
إن الخطوة الرئيسية التالية في تحويل الحبوب المحمصة إلى فنجان من الإسپريسو تتمثل في استخلاص المكونات الفعالة في القهوة المحمصة المطحونة بالماء الساخن. ويلاحظ أن التآثر بين الماء الساخن ومسحوق القهوة يختلف نوعا ما لدى تحضير القهوة المتقطرة drip coffee عنه لدى تحضير الإسپريسو.
طرائق الترشيح بالفلتر: (الترشيح الآلي، قوارير ميليتا وكيميكس). في هذه التقنيات الشائعة يوضع مسحوق البن الناعم في آنية مبطنة بأوراق ترشيح. وينبغي استخدام مسحوق بن متوسط النعومة في حالة استخدام الفلتر الذهبي ذي الاستعمال المتكرر. وثمة ملاحظتان ينبغي اعتبارهما لصنع قهوة متميزة باستخدام هذه الطرق: أولاهما تبليل ورقة الترشيح بماء ساخن لإزالة طعم الورق، أما الأخرى فهي التأكد من أن الماء المستخدم والقريب من درجة الغليان لا يستغرق أكثر من أربع إلى ست دقائق للمرور عبر مسحوق البن المستخدم بهدف تحقيق مستويات مُثْلى من الاستخلاص extraction. ويمكن التحكم في زمن الاستخلاص لجهاز تحضير القهوة الآلي بضبط كمية الماء، بحيث يستغرق تدفقها فترة الأربع إلى الست دقائق المطلوبة.
المكبس الفرنسي أو قِدْرُ المكبس. يتم في هذا الجهاز نقع القهوة في الماء الساخن قبل ترشيح مسحوقها. ويكون على المرء أن يخلط الماء الساخن مع مسحوق البن الخشن في الوعاء ويتركه منقوعا لفترة تتراوح بين دقيقتين وخمس دقائق تبعا لتركيز القهوة المرغوب. وبعدها يتم ضغط مصفاة مكبس الشبكة السلكية ببطء عبر النقيع، لفصل ثُفْل القهوة في قاع الوعاء.
الطريقة التركية. خلافا للطرائق الأخرى لتحضير القهوة، يُستحسن في هذه الطريقة غلي القهوة غليا خفيفا. تخلط كميات متناسبة من البن المطحون والماء والسكر في وعاء خاص يسمى إبريقا ibrik، يوضع هذا الأخير على النار مباشرة. ويحرك الخليط ببطء حينما يبدأ بالغليان، يوقف التحريك حينما لا يعود مسحوق البن يلتصق بالملعقة. وحالما يبدأ الخليط بالغليان وترتفع رغوته، يزاح الإبريق عن مصدر الحرارة، وينقر للتقليل من ارتفاع الرغوة نوعا ما. تكرر هذه العملية مرتين إضافيتين على الأقل، للحصول على شراب غليظِ القوام حلوِ المذاق
فعند تحضير القهوة المتقطرة بالترشيح (بالفلترة) يمر الماء الساخن عبر تجمع مفكك من مساحيق البن ذات الحجم المتوسط. وأثناء الدقائق الأربع أو الست من التلامس مع الماء المُغْلَى، تنتقل معظم المواد الذوَّابة الموجودة في البن المحمص إلى المحلول. وهكذا، فإن كميات كبيرة من الحموض العالية الذوبان والكافئين تذوب وتستقر في الفنجان. وعلى النقيض من ذلك فإن الزمن القصير لتخلل percolation الماء عند تحضير الإسپريسو يسمح بذوبان كميات قليلة من الحموض وما بين 60 و 70 في المئة فقط من الكافئين.
يحتاج إعداد الإسپريسو إلى جهاز خاص يستطيع تسخين الماء إلى درجة حرارة تتراوح بين 92 و 94 درجة مئوية، وزيادة ضغطه إلى تسعة ضغوط جوية. فالبن المطحون إلى حبيبات ناعمة أو متوسطة الحجم يوضع في سلة مثقبة ثم ترص بقوة لتكوين طبقة متماسكة من الحُبيبات التي يلتصق بعضها ببعض بفضل الغلاف الزيتي الرقيق الذي يحيط بها، والذي تعادل لزوجته لزوجة العسل. ويقوم الزيت بربط الحبيبات بعضها ببعض لتحصر بينها شبكة من الممرات الهوائية الدقيقة. لقد دلت التجارب على أن المقاومة الهدروليكية لطبقة مسحوق البن هذا لا بد أن تَقِلّ قليلا عن ضغط بخار الماء الذي يقوم بعملية الاستخلاص، الأمر الذي يسمح للماء بالانسياب عبر المسحوق بمعدل يقرب من ملّيلتر في كل ثانية.
ويُوصَى بأن تستمر عملية تخلل الماء لفترة 30 ثانية يتمكن خلالها القَهْوَجي (صانع القهوة) barista المتمرس من إنتاج 30 مليلترا من مشروب قهوة كثيف مغطى بكريما جيدة تماما. فإذا كان لون الرغوة السطحية خفيفا، فإن هذا يعني أن الإسپريسو لم تُستخلص جيدا، وقد يعود ذلك لخشونة حبيبات البن المطحون أكثر من اللازم، أو لانخفاض درجة حرارة الماء عما ينبغي، أو لقصر مدة الاستخلاص. أما إذا كانت الكريما قاتمة اللون جدا وفي وسطها «فجوة»، فمن المحتمل أن تكون حبيبات البن بالغة النعومة أو تكون كميتها أكبر من اللزوم. إن المبالغة في استخلاص الإسپريسو تؤدي إلى تكوين زبد أبيض به فقاعات كبيرة وذلك إن كان الماء فائق السخونة، أو إلى تكوين بقعة بيضاء في مركز سطح الفنجان إذا طال زمن الإعداد لفترة كبيرة.
وكذلك تؤدي عملية تخلل الماء إلى حمل المكونات الموجودة على سطح حبيبات البن المطحونة، بما في ذلك الزيت المشبع بعطر القهوة ومعه أجزاء من البنية الخلوية. ويؤدي الضغط العالي المتولد في آلة الإسپريسو إلى استحلاب emulsifies كمية صغيرة من الزيوت، نحو 0.1 غرام في كل فنجان. وتسبب الخلايا السليمة في مسحوق البن فورانا ناعما ينشأ عن الغازات (وبخاصة ثنائي أكسيد الكربون) التي تمر عبر ثقوب دقيقة في جُدُر الخلايا، وكذلك قد تشق بعض الحبيبات المتناهية الصغر طريقها إلى المشروب بصحبة شُدَف fragments من جُدُر الخلايا، مما يمنح الكريما الرغوية ما يسمى «مظهر جلد النمر».
تتمثل النتيجة النهائية في حدوث منظومة غَرَوَانِيّة colloidal عديدة الأطوار، تكون فيها جزيئات الماء مرتبطة بفقاعات الغاز المنتشرة وقطيرات الزيت والشدف الصلبة، وكلها لا تتجاوز الخمسة ميكرونات حجما. إن الصفة الغروانية لهذه المنظومة تمنح الشراب قواما غليظا ولزوجة عالية وتوترا سطحيا منخفضا. وهكذا فإن الإسپريسو عند تناولها تطلي ألسنتنا بشكل واضح، وتستمر في إطلاق المواد العطرية المتطايرة الذائبة في الزيوت المُسْتحلَبة مادامت عالقة باللسان. إن هذه الحاملات الزيتية للنكهة والشذا تؤدي إلى استمرار إحساسنا بالطعم اللذيذ والرائحة الفواحة للإسپريسو الجيدة لمدة تصل إلى 20 دقيقة بعد احتسائنا إياها. ولحسن الحظ فإن شارب الإسپريسو لا يحتاج إلى معرفة شيء عن الكيمياء المعقدة للقهوة كي يستمتع بها.
--------------------------------------------------------------------------------
المؤلف:
Ernesto Illy
رئيس الشركة illycaffè، وهو مشروع تجاري عائلي مقره في تريستا بإيطاليا، كان والده قد أسسه عام 1933. حصل المؤلف على الدكتوراه في الكيمياء، وأكمل دراسة متقدمة(2) في البيولوجيا الجزيئية. ومن أهدافه تسخير العلم للتوصل إلى فنجان إسپريسو كامل الأوصاف بحق. ويتناول الإسپريسو هذه ما يزيد على مليوني فرد كل يوم في إيطاليا وحدها.
انتهى.
و لكم جزيل الشكر....

'>