وقد وجدت ميكانيكا الكم لتفسير سبب وجودها، وفي الواقع تصور بأن إحدى ذرات الهيدروجين اقتربت من ذرة مماثلة أخرى ، وحتى الآن تعيش كلتاهما بدون " عائلة" وتحسد كلتاهما – كالغراب – أولئك المرتبطين برابطة عائلية .
فتقول الذرة الأولى لزميلتها:
- أعطني دولاب ملابسك، فنتحد في جزئ واحد.
فتجيب الثانية:
- لي الحق أيضا بان اطلب منك نفس الشيء.
- إذن ، ربما الأفضل أن نتبادل الملابس ؟
- وكلن ما الفائدة من ذلك؟ فسوف لن يتغير أي شئ بعد ذلك، إذ إن ملابسنا متشابهة تماما .
ويحضر هذا الحديث طبعا " المهندس المعماري الذري" لكنه يبتعد الآن لبناء الذرات بل الجزيئات، فيقدم نصيحته لكلا الطرفين المتكبرتين قائلا:
- ومع ذلك فلتوحدا دولابي ملابسكما، فبالرغم من كل شيء لن تستطيعا عمل بدلة " أرستقراطية" ثمانية الإلكترونات منهما – لأن كمية القماش غير كافية .
- فليقطن أحد الالكترونات قليلا في إحدى الذرتين، ثم في الذرة الأخرى ، وليتنازل الآخر كذلك .
فتتساءل الذرتان:
- وماذا سيتغير من الأمر ؟ لقد اقترحنا الواحدة على الأخرى تبادل الكترونات من قبل.
- إنكما تخطئان. فأنتما لم تأخذا بعين الاعتبار بأنه ستكون هناك لحظات يكون فيها إلكترون في إحدى الذرتين، وإلكترون واحد في الذرة الأخرى. وعندئذ ستظهران كأيونين مختلفين في الشحنة ، بينما في الجزيء الأيوني ستتخلى إحدى الذرات عن الإلكترونات بينما تكتسب الأخرى الإلكترونات بحيث تكون الذرات متأينة طيلة الوقت تقريبا، بينما سيتم ليدكما تبادل الإلكترونات فقط ، فتتشبع إحداكما بالإلكترونات، بينما تخلو الثانية منها ، والعكس بالعكس.
وتتساءل الذرتان وقد بدأتا بالاقتناع:
- وكم مرة يجب علينا تبادل الإلكترونات ؟
فيقول المهندس المعماري الذري :
- مرات كثيرة ، واذا ما تحدثت باللغة نصف الكلاسيكية ، لنظرية بوهر، فانه بعد كل دورة تقريبا يجب ان ينتقل الإلكترون في المدار من إحدى الذرتين إلى الأخرى ، بحيث أن مداره يشبه الرقم 8 .
فقالت الذرتان :
- حسنا فلنجرب .
وكانت النتيجة أن كونا عائلة متينة حقا ، ولم يكن ليدرك لعبة الطبيعة الذكية هذه سوى ميكانيكا الكم ، ناهيك عن الحدس بنتيجتها ، وقد
أطلقت بحق على التأثير المتبادل بين الذرات الذي يؤدي الى تكوين الجزيئات ، تسمية التبادل ، فكيف يجري هذا التبادل الإلكتروني بموجب تصورات ميكانيكا الكم ؟
مادامت الذرات بعيدة عن بعضها البعض فإن سحب* إلكتروناتها تتقاطع من الناحية العملية مع بعضها البعض .
ولكن ما إن تتقارب هذه الذرات بصورة كافية حتى يبرز بفضل الاختراق الكبير المتبادل بين السحب الإلكترونية احتمال ملحوظ بانتقال إلكترون كل ذرة من الذرات القريبة من النواة إلى الذرة المجاورة ، أي وجود احتمال التبادل . فما هي نسبة هذا الاحتمال ؟
إنها تساوي في جزئ الهيدروجين حوالي 15%، وبتعبير آخر فإنه في كل ساعة يجتمع كلا إلكتروني الهيدروجين لمدة 10 دقائق في ذرة واحدة ولا يتبقى في الذرة الأخرى أي شيء منهما .
فهل يكفي ذلك لضمان ترابط متين للذرات في الجزيء ؟
لقد أظهرت حسابات العالمين الإنكليزي هايتلر (Heitler) ولندن (London) بمساعدة ميكانيكا الكم بأنه كاف تماما !
وفي الحقيقة ان النظرية تنطبق في هذه المسألة بشكل جيد جدا على التجربة .
وقد أظهر بأن اتحاد ملابس الإلكترونات في الذرات " الفقيرة" أو بالعكس " الفنية جدا" بواسطة التبادل هو امر شائع جدا في عالم الجزيئات .
فمثلا توجد في ذرة النيتروجين رقم 7 سبعة الكترونات فقط ، اثنان منها في القشرة الداخلية لا تشتركان في عملية التبادل ، ومن ثم تتحدان في خمسة إلكترونات في القشرتين الخارجيتين للذرات "المتزاوجة ".
وتتبع النيتروجين ذرة الأكسجين وتحتوي على ستة إلكترونات لأغراض التبادل ، فتكون جزيئاً عادياً من الأكسجين ثنائي الذرات .
ويتحد في الأكسجين الثلاثي الذرات – الأوزون 18 إلكترونا (O3).
ولتسهيل هذا التبادل ترتبط الذرة الثالثة بالذرتين الأوليتين لا في خط مستقيم بل بشكل مثلث أو زاوية مما يختصر طريق سير الإلكترونات.
ولا يشبه التركيب الجزيئي هذا من حيث البناء الذرات المكونة له كما يختلف أيضا توزيع الساكنين ، وشكل الشقق نفسها أيضا ، لذلك فإن صفات الجزيئات تختلف كليا عن صفات الذرات المكونة لها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من المهمات الأولى لميكانيكا الكم هي إعادة النظر مرة أخرى في تركيب الذرة ، فأدخل بوهر مفهوم المدارات الإلكترونية ، وهي كما نعرف مسألة ترضاها الفيزياء الكلاسيكية ، بينما ترفض ميكانيكا الكم تماما مفهوم المدار واستبدلته " بسحابة الاحتمال "
يتبع ان شاء الله
'>