Advanced Search

المحرر موضوع: العولمة والتربية  (زيارة 887 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

يناير 19, 2006, 05:20:06 مساءاً
زيارة 887 مرات

hamriri

  • عضو مبتدى

  • *

  • 53
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
العولمة والتربية
« في: يناير 19, 2006, 05:20:06 مساءاً »
اتسع الحديث عن العولمة، وشمل كل جوانبها، حتى غدا التكرار سمة العديد من الدراسات اللاحقة، وبات التنديد بها يشكل شعوراً معاكساً ومناوئاً... إلا أننا نجد في الدراسة التي قدمها الأستاذ حكمة عبد الله البزاز:

(العولمة والتربية) دراسة متأنية في باب لم تتم مناقشته بتفصيل.. على الرغم من تكرار ما ورد عن العولمة هنا وهناك.. ذلك أن الباحث لابد أن يعتمد المرجعية، ويقدم إضافته في الشأن الذي تخصص بدراسته.

ومنذ البدء وتحت العنوان الأساسي لهذه الدراسة التي ضمها كتاب بعنوان (العولمة والتربية) يضع البزاز عنواناً آخر يحدده بـ (السؤال الصعب) ولا نعرف وجه الصعوبة فيه، ولماذا تحول البحث إلى سؤال، وهل أن الصعوبة تكمن في طبيعة البحث أم في العملية التربوية التي تتوجه نحوها العولمة؟

إن العولمة تطور لاحق للنظام الدولي الجديد الذي طرحته الولايات المتحدة الأمريكية، تطور للنظام الرأسمالي، لما بعد الرأسمالية التي تريد أن تحظى بالسيادة على العالم، على قطبية أحادية تمتلك القوة والتقنية معاً.. وتم اعتماد "قواعد القانون للضعفاء، أو سطوة القوة للأقوياء والعقلانية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادي للضعفاء وقوة الدولة وحق التدخل والسيطرة للأقوياء"كما يقول نعوم تشومسكي ـ نقلاً عن البزاز ـ ذلك أن طبيعة النظام الرأسمالي وفلسفته تقوم على أساس الربح محلياً وخارجياً، وهذا يعني بأبسط صورة، العمل على استغلال الآخرين محلياً أو (وطنياً) وتأمين الأسواق الخارجية والمواد الأولية رخيصة الثمن في الوقت نفسه بكل السبل المتاحة بما فيها (الشريرة أو غير الإنسانية )"ومثل هذا الاتجاه، يعني سمة العمل الرأسمالي، سمة التربية فيه وطبيعة بناء المجتمع فيه، حيث ينشأ الفرد وهو منشغل بالربح بدلاً من الانشغال بالقيم النبيلة والتوجهات الإنسانية العميقة.

هذا المجتمع الرأسمالي، يرسخ حضوراً تربوياً يبني وجوده على أن القيمة الأهم في حياة الإنسان، هي مقدار ما يحققه من أرباح، وهي مصدر سعادته ونجاحه وتفوقه عن غيره، وعن المجتمعات الأخرى.

وعندما يترسخ مثل هذا الطموح في حياة الإنسان، يصبح ظاهرة سلوكية عامة والخروج عنها يعد خروقاً على نمط (حضاري) تم التخطيط له.. ليكون مناراً تقاس بموجبه المبادئ والقيم والاجتهادات المتقدمة التي تؤكد فاعلية العطاء.

وإذا كانت العولمة قد أخذت مفهوماً من "ثورة المعلومات والتقنيات الحديثة من أجل أهداف إنسانية "فإنها في جوهرها، تتخذ من المعلومات والتقنيات الحديثة وأجهزة الإعلام، سبيلاً من سبل انتشارها وتأكيد وجودها وانتشارها.. بحيث يظهر بمظهر جمالي ينشد الرخاء للجميع والعلم والمعرفة وسبل الحياة الأفضل.. لكن حقيقة أمر العولمة تكمن في الهيمنة على خيرات الشعوب، وتحقيق إدارة مركزية عالمية تحركها الإدارة الأمريكية تحديداً.. وهي بعكس العالمية أو الأممية التي تقدم تفهماً عميقاً للإنسان في كل زمان ومكان.. وإيجاد حوار مشترك وتجارب إنسانية متفاعلة في كل ميادين الثقافة والإبداع.. بينما نرى "العولمة رديف للأمركة، وان تقنعت بأقنعة العلم والتكنولوجيا، فنموذج الثقافة الامريكي يتسلل عبر الشركات عابرة القارات إلى كل مكان في العالم وينتشر بسرعة مذهلة لا لأنه بالضرورة أصلح النماذج ولكن كما ينتشر وباء في العالم. الأمركة هنا أمركة مظاهر الحياة كلها، سواء في الاقتصاد أو العلوم أو القيم والتقاليد وحتى الألعاب والفنون والأمراض والجوع».

وفي الأيديولوجية "تقف العولمة في وجه الإيديولوجيات الأخرى كالقومية والماركسية والثيوقراطية "ونحن نرى أن العولمة تحتويها وتذيبها، الى جانب نقد فكري يسعى لإلغاء وجودها، والاعلان عن موت الايديولوجيا وربط العنصرية بالفكر القومي، وإدارة المعطى الأخلاقي العميق للدين عن طريق ربطه بالإرهاب تارة والتخلف والخرافة والسلفية تارة اخرى.. والعمل على ربط فكرة العولمة بكل ما هو جديد وغير مألوف في حياة الإنسان، وإن هذه الجدة يراد بها تخفيف الأعباء عن الإنسان بينما هي تسعى لاستغلاله وسلبه طاقة التفكير وطاقة امتلاكه الثروات التي من شأنها أن تحقق له الحياة الأفضل.

صحيح أن العولمة "ظاهرة ديناميكية لها محركات ثلاثة: الثورة التكنولوجية وثورة الاتصال والتوحيد بين البلدان والحضارات والتغلب على العامل الجغرافي لتجعل من العالم قرية واحدة غير أنها في باطنها عالم صراع ودعوة الى سيطرة القوى على الضعيف والغني على الفقير وسبيلاً لهيمنة قوى عالمية كبرى محدودة"كما يقول د. عبد الله.. لكن العولمة تتجه نحو سوق عالمية، سوق تتحكم بالحاجات والأسعار والثروات.. انها "الوجه الآخر للاستعمار، وان ما يفعله الامريكان هو تذويب لثقافات الشعوب"كما يقول روجيه جارودي.

إن العولمة ـ يقول البزاز ـ "اغتصاب فكري يمحو الذاتية ويشكك في الخصوصية" وإن "أدواتها الاقتصاد ومادتها جغرافية العالم" ويحدد البزاز معالم الصورة بـ: "سقوط الاعتبارات الاستراتيجية وهيمنة الطموحات التجارية".  إنها طراز جديد من الأقلمة المتسعة التي تريد بسط نفوذها على أكبر قدر ممكن من الشعوب والأمم، بحيث تصبح جميعا واقعة تحت نفوذ القطب الواحد ممثلا بأمريكا. ويرى المؤلف ان الآثار الاجتماعية والثقافية للعولمة هي الأكثر خطراً من سواها، باعتبارها تقوم بإحداث متغيرات في قوى الإنتاج عبر الثورة التكنولوجية مما قد يتناقض مع قيم المجتمع، الى جانب انتشار البطالة وإهمال البعد الاجتماعي والإنساني، وإضعاف النفوذ الاجتماعي بازدياد تفككه وخلق عادات وأعراف اجتماعية جديدة وتقليص الخدمات الاجتماعية وإضعاف مسئولية الدولة وخلق حالات من التوتر الاجتماعي والغربة واللامبالاة لدى الأفراد.

أما آثار العولمة الثقافية فتكمن في: صياغة ثقافة عالمية لها قيمها ومعاييرها هي ثقافة السوق... وتجاوز الثقافة النخبوية وسلب الخصوصية الثقافية وقطع صلة الأجيال الجديدة بماضيها وتراثها وتدمير الحضارات والتأكيد على النجاح الفردي وتجميع الثروة وتهميش الثقافة الوطنية واحتكار الصناعة الثقافية ووضع حالة من الإبهار أمام المثقف الوطني وإنهاء رقابة الدولة على وسائل الإعلام والتخلي عن الخصوصيات الوطنية.

وفي تقديم المؤلف لمثل هذه الآثار، نجده يحرص على دور رقابي للدولة .. وهو الإجراء الذي لا يروق لعدد كبير من المثقفين والمفكرين والمبدعين، باعتبار أن حرية التعبير هي الرافد الأهم الذي يرقى بالفكر والإبداع.. والثقافة الممنوحة للمثقف هي التي تجعله يحرص على تحمل المسئولية بدلا من إيجاد سلطة رقابية عليه.
كذلك قد تكون الدولة في إجراءاتها وإهمالها.. العامل المساعد والسلبي في انتشار ثقافة هامشية مسطحة بدلا من الثقافة المعمقة والمتخصصة والأصلية.  كذلك فإن الحرية الفردية ليست وهما كما يعتقد المؤلف، إنها على العكس من ذلك.. منطلق إبداع وعمق وعي وإرادة فكر ودراية ثقافية مزدهرة.

وفي آثار العولمة على الجانب الفلسفي، يرى البزاز ان العولمة "لا ترى في الإنسان سوى مصدر للربح" و"تكوين إنسان جديد ذي هوية عالمية" وأنها تدعو إلى "عدم التعامل مع كل ما هو غيبي أو ديني إلا إذا كان في هذا منفعة لهم"، وإذا صح أن العولمة تعتبر الإنسان مصدر ربح، فإن تكوين هوية عالمية نهج قد يلقى قبولاً سراً للكثيرين، في حين تريد العولمة لا عالمية الأفق الذهني بل خنق هذا الأفق وتضيقه حتى يكون في بوتقة أحادية.. ومثل هذه المسألة كان على المؤلف تمييزها وتوضيحها.. حتى يتبين القاريء عالمية الهوية من عولمة الهوية... خاصة وأنه قد فرق بينهما في مطلع الكتاب.

أما رفض ما هو غيبي، فهو طموح كل عقل نير، والغيبي غير الروحي... الغيبي ميثولوجيا غير قائمة على عقل مادي، والروحي هو جوهر الإحساس الداخلي القناعات الصميمية للإنسان.

الغيبية.. وهم، ومثل هذا الوهم المفرغ من إرادة المادة، هو ما تريده العولمة. أما في الآثار السياسية للعولمة، فإن البزاز يرى أن العولمة تكرس الانقسام بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وأن السيادة للنظام العولمي، وإضعاف قوة الدولة على العمل الجماعي، واستغلال قيم الصداقة بين الشعوب.. لإنصاف الدولة المعادية وتهميش دور النقابات والجمعيات، وتوجيه الاهتمام بالأحداث الدولية أكثر من الأحداث القومية وتقوية المنظمات غير الحكومية وتشجيع الصراعات الداخلية وظهور ردود أفعال القوى المحافظة والأصولية.

ونحن نرى أن العولمة تحتوي الدول الغنية والفقيرة معاً، الغنية بما تملكه من ثروات، والفقيرة بما تملكه من قوى بشرية يمكن استثمارها في مشاريع كبيرة ينفذها نظام العولمة لزيادة من ضعف في مبادئها وقيمها وإرادة أبنائها.. من هامشية الإنسان فيها وعدم تماسك المجتمع بكافة طبقاته وقومياته ودياناته.. وهذا لا يعني التوجه إلى التحفظ والأصول الجامدة التي لا تتفاعل مع متغيرات العصر.. بل أن الأمر على العكس من ذلك، يتطلب المزيد من التطلعات الجديدة.

وفي الآثار التقنية نجد أن العولمة تحقق طفرات تكنولوجية عالية وفورات اقتصادية وتقليل استخدام الأيدي العاملة وإعطاء أدوار قيادية للتقنيات العالمية، والكشف عن مصادر المعلومات لكل الناس والربط بين البلدان والحضارات والتغلب على الأبعاد الجغرافية.

ومثل هذه المظاهر قد تشكل عامل جذب إلى العولمة، بينما تتوضح حقيقة أن هذه التوجهات مجتمعة يراد بها زيادة النفوذ والهيمنة والاتصال السريع بهدف احتواء كل شيء على عجل.. إنها تقنيات لخدمة سياسة العولمة، وليس العكس.. وهو ما كان على الباحث توضيحه ومناقشته.

وفي حديثه عن الآثار التربوية للعولمة يلاحظ البزاز: اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة الغنية والدول النامية والفقيرة، وزيادة البطالة والأمراض والحروب والتكتلات الاقتصادية والمنافسة في الأسواق والتفجر السكاني وعدم كفاية الغذاء، والتحكم في الأمن الدولي، وتحدي البيئة الطبيعية والبشرية، واستمرار النمو الصناعي... وسيطرة الاتجاه المادي والنفعي الدولي، والتقدم السريع في الحياة العلمية والتقنيات، وتلوث البيئة، وتجزئة الدول.

وجميع هذه النقاط يحتاج إلى ما يعززه علميا بالأمثلة والأرقام، بالأسباب والنتائج بالمناقشة والتحليل.. وتداخل هذه الآثار مع ما سبقها وعدم الانصراف كلياً للشأن التربوي.  أما علي المستوى العربي فإن التحديات التي يرصدها المؤلف تكمن في: اتساع الفجوة بين التقدم التقني والعلمي، والتدهور البيئي ونقص الاتصالات والمعلومات ومصادر المياه وضعف استغلال الأرض وعدم كفاية الغذاء، وانتشار الأمية والتخلف والفقر والمرض والهيمنة الإمبريالية والأمريكية، ووجود الكيان الصهيوني وحقوق العرب مشاكل الأقليات وتعزيز القطرية والتأثر بالاتجاهات الغربية..

ومع أن المؤلف ـ كذلك ـ لا يوثق حقيقة النتائج التي توصل إليها.  مما يجعلها تبدو كوجهات نظر أكثر منها نتائج منطقية موضوعية.. إلا أنه يرسخ معلومة ثم ينفيها.. فالتقدم العلمي ليس نقيضا مع التقدم التقني.. وباعتقادنا فإن كليهما يعملان سويا، كذلك فإن الكيان الصهيوني قائم والعولمة تساعد في بقائه وعوامل التدهور دائمة الحضور بل ويزداد عامل الفقر، مثلما يزداد الغني غنى.

وكل ما جاء به البزاز، لا يلمس الجانب التربوي إلا متداخلاً مع جوانب أخرى، في حين حمل العنوان تسمية: (العولمة والتربية).. فهل كان المؤلف يرى في جميع تلك الآثار آثاراً تربوية؟ إذا كان الأمر كذلك، فما حاجة بحثه إلى هذه التقسيمات المحددة؟ إن مجمل الآثار التي أوردها البزاز تم حصرها بـ:
إضعاف البعد الفلسفي للتربية، وتوجيه المعرفة العلمية بحسب القوى التي تمتلكها، والتأثير في اتخاذ القرار التربوي، وربط العلماء والباحثين بولاءات معينة للشركات المستغلة، وتقلص الخدمات للطلبة، وإلى نخبوية التعليم، ونشر مفاهيم براجماتية، وممارسة أعمال خارج التخصص وازدياد حجم الذمية الوظيفية والثقافية، وازدياد الطلب على التعليم مع ضعف مشاركة القوى الاجتماعية، وتنامي الإنفاق على التعليم بشكل يجعل الدولة عاجزة عن الإيفاء بمتطلبات تكافؤ الفرص التعليمية، وتغير أساليب التعليم، والاهتمام بالمعاقين والتوسع في التعليم الخاص، وتعاظم مسئوليات المؤهلات العليا، وإهمال الدراسات الإنسانية، وإضعاف الشعور الوطني والقومي، والشعور بالدونية، وتدجين العلماء!ا ن هذه الآثار التي يرصدها المؤلف، لا يوجد ما يعزز صواب الوصول إليها ولا دقتها ولا يمكن أن نسلم بها مجتمعة، بسبب عدم ما يؤكدها من أدلة وبراهين.. إضافة إلى ضعف منطوقها، فزيادة التعليم لا يمكن أن يكون بمعزل عن وعي المجتمع ومشاركته في تعزيز وإغناء هذه الزيادة، كما لا ينسجم مع تقلص الخدمات التي تقدم للطلبة.

كذلك فإن عدم قدرة الدولة على الإنفاق على التعليم، سيحول دون زيادة التعليم، والعمل خارج التخصص من شأنه تزويد المرء بخبرات جديدة.. وإكساب مهارات تتلاءم وامكاناتهم مما يعني إعدادهم إعدادا سليماً..
والاعتماد على المهارات أمر يتناقض تماماً مع الطرح القائل بإهمال الدراسات الإنسانية.. إضافة إلى ذلك، نرى أن العولمة ليست أيديولوجيا، كما يعتقد المؤلف: "إن العولمة كأيدولوجيا يجسدها نظام عالمي وليس نظاماً دولياً" ـ كما يقول المؤلف ـ الايديولوجيا فكر، ينشد الثبات في الغالب، عقائدية راسخة، بينما النظام العالمي الجديد (العولمة) نظام محكوم بالمصالح السياسية والاقتصادية أكثر من أي شيء آخر.. وليس بوسعنا الحكم على ظرفية (العولمة) ـ كما يعتقد المؤلف ـ إن المسارات: السياسية والفلسفية والتخطيطية والعلمية والتقنية والتربوية والمالية ومسار المرونة والتحصين.. كلها مجتمعة لا يمكن أن تتم إلا بالإدراك التام لأهداف العولمة وما الذي تريد تحقيقه وإنجازه.
شر البلاد مكان لاصديق به     وشر ما يكسب الانسان مايصم