السلام عليكم
" يوم الاربعاء الماضي قرأت تصريحاً لأمين عام الغرف التجارية يشتكي فيه من منافسة التمور الاسرائيلية للتمور السعودية. فقد كشف الدكتور فهد السلطان عن معاناة التمور السعودية في الاسواق الخارجية بسبب تنوع صناعة التمور الاسرائيلية وتسويقها بشكل اكثر فعالية. وقال ان هذا المنافسة تحتم علينا إعادة هيكلة صناعة التمور وتسويقها في الخارج بما يتوازى مع حجم الانتاج في الداخل (حسب جريدة الاقتصادية في 21صفر 24هـ)...
ولأسباب كثيرة لم يثر هذا الخبر استغرابي (الشديد)؛ فقد قرأت اعلانات كثيرة لشركات اوروبية تسوق فسائل نخيل في السعودية (!!). وحالياً تتصدر انجلترا نعم انجلترا قائمة مصدري النخيل الى دول الخليج والشرق الاوسط؛ فرغم ان جوها لايناسب زراعة النخيل ورغم ان العرب هم اول من ادخل النخيل الى اوروبا (عن طريق الاندلس في عهد عبدالرحمن الاول) الا ان شركة "بالم ديفولوبمانتس" في مقاطعة سمر سيت صدرت العام الماضي 130الف فسيلة للدول العربية و 5000من نخيل الزينة لبيوت الاثرياء في الخليج.. وهذه الشركة ليست الوحيدة التي تسوق بضاعتها لدينا (ولعل بعضنا صادف اعلاناتها في الصحف) ولكنها الاقدم في المنطقة وتحتفظ بملكية انواع محسنة لاتوجد في حرار المدينة او ضفتي دجلةوالفرات!!
ايضاً من المعروف ان الولايات المتحدة نقلت في الاربعينات من هذا القرن 100ألف نخلة من البصرة وزرعتها في كاليفورنيا هذه النخلات تحولت هناك الى اكثر انواع النخيل انتاجاً بفضل تربة كاليفورنيا البركانية وتقدم الابحاث الزراعية. واليوم تعد نخلة كاليفورنيا الاكثر انتاجية في العالم بمعدل 70كلم للنخلة الواحدة. يليها النخلة الاسرائيلية بـ 50كلم للنخلة في حين لايتجاوز انتاج النخلة في السعودية 37كلم!!
ورغم انني لست من النوع الذي يتباكى وينوح بـ -"وإن ناحت بقربي حمامة"- الا انني احمل جزءاً مما يحدث (بعد تقاعصنا) لمنظمة الجات الدولية. فلا يخفى على احد ان دول العالم الثالث تتفوق على الدول الصناعية في تنوعها الطبيعي وثرائها البيئي. وهذه الثروة الطبيعية كان يمكن ان تترجم لصناعات طبية وغذائية وكيميائية هائلة لو امتلكت الدول الفقيرة المال والتكنولوجيا المناسبة. وفي المقابل ادركت الدول الغنية خطورة فقرها البيئي فعمدت منذ زمن بعيد لتطوير الاصول الوراثية المسروقة وترجمتها لمنتجات اقتصادية جديدة او محسنة!!وطبعاً هذه السرقات ليست جديدة، ولكن الجديد هو ارتفاع وتيرة البحث والتنافس غير المسبوق على تلك المصادر بعد اتفاقية "الجات"؛ فاحد بنود الاتفاقية ينص على "حظر نقل الاصول الوراثية بين الدول بالطرق غير المشروعة واعتبارها من حقوق الملكية الفكرية"..
وبسبب هذا البند (الذي سرى مفعوله منذ عام 1997) اصبح من غير الجائز سرقة الاصول الوراثية للدول الاخرى ولكن بالمقابل لايجوز للدول الفقيرة المطالبة بما تسرب قبل هذا التاريخ واصبح "ملكاً فكرياً" لدول الشمال الثري..
وللوهلة الاولى يبدو البند الاخير في صالح الدول الفقيرة كونه يمنع تسرب أصولها الوراثية بطرق غير مشروعة، ولكن لاحظ (اولاً) انه لايسري على الاصول القديمة (وثانياً) لايمنع انتقال الاصول النادرة بـ "طرق مشروعة".. فالدول الغنية حتى بوجود هذا البند ستحصل بمالها ونفوذها على الاصول التي تريد ثم تطورها كمنتجات وتسجلها كملكية فكرية تحميها "الجات" .. وبهذه الوسيلة تمتلك الى الابد الامكانات الانتاجية لتلك الاصول وتستطيع محاججة الدول ذات المنشأ الاصلي إن قلدتها!
.. أقول عسى ما يستنسخوا "النياق"!! "
شكرا
