفترسة للانسان، الا ان ريفاس يقول انها نادراً ما تهاجم الانسان. وتقتل الاناكوندا فرائسها بقوة العصر لا بالسم، والامساك باحداها يتطلب شخصين على الأقل والكثير من المهارة.
ويقول ريفاس حول هذا الامر: «الشيء الكبير الذي ينبغي الحيلولة دون حصوله هو ما نسميه بـ «الحلقة الشريرة» فالأفعى يتألف جسمها من العضلات، واذا نجحت في تكوين حلقة حول الفريسة، ينتهي كل شيء».
ما من شك في ان افعى الاناكوندا تعض من تعتقد انه يشكل خطراً عليها، فقد تعرض ريفاس للعض مرات عديدة في تعامله معها.
وقد ابتكر طريقة بدائية لتسهيل عملية جمع بيانات عن الاناكوندا وذلك بضربها ضربة خفيفة على الرأس ووضع شريط لاصق على رأسها لابطاء حركتها، ويقول حول هذا الامر: «ان الاولوية الاولى للأفعى هي حماية نفسها والرأس هو الأكثر عرضة للأذى».
يعتبر ريفاس من بين عدد متزايد من علماء الاحياء والطبيعة الذين يوصون بالنظر الى الحيوانات من منظور مركزه الحيواني لا من منظور خلع صفات انسانية عليها ويرى ان يتعلم الناس لكي يفهموا حياة الاناكوندا ومكانها الذي هو جزء لا يتجزأ من النظام البيئي لسهول فنزويلا يعد جزءاً مهماً من ضمان بقائها.
ويقول ريفاس بهذا الخصوص: «ان حبها يعني حمايتها وكلما عرف الناس عنها اكثر كلما زاد اهتمامهم بها وكلما زاد اهتمامهم زاد ميلهم الى الحفاظ عليها».
تتعرض أفعى الاناكوندا لخطر كبير مصدره الانسان الذي يعتبر العدو الاكبر لها فمن خلال عمليات الزحف العمراني، يعمل الانسان على تدمير البيئة الطبيعية التي تعيش فيها هذه الافعى كما يقوم الانسان بقتلها من اجل الحصول على جلدها الثمين.
ولدرء هذا الخطر، يقترح ريفاس اقامة محمية ومقصد سياحي وسوق للسياحة البيئية تعمل على تعزيز الاقتصاد المحلي وتساعد على تثقيف الناس حول الاناكوندا وتجمع المال من اجل اجراء الابحاث.
جريدة البيان....الامارات