السلام عليكم
"هل تذكر آخر مرة حاولت فيها حساب شيء ما، ثم عند حد معين بدأت تفتش عن ورقة وقلم لتنظم حساباتك بشكل أفضل!؟
هذا الموقف يوضح أهمية (الورقة والقلم) في متابعة الأفكار وتوضيح النتائج، بل إن المهارة في استعمالهما يضاعف من قدراتنا العقلية ويساعدنا على توليد المزيد من الأفكار الإبداعية. فقد يصعب عليك (بطريقة ذهنية مجردة) حساب راتب التقاعد لأبعد من خطوة أو خطوتين، كما يصعب عليك تنظيم أي مشروع تجاري أو تخطيط بيتك الجديد بدون اللجوء إلى الورقة والقلم..
ليس هذا فحسب بل إن فوائد "الورقة والقلم" تتضاعف إذا لجأنا إلى طريقة في التفكير تدعى خرائط المخ، فمن الملاحظ ان معظم الناس (حين يخططون لحياتهم أو يجرون حساباتهم) يفعلون ذلك بطريقة متتالية على نمط 1، 2، 3، 4.ومن المآخذ على هذه الطريقة أنك حين تنطلق من الفرضية (1) يذهب تفكيرك بخط مستقيم إلى الاحتمال (2) وفي حالة فشله لا تجد أمامك غير الاحتمال (3) ومنه إلى (4)..
ومن عيوب هذه الطريقة أن تفكيرك ينطلق بخط مستقيم ولا تحصل إلا على احتمال واحد في كل مرة. وإن كان الأساس الذي بنيت عليه خاطئاً منذ البداية ستنهار كل الخطوات التالية ويضيع جهدك سدى!!
هذه المآخذ جعلت الباحث البريطاني توني بوزان ينصح باعتماد طريقة متفرعة في التفكير دعاها "خرائط المخ". ففي رأي بوزان يجب أن يمثل الهدف الأساسي "جذع الشجرة" الذي تخرج منه فروع ثانوية تتفرع بدورها إلى أغصان أصغر فأصغر. ووضع الأفكار على الورق بهذه الطريقة يحفز المخ على الاستطراد ويعطيك فهما أفضل للموضوع ولا يجعلك تفوت أي احتمال ثانوي.. وكي تتضح طريقة بوزان بشكل أفضل دعنا نفترض أن اسمك "عبدالله" وأنك ترغب في تنظيم حياتك بشكل أمثل:
.. في البداية اكتب اسمك في منتصف الورقة وضع حوله دائرة كبيرة. من تلك الدائرة ارسم فرعين واكتب أمام أحدهما (الدنيا) والثاني (الآخرة).. والآن اسأل نفسك ماذا تريد من الاثنين، من الدنيا تفرع إلى دوائر أصغر واكتب بداخلها عناصر مثل: المال، السعادة، السفر، الاستقرار العائلي. ومن الآخرة تفرع إلى: الجنة، النار، العبادات، حقوق الناس (ولا تنس وضع دائرة حول الجميع)!!
.. والآن اختر احدى الدوائر الصغيرة (ولتكن المال مثلاً) وتفرع منها إلى دوائر أصغر تضم أبرز العناصر التي يمكن أن تحقق ذلك الهدف. وبعد أن تنتهي افعل الشيء نفسه مع العناصر الأخرى وستدهش للكم الهائل من الأفكار والطرق التي توصلك لمبتغاك ـ والتي لم تكن لتخرج بها لو اتبعت الطريقة القديمة المتوالية!!
للوهلة الأولى قد تبدو نصيحة بوزان بديهية ومسلماً بها، ولكننا في الحقيقة لا نطبقها على أرض الواقع ويغلب على تفكيرنا السير باتجاه واحد مستقيم، فالشاب مثلاً ليس في رأسه غير الوظيفة للحصول على الدخل في حين أن التفرعات (التي خرجت من دائرة المال) قد تلفت انتباهه إلى إمكانيات كثيرة أفضل.. أضف لذلك أن مجرد وضع الأفكار على الورق يجعل الموضوع ثابتاً في ذهنك ومتجسداً أمام ناظريك ـ ويحتفظ بقوة وضوحه إن عدت إليه بعد زمن...
بقي أن نشير إلى أن بوزان يؤكد أن تعليم أطفال المدارس التفكير بالطريقة المتفرعة (بدل الطريقة المتوالية) يرفع من نسبة ذكائهم وجعلهم يقدمون حلولاً أكثر وأعمق للمعضلات التي طرحت أمامهم.. وأنا شخصياً أؤيده في هذا الرأي، وأتمنى أن تتحول (طرق التفكير) عموماً إلى منهج في مدارسنا "
شكرا