السلام عليكم:
كيمياء العقاقير البحرية
منذ ما ينوف على الفي عام استخدم الصينيون خلاصات من كائنات بحرية لعلاج الكثير من العلل والأمراض .والآن يلتفت العلماء من جديد الى البحث عن بعض العقاقير من الكائنات البحرية بعد ان حصلوا على بعض النتائج الباهرة . ومن بين الاستخدامات التي حققت نجاحا استخدام دم سرطان البحر (السلطعون) في الاختبارات الطبية واستخراج مرهم واق من الشمس وذلك من الحيد البحري المرجاني .
ويبدأ تاريخ العقاقير البحرية منذ عام 206 قبل الميلاد حينما كان الاطباء الصينيون يستخدمون خلاصات النباتات والحيوانات البحرية لعلاج الأمراض .وأصبح من المألوف عند الصينيين استخدام نجم البحر و فرس البحر في الوصفات الطبية الصينية . وبعد عام 1960 حين تقدمت وسائل الغوص في اعماق البحار تمكن العلماء من الحصول على العديد من الاحياء البحرية النباتية والحيوانية والتي استخدمت في تصنيع ادوية لاقت نجاحا واسعا ودرت أرباحا وفيرة.
وقد تمكن العلماء من استخلاص بعض المواد الكيميائية التي تستخدم في التشخيص الطبي ومن امثلتها الحمض الكايني الذي يستخلص من طحلب احمر يجمع من شواطئ اليابان وتايوان والذي يبلغ سعر الغرام الواحد منه 190 دولار.ويستخدم هذا الحمض كأداة اولية لتتبع سبب مرض هانغتون العصبي الذي يسبب اختلاجات في الوجه والأطراف ويعتبر هذا المرض نادرا لكنه قاتل . اما المركب الآخر فهو الحمض الاوكادي الذي يبلغ سعر المليغرام الواحد منه الف دولار والذي يستخلص من نوعين من انواع الاسفنج البحري . ولهذا الحمض القدرة على منع بعض التفاعلات الخلوية وتنشيط بعضها الاخر لذا فهو يستخدم في الدراسات المتعلقة بالسرطان والإيدز.
وقد اعلن عام 1990 عن اكتشاف عقار بحري جديد ساهم فيه علماء من ثلاث جامعات امريكية ومعهد العلوم البحرية في الفلبين وقد استخلص هذا العقار من سم محار بحري يعيش في مناطق المحيط الهادي الاستوائية ووجدوا ان المكونات السامة هي عبارة عن عدد من البروتينات الصغيرة يتميز بعضها بأثره الانتقائي على العضلات وخلايا الاعصاب ولما كان هذا السم يحتوي على عشرات البروتينات وإذا اخذنا في الاعتبار وجود ما يربو على 500 نوع من هذه المحارات .فإننا ندرك ان ما توصل اليه هؤلاء الباحثون هو بداية لطريق طويل وشاق عليهم ان يقطعوه قبل التوصل الى جوهر هذا الكنز الصيدلاني.
وفي عام 1991 ، طلب معهد ابحاث السرطان الوطني في الولايات المتحدة من المعهد الاسترالي لعلوم البحار ان يجمع له 1000 كائن بحري من المحيط الهادي و الهندي ، وقد ارسلت خلاصات هذه الكائنات البحرية الى معهد مختص لتجربتها كعقاقير لعلاج السرطان .
لكن هذه التجارب تستغرق وقتا وجهدا كبيرين . وقد توصل العلماء بعد عشر سنوات من البحث الى ان مادة بريوستاتين -1 المستخلصة من حيوان بحري صغير هو بريوزون ، ومادة دايدمنين -ب المستخلصة من بخاخ بحري قد اظهرتا فائدة في علاج الاورام ، ولكنهما لم يعتمدا كعلاجين لمرض الاورام على النطاق التجاري ، حتى تستكمل التجارب المختبرية وتدرس آثارهما الجانبية المختلفة.
اما شعاب البحر المرجانية فلها قصة أخرى ، هي خليط من البحث العلمي والصدفة . فمنذ حوالي عشر سنوات بدأ الكيميائيون في المعهد الاسترالي لعلوم البحار في دراسة نوع من المرجان يعيش في المياه الضحلة . وتوقع هؤلاء الكيميائيون ان يمتلك المرجان قدرة على حماية نفسه من تأثير اشعاع الشمس المدمر . وفي عام 1984 تمكن هؤلاء العلماء من استخلاص مادة من هذا النوع من المرجان لها القدرة على امتصاص الاشعة فوق البنفسجية وبالتالي الوقاية من تأثيرها .. وقد وجد هؤلاء العلماء ان هذه المادة تمتص حزم الاشعة ذاتها التي تسبب سرطان الجلد . وهنا خطر لهم استخدام هذه المادة في تصنيع مرهم جلدي يقي الانسان من تأثير أشعة الشمس المسببة للسرطان . وكان سرطان الجلد آنذاك في استراليا يثير اهتماما واسعا على المستويين الرسمي والشعبي وخاصة بعد ان اتضح ان المواد المستخدمة آنذاك لوقاية الجلد من تأثير أشعة الشمس لا تقي الانسان من الاصابة بالسرطان .
وهكذا وقعت شركة أي . سي . أي بأستراليا اتفاقا مع المعهد الاسترالي لعلوم البحار بهدف تطوير مركبات لها القدرة على امتصاص أشعة الشمس الضارة وتشبه تلك الموجودة في المرجان . وقد قدرت تكاليف هذا المشروع آنذاك بحوالي 750 مليون دولار امريكي ، وقد تم انجازه عام 1991 م وقدمت النتائج للحكومة الاسترالية للتسجيل ، تمهيد لطرح هذه المنتجات في الاسواق .
انضمت اليابان حديثا الى جهود البحث العلمي المتعلقة بالكائنات البحرية ، وبدأ عدد من الجامعات والمعاهد العلمية في دراسة الاستخدامات التجارية للكائنات البحرية في المياه الباردة والدافئة على السواء .
وفي عام 1990 اتفقت الولايات المتحدة والصين على مشروع لاستخلاص دم كائن حي بحري يعيش بكثرة على سواحل الصين الجنوبية وهو ملك السراطين .
ويستخلص من هذا الدم مركب اسمه "ليزات" وهو اساسي في العديد من الفحوصات الطبية التي يتم اجراؤها في المستشفيات في سائر انحاء المعمورة . ويتم ذلك باصطياد السرطانات المذكورة واستخلاص 50% من دمها ثم يطلق سراحها في البحر وبعدها تستخلص مادة ليزات من دم السرطان ...حيث تستخدم على سبيل المثال في الكشف عن التهاب السحايا وحمى التيفوئيد . وتباع هذه المادة حاليا بعشرة الاف دولار للتر الواحد علما بان طاقة انتاج المشروع هي 128 الف لتر في العام.
وهكذا تتجلى اهمية العقاقير البحرية وتزداد يوما بعد يوم وستثبت لنا الايام ان هذه العقاقير سوف تستخدم في علاج معظم الامراض التي يعاني منها الانسان .
'>