Advanced Search

المحرر موضوع: البيئة من منظور إسلامي  (زيارة 1778 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

سبتمبر 15, 2003, 01:42:34 صباحاً
زيارة 1778 مرات

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« في: سبتمبر 15, 2003, 01:42:34 صباحاً »
البيئة
من منظور إسلامي
مقدمة

الحمد لله على نعمة الإسلام الذي يهدي الى الخير والحكمة والموعظة الحسنة ، وينهي عن المنكر والفساد والإفساد ، الحمد لله على نعمة الإسلام دين الوسطية والإعتدال فى كل شيء ، فلا إفراط ولاتفريط ، ولاتقتير ولا إسراف ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ( آل عمران : 8 ) .

فالإسلام من منطلق كونه خاتم الرسالات السماوية للبشرية كافة  
( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( سبأ :28 )  

ومن خلال منهجة القويم كما جاء فى أم الكتاب الذي هو أصل الكتب السماوية كلها ، فهو دستور الحياة الشاملة للبشرية كافة حتي الساعة ، وهو القاعدة المتينة والسليمة المؤدية إذا ما التزمنا بها الى الارتقاء بالسلوك المادى والخلقي والروحي للبشرية في آن واحد لما فيه خيرها ورفاهها ، هو المنهاج الذي يملك القدرة على إعادة بناء البشرية على الوجه الصحيح الذى أراده الله خلافة بالحق والصلاح والتعمير على هذه الأرض .

يقول الحق تبارك وتعالى ( ما فرطنا فى الكتاب من شيء ) ( الأنعام :38 )  
( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) ( الزخرف :4 )  

وجاءت السنة النبوية الشريفة لتستكمل مصادر التشريع الإسلامي الذي يوجهنا إلى طريق الخير والصلاح  والإعمار  يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنه رسول " ( رواه مالك فى الموطأ ) هذا الحديث الشريف يعتبر دعوة صريحة من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأن نتمسك بكتاب الله وسنة رسوله حتى لا نضل ولا نضلل ، نصون ولا نفسد ، نعمر ولانخرب ، نبني ولاندمر .

وليس ثمة شك أن الرسالة الإسلامية من منطلق كونها خاتمة الرسالات السماوية إلى البشرية كافة ، اهتمت بالبيئة اهتماماً كبيراً من منطلق انها ميراث الأجيال المتلاحقة حيث أودع الله فيها كل مقومات الحياة للإنسان المستخلف فيها كما أرسى الإسلام الأسس والقواعد والمباديء التى تضبط وتقنن علاقة الإنسان ببيئته لتتحقق من خلالها العلاقة السوية والمتوازنة التي تصون البيئة من ناحية ، وتساعدها على أداء دورها المحدد من قبل الخالق العليم فى إعالة الحياة من ناحية أخرى .

ومما يجدر ذكره أن قضية البيئة وما تعانيه من تدهور واستنزاف وسوء استخدام أصبحت من القضايا الملحة فى عالمنا المعاصر بعد أن وصلت الأمور إلى وضع حرج أصبح يخشى مع استمراره إلى حدوث مشكلات بيئية لاطاقة للبشرية بها . ولعل ما تواجهه البشرية اليوم من مشكلات وكوارث بيئية متباينة ومتشابكة إن دل على شيء ، فإنما يدل ـ يقينا ـ على غياب الوعي والحس البيئي الإسلامي وتجاهلنا للبعد الإسلامي الذى يجب أن يحكم سلوكياتنا وتصرفاتنا تجاه بيئتنا . لقد وصلنا ـ حقا إلى مرحلة أصبحنا فيها أحوج ما نكون إلى العودة الصادقة والمخلصة والملتزمة بتعاليم الإسلام وتوجيهاته السديدة لترسيخ الوعي البيئ الإسلامي لننقذ أنفسنا مما نعانيه اليوم من مشكلات . إذ أن الكثير من السلوكيات غير البيئية ، وهي بطبيعة الحال غير إسلامية ، نمارسها ونحن نجهل أو نتجاهل أنه منهي عنها فى الإسلام ، ومن ثم لانجني من هذه السلوكيات غير الإسلامية وغير البيئية سوي المشكلات والمآسي ومما يجدر ذكره أن ما تعانيه البشرية اليوم من مشكلات ومخاطر وهي نتاج ما اقترفناه فى حق بيئتنا من استغلال مدمر ومستنزف لمواردها ، يعتبر نوعاً من العقوبة الإصلاحية يلفت نظرنا إليها الله سبحانه وتعالى لعلنا نفيق عما نحن فيه ، ونرجع إلى تعاليم الإسلام وضوابطه فى التعامل مع البيئة



سبتمبر 15, 2003, 01:44:58 صباحاً
رد #1

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #1 في: سبتمبر 15, 2003, 01:44:58 صباحاً »
ونرجع إلى تعاليم الإسلام وضوابطه فى التعامل مع البيئة .

يقول الحق تبارك وتعالى :  

( ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) ( الروم : 41 ) فهل نتعظ ونرجع عن إفساد البيئة ؟

ومن ثم تكمن أهمية هذه الدراسة التى تعالج " البيئة من منظور إسلامي " كبداية متواضعة نحاول من خلالها خلق الوعي البيئي الإسلامي وإبراز الحضور الإسلامي في تفسير ما هية البيئة ووظيفتها ، والتأكيد على التوجيهات والتعاليم الإسلامية الرشيدة من سوء استغلال البيئة والإخلال بتوازنها من مشكلات عديدة باتت تهدد ـ بحق البشرية وتعرقل مسيرة حركة الحياة على غير ما أمر الله سبحانه وتعالى .

إنني آمل أن تكون هذه الدراسة المتواضعة التى تعالج من منظور إسلامي معينة على ترسيخ السلوك البيئي على هدي من الشريعة الإسلامية لخلق أجيال تتعامل مع بيئتها بأسلوب راشد وعاقل . وبذلك نحقق هدفاً أساسياً من أهداف خلق الإنسان واستخلافه فى الأرض ، وهو تعميرها وصيانتها وتنميتها يقول الحق تبارك وتعالى :  

( هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه )( هود : 61 )  

وأتمنى أن تكون هذه الدراسة المتواضعة بداية لدراسات أخري تسهم فى ترسيخ وتعميق المفاهيم البيئية الإسلامية لدى الأجيال القادمة .

نسأل الله أن يوفقنا إلى صراطه المستقيم ، وأن يوجهنا الى ما ينفع المسلمين والبشرية كافة ، ويحقق لهم الخير والرفاه  ، ونسأل الله أن يديم علينا نعمة الإسلام ، وأن يثبت قلوبنا على الحق والخير والصلاح .

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ( آل عمران : 8 )  

ويسعدني أن أتقدم بالشكر والتقدير لمجلس حماية البيئة وعلى رأسه سعادة الدكتور عبد الرحمن العوضي وزير التخطيط ورئيس المجلس ، رائد حماية البيئة الكويتية والسيد / إبراهيم محمد هادي سكرتير مجلس حماية البيئة لرعايتهما هذا البحث والتكرم بالموافقة على طباعته .

كما أخص بالشكر الأستاذ الدكتور سالم مرزوق الطحيح رئيس جهاز البحوث الاستشارية لصاحب السمو أمير البلاد علي تبنية فكرة البحث وتشجيع نشره .

كما أشكر فضيلة الأستاذ عبد الرحمن عبد الوهاب الفارس الوكيل المساعد لشئون الحج والمساجد بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية لتفضلة بمراجعة نصوص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة .

 أولا : البيئة في الإسلام  

على الرغم من أن كلمة بيئة Environment   لم يرد ذكرها فى القرآن الكريم أو فى السنة النبوية المشرفة ، إلا أننا إذا أخذنا مفهوم البيئة الذى يحددها بأنها " الأرض وما تضمه من مكونات غير حية ممثلة فى مظاهر سطح الأرض من جبال وهضاب وسهول ووديان ، وصخور ومعادن وتربه وموارد مياه ، ومكونات حية ممثلة فى النباتات والحيوانات برية النشأة سواء كانت على اليابسة أو فى الماء وما يحيط بالأرض من غلاف غازي يضم الكثير من العناصر الأساسية اللازمة لوجود الحياة على سطح الأرض " نجد أن البيئة بهذا المفهوم " الأرض ومن عليها وما حولها " قد ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى 199 آية  فى سور مختلفة



سبتمبر 15, 2003, 01:46:03 صباحاً
رد #2

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #2 في: سبتمبر 15, 2003, 01:46:03 صباحاً »
· البيئة خلقت بدقة بالغة ومتوازنة :  

خلق الله سبحانه وتعالى البيئة وأحكم صنعها بدقة بالغة من حيث الكم والنوع والخصائص والوظيفة . يقول الحق تبارك وتعالى :  
( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) " النمل 88 "  

فكل شيء عنده بمقدار معلوم بحسب علمه سبحانه وتعالى الذي يعلم وحده بأن كل عنصر من عناصر البيئة بهذا القدر وبهذه الصفات كما حددها الله سبحانه وتعالى يكفل لهذه العناصر أن تؤدي دورها المحدد والمرسوم لها من قبل الخالق القدير ، فى المشاركة البناءة فى مصفوفة إعالة الحياة فى توافقية وانسجامية غاية فى الدقة والتوازن مع بعضها البعض . يقول عز من قائل .
( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ( القمر 49 )  
( وخلق كل شيء فقدره تقديراً ) ( الفرقان : 2 )  
( وكل شيء عنده بمقدار ) ( الرعد : 8 )  
والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) ( الحجر : 19 )  

 وتشير كتب التفسير أن قدرة تعني إيجاد كل شيء على قدر مخصوص وتقدير معين فى    ذاته وخصائصه ، والقدر تحديد كل محدود بحده الذي يوجد به . هذا التقدير البالغ الدقة الذى هو من صنع لدن حكيم خبير هو الذي يعطي لكل عنصر أو مكون من مكونات البيئة طبيعته الكمية والنوعية ووظيفته وعلاقته بالمكونات الأخري ، ومنهجه ودوره فى الوجود ، كما يعطي للبيئة ككل توازنها وقدراتها على إعالة الحياة ، وهي المهمة الأساسية التى خلقت من أجلها البيئة .

( ربنا ما خلقت هذا بطالا سبحانك ) ( آل عمران : 191 )

وليس أدل على دقة خلق البيئة وتوازنها ، أن مكوناتها أو عناصرها كلها مفيدة ومتوازنة مع بعضها البعض حسب ما قدر لها الله سبحانه وتعالى طالما ظلت هذه المكونات أو العناصر محتفظة بخصائصها الكمية والنوعية كما خلقت دون تغيير جوهري يذكر . ولكن إذا ما تدخل الإنسان فى البيئة سواء متعمدا أو جاهلا وأحدث فيها تغييرات كبيرة سواء على مستوى الكم أو الخصائص يختل توازنها وتنقلب عناصرها من عناصر مفيدة إلى عناصر ضارة مسببة الكثير من المخاطر التى تهدد الحياة ، ومن ثم تبدأ المشكلات البيئية في الظهور .

وليس ثمة شك أن قضية المحافظة على عناصر البيئة دون تغيير جوهري ، تعتبر قضية بالغة الأهمية والخطورة فى عصرنا الحاضر يجب أن نعي أبعادها جيداً عندما نتعامل مع بيئتنا حتي نحافظ على استمرارية بقاء مكوناتها وعناصرها كما خلقها الله سبحانه وتعالى لتؤدي دورها فى خدمة البشرية دون مشكلات لاطاقة لنا بها ، ونتفادي انتقام البيئة التى لاترحم إذا ما أساء الإنسان استخدامها بالإسراف أو الإفساد أو التخريب . فإذا أخذنا الهواء ، وهو أحد مكونات البيئة ، كنموذج نشرح من خلاله دقة الخلق وبديع الصنع ، نجد أنه يتكون من عدد كبير  من الغازات ، قدر كل منها تقديراً بالغ الدقة  إذ يشكل غازي النيتروجين " الازوت " ( N2  ) ، والاكسجين ( O2  ) النسبة الأعظم ( 99 % تقريباً ) ويعتبر غاز النيتروجين صاحب النصيب الأوفر من هذه النسبة حيث يخصة ( 7 0ر78 % ) وهو غاز خامل لايساعد على الاشتعال وغير قابل للذوبان فى الماء . أما الأكسجين فيخصه ( 95 ر20 % ) وهو غاز نشيط يساعد على الاشتعال وقابل للذوبان فى الماء من أجل الأحياء المائية التي تعتمد فى حياتها على الأكسجين المذاب فى الماء ، والذي يتجدد من خلاله قدرة الماء على امتصاصه واحتوائه .

أما النسبة الباقية ( 1% ) فيمثلها عدد كبير من الغازات منها غاز الأورجون ( 94 ر0 % ) وثاني أكسيد الكربون ( 30ر0% ) والهيدروجين ( 1 0ر0% ) إضافة إلى أول أكسيد الكربون ، وثاني أكسيد الكبريت والهيليوم والميثان والأوزون والكربيتون والنيون والزينون وغيرها .

ومن آيات الله سبحانه وتعالى أن نسبة غاز النيتروجين العالية ( 78 % ) وهو الغاز الخامل غير المساعد على الاشتعال مقدره تقديراً دقيقاً من قبل الخالق العليم الخبير . إذ لو كانت نسبته أقل من هذه النسبة المقدرة وحدث أن سقطت شراره كهربائية من الفضاء الخارجي نحو الأرض ( يحدث أحياناً ) لاحترق كل شيء على سطح الأرض . إذ أن هذه النسبة هي التى تضبط وتقنن طبيعة الأكسجين وهو الغاز القابل للاشتعال ، حيث يتحول إلى غاز يساعد على الاشتعال ولكنه لايشتعل حتي يظل الأكسجين مؤدياً لوظيفته فى إعالة الحياة .

( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) ( الحجر :85 )

وإذا أخذنا مثلاً ثاني أكسيد الكربون الذي يشكل 3 0ر% من حجم الهواء كما قدره الله سبحانه وتعالى ، والذي تدور من حوله فى الوقت الحاضر المؤتمرات وتتعالى الصيحات من أخطاره ، نجد ان هذه الغاز بهذه النسبة المقدرة تقديراً دقيقاً يلعب دوراً مهماً جداً فى إعالة الحياة على سطح الأرض . فالبيئة بهذه النسبة الضئيلة جداً من ثاني أكسيد الكربون المقدرة تقديراً هادفاً استطاعت أن تحتفظ فى غلافها الجوي القريب من سطح الأرض حيث يتركز معظم ثاني أكسيد الكربون ( 80 % ) بدرجة حرارة مناسبة تسمح بوجود الحياة على سطحها إذا يعتبر هذا الغاز بمثابة صوبه الأرض Greenhouse of the Earth  حيث أودع الله فيه خاصية امتصاص الموجات الحرارية الأرضية ( الأشعة تحت الحمراء ) والاحتفاظ بها فى الغلاف الجوي بما يعطي لهذا الغلاف هذه الدرجة المناسبة من الحرارة التى تسمح بوجود الحياة ومعني هذا أن الاخلال بنسبة هذا الغاز زيادة أو نقصاناً تعني فى حد ذاتها زيادة أو نقصاناً فى درجة حرارة الغلاف الجوي وما يحمل هذا الأمر من مخاطر كثيرة ويفسر لنا هذا الوضع القلق الذي بات يسيطر على البشرية نتيجة الزيادة المطردة فى نسبة ثاني أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي منذ الخمسينات من هذا القرن ( زادت النسبة من 31 0% عام 1950 إلى 325 .ر% عام 1970 إلى 345 .ر% عام 1980 ) وما يصاحب هذه الزيادة من ارتفاع فى درجة حرارة الغلاف الجوي .
وتكمن خطورة هذا الأمر فى انصهار كميات كبيرة من الثلوج فى مناطق القطبين والجبال وتحرك هذه المياه لتسهم فى رفع منسوب مياه البحار والمحيطات واحتمالات تعرض مدن ساحلية كثيرة للغرق وتشير سجلات المد والجزر فى مناطق كثيرة من العالم أن منسوب مياه البحار قد ارتفع بمقدار 45 ملليمتراً فى الفترة من 1890 - 1940 ، وأخذ المنسوب في الارتفاع بمعدل 3 ملليمترات سنوياً حتي عام 1970 ، ثم ازداد المعدل ليصل إلى 14 ملليمتراً  فى الوقت الحاضر .



سبتمبر 15, 2003, 01:47:12 صباحاً
رد #3

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #3 في: سبتمبر 15, 2003, 01:47:12 صباحاً »
وقد تبين للعلماء أن تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون لاترجع فقط إلى تزايد استهلاك مصادر الوقود الأحفوري ( الفحم ـ النفط ـ الغاز الطبيعي ) ، وإنما جاءت أيضاً نتيجة التدهور الذى أصاب الغطاء النباتي المستهلك الرئيسي لثاني أكسيد الكربون . ولعل خطورة هذا الوضع هي التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي فى لندن فى فبراير 1989 لمناقشة الإجراءات والوسائل الكفيلة بضبط إطلاق ثاني أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي وتنمية مصادر استهلاكه ( النباتات ) لوقف هذه الزيادة المطردة ومحاولة العودة بنسبته كما قدرها الله سبحانه وتعالى .

ومن ثم لانستطيع ان نتصور تركيبة الهواء على غير النسب التى قدرها الله سبحانه وتعالى ، إذ أن أي خلل فى مكوناته تحدث الكثير من المخاطر يوقل الحق تبارك وتعالى :  
( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ) ( الأنبياء :16 )  

· البيئة خلقت مسخرة لخدمة الإنسان :  

خلق الله البيئة وذللها سبحانه وتعالى وسخرها لخدمة الإنسان الذي استخلفه فيها يقول عز من قائل :  
( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلو من رزقه وإليه النشور ) ( الملك : 15 ) .
( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) ( النحل :14 )  
( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) ( لقمان : 20 )  
( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ( الجاثية : 13 )  
( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ) ( إبراهيم : 32 ـ 33 )  

فالبيئة كلها بأرضها وسمائها ومائها وهوائها وجمادها ونباتها وحيواناتها ، ما يلج فى الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، كل ذلك قد خلقه الحق تبارك وتعالى مسخراً مذللاً للإنسان يعتصر منافعة من بين ثناياها ، فهي خلقت له ومن أجله.

· البيئة يحفظها الله بدروع واقية :  

ومن رحمة الله أن هذه البيئة التى جهزها الله سبحانه وتعالى بكل مقومات الحياة لتصبح بيتاً آمناً للإنسان وتفي بكل متطلباته المعيشية قد حفظها الله سبحانه وتعالى وحماها من مخاطر الإشعاعات الكونية الفضائية والشهب والنيازك التى تندفع من القضاء الخارجي نحو الأرض يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ) ( الأنبياء : 32 )  
فقد أثبتت الدراسات أن الغلاف الجوي الذى يحيط بالأرض يضم مجموعة من الطبقات ولكل طبقة وظيفة تؤديها فى إعالة الحياة وحمايتها .

وتعتبر طبقة الاستراتوسفير " طبقة الأوزون " أحد الطبقات الحافظة والدرع الواقي للبيئة ضد مخاطر الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي لو وصلت إلى سطح الأرض بكامل قوتها المنبعثة بها من الشمس لدمرت كل مظاهر الحياة ومن ثم تجلت قدرة الخالق العليم فى بناء هذه الطبقة التى تقع على ارتفاع يزيد عن 12 كيلو متراً فوق سطح البحر وأودع فيه كميات هائلة من غاز الأوزون O3  الذى تتمثل إحدي وظائفة فى ضبط وتقنين وصول الاشعة فوق البنفسجية إلى الأرض حيث لا تسمح إلا بمرور كميات محددة ومقدرة من قبل الخالق العليم يراها بعلمه أنها مفيدة وضرورية للحياة .

ولعل أهمية هذه الطبقة كدرع واق يفسر لنا القلق والخوف الذى بدأ يساور البشرية بعد اكتشاف وجود ثقب فى طبقة الأوزون فى منطقة القطب الجنوبي ( 1985 ) ، وإرهاصات لدرجة من درجات التدهور فى طبقة الأوزون فى بعض المناطق خاصة العروض العليا الشمالية ومن ثم بدأ العالم يتحرك كله فى الوقت الحاضر ليتعرف على أسباب تدهور هذه الطبقة الاستراتيجية الواقية وبحث الإجراءات الكفيلة بحمايتها من أجل مستقبل البشرية وفى سبيل تحقيق ذلك أبرمت فى سبتمبر 1987 اتفاقية دولية لحماية طبقة الأوزون نصت على ضرورة إيجاد بديل غير ملوث لغاز الكلور وفلوروكربون ( CFCs  ) الذى تبين أنه المسئول الرئيسي عن تدهور طبقة الأوزون . إذ عندما يصل غاز الكلور وفلورو كربون إلى طبقات الجو العليا يتحلل بفعل الأشعة فوق البنفسجية وينطلق ما فيه من "كلور  قاتل الأوزون " إذ أن كل ذرة من الكلور قادرة على تحطيم ( تحليل ) 000 ر100 جزيء أوزون . ومما يدل على خطورة ما أصاب طبقة الأوزون من تدهور ، والخوف من استمرا هذا التدهور عقد مؤتمر دولي فى 18 مارس 1989 فى مدينة لاهاي حضره 24 رئيس دولة وحكومة لمناقشة مشكلة طبقة الأوزون والإجراءات الكفيلة بحمايتها من خطر الملوثات الهوائية ومنها سرعة الحد من استخدام الكلور وفلور كربون . وقد أشارت الأنباء مؤخراً ( يوليو 1989 ) عن اكتشاف ثقب صغير نسبياً أيضاً فى منطقة القطب الشمالي مما يشير إلى أن تدمير الطبقة مستمر وما يحمله هذا الأمر من مخاطر لا طاقة لنا بها . إذ يؤدي تزايد وصول الاشعة فوق البنفسجية إلي الأرض إلى مخاطر كثيرة منها سرطان الجلد ، والتأثير فى جهاز المناعة فى الجسم والتأثير فى المقدرة الإنتاجية للحيوانات والنباتات والتأثير فى المادة الوراثية لخلايا الحمض النووي DNA   إضافة إلى التغيرات المناخية المتوقعة .

كما أن طبقة الميزوسفير ، وهي الطبقة التي تعلو طبقة الاستراتوبوز تمثل بدورها درعاً آخر واقياً للبيئة من خطر الشهب والنيازك التى تضل طريقها وتندفع من الفضاء الخارجي نحو الأرض . إذ تحترق هذه الشهب والنيازك فى هذه الطبقة وتتحول إلى رماد يتساقط بخفة فوق سطح الأرض ويمكن أن نطلق على هذه الطبقة " محرقة الشهب والنيازك " فلولا وجود هذه الطبقة الحافظة لدمرت وأحرقت الشهب والنيازك كل مظاهر الحياة على سطح الأرض.

من هذا نري أن الله سبحانه قد أتقن صنع البيئة  ، وأودع فيها كل مقومات الحياة . يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين ) ( فصلت :10 )  

وأحاطها الله بدروع حامية واقية من الأخطار القادمة من الفضاء الخارجي هذه البيئة هي نعمة مهداة من الله سبحانه وتعال يتعين علينا أن نشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، ويقتضي واجب شكر النعمة أن نسعى إلى حمايتها والمحافظة عليها ، ويصبح هذا الأمر فرض كفاية وفرض عين على كل مسلم ومسلمة لتظل تؤدي دورها فى إعالة الحياة الآمنة المطمئنة . وقد حذر الله سبحانه وتعالى كل من يسيء استخدامها أو يفسدها أو يبدلها بالعقاب الشديد يقول الحق تبارك وتعالى :  
( ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ) ( البقرة : 211 )

ثانيا : الإنسان من منظور إسلامي

الله سبحانه وتعالى عندما خلق البيئة وأودع فيها كل مقومات الحياة وسخرها وذللها للإنسان ليستغل مواردها لمنفعته ومصالحه ، لم يتركه سبحانه وتعالى على غير هدي ، وإنما أرسل له الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين وهاديين لينيروا له الطريق ويرشدوه إلى كيفية التعامل مع بيئته بأسلوب عاقل وراشد ليصونها ويحافظ عليها .

فالاسلام من منطلق كونه خاتم الرسالات السماوية إلى البشرية كافة ، قد ضمنه الله سبحانه وتعالى كل القواعد والضوابط التى تخلق سلوكيات بيئيه راشدة بما يكفل تحقيق علاقة سوية متوازنة بين الإنسان وييئته لتستمر الحياة كما قدر الله وحتى يرث الله الأرض ومن عليها .

وإذا كانت البيئة لم تخلق عبثاً ، فإن الإنسان بدوره أيضاً لم يخلق عبثاً يقول الحق تبارك وتعالى :  
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) ( المؤمنون : 115 )  

وقد قضت حكمة الله عز وجل أن يكون الإنسان خليفة فى الأرض ، وأن يتمتع بقدرات ونعم لايتمتع بها غيره من المخلوقات حتي عالم الملائكة . يقول عز من قائل : ـ  
( ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) ( الإسراء :70 )  

فقد كرم الله الإنسان بالعقل وشدد على ضرورة حسن استخدامه ، ومن ثم كثيراً ما يخاطبه من خلال هذه النعمة العظيمة ، وهي نعمة العقل . يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وما يذكر إلا أولوا الألباب ) ( البقرة : 269 ) .

( فأتقوا الله بأولي الألباب لعلكم تفلحون ) ( المائدة 100 )  
( إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) ( آل عمران : 190 )  

وفوق هذا هداه ربه إلى طريق الصواب والصلاح يقول عز من قائل :
( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفوراً ) ( الإنسان : 3 )  

· الإنسان مستخلف فى البيئة  
خلق الله الإنسان وجعله خليفة فى الأرض وسخر له ما في السماوات والأرض جميعاً يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة ) ( البقرة : 30 )  
( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) ( الأنعام : 165 )  
 ( ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معيش ) ( الأعراف : 10 )  

 ( هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه )  
 ( هو الذي جعلكم خلائف فى الأرض ) ( فاطر : 39 )  

ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة والله تعالى مستخلفكم فيها " ( رواه مسلم والنسائي )  

والواقع أن قضية الاستخلاف قضية يجب ان نتوقف عندها قليلاً لانها سوف تحدد دور الإنسان وواجباته تجاه بيئته . فالاستخلاف يعني أن الإنسان وصي على هذه البيئة لا مالك لها ، إنه مستخلف على إدارتها واستثمارها وإعمارها أمين عليها . ويقتضي واجب الاستخلاف بطبيعة الحال أن يتبع المخلوق ما يأمر به مالك هذه البيئة وخالقها ومستخلفه فيها ويقتضي واجب أمانة الاستخلاف أن يتصرف فيها تصرف الأمين فيما لديه من أمانات فالأرض أرض الله ، والعباد عباد الله ومعي هذا أنه ليس ملكية مطلقة في الإسلام أي أنه ليس من حق أي فرد أن يتصرف فيما يملك كيفما يشاء : فالملكية في الإسلام محددة بضوابط وشروط حددها الله سبحانه وتعالى ، منها حسن استغلالها وصيانتها والمحافظة عليها من أي تدمير أو تخريب وحتى نفسك لا تستطيع أن تتصرف فيها كيفما تشاء ، فأنت آية من آيات الله ملتزم بالمحافظة على نفسك وحمايتها وعدم إلقائها فى التهلكة يقول الحق تبارك وتعالى :  
( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ( البقرة 195 )



سبتمبر 15, 2003, 02:01:26 صباحاً
رد #4

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #4 في: سبتمبر 15, 2003, 02:01:26 صباحاً »
ومن القواعد الفقهية الإسلامية " لاضرر ولاضرار " ( حديث شريف )  
فأي صورة من صور الضرر سواء لنفسك أو لغيرك منهي عنه فى الإسلام أي لا يجوز أن تضر نفسك ولاتضر الآخرين ولا نكون مبالغين إذا ما قلنا أن جدارة الإنسان بالاستخلاف تقاس بدرجة قدرته على إعمار الأرض وتنميتها . ومما يدل على أن عمارة الأرض تكليف من الله سبحانه وتعالى قوله :  
( هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها ) ( هود : 61 )  

فالاستعمار فى هذه الآية مقصود به طلب العمارة والطلب المطلق من الحق تبارك وتعالى على الوجود . فعمارة الأرض مشيئة أزلية . يقول الأستاذ البهي الخولي فى هذا المجال : إن الله سبحانه وتعالى استودع الأرض خيرات وثروات بغير حصر ، واستودع الإنسان من أسرار المواهب والملكات ما يعتبر كنوز هذه الثروات ، بل لا نبالغ إذا ما قلنا أن مهمة الإعمار هي المبرر الوحيد لإصباغ صفة الخلافة على الإنسان واعتباره مخلوق الله المختار.

كما أن الاستخلاف بالقياس الزمني استخلاف مؤقت يقول عز من قائل  
( ولكم فى الأرض مستقر ومتاع الى حين ) ( البقرة :36 )  

ومعنى هذا إن البيئة بمواردها الطبيعية المختلفة لاتعبتر ملكاَ خالصاً لجيل من الأجيال يتصرف فيها كيفما شاء ، ولايستطيع أي جيل أن يدعي لنفسه هذا الحق ، وإنما هي ميراث البشرية الدائم تتوارثه الأجيال المتعاقبة والمتلاحقة .

 ومن ثم يقتضي واجب الاستخلاف أن نحافظ على البيئة دون تدمير أو استنزاف لنورثها  للأجيال القادمة بيئة سليمة قادرة على العطاء كما خلقها الله سبحانه وتعالى . ومن هذا المنطلق يعتبر سوء استغلال موارد البيئة واستنزافها لحساب جيل معين على حساب الأجيال القادمة أمر ينهي عنه الإسلام وفيه مخالفة صريحة لمعنى الاستخلاف . ومن هذا  المنطق تعتبر سياسة حكومة  الكويت فى اقتطاع جزء من دخل النفط واحتجازه واستثماره لصالح الأجيال القادمة تطبيق عملي والتزام لمعنى الاستخلاف كما حدده الإسلام .

· العبادة والبيئة :  
· خلق الله الانسان وحدد مهمته فى هذه الحياة يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ( الذاريات : 56 )  

فالعبادة أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده ، والأمر المطلق من الله سبحانه وتعالى يعني الوجوب .

ومما يجدر ذكره أن العبادة بمعناها الشامل لاتقتصر فقط على مجرد أداء الشعائر الدينية الروحية من صلاة وصوم وحج وغيرها ، وإنما تعني الالتزام المخلص والأمين بمباديء الإسلام وتعليماته فى كل شئون الحياة . فحسن استغلال البيئة عبادة والمحافظة عليها وصيانتها لتستمر الى ما شاء الله تنتفع بها البشرية كافة حتي يرث الله الأرض ومن عليها عبادة ، وإماطة الأذى عن الطريق عبادة وعدم تلويث الماء والهواء عبادة ، وحسن استعمال المرافق العامة والخاصة من طرق ومياه وكهرباء ومؤسسات مختلفة ( مدارس ـ مستشفيات ـ مصانع وغيرها ) بأسلوب راشد عاقل عبادة هذه السلوكيات الإسلامية البناءة فى التعامل مع مكونات البيئة الطبيعية والمشيدة أمر من الله سبحانه وتعالى بقوله .

( وأحسن كما أحسن الله إليك ولاتبغ الفساد فى الأرض إن الله لايحب المفسدين ) ( القصص : 77 )  

وليس ثمة شك أن حسن استغلال مكونات البيئة الطبيعية والمشيدة وصيانتها فيه نفع  
كبير للبشرية كافة ، وأن سوء استغلالها والعمل على سرعة استنزاف مواردها فيه ضرر بالغ للبشرية جمعاء ، وهو فى نفس الوقت كفر والعياذ بالله بأنعم الله ولاريب أن الكفر بأنعم الله مدعاة الى المآسي والكوارث والجوع والخوف يقول الحق تبارك وتعالى .

( فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ( النحل 112 )  

كما أن استغلال موارد البيئة لتحقيق منفعة ذاتية ومؤقته على حساب الإضرار بهذه الموارد وإفسادها واستنزافها يعتبر أمراً منهياً عنه فى الإسلام انطلاقاً من القاعدة الفقهية الإسلامية " درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة " بمعنى أن منع الضرر والفساد مقدم على أي منفعة عند استغلال البيئة وهذا ما بدأ العالم الغربي يدركه مؤخراً فى السبعينات من هذا القرن كوسيلة مهمة لحماية البيئة وصيانتها عندما طرح فكرة " تقويم المردود البيئى Environmental lmpact Assesment ( ELA )  عند استغلال موارد البيئة ويعني هذا المفهوم ضرورة تقييم تأثير أي مشروع على البيئة فإذا تبين أن له تأثير ضار أو مفسد بعناصر البيئة يتم تعديله لتفادي هذا الضرر أو هذه المفسدة ، وإذا لم يتحقق ذلك يلغي المشروع من منطلق أن المحافظة على موارد البيئة مقدمة ومفضلة على المنفعة الاقتصادية التي كثيرا ما تكون مؤقته فالمحافظة على البيئة من المقومات الأساسية والضرورية لإنجاح مشروعات التنمية واستمرارها ومعني هذا أن فكرة تقويم المردود البيئي التى تعكس فلسفة القاعدة الفقهية الإسلامية سالفة الذكر " درء المفسدة ... " تؤكد أصالة الفكر الإسلامي فى صيانة البيئة وحمايتها .
  

 ثالثا :القواعد والمباديء الإسلامية التى تقنن علاقة الإنسان ببيئته
  

لقد ضمن الإسلام مجموعة من القواعد والمباديء التى تكفل ضبط سلوكيات الإنسان فى تعامله مع بيئته بما يصونها ويحافظ عليها لينعم بخيري الدنيا والآخرة من هذه القواعد والمباديء الإسلامية القويمة :

· الدعوة إلى الاعتدال ونبذ الإسراف :  

من مباديء الشريعة الإسلامية الأساسية سلوك الطريق الوسط او المعتدل  في التكليف فهو دين الوسطية والاعتدال ، لا إفراط ولاتفريط ولا إسراف ولاتقتير يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) ( البقرة : 143 )  
( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسوراً ) ( الإسراء 29 )  

فقد نهي الإسلام عن الإسراف لما فيه من أضرار كثيرة فالإسراف فى نظر الإسلام كل سلوك يتعدي الحدود المعقولة أو المقبولة فى أي أمر من الأمور وإذا طبقنا هذا المفهوم على البيئة فإنه يتمثل في  الاستخدام المفرط أو الجائز لموارد البيئة ومن ثم يصبح هذا السلوك غير المرغوب فيه مصدر ضرر وخطورة على البيئة ومواردها ، كما أنه نوع من الأنانية وعدم التبصر وعدم الحكمة فى تحمل المسئولية لأنه مدعاة لسرعة استنزاف موارد البيئة وقد توعد الله المسرفين بالهلاك يقول عز من قائل :  
( ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ) ( الأنبياء 9 )  
( وكلوا واشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين ) ( الأعراف 31 )  

( ولاتبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) ( الإسراء 26 ،27 )  

( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) ( الفرقان : 67 )  

( واقصد فى مشيك واغضض من صوتك ) ( لقمان 19 )  

ومن أحاديث الرسو ل الكريم صلي الله عليه وسلم التى تحض على الاعتدال والاقتصاد ونبذ الإسراف " طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة ( رواه مسلم عن أبي هريرة ) " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه ، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " ( رواه الترمذي )  

ومما يدل على أن الإسلام ينهي عن الإسراف بكل أشكاله وألوانه ، أنه ينهي عن الإسراف حتى فى أعمال الخير والعطاء والعبادة يقول الحق تبارك وتعالى :  

( وءاتوا حقه يوم حصاده ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين ) ( الأنعام : 141 )  

وقد نزلت هذه الآية الكريمة عندما أنفق ثابت بن قيس جذاذ 500 نخلة ولم يترك لأهله شيئاً يقول عز من قائل :  

( وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولاتبذر تبذيرا ) ( الإسراء :26 )  

وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ( الصاع أربعة أمداد ) إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد ( مقدار حفنة كبيرة ) فمن زاد عن ذلك فقد أفاء وظلم ( متفق عليه )



سبتمبر 15, 2003, 02:02:22 صباحاً
رد #5

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #5 في: سبتمبر 15, 2003, 02:02:22 صباحاً »
تمثل هذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية الشريفة دعوة صريحة للمسلمين إلى الاعتدال والاقتصاد وحسن استغلال موارد البيئة من ناحية ، ونبذ الإسراف والاستخدام الجائر والتقتيير من ناحية أخري ولما كان المفسرون يتفقون فى أن العبرة فى النص القرآني والحديث النبوي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فإن هذه الدعوة إلى الاعتدال ونبذ الاسراف تشمل كل سلوك إنساني فالحق تبارك وتعالي عندما يمنح الإنسان نعمة ويفضله على سائر مخلوقاته ، إنما يريد منه المحافظة على ما وهبه الله من نعم لاتعد ولاتحصي فلايبددها فيما لاينفع بل يجب أن يلتزم جانب الاعتدال والاتزان فى استخدامها وتجنب الإسراف فالشريعة الإسلامية جارية فى التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط المعتدل لا إفراط ولاتفريط فحد الاعتدال وحد الاتزان هو حد الإسلام الذي يجب أن  نلتزم به فى كل سلوكياتنا البيئة وغيرها .

وليس ثمة شك أن دعوة الإسلام إلى الاعتدال ونبذ الإسراف منذ أربعة عشر قرنا بدأت تدركها مؤخرا المجتمعات غير الإسلامية فى الشرق والغرب حيث بدأوا ينادون بالاستخدام العاقل أو الراشد المعتدل sound utilization  ونبذ الاستخدام الجائر أو المفرط ( الإسراف )  over - utilization بعد أن بدأ الإسراف فى استخدام موارد البيئة يهدد البشرية بأخطار كثيرة فمثلاً أدى الإسراف فى قطع الأشجار والنباتات إلى بروز مخاطر كثيرة مثل جرف التربة ـ الفيضانات العنيفة ـ تدهور الدورة المائية ونظم المطر ـ انتشار التصحر ـ الاختلال فى دورة الأكسجين ـ ثاني أكسيد الكربون وغيرها كما يؤدي الإسراف فى استخدام المياه إلى مشاكل عديدة مثل تملح التربة وتغدقها ـ سرعة نضوب موارد المياه الجوفية ـ نقص موارد المياه وغيرها .

إن البشرية اليوم فى حاجة ماسة لتبني الدعوة الإسلامية إلى الاعتدال ونبذ الإسراف للحد من الضغط الشديد على موارد البيئة لتظل قادرة على استمرارية العطاء وتتحقق العلاقة المتوازنة بين الإنسان وبيئته التي  نتفادى بها ما نعانية اليوم من مشكلات خطيرة آخذة فى التفاقم بشكل مطرد إذا لم نضع حداً لهذا الاستخدام المفرط والجائر .

· الدعوة إلى التعمير والصلاح والنهي عن الفساد والإفساد :  

الفساد بمعناه الشامل ضد التعمير والصلاح والفساد هو  كل سلوك بشري يفسد نعم الله ويحيلها من مصدر منفعة وحياة إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة فالفساد إذن سلوك بشري على غير ما أمر به الله سبحانه وتعالى ، وعلي مقدار تمرد الإنسان على حركة الحياة يحدث الفساد والإفساد ومن ثم فقد نهى الإسلام عن الفساد والإفساد لما فيهما من ضرر كبير ، وتوعد المفسدين بغضب الله وسخطه يقول الحق تبارك وتعالى :  
( كلوا وأشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ) ( البقرة : 60 )  

( ولاتفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ) ( الأعراف 85)

( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد )( البقرة: 205 )  
وقد نزلت هذه الآية الكريمة فى الأخنس بن شريق الذي أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه ، ثم خرج فمر بزرع فأحرقه ، وحمر فعقرها فذكر الله أمره ذلك إن ما فعله الاخنس يتعارض مع السلوك الإسلامي القويم . يقول عز من قائل :  
( ولاتبغ الفساد فى الأرض إن الله لايحب المفسدين ) ( القصص : 77 )  

( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) ( الأعراف :103 )  

( ويسعون فى الأرض فسادا والله لايحب المفسدين ) ( المائدة : 64 )  

ومن أحاديث الرسول الكريم التى تنهي عن الفساد والإفساد دعوته الى المحافظة على الماء طاهراً نقياً وعدم إفساده بإلقاء النجاسة والمخلفات فيه ليظل مصدر حياة وخير للبشرية : " لايبولن أحدكم فى الماء الراكد ثم يغتسل فيه " ( رواه البخاري ) " كما نهى أن يبال فى الماء الجاري " ( رواه الطبراني بإسناد حسن ) فالتبول فى الماء الراكد يجعله بيئة خصبة لتكاثر الميكروبات والفيروسات التى تساعد على انتشار الأمراض المعدية ، كما أن التبول فىالماء الجاري سوف يؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخرين حيث تصلهم المياه ملوثه وهو سلوك يتنافي مع حرص الإسلام على ألا تضر نفسك ولاتضر الآخرين انطلاقاً من القاعدة الفقهية " لاضرر ولاضرار " .

وفى حديث آخر يقول الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الملاعن الثلاث البراز فى الماء ، وفى الظل وفى طريق الناس " ( رواه ابو داود ) فهل نحن ملتزمون بتعاليم الإسلام كما جاءت فى كتاب الله وسنة رسوله الكريم فى عدم إفساد موارد البيئة . للأسف نحن نرتكب مخالفات شرعية كثيرة عندما نسمح لأنفسنا بضخ مياه المجاري الصحية غير المعالجة ، وهي مليئة بالمواد الكيماوية والعضوية والميكروبات الضارة إلى البحار والأنهار والبحيرات ، كما نرتكب نفس المخالفة عندما نسمح بضخ مخلفات المصانع أيضا فى البحار والأنهار متجاهلين ضررها البالغ على الأحياء المائية وأهمية مياه هذه الانهار للاستخدام الزراعي والاستخدامات المنزلية ، سلوكيات غير إسلامية ، غير بيئية نرتكبها ونحن فى غفلة من أمر ديننا .

وإذا نظرنا إلى ماء المطر النعمة المهداه الذي ينزل من السماء ماء طهوراً يقول عز من قائل :  
( وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا )
 ( الفرقان : 48 ، 49 )  

هذه النعمة العظيمة التى لاتستقيم الحياة بدونها .
( وجعلنا من الماء كل شيء حي )( الأنبياء : 30 )  

بدأنا ايضاً فى إفسادها وبدلناها من طبيعتها الفطرية . إذ أصبح المطر يسقط في مناطق كثيرة ( خاصة فى البيئات الصناعية ) مطراً حمضياً Acid Rain يهلك الحرث والنسل ...ز فقد بلغ الاس الهيدروجيني ( PH  ) للمطر فى بعض المناطق الصناعية  وهو معدل يجعل مياه الأمطار عالية الحموضة محدثه أضرار كثيرة فقد فقدت مئات من البحيرات فى أمريكا الشمالية وشمال غرب أوربا نتيجة ارتفاع درجة حموضة مياهها بسبب المطر الحمضي ، معظم ما بها من ثروات سمكية وأصبحت 90 بحيرة فى منطقة جبال أدرونداك فى ولاية نيويورك ـ على سبيل المثال ـ خالية تماماً من الأسماك تحت تأثير الحموضة المتزايدة لمياه البحيرات وهي حموضة قاتلة للأحياء . إضافة إلى ذلك أن حموضة مياه البحيرات تعمل على تحرر المعادن السامة من قاع البحيرات وتحول المياه بها إلى مياه سامة ولايقتصر تأثير المطر الحمضي على الأضرار بمياه الأنهار والبحيرات وإنما يمتد تأثيره إلي مخاطر كثيرة فقد أعلن فريق من الباحثين فى جامعة نيوها مبشير بالولايات المتحدة الامريكية ( 1985 ) أن المطر الحمضي يمنع حاسة الشم عند سمك السالمون ، ولهذا يفقد قدرته على إيجاد طريقة نحو مجاري الأنهار العليا من أجل وضع بيضة وإتمام عملية الفقس كما بدأت تضر الأمطار الحمضية بالمحاصيل الزراعية تحت تأثير ترسب كميات كبيرة من المواد الحمضية فى التربة مما يغير من تركيبها الكيماوي فى اتجاه الحموضية المتزايدة التى تضر بل تقتل النباتات إذ تعمل الحموضة الزائدة فى التربة على إفقار التربة نتيجة إزالة الكاثيونات " الأيونات الموجبة " منها التى تعتبر القاعدة الأساسية لتغذية النباتات مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم .

كما يؤدي المطر الحمضي إلى تدمير الكثير من الأشجار والنباتات حيث تصاب بظاهرة الموت التراجعي " Dieback  حيث تموت الأشجار واقفه كما يقولون إذ تتلف الأوراق العلوية المعرضة مباشرة للمطر الحمضي الذى يقتل المادة الخضراء فيها ثم ينتقل التأثير بعد ذلك الى الأوراق التحتية فقد أوضح تقرير من ألمانيا الاتحادية ( 1980 ) أن مساحة من الغابات تقدر بنحو 560 ألف هكتار أي حوالي 7ر7% من مجموع مساحات الغابات في ألمانيا قد دمرت أو أتلفت بدرجات متفاوته نتيجة المطر الحمضي والضباب الحمضي هذه المخاطر والمشكلات التى نعاني منها هي نتيجة طيبعية لما ارتكبناه فى حق بيئتنا من فساد وإفساد نهانا عنه الإسلام ، فهو من كسب أيدينا وهو نوع من العقاب الدنيوي لعلنا نتعظ ونهتدي إلى  طريق الحق والصلاح والتعمير .

يقول الحق تبارك وتعالى : ـ
( ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون ) ( الروم : 41 )  

فهل نرجع ؟ ومن سخرية القول أننا نفسد بيئتنا بدعوى إصلاحها فعندما نستخدم الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية مثلاً بدرجة كثافة عالية ، ندعي أننا نسعى إلى زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية ولكن هذا التكثيف للكيماويات ( الأسمدة والمبيدات ) يؤدي إلى إفساد البيئة والإنتاج معاً فقد تبين أنه ينجم عن هذا الاستخدام المكثف لهذه الكيماويات تسرب كميات كبيرة منها إلى الهواء ومصادر المياه وإفسادهما ، فضلاً عن إنتاج محاصيل ملوثة كيمائيا يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وإذا قيل لهم لاتفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون ) ( البقرة : 11 ، 12 )  

ففي تقرير صادر عن دول مجموعة التعاون الاقتصادي الأوربي ( 1988 ) حذر من تفاقم التلوث المائي الناجم عن تكثيف استخدام الأسمدة الكيماوية ، ودعا التقرير إلى الحد من الاستخدام المكثف ( الإسراف ) لهذه الأسمدة الكيماوية لما لها من مخاطر كبيرة على الأحياء المائية .

· الدعوة إلى استزراع وحماية البيئة الحيوية :  

اهتم الإسلام بالبيئة الحيوية " النباتات والحيوانات " اهتماماً كبيراً لما لها من أهمية كبيرة فى إعالة الحياة وتحقيق التوازن الأيكولوجي فقد أودع الله سبحانه وتعالى فى مكونات البيئة الحيوية الكثير من المنافع الملموسة وغير الملموسة التى سخرها بقدرته وحكمته لخدمة الإنسان وتوفير الكثير من متطلبات حياته :  

يقول الحق تبارك وتعالى :  
( وهو الذي سخر البحر لتأكوا منه لحما طريا وتستخرجوا من حلية تلبسونها ) ( النحل 14 )  

( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ) ( يس 80 )  
( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " ( النحل 5 )  

وإذا ما حللنا المنافع التى تقدمها البيئة الحيوية للإنسان نجد أنها عديدة وبالغة الأهمية إذ تلعب النباتات  دوراً مهماً فى إحداث التوازن فى تركيبة الهواء خاصة غازي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والتوازن فى الدورة الهيدرولوجية " الدورة المائية ) من خلال عملية النتج ، وحماية التربة من الجرف لما للغطاء النباتي من قدرة كبيرة على مقاومة عوامل الجرف المائي والهوائي كما تمد الإنسان بمنافع كثيرة منها تعتبر مخزناً للسلالات والجينات الوراثية التي لا غنى عنها فى استمرار برامج تطوير وتهجين سلالات جديدة ذات إنتاجية عالية ومقاومة للآفات والأمراض النباتية والحيواينة فمن المعروف أن المحاصيل الزراعية والحيوانات المرباه تفقد مع مرور الوقت جيناتها الوراثية الجدية مما يؤثر فى درجة انتاجيتها ومن ثم يقتضي الأمر تهجين واستنباط سلالات جديدة ذات إنتاجية عالية بصفة دورية وتعتمد هذه العلمية على ما تحمله أقارب Relatives هذه المحاصيل فى البيئة الطبيعية من جينات وراثية جيدة كما خلقها الله سبحانه وتعالى كما أن للبيئة الحيوية أهمية طبية حيث تضم نباتاتها وحيواناتها الكثير من المواد أو العناصر الفعالة فى صناعة الدواء ومما يدعو للأسف أن البيئة الحيوية فى تدهور مطرد نتيجة الاستغلال المفرط والجائر .

وتشير ورقة عمل أعدها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ( اليونب ) ومنظمة الفاو والبنك الدولي ( 1988 ) أن الغابات المدارية تختفي بمعدل 11 مليون هكتار سنويا وأن نصف الغابات المدارية فى العالم قد اختفى منذ بداية القرن الحالي ، وأن هناك حاجة لاستثمار نحو 8 مليار دولار على مدى السنوات الخمس القادمة لتنمية الغابات واحتواء الأثر الضار لإزالة الغابات .

ومما يجدر ذكره ان الاهتمام باستزراع النباتات وحمايتها لم يكن وليد العصر ، ولا من محدثات الزمن ، بل دعا اليه الإسلام منذ اربعة عشر قرناً فقد كان الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يرغب أصحابه ويدعوهم إلى استزراع النباتات وحمايتها والمحافظة عليها من أحاديث الرسول فى هذا المجال " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طيرا أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ( رواه مسلم والبخاري والترمذي ) " من أحيا أرضاً وعرة من المصر أو ميته من المصر فهي له ( رواه أحمد فى سنده ) ( ما من إمريء يحيي أرضاً فيشرب منه كبد حراء وتصيب منها عافية إلا كتب الله به أحراً ) ( رواه الطبراني في المعجم الأوسط والكبير ) ( أشهد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله فمن أحيا موتها فهو أحق به ) ( رواه أبو داود فى سننه والترمذي فى سننه ومالك فى الموطأ ) ( إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها ) ( رواه مسلم ) صدق رسول الله الذي لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي وكانت الأوامر تصدر صريحة إلى قواد المسلمين تنهاهم عن قطع الأشجار أو تدميرها وضرورة المحافظة عليها كما أعطي الإسلام لولي الأمر الحق فى إقامة الحمي " المحميات الحيوية ) إذا كان ذلك فى صالح المسلمين ، وقد ادرك العالم الغربي فى السبعينات من هذا القرن أهمية المحمية الحيوية فى حماية البيئة الحيوية ، وهي الدعوة التى تبناها الإسلام منذ اربعة عشر قرنا ً .

هذه الاحاديث النبوية الشريفة دعوة صريحة تربي فينا السلوكيات البيئية الإيجابية نحو التخضير ونشر الخضرة فى كل مكان وينال كل من يشارك فى التخضير سواء بالدعم المادي أو الجهد البشري أو الدعوة إلى الكويت برغبة أميرية سامية بوضع خطة شاملة لتخضير البلاد وإصدار التشريعات التى تمنع قطع الأشجار والنباتات إلا بتصريح وبضرورة ملحة وهي لاشك استجابة للدعوة الإسلامية التي تحض على تخضير البيئة وحمايتها . إنها دعوة للحياة الآمنة المستمرة .

وفى الوقت الذى اهتم فيه الإسلام بالنباتات فقد اهتم أيضاً بالحيوانات فإذا كان صيد الحيوانات برية كانت أو مائية حلالاً طيباً شرعياً فقد نهى الإسلام عنه طالما كان لغير منفعة ، أو كان فيه إسراف يهدد وجود هذه الحيوانات التى لم تخلق عبثاً ، وإنما لكل منها دور مهم فى مصفوفة الحياة لا غنى عنه فقد روى النسائي وابن حبان أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :  

" من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله يوم القيامة يقول يارب أن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة )  

ولنا فى قصة الرجل الذي دخل الجنة لأنه سقى كلباً كان يلهث من شدة العطش ، وقصة المرأة التى أدخلت النار لأنها حبست هرة ولم تطعمها أو تتركها تأكل من خشاش الأرض . هذه هي سلوكيات الإسلام تجاه البيئة الحيوية ، سلوكيات تسعي للمحافظة على هذه البيئة وصيانتها ، فهل نتأسى بهذه السلوكيات الإسلامية ونغرس فى الجيل الحالي والأجيال القادمة الوعي البيئ الإسلامي بأهمية استزراع النباتات وحماية الحيوانات والمحافظة عليها .



سبتمبر 15, 2003, 02:06:54 صباحاً
رد #6

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #6 في: سبتمبر 15, 2003, 02:06:54 صباحاً »
رابعا : الإسلام وأدب استخدام الطرق في البيئة
  

مما يجدر ذكره أن حسن استخدام الطريق ومنع الأذي والضرر عنه قد كفله الاسلام وشدد عليه ورغب فيه انطلاقاً من أحاديث  الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم " إماطة الأذي عن الطريق صدقة " ( متفق عليه ) من أذي المسلمين فى طرقهم وجبت عليه لعنتهم )( رواه الطبراني باسناد حسن ) ( الإيمان بضع وستون أو سبعون شعبه أدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ( متفق عليه ) من أماط أذي عن طريق المسلمين كتبت له حسنة ) ( رواه البخاري والطبراني ) ( إن المؤمن ليؤجر فى إماطة الأذى عن الطريق ) ( رواه الترمذي )  

من هذه الأحاديث النبوية الشريفة يتضح لنا أن إماطة الأذى بكل أشكاله المادية والمعنوية عن الطريق عبادة وفرض عين على كل مسلم فالأذى هنا يشمل كل ما يضر بالطريق ويشوه جماله ونظافته او يتسبب فى وقوع  حوادث الطرق أو الارباك المروري أو غيرها من الأضرار التى تلحق بالطريق ومستخدميه فمثلاً إلقاء الزجاجات الفارغة والمخلفات من أوراق وغيرها فى الطريق يعتبر نوعاً من الأذي إشغال أرصفه الطرقات ، وهي المخصصة للمشاة بما يحول دون استخدامها فيه أذي وضرر لأن هذا الأمر قد يجبر المشاه ان يسيروا فى عرض الطريق مما يعرضهم للحوادث كما أن عدم الالتزام بتعاليم وقواعد المرور مما يتسبب فى وقوع حوادث مرورية يتأثر بها أناس أبرياء يعتبر أذى فالسائق الذي يسير بسرعة جنونية غير عابئاً بما تحدثه هذه السرعة من وقوع حوادث ، كثيرا ماتكون مميته ، يرتكب مخالفة قانونية وشرعية فى حق نفسه وحق الآخرين فالسرعة الجنونية دعوة للتهلكة والله ينهانا عن إلقاء أنفسنا فى التهلكة يقول الحق تبارك وتعالى :  

 ( ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ( البقرة : 195 )  

كما أن هذه السرعة الجنونية فيها إسراف شديد على النفس حيث يسيء استخدام نفسه والسيارة التى يمتلكها معاً ويقتضي واجب الملكية فى الإسلام كما سبق أن بينا حسن استخدامها وصيانتها وصلاحها كما يدعونا الإسلام إلى الاعتدال فى السرعة يقول الحق تبارك وتعالى :  

( واقصد فى مشيك واغضض من صوتك ) ( لقمان 19 )  
فالاعتدال فى السرعة هو حد الإسلام ، حد الاتزان وهو الحد الذي ستؤجر عليه لأنك بذلك تميط أذي عن الطريق بسرعتك المعتدلة المعقولة كما أن الاضرار بالطريق والتسبب فى الحوادث يتنافى ولاشك مع القاعدة الفقهية الإسلامية " لاضرر ولاضرار ) فالطريق ليس ملكاً لك تعبث فيه كيفما تشاء ومن رحمة الله عليك أنك ستؤجر فى إماطة الأذى عن الطريق وتنجو من عقاب الله سبحانه وتعالى الذي توعد به المفسدين والمسرفين فى الأرض فهل نعقل ونتبع طريق النجاة فى الدنيا والآخرة ، وهل نحسن استخدام الطرق وأن نمتنع عن كل شكل من أشكال الأذى بها كما أمرنا الله سبحانه وتعالى  .

خامسا : البيئة وضبط الإنجاب من منظور إسلامي
  

قضية ضبط الإنجاب لتخفيف الضغط السكاني عن البيئة بما يحد من تدهور واستنزاف مواردها ، أصبحت من القضايا الحرجة التى تواجه الكثير من الدول الإسلامية بعد أن بدأ حجم السكان الحالي يضغط بشدة على موارد البيئة وأمام هذه القضية يثور سؤال حيوي هل يسمح الإسلام بضبط الإنجاب أو يعارضه ؟ أو بمعنى آخر هل ضبط الإنجاب أمر جائز في الإسلام أو غير جائز ؟ الواقع أن قضية ضبط الإنجاب قضية تثير الكثير من الحرج والحساسية وهي قضية لم تحسم بعد بشكل نهائى حيث يثور من حولها الجدل ويختلف علماء المسلمين فيما بينهم بين مؤيد ومعارض ، بين من يصل بها إلى حد التحريم ، أو الإباحة .

· بعض الأفكار والتصورات العامة عن ضبط الإنجاب :  

قبل أن ندخل في مناقشة هذه القضية وإبراز أبعادها واجتهادات الفقهاء فيها ، أحب أن أضع أمام القاريء مجموعة من الأفكار والتصورات العامة كمدخل للمناقشة نوجزها فيما يلي : ـ  

ـ أحب أن أوضح بداية أن سياسة ضبط الإنجاب ليست هدفاً في حد ذاتها ، وإنما هي غاية لتحقيق أهداف ومتطلبات تسعى ولاشك لخير المسلمين ، فإذا ما تحققت يصبح التخلي عن هذه السياسة وإطلاق الإنجاب فى مساره الطبيعي أمراً وارداً ، إذا كان في إطلاق الإنجاب أيضاً ثمة ضرورية .

ـ ليس من الضروري ان يكون ضبط الانجاب عملية ملزمة لجميع الدول والشعوب الإسلامية، وإنما هي عملية اختيارية بحته تفرضها ظروف المجتمع المسلم علي سبيل المثال هناك دولاً إسلامية تسمح ظروفها وإمكاناتها البيئية بالإنجاب غير المقنن ، بل قد تري ضرورة فى تشجيع الإنجاب ، فى حين أن هناك دول أخرى أصبح تقنين الإنجاب وضبطه ضرورة حتمية ومعني هذا أن قضية ضبط الإنجاب قضية نسبية وليست مطلقة فإذا كان هناك ثمة ضرورة لضبط الإنجاب كان يكون وسيلة لحل مشكلة ما ، أو إنقاذ المسلمين من ضرر أو تهلكة ما ، فلا ضير ولا غضاضة فى الدعوة إليه وتشجيعة . ويؤيد فكرة ضبط الإنجاب عن الحاجة سواء كانت لاعتبارات مرتبطة بالفرد أو بالدولة القواعد الإسلامية الفقهية " الضرورات تبيح المحظورات " ، لا ضرر ولا ضرار " " ما لا يتم  الواجب إلا به فهو واجب " " تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام "  

ـ إننا نعيش فى عالم أصبحت تحكمة الحدود السياسية للدول ، وأصبح لكل دولة قوانينها التى تضبط وتقنن حركة الهجرة الوافدة إليها . ومن ثم أصبح لزاماً على كل دولة أن تكيف حجم سكانها وفقاً لقدرات وإمكانات بيئتها حتي لاتعيش عالة على غيرها ، أو تضغط على مواردها بشدة بما يؤدي فى النهاية إلى تدهورها واستنزافها السريع وما يواكبه من مشكلات كثيرة ، وهذا ما ينهي عنه الإسلام .

· هل نهى الإسلام صراحة عن ضبط الإنجاب ؟  

إذا كان البعض يرى أن الإسلام قد نهى صراحة عن ضبط الإنجاب من منطلق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدعو إلى النكاح والإنجاب " تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة " ( وهو حديث ضعيف ) " تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " ( رواه أبو داود والنسائي والبيهقي ) . فإن هذا الرأي يمكن الرد عليه بأن سياسة ضبط الإنجاب لا تتعارض مع هذين الحديثين الشريفين للاعتبارات التالية:  

ـ إن سياسة ضبط الإنجاب لا تعني " لا نكاح ـ لا تناسل ـ لا تكاثر " ففي ظل هذه السياسة يتم النكاح ويتم التناسل نمو السكان ، كل ما في الأمر أنه يتم ضبط عدد أفراد الأسرة بما يحقق نمواً سكانياً معتدلاً يتواءم مع قدرات البيئة وإمكاناتها . فإذا كانت ظروف البيئة فى دولة ما محدودة الموارد وإن إرهاصات عجز البيئة عن الوفاء باحتياجات السكان بدأت تلوح فى الأفق ، فإن ترك السكان ينمون بشكل سريع دون ضبط يعتبر أمراً غير مقبول لأن استمرار هذا الوضع السكاني سيؤدي مستقبلاً إلى الضغط الشديد على موارد البيئة مما يعجل بتدهورها واستنزافها وخلق الكثير من المشكلات فى مثل هذه الحالة يصبح ضبط النمو السكاني ضرورة لا تتعارض مع روح الإسلام وتعاليمه لأنه سيحمي البيئة من خطر التدهور والإستنزاف .

ـ يؤدي ضبط الإنجاب إلى تخفيف الضغط على موارد البيئة بما يساعد على صيانتها والمحافظة عليها وليس ثمة شك أن صيانة البيئة والمحافظة  عليها وهي ميراث الأجيال المتعاقبة دعوة إسلامية لتستمر في تأدية دورها فى إعالة الحياة . ويؤيد هذا التوجه القاعدة الفقهية الإسلامية" ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب " فإذا كان ضبط السكان من عوامل حماية البيئة وصيانتها فإنه يصبح أمراً واجباً لأنه لا يتم حماية البيئة إلا به .

ـ كما يؤدي ضبط الإنجاب إلى إحداث نمو سكاني معتدل وهو يتفق مع الدعوة الإسلامية  إلى الاعتدال فى كل شيء " لا إفراط ولاتفريط )  

وإذا ما حللنا حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " تناكحوا تناسلوا ...) أو الحديث الآخر " تزوجوا الولود .... " تحليلاً دقيقاً فيه بعد رؤية وشمولية ، يمكن القول أنه ليس فيهما دعوة صريحة ضد ضبط الإنجاب كما يعتقد البعض ، وإنما هو فى الحقيقة دعوة صريحة ضد الرهبنة فلا رهبانية فى الإسلام . يقول الحق تبارك وتعالى : ـ  
( ورهبانية أبتدعوها ما كتبنها عليهم ) ( الحديد 27 )



سبتمبر 15, 2003, 02:09:42 صباحاً
رد #7

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #7 في: سبتمبر 15, 2003, 02:09:42 صباحاً »
)  

فالرهبانية التى تعني المبالغة فى التعبد الباطل الذى يحرم على الإنسان ما أحله الله له تعني لانكاح ـ لاتناسل ، وهذا على غير ما أمر به الله سبحانه وتعالى حيث تصبح الرهبنة دعوة للقضاء على البشرية ومن ثم كانت دعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للنكاح من الزوجة الولود الودود لأن فيه تكاثر وإنما للسكان وبالتالي استمرارية للحياة كما أراد الله سبحانه وتعالى .

والواقع إن الإسلام لم ينه صراحة عن ضبط الإنجاب ، وإنما نهى عن أمور أخرى مرتبطة بما كانت تمارسة بعض الجماعات والشعوب قبل الإسلام من سلوكيات غير إسلامية مثل وأد الأولاد ، وهو فعل محرم شرعاً بنص الآية الكريمة .
( ولاتقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) ( الأنعام 151 )  

ومما يشير إلى أن الإسلام لم ينه صراحة عن ضبط الإنجاب أيضاً ما جاء فى بعض الأحاديث النبوية الشريفة ، واجتهادات فقهاء المسلمين الذين أباحوا العزل بهدف منع الحمل ( ضبط الإنجاب ) وبغض النظر عن الأسباب التي من أجلها كان يتم العزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده ، إلا أن ما نحب أن نؤكد عليه أن العزل فى حد ذاته كوسيلة من وسائل منع الإنجاب غير منهي عنه صراحة في الإسلام فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال " كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل ( أخرجه البخاري ومسلم ) وزاد مسلم " فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا " وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن العزل للحرة إلا بإذنها " ( رواه أحمد في مسنده )  

وقد أباح أصحاب المذاهب الأربعة العزل عن الزوجة الحرة برضاها لأن لها حقاً في الولد ، أما العزل عن الأمة برضاها وبدون رضاها ومن هذا المنطلق فلا مبر إذن لمنع استخدام هذه الرخصة والتشدد فى منعها طالما أن العزل من أجل ضبط الإنجاب يمثل ضرورة ملحة تفرضها ظروف الأسرة أو المجتمع ، وطالما أن ضبط الإنجاب ليس هدفاً فى حد ذاته ، وإنما وسيلة لتحقيق خير المسلمين وحل مشكلاتهم البيئية خاصة مشكلة الغذاء ، والتصحر وتدهور الموارد وغيرها .

وقد أورد الإمام الغزالي فى كتابه " إحياء علوم الدين " إن من النيات الباعثة على العزل الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة ودخول مدخل السوء . فإن قلة الحرج معين على الدين ، لأن الوقوع فى حرج دنيوي قد يفضي إلى حرج من دينه فيرتكب المحظور من أجل الأولاد وهنا تصدق القاعدة الفقهية الإسلامية " مما أدي إلى حرام فهو حرام " ومعني هذا إذا كانت كثرة الإنجاب سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع ستؤدي الى ارتكاب المحرمات بالنسبة للفرد السرقة ـ الرشوة ـ الاختلاس ، وبالنسبة للمجتمع سرعة استنزاف موارد البيئة وتدهورها وزيادة حدة مشكلة الغذاء والجوع وطلب المساعدات الغذائية وكلها تأتي من الدول غير الإسلامية مما يشوه صورة الإسلام ، فإن ضبط الإنجاب فى هذه الحالة يعتبر ضرورة حتي لايحدث المحظور وحتي لانعيش عالة على  غيرنا . وقد أعلن فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي مصر فى يوليو 1988 أن تنظيم الأسرة حلال وليس حرام مادامت هناك ضرورة صحية أو اقتصادية أو اجتماعية " الضرورات تبيح المحظورات " فإذا أخذنا العالم الإسلامي نجد أن عدد سكانه يتزايدون زيادة سريعة بمعدل يبلغ فىالمتوسط 5ر2 % سنويا ويسمح هذا المعدل للسكان أن يتضاعفوا فى فترة زمنية قصيرة تبلغ حوالي 30 سنه فإذا كان حجم سكان العالم الإسلامي فى عام 1985 قد بلغ 820 مليون نسمة ، معني هذا أن الرقم سوف يقفز  إلى 1640 مليون نسمة فى عام 2015 ، وإذا ما استمر هذا المعدل قائماً دون تغيير ، سيبلغ عدد سكان العالم الإسلامي إلى 3280 مليون نسمة عام 2045 ، وهنا يبرز سؤال ملح هل إمكانات وقدرات البيئة فى عالمنا الإسلامي قادرة على استيعاب هذه الأعداد الضخمة فى أقل من 60 سنة ، وهل البيئة قادرة على استيعاب هذه الأعداد دون استنزاف وتدهور سريع لمواردها ؟ أسئلة الإجابة عليها محيرة خاصة وأن بعض الدول الإسلامية بدأت قدرات بيئتها تنوء بما تضمه من سكان فى الوقت الحاضر فماذا نتوقع عندما يتضاعف هذا العدد مرتين فى حوالي 60 سنه قادمة ، فهل ننتظر حتي تدهور موارد البيئة وتعجز عن الوفاء باحتياجات السكان ، أو من الواجب أن نخطط من الآن لتحقيق معدل نمو سكاني معتدل يتوازن مع قدرات وإمكانات البيئة ؟ فمن القواعد الفقهية الإسلامية " يجب دفع الضرر قبل وقوعه " ومن ثم لا يجوز أن ننتظر حتى يقع الضرر لأن فيه مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية .

من هذه المناقشة يتبين أن ضبط الإنجاب لم يحرمه الإسلام صراحة ،بل يتمشي مع دعوة الاعتدال التى يحض عليها الإسلام . فضبط الإنجاب يعني النمو السكاني المعتدل الراشد الذي يتفادي به ومن خلاله الإفراط السكاني من ناحية ، والتفريط السكاني من ناحية اخري فكلاهما له خطورته . فالإفراط يؤدي إلى زيادة السكان زيادة سريعة وبالتالي الإسراف فى استخدام موارد البيئة واستنزافها ، والتفريط يهدد مستقبل النمو السكاني نتيجة التناقص المطرد فى حجم السكان ، كما يحدث الآن فى بعض الدول الأوربية التى غالت فى ضبط النسل إلى حد التفريط حيث بدأت تسود موضة الأسرة العذارء " الأسرة غير المنجبة " وأصبح النمو السكاني فيها سلبياً كما حدث فى ألمانيا الاتحادية ، ولكسمبورج والنمسا والدانمرك والمجر مما دفع حكومات هذه الدول إلى الدعوة لتشجيع الإنجاب المعتدل لتفادي مخاطر التفريط السكاني أو ما نسمية " الردة السكانية " ومن ثم تتضح عظمة الإسلام فى دعوته إلى الاعتدال حتي نتفادي مخاطر كل من الإفراط والتفريط كما أن ضبط الإنجاب عملية نسبية يحكمه بالدرجة الأولي مقدار حجم المنفعة التي يمكن أن تتحقق ، أو مقدار الضرر الذي يمكن ان نتجنبه فإذا كان ضبط الإنجاب وسيلة لدرء ضرر أو جلب منفعة أصبح أمراً مباحاً وضرورياَ من القاعدتين الفقهيتين " درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة " يجب دفع الضرر قبل وقو عه "  

ومن ثم يجب ألا نقف من ضبط الإنجاب موقفاً متشدداً لا لين فيه  وإنما ننظر إلى القضية برؤية واعية هدفها الأول والأخير خير الإنسان برفع المعاناة عنه ، ومصلحة البيئة بتخفيف الضغط الشديد على مواردها .

وما أحب أن أشير إليه أن ضبط السكان لايعني أنه الحل الأوجد لمشكلاتنا وحماية بيئتنا من خطر التدهور والاستنزاف ، وإنما هو حل أو وسيلة من ضمن مجموعة وسائل لحل مشكلاتنا وحماية بيئتنا . إذا يجب أن يرافقه بذل كل جهد ممكن فى تنمية الموارد البيئة وحسن استغلالها واستخدام افضل الوسائل لصيانتها حتي نحقق فى النهاية علاقة طيبة إيجابية متوازنة بين الإنسان وبيئته ، علاقة تصون البيئية وتحافظ عليها لتظل قادرة على العطاء الجيد إلى ما شاء الله ، وهذا ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى .
خاتمة

من هذه الدراسة نتبين أن الإسلام قد عني عناية كبيرة بالبيئة ، ووضع للإنسان القواعد والأسس السليمة التى تكفل له حسن استغلال البيئة والمحافظة عليها وصيانتها وليس ثمة شك أن ما نعانيه اليوم من مشكلات وتدهور مطرد وخطير للبيئة سواء فى مواردها أو طبقاتها الحامية ، إن دل على شيء ، فإنما يدل على أن البشرية لم تلتزم بتعاليم الإسلام القويمة فى التعامل مع البيئة بل انطلقنا تحت نزعة الرغبة فى تحقيق مكاسب سريعة ومؤقته على حساب موارد البيئة ورصيد الأجيال القادمة فى استغلال البيئة استغلالاً جائراً مدمراً وهي قضية خطيرة جداً بدأنا نعاني من إرهاصات نتائجها الخطيرة المتمثلة فى مشكلات بيئية لا طاقة لنا على تحملها إذا ما تفاقمت ووصلت أوج خطورتها مثل مشكلة تدهور طبقة الأوزون ، ومشكلة تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون ، وتدهور البيئة الحيوية والتصحر ، تلوث البحار والمحيطات ، جرف التربة وغيرها من المشكلات البيئية التي أصبحت سمة من سمات عصرنا الحاضر .

لقد آن الأوان أن نعيد النظر فى مفاهيمنا وسلوكياتنا البيئية من منظور إسلامي ليتحقق لنا سلوكيات بيئية إسلامية راشدة تتعامل مع البيئة من منطق الحرص على صيانتها والمحافظة عليها .

لقد أصبحنا فى حاجة ماسة لتكثيف الجهود نحو إسلامية المعرفة البيئية بكل فروعها وتخصصاتها ، وتأصيل وتعميق التربية البيئية الإسلامية فى كل ما يخص البيئة ومشكلاتها على مستوي المناهج الدراسية فى المدارس والجامعات ، وعلي مستوي وسائل الإعلام المختلفة لخلق أجيال جديدة قادرة علىالتعامل مع بيئتها على هدي من الشريعة الإسلامية . ويحضرني فى هذا المجال كلمات حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت رئيس منظمة  المؤتمر الإسلامي فى دورتها الخامسة فى 23 مايو 1987 " نحن نعيش عصر العلم والتقنية ، وعندكم ركائز الإسلام وأخلاقياته رصيد كريم فابنوا عليه صرحاً من العلم وشاركوا فى المسيرة العالمية بكل العزم والجد " إن هذا الأمر يضع على عاتق وزارات التربية ووزارات التعليم العالي  ووزارات الإعلام ووزارات الأوقاف والشئون الإسلامية فى العالم الإسلامي ضرورة المبادرة بتعميق هذه المفاهيم والسلوكيات البيئية الإسلامية فى المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية وخطب الجمعة وغيرها .

كما أننا فى حاجة إلى وضع تشريع بيئي إسلامي ينبع من تعاليم ديننا الحنيف يلتزم به المخططون وصناع القرار عند وضع خطط تنمية موارد البيئة بما يصونها وينميها أسال الله عزل وجل أن يصدق فينا قول الحق تبارك وتعالى :  
( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ) ( الزمر 18 ) صدق الله العظيم



ديسمبر 10, 2004, 04:15:56 مساءاً
رد #8

الأحيائي الصغير

  • عضو خبير

  • *****

  • 6258
    مشاركة

  • مشرف علوم الأرض

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #8 في: ديسمبر 10, 2004, 04:15:56 مساءاً »
الله يعطيك ألف ألف عافية أخي العزيز "" التواق للمعرفة ""

و جزاك الله كل خير أخي الحبيب  

 '<img'>

على فكرة إن هذا الموضوع يستحق التثبيت دون أي نقاش فلما لا تثبتونه لكي يستفيد الكثير منه فالموضوع رائع بل أكثر من رائع .

دمت أخي العزيز بألف ألف عافية     '<img'>
اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأول فليس قبلك شيء و الآخر فليس بعدك شيء و الظاهر فليس فوقك شيء و الباطن فليس دونك شيء أسألك اللهم بأسمائك الحسنى و صفاتك العليا و باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت و إذا سئلت به أعطيت أن تنتقم لنبينا و حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم من كل من أرد به و بدينه و بالمسلمين السوء إنك يا مولنا على كل شيء قدير

ديسمبر 10, 2004, 10:48:56 مساءاً
رد #9

عبدالله علي

  • عضو خبير

  • *****

  • 1005
    مشاركة

  • عضو مجلس الشورى

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #9 في: ديسمبر 10, 2004, 10:48:56 مساءاً »
نعم يستحق التثبيت..

بارك الله فيك اخي التواق للمعرفة..

'<img'> '<img'>
وقل رب زدني علما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ديسمبر 11, 2004, 04:55:38 صباحاً
رد #10

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة من منظور إسلامي
« رد #10 في: ديسمبر 11, 2004, 04:55:38 صباحاً »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ العزيز الاحيائي الكبير

وأنت الأروع بتشجيعك الدائم ومشاركاتك القيّمة .

الأخ العزيز عبد الله علي

شكرا جزيلا لك وأحييك على كل ما تقدمه في المنتديات العلمية .

بارك الله فيكما وتم التثبيت .

'<img'>