Advanced Search

المحرر موضوع: قراءة في فضاءات بعض المفاهيم المساعدة في الكشف عن  (زيارة 2132 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

أكتوبر 20, 2009, 02:00:38 صباحاً
زيارة 2132 مرات

هشام -م

  • عضو مساعد

  • **

  • 209
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
السلام عليكم:
الإخوة الكرام: حياكم الله تعالى..


قراءة في فضاءات بعض المفاهيم المساعدة في الكشف عن أسرار الكون


الحمد لله رب العلمين, الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرسول المصطفى, وعلى آله وأصحابه أجمعين الشرفا, ومن تبعهم بمحبة وإحسان إلى يوم الجزاء والوفا. وبعدُ؛
فإن هذا المخلوق الإنسان الذي لم يشهد خلق السماء التي تظله ولا الأرض التي تُقله ولا خلق نفسه, لا يفتأ يشحذ الذهن ويستنهض الهمم ويُنعم النظر في أرجاء هذا الكون المترامي الأطراف, غائصاً في لججه ومحلقاً في سمائه, باحثاً منقباً عن مكنوناته وعن الأسس والضوابط التي ينطوي عليها هذا النظام البديع الفريد, الذي يعجز عن عدّ أفراده الحاسبون ويحار في وصفه الواصفون, ليحقق بذلك ما يصبو إليه من كشف أسرار الكون والوقوف على مبدئه ومنشئه.
ولَمّا أدرك هذا الإنسان أن السكون والحركةُ هما المحورين الرئيسين اللذين يدور حولهما كل ما في هذا الكون من مادة وطاقة مرصودتين وغير مرصودتين؛ أيقن أن معرفته وفهمه لبنية ومَوران هذا الكون بكافة جزئياته وكلياته, وإحاطته بمختلِف مكوناته, منوطان بدرجة فهمه وإدراكه لطبيعة الحركة وهيئتها ووصفها وتأثيرها. فلا عجب, والحال هذه, أن نتخذ من مدى فهم الإنسان للحركة وقدرته على التعامل معها, معياراً لسُلم تطوره العلمي والمعرفي في سبر أغوار هذه الكون العظيم. وما الثورة العلمية الكبيرة التي وضع بذورها العالم إسحاق نيوتن في قوانينه الثلاثة في الحركة, إلا شاهد حي ينطق بذلك. فالحركة التي هي: "انتقال الجسم من حال إلى حال" تفرض على الناظر فيها معرفة ودراسة الجسم قبل الحركة المرصودة وبعدها, ليخرج بالأثر الذي تتركه الحركة على هذا الجسم, ومن ثَمّ يصف الأسس والقوانين والضوابط التي تحكم العلاقة بينهما.  
وقبل الخوض في بعض المفاهيم التي تُسهم في إظهار أثر الحركة في الأجسام, تجدر الإشارة إلى المعنى العام الذي يحمله لفظ (جسم) احترازاً من الإشكالات التي قد تلحق بمعنى هذا اللفظ جراء الغموض والتشويش الذي يكتنف التعاريف المتعددة لكلٍّ من المادة والطاقة (والكتلة)؛ فالجسم هو: "كل ما يشغل حيزاً في الوجود" وهذا يعني أن لفظ الجسم بإطلاق يدل على المادة والطاقة (والكتلة) مهما كان وصف إحداها, مادامت تشغل حيزاً. وبالاستقراء يظهر لنا أن أيّ جسم مرصود في هذا الكون مهما تصورنا عظمة وكِبر حجمه, ومهما تخيلنا ضآلة ودقة ورقة بنيته, فإنه يشغل دائماً حيزاً بثلاثة أبعاد (طول وعرض وارتفاع – ثخانة-) لا تزيد ولا تنقص عنها بحال من الأحوال؛ ولذلك فقد أخطأ خطأً فاحشاً كلّ من افترض وجود أجسامٍ (كائنات) ببعدين فقط, للاستدلال بها على وجود أربعة أبعاد أو ستة أو عشرة ...إلخ  ولاشك أن منشأ هذا الوهم والخطأ يكمن نتيجة التداخل لديهم بين مفهومي الجسم فيزيائياً- واقعياً- والنقطة ذهنياً.

بعض المفاهيم الأولية التي تساعد على تعيين أثر الحركة في الأجسام:
إن عدد الأجسام التي لا يمكن لمخلوق حصرها وإحصاؤها في هذا الكون, إضافة إلى تشعب التأثيرات المتبادلة فيما بينها, يفرضان على مَن يجتهد للإفادة من عطاءات الكون وتجنب أخطاره, التغلغلَ بين ثناياه ورصدَ دقائقه واستنتاج خباياه؛ وهذا لا يتأتى له, مع هذا الكم الكبير جداً من الموجودات, إلا من خلال البدء في معالجة أبسط صورة ممكنة له وتسجيل تأثير الحركة على الأجسام فيها. وقد أُلهِم الإنسان, عند البحث في ذلك, إلى تصور فراغ أو خلاء تام, وإلى حمل ذهنه على وضع الأجسام فيه تترى, ليتسنى له النظر والتمحيص واختبار تأثير الحركة بمختلف صفاتها في الأجسام شيئاً فشيئاً. ثم انقدح في ذهنه, كي يختبر تأثيرات صور الحركات على كل بُعدٍ من الأبعاد الثلاثة للجسم على حدة, فرضُ شيء وهمي (ذهني) مجرد من الأبعاد, بحيث يُنسَب إليه بُعدٌ إثر آخر من الأبعاد الثلاثة, بحسب مطلب الدراسة؛ واتُفق على تسمية هذا الشيء الذهني بـ (النقطة الذهنية). وكما أن الأعدادَ لا تعدو عن كونها صوراً ذهنية لا وجود لها في ذاتها, وإنما تأخذ معناها مما يُضاف إليها (خمسة أقلام وخمسة مُدن وخمسة نجوم...) فكذلك النقطة الذهنية تأخذ مفهومها مما يضاف إليها. فالنقطة الذهنية هي: " صورة ذهنية, عديمة الأبعاد, لا وجود لها في الخارج, تأخذ مدلولها مما يُسند إليها" ومنها جاء مفهوم (الجسيم النقطي) وهو: "تصور ذهني لجزء دقيق من المادة, لا أبعاد له, يأخذ مدلوله مما يضاف إليه " فهو لا وجود واقعي له, ولكنه يفيدنا في تبسيط وتحليل بنية الجسم الواقعي ودراسة الآثار الطارئة عليه. ولابد من التأكيد هنا على أن (النقطة المادية, أو الجسيم المادي) الذي تتألف منه الخطوط والسطوح الواقعية, يختلف عن (النقطة الذهنية, أو الجسيم النقطي) اختلافاً جوهرياً, إذ إن النقطة المادية هي أصغر جسيم يمكن وجوده بمفرده خارج الذهن, أو هي الجزء الواقعي الذي لا يتجزأ. وأما الجسيم النقطي فهو, كما تقدم, تصور ذهني محض لا وجود له في الخارج.
وفي مقابل الأبعاد الثلاثة التي لا تزيد ولا تنقص في الجسم الواقعي, ظهر لنا بالاستقراء أيضاً, أن أبسط أنواع الحركات إنما هو الحركة المستقيمة المنتظمة؛ بل يكاد يكون هذا النوع من الحركة هو الأبجدية التي تصاغ منها سائر الحركات. ومما يؤكد على دقة هذا الاستقراء وسلامته, أن الحركة المستقيمة المنتظمة, دون سواها من كافة أنواع الحركات, تترك أقل وأضعف الآثار على الأجسام التي تتعرض لها.
وهكذا بدأت تتفتق الأذهان عن المفاهيم الأولية التي تُسعفنا وتساعدنا على استنطاق الموجودات للغة التي تقوم عليها وتتعامل بها فيما بينها (فراغ أو خلاء تام, ونقطة أو جسيم نقطي يأخذ مدلوله مما يضاف إليه, وحركة مستقيمة منتظمة). (1)

المكان والزمان المطلقان:
 إن وجود الأجسام والتغيرات الطارئة عليها, يستلزم لها – مسرح-  يُبرزها للراصد وعدادٌ يعد عليها التحولات؛ لذلك واستكمالاً للمنهج الأم الذي نستشرف أن نرصد بضوابطه مختلَفَ التغيرات الحاصلة في الأجسام, اشتُق من خلال المفاهيم المتقدمة, مفهومي المكان المطلق والزمان المطلق. أما المكان المطلق؛ فهو: " الفراغ أو الخلاء التام - الساكن أبداً- الذي تتمايز الأجسام وأجزاؤها بموجَبه" وذلك انطلاقاً من المفهوم العام للمكان الذي يدل على أنه الحاوي للأشياء المغايرة له, وهو بهذا يكون متجانساً لا فجوة فيه, لا يؤثر ولا يتأثر بغيره. ولَما كان
 مفهوم الزمان عموماً يدل على الحركة الدائمة المستقلة بنفسها, فإن الزمان المطلق يدل على أنه: " النقطة الذهنية التي تتحرك أبداً أسرع حركة ثابتة مستقيمة منتظمة". وعليه؛ فإن المكان والزمان الفيزيائيين مفهومان ذهنيان مجردان مطلقان مستقلان, لا يؤثر ولا يتأثر أيّ منهما بغيره؛ وإنه لا يمكن أن يوجد جسم إلا في المكان المطلق ولا يمكن أن يسبق الجسمُ أو يساوي سرعةَ الزمان.

السكون والصفر المطلقان:
يشير المعنى العام للسكون الذي هو ضد الحركة, إلى أن السكون المطلق هو: " شيء لم يطرأ عليه أدنى انتقال من حال إلى حال أبداً" وهذا المعنى لم تُسفر أرصادنا, خلال آلاف السنين, عن وجود لصورته إلا في الذهن, فهو مفهوم ذهني مجرد أيضاً, وهذا يعني أن السكون النسبي – بين المتحركات- متحرك بالنسبة إلى السكون المطلق.
وعلى نحوٍ من ذلك يدل مفهوم الصفر المطلق, فهو: "خلاء تام تتمايز أعداد المقادير والكميات بموجَبه" فليس هناك أعداد سالبة بالنسبة إلى الصفر المطلق, وإنما كافة الأعداد  بالنسبة إليه موجِبة؛ ولا يفصل بين كل عددين متتالين في سلسلة الأعداد فاصل, فهي (كَمَّات) لا تتجزأ مستقلة تبدأ بالواحد, ثم كل عدد في هذه السلسلة يزيد واحداً عما قبله (1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8, 9...) وأما الكسور فهي كناية عن المجموعات الصغيرة من هذه الكمات داخل المجموعة الكلية للكمات المحصورة في الشيء محل الدراسة. فمثلا: إنّ كل درجة من درجات السلّم الذي نستخدمه في حياتنا اليومية, كمة بالنسبة إلى السلم؛ ولا يمكن لأحدنا أن يدعي أنه يقف فوق الدرجة السادسة ونصف الدرجة أو ثلثها أو ربعها... من السلم. ولو وضعنا على السلم درجات تمثل النصف والثلث والربع للدرجة السادسة فحسب, لكانت هذه الدرجات- كمات – مستقلة, تدل على عدم تناسق ترتيب درجات السلم. وأما (الواحد سنتمتر) فلا يمكننا أن نَصفه (كمة) بالنسبة إلى موضعه في المسطرة المترية, لأنه مجزأ فيها إلى نصف وخمس وعشر... ولذلك نحن نضطر دائماً في موضع الدراسة إلى استعمال وحدات بالغة الصغر لا تتجزأ كـ(الميلي والنانو والفيمتو والآتو ...).
وخير دليل على أن الأعداد التي نرمز إليها في مفاهيمنا بـ"السالب" و "الصفر النسبي" (وهو المَعلم – الاختياري- الذي يوضع بين صفتين متباينتين لأفراد من جنس واحد) خير دليل على أنهما موجبان بالنسبة إلى الصفر المطلق, مدلول (- 272 درجة مئوية) الذي يساوي واحد (كلفن) من الصفر المطلق, ومدلول (الصفر في درجة الحرارة المئوية) الذي يساوي (273 كلفن) بالنسبة إلى الصفر المطلق. وأيضاً من أمثلة السالب النسبي الذي هو موجب بالنسبة إلى الصفر المطلق, رمز شحنة الإلكترون.
 فرمز السالب والموجب في الكميات والمقادير يدل في مفاهيمنا على موقع هذه الكميات والمقادير فقط من الصفر النسبي الذي منه جاء مفهوم (صفر تقسيم صفر يساوي معنى غير معين). وأما الصفر المطلق؛ فلا يدخل في أي عملية حسابية, لأنه مغاير للأعداد.
وبناء على ذلك يمكننا أن نقول: إن المكان المطلق والسكون المطلق والصفر المطلق, ألفاظ متعددة لمسمى واحد باعتبارات متعددة.
  
اللانهاية:
يأخذ لفظ اللانهاية تصور معناه من "تكرار الشيء دون توقف" ومن تمام المعنى أن يكون المكرر مطابقاً للأول من جميع الوجوه. ومن الناحية الذهنية فإنه يمكنني أن أكتب (100) ثم أزيد من الأصفار في هذا العدد ما حييتُ, بل وأستدعي كل مخلوق ليفعل ما أفعل ثم نضم ما يتحصل عندنا إلى بعضه ونرصفه عن يمين الواحد لنملأ به الآفاق... فلن ينتهي هذا الأمر إلا بانتهائنا جميعاً؛ وكذلك يمكنني أن أكتب (0.01) ثم أزيد من الأصفار بين الواحد والفاصلة ما حييتُ... ولن ينتهي هذا الأمر إلا بانتهائنا جميعاً. ولكن هذا الأمر غير متحقق في الواقع, لأننا سلمنا بالشيء المنتهي في الصغر وهو وجود الجزء الذي لا يتجزأ (الجسيم الأولي) ولأنه لو كانت الجسيمات الأولية تتكرر بلا انتهاء, للزم أن تكون جميعها متلاصقة متراصة ولا يفصل بينها أي فاصل, وتكون ساكنة مطلقاً (فتناظر بذلك المكان المطلق) وهذا ما يخالف الواقع كل المخالفة. وعليه؛ فإن مفهوم اللانهاية الواقعي يدل على " تكرار الشيء مع التوقف".
وإن عدم استطاعتنا أن نعدَّ شيئاً تكرر ثم توقف, يدل على عجز وقصور أدواتنا عن ذلك, وليس عن كون هذا الشيء غير محصور وغير قابل للعد. فمثلاً:عندما نبحث عن الأجزاء بين تدريجتين في المسطرة (أي: بين عددين متتاليين منها) فإننا من الناحية الذهنية قد نذهب في تجزئة هذه المسافة إلى اللانهاية الذهنية, لأن النقطة الذهنية لا أبعاد لها؛ في حين أن المسافة في الواقع منتهية, لأن الجسيمات الأولية التي تشغل, أو التي من الممكن أن تشغل هذا الحيز من المسطرة, موجودة محصورة ويمكن عدها, وقد عجزنا عن عدها ومعرفة حدها نتيجة قصور أدواتنا عن ذلك. ومن هنا كانت أدوات القياس وضوابطها, وكان السعي الحثيث لتحسينها على الدوام وإدخالها أدق المسافات, أحد أهم عناصر التقدم والتطور العلمي والمعرفي.

الفضاء – المنحني- :
الفضاء لفظ يدل على الخلاء النسبي؛ فيدل على الساحة وما اتسع من الأرض, ويدل على ما بين السماء والأرض بقرينة. والفضاء في الاصطلاح الهندسي- الذي جاء منه مفهوم الهندسة الفراغية- يدل على "الفراغ أو الخلاء المحدود" فهو ذو ثلاثة أبعاد, ويأخذ اسمه من صفته الخارجية, أي: من هيئات السطوح التي تحده- تحيط به -. فداخل كل من الأشكال الهندسية للمكعب والاسطوانة والهرم والكرة... فضاء خال ذو ثلاثة أبعاد. ولا يمكن للسطوح الخارجية أن تُهيمن على فضاءات هذه الأشكال وتُكسبها أوصافها, لأن داخل كل فضاء مَرْكز تمتد منه ثلاثة محاور مستقيمة إقليدياً متعامدة مثنى مثنى, بوساطتها تُحدد أشكال السطوح التي تحيط بهذا الفضاء. وعلى ضوء ذلك؛ فإنه يستحيل أن يوجد فضاء منحنٍ برمته, وإنما هناك فضاء ذو سطح منحن, داخله دائماً خطوط منحنية ومستقيمة إقليدياً. فمصطلح (الفضاء المنحني) لا يدل إطلاقاً على بنية فضاء ما, وإنما يدل على هيئة سطوحه الخارجية وعلى صفة بعض مسارات الأجسام داخل الفضاء, وهذا لا يمكنه بحال أن ينفي إمكانية سلوك الأجسام بداخله مسارات مستقيمة إقليدياً.  

العَطالة:
مهما كان مقدار القوة التي يختزنها الجسم, فإنه لا يستطيع أن يحرك نفسه إذا كان ساكناً, ولا يستطيع أن يغير من حركته إذا كان متحركاً؛ ولكنه يستطيع دائماً أن يدفع عن نفسه القوة الخارجية الموجهة إليه, أو يُقلل من مقدارها. من هذين المعنيين بدأ مفهوم العطالة يشق طريقه الذي اكتملت صورته مع استنتاج التكافؤ بين سكون الجسم وبين حركته المستقيمة المنتظمة بالنسبة إلى السكون المطلق, فغدت العطالة تعرّف بوصف الجسم في المكان المطلق أو المعزول بأنها: "يبقى الجسم المعزول عن أي تأثير خارجي ساكناً, وإذا أثرت عليه قوة تحرك- متسارعاً- وإذا زالت القوة المؤثرة عن الجسم المتحرك تحولت عندها حركته إلى مستقيمة منتظمة". وهذا يعني أن الجسم المعزول يمكن أن يكون ساكناً مطلقاً, ويمكن أن يكون متحركاً حركة مستقيمة منتظمة؛ بل يعني أن الحركة المستقيمة المنتظمة لا تُظهر أثراً في الجسم المتصف بها, مثلما أن السكون المطلق لا يؤثر في الجسم, فهما متكافئان من هذا الوجه؛ وهذا التكافؤ سوغ لاحقاً الاستغناء بهذه الحركة عن المكان المطلق!    
المعلوم أنه يستحيل أن يترك الضدان- السكون والحركة- أثراً واحداً على الجسم نفسه, وهذا يقتضي وجوب وجود أثر في الجسم المتحرك حركة مستقيمة منتظمة يدل عليها. لذا؛ فإنَّ عجْزنا عن إدراك هذا الأثر لا يعني بحال أنه غير موجود, بل لابد لنا من متابعة البحث عنه والوصول إليه مادام هناك تطَلُّعٌ إلى معرفة بداية الكون. وهذه تجربة عقلية بسيطة تدل على ضرورة إيجاد هذا الأثر: لنتخيل وجود جسمين معزولين متساويين من جميع الوجوه عند سكونها, ثم سُجل بينهما حركة مستقيمة منتظمة باتجاه بعضهما بعضاً (وبحسب مدلول العطالة في التكافؤ, فإنه لا يمكن تحديد أيهما الساكن وأيهما المتحرك) فعندما يحدث التصادم بينهما, فإذا ترك كل منهما نفس صورة ومقدار الأثر في الآخر؛ فهذا يعني أنهما كانا متساويين في مقدار الحركة. وأما إذا ترك أحدهما أثراً أكبر على الآخر؛ فهذا يدل على أن أحدهما كان أسرع من الآخر, أو أن أحدهما كان متحركاً والآخر كان ساكناً. إن هذا التردد في تعيين صفة كل جسم بالنسبة للآخر في الحركة المستقيمة المنتظمة ( من تساوٍ في السرعة, وتفاوت فيها, وسكون أحدهما) لتحديد آثاره ومؤثراته, ليدل بجلاء على عدم التكافؤ بين الحركة المستقيمة المنتظمة والسكون المطلق؛ فلزم أن يكون السكون المطلق باستقلاليته هو المرجع في تحديد أثر الحركة المستقيمة المنتظمة, وأثر كل حركة, على الجسم. (2)
وهذا ما يسوغ لنا أن نقول: "الأصل في الأجسام السكون المطلق, والحركة طارئ عليها".

الحركة المستقيمة المنتظمة:
بالاستقراء نجد أنه لا يمكن أن توجد حركة لم يسبقها سكون نسبي أو مطلق, وهذا يعني أن لكل حركة, مهما كانت صفتها, دائماً سرعة ابتدائية, وهذا يدل على أن للحركة المستقيمة المنتظمة سرعة ابتدائية. إن هذا المدلول وما سبقه من استنتاجات لبنى الأجسام من جسيمات أولية (كمّات) تدفعنا جميعها إلى تقرير أن الحركة المستقيمة المنتظمة ليست متصلة, وأنها قد تكون مركبة من تناوبِ تسارع وتباطؤ متساويين في المقدار والاتجاه يفصل بينهما سكون جزئي. وعلى ضوء هذا الاعتبار؛ فإننا نكون على أعتاب مدخل يسعفنا في الولوج إلى جذور الحركة المستقيمة المنتظمة لتحديدها وتعيينها. وعلى ضوئه أيضاً؛ قد نلمح أسباب رصْدنا الشعاع والمادة متلازمين, حيث يصف الشعاع صورة تسارع وتباطؤ الكمة (الجسيم), وتصف المادة صورة سكون الكمة؛ فلا يمكن, والحال هذه, سوى رصد كل منهما بمفرده. وقد نلمح كذلك أن الحركة المستقيمة المنتظمة تؤول إلى السكون نتيجة إضاعتها جزءاً من القوة المكتسبة عند رأس كل تناوب. كما قد نلمح أن الحركة المتسارعة عموماً تنشأ عن ازدياد مقدار كل دورةِ (تسارع وتباطؤ) بالنسبة إلى الزمن والمسافة بين السكنات...

وبعدُ؛ فمادام هناك قضايا ومسائل فيزيائية وكونية عالقة, ومادام العجز والقصور يحيطان بالإنسان من كل جانب, فلن تنقطع القراءات في المبادئ والمفاهيم والمعايير التي يضعها الإنسان لوصف الحركة وتأثيرها على الأجسام.
 والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً وفي كلّ حين.

محمد هشام بن عارف الأرناؤوط


_

(1): ولا يُتصور ههنا أن يغيب عن أذهاننا أن أول أمر جليل تجب مراعاته وأخذ الحيطة والحذر الشديدين فيه, أثناء مراحل البحث والدراسة والاستنباط والاستنتاج من خلال هذه المفاهيم, هو عدم التداخل بين المفاهيم الذهنية المجردة, والموجودات الخارجية- الواقعية-. فحين نقول, مثلاً: إننا نحتاج إلى بُعدٍ واحد فقط لتحديد حركة جسم على خط مستقيم, ونحتاج إلى بعدين فقط لتحديد حركة الجسم على سطح مستوٍ, فإن ذلك كله لا يدل بحال من الأحوال على أبعاد الأجسام المتحركة ولا على أبعاد المُتحرَك عليه؛ وإنما يدل على عدد المعالم التي نحتاج إليها لتحديد أوصاف حركة هذا الجسم (مبدئها ومنحاها وجهتها ومقدارها). فالنقطة المادية الواقعية لها- كما مر- ثلاثة أبعاد واقعية؛ والخط الواقعي يتألف من النقاط الواقعية, وكذلك السطح, ومثله الجسم المتحرك. فحين يتحرك الجسم على – ظهر - الخط المستقيم الواقعي, فإن الجسم بهذه الحركة يشغل أحيازاً متعددة من طول المستقيم, ويشغل عرضه كله دائماً, ولا يشغل شيئاً من ارتفاعه. ولذلك استخدمنا بعداً واحداً فقط من النقاط الذهنية, واحتجنا إلى مَعْلم واحد, لتحديد مقدار طول المستقيم الذي يتحرك على الجسم.

(2): وعلى نحو من ذلك؛ لو تخيلنا أن الجسمين المتساويين من جميع الوجوه, قطاران (أ) و (ب), وأن القطار (أ) ساكن و(ب) متحرك حركة مستقيمة منتظمة بسرعة (1كم/د) بدلالة المكان المطلق, فلو أردنا أن نزيد (1كم/د) إلى سرعة (ب) وأن نحرك (أ) بسرعة (1كم/د), فلا شك أننا نحتاج لرفع سرعة (ب), إلى قوة أكبر من القوة التي نحتاجها لتحريك (أ). ولو افترضنا جسمين آخرين متساويين من جميع الوجوه عند سكونها المطلق, أحدهما داخل (أ) الساكن, والآخر داخل (ب) المتحرك, فكذلك نحتاج لتحريك الجسم داخل (ب) بسرعة (1كم/د) بدلالة (ب) إلى قوة أكبر من التي نحتاجها لتحريك الجسم داخل (أ) بسرعة (1كم/د) بدلالة (أ)؛ وفي هذا دليل قاطع على أن العلاقة بينهما ليست تبادلية, كما نستخدمها في مفاهيم ومعادلات نظريات النسبية جميعها, الكلاسيكية وسواها؛ رغم أن نسبة القوة المستخدمة في القطار (ب) إلى كتلته, تُساوي نسبة القوة المستخدمة في القطار (أ) إلى كتلته, ولكن عند مقارنة القوتين ببعضهما فلاشك أن القوة المستخدمة في (ب) أكبر دائماً من القوة المستخدمة في (أ). وهذا الأمر لا يمكن تغاضيه ولا القفز عليه عند الغوص داخل الجزيئات والذرات, ولا عند البحث عن بداية الكون ونشأته. ومن هنا ذكرتُ غير مرة أن نظريات النسبية (الكلاسيكية وما بعدها) دليل جهلنا المطبق في تعيين الحركة المستقيمة المنتظمة, ولابد لنا, للوصول إلى معرفة بداية الكون, من القضاء على هذا الجهل.
إن أعظم خطأ رُكِّب على هذا الجهل, مفهوم (اللامركزية) في الكون. وأبسط ما يدل على ذلك جواز أن يدعي من يقف على القمر (أن الأرض تدور حول القمر)؛ نعم! مثل هذه الادعاءات تصلح في بناء المفاهيم التي قد تقيد في تعاملنا مع هذه الأجرام, ولكنها لن تفيد مطلقاً في الاستدلال على بداية الكون.