تعالوا في البداية نتكلم عن قانون القصور الذاتي ( العطالة ):
لقد كان هذا القانون مسلما به- أو بنصفه على الأقل - لكن لم يفكر أحد في أنه يمكن أن يسير الجسم بسرعة ثابتة في خط مستقيم عند زوال المؤثر . وإن افترضنا أن أحدا قد فكر بذلك فإنه لم يستطع أن يثبت ذلك بشكل قاطع.. إن المشكلة الكبرى التي أدت إلى تراجع الفيزياء قرونا عدة هي تمسكها بالنظرات الفلسفية التي لم تقم على تجربة.. إن نيوتن كان نموذجا حقيقيا للعالم لم يـُسبق إلى هذا النموذج سوى جاليليو- أرجو فهم هذه العبارة جيدا- لأن جاليليو أصر على تحري التفكير العلمي واستخدام التجارب لإثبات الحقائق، ولهذا فإن نظرات جاليليو كادت أن تميل إلى إيجاد نتيجة نيوتن في العطالة. وكما تفضلت:
اقتباس |
وخلاصة رأي جاليليو هو القول بالقصور الدائري ( إما يتحرك الجسم وفق حركة دائرية أو يظل ساكنا بحسب حالته الاوليه ) ..
|
إن قانون نيوتن الأول ساهم في تغيير الفكر الميكانيكي وأحدث ثورة ضد الرأي الفلسفي الذي ملأ عقول الفيزيائين وكتبهم لأكثر من عشرين قرنا من الزمن.وليس هذا ينطبق على قانونه الول فقط بل على كافة قوانينه الميكانيكية التي وضعها.. ولكن هل يعقل أن يكون قد بنى بناء الميكانيكا وحده؟!! لنر ولنذكر بعض من أرسوا قبله قواعد بنيانه..
أولا : جاليليو: كما سبق وأسلفنا فإن قوانين الكاينمتيكا التي أرساها جاليليو كانت الأساس المتين الذي لولاه لشاد نيوتن بناءه على شفا جرف هار.. يوشك أن ينهار . لقد علم جاليليو الفيزيائيين كيف يجب أن يكون العالم الحق معتمدا على التجارب والإثباتات. وقد واجه سلطان الكنيسة إلى آخر طرقه حتى استطاع تهريب كتابه ليطبع باللاتينية خارج إيطاليا.. وإنما منعه من التوصل إلى مفهوم العطالة صعوبة إيجاد الفراغ.. فإن أول فراغ أوجده عالم هو فراغ تورشيللي تلميذ جاليليو. ولكن لا يمكن إنكار أن نيوتن قد تشبع كلية بآراء جاليليو.
ثانيا: يوهانس كبلر: إذا أردت أن أتكلم عن كبلر فسأبتعد كثيرا عن صلب الموضوع ولكن سأكتفي بالتعقيب على نقطة واحدة.
اقتباس |
يذكر أن جاليليو كان على اطلاع بأعمال كبلر لكنه لم يلتفت اليها لانه لم يكن قادرا على الانفلات من السحر الدائري ...
|
وهذا في الحقيقة ظلم. لا يمكن أن نقول أن إنكار جاليليو لفكرة القطع الناقص كان ناجما عن كبره أو عناده.. بل بسبب الطغيان الكنسي الصارم في المنع من الخروج عن محاور فلك بطليموس. إن جاليليو لم يكن قادرا على الجهر بتفضيله فلك كوبرنيق على فلك بطليموس فضلا على أن يرجح تحسينات كبلر ، واقرأ إن شئت رسالة جاليلي إلى كبلر في هذا الأمر نقلا عن كتاب قصة الفيزياء لـ: لويد متز .
ثالثا: رينيه ديكارت ولا شك أنه كان كما ذكرت أبا روحيا فقد تعلم نيوتن منه الكثير وتأثر بآرائه التي ملأت أوروبا، ولكن الحديث عنه لا يهمني بقدر ما يهمني الحديث عن ضيفنا القادم.
رابعا: وهو الأهم: إسحاق بارو ، لقد كان هذا الإنجليزي أستاذ نيوتن المباشر وقد كان معاصرا له وهو الذي سلمه كرسي الرياضيات في الجامعة، ويكمن تأثيره على نيوتن في أنه كان مترجما وكثير الاطلاع على الآثار العلمية لعلماء الإسلام أمثال ابن الهيثم وابن خلدون. وهذا كان شديد الأثر على نيوتن فقد استقى من ابن الهيثم آراءه في البصريات، وربما يكون قد نسب أكثرها لنفسه، وتربيعه العكسي في قانون الثقالة منسوب إلى البيروني .. كما لايخفى على أحد الصراع الذي ساد أوروبا حول أحقية نيوتن في السبق إلى ابتكار التفاضل والتكامل العلم الذي افتتحه ثابت بن قرة وادعاه نيوتن ولابنتيز.
ولكن هل كان نيوتن ليفلح في صنع شيء بمفرده.. هل كان يستطيع أن يؤلف في الميكانيكا وفي الضوء وفي الرياضيات ويمنح لقب سير لولا حظه السعيد وعصره الذهبي؟؟!! نعم.. عصره الذهبي.. إن العامل الأكبر الذي صنع إسحاق نيوتن هو عصره الذي كان يتمتع بمعاصرة كل من روبرت هوك وروبرت بويل وإسحاق بارو وإدموند هالي وغيرهم في إنجلترا فقط .. وهل كان أحمد شوقي مثلا يستطيع أن يكون أمير الشعراء في غير الجو الذي ملأه البارودي وحافظ إبراهيم ومحمد عبد المطلب وخليل مطران و و و ..إن هذا الجو من التنافس العلمي هو الذي صنع نيوتن.. كيف لا وقد أصر نيوتن أن لا ينشر كتابه وهوك على قيد الحياة؟!
نحن لا نقول أن نيوتن قد صنع علما وحده... ولا يمكن لعالم أن يفعل .. إن العلم قصة .. شخصياتها العلماء وأحداثها هي الاكتشافات والاختراعات المتعاقبة .،وجمال هذه القصة في أنها متجددة بتجدد أحداثها وشخصياتها.. ولا يمكن لقصة ذات شخصية واحدة أن تنجح أو أن تصلح للقراءة. وهذا ما نتفق معك فيه.
أتمنى منكم التعقيب..
بالمناسبة : طبل يطبل تطبيلا فهو مُطـَبـِّـل
![فرح '<img](http://olom.info/ib3/iB_html/non-cgi/emoticons/biggrin.gif)
'>
مع تحيات أخيكم أرشميدس مصر