إلى من يهمه الأمر
الأخوة أعضاء المنتديات العلمية الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البدء أعتذر عن غيبتي الطويلة عنكم، ليس زهداً بكم ولا بالمنتديات العلمية ولكنه الشغل والانشغال والترحال، وبمعنى أشمل إنها الحياة...!
وإني إذ أعود اليكم اليوم فلأني أحمل إلى الأخوة المهتمين بتعليم الرياضيات بشكل خاص وبالعلوم الأخرى بشكل عام فكرة أعتقد أنها مفيدة جداً وأنها ستعود بالنفع إن شاء الله على معظم العاملين في حقل التدريس من مدرسي المدارس الإعدادية والثانوية وكذلك الجامعات، وبمعنى آخر على مجتمعاتنا العربية ككل.
الفكرة باختصار هي إنشاء مراكز خاصة بالتأمل والتفكير والإبداع في كل مايخص المواد التعليمية وخصوصاً مواد الرياضيات التعليمية . ولكي لاتُترك الأمور للارتجال أو العشوائية يمكن ربط هذه المراكز ببعض مراكز البحث الجامعية الفرنسية، وأخص منها بالذكر: معاهد أبحاث تدريس الرياضيات والتي تكون عادة مرتبطة بالجامعات الفرنسية الكبرى.
بدايات هذه المعاهد وعلى المستوى العالمي كانت في الستينات من القرن الماضي وفي فرنسا حصرياً، حيث تم تأسيس أول ثلاثة معاهد في كل من باريس وليون وستراسبورغ الفرنسية، ثم بدأت بعد ذلك تعم معظم المدن الفرنسية الكبرى، ثم تبنت هذه الفكرة بعض الدول الغربية ودول أمريكا الجنوبية بالتعاون مع المعاهد الفرنسية.
تهدف هذه المعاهد إلى تجميع مدرسي الرياضيات من كل المستويات المدرسية العامة والصناعية والمهنية إضافة إلى المستوى الجامعي وذلك من أجل إنجاز أبحاث مشتركة بقصد تطوير تعليم الرياضيات، ويقوم المعهد بعد ذلك بوضع هذه الأبحاث ضمن قوالب تربوية وتعليمية ليتم نشرها على شكل مقالات علمية أو كتب مدرسية إضافة إلى الدوريات والوسائل السمعية والبصرية، كما تقوم هذه المعاهد بدورات تدريبية مستمرة لمدرسي الرياضيات.
أبحاث ونشاطات معاهد الـIREM*
كان الهدف من تأسيس هذه المعاهد هو تلبية الحاجة لإدخال الرياضيات الحديثة في التعليم الثانوي، ثم بعد ذلك أخذت الاهتمامات تتطور في هذه المعاهد بشكل طبيعي لتشمل مواضيع متعددة بحيث أصبحت حالياً مناطاً للبحث العلمي الجاد والحثيث، وهي تهدف إجمالاً إلى:
ـ إعطاء معنى للرياضيات
على الرغم من أن الرياضيات كانت ولم تزل حاضرة في الحياة الاجتماعية والمهنية إلاّ أنها تبقى صعبة التدريس، لذا فإنها تثير في كثير من الأحيان عدم الاكتراث بها مما يؤدي إلى عدم التفاعل الذهني معها بل وإلى رفضها كلياً.
من هنا تأتي الحاجة إلى عمل جاد وهام من أجل مساعدة طلاب المدارس أو الجامعات في تكوين المعنى الكامن وراء المسائل أو الإشكاليات الرياضية المطروحة، وهذا هو بالضبط صميم عمل هذه المعاهد. يتم حالياً إعداد استراتيجيات تربوية وتعليمية خاصة فيما يتعلق ببناء المعرفة وإخضاعها للتجربة، لذا فإنه تجري الآن دراسات حول الهندسة الإنشائية والإحصاء وكذلك الرياضيات الحياتية (ذات العلاقة بالاستهلاك)، إضافة إلى الموضوعات الهندسية ذات الصلة بالتراث المعماري ومواضيع أخرى.
ـ إعطاء منظور تاريخي لتدريس الرياضيات
من أجل هذا الهدف، يتم وضع عدة نصوص تاريخية قديمة يصعب الحصول عليها من أجل الدراسة وتقديم مقترحات تفيد في إضفاء بعد تاريخي وابستومولوجي على تدريس الرياضيات وتساعد إلى حد كبير على إدراك بعض المفاهيم الرياضية الصعبة.
ـ نشر الرياضيات خارج نطاق المدرسة
تحاول هذه المعاهد استثمار مختلف المناسبات العلمية، خارج النطاق المدرسي وذلك
بقصد التعريف بالرياضيات وتحسين صورتها لدى العامة .
ـ إنشاء حوافز أخرى من خلال ألعاب رياضية أو مسابقات (رالي) للرياضيات
غالباً ما تتيح الألعاب الرياضية للطالب استخدام الوسائل الرياضية بطرق مختلفة عن تلك التي يلجأ إليها عادة للإجابة عن سؤال أو لحل مسألة رياضية، كما أنها تشد انتباهه وتجعله أكثر تركيزاً، إضافة إلى تشجيعه على احترام قواعد اللعبة واللاعبين الآخرين.
أما "الرالي" الرياضي فهو عبارة عن مسابقة أو مباراة بين مجموعات مختلفة من المتسابقين وذات نفس المستوى الدراسي، حيث يجتمعون في مكان تذكاري عريق أو صالة مشهورة أو من خلال الانترنت وذلك بقصد حل لغز رياضي. ولاشك أن مثل هذه المباريات تكون أكثر إثارة وتشويقاً من التدريس التقليدي سواء بالنسبة للطالب أو بالنسبة للمدرس. ويتم عادة ابتكار المسابقات والألعاب ضمن هذه المعاهد.
ـ البحث عن دور للمعلوماتيات
عمدت شبكة معاهد الأبحاث الفرنسية ومنذ بداية السبعينات من القرن الماضي إلى تطوير وبحث استخدام المعلوماتية في النشاطات التعليمية، وتوجد حالياً وسائل معلوماتية متعددة ومستخدمة في تدريس الرياضيات مثل: الآلات الحاسبة العلمية، برامج للحساب التجريدي وكذلك للهندسة الديناميكية...إلخ. ولكن كيف يمكن استخدام كل هذه الوسائل من أجل مساعدة الطالب في إثراء عالمه الذهني وإعطاء معنى لكل ما يتعلمه وتحفيزه على التفكير؟ وكيف يمكن مساعدة المدرسين على الحفاظ على استقلاليتهم وسط تلك الوسائل وسوق التكنولوجيا؟ هذا ما تعمل عليه هذه المعاهد ومنذ زمن طويل وذلك من خلال إعداد مدرسين قادرين على التعامل مع كل هذه الوسائل الحديثة وتسخيرها في تطوير تدريس الرياضيات.
أود الإشارة إلى أن العمل في هذه المعاهد مبني على الرغبة والتطوع وعلى السماح للكثير من المدرسين بعرض أفكارهم وإنتاجهم البحثي وكذلك تبادل الخبرات والمعارف.
أعتقد أن السؤال الذي يتبادر إلى أذهانكم الآن هو: كيف يمكن تفعيل أو تأسيس مثل هذه المعاهد في بلادنا العربية ؟
في البداية لابد من وجود الرغبة أولاً، ثم وبعد ذلك محاولة تكوين قناعة عند ذوي الشأن، خاصة عند بعض المدرسين ومدرسي الجامعات أو عمدائها، بحيث يتم تخصيص صالة ملحقة بالجامعة. في حال تمت القناعة والموافقة فبإمكانكم إعلامي بذلك وأنا بدوري سأكون ممثلاً لأحد معاهد البحث الفرنسية المذكورة آنفاً والموجود في مدينة كان بمقاطعة نورماندي السفلى ولديّ تفويض من الجامعة والمعهد كليهما، ويمكنني أن أتي إلى الجامعة المهتمة بهذا الشأن لتوقيع اتفاق التعاون والذي بموجبه يتم تبادل الخبرات والمعلومات والزيارات.
طبعاً اختياري للمنتديات العلمية لايعني انحصار هذا الأمر بها وإنما لظني أنه يمكن أن تكون إحدى القنوات الفاعلة وربما الأسرع بعيداً عن المعاملات الرسمية والروتين الذي ابتُليت به وبكل أسف معظم مؤسساتنا الرسمية!
بانتظار تفاعل الأخوة ذوي الشأن أرجو أن تتقبلوا مني أخلص التحيات
أخوكم / أبو عمر
IREM* (Institut de recherche sur l’enseignement des mathématiques)