ليس ألم على النفس من أن يرى ولداً عاقا لأبيه أو أبناً مغضباً أمه فهذا و الله أقسى ما تشعر به النفس من ألم و أشد ما يعتريها من مرارة
هذه حكاية تاريخ لشاعر مخضرم من شعراء الدولتين العباسية و الأموية عق أباه فعقه ابنه فعق الحفيد أباه فكأنهم كانوا جميعا في حالة دين و وفاء
هذا الشاعر هو عبد الله بن محمد الشهير بابن الخياط كان له ابن أسمه يونس يقول شعراً كشعره و يسلك سلوكا كسلوكه و يتطاول مثله على الناس بالشتم المقذع و الهجاء اللاذع
وقف عبد الله بن الخياط يخاطب أبنه و يقول له:
يونس قلبي عليك يلتهف
و العين عبرى دموعها تكف
تلحفني كسوة العقوق فلا
برحت منها ما عشت تلتحف
أمرت بالخفض للجناح و بالرفق
فأمسى يعوقك الأنف
و بلغة الولد العاق الذي لا يعرف للأب رحمة و حرمة و مهابة تصدى يونس لأبيه فانتهك حرمته و جرح كرامته و جادله في عقوقه لجده و أجابه:
أصبح شيخي يزري به الخرف
ما إن له حرمة ولا نصف
صفاتنا في العقوق واحدة
ما خلتنا في العقوق نختلف
لحفته سالماً أباك فقد
أصبحت مني كذاك تلتحف
و تخاصم يوماً الأب و الابن وكان الابن أقوى من الأب فراح يعصر حلق أبيه فمر رجل و صاح بيونس ويلك أتفعل هذا بأبيك؟
و خلصه من يده ثم أقبل على الأب يعزيه و يسكن منه فقال له الأب :
يا أخي لا تلمه و اعلم أنه أبني حقاً و الله قد خنقت أبي في هذا الموضع الذي خنقني فيه
فلا حول و لا قوة إلا بالله
ولنتذكر دائما قول المولى عز وجل( و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحساناً * إما يبلغن عندك الكبر أحدهم أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولاً كريما و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)