نـقـلا عـن صحـيـفـة الـحـيـاة
أعرب عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، عن مودته البالغة لأخيه في الهيئة نفسها رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، خلال رده على نقد وجهه الأخير إلى الفلكيين في حديث أدلى به لقناة فضائية أخيراً.
وأكد المنيع في رد خص به " الحياة "، أنه فضلاً عن ذلك يقر بسلامة قصد الشيخ اللحيدان واتجاهه للدفاع عن بلادنا وأمنها العقدي والأخلاقي والقضائي والانتمائي مع قادتنا الأعزاء، كما أؤكد اعترافي بمرجعيته العلمية والاجتماعية، وشجاعته في تقديم النصح بصراحة لأئمة بلادنا وعامتهم، فجزاه الله خيراً وأكثر من أمثاله، وزاده توفيقاً وسداداً.
لكن المنيع على رغم ذلك، استكثر على اللحيدان بعض الجمل التي تضمنها نقد الأخير الفلكيين الذين يعد المنيع نفسه واحداً منهم. وكان حديث فضائي للحيدان تناقلته المنتديات الإلكترونية، طالب الفلكيين أن : يدعوا أمور الشرع لأهل الشرع، وأن ينبذوا الهوى، وأن يثبتوا على الشرع ولزوم الجماعة وتقوى الله... إلخ.
وهي العبارات التي ناقش فيها المنيع اللحيدان، وتساءل: هل أهل الشرع فئة محددة وبقية المسلمين ليسوا من أهل الشرع؟ هل صيام شهر رمضان وإنهاء صيامه وتحديد عرفة ويومي العيد خاص بفئة من أهل الشرع أم هو لجميع المسلمين من أهل الشرع؟ وإذا كان أمر هذه المسائل موكولاً من حيث الإثبات لجهة مختصة من أهل الشرع، ووجد في هذه الجهة المختصة تقصير في الأداء، أليس من النصح الواجب على المستطيع من المسلمين لفت النظر إلى تقصير هذه الجهة، والتعاون معها في إكمال النقص أو العدول عن الخطأ؟ فالنصيحة واجبة لأئمة المسلمين وعامتهم على كل مستطيع».
ومع أن المنيع رد على ما اعترض عليه من حديث زميله اللحيدان، إلا أنه حافظ له على مكانته العلمية ومركزه العلمي، ويمثّل رده نموذجاً لأخلاق العلماء في الاختلاف في وجهات النظر الذي لا يفسد للود قضية.
وفي ما يأتي نص الرد كما وصلنا من الشيخ عبدالله المنيع:
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وبعد، فلقد اطلعت على ما كُتب في الساحة المفتوحة في الانترنت، مما نسب إلى معالي الشيخ صالح اللحيدان في الحلقة التي بثها معاليه في قناة " المجد " في برنامج " الجواب الشافي " ، في ما يتعلق بمسائل الهلال وإثباته.
وقد رغبت في المداخلة مع معاليه، إذ يظهر ان فضيلته يعنيني ضمن مَن يعني بقوله، ولي رجاء أن يعيد معاليه بعض اطلاقاته، إذ ان ما ذكره يحتاج إلى توضيح وتقييد وإعادة نظر. وقبل أن أبدأ مداخلتي مع معاليه أؤكد محبتي ومودتي وتقديري لمعاليه، كما أقر بسلامة قصده واتجاهه للدفاع عن بلادنا وأمنها العقدي والأخلاقي والقضائي والانتمائي مع قادتنا الأعزاء، كما أؤكد اعترافي بمرجعيته العلمية والاجتماعية، وشجاعته في تقديم النصح بصراحة لأئمة بلادنا وعامتهم، فجزاه الله خيراً وأكثر من أمثاله، وزاده توفيقاً وسداداً ومرونة مع إخوانه في التفاهم والحوار والنقاش، والشعور بأن الكمال لله وحده، وأن الجميع خطاؤون وخير الخطائين التوابون الأوّابون، وان الجميع في سفينة واحدة إن نجت نجا الجميع وإن غرقت غرق الجميع.
وبعد: فلقد نسب لمعاليه أنه قال ما ياتي :
دعوا أمور الشرع لأهل الشرع، آن الأوان أن تعترفوا وأنتم الآن مختلفون - يقصد معاليه من يطالب بالاستفادة من علم الفلك في إثبات الأهلة - انبذوا الهوى، واثبتوا على الشرع، والزموا الجماعة، واتقوا الله ربكم.
أما قول معاليه: دعوا أمور الشرع لأهل الشرع.
فهل أهل الشرع فئة محددة وبقية المسلمين ليسوا من أهل الشرع؟ هل صيام شهر رمضان وإنهاء صيامه وتحديد عرفة ويومي العيد خاص بفئة من أهل الشرع، أم هو لجميع المسلمين من أهل الشرع؟ وإذا كان أمر هذه المسائل موكولاً من حيث الإثبات لجهة مختصة من أهل الشرع، ووجد في هذه الجهة المختصة تقصير في الأداء، أليس من النصح الواجب على المستطيع من المسلمين لفت النظر إلى تقصير هذه الجهة والتعاون معها في إكمال النقص أو العدول عن الخطأ؟ فالنصيحة واجبة لأئمة المسلمين وعامتهم على كل مستطيع.
وأما قول فضيلته: آن الأوان أن تعترفوا وأنتم الآن مختلفون.
فما هو الاختلاف يا معالي الشيخ؟ جميع علماء الفلك متفقون على أن الولادة - ولادة الهلال - تتم في لحظة واحدة بالنسبة إلى الراصد من الأرض في جميع أنحاء الأرض، والاختلاف في تحديد ذلك بالنسبة إلى توقيت كل مكان في الأرض.
مــعــنى الاقـتــران
وفي ما يأتي تعريف معنى الاقتران ومعنى الولادة، وهو تعريف صادر عن المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، موقع عليه من الأستاذ الدكتور محمد أحمد سليمان أستاذ الفيزياء الشمسية في قسم بحوث الشمس والفضاء في المعهد القومي في حلوان في مصر، ومن الأستاذ الدكتور صلاح محمد محمود مدير المعهد. وهذا نص التعريف:
الاقتران هو وقوع مركز القمر على خط الاقتران، وهو الخط الواصل بين مركزي الأرض والشمس، وتكون مساحة الجزء المضاء من القمر بالنسبة إلى الراصد على الأرض صفراً، نظراً إلى سقوط أشعة الشمس عمودياً على سطح القمر، فتنعكس إلى سطح الشمس ثانية.
اما الميلاد فهو بعد أن يفارق مركز القمر خط الاقتران بلحظة، تسمح بوجود أية نسبة مُضاءة من سطح القمر ولو ضئيلة. وإن كانت هذه النسبة لا تسمح برؤيتها على سطح الأرض الا حينما يغادر القمر خط الاقتران بنحو ثماني درجات. اهـ
وعلى أية حال، لا يستطيع شيخنا ومن يستعين به ان يجدوا اختلافاً بن علماء الفلك في الولادة وحصولها في لحظة واحدة، باعتبار الراصد من الأرض.
فأي اختلاف فرح به شيخنا ليحين الأوان للاعتراف بالاختلاف وبطلان الإجماع على تحديد ولادة الهلال بلحظة واحدة؟
فالاختلاف في إمكان الرؤية بعد الولادة وليس في الولادة. ونحن نقول بأن هذا الاختلاف بعد الولادة لا قيمة له، فمتى ولد الهلال قبل غروب الشمس ولو بزمن يسير، وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس، أمكن اعتبار هذه الرؤية لانفكاكها عمّا يكذبها.
ونصيحة فضيلته لإخوانه علماء الفلك، ومَن يرى من علماء الشرع الاستعانة بعلم الفلك، بأن ينبذوا الهوى، ويثبتوا على الشرع، ويلزموا الجماعة، ويتقوا الله ربهم.
فنقول: جزاك الله خيراً يا أبا محمد على هذه النصيحة التي نحن وأنت محتاجون إليها، وسامحك الله إن كنت ترانا نتبع الهوى، فأي هو نتبعه؟ هل علم الفلك آراء شاذة لا يقول بها الا من يتبع الهوى؟ أم هو علم له مقوماته وقواعده وأصوله ونظرياته، التي وصلت بالإنسان إلى أن يتخطى الأرض وغلافها ويصل إلى آفاق من الكون وغرائب الفضاء، واستكشاف الكثير من خصائص الكون وتركيباته؟ ونحن تجاه التشكيك في هذا العلم أو إنكاره كالنعامة تدفن رأسها في التراب وتنكر ما حولها.
أما النصيحة بالثبات على الشرع فهو توجيه سليم، إلا أنه مغلف بالقول بأن علم الفلك ونظرياته ونتائجه العلمية والميدانية والتطبيقية، وأهل هذا العلم، ليسوا مع الشرع ولا على الثبات عليه. ويا ليت شيخنا يستغفر الله ويدعو لإخوانه كفارة لظنه فيهم، فأي ميل عن الشرع يكون من علماء الفلك حينما يقولون باستحالة رؤية الهلال بعد غروب الشمس آخر الشهر، والحال ان الهلال لا يولد الا بعد غروب الشمس. بمعنى ان الهلال متقدم على الشمس فهو يغرب قبلها وهي تغرب بعد غروبه.
الــمـشـكـلة فـي الشـهـادة
هل مخالفة الشرع في رد شهادة لم تنفك عما يكذبها من حيث الحس والواقع؟ أم ان مخالفة الشرع في قبول شهادة لم تنفك عما يكذبها؟ فأي الفريقين أولى بالمخالفة؟ هل شهادة الشاهد على الرؤية مقبولة مطلقاً أم أن قبولها مشروط بشرطين: أحدهما أن تكون الشهادة ممكنة الوقوع، والثاني أن يكون الشاهد عدلاً؟
فإذا كانت الشهادة غير ممكنة الوقوع مرتبطة بما يكذبها، فهل الشرع يقبل هذا الشهادة أم يرفضها فيردها؟ وهل رد القاضي هذه الشهادة يعتبر جنوحاً وميلاً عن الشرع ومخالفة له؟
وإذا كان معاليه يرى أن ربط إثبات رؤية الهلال بالولادة قبل غروب الشمس أو بعده نوع من الميل عن الشرع، فهذا مما يستغرب أن يصدر عن مرجعية شرعية مختصة بإثبات الرؤية. وبالتالي لا يستغرب أن تصدر الاستنكارات والانتقادات لقرارات الرؤية داخل بلادنا وخارجها.
كما لا نستغرب تزعزع الثقة بالقرارات الصادرة عن تلك الجهة في ما يتعلق بإثبات دخول الشهر أو خروجه، بالنسبة إلى من كان خارج بلادنا أو داخلها. ولا يضيرنا ذلك لو أخذنا بوسائل العلم المتاحة لدينا التي هي الآن حجة علينا، بعد ان تغيرت أحوالنا من الجهل إلى العلم ومن الأمية إلى القدرة على الكتابة والقراءة والحساب والإدراك والنظر، فنحن حينما نقول باعتبار وقت ولادة الهلال قبل غروب الشمس أو بعده، ونعلق حكم سماع الشهادة بالرؤية على ذلك، فإننا نأخذ بالشرع ونثبت عليه، ونأخذ بأسباب قبول الشهادة وموانع ردها، وهذا والله هو الشرع، فمِن أهم أسباب قبول الشهادة انفكاكها عما يكذبها. فأي الفريقين أحق بالأخذ بالشرع والثبات عليه؟
ولعل سماحة شيخنا يقول: إنكم تقولون برد شهادة من يشهد برؤية الهلال. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». وهذه هي مخالفة الشرع وعدم الأخذ به.
فإذا قال هذا قلنا لسماحته: إننا لم نرد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشانا ذلك والحمد لله، ولكننا نقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بقبول الشهادة المنفكة عما يكذبها، أما الشهادة الموصوفة بما يبطلها فقبولها منكر شرعاً وعقلاً وقضاء وإفتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلل الأخذ بقبول شهادة من يشهد بالرؤية بواسطة الوسائل المبذولة للجميع بقوله: إننا أمة امية لا نكتب ولا نحسب... إلى آخر الحديث. فمتى تغير هذا الوصف عن أمتنا تعين علينا الأخذ بما يكون أكثر ضبطاً وإتقاناً.