السلام عليكم
د. يوسف مروة: بسم الله الرحمن الرحيم، توفي (أينشتاين) قبل أن يتمكن من الإجابة على سؤالين هامين، الأول: لماذا خلق الله الكون؟ والثاني: كيف خلق الله الكون؟ ولو كان أينشتاين مسلماً لعرف الجواب على السؤال الأول، ففي القرآن الكريم عدة آيات تشير إلى أن الله خلق الكون أو خلق الناس لأجل العبادة، وخلق الحياة والموت، حتى يجرِّب الناس، فهذا يعني سبب، كما إنه هناك حديث قدسي يقول: "إنه الله خلق الكون حتى يُعرف إنه هناك خالق"، أما السؤال الثاني فقد أجاب عليه أينشتاين بطريقة غير مباشرة دون أن يعلم، وهو أنه عندما وجد العلاقة بين الطاقة والمادة والكتلة فاستطاع العلم بواسطة معادلة أينشتاين هذه أن يحوِّل الطاقة إلى.. أو أن يحوِّل المادة إلى طاقة، وبعد وفاة أينشتاين توصل العلم إلى معرفة كيف يحوِّل الطاقة إلى مادة، فإذن الله –سبحانه وتعالى- حسب النصوص القرآنية خلق الكون من النور، وهذا أيضاً يعني موجود في القرآن الكريم، والعلم أثبت ذلك.
نشأة يوسف مروة وتأثره بالأحداث والبيئة
المعلق: عبر نافذةٍ صغيرة في منزل والده المتواضع أطل بخياله وآماله نحو الحلم الكبير توقاً إلى العلم والاختراع، متأثراً بواحدٍ من عباقرة العرب المنسيين، فكان التأثر وقرار الفكرة في وجدانه وعقله على اقتفاء الأثر، وبثنائية العلم والدين كانت بداية الرحلة لفهم الوجود بما هو موجود، وبداية الخطى إلى ما قدِّر لها من ملامح واتجاه، متخذاً من المنهج الديني السبيل إلى فهم العلم وتطويع الطبيعة عبر فهمهما وصولاً إلى الحقائق الكبرى، ولأن المقاصد رهينة بالطلب في تحققها يخضع العلم دليلاً عندما تكون الغاية منه فهم واقع الخلق والمخلوق، هدفاً للوصول إلى عظمة الخالق.
د. يوسف مروة: تعلمت من المرحوم والدي حكمة تقول أن الأناني هو من يحدثك عن نفسه، وإن النمام هو من يحدثك عن الآخرين، واللبق من يحدثك عن نفسك، سأحاول أن أكون.. أن لا أكون أنانياً ولا نماماً، بل لبقاً. قضيت.. ولدت أولاً في النبطية في منزل متواضع عام 1934، وتربيت في بيتٍ تسوده السعادة البيتية والهناء والسرور، إلا أن طفولتي امتزجت بشيءٍ من السعادة وبشيءٍ من الألم، لأنني وُلدت في الفترة التي كان لبنان خاضعاً للانتداب الفرنسي ولم يكن يعني متحرراً أو مستقلاً.
في طفولتي تعلمت الكثير من الذين كانوا يزورون منزلنا ويتحاورون ويتكلمون في.. في شتى الأحاديث منها وما هو كان أحاديث فقهية دينية، ومنها ما كانت أحاديث وطنية وتاريخية، وتربوية، وعلمية أيضاً. كان يزور بيتنا الكثير من رجال الدين اللي هم ينتسبون إلى العائلة.. عائلة المروءة عائلة يعني معروفة في الجنوب كعائلة عريقة، وفي فترة من الفترات يمكن كان أكثر من 40 قرية رجال الدين فيها كلهم من آل مُروَّة كمبلغين وأئمة مساجدون، وغيرهم كانوا يزورونا دائماً يعني كل 10، 12 واحد دفعة واحدة، نقاشاتهم كنت دائماً أصغي إلها وأتعلم منها. كان بيتنا قريب من ضريح المرحوم كامل الصبَّاح، كنت كلما استيقظت ونظرت من خلال النافذة تطالعني قبة ضريح كامل الصباح، لذلك تأثرت كتير بكامل الصباح وبتراثه العلمي وغيره، وطبعاً الأحداث الأخرى اللي مرت أثناء طفولتي مثل مثلاً الحرب العالمية الثانية عندما دخل الجيش البريطاني التاسع إلى جنوب لبنان، وصار فيه معارك بينه وبين الجيش.. الجيش الفرنسي، واضطررنا للهرب.. لهجرة منازلنا لمدة 48 ساعة، هاي حادث كتير ارتسم بمخيلتي.
الحادث الثاني عندما اعتقلت الحكومة الفرنسية يعني وزراء ورئيس وزراء، ورئيس جمهورية لبنان بعدما يعني صار فيه المطالبة بالاستقلال وصوَّت البرلمان اللبناني الأول على الاستقلال، فعندما حدث هذا الشيء صار فيه مظاهرات صاخبة في كل لبنان، وخاصة عندنا في الجنوب في النبطية وكنت بعدي طالب يعني بالصف الرابع الابتدائي، فقمت أنا ومجموعة كبيرة من الشباب و.. ورفاقي في المدرسة بإنزال العلم الفرنسي وإحراقه، مما كان إله رد فعل خلال نص ساعة إجا سيل من.. يعني رتل من الدبابات والمصفحات الفرنسية، وأحاطت بالبلدة، مما اضطر كمان كل أهاليها ورجالتها إنهم يهربوا من.. من بيوتهم ويختبئوا في الأماكن في البساتين وغيرها، طبعاً صار فيه حملة اعتقالات كبيرة.
الحادثة الثالثة كمان بطفولتي هي وقت كنت عم بأقدم امتحان الشهادة الابتدائية نهار السبت في 15 أيار 1948 كان.. كانت الجيوش العربية كلها سوا عم تدخل فلسطين لتحريرها من العصابات الصهيونية، وفي ذلك اليوم بعد ما خلصنا الامتحانات ورحت على بيتنا كان منظر جميل جداً إنه الجنود اللي رايحين لتحرير فلسطين كانوا أنا.. نازلين من دباباتهم وعم يتلقوا من.. من والدي ومن شقيقاتي كؤوس اللمونادا والمرطبات، فكل ها الأحداث هاي الثلاثة تقريباً لعبت كتير دور في.. بحياتي يعني كألم يعني.. يعني يتألم من الوضع، وبنفس الوقت كان عندي أمل كبير، وآمال مش بس أمل، آمال كبيرة يعني بإنه بعد أن تستقل البلاد العربية يصير فيه نوع من الرفاهية والعدالة وسعادة المواطن، وإلى آخره، بس مع الأسف الشديد الصدمة الكبيرة إنه ما تحقق شيء من كل ها الآمال، قد تكون أحلامي الخاصة تحققت بس أمالي العامة لم تتحقق.
هجرته وتخصصه في علوم الفيزياء
المعلق: غادر لبنان بعد حصوله على الثانوية العامة، بادئاً رحلته في تحصيل العلم، انطلاقاً من لندن، والتي نال منها البكالوريوس في الفيزياء الهندسية، ثم إلى ألمانيا لينال منها الماجستير في علوم هندسة الطاقة، ثم غادرها إلى الولايات المتحدة للتحضير للدكتوراه في تخصصه الأشهر في الفيزياء الإشعاعية لتبدأ من هذه النقطة فيوضات إبداعاته العلمية بأبحاثٍ نظرية ودراسات تطبيقية في تقنية النظائر المشعة وفيزياء الانشطار، واستطاع الدكتور يوسف مروة وخلال 50 عاماً من العطاء العلمي المتواصل أن يتوِّج علمه بنظريات كانت وستبقى مدعاة فخرٍ لأمته، كان أهمها نظريته الفذة في مجال الوحدانية الكونية التماثلية العظمى، ودراسةٌ أعدها في العام 89 كشف من خلالها عن ظاهرةٍ نووية جديدة أطلق عليها اسم تفاعلات التلاؤم النووي، هذا بالإضافة إلى العديد من براءات الاختراع المسجلة باسمه في حقل الاختصاص والعديد من الإجازات العلمية الخاصة باستخدام التقنيات في الصناعات النووية.
د. يوسف مروة: بدأت سلوك طريق الدراسة والكتابة والبحث العلمي في الواقع منذ صيف 1951، يعني في السنة اللي أنهيت فيها دراستي الثانوية، وطبعاً استمرت للآن، في الفترة هاي الطويلة سنة 2001 احتفلت بمرور 50 سنة على كتابة أول دراسة علمية إلي كان عنوانها "المفهوم الذري عند الفينيقيين" طبعاً في تلك السنة أيضاً سجَّلت اختراع إلي في وزارة الاقتصاد السوري، والاختراع هاي كان بناءً على تجارب يعني قمت فيها أنا شخصياً اللي استطعت أن أثبت إنه الهواء يمكن أن يكون كمصدر للطاقة الحركية، الطاقة.. الطاقة الحركية، يعني إن ممكن نحرِّك شيء بواسطة ضغط الهواء، الفكرة كانت تقوم على أساس إنه الهواء يتألف من غازين الأوكسجين والأزوت، فإذا استطعنا أن نجري تفاعل كيميائي بين الأزوت والأوكسجين فنحصل على ثاني أكسيد الأزوت، ومع هذا التفاعل سيكون لدينا ينتج يعني كمية من الحرارة التي تكفي لتمهيد كميات أخرى من الهواء، وها التفاعل هاي استمراره يؤدي إلى خلق طاقة حركية ممكن أنها تحرِّك محرك يعني، تستطيع تستخدمه في السيارة أو في الطائرة، أو في شؤون أخرى، كانت البراءة اللي أخذتها حصلت عليها من وزارة الاقتصاد السورية عام 1951 تحمي الاختراع لمدة 15 سنة، هلا مرت الـ 15 سنة وما استطعت إني أستخدم يعني الاختراع هاي، وطبعاً هاجرت وسافرت ودرست وكذا، والاختراع يعني نسيت عنه يعني، فوجئت سنة الـ 2001 بأخبار منشورة بالصحف أو المجلات العلمية إنه ناسا توصلت إنها تسيِّر طائرة باستخدام الهواء بس كمصدر يعني للوقود وللحرارة وللضغط، وإلى آخره، هذا واحد من –بأعتقد- البدايات اللي قمت فيها يعني بين نشاطي العلمي كانت حصيلة الـ 50 سنة الماضية من حياتي العملية والفكرية أن حاضرت ونشرت وكتبت حوالي 600 دراسة وبحث ومحاضرة، ونشرت 16 كتاب، وهناك مجموعة كبيرة مما كتبت في طور الإعداد للنشر في بيروت حالياً، ويتولَّى نشرها أخي في بيروت الحاج كامل مروة، وأيضاً نشرت كمقالات وكلقاءات وكتقارير وكذا تبلغ حوالي 3 آلاف، في كل ها المجموعة من العطاء يعني ونتيجة ما قمت به من دراسات وبحوث كانت تردني الكثير من رسائل التقدير والإعجاب والتشجيع من المؤسسات والجامعات والمعاهد الغربية. مع الأسف الشديد لم أتلقَ أي شيء من بلدي مثلاً الحكومة اللبنانية أو غيرها. بالنهاية أنا مستمر في عملي يعني، وشعاري أو ما أتوق.. ما.. ما أصف به نفسي بأنني كنت وما أزال وسأبقى طالب علم، عملاً بالحكمة أو السنة النبوية الشريفة التي تقول: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد" و"طلب العلم فريضة على كل مسلمٍ ومسلمة".
إنجازاته واكتشافاته في مجال الفيزياء النووية
المعلق: ويبقى العلم بيادر حصادٍ عبر كل الفصول، وحتى عند حلول الخريف تكون العودة إلى السنابل التي خلَّفتها التجربة قراءةً لما بين سطورٍ حال دونها زحمة الأيام وإيثار أمانة العلم على متطلبات الذات، حنيناً يوشي بأطياف الشباب وخيالاته وآماله، وما وسع منها وما تسرب من بين الأصابع في زحمة الأيام تذكراً لمحطات سفرٍ وذكرياتٍ عن زمنٍ مفقودٍ يحيل برد الما حول دفئاً، وأنيساً يُبعد ظلمة الوحشة على بصيص نور ذكريات الطريق التي مهدت لخطى العلم سهل السبل، وأرخت للشيب قيمة عطاء التجربة.
د. يوسف مروة: بين عامي 1951 عام انتهاء دراستي الثانوية، وعام 1973 عام انتهاء دراساتي الجامعية كنت قد زرت 47 بلداً في العالم، منها ما زرته من أجل الدراسة، مثل إنجلترا وألمانيا والنمسا وإيطاليا والولايات المتحدة. ومنها ما زرته من أجل العمل مثل البحرين وسوريا والمغرب والجزائر. ومنها ما زرته للمشاركة ببعض الندوات واللقاءات والمؤتمرات العلمية مثل السودان وليبيا ومصر وإسبانيا والبرتغال وهولندا و.. وسواها، وأخيراً بعد هذه الزيارات حطَّ بيَّ الرحال والترحال في كندا، وفي كندا كانت أول ما عُرض عليَّ أو استطعت أن أحصل عليه وظيفة لإدارة مختبر للدراسات والفحوصات للمواد المعدنية النووية، وكان من شروط العمل في إدارة المختبر:
أولاً: أن أحصل بسرعة على كل الإجازات المطلوبة من وزارة الطاقة الفيدرالية.
اثنين: أن أطَّلع وأدرس كل الوثائق أو القوانين والتشريعات المتعلقة بضبط وتوثيق الصناعة النووية.
الشرط الثالث: كان أن أكون مسؤولاً عن كل التقارير والأعمال والاختبارات والفحوصات التي تجري في المختبر، سواءً أكان بقبول أو بالرفض المعلل.
وعندما بدأت العمل كان عليَّ.. كنت مسؤولاً بالفعل عن ضبط نوعية آلاف الأجهزة والتركيبات والمواد النووية. المؤسسة التي عملت لها طوال تقريباً 20 سنة من حياتي العملية كانت هي مؤسسة (هاودن كندا) اسمها، ومن المؤسف جداً إنه في هذا اللقاء لم نتمكن من الدخول إلى المحطة النووية بسبب أحداث 11 أيلول، منذ ذلك الحين يعني صدرت قرارات وقوانين جديدة صارمة تمنع حتى المواطنين العاديين من دخول المحطة.
أنا منذ تقاعدي عام 1993، يعني صار لي 10 سنوات متقاعد، إلا أنني مازلت يعني ناشطاً، وفاعلاً، وأعمل يعني كمستشار في مؤسستين في.. في المنطقة هون يعني، تختص كلٌ منهما بدراسة تأثير الإشعاع النووي على البيئة، فيعني نحن مسؤولين مثلاً عن.. أو نتلقى بالأحرى التقارير الواردة من وزارة البيئة ومن وزارة الصحة، ومن الوزارات الأخرى المختصة حول تأثير الإشعاع النووي على الهواء مثلاً الذي نتنشق على الماء الذي نشرب، على المواد الغذائية التي نتناول، ونناقش في اجتماعاتنا كل هذه التقارير، ونعطي وجهة نظرنا فيها. المؤسستين اللي ذكرتهما الأولى تسمى لجنة (جرهام) النووية الصحية، والمؤسسة الثانية هي (مجلس إيكارينج) النووي الاستشاري وفي هاتين المؤسستين لدينا لقاءات واجتماعات شهرية نعقدها في هذه المحطة وفي محطة أخرى، وها.. ها الاستمرارية يعني في نشاطي هي بتخلِّيني على قرب دائماً على اطلاع مستمر على ما يجري في مهنتي التي كنت أمارسها.
من موقع الجزيرة نت