يهتم الكيميائيون كثيرا ً بالتفاعلات الكيميائية Chemical reactions والتي تشمل في الغالب انتقال الالكترونات من مادة لاخرى أو من عنصر لآخر ، ويولون اهتماما ً أقل بالتفاعلات النووية Nuclear reactions والتي تشرك فيها الذرة نواتها في التفاعل .
الا أن الآونه الأخيره شهدت اهتماما ً أكبر من قبلهم بالتفاعلات النووية نظرا ً لاستخداماتها في كثير من المجالات ومنها :
تمثل التفاعلات النووية مصدراً مهماً للطاقة ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً تشكل الطاقة النووية 20% من مجمل الطاقة الكهربائية في البلاد .
للعناصر المشعة أهمية بالغة في حقل الطب وخصوصاً في علاج مرض السرطان .
للعناصر المشعة دور كبير في تحديد آلية التفاعلات الكيميائية mechanism of chemical reactions .
أنواع التفاعلات النووية
يمكن تقسيم التفاعلات النووية الى أربعة أقسام وهي :
التحلل النووي التلقائي .
التفاعل النووي غير التلقائي .
الانشطار النووي .
الاندماج النووي .
التحلل النووي التلقائي :
تتحلل أنوية العناصر الثقيلة غير المستقرة تلقائياً وتصدر عنها اشعاعات تعرف بالاشعاعات النووية .
ومن العناصر التي تجري هذا النوع من التفاعلات عنصر اليورانيوم ( يورانيوم – i238i ) ، فقد تبين أنه يشع جسيمات الفا ، ونتيجة لذلك يتحول الى عنصر آخر مشع هو عنصر الثوريوم ( ثوريوم – i234i ) ، الذي بدوره يطلق جسيمات بيتا مع اشعاع غاما ويتحول الى عنصر البروتاكتينيوم ( بروتاكتينيوم – i234i ) ، وتستمر التحولات الى أن ينتج عنصر الرصاص غير المشع ، فأنوية ذراته مستقرة .
التفاعل النووي غير التلقائي :
في هذا النوع من التفاعلات تستخدم الجسيمات النووية كقذائف تسلط على أنوية ذرات مستقرة فتحولها الى أنوية غير مستقرة ، وتتكون بفعل ذلك ذرات جديدة .
ومن أمثلة هذا النوع من التفاعلات قذف ذرات البريليوم بجسيمات الفا وينتج بفعل ذلك عنصر الكربون .
وقد تمكن العلماء من استخدام هذا النوع من التفاعلات النووية لتحضير عناصر ثقيلة من عناصر أخف منها .
ومن الأمثلة على ذلك تحويل الألومنيوم الى نظير الفسفور .
الانشطار النووي :
نظراً لقدرة النيوترونات على الاختراق ، فهي أجسام غير مشحونة فقد استخدمت كقذائف يمكن أن تصل الى النواة بسهولة فتندمج معها أو تشطرها .
وقد قام العلماء بتسليط النيوترونات على ذرات عنصر اليورانيوم ( يورانيوم – i235i ) واكتشفوا أن ذرة اليورانيوم تنشطر الى جزأين ، وينتج عن ذلك ايضاً ثلاثة نيوترونات وكمية هائلة من الطاقة .
وكل نيوترون له القدرة على أن يكرر التفاعل السابق مع ذرة يورانيوم أخرى ، وهذا ما يعرف بالتفاعل النووي المتسلسل الذي يؤدي الى أعداد هائلة من الانشطارات ، وينتج عن ذلك كميات هائلة من الطاقة .
استرعى هذا التفاعل اهتمام العسكريين وتمكنوا من خلاله من صنع القنبلة النووية ، كما أن هذا التفاعل يستخدم للحصول على الطاقة الكهربائية في المحطات الكهرنووية .
الاندماج النووي :
يشتمل هذا التفاعل على اندماج نواتين خفيفتين لانتاج نواة أكبر .
ومثال ذلك اندماج ذرات نظائر الهيدروجين لاعطاء ذرات هيليوم وكمية هائلة من الطاقة .
ورغم اعطاء هذا التفاعل كمية هائلة من الطاقة ، الا أنه لا يبدأ الا اذا زود بطاقة عالية للتغلب على التنافر الشديد بين أنوية الذرات التي ستندمج ، ومثل هذه الطاقة لا يتم توفيرها الا من خلال تفاعل انشطار نووي .
ويعتقد أن هذا التفاعل هو المسؤول عن الطاقة المنبعثه من الشمس .
التفاعل الكيميائي والتفاعل النووي
يتضمن التفاعل الكيميائي في الغالب انتقال الكترونات بين المواد المتفاعلة دون أن يحدث تغير على النواة ، ودون أن تتكون ذرات جديدة ، فالتفاعل الكيميائي هو اعادة ترتيب للذرات ، وتكون التغيرات في الطاقة فيه محدودة .
أما التفاعل النووي فيتضمن تغيرا ً في نواة الذرة ، وينتج عنه تكون عناصر جديدة ، مع حدوث تغير كبير في الطاقة .
عند كتابة معادلة التفاعل النووي يؤخذ بالاعتبار كل من العدد الذري والكتلة الذرية ، وهما عددان لا يظهران في التفاعل الكيميائي ، وتوزن معادلة التفاعل النووي من خلالهما .
سرعة التحلل الإشعاعي
Rate of Radioactive Decay
تتحلل أنوية العناصر غير المستقرة بسرعات مختلفة ، فبعضها يحتاج لملايين السنين لكي يتحلل ، والبعض الآخر بحاجة لثوان لفعل ذلك.
تسمى الفترة الزمنية اللازمة لتحويل كتلة معينة من العنصر غير المستقر الى نصف تلك الكتلة بعمر النصف (half – life ) ويرمز لها بالرمز ( ) .
ولكل نظير غير مستقر عمر نصف محدد خاص به ، فعلى سبيل المثال يبلغ عمر النصف للبزموث ( 214 ) ( 20 ) دقيقة
( = 20 mi ) ، وهذا يعني أنه لو بدأنا بـ ( 10 ) غرام من البزموث ، سيبقى ( 5 ) غرام منه بعد مرور ( 20 ) دقيقة ، ونحتاج لـ ( 20 ) دقيقة أخرى لتحويل الـ ( 5 ) غرام من البزموث الى ( 2,5 ) غرام ... وهكذا .
ويمكن تمثيل المعادلة كما يلي :
يتحلل اليورانيوم (238) ليعطي ثوريوم (234) ، والذي بدوره يتحلل الى بروتاكتينيوم (234) ، وهكذا تستمر سلسلة التحللات ، وينتج في كل مرحلة منها نظير غير مستقر الى أن يصل اليورانيوم في تحللاته الى نظير الرصاص
(206) المستقر ، في سلسلة من (14) خطوة .
يسمى هذا النوع من السلاسل بسلسلة النشاط الإشعاعي Radioactive Series أو سلسلة التحلل Decay Series .
ظاهرة النشاط الاشعاعي :
اكتشفت ظاهرة النشاط الاشعاعي عام 1896 عن طريق عالم فرنسي كان مهتما ً بالأشعة السينية التي كانت مكتشفه في حينه حديثا ً ويدعى هنري بيكوريل Henri Becquerel .
وضع بيكوريل لوحا ً فوتوغرافيا ً مع معدن اليورانيوم في خزانة مظلمة وترك الفلم الفوتوغرافي مدة أربعة أيام ، وبعد أن قام بتظهير الفلم لاحظ تكون صورة على الفلم الفوتوغرافي , استنتج من ذلك أن معدن اليورانيوم قام باطلاق أشعة غير مرئية أثرت على اللوح الفوتوغرافي.
سميت ظاهرة اطلاق بعض العناصر للأشعة بظاهرة النشاط الاشعاعي .
تعرف اليوم ظاهرة النشاط الشعاعي على أنها ظاهرة الانبعاث التلقائي للدقائق أو الطاقة من أنوية الذرات .
وقاد اكتشاف بيكوريل الى بدايات النظرية الذرية الحديثة ، والى اكتشاف عناصر جديدة .
درس العالم ارنست رذرفورد Ernest Rutherford طبيعة النشاط الاشعاعي للعناصر فتبين أن العناصر المشعة تعطي ثلاثة أنواع من الأشعة والدقائق والتي تعرف حاليا ً بأول ثلاثة حروف من الأبجدية الاغريقية وهي الفا ( α ) ، بيتا (β ) ، غاما ( γ ) .
اليوم تعرف دقائق الفا بأنها نواة ذرة الهيليوم والمكونة من بروتونين ونيوترونين ، وتعرف دقائق بيتا على أنها الكترونات ذات طاقة عالية ، وتعرف أشعة غاما بأنها أشعة كهرمغناطيسية .
المقارنة
2+ 1ـ 0 الشحنة
أنوية الهيليوم الكترونات أمواج كهرومغناطسية الطبيعة
i24-10×6.64i غ i28-10×9.11iغ صفر الكتلة
قليلة عالية عالية جداً القدرة علىالاختراق
عند وضع مادة مشعة في وعاء من الرصاص مفتوح من الأعلى ، تنحرف دقائق الفا ناحية القطب الجنوبي للمجال المغناطيسي دلالة على كونها موجبة الشحنة ، وتنحرف دقائق بيتا ناحية القطب الشمالي دلالة على كونها سالبة الشحنة ، بينما لا تعاني أشعة غاما من أي انحراف لأنها أمواج كهرمغناطيسية فهي تسلك سلوك الضوء .
قامت مدام ماري كوري على ضوء اكتشاف ظاهرة النشاط الاشعاعي بالبحث عن مزيد من العناصر المشعة ، وعلى ضوء ذلك اكتشفت عنصرين جديدين هما البلوتونيوم والراديوم . ومنذ ذلك الوقت تم اكتشاف عدد أكبر منها . وفي الحقيقة فان كل نظائر العناصر التي يزيد عددها الذري عن ( i83i ) هي نظائر مشعة .
النظائر Isotopes
تختلف العناصر فيما بينها في العدد الذري ( عدد البروتونات ) الا أن هنالك عناصر تتشابه في العدد الذري (عدد البروتونات) وتختلف فيما بينها في العدد الكتلي ( عدد النيوترونات ) وتعرف هذه العناصر بالنظائر.
وتعني كلمة نظير ( المكان نفسه ) أي أن لها نفس المكان في الجدول الدوري ، اذ أنها لا تختلف في عددها الذري .
وعادة ً ما يتم التعبير عن النظائر بدلالة كتلها الذرية ، لأن أعدادها الذرية ثابته .
مثال1 :
للهيدروجين ( العدد الذري للهيدروجين = i1i ) ثلاثة نظائر مشهوره ، تشترك جميعها في احتوائها على نفس العدد من البروتونات
( العدد الذري ) . وتختلف فيما بينها في عدد النيوترونات ( العدد الكتلي ) .
يسمى كل نظير نسبة الى عدده الكتلي .
مشروع مانهاتن
Manhattan Project
في عام 1934 اكتشف عالم ألماني أن انشطار ذرة اليورانيوم يحدث بسرعة ، ويولد كمية هائلة من الطاقة ، ويمكن أن يحدث إنفجاراً هائلاً . أخذ الألمان بتطوير هذه الفكرة والإستفادة منها في تصنيع القنبلة النووية ، لم يسترع ذلك اهتمام أحد الى أن قامت المانيا بإيقاف تصدير اليورانيوم من مناجم تشيكوسلوفاكيا المحتلة من قبل الألمان .
في الثاني من آب أغسطس 1939 ، وقبل بدء الحرب العالمية الثانية ، قام البرت اينشتاين Albert Einstein بكتابة رسالة الى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت Franklin D . Roosevelt واصفاً فيها الطاقة الهائلة التي تنتج عن الإنشطار النووي ، ومعبراً فيها وزملاءه عن قلقهم الشديد من إمكانية تحويل المانيا النازية للإنشطار النووي الى قنبلة نووية .
اينشتاين عالم الماني المولد ، يهودي الديانة ، ترك أوروبا قبل استلام هتلر للسلطة في المانيا ، عارض اينشتاين استغلال الطاقة النووية لتصنيع الأسلحة ، وكان يخشى على العالم من امتلاك المانيا لهذه التقنية قبل الولايات المتحدة الأمريكية .
عقد قادة الجيش الأمريكي العزم على امتلاك هذه التقنية مهما كلف الأمر ، فأخذوا يبحثون عن بناء يصلح كمختبر لإنتاج القنبلة النووية ، بحيث يبعد الموقع (200) ميل على الأقل عن الحدود البحرية والدولية ، ويجب أن يبعد كثيراً عن التجمعات السكانية ، لأن أي خطأ قد يكلفهم الكثير من الخسائر البشرية .
استقر رأيهم على مدرسة للأولاد في أرض صحراوية في ولاية نيومكسيكو في منطقة تعرف بإسم Jornada del Muerto وتعني رحلة الى الموت ، وتم تعيين روبرت أوبنهايمر على رأس فريق من العلماء في مشروع عرف بإسم مشروع مانهاتن السري Manhattan Project . وأخرجت بذلك الى الوجود أول قنبلة نووية أسقطت على اليابان في السادس من أب أغسطس عام 1945 .