Advanced Search

المحرر موضوع: تطور الفكر الرياضياتي  (زيارة 1786 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

أغسطس 21, 2007, 09:44:11 صباحاً
زيارة 1786 مرات

maths

  • عضو خبير

  • *****

  • 1037
    مشاركة

  • عضو مجلس الرياضيات

    • مشاهدة الملف الشخصي
تطور الفكر الرياضياتي
« في: أغسطس 21, 2007, 09:44:11 صباحاً »
السلام عليكم

الموضوع التالي بقلم الدكتور محمد عبد العظيم سعود، أستاذ الرياضيات بكلية العلوم بجامعة عين شمس. من مجلة (التقدم العلمي) العدد السابع والعشرون- يوليو/ سبتمبر 1999 صفحات: 92-95- الكويت. ننقله هنا حرفيا ونترك التعليق للقارئ الكريم.


تطور الفكر الرياضيات


كان ذلك قبل نحو من ثلاثين عاما. حين عُين معيدا بقسم الرياضيات البحتة بكليةالعلوم/جامعة عين شمس. وكان القسم يومئذ يفور بعودة اثنين من مدرسيه، بعيد نوالهما إجازة الدكتوراه من بلاد الفرنجة. وكان أحدهما قد ثاب من اكسفورد بانجلترا، حاز إجازته بإشراف العالم اللبناني الأصل العالمي الأشهر مايكل عطية. وكان الجميع يتحادثون بذلك الانقلاب الذي تم –أو يتتام- في عالم الرياضيات. الذي اصطلح على تسميته بـ "الرياضيات المعاصرة"، أو "الرياضيات الحديثة"، يحمل لواءه في جامعتنا هذان المدرسان كأنهما رسولا العالم المتقدم، بعثا يبشران به ويخرجانه من الظلمات إلى النور.

وكنا نتساءل: هل هي رياضيات منبتة الصلة تماما عن الرياضيات التقليدية، التي تعارفنا عليها في مدارسنا وجامعاتنا، أو أغلب جامعاتنا؟! ويا ترى هل القدرات المطلوبة في أستاذ الرياضيات التقليدية تختلف عنها تماما- أو كثيرا- في أستاذ الرياضيات المعاصرة؟! ويحسب كاتب هذه السطور أن الأمر ليس كذلك بالظبط، والقدرات الرياضياتية المطلوبة في كلتيهما قدرات منطقية بالدرجة الأولى، وهذه تزيد في المعاصرة عليها في التقليدية، وقدرات حسابية بالدرجة الثانية، وهذه تعلو في التقليدية عليها في المعاصرة، لكن من المعلوم كذلك في أبجديات علم النفس أن معامل الارتباط بين القدرات الحسابية والقدرات المنطقية معامل قوي، على الرغم من وجود حالات صارخة شاذة أحيانا، مثلما وجد ثورنديك بالولايات المتحدة الأمريكية تلاميذ بذرعهم ضرب عددين، كل منهما مكون من أربعة أرقام، بمجرد النظر أو السمع (!!)، ويعجزون عن أبسط الاستنتاجات المنطقية!.

هذا إلى أن الرياضيات المعاصرة تتطلب شيئا آخرا هاما جدا، ألا وهو "القدرة على التجريد". ويقع فرع المنطق الرياضي في الذروة بالنسبة لهذه القدرة، وربما يأتي بعده "الجبر المجرد" والهندسة الجبرية، ثم "التوبولوجي" بأنواعه، و"التحليل الدالي"، و.. و.. وربما كان هذا تفسيرا يبدو معقولا لما نلاحظه أحيانا: تلاميذ يحصلون على الدرجات النهائية، أو قريب منها، في امتحانات المدارس الثانوية، لكنهم يجابهون صعوبات شديدة عند دراسة فروع مثل المنطق الرياضي أو الجبر المجرد، أو التوبولوجي بالجامعة!

لقد نشأت الرياضيات المعاصرة لكي تحل مشكلات لم يكن بإمكان الرياضيات التقليدية أن تقدم حلولا شافية لها، فكانت الفروع المستحدثة، ولكي تحل مشكلات عالجتها من قبل الرياضيات التقليدية، لكنها لم تحسن المعالجة، ذلك أنها لم تكن بدرجة الدقة المنشودة، فتقدمت المعاصرة لكي تناقش نفس القضايا وذات الفروع في التقليدية، لكن بأسلوبها الأشد حبكة، والأقوى إحكاما، ومن ثم الأكثر توفيقا.

كلنا يذكر من أيام المدرسة الثانوية والإعدادية- احتراما لا حبا! لهندسة اقليدس "ذلك الصرح الشامخ، الذي ساقنا في تسلق درجه –لساعات طويلة مديدة- أساتذة أمناء مهرة كما يقول "ألبرت آينشتاين" في فاتحة كتابه (النظرية النسبية الخاصة والعامة)".

كانت تلك الهندسة تقوم على تصورات معينة مثل "النقطة" و"الخط المستقيم" و"المستوى" وتقوم كذلك على بدهيات معينة لا نملك البرهنة عليها هندسيا لكننا نحس صدقها. وعلى هذه المفاهيم والبدهيات أقيم ذلك البناء المتطاول بمنطق نبيل. ولم يكن هناك وجه لأن نتساءل –مثلا- إن كان صدقا أنه لا يوجد إلا خط مستقيم واحد يصل ما بين نقطتين أم لا؟! وكل ما كان يمكننا أن نقول به إن هندسة إقليدس تعالج أشياءا تسميها خطوطا مستقيمة، وتنسب لأي واحد منها خاصة التعيين بذاته بنقطتين واقعتين عليه، ذلك أن الهندسة ليست معنية بعلاقات المفاهيم الداخلة فيها بالأشياء الواقعية، لكنها معنية فقط بالصلات المنطقية لهذه المفاهيم فيما بينها.

أغسطس 21, 2007, 09:45:46 صباحاً
رد #1

maths

  • عضو خبير

  • *****

  • 1037
    مشاركة

  • عضو مجلس الرياضيات

    • مشاهدة الملف الشخصي
تطور الفكر الرياضياتي
« رد #1 في: أغسطس 21, 2007, 09:45:46 صباحاً »
كانت هذه مرحلة في تطور الفكر الرياضياتي، تلتها المرحلة العربية الإسلامية التي كان أبرز أعلامها محمد بن موسى الخوارزمي المتوفي سنة 232 هـ، صاحب كتاب "الجبر والمقابلة"، وكان العرب –كما يقول كاجوري- أول من استعمل مفردة "جبر" للدلالة على ذلك العلم المعروف لدينا الآن، وعنهم أخذ الفرنجة نفس الكلمة
Algebra
. حقق كتاب "الجبر والمقابلة" الأستاذان: علي مصطفى مشرفة، والدكتور محمد مرسي أحمد، عليهما رحمة الله، يقول مشرفة: "صحيح أن حل المعادلات الجبرية يرجع إلى ما قبل الميلاد بألفي سنة (البابليين) وأن قاعدة حل معادلات الدرجة الثانية كانت معروفة عند الإغريق وعند الهنود، ولا شك أن الخوارزمي قد اطلع على ما لدى الهنود والإغريق من علم رياضي، ولكننا لم نعثر على كتاب واحد يشبه كتاب الخوارزمي" ويقول: إنه يميل إلى الظن بأنه لم يكن قبل الخوارزمي من علم يسمى علم الجبر، ويردف: "وتتجلى عبقرية الخوارزمي في أنه خلق علما من معلومات مشتتة عُرفت بعضها قبله".

وحل العرب معادلات الدرجة الثالثة، واستخدموا الجبر في حل بعض المسائل الهندسية، وكانوا بذلك واضعي أسس الهندسة التحليلية، كما مهدوا لنشأة علم التفاضل والتكامل.

وعرف العرب الجذور الصم، وكان الخوارزمي أول من استعمل كلمة "أصم" لتدل على العدد الذي لا يوجد له جذر يمكن كتابته على صورة أ/ب، حيث أ، ب عددان صحيحان، ب لا يساوي الصفر.

يقول أبو العلاء المعري:

طرق العلا مجهولة فكأنها
                    حسم العوائد مالها أجذار!

(العوائد: الأعداد، الأجذار: الجذور)

كما مهدوا لاكتشاف اللوغاريتمات، وقد عرف ابن حمزة ببحوثه في المتواليات العددية والهندسية.

وهاهو شيخ المعرة، مرة أخرى، يعبر عن ضيق ذات اليد، هذا التعبير الأدبي الرياضياتي البديع، فيقول:

سما نفر ضرب المئين* ولم أزل
                          بحمدك مثل الكسر يُضرب في الكسر

* (المئين: المئات)

وهو يقصد طبعا بالكسر ذلك الذي بسطه أصغر من مقامه، ولاحظ أن الكسر إن ضرب في نفسه على التوالي نتجت المتوالية الهندسية.

وتتجلى عبقرية ثابت بن قرة وهو ممن مهدوا لنشأة علم التفاضل والتكامل، في استخدام الهندسة الإقليدية لحساب حجم الجسم الناشئ عن دوران قطع مكافئ حول محوره، وهي المسألة التي نحلّها اليوم ببساطة باستخدام حساب التكامل، كما يحدثنا الأستاذ قدري حافظ طوقان، رحمه الله ويتساءل عمن يستطيع اليوم من أساتذة الجامعات حل هذه المسألة بدون استخدام التكامل؟!

واستعمل العرب الرموز في المعادلات الجبرية قبل "ديكارت" ويمكن القول بأن لغة الرياضيات- اللغة التقليدية- ظلت هي اللغة السائدة إلى أن انتهينا إلى العصر الحديث بأعلامه الأوروبيين؟، ومنهم "كانتور" (1845-1918)، الذي قدّم مفهوم –ولا نقول تعريف "المجموعة" (
Set
) بقوله: "إنها أي تجمع من الأشياء المحددة، المعرفة جيدا في رؤيتنا أو في تصورنا"، وأي شيء من هذه الأشياء يسمى عنصرا في المجموعة.

ومثلما قدمت هندسة إقليدس طائفة من البدهيات، تستعين الرياضيات الحديثة بمجموعة من الفروض
Axioms
لبناء "نظرية المجموعات"*.

- - - - -
* تدرس نظرية المجموعات –أحيانا- كمقرر متقدم في بعض الجامعات أما في المدراس وفي أغلب جامعاتنا العربية فيكتفي بالتعرف على "لغة" المجموعات.

أغسطس 21, 2007, 09:46:32 صباحاً
رد #2

maths

  • عضو خبير

  • *****

  • 1037
    مشاركة

  • عضو مجلس الرياضيات

    • مشاهدة الملف الشخصي
تطور الفكر الرياضياتي
« رد #2 في: أغسطس 21, 2007, 09:46:32 صباحاً »
وهناك بنايات مختلفة الرقي أو المستوى للنظرية. وقبل أن نعرض لأحد هذه الأبنية، نود أن نشير إلى أن "المنطق" لهذه الرياضيات هو ذلك المنطق الشائع المألوف المتعارف عليه بين الناس. بعبارة أخرى للتوضيح فإننا سنعني الآن بدراية "صدق التقارير المركبة"، وسنفصل الأمر على النحو التالي:

التقرير المركب من تقريرين مرتبطين بحرف عطف "و" سيكون صحيحا فقط في حالة إذا كان كلا التقريرين صحيحا، أي سيكون خاطئا إذا كان أحد التقريرين أو كلاهما خاطئا، فإذا قلنا: "قرأ زيد معلقة زهير "و" ذهب إلى المسرح.. فسيكون التقرير صادقا، أو صحيحا، إذا كان زيد قد أدى الفعلين وسيكون خاطئا إذا كان قد قرأ المعلقة ولم يذهب إلى المسرح، أو أنه ذهب إلى المسرح، لكنه لم يقرأ المعلقة، أو أنه لا قرأ المعلقة، ولا ذهب إلى المسرح.

أما إن كان التقريران مترابطين بحرف العطف "أو"، على نحو "قرأ زيد معلقة زهير" أو "ذهب إلى المسرح" فسيكون التقرير المركب صحيحا دائما إلا في حالة أن يكون كلا التقريرين خاطئا، أي في هذا المقال، التقرير المركب خاطئ فقط في حالة أن زيد لا هو قرأ معلقة زهير، و لا هو ذهب إلى المسرح.

أما التقرير المركب من التقريرين س، ص على النحو التالي: "س يضمن ص" فسيكون صحيحا دائما إلا في الحالة التي يكون فيها س صحيحا، ص خاطئا.

وكمثال ندرس التقرير: "مذاكرتك تضمن نجاحك" والآن إذا كان المخاطب قد ذاكر ونجح، فالتقرير صحيح بالطبع، وإن كان المخاطب قد ذاكر لكنه لم ينجح فالتقرير خاطئ. أما إن كان لم يذاكر، فسواء نجح أو لم ينجح، فالتقرير نعتبره صادقا- أو صحيحا- لأنه لم يقرر شيئا في حالة عدم المذاكرة. وهذا التقرير يقال له أحيانا: "س كاف لـ ص" أو " ص ضروري لـ س".

والآن فالتقرير " س يضمن ص و ص يضمن س" هو تقرير مركب من التقريرين "س يضمن ص"، " ص يضمن س، ارتباط بحرف العطف "و" وبتطبيق قاعدة الربط بـ "و" يتضح أن هذا التقرير المركب سيكون صحيحا إذا كان كلا التقريرين صحيحا أو كلاهما كان خاطئا، وسيكون خاظئا إذا كان أحدهما صحيحا والآخر خاطئا والمثال هذه المرة: "مذاكرتك تضمن نجاحك، ونجاحك يضمن مذاكرتك" وهكذا يكون التقرير المركب صحيحا إذا كان المخاطب ذاكر ونجح، أو أنه لم يذاكر ولم ينجح. وهذا واضح لأن عدم المذاكرة يضمن من الشق الثاني في التقرير المركب " نجاحك يضمن مذاكرتك" أنه لم ينجح. وهذا التقرير "س يضمن ص و ص يضمن س يقال له أحيانا "س إذا كان وفقط إذا كان ص" أو "س يكافئ ص" أو "س ضروري وكاف لـ ص" وكلها صيغ "متكافئة" متسقة مع المنطق المألوف والشائع بين الناس.

أما التقرير "نفي س" فهو تقرير صحيح إذا كان س خاطئا، وهو خاطئ إذا كان س صحيحا.

وهناك مثال مشهور جدا، نستخدمه كثيرا، بل لقد استخدمناه توا دون أن نلحظ، ذلك هو أن:

التقرير "س يضمن ص" حيث س، ص تقريران، يكافئ التقرير "نفي ص يضمن نفي س".

وهو واضح كذلك من المنطق العادي، إذ أن عدم تحقق ص يؤكد عدم تحقق س، وإلا لتحقق ص! وهذا المثال نعتمده كثيرا في البراهين، ويسمى أحيانا "البرهان بالتناقض".

أغسطس 21, 2007, 09:49:00 صباحاً
رد #3

maths

  • عضو خبير

  • *****

  • 1037
    مشاركة

  • عضو مجلس الرياضيات

    • مشاهدة الملف الشخصي
تطور الفكر الرياضياتي
« رد #3 في: أغسطس 21, 2007, 09:49:00 صباحاً »
وكمثال تطبيقي على ما سبق نذكر هذه المسألة من الحياة اليومية، التي يتأتى حلها باستخدام بعض ما أوردناه:

يعبر رجل سبيلا تفرع إلى سبيلين: إحداهما سبيل رشد وهي يسكنها قوم خير يصدقون الناس الخبر، والأخرى سبيل غي وضلال يقطنها قوم سوء يكذبون الناس الخبر. التقي الرجل فتى عند نقطة التفرع. والمطلوب أن يلقى الرجل على الفتى بعبارة يكون الرد عليها بنعم أو لا، ومن الإجابة يعرف الرجل سبيل الرشاد!

ولنعرض الآن لبعض هذه الأبنية الممكنة لنظرية المجموعات:

لدينا –أولا- الفرض القائل بأن لأي عنصر ولأية مجموعة فلابد أن تتحقق مقولة واحدة بالضبط من المقولتين الآتيتين:

(1) ينتمي العنصر إلى المجموعة.
(2) لا ينتمي العنصر إلى المجموعة.

وكذلك الفرض: توجد على الأقل مجموعة واحدة، ولأي عنصر فإنه توجد مجموعة ينتمي إليها هذا العنصر.

وهناك –ثالثا- فرض "تساوي مجموعتين"، وينص على أن مجموعتين متساويتان إذا كانتا تتألفان من نفس العناصر.

وتعرّف المجموعة الجزئية س من المجموعة ص بأنها مجموعة كل عناصرها تنتمي إلى المجموعة ص.

والآن لدينا فرض رابع، فرض "المجموعة الجزئية"، وينص على أنه إذا كان لدينا مجموعة ما س، وكان لدينا خاصة معينة يمكن التحقق بالنسبة لكل عنصر من عناصر س إذا كان له هذه الخاصة أم لا، فإنه تنشأ لدينا مجموعة جزئية من س، وهي تلك المجموعة التي تتكون بالضبط من كل عناصر س التي لها هذه الخاصة.

ثم نعرف تقاطع مجموعتين س، ص بأنه المجموعة الجزئية من س التي تنتمي عناصرها إلى ص أيضا. ويمكن "البرهنة" –نعم البرهنة- ببساطة على أن هذا التقاطع مجموعة.

وهنا نحتاج إلى فرض خامس: "فرض الاتحاد" ، الذي يقول بأنه لأي مجموعتين س، ص توجد مجموعة تسمى اتحاد س، ص، عناصرها هي بالضبط العناصر التي تنتمي إلى س أو إلى ص. ونلاحظ أننا هنا لا نملك البرهنة على أن الاتحاد بهذا التعريف في هذا السياق مجموعة، نقيض الحال عند التقاطع، ولهذا احتجنا إلى الفرض القائل بأنه مجموعة!

وهكذا دواليك: تعريفات وفروض ثم نظريات. وكما ترى فإن كل هذه الفروض من البدائة التي نحس صدقها، لكننا لا نملك لها برهانا بالمعنى الدقيق لمفردة "برهان" وهذا مستوى من الدقة يوجد ما هو أعلى منه، بل ربما أعلى منه بكثير. وهو الأساس الذي ينبغي له أن يمتد أفقيا، ثم يعلوه بناء كل الرياضيات المعاصرة الشامخ.

كان هذا عن "لغة المجموعات" أساس الرياضيات المعاصرة.

ثم كانت من بعد لغة "الفصائل" أو "المراتب" Categories التي ابتدعها العالم الأمريكي "سوندرز ماك لين Saunders MacLane ، علم أعلام الجبر في القرن العشرين، المولود في "كونكتيكت" سنة 1909، فتقدم لها ببحثه "المشاركة الطبيعية والإبدالية"
Natural Associativigy and Commutztivity الذي ظهر ضمن بحوث مجلة جامعة رايس Rice University Studies المجلد 49 عام 1963، ثم أخرج كتابه "المراتب للرياضي المشتغل" Categories for the Working Mathematician عام 1971، وفيه قدم النظرية بالتفصيل، وجب كل ما كتب عنها منذ عام 1963 (عام إنشائها)، إلى عام 1971، عام ظهور كتابه.

ولغة "المراتب" تتعامل مع المجموعات، وكل البنى الجبرية مثل "الزمر" Groups ، والحلقات Rings والمعدلات Modules و" الفراغات الخطية" Linear Spaces
، و... و.. بطريقة فرقية، فهي تضع النظريات العامة التي تصلح لكل هذه الأبنية، مع التفرقة بينها حين تجب التفرقة بطبيعة الحال. ولم تكن قيمة هذه النظرية في قدرتها الفائقة على "التجريد" وحسب، بل كانت المفارقة الكبرى أن ظهرت تطبيقات هذه اللغة، وفي علوم الحاسبات على وجه الخصوص!!

أغسطس 21, 2007, 09:49:41 صباحاً
رد #4

maths

  • عضو خبير

  • *****

  • 1037
    مشاركة

  • عضو مجلس الرياضيات

    • مشاهدة الملف الشخصي
تطور الفكر الرياضياتي
« رد #4 في: أغسطس 21, 2007, 09:49:41 صباحاً »
نقول إن الرياضيات المعاصرة لن تأتي –بالطبع- بجدول جديد للضرب، لكن أسلوبها ومنهجها –كما ذكرنا- في معالجة القضايا المطروحة من قبل، أو التي لم يسبق طرحها، بأسلوبها المتميز بالدقة الشديدة عند تعريف مفرداتها أو عرض مفاهيمها، لكن-من أسف- أنه ليس من شك في أن "مشكلة الرياضيات المعاصرة" قائمة في بلادنا العربية، وجذورها غائرة في المدرسة الثانوية، بل والإعدادية (المتوسطة)، قبل الجامعة، ومظاهر هذه المشكلة متعددة ابتداءا بما يواجهه طلابنا المبتعثون عند التحاقهم بالجامعات الأوروبية والأمريكية، وانتهاءا بإنتاج أساتذتنا المحدود: كما وكيفا وأصالة.

وقد صار تدريس الرياضيات وتطويرها في بلادنا العربية –جامعات ومدارس- كما رآها كاتب هذه السطور وعايشها، إذ شاء له ربه أن يعمل بجامعات عربية متعددة، في خطوط متوازية- غالبا- قد يعلو خط على خط لكن البعد بين الخطين –في الأعم- ليس هائلا، لكنه في نفس الوقت ليس مهملا.

وكان التطوير في أحيان كثيرة في مدارسنا العربية- وهو أساس للدراسة بالجامعة فيما بعد- مثيرا للتساؤل، عما إذا كان بهذه الشاكلة يفي بالمطلوب، ذلك أنه قد انحصر فيها في التعرف على أبجديات لغة المجموعات، ثم التعامل معها كمسائل حسابية ليس غير!! أما في الهندسة التحليلية المستوية فقد استبدل حساب المتجهات بطرائق الحساب التقليدية، وكفى الله المؤمنين القتال!!

إذن فهو تطوير في "المسميات" وفي هوامش ضيقة جدا. ونحن نفهم –طبعا- أن سببا رئيسا من أسباب هذا القصور-أو حتى العجز- في التطوير كان يمكن أن يكون في إعداد مدرس الرياضيات المعاصرة، الذي لم يدارسها بالجامعة ليس بالأمر السهل أو الميسور، ولا هو بالأمر الذي يمكن إنجازه بسرعة. لكن ما يمكن أن نتعلل له به وقد أصبحت الكثرة الكاثرة من مدرسينا قد درست بالجامعةشيئا من الرياضيات المعاصرة يغطي مساحة لا بأس بها إطلاقا بالقياس إلى ما هو مطلوب لمدرس المرحلة الثانوية؟!

وصحيح أن مدرس الرياضيات في بلادنا- في الأغلب الأعم- ليس هو "ألرجل الأمثل" الذي يمكن أن يناط به مثل هذا العمل بالغ الدقة، فهو –غالبا- لم يختر دراسة الرياضيات عن حب –أو حتى عن قناعة- وإنما كانت دراسة الرياضيات بالنسبة له هي أفضل المتاح في تصوره، أو تصور ذويه، أو ربما تصور مجتمعه بأسره، وفقا لمجموع درجاته الذي اجتازه في امتحان الثانوية العامة، هو في المعتاد ليس مجموعا جيدا جدا، صحيح كل هذا، لكن الصورة في مجملها ليست بالغة القناعة. ولقد كان يمكن أن يكون التطوير أعمق مما تم بدرجة ليست مهملة، ونعني بأعمق أن يتجاوز التطبيقات الحسابية لتلك المفاهيم المجردة إلى الغوص تحت المفاهيم، وتعلم كيفية تلمس الطريق إلى البناء المجرد، بدءا بالتعريفات، ثم تبني المسلمات والفروض، ثم انشاء النظريات والقوانين. بعبارة أخرى، تكوين عقلية علمية رياضياتية، وليس عقلية حسابية مهما كانت مهاراتها في الحساب- كما هي الحال الآن- وكما نرى صورتها بجلاء في امتحانات الثانوية العامة في كثير من بلادنا العربية.

وبعد،،،

فيقول بعض الناس: "إن الصراع بين القديم والجديد أزلي، ولكن الغلبة دائما للجديد".. ويعتقد كاتب هذه السطور أن هذا القول به حاجة إلى تقييد، فما كان القديد الواعي دائما يناجز الجديد الجيد، ولا كان أبدا له خصيما، ولم يكن الجديد دائما أفضل من القديم! لكن العبرة بالأنفع، "فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" صدق الله العظيم. ولقد قاوم "بعض" ونؤكد "بعض" وليس "كل" فالذين ابتدعوا الرياضيات المعاصرة كانوا في الأصل من أهل الرياضيات التقليدية، الذين حذقوها وتمكنوا منها، وبلوا حلوها ومرها فوقفوا على عوارها ومثالبها –نعم، لقد قاوم بعض أهل الرياضيات التقليدية الرياضيات المعاصرة، ولكنها ثبتت لهم وصمدت، ثم طلعت علينا –بأخرق- في بلادنا، قلة قليلة من شباب أهل الرياضيات، وهم محسوبون على الرياضيات المعاصرة، ذلك أنهم تلقوا تعليمهم وإجازاتهم في الجامعات الأوروبية والأمريكية، واجتازوا درجاتهم العلمية في موضوعات ليست منبتة الصلة بالرياضيات المعاصرة، لنقول إنه من السخف أن الأوروبيين والأمريكيين قد نكصوا على أعقابهم، وتراجعوا عن الرياضيات المعاصرة إلى التقليدية، بعدما ثبت فشل المعاصرة!! ولا ندري والله كيف يكون هذا الفشل؟!

لقد كان البقاء دائما للأصلح، وستبقى الرياضيات المعاصرة أمرا يعلمه علام الغيوب، إلى أن تصبح بدورها تقليدية، وتحل محلها رياضيات معاصرة، بلغة مقبل الزمان وقادم الأيام.. سنة الله في كونه، ولن تجد لسنة الله تبديلا.