.
قراءة فـــي كِتـــاب
أعراض الشيزوفرينيا
يعالج الكتاب عددا من الموضوعات المختلفة, من بينها -على سبيل المثال- كيف تم تعريف المرض وتحديد أعراضه على مر الزمن، ويتناول أيضا الأعراض الإيجابية للمرض مثل الأوهام والهلوسات والتفكير المضطرب قبل أن ينتقل إلى الأعراض السلبية مثل الفراغ العاطفي وفقدان الإرادة والهلوسة السمعية (سماع أصوات لا وجود لها في الواقع) وأوهام السيطرة (تخيل وجود سيطرة خارجية على حركات الجسم). ويقدم الكتاب تفسيرا لكل حالة من هذه الحالات موضحا أنها جميعا تعود إلى اختلال عمل التغذية الارتجاعية داخل الدماغ.
يستعرض المؤلفان مختلف النظريات التي وردت حول مسببات الشيزوفرينيا, ويرجحان التفسيرات البدنية الفسيولوجية (العصبية في هذه الحالة) على التفسيرات النفسية.
وفي دراستهما لطرق علاج المرض عبر المدة التي انقضت منذ تاريخ اكتشافه نجدهما يميلان إلى ترجيح استخدام العقاقير المضادة للاختلالات الوظيفية في الدماغ على استخدام المعالجة النفسية.
ويعالج المؤلفان أيضا الاعتقاد الشائع, الذي تغذيه الروايات والأفلام وتغطيات صحف الإثارة, بكون المصابين بالشيزوفرينيا يحملون ميلا شديدا لممارسة العنف.
ومع اعترافهما بأن نسبة ممارسة العنف لدى المصابين بهذا المرض أعلى منها لدى الأشخاص العاديين, فإنهما يبذلان جهدا كبيرا لتفنيد ذلك الاعتقاد عن طريق تقديم الأرقام والبيانات الموثقة.
في الفصل الأول يورد المؤلفان اقتباسات من أقوال المصابين بالمرض وهم يصفون ما يعانونه من أعراض. وهناك مقارنة بين روايتين: الأولى قدمها مريض عام 1967, والثانية يعود تاريخها إلى عام 1690, ويمكن من خلال المقارنة التعرف على الحالتين الإيجابية والسلبية للمرض.
تقول الرواية الأولى "يغمرني اليأس في بعض الأحيان، لكنني بعد كل حالة من هذه الحالات أغرق في المزيد من اللامبالاة، إن نفسي تضيع مني وتغرق في المرض، وأنغمس في ما يشبه غياب الوعي".
أما الرواية الثانية فتقول "لقد سكنتني الكثير من الرؤى والأصوات المقلقة، ورغم أنها في اعتقادي غير موجودة في الواقع, فإنها بدت لي موجودة وقائمة بالفعل, وكان لها علي نفس التأثير الذي كان يمكن أن يكون لها لو كانت موجودة فعلا".
يناقش المؤلفان بالتفصيل أعراض الشيزوفرينيا وطرق تشخيصها في الفصول الأولى من الكتاب, ويصححان الفكرة الشائعة عن كون الأشخاص الذين يعانون من الشيزوفرينيا هم أشخاص مصابون بانفصام الشخصية.
ونجدهما يفعلان ذلك من خلال استعراض أعمال الرواد في هذا المجال وبالأخص منها البحوث التي أجراها إميل كرايبيلين خلال الفترة من العام 1893 وحتى وفاته عام 1926.
كما يستعرضان بحوث يوجين بلولر الذي عمل في هذا الحقل حتى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، حيث أكد بلولر على الهلوسة (المدركات الزائفة) والأوهام (المعتقدات الزائفة) بصفتها أهم الأعراض التي تميز المرض.
وكان بلولر هو الذي أطلق اسم "شيزوفرينيا" على هذا المرض وهي كلمة لاتينية تعني "الدماغ المنشطر" في إشارة إلى ضعف الترابط بين الوظائف المختلفة للدماغ على نحو يجعل الأفكار غير مترابطة ويضعف التنسيق بين العمليات العاطفية والإدراكية والإرادية. ولم يتحقق الإجماع الطبي على اعتماد مقاييس محددة لتشخيص المرض حتى الربع الأخير من القرن العشرين.
كان كورت شنايدر قد جاء بقائمة أطلق عليها اسم "أعراض الدرجة الأولى" اعتمدت كمقياس لتشخيص الشيزوفرينيا. لكن طرقا أخرى غير قائمة شنايدر باتت سارية أيضا وبضمنها الطريقة المعروفة بـ"نظام كاتيغو" التي تستخدم الكمبيوتر وفحص DSM-IV.
ويندهش القارئ إذ يطلع على قلة ما تغير في حصيلة المعلومات المتوفرة عن المرض منذ القرن التاسع عشر حتى الآن, حيث لا تزال الكثير من المعضلات التي تكتنفه بحاجة إلى تفسير.
يقول المؤلفان "إن ما نعرفه عن الشيزوفرينيا لم يتغير كثيرا منذ أول طروحات كرايبيلين، فمفهومه للمرض لا زال يتمتع بنفوذه، لكن ثمة مناطق للشك ما زالت تكتنف حواشيه, وليس من المحتمل توضيحها قبل توفر المعرفة الكافية بالأساس العصبي لهذا الاختلال".