بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أسعد الله أوقاتكم بكل خير أخواني و أخواتي الأعزاء
يسعدني أن أضع بين أيديكم هذا الموضوع و هو (( القيادة في الإسلام ))
تمهيد :-
القيادة ظاهرة اجتماعية ذات جذور عميقة تتصل بطبيعة الإنسان ، و تراثه الثقافي ، و مشاركته لمن حوله في مجتمعه ، فالوجود المشترك لشخصين أو أكثر يخلق نوعا من الحاجة إلى من ينظم العلاقات القائمة بينهم و في هذه الحالة يتولى أحدهم القيادة . و هي فن يكتسب و ينمى و يمارس بدرجات مختلفة من قبل أي شخص مؤهل لتحقيق غاية أو تنفيذ مهمة معينة ، و يعرف الفن بأنه نوع من المهارة الناتجة عن التجربة أو الدراسة أو المراقبة ، فابستطاعة أي شخص أن يكتسب فن القيادة و ينميها بدرجات إذا وجه بصورة صحيحة ، و كان يتمتع بالإمكانيات العقلية و البدنية الضرورية ، و بذلك تتأثر مقدرة الفرد على القيادة برغبته في الدراسة و التمرين و تطبيق أساليب القيادة الصحيحة .
و القيادة أمر تحتمه الشريعة الإسلامية من واقع مصدريها الأساسيين القرآن الكريم و السنة النبوية ، و تحتمه الطبيعة البشرية التي خلقها الله و خلق فيها غريزة حب الاجتماع و التعاون لما فيه مصلحة مشتركة .
إن الإداري المسلم يستشعر وجوب القيادة لأن قدوته الأولى قد حث على ذلك ، و أكد على أهميتها و من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم :-
1. ما رواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم )) .
2. ما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد رضي الله عنه و أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم )) .
و من الحدثين نستنبط أن القيادة واجبة في أمر الثلاثة الأشخاص فما بال العشرات أو أكثر من ذلك مع تعدد المسؤوليات و المؤسسات و تداخلها . إذا لا بد من قيادة رئيسية تسود المجتمع و توجهه إلى ما فيه خيره و استقراره ، و هذه الأمر ينسحب على الإدارة الإسلامية في أي مستوى من المستويات ، و أي عمل من الأعمال فلابد من قائد يختار أو يعين ليقود سير العملية الإدارية إلى الهدف المرسوم لها .
مفهوم القيادة في الإسلام :-
القيادة في الإسلام كل من يتولى شيئا من أمور المسلمين العامة ، فالخليفة و عماله و قادة جيوشه و القضاة و رؤساء الشرطة و الوزراء ، و غيرهم ممن يقومون بأعمال عامة في الدولة الإسلامية هم المعنيون بكلمة القيادة .
و هم بما خولهم الله من سلطة و بما أعطاهم المسلمون من ثقة عليهم من العبْ أكثر مما على غيرهم من المسلمين ، و هم للدولة كالقلب للإنسان إذا صلحوا صلحت الأمة و إذا فسدوا كان القضاء الذي لا قيام بعده حتى يعودوا إلى شرع الله .
و القائد في الإسلام صاحب مدرسة و رسالة ، و يدرك تمام الإدراك أن قيامه بإعداد أجيال من القادة من أسمى واجباته ، و أمانة في عنقه ، فنراه يقبل على أداء الواجب و على الوفاء بالأمانة بكل حماس و إخلاص و حيوية دافقة . و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة ، فلقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم هو المعلم الذي تنزل عليه الوحي برسالة الإسلام ليبلغها للناس ، و صاحب المدرسة التي تخرج منها قادة أمم ، و أبطال حرب و رجال إصلاح ، و علماء و فلاسفة و رواد حضارة . و لم يكن هذا الإنجاز أمرا يسيرا أو هينا ، يكفي أن نقارن بين حال العرب قبل الإسلام و حالهم بعده حتى تدرك السر في ذلك التحول الكبير .
أركان القيادة في الإسلام :-
ترتكز القيادة في الإسلام على أسس راسخة الجذور و المعاني سواء من القرآن الكريم أو من السنة النبوية ، و من أهم هذه الأركان التي يجب أن يعتمد عليها القائد الإداري المسلم ما يلي :-
1. الشورى :-
الشورى ركن و أمر أكده القرآن الكريم في مواقع عديدة ثم عمل بها قدوتنا صلى الله عليه و سلم .
و من القرآن الكريم الآيات التالية :-
أ. قوله تعالى : (( و أمرهم شورى بينهم )) .
ب.و قوله تعالى : (( و شاورهم في الأمر )) .
ج. و قوله تعالى : (( و قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ، ما كنت قاطعت أمرا حتى تشهدون )) .
و غير ذلك من الآيات كثير و كلها تشير للقائد المسلم أن يجعل الشورى نصب عينيه و لا يتردد .
و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة فقد كان عمله و تطبيقه للشورى أكثر فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه و سلم )) . و أحداث غزوة بدر و الخندق فيها أمثلة للشورى النبوية العملية .
2. القدوة الحسنة :-
لابد للقائد الإداري أن يكون عمليا ، و هذا ما أقصده من أن يكون قدوة حسنة ، فلابد أن ينزل إلى الميدان مع من هم تحت إمرته ليشاهدوا أنه أول من يرفع العبْ ، و يتحمل المسؤولية . و القدوة تكون في الخلق ، و المعاملة ، و في السلوك العملي . و خير مثل قدوتنا صلى الله عليه و سلم فما أمر بشيء إلا كان أول من عمل به ، و ما نهى عن شيء إلا كان أول من ينزجر عنه .
3. المؤمن كيس فطن :-
هذا حديث شريف يعد ركنا من أركان القيادة ، فالقائد المسلم لابد أن يكون واسع الأفق و الإدراك لما يدور حوله ، و لما يريد تنفيذه من خطط و مشاريع و أهداف ، مدرك فطن للنتائج المترتبة على العملية الإدارية التي يشرف على تنفيذها ، فعليه أن يكون كما قال القائد الأول صلى الله عليه و سلم : (( المؤمن كيس فطن )) .
و إذا علم من تحت قيادته بما يمتاز من الكياسة و الفطنة زادت به الثقة و مالت إليه الأفئدة ، و استطاع تحقيق الأهداف بخير و سلام .
4. الكفاءة الإدارية :-
و تعد الكفاءة الإدارية ركن مهم ، فعلى القائد المسلم العمل الجاد و المستمر في تنميتها ، و من وسائل ذلك ما يلي :-
أ. العلم و التزود به . قال تعالى : (( قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكروا أولوا الألباب )) .
ب. التزود بالخبرات التي مرت بها الإدارات المماثلة للإطلاع على نتائجها و الإفادة منها .
ج. التدريب و هو التزود بالمعارف علميا و عمليا حتى يكون في مقدمة موظفيه – معرفة و عملا – و بذلك يستشار و يشار إليه بالبنان .
مباديء و صفات القائد في الإسلام :-
1. الشجاعة الشخصية و الجلد :-
الشجاعة هي من الخواص العقلية التي تشعر بالخوف من الخطر أو الانتقاد و لكنها تمكن الإنسان من الاستمرار في مواجهة ذلك بهدوء ، و التصرف كما يجب في الظروف الحرجة ، مع تحمل الآلام و الجهد و المشاق ، فيجب على القائد أن يتمتع بالشجاعة الأدبية و البدنية و الوقوف على جانب الحق مهما كانت الظروف ، و مهما كانت المعارضة شديدة .
2. كمال الأخلاق ، و حسن العشرة ، و عزة النفس :-
يجب أن يكون القائد خلوقا ، و يتعود على عزة النفس و الكرامة .
3. الصبر مع قوة الاحتمال ، و الثبات على المبدأ بإرادة قوية و ثابتة :-
الصبر في الشدائد من أقوى أساليب كسب النصر و الوصول إلى الهدف النهائي ، و القائد يجب أن لا يجزع و لا يخاف و لا تهن قوته .
قال تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين )) .
4. بعد النظر :-
و هو توقع للأعمال المقبلة بمعنى إدراك الأمور قبل وقوعها مع ضرورة تفكير القائد بكافة الاحتمالات القريبة و البعيدة ، و إدخال أسوء الاحتمالات في حساباته .
5. الشخصية و التواضع :-
و يكون عن طريق تقدير النفس و احترامها ، و عدم الكبر ، و عدم إحاطة النفس بالمظاهر الكاذبة .
6. التوزان و الاعتماد على النفس :-
الحياة معاناة قاسية تتطلب قدرا كبيرا من التوازن النفسي ، و الاعتماد على على النفس ، و ذلك بالسيطرة على الأعصاب ، و معالجة المواقف بهدوء و اتزان بدون تشنج و معاناة ، و يؤدي الاعتماد على النفس إلى التأكد من تأدية الواجب بالشكل الصحيح ، و تنفيذ المقاصد بإرادة قوية و ذكاء و فعالية . و قد يعمل التوازن الانفعالي للقائد على تآلف المجموعة و التفافها حول قائدها .
7. الثقة و المحبة المتبادلتان :-
الثقة والمحبة من الصفات الهامة و الضرورية للقائد لتحسين العلاقة بينه و بين مرؤوسيه ، فعلى القائد أن يمارس اللطف و الشدة ، و أن يبدوا ودودا أمام مرؤوسيه ، يتحدث إليهم و يزورهم في مختلف الأوقات ، يخفف عنهم احتياجاتهم إذا كان لديهم أي منها ، و يجب أن لا يعاملوا بطريقة استبدادية .
فالثقة و المحبة تنمي " روح الجماعة " ، و توحد الجميع نحو الهدف المشترك للوصول إلى المهمة بأعلى كفاءة . و إن روح الجماعة في أي عمل شبيهة بروح الفريق التي يتمتع بها فريق كرة القدم الفائز ، و الأهمية هنا للجماعة و ليست للقائد أو أي شخص آخر ، و هي شيء معد ينتشر من خلال المؤسسة كوميض البرق ، و روح الجماعة بها طاقة و نشاط نظرا لأن بامكانها أن تصبح جوهرا للحيوية التي تعزز الاطمئنان و الولاء و الكبرياء و الثقة و الوحدة و الأخوة .
8. روح الدعابة :-
الهشاشة و البشاشة و الابتسام من صفات القائد الناجح ، و لكن يجب أن يكون دأب القائد فيها كدأبه في جميع مزاياه يعطي كل مزية حقها و لا يأخذ من حق غيرها ليعطيها .
9. تحمل المسؤولية و تنميتها في المرؤوسين :-
الشعور بالمسؤولية يدخل ضمن مفهوم الواجب ، فيجب على القائد أن يتحمل المسؤولية عن كل ما يفعله مرؤوسيه أو ما ينتج عنهم من تقصير ، مع أن هناك إلتزاما أدبيا من قبل القائد حول تعاونه مع الآخرين و معاونتهم في تنفيذ مهامهم .
و تنمية المسؤولية لدى المرؤوسين تتم بعدة وسائل منها :-
أ. العمل على حسب التسلسل القيادي .
ب. تبليغ المرؤوسين ماذا يجب عمله دون بيان طريقة العمل ، و تحميلهم مسؤوليات النتائج .
ج. تهيئة الفرص لأكبر عدد ممكن من الأفراد للمارسة واجبات القيادة .
د. السرعة في الاعتراف بإنجازات المرؤوسين عند إظهارهم الإبداع في عملهم .
هـ. التأكد من أن المهام تسند حسب المقدرة و الكفاءة .
و. النصح و المساعدة لمن هم تحت الرئاسة عند طلبهم لها .
ز. العدل بين المرؤوسين .
10. معرفة القائد لنفسه ، و لرجاله ، و لعمله :-
يجب على القائد أن يعرف نفسه ، فالإنسان الذي لا يعرف نفسه و مميزاتها ، و لا يعرف قدراتها و حدودها ، لا يرجى أن يكون قائدا .كما يجب عليه معرفة رجاله تماما ، و يعرف نفسياتهم جيدا .
11. القرار الصحيح و السريع :-
إن مفهوم القرار هو الاختيار المدرك بين البدائل المتاحة في وقت معين لتحقيق هدف محدود .
و هناك عدة وسائل لتطبيق هذا المبدأ ، منها :-
أ. تنمية عملية التسلسل المنطقي بالتمرين المتواصل في تقدير الموقف .
ب. التخطيط لكل حدث متوقع حسب الظروف و الوقت .
ج. الأخذ بالنصيحة ، و الاقتراحات الواردة من قبل المرؤوسين قبل اتخاذ القرار .
د. تعميم القرار في وقت يفسح المجال للمرؤوسين لعمل الخطة الضرورية .
هـ. تشجيع التقديرات و التخطيط المشترك .
و. التأكد من أن المرؤوسين على علم بسياستك و خططك الحالية .
ز. الأخذ بعين الاعتبار تأثير القرار على المرؤوسين .
هذا و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ،،،،