7 - ( البُعد الرابع ) :
يوصف الفضاء في الفيزياء ( الكلاسيكية ) بأنه ذو ثلاثة أبعاد , و تحدد الحوادث وُفقها , فيمثل لكل حادثة تقع في هذا الفضاء بثلاثة إحداثيات متعامدة ( كإحدى زوايا جداري غرفة مع الأرض ) أحدها للطول والثاني للعرض والثالث للارتفاع , ويبقى الزمن في هذا الفضاء ينساب على وتيرة واحدة ولا يؤثر في ترتيب وقوع الحوادث بالنسبة لجميع الراصدين , والحوادث التي تقع في وقت واحد بالنسبة لجملة عطالية ما , هي كذلك بالنسبة لجميع الراصدين في كافة الجمل العطالية .
وأما في نسبية أينشتاين , فإن الفضاء فيها ذو أربعة أبعاد , ثلاثة – للمكان – وواحد للزمان , وهي تتشكل معاً في نسيج واحد يسمى ( الزمان – المكان , أو الزمكان ) وتمثل الحوادث فيها بأربعة إحداثيات متعامدة , ولكن تعامدها لا يمكن رسمه , بل لا يمكن تخيله ( وكأني به من الممكن عقلاً , والمستحيل تخيلاً ! ) والزمن فيها متغير كتغير طول الإحداثي الذي يمثل جهة الحركة .
ولما كان البعد الرابع يستحيل تصوره , فإن أينشتاين وجميع من أتى بعده , يحاولون تقريب صورة ذلك إلى الأذهان من خلال التمثيل بأجسام أو مخلوقات ببعدين فقط , ثم مناقشة كيف ترصد هذه الكائناتُ كائناتٍ بثلاثة أبعاد , ثم إسقاط ذلك علينا – نحن البشر - على اعتبار أننا مخلوقات بثلاثة أبعاد , لإثبات أن حالنا مع البعد الرابع , كحال الكائنات التي ببعدين مع الكائنات التي بثلاثة أبعاد .
والسؤالان المنطقيان ههنا :
1 – لما كنا – نحن البشر – مخلوقات بثلاثة أبعاد , وكنا مركبين من لَبِناتٍ قد رُكِّب منها جميع الأجسام في هذا الكون دون استثناء ( وهي مما في أحشاء الذرات ) فما هو المقتضي لوجود بُعد رابع ؟
2 - هل من الممكن عقلاً وجود كائنات أو جسيمات ببعدين فقط ؟
فهل الصور المتحركة ( أفلام الكرتون ) والظلال والموجة الكهرطيسية والنقطة .... , هل من الممكن أن يكون شيء من ذلك ونحوه ببعدين فقط ؟
يقرر أهل النظر أنه يستحيل عقلاً وجود شيء في هذا الكون , مهما تخيلنا ضآلته , لا يشغل حيزاً بثلاثة أبعاد , طول وعرض و ارتفاع ( سماكة ) .
وبناء على ذلك ؛ فكيف يصح إثبات المستحيل تصوراً بالمستحيل عقلاً ؟
8 – ( تكافؤ العطالة والثقالة ) :
بقليل من البحث والتمحيص يتضح لنا : أن أينشتاين يطرح مفهوم ( التكافؤ بين العطالة و الثقالة ) من خلال محورين اثنين ؛
أحدهما : تكافؤ الكتلة العاطلة مع الكتلة الثقيلة .
والثاني : تكافؤ الجاذبية مع التسارع .
وبالرغم من أن كلاً من هذين المحورين قد يفضي إلى الآخر بصورة أو بأخرى , بيد أن التدقيق في كل منهما على حدة , يُظهر لنا تناقضات تحتاج إلى حل .
1 - فقد حاول أينشتاين إقرار صحة المحور الأول ( تكافؤ الكتلة العاطلة مع الكتلة الثقيلة ) من خلال التجربة ( الفكرية ) التالية :
نتخيل لفيفاً من العلماء في مصعد لإحدى ناطحات السحاب , مغلق الجوانب بحيث لا يمكنهم مشاهدة ما يجري خارج نطاق هذا المصعد , ولنفرض أن المصعد انفلت من حباله وتحرك دون قيد .
يعلل أحد العلماء الموجودين داخل هذا المصعد بقوله : يا رفاق ! إننا مُقبلون على كارثة ! فقد انقطعت حبال المصعد ونحن الآن نسقط سقوطاً حراً بتسارع منتظم يساوي تسارع الجاذبية الأرضية .. ويُخرج من جيبه قطعة نقود فيتركها وشأنها , فلا تسقط إلى أرض المصعد , بل تبقى معلقة في الفضاء ويمكنه أن يستردها متى يشاء و يتابع قوله : ألا ترون إننا والمصعد وقطعة النقود نسقط جميعاً بتسارع ثابت , يساوي تسارع الجاذبية الأرضية ..
ويجيبه أحد رفاقه : لا ! لا تجزع أيها الزميل .. فقد غدر بنا رفاقنا ووضعونا في صاروخ فضائي وأطلقوا الصاروخ في الفضاء الرحيب , ونمر الآن في مرحلة انعدام الجاذبية , وما تلاحظه من بقاء قطعة النقود ساكنة بدلالة المصعد , لا يعدو عن كونه ناتجاً عن انعدام الجاذبية في هذا المكان , وإذا قذفت قطعة النقود في اتجاه معين فإنك سوف تراها ترسم مستقيماً بحركة منتظمة , واقفز إن أردت عن أرض المصعد فسوف ترى نفسك تطفو بكل يسر نحو السقف بسرعة تساوي الجهد المبذول.. (( وبمختصر القول : إن قوانين الميكانيك صالحة هنا وهي تنسجم مع مبدأ العطالة ))
ولا يمكن للعلماء مجتمعين أن يفضلوا رأياً على الآخر , فكلاهما محق فيما يدعيه .
فأحدهما يعلل سقوط المصعد ومَن فيه بفعل الكتلة الثقيلة لكلٍ منهم ..
والآخر يعلل بقاءهم جميعاً على نمط متساوٍ بفعل الكتلة العاطلة لكلٍ منهم ..
2 - وقد عمل أينشتاين على إقرار صحة المحور الثاني ( تكافؤ الجاذبية مع التسارع ) من خلال التجربة ( الفكرية ) التالية :
نتصور العلماء كأنهم مازالوا في مصعدهم ذاك , وإنما نُقل هذا المصعد فعلاً هذه المرة إلى رقعة من الكون معزولة عزلاً تاماً عن المؤثرات المادية الخارجية , وربُطت حبالٌ بسقف المصعد , وشُد هذا الأخير بقوة ثابتة إلى الأعلى ينشأ عنها تسارع ثابت , وفُرض هنا أيضاً أن العلماء داخل المصعد لا يعلمون حقيقة وضعهم , وهم يقومون بإجراء تجارب فيزيائية , فيلاحظون أولاً أن أقدامهم تضغط بثبات على أرض المصعد ..
ويُخرج أحدهم قطعة نقود من جيبه فيتركها وشأنها فيراها تسقط نحو أرض المصعد بتسارع منتظم , ثم يرمي قطعة النقود في اتجاه أفقي موازٍ لأرض المصعد فيجدها ترسم قطعاً مكافئاً ... وتدله تجارب متعددة يجريها في المصعد على حقيقة أساسية , فيصرح بها قائلاً : إن المصعد ومَن فيه , في ظروف عادية تماماً , فهو ساكن على سطح الأرض , وتؤثر عليه الأرض بجاذبيتها ..
ويتصدى له أحد زملائه قائلاً : كلا أيها الزميل ! لسنا كما تزعم في مصعد ساكن على سطح الأرض , بل نحن في مصعد بعيد عن كل تأثير جاذب , وتؤثر على مصعدنا قوة خارقة انتزعته من الجاذبية الأرضية , فوضعته في بقعة من الكون خالية من المادة , و تابعت هذه القوة فعلها محركة إياه بحركة مستقيمة متسارعة بانتظام , تسارعها يساوي شدة الثقالة على أرضنا , فنحن والمصعد وجميع ما فيه نشترك بهذه الحركة , وبمجرد أن تترك قطعة النقود من يدك تزول عنها القوة المسرعة لعدم بقاء الاتصال بينها وبين المصعد الذي تؤثر فيه تلك القوة , فهي ( بحسب قانون العطالة ) تقوم بحركة مستقيمة منتظمة سرعتها تساوي سرعة المصعد ومَن فيه في اللحظة التي تركت فيها يدك القطعة , هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى : تتابع أرضُ المصعد حركتها المتسارعة , فهي تقترب تدريجياً من قطعة النقود لتلحق بها بعد فترة من الزمن ..
فهناك حركة نسبية بين قطعة النقود وأرض المصعد , فأنت تنظر إلى هذه الحركة النسبية معتقداً أن قطعة النقود هي المتحركة نحو الأسفل وأرض المصعد ساكنة . بينما أنظر إليها أنا معتقداً أن قطعة النقود تتحرك نحو الأعلى بحركة مستقيمة منتظمة , وتتحرك أرض المصعد نحو الأعلى أيضاً بحركة متسارعة بانتظام , سرعتها الابتدائية تساوي سرعة قطعة النقود .. فالحركة النسبية واحدة لكلينا , أنت تعللها بقوة جاذبية الأرض لقطعة النقود ( الكتلة الثقيلة ) , وأعللها أنا بالحركة المتسارعة للمصعد ( أي : بالكتلة العاطلة لقطعة النقود ) ..
ولا يمكن للعلماء مجتمعين الاعتراض على أي من الرأيين , فكلاهما محق فيما يدعيه ..
مما نستنتجه من نتائج هاتين التجربتين أن أينشتاين أراد أن يقول :
أولاً : لا يمكننا تحديد حالة الجسم , من خلال تجارب فيزيائية تجري عليه , هل هو يسقط سقوطاً حراً ؟ أم هو ساكن ؟ .
ثانياً : لا يمكننا تحديد حالة الجسم , من خلال تجارب فيزيائية تجري عليه , هل هو يعاني من الجاذبية ؟ أم من تسارع منتظم ؟
الذي يبدو لي أن في الاستنتاجين نظر ..
1 – في الاستنتاج الأول ؛ لو افترضنا أن المسافة بين جُدران هذا المصعد ( 100 أو 200 أو 500 متر أو أكثر ) وأن أحد العلماء كان واقفاً عند أحد الجدران , ولو أنه أخرج من جيبه ( ريشة طائر ) وتركها من يده , لبقيت الريشة في مكانها الذي تركها فيه ويمكنه استردادها متى يشاء , لأنه وإياها والجميع يسقطون سقوطاً حراً . ولو أنه دفعها , بقوة صغيرة جداً , باتجاه الجدار المقابل له لسارت الريشة بسرعة مستقيمة منتظمة بالنسبة للمصعد ومَن فيه ؛ ولكن هل ستصل الريشة إلى الجدار المقابل ؟ أم ستتوقف عن مسيرها بعد مسافة ما من انطلاقها ؟
في الإجابة نقول :
إن القوة التي أثرت على الريشة في حركتها الأفقية – بين الجدارين – كانت ( نقفة ) أو دفعة صغيرة , ثم أزيلت , في حين أن سقوط الريشة الحر , ينشأ عن قوة ملازمة في دفعها للريشة , بل وتزداد شدتها باطراد , وبناء على ذلك ؛ فإن القوة الملازمة والتي تزداد شدتها باطراد سوف تتغلب على تلك القوة الصغيرة الضعيفة وتمنعها من الاستمرار , أي : ستوقفها .
وكذلك الأمر لو أراد أحد العلماء أن يمزح مع زميله ودفعه بقوة صغيرة باتجاه الجدار المقابل , فإن العالِم المدفوع لن يصل إلى الجدار المقابل .
وبذلك يمكننا تحديد , أن هذا المصعد يعاني من سقوط حر , وليس هو ساكناً في بقعة خالية من المادة , لأنه لو كان في بقعة خالية من المادة , لاستمرت الريشة والعالِم بحركتيهما المستقيمة المنتظمة إلى الجدار المقابل , ولو لم يكن هناك جدار لاستمرت حركتيهما إلى الأبد .
2 – وفي الاستنتاج الثاني ؛ لو افترضنا أن أحد العلماء مربوط في سقف المصعد وبيده مجموعة من كرات متجانسة , وأنه يترك من يده كرة في كل دقيقة من زمن المصعد .
فلو كان المصعد ساكناً على الأرض بفعل جاذبيتها , لكانت الفترة الفاصلة بين وصول أية كرة والتي تليها إلى أرض المصعد , هي دقيقة واحدة أيضاً , لأن الكرات متجانسة والمسافة ثابتة وتسارع الجاذبية ثابت .
وأما لو كان المصعد يتسارع في بقعة خالية من المادة , وكان العالِم يترك من يده كرة في كل دقيقة من زمن المصعد , لكانت الفترة الفاصلة بين وصول أية كرة والتي تليها إلى أرض المصعد , أقل من دقيقة , و لكانت تلك الفترة تتناقص تدريجياً ابتداء من الكرة الثانية , مادام المصعد في تسارع , وذلك لأن الكرات متجانسة والمسافة بين أرض المصعد وسقفه ثابتة , ولكن التسارع في تزايد مستمر , أي : إن أرض المصعد يزداد تسارعها باستمرار , وكلما ازداد تسارعها كان وصولها إلى الكرة العاطلة الملقاة في البقعة الخالية من المادة – في فضاء المصعد – أسرع .
وبهذا يمكننا تحديد حالة المصعد , ويمكننا أن نجزم بأنه في حالة تسارع , وليس هو ثابت على الأرض بفعل الجاذبية .
9 – ( بعض النتائج التجريبية التي تستدل بها النسبية على صحة فرضياتها ) :
1 – تعجيل سرعة الجسيمات :
لقد عُجلت سرعة الإلكترون – وهو ذو كتلة موجبة - حتى بلغت ( 0.9999999 ) من سرعة الضوء , وقيست عندها كتلته فوُجدت مساوية ( 900 ) مرة كتلته الأصلية , وقيل إن هذا موافق لما جاءت به النسبية من ازدياد الكتلة .
ومن التساؤلات المشروعة ههنا : هل أصبحت كتلة هذا الإلكترون مقتربة من اللانهائية ؟ أي : مقتربة من مجموع كتل كافة الكواكب والنجوم والمجرات في الكون المرصود ؟ أم اللانهائية في نظرية النسبية , هي نسبية أيضاً ؟
ولو تخيلنا أن العلماء استطاعوا تحويل كتل الكواكب والنجوم والمجرات كاملة إلى طاقة ( بحسب القانون الشهير : الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء ) أفلا تستطع هذا الطاقة الناتجة أن تُعجِّل سرعة هذا الإلكترون ليصل إلى سرعة الضوء فضلاً عن تجاوزها ؟
وهل أصبحت كتلة الإلكترون المحبوس في المختبر , الذي لم يتعرض إلى التعجيل , هل أصبحت كتلته بالنسبة للإلكترون المعجل أكبر ( 900 ) مرة من كتلة الإلكترون المعجل الذي يتحرك بدلالته ؟
2 - التحليق بالمؤقتات :
في عام 1971م قام العلماء بتجربة حول نسبية الزمان , فتم وضع أربع ساعات ذرية مصنوعة من السيزيوم على طائرات تجارية نفاثة تقوم برحلات زمنية منتظمة حول العالم ( في اتجاهات شرقية وغربية للفصل بين الآثار المترتبة على سرعات الساعات وبين الآثار الناجمة عن المجال الجاذبي الأرضي ) ووضعت الأزمنة التي سجلتها تلك الساعات موضع المقارنة مع الأزمنة التي سجلتها ساعات مرجعية ثابتة في مرصد البحرية الأمريكية , ووجد أن الزمن المسجل على الطائرات أبطأ منه على الأرض بفارق ضئيل يتفق مع قوانين النسبية الخاصة في حدود خطأ تجريبي مقداره حوالي 10% .
وفي عام 1976 وضعت ساعة هيدروجينية في صاروخ وصل إلى ارتفاع 10000 كيلومتر عن سطح الأرض , حيث أصبحت الساعة على الصاروخ في مجال جذبي أضعف منه على سطح الأرض , وقورنت إشارات الساعة على الصاروخ بالساعات على الأرض , فوجد أن الساعة على الأرض أبطأ منها على الصاروخ بنحو ( 4.5 جزء من عشرة آلاف مليون من الثانية ) وهو ما يتفق مع تنبؤات النسبية العامة بدقة عالية . وهذه القياسات تثبت – كما قيل - مفهوم ( تمدد الزمن ) , الذي يُعد أهم تنبؤات نظرية النسبية ؛ فالتجربة الأولى تثبت أن ( الزمن يتمدد ) كلما ازدادت سرعة الجسم , أما التجربة الثانية فتثبت أن ( الزمن يتمدد ) إذا تعرض الجسم لمجال جاذبي قوي .
إن من أظهر ما يُسجل على نتائج هذه التجارب ونحوها ( كحركة الميزونات وتعجيل الإلكترون والبروتون ... ) أنها تحدث للمتحرك فعلاً فقط , ولم يُسجَّل شيء من تلك التغييرات على المراجع التي تتحرك تلك الساعات - والجسيمات – بدلالتها .
وبهذا يتضح ؛ أن هذه التغييرات تحدث فعلاً , للمتحرك فعلاً فقط , وهذا ما يناقض جوهر مفهوم النسبية الذي ينص على أن ما يسجله ( أ ) عن ( ب ) هو عين ما يسجله ( ب ) عن ( أ ) ( أي : على وجوب التكافؤ بين الراصدين ) .
10 - ( تجربة مايكلسون و مورلي ) :
من المعلوم أن نتائج التجربة الشهيرة التي أجراها ( مايكلسون ) عام 1881م , والتي أعادها نفسها ( مايكلسون ومورلي ) بعد تحسين الأجهزة المستخدمة فيها عام 1887 م , لإثبات وجود الأثير عملياً , أتت على خلاف ما أُنشئت من أجله , فهزت هذه النتائج الأوساط العلمية وزعزعت التعاليم القائمة آنذاك , ولم تفلح الآراء التي قدمت لتعليل هذه النتائج ويُركن إليها طيلة عشرين سنة تقريباً , إلى أن جاء أينشتاين بالنسبية الخاصة عام 1905 م , حيث افترض فيها عدم وجود ( الأثير ) وعدم احتياج ( الضوء ) إلى حامل , وأن سرعة الضوء ثابتة في الخلاء , فكان هذا الافتراضُ الدعامةَ المتينة لتثبيت ما زعزعته نتائج تلك التجربة من تعاليم .
وبتعليل نسبية أينشتاين لنتائج تجربة مايكلسون ومورلي مع الحفاظ على أسس العلوم القائمة بفرضياتها ونظرياتها , أصبحت تجربة مايكلسون و مورلي هي العمدة والأساس في الاستدلال على صحة نسبية أينشتاين وصحة ما جاء فيها .
تتلخص تجربة مايكلسون ومورلي لإثبات وجود الأثير ( الحامل للضوء ) بإجرائها على جهاز مثبت ( فوق الكرة الأرضية ) حيث الأرض تتحرك في الفضاء ( في بحر الأثير ) .
فلما كانت حركة الأرض لا تتأثر بالأثير , فإن الأثير ثابت بالنسبة للأرض وهي تتحرك بدلالته بسرعة30 كم /ثا , ولما كان الضوء يحتاج في حركته إلى الأثير , فهذا يعني أن حركة الضوء مستقلة عن حركة الأرض . وبناء عليه ؛ فلو تمكنا من اختبار حركتين متباينتين لحزمتين ضوئيتين , إحداهما توافق حركة الأرض بدلالة الأثير , والأخرى متعامدة معها , لاستطعنا تعيين وجود الأثير عملياً . هذا ما أراده مايكلسون من جهازه ( لقياس التداخل بين الحزمتين ) حيث يقوم الجهاز المثبت على الأرض بإرسال إشارتين ضوئيتين في وقت واحد عبر ذراعين متساويي المسافة ومتعامدين أفقياً , وترتدا معاً بواسطة المرايا العاكسة إلى موضع واحد , ثم يُنظر إلى زمن وصول الإشارتين , بعد رحلتهما ذهاباً وإياباً , فإن وصلت إحداهما ( المتعامدة مع حركة الأرض ) قبل الأخرى ( الموافقة لاتجاه حركة الأرض ) فهذا دليل عملي ظاهر على تأكيد وجود الأثير , لأن المسافة التي يقطعها ذهاباً وإياباً الشعاعُ المتحرك حركة متعامدة مع حركة الأرض بدلالة الأثير , تكون أقل من المسافة التي يقطعها ذهاباً وإياباً الشعاعُ المتحرك مع اتجاه حركة الأرض بدلالة الأثير . وقد كان الجهاز حساساً ودقيقاً جداً وقادراً على تسجيل تلك الفروقات في الوصول , ولكن نتائج التجربة التي سجلها هذا الجهاز والتي أجريت في أماكن وظروف وأوقات مختلفة , كانت جميعها على غير ما توقع العالمان من إجرائها , حيث كان الجهاز في كل مرة يسجل وصول الإشارتين معاً .
ومن الأفكار التي شاعت وقتئذٍ لتعليل نتائج تجربة مايكلسون ومورلي هذه الأربعة :
1 - أن الأرض ثابتة في الأثير وأن ما عداها في الكون يتحرك بالنسبة للأرض والأثير . وهذا يعني أننا لن نشعر على الأرض بأي ريح للأثير ، وبذلك يكون الاستدلال على وجود الأثير مستحيلاً .
و لكن هذا التفسير لم يؤخذ مأخذ الجد , لأن مفاده أن الأرض تشغل المكان الرئيس في الكون . في حين أن الأرض واحدة من عدة كواكب تدور حول الشمس , وهذا يكفي لهدم أي فكرة تؤدي إلى أن الأرض ككوكب تشغل مكاناً فريداً في الكون .
2 - أن الأرض تجر الأثير الملاصق لها معها ، و هذا أيضاً يجعل وجود ريح الأثير مستحيلاً .
ولكن هناك عقبتين لا يمكن التغلب عليهما في سبيل هذا التعليل ، إحداهما : أنه إذا كانت الأرض تجر الأثير معها , فإن الموجات الضوئية التي تصل بالقرب من الأرض ، يجرها أيضاً الأثير معه لأنها تنتقل عبره . و إذا حدث ذلك فإننا سنرى الضوء الصادر من نجم بعيد آتياً من نفس الاتجاه دائماً ، و لن يكون هناك وجود لظاهرة الزوغان التي اكتشفها برادلي . والعقبة الأخرى : تتعلق بمعامل فرنل للانسياق . حيث وجد أن بعض المواد تبدو كما لو كانت تجر الأثير فعلاً معها ولكن بقدر جزئي محدود . بمعنى ؛ أن الأثير يبدو كأنه يتابع هذه الأجسام بجزء من سرعتها فقط , و لكننا وفق نتائج هذه التجربة بحاجة إلى جعل الأثير يتابع الأرض بكامل سرعتها .
3 – أن سرعة الضوء ثابتة دائماً بالنسبة للمنبع الذي يصدر عنه ، و معنى ذلك أن الضوء ينتقل بسرعة 300 ألف كم في الثانية بالنسبة لجهاز قياس التداخل دون أي اعتبار لسرعة هذا الجهاز أو بطئه في تحركه مع الأرض خلال الأثير .
و نتيجة لذلك يجب أن تتغير سرعة الضوء بالنسبة للأثير ، و لا يمكن الاستدلال على وجود الأثير لأن كلا من الشعاعين سيكون له نفس السرعة بالنسبة لجهاز التداخل ، و أي سباق بين الشعاعين سينتهي حتماً بالتعادل .
و الاعتراض الرئيس الذي وُجه إلى هذا التعليل , هو أنه يتضمن أن سرعة الضوء يجب أن تتغير بالنسبة للأثير , و هذا عكس الفكرة السائدة عن حركة الموجات , التي تستدعي أن تكون سرعة الموجة ثابتة في الوسط الذي يحملها .
4 - وأما التعليل الذي حاز على أكبر درجة من القبول للنتيجة السلبية لتجربة مايكلسون ومورلي فكان لفتزجرالد . حيث اقترح فتزجرالد أن كل الأجسام تنكمش في اتجاه حركتها في الأثير . و قـد بنى فكرته هذه على التصور التالي : لما كانت الأجسام العادية تنبسط في الشكل عند اصطدامها بالأجسام الأخرى ، كما يحدث مثلاً عند اصطدام كرة من المطاط بالحائط ، فلماذا لا يكـون ممكناً أن الأجسام التي تتحرك في الأثير تعاني منه ضغطاً يجعلها تنكمش ؟
ولم يخل هذا التعليل من الاعتراضات عليه , ولكن البحث الذي نشره لورانتز عام 1892م لإنقاذ نظريته الإليكترونية بعد نتائج هذه التجربة , كان سنداً لهذا التعليل حتى سمي بانكماش ( فتزجرالد - لورانتز ) وفحوى هذا البحث : أن المادة مؤلفة من ذرات موجبة وسالبة , وهي عبارة عن كرات مشحونة , فإذا تحركت هذا الكرات تحول شكلها إلى مجسم قطع ناقص يكون محوره الصغير في اتجاه الحركة , وهذا ما حدث لذراع جهاز التداخل ( المؤلف من المادة ) الذي تحرك باتجاه حركة الأرض . وحصل على المعادلة التي تعطي مقدار الانكماش , وبينت المعادلة أنه كلما زادت سرعة ريح الأثير أو سرعة الأرض في الأثير زاد مقدار الانكماش الناتج في ذراع جهاز التداخل الموافق لاتجاه الحركة , في حين أن الأجسام التي تتحرك في اتجاه عمودي على اتجاه ريح الأثير لا تعاني أي انكماش على الإطلاق .
وبقي هذا التعليل بين أخذ ورد إلى أن جاء أينشتاين بالنسبية الخاصة , فأخذ بهذا التعليل بعد أن افترض ثبات سرعة الضوء وأن الأثير فرض لا مبرر لوجوده , فكان ذلك بمثابة البلسم الشافي لتعليل نتائج تجربة مايكلسون ومورلي مع الحفاظ على فرضيات العلوم القائمة آنئذٍ .
(( ومن الجدير ذكره عن هذه التعليلات أنها جميعها فكرية )) .
والسؤال المشروع ههنا : هل تعليل النسبية لنتائج تجربة مايكلسون ومورلي يبقى هو الأرجح بعد كل الذي تقدم ؟
الخاتمة :
في الإجابة على السؤال الأخير أختتم هذا البحث فأقول :
إذا تعذر إيجاد حلول بيِّنة قطعية على جميع ما تقدم من التناقضات الظاهرة ونحوها في نسبية أينشتاين , فإنه لا مناص من إعادة النظر في تعليل نتائج تجربة مايكلسون ومورلي , أو من البحث عن وسائل وطرق نختبر من خلاها تجربة مايكلسون ومورلي نفسها ونختبر انتشار الضوء .
ودونكم اثنتين من الوسائل المقترحة :
إحداهما : إعادة تجربة مايكلسون ومورلي على متن مركبة فضائية أو على متن طائرة , أو على متن مركبة تتحرك على الأرض حركة نضمن , بما لدينا من تقنيات متقدمة , أن تسجل لنا الفروقات في مسيرة الحزمتين الضوئيتين .
والوسيلة الأخرى : اختبار انتشار الضوء المرئي .
من الثابت أنه عندما نضع جرساً داخل أنبوب الاختبار , نسمع رنين الجرس بعد أن نغذيه بطاقة كهربائية ونضغط زر التشغيل . وأننا حين نفرغ الأنبوب من الهواء لا نسمع صوت الجرس رغم تغذيتنا إياه بالطاقة اللازمة وضغط زر التشغيل .
على نحو من ذلك ؛ نأتي بصندوق كبير بعض الشيء , ونضع في أحد جوانبه من الداخل منبعاً ضوئياً , ونضع في الجانب المقابل له , من الداخل أيضاً , خلية إليكترونية تتحسس فقط بالضوء المرئي , بحيث تعمل عند تعرضها للضوء كزر التشغيل المضغوط ( إغلاق دارة ) لصفارة إنذار موضوعة خارج الصندوق , أي : عندما يصدر المنبع الضوئي ضوءاً تتحسسه الخلية الإليكترونية , فتغلق الدارة الكهربائية , فينطلق صوت صفارة الإنذار مدوياً .
فلو أننا فرَّغنا هذا الصندوق من الألوان , بمعنى آخر : لو أننا جعلنا جميع الصندوق من الداخل بلون أسود قاتم , و أحكمنا إغلاقه , ثم جعلنا المنبع الضوئي يعمل , فهل ستتحسس الخلية الإليكترونية الضوءَ وتغلق الدارة وينطلق صوت صفارة الإنذار ؟
ولو أنه انطلق صوت صفارة الإنذار , فهل يكون الزمن الفاصل بين إصدار المنبع الضوئي للضوء وانطلاق صوت الصفارة , مساوياً للزمن الفاصل بينهما في الصندوق المصنوع من الداخل باللون الأبيض أو بأحد ألوان قوس قزح ؟
وبعدُ ؛ فلا أحسب أنه يستحيل علينا ابتكار وسائل وتجارب أخرى لاختبار نتائج تجربة مايكلسون ومورلي وانتشار الضوء المرئي , عندما يتعذر إيجاد حلول وإجابات قطعية جازمة لجميع التناقضات والتساؤلات المتقدمة ونحوها .
والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً وفي كل حين .
دمشق
محمد هشام عارف الأرناؤوط
=======================
لمناقشة محتوى البحث مع الكاتب في قسم الفيزياء اتبع الرابط التالي
http://olom.info/ib3/ikonboard.cgi?act=ST;f=1;t=29630