وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد
{ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }
لماذا يا أستاذ لا تتنافر البروتونات الموجودة في النواة ؟
أليست البروتونات جسيمات تحمل نفس الشحنة وتتواجد في مكان واحد ؟ لقد تعلمنا في درس الكهرباء الساكنة أن الجسيمات المتشابهة كهربياً تتنافر .
كان لطرح هذا السؤال وقعه علي للوهلة الأولى خاصة وأنني كنت في السنة الأولى لعملي التدريسي ولم اتوقع حقيقة أن يطرح أحد طلاب الصف الثاني ثانوي مثل هذا السؤال .
كنت أتكلم وقتها عن نظرية رذرفورد وكيف استطاع هذا العالم عن طريق تجربته المشهورة ( تجربة دقائق الفا وصفيحة الذهب ) أن يشير إلى وجود البروتونات مجتمعة في جزء صغير من الذرة يعرف باسم النواة .
واعترف بأن الجواب على هذا التساؤل لم يكن مكتملاً في ذهني وقتها واحمد الله تعالى أن مر هذا الموقف بسلام فقد تمالكت نفسي وقلت لتلميذي بكل صراحة وثقة أن الجواب على هذا السؤال غير واضح في ذهني الآن ووعدته بالبحث في الموضوع .
من الثابت علمياً اليوم أن النيوترونات مسئولة جزئياً عن عملية ربط البروتونات ببعضها في النواة وذلك لأنه أولاً : لاتوجد نواة تتكون فقط من عدة بروتونات دون وجود نيوترونات .
وثانياً : كلما ازداد عدد البروتونات في نواة ما كلما ازدادت الحاجة إلى النيوترونات لكل بروتون من أجل الربط .
فمن خلال ما يعرف باسم حزام الثبات ( Belt of stability ) اتضح أن نويات العناصر الخفيفة تحتوي على أعداد متساوية تقريباً من البروتونات والنيوترونات بينما في العناصر الأثقل تحتوي النويات غير النشطة اشعاعياً على عدد من النيوترونات أكبر بكثير من البروتونات . وعلاوة على ذلك فإن النويات ذات النشاط الاشعاعي تكون محتوية على نسبة أقل من النيوترونات .
مع ذلك فما زال التساؤل قائماً حول كيفية عمل النيوترونات على ربط البروتونات ببعضها ؟؟
واذا عرف السبب بطل العجب كما يقال فقد كشفت الدراسات الاشعاعية الغموض الذي أحاط بالموضوع ، فكما هو معلوم فإن نواة الهيليوم تتألف من بروتونين ونيوترونين وحيث أن كتلة النيوترون هي ( 1.00867 ) وأن كتلة البروتون هي ( 1.00728 ) فإنه يمكننا توقع الكتلة التالية لنواة الهيليوم :
كتلة بروتونين + كتلة نيوترونين = 4.03190 وحدة كتلة ذرية .
لكن الكتلة الملاحظة عملياً لنواة الهيليوم هي ( 4.0015 ) وهنا يبرز سؤال : ماذا حدث للكتلة المفقودة ( 0.0304 وحدة كتلة ذرية ) ؟؟؟
من المعتقد الآن أن هذا القدر من الكتلة قد تحول إلى طاقة .
ومن علاقة اينشتاين الشهيرة ( الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء ) (E = MC2 )
إن نقصاً في الكتلة قدره ( 0.0304 وحدة كتلة ذرية ) يرافقه انطلاق طاقة تقدر بـ ( 2.72 ) تريليون جول لكل مول من الهيليوم وبالعكس يلزم نفس الكمية من الطاقة لتفتيت واحد مول من نويات الهيليوم إلى بروتونات ونيوترونات .
معنى هذا أن أنوية ذرات العناصر تحوي بداخلها طاقة رابطة ( Binding energy ) تربط بين الجسيمات المكونة لها . اذاً فالسبب الذي يجبر البروتونات على البقاء في مكان واحد هي طاقة الربط النووي ( Nuclear energy ) الموجودة داخل أنوية ذرات العناصر .
ومن الطبيعي أن تختلف كمية هذه الطاقة في العناصر ، ويتضح من خلال الرسم البياني التالي العلاقة بين عدد الكتلة للعناصر والطاقة الرابطة لكل جسيم نووي .
وكما هو مبين في الشكل فإن الحديد ذو العدد الكتلي 56 له أعلى قيمة من طاقة الربط النووي أي أنه أكثر العناصر ثباتاً ، وبالنسبة له تكون العناصر الأخرى أقل ثباتاً .
وهذا يعني أنه عند تحول اليورانيوم إلى حديد فلا بد أن تنطلق طاقة . وبالمثل اذا تحول عنصر خفيف مثل الهيدروجين إلى حديد فلا بد أن تنطلق طاقة أيضاً ، وتعتبر هذه التحولات أساس الاستفادة من الطاقة النووية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (25) سورة الحديد
************* فسبحان الخالق العظيم . ***************
الكاتب : Omar
الحقوق محفوظة لكاتب الموضوع
مع تحيات Bytocom