5- الحرص: وهو مفهوم تربوي غائبٌ في حياة كثير من الأسر، فيظنون أن الحرص هو الدلال أو الخوف الزائد عن حده والملاحقة الدائمة، ومباشرة جميع حاجات الطفل دون الاعتماد عليه، وتلبية جميع رغائبه.والأم التي تمنع ولدها من اللعب خوفاً عليه، وتطعمه بيدها مع قدرته على الاعتماد على نفسه، والأب الذي لا يكلف ولده بأي عمل بحجة أنه صغير كلاهما يفسده ويجعله اتّكالياً ضعيف الإرادة، عديم التفكير. والدليل المشاهَد هو: الفرق الشاسع بين أبناء القرى والبوادي وبين أبناء المدينة (14).والحرص الحقيقي المثمر: إحساسٌ متوقدٌ يحمل المربي على تربية ولده وإن تكبَّد المشاق أو تألم لذلك الطفل. وله مظاهر منها
'>أ) الدعاء: إذ دعوة الوالد لولده مجابة لأن الرحمة متمكنة من قلبه فيكون أقوى عاطفة وأشد إلحاحاً (15)، ولذا حذر الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – الوالدين من الدعاء على أولادهم فقد توافق ساعة إجابة.(ب) المتابعة والملازمة: لأن العملية التربوية مستمرة طويلة الأمد، لا يكفي فيها التوجيه العابر مهما كان خالصاً صحيحاً (16)، وقد أشار إلى ذلك النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حيث قال: "الزمُوا أولادكم.. وأحسنوا آدابهم" (17).والملازمة وعدم الغياب الطويل عن البيت شرط للتربية الناجحة، وإذا كانت ظروف العمل أو طلب العلم أو الدعوة تقتضي ذلك الغياب فإن مسؤولية الأم تصبح ثقيلة، ومن كان هذا حاله عليه أن يختار زوجة صالحة قوية قادرة على القيام بدور أكبر من دورها المطلوب.6- الحزم: وبه قوام التربية، والحازم هو الذي يضع الأمور في مواضعها، فلا يتساهل في حال تستوجب الشدة ولا يتشدد في حال تستوجب اللين والرفق (18).وضابط الحزم: أن يُلزم ولده بما يحفظ دينه وعقله وبدنه وماله، وأن يحول بينه وبين ما يضره في دينه ودنياه، وأن يلزمه التقاليد الاجتماعية المَرعيَّة في بلده ما لم تعارض الشرع. قال ابن الجوزي – رحمه الله -: "فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه، ولم يمكنك تأديبه، قيبلغْ جاهلاً فقيراً" (19).وإذا كان المربي غير حازم فإنه يقع أسير حبه للولد، فيدلّله، وينفذ جميع رغائبه، ويترك معاقبته عند الخطأ، فينشأ ضعيف الإرادة منقاداً للهوى، غير مكترث بالحقوق المفروضة عليه (20).وليس حازماً من كان يرقب كل حركة وهمسة وكلمة، ويعاقب عند كل هفوة أو زلّة، ولكن ينبغي أن يتسامح أحياناً (21).ومن مظاهر الجزم كذلك عدم تلبية طلبات الولد؛ فإن بعضها ترف مفسد، كما أنه لا ينبغي أن ينقاد المربي للطفل إذا بكى أو غضب ليدرك الطفل أن الغضب والصياح لا يساعده على تحقيق رغباته (22) وليتعلمَ أن الطلب أقرب إلى الإجابة إذا كان بهدوء وأدب واحترام.ومن أهم ما يجب أن يحزم فيه الوالدان النظام المنزلي، فيحافظ على أوقات النوم والأكل والخروج، وبهذا يسهل ضبط أخلاقيات الأطفال، "وبعض الأولاد يأكل متى شاء وينام متى شاء ويتسبب في السهر ومضيعة الوقت وإدخال الطعام على الطعام، وهذه الفوضوية تتسبب في تفكك الروابط واستهلاك الجهود والأوقاتـ وتنمي عدم الانضباط في النفوس.. وعلى رب الأسرة الحزم في ضبط المواعيد الرجوع إلى المنزل والاستئذان عند الخروج للصغار – صغار السن أو صغار العقل –" (23).7- الصلاح: فإن لصلاح الآباء والأمهات أثر بالغ في نشأة الأطفال على الخير والهداية – بإذن الله – وقد قال سبحانه: { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (24)، وفيه دليل على أن الرجال الصالح يُحْفَظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى درجته في الجنة لتقر عينه كما جاء في القرآن ووردت به السنة (25).ومن المُشاهَد أن كثيراً من الأسر تتميز بصلاحها من قديم الزمن وإن ضل ولد أو زلَّ فَاءّ إلى الخير بعد مدة؛ لصلاح والديه وكثيرة طاعتهما لله. وهذه القاعدة ليست عامة ولكن هذا حال غالب الناس. وقد يظن بعض الناس أن هذا لا أثر له، ويذكرون أمثلة مخالفة لذلك، ليبرروا تقصيرهم وضلالهم.8- الصدق: وهو "التزام الحقيقة قولاً وعملاً"، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات، والفسث في المعاملات، وإخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات (26).وقد حذر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – المرأة المسلمة التي نادت ولدها لتعطيه، فسألها: "ماذا أردت أن تعطيه؟" قالت: "أردت أن أعطيه تمراً"، فقال: "لو لم تعطيه شيئاً كُتبت عليكِ كذبة" (27).ومن مظاهر الصدق ألا يكذب المربي على ولده مهما كان السبب، لأن المربي إذا كان صادقاً اقتدى به أولاده، وإن كان كاذباً ولو مرة واحدة أصبح عمله ونصحه هباء، وعليه الوفاء بالوعد الذي وعده للطفل، فإن لم يستطع فليعتذر إليه (28).وبعض الأطفال يتعلم الرياء بسبب المربي الذي يتظاهر أمام الناس بحال من الصلاح أو الخلق أو الغنى أو غيرها ثم يكون حاله خلاف ذلك بين أسرته (29).9- الحكمة: وهي وضع كل شيء في موضعه، أو بمعنى آخر: تحكيم العقل وضبط الانفعال، ولا يكفي أن يكون قادراً على ضبط الانفعال واتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب، بل لابد من استقرار المنهج التربوي المتبع بين أفراد البيت من أم وأب وجد وجدة وإخوان وبين البيت والمدرسة والشارع والمسجد وغيرها من الأماكن التي يرتادها؛ لأن التناقض سيعرض الطفل لمشكلات نفسية (30).وعلى هذا ينبغي تعاون الوالدين واتفاقهما على الأسلوب التربوي المناسب، وإذا حدث أن أمر الأب بأمر لا تراه الأم فعليها أن لا تعترض أو تسفِّه الرجل، بل تطيع وتنقاد ويتم الحوار بينهما سراً لتصحيح خطأ أحد الواليدن دون أن يشعر الطفل بذلك.
المصدر: كتاب: "كيف تربي ولدك" تأليف ليلى بنت عبد الرحمن الجريبة، ص9-19.
'>