Advanced Search

المحرر موضوع: الزئبق بين كيمياء الحياة وكيمياء ...  (زيارة 1974 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

يوليو 26, 2004, 09:11:07 مساءاً
زيارة 1974 مرات

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
الزئبق بين كيمياء الحياة وكيمياء ...
« في: يوليو 26, 2004, 09:11:07 مساءاً »
الزئبق بين كيمياء الحياة وكيمياء الموت العنصر الذي قتل نابليون وملك السويد ايريك الرابع عشر.. وام هاملت في مسرحية شكسبير
لمحة تاريخية
لا احد يعرف بالضبط تراكيب المركبات السامة وانواعها التي استخدمها البشر في غابر الزمان لقتل خصومهم. لكن وبلا ادني ريب يمكن الجزم ان تلكم السموم كانت نباتية المنشأ اذ طالما استخدمت النباتات منذ قديم الزمان كأدوية وعقاقير شافية او مهدئة للآلام او حتي مخدرة كنبات الخشخاش. فعلي وجه التحديد لا احد يدري مثلا بم كانت تسقي السيوف والخناجر والسكاكين، اقصد باي سائل فتاك كانت تنقع حتي تستحيل الي آلات ليست جارحة فحسب، بل ومميتة طال الوقت ام قصر.
اما من الناحية الثانية، فلقد عرف الانسان قديما بعضاً من العناصر المعدنية السامة فوظفها كمواد سامة يجري تناولها اما مع الشراب او مع الاكل عن طريق الفم فقط اذ لم يكن يعرف بعد خطر الغازات السامة ولا تأثير بعض القاتل منها. واشهر هذه المعادن ــ وكانت متاحة لديه فيما يبدو ــ الزئبق والزرنيخ. استعمل هذان العنصران ومازالا علي اوسع نطاق كسموم للتخلص من الخصوم. فالحلة التي اهداها ملك الروم لشاعرنا امريء القيس كانت منقوعة بخليط الزرنيخ والنورة الامر الذي تسبب في تهرؤ جلد امريء القيس ومن ثم وفاته.
وهذه الخلطة شائعة جدا حتي اليوم في بعض الاقطار العربية ولاسيما في العراق ، تستخدم لازالة الشعر في الحمامات العامة ولازالة شعر رؤوس وارجل الخرفان قبل طهوها في أكلة (الباجة) الشهيرة في بلاد وادي الرافدين. تستعمل ذات الوسيلة تارة لاشباع جسد الانسان واخري للفتك به (رب ضارة نافعة).
قصة الرصاص معروفة ودوره ــ كما يري بعض علماء التاريخ اليوم ــ في المساهمة في انهيار الامبراطورية الرومانية اصبح معروفا الان لدي الكثرة الغالبة من القراء . اما اول تنويه لذكر الزئبق كمادة سامة استعملت في جريمة قتل فقد جري في مسرحية هاملت للشاعر العظيم شكسبير  حيث قتل والد هاملت بصب الزئبق في احدي اذنيه اذ كان نائما في حديقة قصره كما ورد في المسرحية. ما هو الجانب العلمي في هذه الجريمة؟ انه الوقوف علي حقيقة ان الزئبق وهو سائل معدني اثقل من الماء بثلاث عشرة مرة ونصف، يمكنه النفاذ من خلال بعض الاغشية كطبلة الاذن مثلا (وهو يمر حتي من خلال ورق الترشيح العادي شأنه في ذلك شأن الماء) ومن ثم الاستقرار في تجاويف الاذن الداخلية قريبا جدا من الدماغ مركز الجهاز العصبي كله. واليوم يعرف الطب الحديث خطورة بخار الزئبق علي خلايا الاعصاب بالدرجة الادني. اجل. بخار الزئبق. فالزئبق هذا المعدن الثقيل الذي يحتل المكان الثمانين في الجدول الدوري للعناصر وكتلة ذرته اكبر من كتلة ذرة الحديد بحوالي اربع مرات، هذا العنصر الثقيل دائم التبخر وبخاره جد خطير. ولم يكن يعرف عطارو الازمنة الخوالي هذه الحقيقة اذ كانوا يبيعونه دونما حاجة لترخيص من جهة ذات اختصاص. كما كانت جداتنا تتداول هذا السائل السام ويدخلنه البيوت ليجبلن منه مع الحناء خلطة مستساغة لتلوين الشيب وتعفير الرأس من بعض المخلوقات الضارة. اذن فجداتنا كن قد استخدمن الزئبق كمادة مسفرة او مبيدة للحشرات قبل ان يهتدي علماء البايولوجي والبيئة والزراعة الي ذلك بزمن لا يعرف مداه إلا الله.
ذاك لان تاريخ الزئبق غير معروف لكنه وجد حتما بعد الحديد والنحاس والرصاص. ولم يركز الانسان القديم عليه لسبب واضح: انه كان بمسيس الحاجة للآلات القاطعة والجارحة كسلاح للدفاع والهجوم (ويصنف الانسان اليوم السلاح الي صنفين: هجومي ودفاعي) والحفر في الارض لشق القنوات التي تجلب له ولمواشيه الماء او لدفن موتاه، وللتنقيب عن الاشياء الاكثر صلادة. او حتي في حفر الكهوف والمغارات في التلال والجبال. وطبيعي ان لا ينتبه الانسان للزئبق السائل طالما انه لا يضاهي الحديد او النحاس متانة وقواما. جري ذكر الزئبق في مقدمة ابن خلدون ((القرن الثامن والتاسع الهجري)  كما جري ذكره قبل ذلك في رسائل اوائل من تعاطي الكيمياء من العرب كجابر بن حيان الذي عاش في القرن الثاني للهجرة.
كما يروي علم الذرة الحديث قصة طريفة حول مأساة نابليون ففي اتباع طريقة التحليل التنشيطي بالنيوترونات Neutron Activation Analysis لاحدي شعرات رأس الامبراطور نابليون يونابرت ظهر انه مات مسموما بالزرنيخ ولم يمت في سجنه حتف انفه وبأجله المرسوم  . كان ذلك عام 1821 للميلاد. كما كشف التحليل التنشيطي لشعر الملك السويدي ايريك الرابع عشر المتوفي في 1577 للميلاد فجأة اثر تناوله شوربة بازلياء، كشف هذا التحليل ان الملك كان قد تناول كميات قاتلة من كل من الزرنيخ والزئبق .
كذلك مازال سرا نوع السم الذي تسرب الي حبات العنب التي مات بها علي بن موسي الرضا مسموما في مدينة طوس عام ثلاثة ومائتين للهجرة كما يذكر المسعودي . وفي ايام الخليفة العباسي المأمون. ولا نوع المحلول السام الذي تتشبع به احجار الخواتم الكريمة فتغدو شديدة السمية حال ان تلقي في كأس ماء او شراب.. وبهذه الطريقة ماتت الملكة والدة هاملت كما تسرد احداث المسرحية .

الزئبق
تنقسم مركبات الزئبق الي قسمين:
1 ــ المركبات غير العضوية
2 ــ ومركبات الزئبق العضوية

مركبات الزئبق غير العضوية
وغالباً ما يختصر هذا الصنف من مركبات الزئبق بوصفه الزئبق غير العضوي ويشمل ذلك معدن الزئبق نفسه.
يعد الزئبق عنصرا نادرة قياسا الي غيره من العناصر وانه يحتل المرتبة السادسة عشرة من بين العناصر الموجودة في الارض واهم ترسباته هي تلك التي اكتشفت في اسبانيا وايطاليا والولايات المتحدة الامريكية وكندا والمكسيك والبرازيل والبيرو والصين واليابان والاتحاد السوفييتي والمجر ويوغوسلافيا والمانيا. كما تعد خامات الزئبق في اسبانيا من اغني الخامات. تركيزا بالزئبق حيث قد تصل نسبته الي 10% في بعض الاحيان.
ورجوعا الي بعض التقديرات فان 16 كيلومترا من سمك طبقة الارض الخارجية فيه زئبق يشكل نسبة 7.2X10 ــ 6% وان في المحيطات كمية من الزئبق تساوي وفق احدث تقدير خمسين مليون طن متري. اما في الهواء فالزئبق موجود بتركيز يساوي 2 ــ 5 نانوغرام في كل متر مكعب من الهواء )(النانوغرام الواحد يساوي 10 ــ 9 من الغرام الواحد) واكثر من ذلك ان الزئبق موجود في الماء وباقي المشروبات اليومية المعتادة بتركيز/ يتراوح بين 2 ــ 6 جزء بالبليون .
لقد عرف الزئبق واستعمل في اغراض شتي منذ الزمان القديم كما ذكرنا آنفا . واليوم للزئبق اكثر من ثلاثة الاف استعمال معترف بها سواء للزئبق نفسه او لمركباته ومشتقاته العضوية منها وغير العضوية. وان اجمالي انتاج الزئبق في العالم اليوم يتجاوز العشرة الاف طن في العام يستهلك منها ثلاثة الاف طن سنويا في الولايات المتحدة الامريكية نفسها. وان الاستهلاك الرئيس للزئبق هو في حقل التحضير الكهربائي لغاز الكلور (بالتحليل الكهربائي لمحلول ملح الطعام) والصودا الكاوية. كذلك يتسعمل لتحضير الكيماويات الزراعية والصيدلانية كعوامل مضادة للبكتريا ومواد محافظة علي مواد الزينة وصيانة شعر النساء، وكذلك في صناعة الورق وصيانة عجينة الورق، وفي تركيب الاصباغ، وللاجهزة الكهربائية، ومقاييس الحرارة والضغط، ويدخل في تركيب حشوة الاسنان، وفي عالم الكيمياء كعامل مساعد وكأقطاب كهربائية، وفي تحضير الملاغم المتنوعة. ان انتاج الكلور والصودا الكاوية مثلا عملية تفكيك كهربائي تتطلب استهلاك مقادير هائلة من الزئبق كقطب كهربائي غير ثابت. فالمصنع الذي ينتج مائة طن من الكلور في اليوم يستخدم كمية من الزئبق تتراوح بين 75000 و 150000 باوندا. وفي التقدير ان مصنعا كهذا يسرب للبيئة ما يقرب من 45.0 باوند من الزئبق مقابل انتاج طن واحد من الكلور. او 000 1200 باوند زئبق في العام.
ان اغلب هذا الزئبق يجد طريقه الي البحيرات ومجاري الانهار، وكميات اخري تنتشر في الجو متعلقة بغاز الهايدروجين بحدود 20 ــ 30 ميلغرام في كل متر مكعب من الهواء. ان الصودا الكاوية (وهي القاعدة المعروفة هايدروكسيد الصوديوم) المحضرة بالطريقة السالفة تحتفظ لنفسها بنسبة من الزئبق تبلغ خمسة اجزاء بالمليون. كما تم الكشف عن وجود الزئبق في مركبات اخري مثل كلوريدات الهايدروكاربونات وحامض الخليك (الخل) والكلايكولات Glycoles وغاز ثاني اوكسيد الكاربون والاسمدة الكيميائية وحامض الكبريتيك وخامات السلفايد (يكون الكبريت فيها بالشكل الايوني ــs2) وفي فضلات العوامل المساعدة المستعملة في الصناعة كما في انتاج كلوريد الفاينل Vinyl Chloride والاسيت الدهايد Acetaldehyde كما ان الزئبق موجود في النفط الخام والفحم الحجري. فاستهلاك خمسمائة مليون طن من الفحم في العام الواحد يؤدي الي اطلاق اربعمائة وخمسين طنا متريا من الزئبق الي البيئة . لا يتضمن هذا الرقم الزئبق الناتج من عمليات تكرير النفط الخام ولا من استهلاك نواتج التكرير التي قد تحتوي علي نسب عالية من الزئبق.
ان اهم مركبات الزئبق غير العضوية هي خلات الزئبق واوكسيد الزئبق (الاحمر والاصفر) ثنائي التكافؤ، ونتزات الزئبق وكلوريده آحادي التكافؤ. ويجري اليوم استعمال هذه المركبات الهامة في الزراعة كمبيدات ومطهرات ولمقاومة التعفن وفطريات الحبوب، كما تستخدم في الدور والحدائق في اغراض مماثلة. اما معدن الزئبق بشكله الحر فانه واحد من اشد العناصر سمية في مجال استخدامه للقضاء علي الحشرات الزراعية الضارة التي تنخر الحبوب والمحاصيل الاخري وتتلفها. فالزئبق المعدني (Quicksilver تماما كما ورد في مسرحية هاملت لشكسبير). استخدم في الهند في تحفير الحبوب (القمح والشعير والرز وغيرها) وهي في حاويات مغلقة معزولة عن الهواء تقريبا.
هنالك مصادر متفرقة اخري تساهم في تلويث البيئة بالزئبق منها:
1 ــ بقايا وحطام بعض الاجهزة كالمحارير واجهزة قياس الضغط والانابيب الضوئية ذات التألق الوهاج Fluorescent Tubes ومصابيح الزئبق والبطاريات.
2 ــ فضلات المستشفيات والمختبرات وعيادات طب الاسنان.
3 ــ معالجة واستعمال بعض المواد الخام الحاوية علي الزئبق كالكاربون والطباشير والفوسفات.
4 ــ استخدام بعض مركبات الزئبق للحيلولة دون تعفن الملابس من قبل اصحاب محلات غسيل وتنظيف الملابس.
5 ــ صناعة الاصباغ وطلاءات الجدران وبقاياها ومواد اضافية يدخل الزئبق في تركيبها لمنع نمو العفن الفطري في هذه الاطلية والاصباغ.
6 ــ واخيرا تنقية وتقطير الزئبق نفسه.

الانسان والزئبق
الزئبق موجود بشكل طبيعي في انسجة جسم الانسان يأتيه مع غذائه اليومي المعتاد. فهنالك نسبة تتراوح بين 2 ــ 4 مايكروغرام في المائة زئبق في كل من الخبز والدقيق والحليب واللحوم المختلفة. كما ان في بعض انواع الفواكه نسبة اعلي من الزئبق علي ان ذلك يتوقف كما هو متوقع علي نوع وظروف التربة وما يرش من مبيدات ومطهرات ومخصبات. كما ان غداء الانسان من الاسماك ولحوم الدواجن والطيور التي اكتنزت كميات كبيرة من الزئبق وخاصة المركب المعروف بالزئبق المثيلي CH3Hg+ Methylmercury والذي يأتيها من مصادر شتي ولاسيما الماء والهواء والاتربة المتساقطة الملوثة بدقائق ورذيذات الزئبق او بخاره.. هذا النوع من اللحوم يشكل خطرا مباشرا علي الانسان. وبهذا الخصوص ويذكر سمك التن وسمك ابو سيف التي يتجمع فيها مقدار من الزئبق يزيد عن الحد المعقول والمقبول والمحدد بكمية تساوي نصف جزء بالمليون حسب تصريح ادارة الدواء، والغذاء الامريكية . ان مسألة امكانية التحولات البايولوجية في البيئة وفي جسم الانسان موضوع بالغ الاهمية. وبقدر تعلق الامر بالزئبق:
1 ــ امكانية تحول الزئبق غير العضوي الي الزئبق المثيلي بواسطة بعض الاحياء المجهرية الدقيقة في ظروف ينعدم او ينقص فيها غاز الاوكسجين.
2 ــ تحول مركبات الزئبق الفنيلي Phenylmercury (وهي مركبات للزئبق العضوي) الي الزئبق غير العضوي الذي يتحول بدوره الي الزئبق المثيلي Methylmercury .
3 ــ واخيرا هناك امكانية تحول مركبات الزئيبق الفنيلي Phenylmercuric Compounds الي الزئبق غير العضوي في جسم الانسان بشكل مباشر.

سلوك الزئبق غير العضوي
يشكل بخار الزئبق وخليطه مع ذرات ودقائق الغبار والعوالق الهوائية الاخري احد المخاطر الجدية في دنيا الصناعة بوجه خاص. فهناك دليل علي ان هذا البخار يمتص من خلال الرئتين. وان عملية الامتصاص هذه تتضمن تأكسد الزئبق كعنصر حر وظهوره في الدم بالشكل الايوني ومن ثم تجمعه في الكليتين كموقع اساس سلوك بخار عنصر الزئبق هذا يشابه تماما سلوك محلول كلوريد الزئبقيك (يكون الزئبق في هذا المركب غير العضوي ثنائي التكافؤ HgCI2 اثر حقنة في مجري الدم . هذا ولقد وجد ان تأكسد عنصر الزئبق يتم في كريات الدم الحمراء اساسا، وفي باقي الانسجة بشكل ثانوي .
كما ان تجارب اخري قد بينت ان تجمع الزئبق في الدماغ بعد تعريض بعض الحيوانات لابخرته هي عملية مشابهة في النتائج لعملية حقن محلول نترات الزئبقيك في دم هذه الحيوانات .
وماذا يترتب علي حقيقة ان عنصر الزئبق انما يتأكسد في كريات الدم الحمراء؟ الجواب خطير بقدر ما هو بسيط: استهلاك غاز الاوكسجين في غير وجهه الامر الذي يؤدي حتما الي نقص الكمية التي تتطلبها الافعال الحيوية في جسم الانسان من هضم وتمثيل وحرق للفضلات وحركة عضلية وتفكير. وبقاء الفضلات بحد ذاته داخل الخلايا الحية يكفي لموتها بالتسمم اختناقا وحقيقة اخري تنبع من طبيعة عنصر الزئبق حيث انه يستطيع خرق جدران الخلايا والنفاذ من خلال اغشيتها الرقيقة بفضل عاملين اثنين: اولاهما قدرته علي الذوبان في الشحوم، وثانيهما خلوه من الشحنات الكهربائية مما يجعله في منأي من عوامل التنافر الكهربائية المعوقة للحركة الحرة. اما ايون الزئبق ثنائي التكافؤ (الزئبقيك) فانه شديد الميل للارتباط بزلال (بروتين) مصل الدم (البلازما) وزلال الكريات الحمر (الهيموغلوبين) عن طريق الاتصال بمجموعات SH المسماة Sulfhydryl Groups والحاوية علي الكبريت S
لقد اثبتت التحليلات ان تناول جرعات كبيرة من املاح الزئبق غير العضوية ينتج عنه مستويات عالية من تجمع الزئبق في كل من الكلي اولا والكبد بدرجة اقل، ويتساوي في ذلك الانسان والحيوانات التي اجريت عليها التجارب. كما بينت التحليلات ان تحرر الدماغ والغدة الدرقة وغدد التناسل الذكريات مما يتجمع فيها من زئبق يجري ببطء شديد الامر الذي يؤدي الي تركزه في هذه الاعضاء علي مر الزمن.
هذا وعلي الرغم من ان املاح الزئبق غير العضوية هي اكثر سمية واشد خطرا من املاح الزئبق العضوية، الا ان بعض التجارب علي الفئران قد بينت ان ملح خلات فنيل الزئبق العضوي Phenylmercury Acetate هو اشد سمية من ملح خلات الزئبق غير العضوي، وفسر ذلك في ضوء التفاوت الكبيرة في قابلية هذين النوعين من الاملاح علي المرور خلال الامعاء بالامتصاص. فلقد وجد مثلا ان قدرة امعاء الفأر والانسان علي امتصاص املاح الزئبق غير العضوية لا تتجاوز 2% بينما تصل هذه النسبة الي 90% او اكثر في حالة الزئبق المثيلي CH3 HG+ Methylmercury وهو ملح للزئبق عضوي كما مر مرارا ذكره.
وبشكل عام وجد ان تركيز الزئبق يتناقض في اجهزة الانسان والحيوان مبتدئين بأعلي تركيز في الكلي ثم الكبد والدم ونخاع العظام والطحال والنسيج المخاطي في الاجزاء العليا من جهاز التنفس وجدران الامعاء والجلد ثم غدد اللعاب فالقلب والعضلات والدماع واخيرا في الرئتين. كما انه تمت البرهنة بالتجارب العملية ان اكبر تصريف للزئبق انما يأخذ مجراه عن طريق الكليتين (اي يطرح مع البول) ومع عصارة الصفراء من الكبد وعن طريق غدد اللعاب (مع اللعاب) ومع الغائط. كما بينت تجارب اخري (64 ــ 66 ) ان التحول البايولوجي داخل الجسم الحي لمركب مثل كلوريد الزئبق المثيلي يلعب دورا مشهودا في تيسير عملية طرح الزئبق والتخلص منه ومن شروره ومخاطره.
فاذا تكسرت الآصرة التي تربط ذرة الزئبق بذرة الكاربون في المركب آنف الذكر، فان الزئبق غير العضوي المتبقي سوف يجد الطريق امامه يسيرا للطرح من خلال الجهاز الهضمي وقناته الهضمية كما وجد ان التحول البايولوجي Biotransformation لمركبات الزئبق علي الجدران الداخلية للزائدة الدودية (المصران الاعور) مسؤول عن وجود الزئبق غير العضوي في فضلات بطون البشر.

الزئبق العضوي
شهدت العقود الثلاثة الاخيرة اهتماما بمسألة اهمية وابعاد خطر الزئبق ومشتقاته العضوية، ولاسيما الزئبق المثيلي، طالما انه ثبت اخيرا ان الاشكال المختلفة للزئبق التي تطرح في البيئة والجو المحيط تتحول الي الزئبق المثيلي (وهو مركب عضوي للزئبق) بفصل بعض الاحياء المجهرية الدقيقة Microorganisms لقد تمت دراسة الآثار الضارة للتلوث بالزئبق بشكل واسع ومعمق في الحالات التالية:
2 ــ في منطقة مينامات في اليابان: حيث تم الكشف عن حالة تخدر الجهاز العصبي المركزي اصيب بها 111 شخصا مات فهم خمسة واربعون ما بين عام 1953 و 1960،.
2 ــ في حادث نيغاتا في اليابان ايضا حيث عولجت ست وعشرين حالة تسمم بالزئبق مات خمسة مصابين من بين هذه الحالات.
ففيما يتعلق بحادث ميناماتا تم اكتشاف تسع عشرة حالة شلل العمود الفقري بين المواليد الجدد للآباء والامهات المصابين والمصابات في ذلك الحادث. ولا غرابة في هذا اذا علمنا ان بعض الباحثين (113 ) كان قد بين ان الزئبق المثيلي بالذات قادر علي العبور من خلال مشيمة الامهات الحوامل الي اجتهن اثناء فترة الحمل.، كما ان فحوصات كريات الدم الحمراء قد بينت ان تركيز الزئبق في كريات الاجنة يتفوق بمقدار 28% علي تركيزه في كريات دم الامهات.
لقد قدر العمر النصفي البايولوجي للزئبق المثيلي في الانسان بحوالي سبعين يوما  لكن المشكلة هي في مقاومته للتحول في الطبيعة خارج حدود جسم الانسان، وفي بقائه سمي الطبيعة لمدة طويلة هذه هي المشكلة، وهي تختلف عن حالة المواد المشعة ذوات الاعمار النصفية القصيرة حيث انها تتحول بسرعة الي عناصر او مركبات مستقرة اي ليست مشعة وبالتالي لا تحمل اي خطر لأي كائن بشراً كان بشر او حيواناً او نباتاً.
لعل من الطريف معرفة ان السويد كانت هي السباقة في ايلاء موضوع تلوث البيئة بالزئبق هذا الاهتمام والمتابعة المعروفان اليوم. ونتيجة لذلك كشف النقاب عن مصادر الزئبق الملوث للزراعية والصناعة وعلاقة هذا الزئبق بآثاره التي وجدت في الاسماك وباقي الحيوانات البرية المدجنة منها وغير المدجنة والتي يتخذها الانسان غذاء. كما تم العثور علي الزئبق في اطعمة اخري غير الاسماك في كل من الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وكندا. فلقد بينت دراسات اجريت في هذه البلدان علي اثني عشر صنفا من طعام الانسان المألوف وجود الزئبق فيها بمقدار لا يتجاوز 02% جزء بالمليون. علما ان متوسط التناول اليومي للزئبق في الولايات التحدة الامريكية علي سبيل المثال هو بحدود 25 مايكروغرام تدخل جسم الانسان بالطرق المألوفة مع الطعام او الشراب او الهواء.
رغم ان الزئبق المثيلي قد طغي علي ما عداه من مركبات الزئبق العضوية الاخري، فلقد اجريت الدراسات علي التأثيرات التناسلية، لمركبات غير عضوية اخري للزئبق وكانت ذبابة دروسو فيلا Drosophila Melanogaster وبذور التفاح من بين المواضيع التي اختيرت لدراسة التأثيرات الوراثية والتناسلية عليها، اذ كان التركيز علي الطفرات الوراثية والتغيرات الشاذة التي تطرأ علي سليقة السلالة او النوع. كما تركزت دراسات اخري علي التأثيرات غير التناسلية لمركب هايدروكسيد فنيل الزئبق ونترات فتيل الزئبق علي بعض النباتات المزهرة.
واذا رجعنا ثانية لحادث شواطئ مدينة ميناماتا اليابانية نجد ان التسمم في الاصل كان ناتجا عن كلوريد الزئبق المثيلي CH3HGC1 Methylmercuric Chloride الذي تكون في الطين والوحول وباقي النفايات التي يطرحها بشكل دوري مصنع يستخدم اوكسيد الزئبق مع حامض الكبريتيك كعامل مساعد في صناعة مركب الاسيت الدهايد. هذه الوحول والفضلات المطروحة في شاطيء ميناماتا تسرب الزئبق العضوي فيها الي المياه ومن ثم تركز في الاسماك والمحار. كما يسود الاعتقاد اليوم ان ثمة مصدر ثان للزئبق العضوي في مياه ميناماتا، الا وهو كلوريد الزئبقيك HGCI2 الموظف كعامل مساعد في انتاج مركب كلوريد الفانيل Vinyl Chloride فلقد وجد ان مرض ميناماتا قد ازداد انتشارا مع الزيادة في انتاج كلوريد الفانيل مما حدا بالسلطات المسؤولة الي اتخاذ قرار منع صيد السمك في تلك السواحل. وكانت تلك السلطات علي حق فلقد ظهر عام 1960 ان انتاج عشرين الف طن من مادة كلوريد الفانيل في مصانع ميناماتا كسبب في تسرب الف كيلوغرام من الزئبق الي الوسط المحيط والبيئة.
لقد بات الان من الجلي انه وان كانت تراكيز الزئبق المثيلي واطئة المستويات فان في وسع هذا المركب ان يتراكم بالتدريج في السمك مع مرور الوقت ولعل هذا هو تفسير الظاهرة المسماة اليوم بمرض ميناماتا (الحالات التي تشابه في اعراضها اصابات شاطي ميناماتا اليابانية) واهم اعراضها كما مر سابقا خدر الجهاز العصبي المركزي وشلل العمود الفقري. فكل اصابة من هذا النوع تسمي مرض. ميناماتا بصرف النظر عن زمانها ومكانها. اما في الانهار العذبة فيحصل تراكم الزئبق اساسا في الطحالب والاشناب والبلانكتون التي تعتبر غذاء ممتازا لأسماك النهر وبالتالي ينتقل الزئبق الي هذه الاسماك ومن ثم الي الانسان: اكون الدهر .
ومما يثير التساؤل وجود اثار من الزئبق المثيلي في سمك بحار ومناطق جد نائية عن مصادر التلوث بالزئبق كالمحيط الهندي والمحيط الهادي وبحر بيرنغ والساحل الافريقي. اما هذا الامر فيفسر اما بقدرة الاسماك علي الهجرة البعيدة المترامية الاطراف اذ يمكنها الاقتراب والعيش ولو لفترة من الزمن في المياه الملوثة او بالقرب من مصبات الانهار الاسيوية والافريقية والاوروبية الشهيرة التي تنقل تصاريف مياه المعامل والمصانع الكبري الواقعة علي ضفا فها، او ان الزئبق موجود اصلا في قيعان وصخور وترسبات المحيطات والبحار البعيدة عن مصادر الزئبق. واذا كان الزئبق المثيلي هو الشكل السائد وجوده في الاسماك والانسان فذاك بسبب قدرة بعض الاحياء المجهرية علي تحويل الاشكال الاخري للزئبق الي هذا الشكل العضوي ذي الخصائص المتفردة. واحدي هذه الخصائص قدرته علي الارتباط باغشية الخلايا العصبية واختزال محتوي الحامض النووي RNA في هذه الخلايا وخاصة خلايا المخيخ وجذور العقد العصبية الظهرية. كما ان الزئبق المثيلي قد وجد في شعر رؤوس ضحايا ظاهرة مرض ميناماتا اينما كانوا وخاصة صيادي الاسماك الفرنسيين علي سواحل المتوسط.
واكثر من هذا فالزئبق المثيلي موجود حتي في شعور رؤوس اناس لم يتعاملوا قط مع الزئبق موجود في شعورهم بصرف النظر عن الجنس والعمر والوظيفة وان كانت مقاديره اقل من تلك الموجودة في ضحايا مرض ميناماتا. وكما كان متوقعا فلقد وجد مركب الزئبق العضوي فنيل الزئبق Phenylmercury في اوراق نباتات الرز التي رشت ببخار هذا المركب في طور من اطوار نموها كعامل مضاد للحشرات. ووجد كذلك في حبات الرز ذاتها.

دورة الزئبق الكيميائية
طالما ان الزئبق المعدني قادر علي التبخر بشكل طبيعي في الظروف العادية فان معني ذلك ان للزئبق دورة في الوسط والبيئة المحيطة. فخامات الزئبق وترسباته في الارض والصخور هي في الحق مصادر ثابتة لهذا البخار يوجد حيثما وجدت تلك الترسبات والخامات ان في الارض او في اعماق البحار. فالزئبق غير العضوي هو عرضه للتحول الي اشكال اخري عضوية تحت تاثير بعض انواع البكتريا وباقي الاحياء المجهرية الدقيقة . فمثلا مركب كريتيد الزئبق HGS الذي لا يذوب في الماء، يتحول الي الزئبق ثنائي التكافؤ HG2+ القابل للذوبان بعملية التأكسد بالبكتريا ومن ثم يتحول هذا الشكل من الزئبق بعملية الاختزال بواسطة بعض انواع الانزيمات البكتريالية الي الزئبق المعدني الحر ذي التكافؤ الصفري HG (O) وعن هذا الطريق يتحرر الزئبق بشكل بخار معدني الي الوسط والبيئة. اما اذا توافق وجود الزئبق المعدني الحر HG10 مع الزئبق ثنائي التكافؤ HG2+ فان هذا الوجود المشترك سيؤدي حتما الي ظهور زئبق ايوني احادي التكافؤ HG.
يوجد عادة بشكل ايوني ثنائي الذرة HG2 2+ وهنالك طريق ثان لاختفاء الزئبق المعدني بتحوله مرة اخري في البكتريا الي شكل اخر بعملية الامثلة METHYLATION والناتج هو اما CH32HG اما تفسير ما يحدث فانه كما يلي: ان فيتامين B12 فيه رابطة كيميائية تربط الكويالت بمجموعة مثيل CO CH3 وان مجموعة المثيل هذه مستعدة للالتحاق بالزئبق تاركة الكوبالت الامر الذي سيتكون منه الزئبق المثيلي الاحادي الذي يمكن بدوره ان يتطور بعملية الامثلة الي مركب الزئبق ثنائي المثيل.
الزئبق المثيلي الاحادي الايوني المتكون من ترسبات قيعان الانهار والبحيرات والبحار ينتشر في مياهها ومن ثم يدخل في دورة الغذاء الكبري مبتدئا بالاسماك والطحالب والاسنات والبلانكتون ومنتهيا بالانسان . اما الزئبق المثيلي ثنائي المثيل فشأنه شأن اخر: يتاطير في الجو متفككا تحت تأثير ضوء الشمس معطيا جذور المثيل الحرة والزئبق المعدني الحر. وبهذا تكتمل دورة الزئبق بوصوله الي الغلاف الجوي مرة ثانية بعد رحلة طويلة غير مرئية يلعب فيها الحيوان والنبات ادوارا فضلا عن البكتريا والانزيمات بل وحتي الفيتامينات التي تتعطل فعاليتها اذا مرت بعض مراحل الدورة في جسم الانسان جراء انسلاخ مجاميع المثيل منها والتحاقها بالزئبق .



( منقول ...)






يوليو 27, 2004, 02:29:20 صباحاً
رد #1

ابو يوسف

  • عضو خبير

  • *****

  • 10867
    مشاركة

  • مشرف اداري

    • مشاهدة الملف الشخصي
الزئبق بين كيمياء الحياة وكيمياء ...
« رد #1 في: يوليو 27, 2004, 02:29:20 صباحاً »
السلام عليكم

اخي الكريم التواق للمعرفة

جزاك الله كل خير

تحياتي لك

'<img'>

سبتمبر 17, 2005, 10:01:29 مساءاً
رد #2

جنين

  • عضو خبير

  • *****

  • 3133
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
الزئبق بين كيمياء الحياة وكيمياء ...
« رد #2 في: سبتمبر 17, 2005, 10:01:29 مساءاً »
جزاك الله خير  '<img'>

                         والسلام عليكم..
ردودي الفيزيائية تعكس مستوى علمي وأجتهادي خلال تلك الفترة , وهذا يعني أحتمال نقصها ( أو خطئها) في توضيح الفكرة .. سأحاول تصحيح ما أنتبه إليه ويتضح لي خطأه ..والله المستعان.

قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)
أي لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها ومنعهم من عبادة الله  وإظهار دينه.