عقاقير التخدير
ان استخدام المواد الكيميائية لإحداث التخدير كان فتحا طبيا في عالم الجراحة لم يقتصر أثره على المرضى انفسهم ، بل تعدى ذلك الى مهنة الجراحة ذاتها .فقبل انتشار هذه المواد كان الجراح يحجم عن اجراء أي عملية تجنبا لما يتعرض له المريض من آلام ، ولا يقدم عليها الا اذا ايقن ان المريض هالك لا محالة ان لم يبادر باجراء العملية ، وهذا استتبع ان معظم العمليات كانت تتناول الاجزاء الظاهرة من الجسم وانها كانت تجري بسرعة بالغة ، فيروى ان كبير جراحي نابليون كان يجري عمليات البتر في اقل من 15 ثانية .
لذلك فان ادخال العقاقير المخدرة لم يقتصر اثره على تخليص المريض من الاحساس بالالم ، ولكنه زاد في الوقت المتاح للعملية وزاد من فعالية عمل الجراح .
وتبدا قصة بعض هذه العقاقير مع بواكير نشاة الكيمياء الحديثة ن فوصف براسيلسوس تاثير الايثير المخدرؤ عام 1541، ولكن مضت ثلاثة القرون قبل ان يعم استخدامه وذلك حين استعمله ويليام مورتون عام 1846 في اقتلاع الاسنان ، ثم استخدم في عمليات ازالة الاورام في العام التالي ، وكان ذلك في الولايات المتحدة .
ونالت هذه العمليات اهتماما اعلاميا واضحا دفع سير جيمس سمبسون الى ادخال استخدام الكلوروفورم في عام 1847 في عمليات الولادة ، وقبل ذلك كان بريستلي قد اكتشف اكسيد النيتروز N2O عام 1772 ل، واشار سير همفري دافي الى فعله التخديري ، ولمح الى امكانية استخدامه في عمليات جراحية لا يصحبها نزف كثير للدم.
وفي الاربعينات من القرن التاسع عشر ذكر انه اجريت عدة عمليات لخلع الاسنان باستخدام اوكسيد النيتروز ، لكن تجربة أجريت عام 1845 اعتبرت فاشلة لان المريض اصدر انينا اثناءها .وربما كان ذلك راجعا الى قلة جرعة الغاز الذي اعطيت له ، أو انه كان احد القلائل الذين يمتلكون مقومة طبيعية له .
وبالرغم من هذه البدايات المشجعة ، فان طريقة التخدير لم تلق رواجا لما جابهها من بعض المقاومة المستندة الى دعوى اخلاقية مؤادها ان التخدير عمل يضاد الارادة الالهية التي نسب اليها قضاؤها في ان يتعرض المخلوقون للالم .
وهناك الان عدد كبير من المواد الكيميائية التي تستخدم للتخدير تختلف في فعاليتها وفي عمق حالة التخدير التي تحدثها ، وتتفاضل من حيث الاقبال عليها ، ومنها ما انتشر استخدامه في الماضي ثم هجر الى ماهو افضل حسب عدد من العوامل اهمها ـ الى جانب فعلها التخديري ـ فاعليتها الكيميائية ، وسهولة تبخرها ان كانت سائلة ن وقابليتها للالتهاب ، ودرجة سميتها او تاثيراتها الضارة مهما كان نوعها .
ومن هذه العقاقير ماهو خاص بالتخدير الموضعي ومنها مايختص بالتخدير العام ، ونلاحظ ان بين اشهر عقاقير التخدير عددا من الاثيرات ومشتقاتها الهالوجينية والفلورية بشكل خاص .
ويؤدي المخدر العام عمله بالتاثير على المخ ، فيوصله الى حالة اللاوعي وعدم الشعور بالالم .
وكان ثنائي ايثيل ايثر اول مخدر عام ، وهو لازال مستخدما وان كان ذلك على نطاق اقل منذ ادخال العقاقير التي تسبب ارتخاء العضلات . والايثير قليل المخاطر نسبيا ، اذ هناك فجوة واسعة تفصل بين مقدار الجرعة المخدرة ومقدار الجرعة القاتلة ، لكن استخدامه لا يخلو مع ذلك من مضايقات مثل الشعور بالغثيان ، وهو سريع التطاير وشديد القابلية للالتهاب .
اما الكلوروفورم فهو غير ملتهب ويؤدي الى تخدير فعال لكن له سيئات عدة ، فمن ناحية لا يختلف مقدار الجرعة المخدرة كثيرا عن مقدار الجرعة القاتلة ، ومن ناحية اخرى فهو يميل الى التحول الى الفوسجين القاتل بالتفاعل مع الاكسجين ، فيجب ان يمنع عنه الاكسجين تماما اثناء خروجه .
وأُدخل إلى الاستعمال عدد من المركبات الاخرى مثل ثنائي فانيل ايثير الذي بدا استخدامه عام 1930. وهو اقوى من نظيره الايثير العادي بسبع مرات ، لكن من عيوبه انه يؤدي إلى تخدير عميق بسرعة بالغة ، وهو الى جانب ذلك شديد القابلية للالتهاب .
واكثر المخدرات الغازية هو سايكلوبروبان الذي بدا استخدامه عام 1934، وتؤدي كميات صغيرة منه الى فقد الاحساس بالالم دون فقد الوعي ، لكن عيبه الاساسي انه يكون مخاليط متفجرة مع الهواء ، لذلك يجب ان تعد له اجهزة خاصة وان يتولى استخدامه خبراء تدربوا جيدا لذلك .
ومن المخدرات الفعالة هالوثان او 2- برومو-2- كلورو -1،1،1- ثلاثي فلورو ايثان ، فهو يفوق الكلوروفورم في صفاته الجيدة ، ويفضله في انخفاض سميته وهو ايضا غير ملتهب ، وبالمقارنة مع الكلوروفورم نجد ان تاثيره اقوى كما ان الشخص المخدر به اسرع الى الافاقة ، ومع هذا فقد برزت مؤخرا تساؤلات حول تاثيره على العاملين في غرف العمليات .
ومن المخدرات السائلة الجيدة التي استخدمت حديثا ميثوكسي فلوران وعدد اخر من مشتقات الايثيرات الهالوجينية .
واستخدم ثلاثي كلورو ايثلين بعد عام 1940 ، وهو مخدر فعال لكن اوقف استخدامه لتاثيره السام .
وقد اصبح فن التخدير يجنح نحو الابتعاد عن استخدام مخدر منفرد، فاصبح المريض يحقن أولا بأحد العقاقير المهدئة القوية مثل بنتوثال ، فيغيب عن الوعي ، وعندها يعطي المخدر الغازي الذي يجلب عدم الشعور بالالم ، ويبقى المريض غائبا عن الوعي ، واحيانا يعطى المريض عقارا مثل "كوراريCurare " أو يوديد سكسنيل كولين ، يسببب الاسترخاء ، فلا يلزم عندها سوى مخدر خفيف المفعول ، وبهذا يتم تجنب المخاطر التي تنجم عن التخدير العميق ، والكوراري هو السم الذي كان سكان امريكا الاصليون من الهنود يغمسون فيه سنان حرابهم وسهامهم وهو بهذه الصورة الاخيرة قاتل ، كما ان جرعات كبيرة منه قاتلة ايضا حيث ان الاسترخاء التام الذي يحدثه في كافة العضلات يشمل عضلات الجهاز التنفسي ، فكان المصاب يموت اختناقا لعجزه عن اداء وظيفة التنفس ..
التخدير الموضعي :
أي مادة تعطى في موقع معين (تحت البشرة مثلا ) فتؤثر على العصب وتمنع نقل التاثير بواسطته تدعى مخدرا موضعيا ، وحيث ان معظم هذه المواد المستخدمة حديثا تستخدم ايضا لتخفيف الالم الذي يصحبه فقد الاحساس او بقاؤه فانها تصنف عادة على هذا الاساس ، ومن اشهر المواد في هذا المضمار :
1- الكوكايين Cocaine : وهو احد اشباه القلويات الطبيعية وقد استخدم منذ الحصول عليه نقيا عام 1860 ، وبما ان الكوكايين من العقاقير التي يؤدي استخدامها الى الادمان ن الى جانب انه سام اذا اخذ بكميات كبيرة فقد نشط البحث عن بدائل .
2- مشتقات حامض بارا – امينو بنزويك ، ومنها بروكايين Procaine ، وبنزوكايين Benzocaine .
دمتـــــــم بالف خيـــــر وعافيـــــة
