Advanced Search

المحرر موضوع: البيئة.. قربان على مذبح الحرب  (زيارة 1160 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

نوفمبر 03, 2003, 06:38:00 مساءاً
زيارة 1160 مرات

التواق للمعرفة

  • عضو خبير

  • *****

  • 2342
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
البيئة.. قربان على مذبح الحرب
« في: نوفمبر 03, 2003, 06:38:00 مساءاً »
البيئة.. قربان على مذبح الحرب
 
أول ما يسقط في الحروب.. وآخر ما يلتفت له من ضحاياها.. تنتظر في العراق طعنة جديدة قد تودي بحياتها في الخليج العربي كله؛ فالتأثيرات البيئية للحرب الدائرة الآن في العراق ستشمل كل مكونات البيئة من التربة والهواء والمياه وحتى طبقة الأوزون.. احتراق آبار البترول بكل ما تحويه من مئات المركبات السامة هو فقط أول الغيث.

فستتسبب تلك المركبات المتصاعدة مع الاحتراق في تسميم الهواء بعدد من الغازات مثل أكسيد الكبريت والنيتروجين وكميات كبيرة من المعادن والمواد مثل النيكل والهيدروكيدات. ويأتي كنتيجة مباشرة لذلك سقوط الأمطار الحمضية والمشبعة بتلك المواد السامة، التي بدورها ستؤثر على المزروعات والحيوانات والمياه الجوفية. ومن المتوقع أن تصل السحب المحملة بتلك المواد السامة حتى مناطق شرق أوروبا وعدد من دول شرق آسيا، إضافة إلى الدول المجاورة للعراق.

فقد امتدت تلك الأمطار في حرب الخليج الثانية (1991) إلى حوالي 1900 متر حول منطقة الاحتراق، حسبما أفاد التقرير الذي نشرته اللجنة القومية لحماية وتنمية الحياة البرية بالرياض عام 1993؛ حيث قامت القوات العسكرية العراقية حينها بإحراق ما يزيد عن 750 بئرًا بترولية في الكويت.

وللبيئة البحرية في منطقة الخليج العربي تجربة مُرة مع الحروب، يخشى أن تتكرر فتؤدي هذه المرة إلى فنائها؛ فقد تعرضت المنطقة إلى تسرب كميات ضخمة من النفط الخام من حقل النيروز الإيراني بعد أن تم قصفه خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.

كما أن الخليج نفسه تعرض لتأثير بيئي كارثي نتج عن قيام الجيش العراقي باتباع إستراتيجية الإبادة البيئية عن طريق الضخ المتعمد للنفط الثقيل في البحر عن طريق ميناء الأحمدي في الكويت خلال حرب الخليج الثانية؛ وهو ما تكونت عنه بقعة نفطية بلغ طولها حوالي 60 ميلاً، وقدرت كمية النفط الطافية في ذلك الوقت بـ11 مليون برميل؛ الأمر الذي شكل خطرًا حقيقيًا؛ إذ وصلت تأثيراتها المباشرة على سواحل مدن خليجية تبعد 400 كم من ميناء الأحمدي.

أما التأثيرات غير المباشرة فقد شملت مياه الخليج بأَسره، إضافة إلى تأثيرها بالطبع على الأحياء البحرية والطيور التي تزيد عن 52 فصيلة من طيور وسلاحف وأسماك، إضافة إلى الشُّعب المرجانية.

ولم تقتصر معاناة تلك الكائنات على النفط.. بل تعدته لتعاني معاناة ضخمة من السفن والقطع البحرية وخاصة حاملات الطائرات، التي تعمل بالوقود النووي، وتنتج مخلفات نووية وكيماوية تعمل على تلويث المياه؛ وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على الكائنات البحرية ومنها إلى الإنسان، كما أن تلك المخلفات ينتج عنها تلوث حراري يؤدي لنفوق الأسماك وقذفها إلى الشاطئ، ويعتبر هذه النوع أخطر أنواع التلوث.. كل هذا التلوث برغم وجود اتفاقية ماربول 1973 التي تعتبر الخليج العربي من البحار الخاصة المشدد على تحريم تلويثها؛ كونه شبه مغلق.

ويأتي التركيز على مواجهة المخاطر المحتملة التي تتعرض لها البيئة البحرية في الخليج بسبب اعتماد الدولة المطلة عليه على مياه البحر كمصدر رئيسي للشرب من خلال تحليتها في ظل الشح الذي تعانيه المياه الجوفية وانعدام وجود الأنهار.

فالخليج العربي -الذي يعتبر الممر المائي الذي تسلكه السفن التجارية لتزويد دول المنطقة بأغلب احتياجاتها الغذائية- قد يصبح من الأماكن الأكثر خطرًا في حال تلوثه ببقع النفط الخام أو بالمواد التي تصنع منها أسلحة الدمار الشامل؛ وهو ما قد يمنع الملاحة البحرية فيه، ويتم بالتالي انقطاع وصول الغذاء لمنطقة تعتمد بشكل كلي على استيراد حاجاتها الغذائية.

ولن يسلم الأوزون من نتائج الحرب؛ فيتوقع الخبراء أن تؤثر الحرب على اتساع ثقب الأوزون نتيجة استخدام القوات الغازية للصواريخ بكثافة، التي يتم إطلاقها من ارتفاعات شاهقة تصل إلى ما بين 28-30كم وباندفاع شديد، إضافة إلى سرعة الطائرات المقاتلة وخاصة من نوع إف17، وإف 16، وب 52؛ حيث يحدث في هذه الحالات خلخلة في طبقات الجو؛ وهو ما يُعرف باختراق جدار الصوت وتصادم الغازات؛ فتنتج درجة حرارة مرتفعة للغاية، ويحدث ما يسمى بالموجات التصادمية، وهو ما يؤثر على معدل تحويل غاز الأوزون إلى أوكسجين، فيعمل على إتلاف طبقة الأوزون، وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الأرض.

كما يتسبب سير مئات الآلاف من الآليات العسكرية في المساحات الشاسعة من الصحراء سواء على الأراضي العراقية أو الأراضي المجاورة.. في التأثيرعلى تماسك الطبقة العليا من سطح التربة؛ وهو ما يفككها نتيجة التحركات الكثيفة فيسهل تحرك الرمال مع أي رياح، ويساعد على انتشار العواصف الرملية.
 وتعود قضية اليورانيوم لتُطرح من جديد، خاصة بعد أن أعلنت الآلية العسكرية الأمريكية أنه لا يمكنها الاستغناء عن القذائف المغلفة باليورانيوم المنضب في حربها الجديدة على العراق. ذلك رغم أن قضية إصابة مئات الجنود الأمريكيين والبريطانيين الذين شاركوا بحرب الخليج الثانية بما يسمى بأعراض حرب الخليج لا تزال قيد الفحص في مراكز البحث العلمي والمحاكم؛ حيث تنسب معظم تلك الأعراض إلى غبار اليورانيوم المنضب الناتج عن انفجار القذائف. هذا بالتأكيد بخلاف المعدلات المرتفعة التي سجلتها حالات الإصابة بسرطان الأطفال التي وصلت إلى 9 أضعاف الأرقام السابقة لعام 1991.

واليورانيوم المنضب هو أحد نظائر اليورانيوم 238، وهو بقايا اليورانيوم المشع الفعال المستخدم كوقود نووي أو في صناعة الأسلحة النووية، ولأنه من الفضلات فإن سعره بخس جدًّا، ويستخدم في تغليف مقدمة القذائف الخارقة للدروع أو في تقوية صفائح الدبابات كدبابات أبرامس  Abrams Tanks، وفي صناعات مدنية أخرى كمادة لحفظ التوازن في السفن والطائرات؛ حيث يتميز بثقل وزنه الهائل الذي يزيد على وزن الرصاص، وبالتالي فهو يعطي للقذائف قوة اختراق عالية.

وتفيد التقارير المتعددة أن الحلفاء استخدموا حوالي ثلاثمائة طن من اليورانيوم المنضب في عاصفة الصحراء استهدفت غالبيتها العظمى الدبابات العراقية في صحراء الكويت، وقد أوصى تقرير صدر عن الأمم المتحدة في أوائل عام 2001 عن اليورانيوم الناضب بضرورة تطهير مناطق القصف من أي طلقات، والتخلص منها بشكل سليم، بالإضافة إلى تطهير التربة المحيطة. كما يوصي بعمل اختبارات دورية لجميع مناطق القصف؛ لاكتشاف المناطق الملوثة باليورانيوم من أجل إغلاقها كلما أمكن ذلك إلى حين الانتهاء من تطهيرها. ويشير التقرير إلى خطورة لعب الأطفال حول مناطق القصف بسبب خطورة وضع الأطفال المتكرر أيديهم الملوثة بالأتربة في أفواههم؛ وهو ما يضاعف من احتمالات التسمم.

من المنتظر أن تتضاعف أعداد القذائف المغلفة باليورانيوم الساقطة على العراق في الحرب الدائرة الآن.. فمن سيمنع الأطفال من اللهو حولها حتى تطهر الأمم المتحدة التربة؟!