السلامـ عليكمـ ,,
مقــــــــــال بــــ ع ــــنوان >>>
*&* كيميــــــــــــــــاء الفــــــــــــــراغ *&*
>>> كان عالم الفلك جوهانز فرانز هارتمان 1904 يدرس التوزيع الطيفي للنجم الثنائي دلتا اوريونيس وهو عبارة عن نجمان قريبان جدا من بعضهما بدرجة كبيرة بحيث يبدوان كجسم واحد بالتلسكوب ولكن النجمان يدوران حول بعضهما فانه دائما يقترب احدهما من الارض بينما يبتعد الآخر . وكان لكل نجم منهما خطوط طيفية بحيث عندما يبتعد الاول تقترب خطوط طيفه من الطرف الاحمر للضوء المرئي بينما تقترب خطوط النجم المقترب من النهاية البنفسجية . ومع تبادل حركة النجمين تتبدل ايضا اطيافهما .
غير ان هارتمان لاحظ وجود خطا طيفيا لا يتحرك وكان هذا الخط يمثل ذرات عنصر الكالسيوم ولما كان الخط لا يتحرك مع حركة النجمين فهذا يعني ان الكالسيوم ينتمي لشيء ثابت ومستقر مثل تلك السحابة الرقيقة من الغاز الفضائي الموجودة بين النجوم والارض وبهذا كان لهارتمان اول اكتشاف لعنصر من عناصر الغاز الفضائي . ولم تلق هذه النتيجة قبولا مباشرا لا سيما في ظل وجود نتائج متناقضة ناجمة عن دراسات اخرى وتعددت النظريات وتباينت الى ان جاء عالم الغلك الانجليزي آرثر ستانلي ادينجتون 1926 واثبت بما لا يدع مجالا للشك ان التفسير القائل بوجود غاز فضائي تفسير صحيح وكان قد تم في هذه الاثناء رصد انواع اخرى من الذرات في الغاز الفضائي مثل ذرات الصوديوم والبوتاسيوم والتيتانيوم . غير انه كان قد عرف في نفس الوقت ان الهيدروجين هو العنصر الغالب في الكون ونسبته 90% ويمثل الهيليوم 9% اما سائر العناصر الاخرى مجتمعة فهي لاتزيد عن 1% على اقصى تقدير .
ولعلنا نسأل كيف يرصد العناصر الموجودة بكميات ضئيلة ولا يرصد العناصر الاخرى الغالبة ؟؟. والاجابة بسيطة فمن شأن ذرات العناصر مثل الكالسيوم ان تمتص بعض من اشعة الضوء باطوال موجية معينة ومميزة وتلك الخاصية لا يتصف بها الهيدروجين والهيليوم ولذلك تظهر عند دراسة طيف الضوء المرئي خطوط سوداء مكان اشعة الضوء التي امتصتها ذرات الكالسيوم والذرات الاخرى الموجودة في الفراغ . اما لو كان الوسط خاليا من اية ذرات بخلاف الهيدروجين والهيليوم فلن تظهر مثل هذه الخطوط في الطيف . غير انه يمكن رصد الهيدروجين في حالة واحدة عندما يكون الهيدروجين موجودا على هيئة ايون موجب بفعل طاقة نجم ساخن قريب ويحدث ان يعود هذا الايون للاتحاد مع الكترون مما يسفر عن انطلاق الكم من الطاقة الذي تسبب في فصلهما وهذه الطاقة هي التي يمكن رصدها . وقد رصدت مثل هذه الاشعاعات المنبعثة من ايونات الهيدروجين في السدم المضيئة كما امكن استخدامها لدراسة النجوم الساخنة حديثة التكوين والتي تزخر بها الاذرع اللولبية للمجرات حيث ان الاشعاعات المكثفة والمنبعثة من هذه النجوم قد اوجدت قدرا ضخما من ايونات الهيدروجين في مساحات تمتد لسنين ضوئية حولها . وفي عام 1951 . نجح عالم الفلك وليم ولسون مورجان في اجراء عملية مسح للمنحنيات التي تشكلها ايونات الهيدروجين وفي تحديد معالم الاذرع الحلزونية لمجرتنا والتي تقع الشمس في احدها .
وكان يعتقد حتى ذلك الحين ان مجرة درب التبانة تتسم كلها بشكل حلزوني وكانت هذه هي المرة الاولى التي يساق فيها دليل مباشر على وجود الاذرع .
وفي عام 1944 اثبت فلكي هولندي شاب يدعى هندريك كريستوفل فان دي هولست ان الطاقة عندما تكتسب ذرة هيدروجين بفوتون ضوئي فتمتصه ثم تطلقه يكون على هيئة فوتون ميكروويف يصل طول موجته الى 21 سم وتبلغ هذه الطاقة 40 على مليون من مقدار الضوء المرئي وتطلق كل ذرة هيدروجين مثل هذا الشعاع كل مليون سنة في المتوسط ولكن بحساب العدد الضخم من ذرات الهيدروجين المنتشرة في الفضاء الخارجي يمكن في أي لحظة رصد عدد ملموس من هذه الفوتونات الضعيفة لم تكن قبل الحرب العالمية الثانية قد ابتكرت بعد ولكن قبيل الحرب مباشرة اخترع الرادار وطرأ عليه خلال سنوات الحرب تطور كبير ولما كان الرادار يعمل اساسا بحزم الميكروويف فقد حدث تطور تكنولوجي ضخم في رصد هذه الموجات واصبح علم الفلك القائم على الراديو حقيقة عملية .
وباستخدام هذه التقنيات الجديدة تمكن العالم الامريكي ادوارد ميلز بورسيل 1951 من رصد تلك الاشعاعات التي يبلغ طول موجاتها21 سم ولقد انفتح الباب لدراسة الهيدروجين البارد وامكن ذلك جمع حجم ضخم من المعلومات الجديدة عن المجرة .
وفي عام 1966 رصد علماء الفلك الامريكيون في جامعة شيكاغو نوع من الاشعاعات التي يبلغ طول موجته 91 سم وقد اعزوه الى وجود الديوتيريوم او الهيدروجين الثقيل واصبح معروفا الآن ان الديوتيريوم يشكل 5% من الهيدروجين الفضائي وفي نفس العام رصد العلماء السوفييت رصد شعاع الميكروويف الخاص بذرات الهيليوم .
وقد تبين بعد ذلك ان الذرات الاثنا عشر الاكثر شيوعا في الكون وبالتالي في الغاز الفضائي وفقا للترتيب التنازلي لدرجة شيوعها هي :
الهيدروجين , الهيليوم , الاكسجين , النيون , الينتروجين , الكربون , السيليكون , الماغنيسيوم , الحديد , الكبريت , الارجون ,و الالومنيوم .
ويشكل الهيدروجين والهيليوم 99% من الذرات في الكون وبخلاف هذين العنصرين يمثل الذرات العشرة الاخرى ما يربوا على 99.5% من بقية الذرات في الكون بمعنى ان اية ذرات بخلاف الانواع الـ 12 المذكورة تقل 1 الى 20 ألفا ولذلك يمكن تجاهلها تماما . والآن يبقى سؤال هل يمكن ان تتواجد ذرات عناصر الغاز االفضائي مفردة ام يمكن ان تتحد او تندمج ذرتان او اكثر على هيئة جزيء ؟؟
ان عملية الاندماج تستوجب اولا تصادم الذرات ببعضها غير ان المسافات الشاسعة التي تفصل بين الذرات المنفردة في الفراغ الفضائي تجعل مثل هذه الحالات نادرة الحدوث ومع ذلك فهي تحدث .
سوف نتفق اولا على استبعاد أي ذرات من الاثنا عشرة ذرة المذكورة آنفا .
وسوف نستبعد ايضا ثلاثة انواع من الذرات من قائمة الـ 12 وهي الهيليوم والنيون والآرجون باعتبار انها لاتميل للاتحاد وبالنسبة للذرات السيليكون والماغنيسيوم والحديد والالومنيوم فليس من شأنها الاتحاد لتكوين جزيئات ولكن تميل لاضافة المزيد والمزيد من نفس الذرات نفسها او الاتحاد فقط مع ان تكون جزيئات حقيقية وبواسطة طرق الرصد الطيفية العادية امكن رصد جزيئات السيانيد CNوالميثين CHوالميثين الموجب CH+ ولو ان هذه الاندماجات الثلاثة حدثت على الارض لما بقيت على حالها .
كما اعلن عالم الفلك السوفيتي ايوزيف صمويلوفيتش شكلوفيكسي عام 1953 ان ذرات الاكسجين تفوق في شيوعها كل من الكربون والنيتروجين بحيث ان نسبة الهيدروكسيل OH الناشئ عن الاندماج تفوق نسبة السيانيد والميثين .
ويميز الهيدروكسيل بالنشاط وعدم الاستقرار ولا يوجد على بهيئته هذه ولا مجال لوجوده الا في الغاز الفضائي .
وقد تم بعد ذلك رصد عدة جزيئات ثنائية الذرات ليصبح عددهم 13 هم :
H2,CO,CH+,CH,CN,CS,CC,OH,NO,NS,SO,SiO,SiS
وفي عام 1968 جاء رصد جزيء الماء وجزيء الامونيا الامر الذي ارسى العلم الجديد المعروف بالكيميائية الفلكية . وتتالى بعد ذلك اكتشاف العديد من الجزيئات التي تضم ثلاثة و اربعة ذرات في الغاز الفضائي معظمها يحتوي على الكربون ويبلغ عددها مجتمعة 22 وتشمل احصائيات اخرى ان هناك 24 نوعا من الجزيئات التي تحتوي على اكثر من اربعة ذرات ويضم اضخمها على 13 ذرة منها 11 ذرة كربون وذرة هيدروجين في طرف وذرة نيتروجين في طرف آخر .
وتجدر الاشارة ان ذرات الكربون تنتشر بشكل ملحوظ في كل الجزيئات التي تحتوي على ثلاثة ذرات او اكثر .
ومن غير المستبعد ان تكون هناك جزيئات سكر بسيطة او احماض امينية شاردة هنا وهناك تحجبها سحب الغاز الضخمة التي تقاس أبعادها بالسنين الضوئية . ومن هذه الرؤيا يعتقد العالم البريطاني فريد هويل انه يوجد جزيئات في السحب الفضائية تبلغ حدا من التعقيد يكفي لان تكتسي بعض خصائص الحياة غير ان هويل ما زال في اطار هذا الفكر يشكل اقلية قد لاتتجاوزه هو شخصيا من بين العلماء .
المصدر >> كتاب العلم وآفاق المستقبل /اسحق عظيموف
ترجمة د/السيد عطا
'>
