الوجود أعم من الغيب والشهادة
أذكركم بضرورة إعادة النظر في الفلسفتين المادية والإلهية، لقد وضع الماديون في فلسفتهم تجاه قضايا العالم (الحس) معياراً للمعرفة، فأخرجوا الشيء غير المحسوس من دائرة العلم، واعتبروا الوجود قرين المادة، فما لا مادة له لا وجود له، واستتبع هذا المعيار أن اعتبروا عالم الغيب ـ كوجود الله تبارك وتعالى والوحي والنبوة والمعاد ـ ضرباً من الأوهام والأساطير. في حين أن معيار المعرفة في الفلسفة الإلهية هو أعم من أداتي "الحس والعقل" فيدخل "المعقول" المدرك بالعقل دائرة العلم حتى لو انعدمإدراكه بالحس. لذا فإن الوجود هو أعم من عالمي الغيب والشهادة، فبالامكان أن يكون لما لا مادة له، وجود. وكما أن الموجود المادي يستند إلى "المجرد"، كذلك حال المعرفة الحسية فهي مستندة على المعرفة العقلية.
والقرآن الكريم ينتقد أساس التفكير المادي، ويرد على الذين يتوهمون عدم وجود الله استناداً على أنه لو كان موجوداً لشوهد {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} يردّ عليهم قائلاً: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}.
عالم الطبيعة هو أحد عوالم الوجود
عرّف (الماديون) الإنسان بأنه حيوان كمثل بقية الحيوانات، إذ كل ما عنده ونموّه لا يخرج عن إطار الشعور المادي والأمور المادية، وأطلقوا عليها اسم الأمور العينية، متصورين أن الأمر العيني هو عبارة عن عالم الطبيعة. هذا في حين توجد عوالم أخرى لم يدركوها.
يقع عالم الطبيعة في نهاية موجودات عالم الوجود... أي في نهايته وآخره، وإن أحط العوالم هو عالم الطبيعة، وليس صحيحاً أنه لا يوجد سوى هذا الإنسان وهذه الطبيعة ولا توجد أية مرتبة. فللإنسان مراتب. ويخطئ من يتمسك بتلك المرتبة العالية للإنسان ويغفل عن هذه المراتب. ويخطئ أيضاً ذلك الشخص الملتصق بعالم المادة، ويشاهد مرتبة الطبيعة لكنه غافل عن ما وراء الطبيعة.
الدنيا وعالم الوجود
...عالم الأجسام هذا، وعالم الطبيعة هذا لا تزال العقول حائرة بما أدرك حتى الآن وما اكتشف. إن عقولنا لا تصل إلى ذلك المقدار الذي اكتشف لحد الآن، وما سواه يمتد إلى ما شاء الله، وتوجد نجوم تحتاج إلى ستة بلايين سنة ليصل نورها إلى الأرض. فهذا الوجود العظيم الذي لا تتمكن العقول من الإحاطة به، ولا يقدر أي شخص أن يلم بأجمعه هو عالم الدنيا، والعالم الحقير. فهذا العالم رغم سعته هو عالم الدنيا. وهذه السماوات وكل ما اكتشفوه فيها لحد الآن يقول عنها القرآن {زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} هي السماء الدنيا كما يعبر عنها القرآن. أما تلك السماوات العليا فلم يكتشفوها ولا يدرون ما فيها. وفي نفس الوقت تقول الرواية "ما نظر إليها نظر لطف منذ خلقها". وبموجب القرآن فإن "الحياة الدنيا" تسمى أيضاً متاع. والحياة الآخرة هي الحياة، فلا حياة هنا بل موت وإن الحياة الآخرة {دار الآخرة لهي الحيوان}.
تحياتي: معادله
منقوووول