Advanced Search

المحرر موضوع: الإستنساخ  (زيارة 768 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

فبراير 03, 2003, 12:50:19 صباحاً
زيارة 768 مرات

أشباني

  • عضو مبتدى

  • *

  • 1
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
الإستنساخ
« في: فبراير 03, 2003, 12:50:19 صباحاً »
لإستنساخا : نعمة أم نقمة؟

د. الحَسَن أشباني

إن قضية علمية ما في مختلف انحاء العالم لم تحظ بمثل ما حظيت به قضية الاستنساخ وما خلفته من ضجة كبيرة في أوساط العلماء والمهتمين و  وسائل الاعلام حول مستقبل البشرية. ولم يحدث في تاريخ الإنسان أن تمت ولادة بشر من غير اب سوى في معجزتين الاهيتين اثنتين: المعجزة الأولى تتجلى في آدم عليه السلام الذي خلقه ربنا من الطين وصوره فى ابدع صوره ثم نفخ فيه من روحه ليكون بذلك اول انسان يولد بلا اب ولا ام, والثانية تهم المسيح عيسى الذي ولدته امه  مريم   البتول من غير اب. فهل سيتكرر  هذا الأمر بإذن الله مرة اخرى على يد الانسان؟ هذا ما تعج به هذه الأيام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة حيث تناقلت خبر "استنساخ" أول كائن بشري وهي طفلة سمتها طائفة رائيل, صاحبة الضجة, إيف أي "حواء", ولكن لم يتأكد بعد من صحة المنقول. ونشير هنا بالمناسبة أن في ديسمبر 1998,  زعم  باحثون  في جامعة كيونجي في كوريا الجنوبية أنهم توصلوا الى "تخليق" أول جنين بشري مستنسخ, والذي تم تدميره على التو  حينما  تبين لهم أنه ينقسم لعدة مرات. ولقد شكك كثير من العلماء في أنحاء العالم وقتها من هذه التجربة التي يعتقدون أنها لم تتم أصلا, بدافع الغيرة ربما... وفي وقت سابق, وفي نفس السياق, أثار حدث  علمي آخر متميز نفس الضجة, وكان من المنتظر حينئذ أن يحدث انقلابا ذا شأن عظيم في مسار الكائنات الحية  وعلى رأسها  الإنسان المكرم من الله عز وجل.. ورب شأن هذه الطفلة واحد من ذاك. قبل سنة و شهر, وبالضبط يوم الأحد 25 نونبر2001, أعلنت شركة أمريكية بولاية "ماساتشوسيتس" ولأول مرة في التاريخ كما تزعم (ربما هذا الإعلان فيه إجحاف لمراكز علمية كبيرة عبر العالم  سبقت إلى هذا الاكتشاف دون الإخبار به) وفي دورية الطب التجديدي الإلكترونية خبرا مفاده أنها أقدمت على إنتاج خلايا بشرية مستنسخة. لقد قوبل الحدث  بشجب شديد من السياسيين و علماء الدين و علماء النهمين للمعرفة وبقيود.. المنتمين بالخصوص   إلى الدول المتقدمة الواعية والمتتبعة والمراقبة و عن قرب  للمستجدات العلمية.. وبقدر ما تم شجبه, بقدر ما اهتم به آخرون الذين يرون فيه بداية عصر مداواة الأمراض المستعصية البشرية وأيضا بداية عصر العلم الفوضوي. وسنكتفي في مقالنا الآني بتوضيح لقراء الجريدة هذا الحدث العلمي الذي تولد عنه ما نسمعه هذه الأيام من ولادة طفلة مسنسخة لأمرأة في الثلاثين من عمرها بأمريكا والبقية تأتي حسب طائفة رائيل صاحبة أول ضجة تدشن بها السنة الجديدة 2003.

تقول الشركة الأمريكية, بطلة تلك الضجة العالمية "الجديدة" في مجال علمي مثير, تدعى  "الأست" (ACT) "إدفانسد سيل تكنلوجي" (Advanced Cell Technology) أي "تكنولوجية الخلايا المتطورة", أن هدفها في هذا الصنيع وتظل تؤكده آنذاك, لم يكن استنساخ الكائن البشري, بل الحصول على خلايا نوعية خاصة, توظف في مداواة الأمراض المستعصية التي  تصيب ملايين الأشخاص حول العالم. وبهذا تريد الشركة أن تحرك ثورة جديدة في مجال الطب والتي ستعتمد على الاستنساخ العلاجي "Le Clonage thérapeutique" و العلاج الخلوي بتوظيف هذه الخلايا الخاصة التي أصبحت تنعت الآن بخلايا الأمل « Cellules de l’espérance» أو خلايا الدواء  "Les Cellules médicaments". ما هي هذه الخلايا النوعية؟ وما خاصيتها؟ أين توجد وكيف يمكن إنتاجها و توظيفها في مجال التطبيب؟ ثم ما قول المناوئين لها وما رأي الشرع فيها؟ هذا ما سنحاول بيانه فيما يلي.
 تسمى  هذه الخلايا بالخلايا الجدعية أو خلايا المنشأ أو باللغة الفرنسية لسيليل سوش (Les cellules souches) أو سطيم سيل  (Stem cells) باللغة الإنجليزية. وهي خلايا الجنين المبكرة أي خلايا الجسم الأولية التي تنشأ وتتفرع عنها مختلف أنواع الخلايا الموجودة في جسم الكائن الحي. فهي تتميز بقابليتها للتطور فتتحول الى أي نوع من الخلايا المتخصصة "Les Cellules spécialisées"  " specialized cells" كخلايا الدم و الكبد و الكلية أو العضل و غيرها. ويمكن أن تستعمل لتحل محل شتى أنواع الخلايا  و الأنسجة المريضة لدى المصابين بأمراض مختلفة ومستعصية, سنوردها ضمن مواد هذا المقال.
فبفضل هذه الخلايا الجدعية, سيعود ممكنا –    
وبمجرد طلب في هذا الشأن- زرع عضو ما, دون
انتظار موت متبرع أو واهب سليم مطابق لنفس
فصيلة دم المستفيد. أما الطرائق أو التقنيات
المستعملة, فمختبرات علمية عديدة في
الجامعات و المعاهد وفي المؤسسات الخاصة
تتبارى و تتسابق من أجل طرح الأحسن منها
في سوق البحوث. ولعل الجديد في هذا
المجال إمكانية الحصول على هذه الخلايا باستعمال تقنيات الاستنساخ, بحيث توصل العلماء إلى استخلاص الخلايا الجدعية من البالغين, ومن دهون الجسم, ومن جثت الأموات (فبعد أن كان الدم الفلسطيني رخيصا, اصبحت اليوم جثته الهامدة أرخص,  فالإسرائيليين ينتفون بعض أعضاء جثث الشهداء الفلسطينيين لترسل الى مختبرات الاستنساخ المطورة لديهم من أجل  الحصول على خلايا المنشأ, ولا منظمة أو هيئة تستنكر هذا العمل الخشن و الخطير  و.. ). كما تمكن العلم من تحوير خلايا الجسم المتخصصة إلى خلايا جدعية, مما سيحد من الزوبعة المثارة حول استخلاصها من الأجنة.
استعملت شركة "الأست" صاحبة الضجة طريقتين من أجل الحصول على الخلايا الجدعية. لجأت في الأولى الى نفس الطريقة التي طبقتها المجموعة العلمية اليونانية  من شركة ببل تيربوتيك PPL Therapeutics في استنساخ النعجة المعروفة بدولي "Dolly" (27 فبراير 1997). فقد تم  أخذ بويضة من سيدة متبرعة, ووضعت مكان المادة الوراثية الموجودة داخلها خلية صغيرة جدا مستخلصة من الجزء الخارجي لجدار البويضة. ولقد تم التحايل عليها بالإيحاء اليها,  أن ما سلب منها قد رد اليها وزيادة, ففرحت وقبلت... والنتيجة, أن بعد تنشيط كهربائي و كيميائي لهذه البويضة الخليط, استطاعت  اثنتان من ثمان بويضات ملقحة, أن تنقسما و تكونا جنينا مبكرا محتويا على أربع خلايا, وواحدة منها تطورت إلى جنين من ست خلايا بعد إحدى وسبعين محاولة.
أما الطريقة الثانية, فهي فريدة من نوعها, بحيث استخدمت فيها ولأول مرة و بنجاح في الإنسان, التقنية المعروفة باسم التوالد او التناسل البكري "La Parthénogenèse  " والتي تنقسم فيها البويضة المتبرعة كما هي غير خصيبة وبدون أدنى  تحوير, و بعد تعريضها لمواد كيماوية معينة ودون اللجوء الى استبدال مادتها الوراثية بأخرى كما هو الشأن بالنسبة للطريقة الأولى. فمن بين اثني و عشرين بويضة المجربة, تطورت ست منها حتى وصلت إلى مائة خلية وهي مرحلة جنينية تدعى في المصطلح الطبي بمرحلة الكيس البلاستي "Blastocyste", ولكن لم تظهر أية واحدة منها وجود خلايا جدعية. فيجب أن تنقسم هذه البويضة وتنتج بضع مئات من الخلايا حتى يمكن تسميتها بخلايا جدعية, القادرة على إعطاء  مختلف الخلايا العضوية. فعلى سبيل المثال, فأن الحصول على خلايا مرحلة الكيس البلاستي في الظروف الطبيعية عند الإنسان, يتطلب أربعة الى ستة أيام بعد تلقيح البويضة و أقل من ذلك بالنسبة للفأرة (ثلاثة أيام ونصف اليوم).
ماهي بعض ردود الفعل التي رافقت إعلان شركة "أكت"؟
إن الحصول على انقسام البويضة بمادة وراثية مأخوذة من خلية أخرى من نفس الجسم أو غيره أو انقسام  بويضة كما هي, هو الذي أبهر الجميع و إن لم يصل إلى المراحل المرجوة في التطور, أي لم تتكاثر الخلايا إلى حد تكوين الخلايا الجدعية, تلك التي يمكن أن يتفرع عنها باقي خلايا الإنسان.. هذا الانقسام ذاته هو الذي اعتبر بداية للاستنساخ العلاجي لدى المدافعين عن هذا النمط من البحوث, وبداية للاستنساخ التوالدي  "Le clonage reproductif" أو استنساخ البشر لدى المناوئين له.
بالنسبة للفريق الأول, يعد هذا العمل إنجازا علميا غير مسبوق, بحيث سيفتح الطريق أمام الطب لمعالجة ملايين من البشر المصابين بأمراض مستعصية إلى حد اليوم كالسرطانات, والفشل الكلوي, و فقدان البصر, وداء السكري, وحروق و تشوهات الجلد, والعقم التام, ومرض الزهايمر  "Alzheimer" والبركانسون  "Parkinson" واللائحة طويلة... و ذلك بفضل توفير أنسجة مطابقة جينيا للإنسان الذي ستزرع فيه (لأن مستقبل المادة الوراثية هو نفسه المصدر لها). لذلك توصف بأنها خلايا صديقة لجهاز المناعة, مما يبعد إمكانية رفض الجسد لها. و من المعلوم أن هناك احتياطا من الخلايا الجدعية (المأخوذة من الأجنة البشرية الطبيعية المتنوعة) في بعض المختبرات الموزعة عبر العالم و لكنها بدون جدوى كما يصرح بذلك علماء "أكت" لأن الجسد سيرفضها أثناء الزرع عند المريض (استجابة مناعتية). تقول اللجنة الخاصة التابعة لشركة أكت ACT و المعهود لها مناقشة الجانب الأخلاقي للبحوث, أن هناك فرقا واضحا بين الأجنة البشرية المستنسخة من أجل العلاج التي تنشأ انطلاقا من بويضات منشطة و بين الأجنة البشرية الطبيعية التي تتمخض عن بويضة ملقحة بحيوان منوي. و تضيف قائلة بأنه رغم أن بهذا الكائن الجديد بعض القابلية النظرية للتطور ليصبح أنسانا كاملا, فإن تلك القابلية محدودة للغاية, و إن المرحلة (الكيس البلاستي) التي يتم فيها استخراج الخلايا الجدعية من البويضة المنشطة تسبق مرحلة التصاق الجنين بجدار رحم الأم في الحالة الطبيعية, و الجنين لا يملك في هذه المرحلة المبكرة أي عضو و بالتالي ليس لديه إحساس ولا تفكير... و يلخص مديرها العام السيد "ميكايل ويست" في حديث لشبكة التلفزيون الأمريكية إن, بي,سي "NBC" هذا الأمر بقوله إن ما تنتجه شركته لا يعتبر علميا و بيولوجيا كائنات, بل مجرد حياة لخلايا و ليست حياة بشرية. وفي الجانب السياسي لهذا الحدث, فأغلب رؤساء الدول المتقدمة أعربوا عن رفضهم لمثل هذا النمط من البحوث و على رأسهم بوش الذي يقول أن قناعاته الدينية لن تسمح له برصد المال العام لمتابعة البحوث حول الاستنساخ التي تنتهي بقتل أجنة بشرية. و لكن تحت ضغط ثمانين شخصية علمية من حملة جائزة نوبل, تراجع عن قراره ووافق على تخصيص بعض عوائد الضرائب لتمويل البحوث حول ستين نوعا من الخلايا الجدعية المستخلصة من الأجنة البشرية الميتة. وقد أثار هذا القرار جدلا كبيرا في أمريكا حيث أيدته النخبة السياسية (66% من الجمهوريين و   %55 من الديمقراطيين) و شجبته الأوساط المحافظة المتشددة و الكنيسة الكاثوليكية, التي تقول أنها عازمة على التصدي له, و يشير استطلاع عام في أمريكا  أن 56 إلى 60 بالمائة من الأمريكيين تؤيد القرار .
ومن جهة أخرى, أدان الفاتيكان, بلسان المونسنيور تارتشيسيو برتوني الحدث قائلا, إن ما تم إنتاجه ليس مجرد خلايا بل أجنة إنسانية يستلزم منا حفظ كرامتها.. كما أعلن المفوض للبحث العلمي الأوروبي "فليب بوسكوان" عن إدانته لأبحاث شركة "أكت" مبينا أنه لا ينبغي الرضوخ  لكل ما يتوصل إليه العلم و التكنولوجيا. أما وزير الصحة الإيطالي, فقد وصف تجربة "أكت" أنها غير مقبولة, كما قال عنها نظيره الألماني بأنها غير مسئولة. أما بفرنسا, فردود الفعل كثيرة, نذكر منها رد جون فرانسو ماتي, رئيس مجموعة الديمقراطيين الليبراليين في الجمعية الوطنية و المختص في مجال الأخلاقيات الحيوية, فقد نعت هذا الصنيع بالخطير جدا, مذكرا بوجود خلايا جدعية عند البالغين يجب استثمارها رغم  ما يكتنفها من صعوبات.. و لكنها لا تثير أي إشكال أخلاقي. أما المندوب الأوروبي في الإدارة الكوسوفية "برنار كوشنير", فقد ندد أثناء الأيام السنوية للأخلاقيات الحيوية, بالاستنساخ التوالدي, معتقدا في نفس الوقت وجوب تأطير الاستنساخ العلاجي. وفي بريطانيا التي أقرت في سنة 1991 قانونا يسمح, ومن أجل معالجة العقم, بإنتاج أجنة تستخدم خلال الأربعة عشر يوما, صادق مجلس اللوردات في مثل هذا الشهر من السنة الماضية (يناير 2002) على قانون جديد يسمح, وبعد الحصول على ترخيص, للباحثين البريطانيين مباشرة أي عملية استنساخ   لعلاج طيف واسع من الأمراض, وبصورة خاصة  آفة السرطان والباركنسون. فبهذا القانون, ستصبح بريطانيا حسب وزيرها الأول في مقدمة الدول الرائدة في صناعة التقنية البيولوجية. فقد رافق هذا القرار حملة انتقادات شديدة بين صفوف علماء الدين، تميزت برسالة تنديد, وجهها ممثلون عن المسلمين والكاثوليك واليهود إلى مجلس اللوردات, يعتبرون فيها القانون مهينا للبشر.  و في صعيد آخر, ومن أجل تقنين هذه الأبحاث دوليا, تم إنزال مشروع في مكاتب الأمم المتحدة من طرف فرنسا و ألمانيا, يهدف إلى إعداد اتفاقية دولية ضد استنساخ الكائنات الأساسية لأغراض توالدية. أما أمريكا, فقد رخصت فقط للعمل على الخلايا الجدعية المخزونة حاليا في المختبرات. وطبعا, فالشركات الخاصة غير معنية بهذه القرارات, لذلك تعمل في الخفاء مدعومة بإمكانياتها المادية الخاصة بها.
ومن جهة أخرى, ذهب بعضهم إلى وضع  الخلايا الجدعية في خانة أضغات أحلام, وشككوا  في  النتائج المنشورة من طرف "أكت" واصفين إياها بأنها غير دالة, لكونها لم تصل إلى الهدف المنشود و هو الحصول على خلايا جدعية. و منهم مثلا العالم الأمريكي " جون جير هارت" وهو من الأوائل الذين استطاعوا عزل الخلايا الجدعية من الأجنة البشرية, الذي وصف الأدلة التي استندت عليها الشركة بالبدائية وغير المقنعة, و بأن نشر هذه النتائج كان خطئا لا ينبغي أن تقع فيه شركة "أكت"  التي تعتبر مؤسسة علمية ذات سجل معروف على النطاق العالمي في أبحاث الاستنساخ واستخدام تقنياته. وفي نفس السياق, نجد أيضا  من لا يرى أي مستقبل لتقنيات الاستنساخ و خصوصا تلك التي تهم التوالد, مثل العالم الأمريكي  "آرتر كبلان" مدير مركز الأخلاقيات الحيوية بجامعة بنسيلفانيا الأمريكية الذي يستبعد في حالة الاستنساخ البشري إمكانية إنتاج أطفال مستنسخين و متمتعين بصحة طبيعية, مستندا إلى نتائج الاستنساخ الحيواني التي أفضت إلى كائنات معابة و مشوهة, إلا في حالة واحدة التي تم فيها استنساخ قرد بإيلاج في البويضة المفرغة خلايا من جنين قرد تعدى شهره الثالث من النمو. و يبقى التساؤل في هذه الحالة عن كيفية الحصول على خلايا الجنين في مثل هذه المرحلة... وهذا التخوف صدرا أيضا من  علماء آخرين من  اليابان وأميركا الذين يقولون أن مخاطر عديدة يمكن أن تنجم عن الاستنساخ, كتشوهات الرئتين و القلب والجهاز المناعي والبدانة والموت قبل أو بعد الولادة, أو الشيخوخة المبكرة, تماما  كالتي أظهرتها النعجة المعروفة "دولي". لقد أكد العلماء اليابانيون (معهد الأمراض المعدية في طوكيو) بعد أن تبين لهم في تجارب أجروها على فئران مستنسخة وفاة جل هذه الأخيرة (أكثر من 80 بالمائة) قبل أوانها, إضافة أنها مصابة بسرطان الرئة وبقصور في الكبد وبتقلص في عدد الأجسام المضادة و غيرها. أما باحثو  أمريكا (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبردج), فيرون أن الخلايا البالغة ليست مناسبة لتستعمل في الاستنساخ على الحيوانات. يدفعهم الى ذلك كون معظم عمليات الاستنساخ التي نجحت, كان مصدرها من خلايا نادرة موجودة في الجسم البالغ وليس من خلايا بالغة متكاملة البلوغ.
و الملاحظ, أن فضاء البحث العلمي حبلى مند بداية سنة 2001  بنتائج تنصب كلها حول الحصول على خلايا جدعية هنا وهناك مما شجع المدافعين عنها  في الاستمرار في دعمها وبدون شروط.  منها إعلان 3 مارس 2001 لباحثين بريطانيين الذي يأملون وفي غضون خمسة أعوام, إعادة السمع لأشخاص فقدوه منذ فترة طويلة, و ذلك بفضل تقنية تسمح بزرع خلايا جدعية معالجة وراثيا محل خلايا العصب السمعي التالفة,  فاتحين الأمل الكبير أمام نحو تسعة ملايين شخص في بريطانيا الذين يعانون من الصمم أو ضعف السمع. ومن ذلك أيضا  الدراسة التي طرحت في الأسبوع الأول من يناير 2002 خلال جلسات الأكاديمية القومية للعلوم بأمريكا, والتي مفادها توصل الباحثين في كلية الطب بجامعة هارفارد ومستشفى ماكلين في بلمونت بولاية ميسيسيبي بتصحيح أعراض الشلل الرعاش (مرض باركنسون Parkinson),  ولكن بشكل تدريجي عندما تم حقن فئران مصابة بخلل عقلي مفتعل, بخلايا جدعية (تحولت فيما بعد إلى خلايا عصبيه) مستخلصة من  الأجنة, مما   أعتبر بمثابة أول خطوة إيضاحية ملموسة على إمكانية تحقيق حلم العلاج الإستنساخي... لأن الخطوة التالية في هذا المجال  التي يأمل المختصون  أن تتم في غضون الخمس السنوات المقبلة هي إجراء التجربة على البشر. وكلما تفننوا في إبراز  أهمية الخلايا الجدعية, تفنن الآخرون المناوئون لها في إيجاد تبريرات رفضهم ولو تقنيا إن اقتضى الحال. يقول هؤلاء أن هناك عوائق تحول دون تحقيق الهدف المنشود, منها صعوبة تقنيات إرسال المادة الوراثية التي لا يتوفق فيها كما ينبغي, إضافة الى أن نسبة نجاحها ضعيف جدا وأن تطور الخلايا ما زال مجهولا, وربما ستفقد هذه الخلايا أثناء النمو خاصيتها الأولية و كذا مراقبة تطورها وتصبح خلايا سرطانية. ينضاف الى ذلك, أن ثمن تكلفتها كبير جدا  بسبب علوية التكنلوجيا المطبقة. وسيطرح مشكلان كبيران حين سيشرع في تطبيق تقنيات الاستنساخ العلاجي على الإنسان : أولهما سيظهر  أثناء تفرع الخلايا الى الخلايا المختصة في الظروف المخبرية, بحيث لا تصل إلى 100 بالمائة من خلايا العضلات او خلايا العصبية, ويحصل عادة على مجموعة غير متجانسة من الخلايا؟؟ وهنا يحتاج الأمر الى إيجاد تقنيات متطورة من أجل فرز وعزل الخلايا مما يعتبر عملا عسيرا للغاية. أما ثانيهما, فالخلايا الجدعية التي ينتظر منها أن تتطور نحو الخلايا المختصة, تبقى كما هي دون تغيير.. وبحكم أن لديها قابلية لكي تصبح سرطانية, فيمكن إذن أن تتحول الى ذلك. وعليه, فإن الإقدام على زرع خلية جدعية عند الإنسان خطوة في غاية الخطورة... يمكن للاستنساخ العلاجي ان يتم انطلاقا من أي خلية إنسانية, ومن أجل الوصول الى فبركة الخلايا الجدعية, يتطلب الأمر الحصول كل مرة على بيضة أنثوية غير ناضجة "ovocyte",  مما يستدعي القيام بالمعالجة الهرمونية عند المرأة في حالة احتياجنا لوفرة البويضات الأنثوية. وهنا يمكن إطلاق العنان لتصور الانحرافات  التي يمكن أن تنتج عن هذه "التجارة الجديدة", ستتزايد مانحات البويضات الغير الملقحة.. أو ستكثر المتاجرات في هذه السلعة الجديدة ..الخ.
حتى لا نتعب قارئنا, نختم موضوعنا عن الخلايا الجدعية, رغم وفرة المعطيات والمستجدات, بالكلام عن  حكم  الدين في حق هذا الجديد من العلم الطبي... يقول  مفتى الجمهورية المصرية ان هناك إجماع بين العلماء  على ان الاستنساخ البشرى غير جائز من الناحية العلمية والطبية والإنسانية ، بل ومن الناحية الاخلاقية والاجتماعية, وأن ديننا الإسلامي مع العلم الذي يخدم البشرية, ويحافظ على الدين والنفس والنسل والعقل والمال.  في حين يقول بجواز استنساخ  اعضاء الجسم مثل الكبد والكلى لحاجة بعض الافراد اليها وإنقاذ حياتهم من الهلاك.  ومنهم من يبني رفضه على القاعدة الشرعية التي تنص على "ان ما زاد ضرره على نفعه فهو حرام" وبما أن اضرار الهندسة الوراثية أكثر من نفعها كما تؤكد الدراسات, فالاستنساخ حرام. ولعل الدراسة الشرعية التي قام بها مشكورا عالم أزهري أخر, جديرة بالاحترام والتقدير وهي تشكل بداية لا بد منها لمتابعة ومسايرة لتطورات قضية الإستساخ -التي تسير بوتيرة كبيرة جدا- وخصوصا لتداعيات ممارسة هذه التقنية على الإنسان التي تتسابق اليها كثير من الدوائر العلمية العالمية بدون أحيانا أي ضابط قانوني جلي أو أي ضابط أخلاقي. والدراسة التي أعدها الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة و القانون بجامعة الأزهر,  يميز فيها بين ست حالات, أربع منها يمكن التحريم القاطع فيها, ويقترح التريث في الحالتين الباقتين لحين معرفة النتائج التي ستحدد نوعية الحكم عليها (الإباحة او التحريم). أن تأخذ نواة خلية من أنثى وتوضع في بويضة أنثى أخرى بعد نزع نواتها, تم يزرع الخليط في الرحم, هي أولى الصور من الاستنساخ المحرم. ويستند على قاعدة القياس على حرمة الاستمتاع الجنسي بين أفراد النوع الواحد أي حرمة السحاق بين الإناث و اللواط بين الذكور. ونفس الحكم يجري على الحالة التي تأخذ فيها النواة من خلية إمرأة  فتوضع في بويضة نفس المرأة. والحالة الثالثة التي توضع فيها النواة من ذكر حيواني في بويضة إمرأة, تعد حراما قاطعا, نظرا لما لذلك من تشويه لخلق الله وعبث بمخلوقاته. والحالة الرابعة, أن توضع النواة من خلية ذكر إنسان في بويضة أنثى ليست زوجه, و الحكم فيها مثل حكم الزنى ولو لم يكن زنى حيا كما يقول  فضيلته ولكن يؤدي الى ما يؤدي اليه الزنى من اختلاط الأنساب. ويذهب الأستاذ رأفت مذهبا آخر يخالف فيه جمهور العلماء  في الحالتين المتبقيتين. اما كون النواة من رجل حي والبويضة من زوجته أي ما يسمى بالإنجاب اللاجنسي بين الزوجين, فيجب انتظار نتائج التجارب لمعرفة ما سيتولد من هذا الاستنساخ, فإذا كانت النتيجة مولودا مشوها غير سوي, فالحكم هو التحريم القاطع, أما أنه لا يحمل أي إشارة شائبة جسميا و نفسيا واجتماعيا, فالحكم آنذاك يرجع الى مجمع تناقش فيه كل الشخصيات العلمية و الإنسانية و الفقهية الحالة قبل صدور الحكم. أما الحالة الأخيرة, فهي بغية الحصول على أكثر من مولود يشتركون في نفس الصفات الوراثية كالتوائم عن طريق تلقيح البويضة بالحيوان المنوي خارج الرحم, وتقسيم الناتج الى أكثر من خلية, والحكم فيها كسابقتها مرهون بما ستسفر عنها الأبحاث... ولقد سلك في هذا الاجتهاد ما يعرف "بالفقه الفرضي" أي الاجتهاد في تبيان أحكام قضايا  في بداية حدوثها أو لم تحدث بعد. وفي انتظار العودة الى هذا الموضوع للكلام عن الجديد الذي يتكلم عنه هذه الأيام, يبقى جواب سؤال عنوان مقالنا :هل الخلايا الجدعية وبالتالي الاستنساخ نعمة أم نقمة؟ كامنا في جنسه: الاستنساخ نعمة إذا كان  لأغراض علاجية  (رزع أعضاء سليمة مكان المريضة) أو نقمة إذا كان لأغراض توالدية بمعنى استنساخ البشر.