Advanced Search

المحرر موضوع: أسـس مـنـهـج الإسـلام فـي تـوزيـع الـثـروة  (زيارة 913 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

ديسمبر 10, 2002, 01:49:07 مساءاً
زيارة 913 مرات

إداري

  • عضو مشارك

  • ***

  • 292
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
أسـس مـنـهـج الإسـلام فـي تـوزيـع الـثـروة
« في: ديسمبر 10, 2002, 01:49:07 مساءاً »
بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم


ذكرنا في القسم الأول من هذه الأبحاث، أنّ علم الإقتصاد علم حديث بمعنى الكلمة، وقد دُوّنت أصوله حديثاً وأصبحت على شكل أبحاث علمية. ومن هنا، فإننا عندما نتحدث عن منهج الإسلام في توزيع الثروة أو عن أي مبدأ إقتصادي إسلامي آخر، فإنما نقصد تلك النظرية المستنبطة من دراسة قوانين الإسلام الإلهية والأحكام الفقهية في أبواب المعاملات.


وبناءاً على هذا، فإننا في هذا البحث "توزيع الثروة المنتجة بين عناصر الإنتاج" سندرس أولاً القوانين والأحكام التي تمثل أصول هذه النظرية، ثم نتطرق الى بيان وتوضيح منهج الإسلام. (12)


الأصـل الأول ـ تـحـريم الـربـا

1‌ ـ مـا هـو الـربـا؟


هناك معنيان للربا في الفقه الإسلام: الربا في البيع، والربا في القرض. فعندما يكون التعامل بمادتين التبادل بهما عادة بالكيل والوزن، ويكون أحدهما حين التبادل أكثر من الآخر، تكون هذه المعاملة ربوية وباطلة، مثلاً: فلاح يرى ما عنده من الحنطة غير مناسبة للبذر فيبدلها بحنطة أخرى، فيبيع طناً ومئة كيلو مما لديه مقابل طن واحد من الأخرى. غير أننا هنا لا نريد أن نبحث هذا النوع من الربا. (13)


بل إنّ موضوع بحثنا الربا في القرض: وهو الفائدة الحاصلة بموجب اتفاق الإقراض، حيث يتعهد المقترض بأن يدفع بعد وقت محدد مبلغاً من المال أو شيئاً معيّناً، أو يقوم بعمل لصالح المقرض، فضلاً عن أداء أصل مبلغ القرض.


1‌ ـ لـمـاذا حُـرِّم الـربـا؟


تعتبر حرمة الربا الشديدة، وبطلان المعاملات الربوية، بأي شكل وبأي مقدار ولأي هـدف – إنتاجياً كان أم غير إنتاجي – من أكثر الأحكام وضوحاً في الفقه الإسلام. وفضلاً عن اتفاق فقهاء الإسلام، تصرّح بذلك الآيتان التاليتان، إضافة الى عشرات الآيات والروايات الدالة على الحرمة:


1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (البقرة: 278-279)


2- {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 275). (14)


3- وردت روايات معتبرة لا حصر لها في حرمة الربا مذكورة في أبواب عديدة من كتب الحديث والفقه.


ولا بد أن نعلم أنّ القرآن الكريم كافح قليلاً من الذنوب بهذه الشدة، حيث شاهدنا أنه اعتبر الربا بمنزلة حرب معلنة ضد الله والرسول، فيما اعتبرت الأحاديث الشريفة الربا سبباً للفساد والظلم وضياع الأموال وهلاك الأمم ومنع أعمال الخير والإحسان ودأب الناس على الذنب وردعهم عن الفعاليات التجارية والإنتاجية، حتى أنّ بعض الروايات عدّت أكل درهم واحد من الربا أعظم عشرات المرات من الزنا، وقد هدد حديث معتبر صراحة بأنّ ظهور الربا في أمة ما سيكون سبباً لهلاكها. (15)


الأصـل الثـاني ـ صحـة المضاربـة والمزارعـة والمساقـاة :

1 - الـتـعـريـف:


المضاربة في الفقه عبارة عن اتحاد عاملَي العمل ورأس المال إتحاداً مباشراً، فصاحب رأس المال يضع ماله تحت تصرف العامل الخبير (العنصر المضارب) ليتاجر به طبق اتفاق خاص، ويكون شريكاً في الأرباح بنسبة معيّنة حسب الإتفاق.


أما المزارعة والمساقاة فتعتبران صوراً خاصة من هذه المعاملة، فالمزارع يعمل برأسمال وأرض غيره فيكون شريكاً في المحصول، أو يسقي أرض غيره أو يعمل في بستانه، فيكون شريكاً في الثمار. (16)


2 - دلـيـل الـصـحـة:


1- تصح المعاملات التي كانت شائعة وجارية منذ القدم، ثم استمرت في زمن الرسول الأكرم والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) بعلمهم وإشرافهم ولم يمنع الإسلام المسلمين عنها، وتكون نافذة، حيث يعتبر سكوتهم عنها بمنزلة الإقرار والرضى.


وكانت المضاربة والمزارعة والمساقاة ضمن هذا النوع من المعاملات، لذلك فهي صحيحة ومعتبرة.


2- تعتبر الروايات الكثيرة المذكورة في أبواب المضاربة والمزارعة والمساقاة في كتب الفقه والحديث، والتي تبيّن أصول وأحكام هذه الإتفاقيات، أفضل دليل على صحة هذه المعاملات الثلاث.


ج) الأحكام الخاصة بالمضاربة والمزارعة والمساقاة:


1- يجب تقسيم الربح الحاصل من هذه المعاملات بين صاحب رأس المال والعامل حسب الإتفاق.


2- في حال الخسارة لا يتحمل العامل شيئاً، بل يتحملها صاحب رأس المال وحده. (17)


3- لو انتهك العامل الشروط الواردة في الإتفاق فإنه يتحمل الخسارة الناجمة. (18)


4- إذا جعل صاحب رأس المال، العامل مسؤولاً عن الخسارة طبقاً للإتفاق، فليس لصاحب رأس المال نصيب في الربح، حسب رواية محمد بن قيس. (19)


5- في اتفاق المزارعة لا يمكن مطلقاً تخصيص حصة للبقر والبذر أو سائر أدوات الإنتاج، بل يجب توزيع الربح بين العامل وصاحب رأس المال فقط. (20)


6- لا يستطيع المضارب (العامل) أن يمنح اتفاقه لعامل آخر بمبلغ أقل ويحصل هو على ربح من دون عمل. (21)


الأصـل الـثـالـث: الإجـارة والـعـمـالـة صـحـيـحـة : (22)

1 - الـتـعـريــف:


إجارة البيت والدكان والسيارة وأمثالها هي من المعاملات الشائعة المعروفة (23). فقد يضع إنسان نشاطه البدني أو الفكري في تصرف شخص آخر لمدة معيّنة بموجب اتفاق، وتعتبر هذه المعاملة، التي تسمى "الإيجار" أو "العمالة"، صحيحة ونافذة.


2 - دلـيـل صـحـة الإجـارة:


1- الأصل العام لصحة هذه المعاملات الشائعة هو الأصل نفسه الذي قيل بخصوص المضاربة.


2- الآيات التي أشارت الى الإجارة، والروايات المعتبرة الكثيرة التي وردت في بيان أحكام إجارة البيت والدكان والأرض والدواب، جعلت صحة هذه المعاملة من بديهيات الفقه الإسلام.


ج) أحكام الإجارة والعمالة وما ينتج عنها:


1- العمالة بشكل عام أمر مكروه، ولا تحبّذها شريعة الإسلام. (24)


2- يجب دفع أجرة العامل بأسرع ما يمكن، ويعتبر غصب حق العامل من أكبر الذنوب وسبباً لغضب الله. (25)


3- وردت تعاليم كثيرة بشأن الرفق والمحبة مع العمال. (26)


4- لا يكون المستأجر ضامناً لأي شيء من مادة الإجارة إلاّ أن يقصّر في المحافظة عليها، أو أن يستفيد منها أكثر من الحد المعمول المتعارف (التعدي والتفريط). (27)


الأصـل الـرابـع ـ أصـل سـيـادة الإرادة أو أصـالـة الـصـحـة :

1 - مـا هـو أصـل سـيـادة الإرادة؟


يعبّر الفقه الإسلامي عن هذا الأصل، الذي اعتبروه من مفاخر القوانين المعاصرة بـ"أصالة الصحة"، وهو ذو سابقة تاريخية طويلة. (28)


ومن معاني أصل سيادة الإرادة التي نبحثها هنا هو : يحق للإنسان أن يعقد حسب إرادته ورغبته اتفاقية مع الآخرين، سواء كانت هذه الإتفاقية متداولة وشائعة أو كانت من ابتكاره، وسواء كانت متعارفة إبان التشريع الإسلامي أو لم تكن. وهكذا، تكون المعاملة التي يبتكرها طرفان، صحيحة وإن لم تكن من المعاملات المتداولة والشائعة، علماً أنّ الشرط الأساس لهذه الصلاحيات هو ألاّ تكون هذه المعاملة مشمولة بأحد عناوين البطلان والحرمة كالربا والمجهولية والبيع والشراء من دون عدّ أو كيل أو وزن.


2 - دلـيـل أصـل سـيـادة الإرادة:


لقد طرح هذا الموضوع في كتب الفقه منذ زمن طويل، وجرى التحقيق بشأنه ودراسته بشكل تفصيلي. وما نطرحه هنا يمثل آراء عدد من كبار الفقهاء المتأخرين التي يرجحها المؤلف على غيرها من الآراء:


1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29).


ومن الواضح أنّ الإتفاقية ذات الصيغة التجارية أو التي تمت برضى الطرفين تكون مشمولة بالآية الشريفة وصحيحة، سواء كانت متداولة أو مبتدعة.


2- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1)، سواء كانت هذه العقود جديدة أو غير جديدة. وبديهي أنّ العقود الباطلة مستثناة من هذه الآية.


الأصـل الـخـامـس ـ الإقتصـاد علـى أسـاس العقيـدة والأخـلاق :

1 - الـتـعـريــف:


إنّ الدراسة والتأمل في القوانين الإسلامية المالية والتجارية والإقتصادية، يوضح جيداً أنّ الإسلام لم يحصر هدفه في رفع مستوى الحياة المادية للإنسان، وتحسين وضعه من حيث المأكل والملبس والمسكن وسائر أبعاد الراحة، بل اهتم أيضاً – بموازاة ذلك وأكثر منه – بالتكامل الروحي والفضائل الأخلاقية للإنسان.


ومن هنا، أخذت الأحكام الفقهية والمعاملات وكل القوانين الإسلامية هذا الأساس بنظر الإعتبار (29). فلا بد أن نأخذ نحن أيضاً هذا الأمر بنظر الإعتبار بشكل كامل.


2 - دلـيـل هـذا الأصـل:


1- ثمة آيات كثيرة عدّت الحياة الدنيا والمال زينة وجمالاً، وكان هدفها التربية والإمتحان، أو بالأحرى كسب الأعمال الصالحة، وهي خير دليل على هذا الإدعاء. (30)


2- الروايات التي لا حصر لها التي وردت في كتب الحديث والفقه، نكتفي بذكر عدة أنواع منها:


عن رسول الله (ص) أنه قال: نعم الغنى ما أعان على التقوى. (31)


قال رسول الله (ص): "لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال، يكفّ به وجهه، ويقي به دينه، ويصل به رحمه". (32)


كما وردت تأكيدات شديدة على تعلّم المسائل الشرعية للتجارة قبل الإشتغال بها. وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: "كان أمير المؤمنين (ع) عندكم بالكوفة يغتدي كل يوم بكرة من القصر فيطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً، ومعه الدرة على عاتقه، وكان لها طرفان وكانت تسمى السبتية، فيقف على أهل كل سوق فينادي: يا معشر التجار اتقوا الله. فإذا سمعوا صوته ألقَوا ما بأيديهم وارعوا إليه بقلوبهم، وسمعوا بآذانهم، فيقول: قدّموا الإستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهَوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثَوا في الأرض مفسدين، فيطوف في جميع أسواق الكوفة، ثم يرجع فيقعد للناس. (33)
إن الذين يحاولون طعن العمل الوحدوي العربي من أساسه مستدلين بخلافات الانظمة العربية، هؤلاء أصحاب نظرة سطحية للواقع الفعلي لامتنا العربية