Advanced Search

المحرر موضوع: nice story :)  (زيارة 1893 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

يوليو 14, 2001, 04:32:18 مساءاً
زيارة 1893 مرات

cazanova

  • عضو مبتدى

  • *

  • 72
    مشاركة

    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://
nice story :)
« في: يوليو 14, 2001, 04:32:18 مساءاً »
ان الحديث عن مرض النوم يعني الحديث عن ذبابة تسي تسي .. عن الناجانا .. عن ديفيد بروس .. عن طفيل التريبانوسوما .. و يستحيل الحديث باختصار او بحياد لانه موضوع ممض طويل ..

ان مرض النوم واحد من الكوابيس التي اختارت القارة السوداء البريئة لتعيش فيها ، هذا قدر الافارقة .. مساحات شاسعة من بلادهم بسط عليها عمى الانهار سيطرته ، و مساحات شاسعة غرس فيها مرض النوم عصاه .. البلهارسيا تعلن هيمنتها على وادي النيل .. و بقاع هائلة تقتلها الملاريا و ال ( كالا ازار ) ..

لكني سأتحدث هنا عن مرض النوم بالذات ..

في البداية كان الافارقة يجهلون سببه ، و كذا كانت الارساليات و الحملات الاستعمارية .. ان المريض تعس الحظ يدنو من الانهار في الكونغو او جامبيا او اوغندا .. و بعد بضعة أيام يعاني من الصداع و الحمى و تتورم بعض الغدد الليمفاوية في عنقه ، ثم يبدأ مسيرة النهاية .. النهاية البطيئة جدا التي قد تقضي عامين حتى تكتمل الصورة الكابوسية ..

ان وجه المريض يتخذ صورة غبية حزينة غير معبرة .. سلوكه الاجتماعي يتدهور باستمرار و يصير عصبيا سخيفا احمق ، و لو لم يضع الأطباء مرض النوم مرض النوم في حسبانهم – في المناطق الموبوءة – فمن الوارد ان ينتهي المريض في مستشفى الامراض العقلية ..

لكن المعاناة لم تنته بعد .. ان كل هذا يعد ضربا من المزاح بالنسبة الى مرحلة تدهور الجهاز العصبي .. تبدأ الرجفة .. يبدأ النوم في كل لحظة و كل حين .. ان النوم في اثناء الاكل يعتبر من علامات التشخيص الجيدة ، و كثيرون من هؤلاء يموتون جوعا ما لم يعتن الأهل باطعامهم قسراً ..
الآن تبدأ مرحلة الغيبوبة النهائية . .النوم النهائي الأبدي الذي يتصل بالموت في موضع ما ..

و لقد استطاع العلماء ان يميزوا ضربين من داء النوم : النوع السائد في جامبيا و هو ما وصفناه بالضبط .. و النوع السائد في روديسيا و هو أقل اعتيادا على الجهاز العصبي للانسان .. لهذا يهاجم القلب بشراسة أكثر و قسوة اكثر .. ان المريض به اكثر حظا لأنه يموت بهبوط القلب قبل ان يمر بذلك التدهور القاسي في وعيه و ذكائه ..

كان هذا الداء الوبيل يفرض سيطرته على افريقيا .. جاعلا مساحات هائلة من ارضها الخصبة ارض ( لا انسان ) كما يقولون .. كان رجال القبائل يموتون ، و المبشرون يموتون ، و جنرالات القوات الاستعمارية يموتون .. و ما كان احد يعرف كنه ما يحدث ..

حتى جاء ديفيد بروس ..

        *******************************
يا له من رجل ديفيد بروس !

بروس جراح الجيش البريطاني العصبي المتمرد ، الذي يرفض الالتزام بالنظام ، و يستجلب غضب رؤسائه ..
بروس الذي لم يحاول ان يخلق بينه و بين رجال القبائل ، مما اثار حنق ذوي العقلية الاستعمارية ..
كان بروس لا يبالي بالحرب .. كل ما يعنيه هو رغبته في مطاردة الميكروبات عبر احراش افريقيا ، و في البداية ارسله الجيش مع زوجته عام 1894 الى ( مالطة ) , كي يدرس تلك الحمى العجيبة التي تهشم عظام الجنود هناك ن و تبلل أسرتهم بالعرق ليلا .. لم يستغرق وقتا طويلا حتى يجد الباكتيريا المسببة لحمى مالطة و كانت نصيحته لقادة الجيش : لا تعيشوا مع املاعز و الابقار في مكان واحد .. اغلوا اللبن جيدا قبل شربه مع تهشمي قشرته في اثناء الغليان ، و فيما بعد خلدوا اسمه بأن اطلقوا على الباكتيريا التي اكتشفها اسم ( بروسللا )

كانت هذه محطة ترانزيت توقف عندها في طريقه الى الناتال في افريقيا .. ثم انطلق الى أرض الزولو ليستقر مع زوجته في ابومو ..

كان هناك مرض عجيب اسمه ناجانا – معناها المكتئب بلغة الزولو – يصيب الخيول ، و كان الجواد التعس يصاب باكتئاب شديد ثم يكف بصره و يموت .. لقد جعلت الناجانا اكثر اراضي الزولو مناطق محرمة على الجنود ..

اجرى بروس تجاربه على الخيول ، و استنزف كثيرا من دمها في اثناء المرض ليفحصه تحت المجهر مع زوجته الباسلة .. اخيرا استطاع ان يرى الطفيل اللعين يسبح – كشيطان – بوساطة غشاء رقيق، و حركته تختلف عن حركة الباكتيريا الحمقاء الخرقاء ..كانت حركة وغد يعرف جيدا ما يفعله ، و اين يوجه ضربته التالية .. يلتف حول كرة الدم في رشاقة ثم يتراجع و يضربها ضربة موفقة بارعة .. و يكرر ذلك مرارا ثم يواصل رحلته ..

-" لقد وجدت التريبانوسوما ! هذا هو ما يسبب مرض الناجانا ! "

و في الحيوانات المحتضرة كان يشعر ان دمها ليس كرات حمراء تحوي تريبانوسوما ، بل العكس ! و لكم اقشعر جلده من مشهد كهذا ..
و بدأ بروس البحث عن الطريقة التي ينتقل بها الطفيل من حيوان لآخر .. كان الوطنيون يتحدثون عن ذبابة اسمها تسي تسي ، و قد قرر أن يصدقهم، و قام بتشريح الذبابة ليجد الطفيل بداخلها ..

-" ان ذبابة تسي تسي هي ما ينقل الناجانا .. تخلصوا من الذبابة لتنجو من الوباء .. "

و قد كان ..

و هكذا حين بدأت اوغندا تعاني من ازدياد مروع في حالات مرض النوم ، لم يجد رجال الجيش الا الطبيب المشاكس كي يدعوه لمعرفة سبب هذا المرض ..و انتقل ( بروس ) مع زوجته الى اوغندا .. و كان معه طبيب شاب يدعى نابارو و مهندس يدعى جبسون يجيد كل شيء من انشاء الجسور الى اصلاح اجهزة المجهر ..

في دم المرضى وجد بروس الطفيل ذاته .. تريبانوسوما .. لقد كان سبب الناجانا في الناتال و هو هنا يسبب مرض النوم .. وجده في دم المرضى و في السائل النخاعي الشوكي الذي استخلصه من ظهورهم ..

-" اذن لابد من القضاء على ذبابة تسي تسي في اوغندا "

قال له الحاكم الاوغندي الاسطوري ابوللو كاجوا :

-" كل هذا جميل .. المشكلة انه لا توجد تسي تسي في اوغندا ! "

اذن هناك خطأ ما .. لابد من تسي تسي .. و لكن أين ؟

كانت ناك ذبابة تعيش في اوغندا جوار الانهار حيث ظل الاشجار ، و حيث ترتفع الرطوبة ، و كان الوطنيون يدعونها ( كيفو ) .. و الواقع ان كيفو في اوغندا هي نفسها تسي تسي في الناتال .. و لقد بدأ بروس مشورعا ضخما بالاتفاق مع الحاكم ابوللو كاجوا .. علّق خارطة اوغندا على الحائط ، و راح يتلقى المراسلات من كل جهات البلاد .. مراسلات تتعلق بحالات مرض النوم الجديدة ، و مراسلات تتعلق بالعثور على ذبابة كيفو هذه ..
كلما وصله خبر عن حالة جديدة كان يغرس دبوسا اسود على الخارطة ، و كلما وجد الاهالي ذبابة كيفو غرس دبوسا احمر .. هكذا صارت الخارطة تحدد بوضوح ان الدبابيس السوداء و الحمراء لها توزيع واحد ..

و في الوقت ذاته كان يتلقى بالبريد عينات من الذباب من كل مكان في اوغندا ، فكان يشرّحها و يفحصها بعناية .. الحق انه كان عملا جبارا لا تقدر عليه سوى منظمة دولية في عالم اليوم ، و الاهم ان المواطنين السود تعاونوا معه بنظام و دقة و تحضر يستحيل ان نجدهما لدى مجتمع من البيض ، و لعل جزءاً كبيرا من هذا يعود الى ادراكهم لخطورة المرض و حزم الحاكم ابوللو ..

و في النهاية و بعد جهد مضن وقف بروس امام القواد البريطانيين و حكام البلاد السود و قال :

-" ان ذبابة تسي تسي او ( كيفو ) هي المسؤولة عن نقل الوباء في البلاد .. يجب ابعاد الأهالي عن مناطق الانهار .. يجب تحريم الصيد .. يجب قطع الاشجار على مسافة عشرين مترا على جانبي الانهار ، كي تفقد الذبابة الظل الذي تحتاج اليه للتكاثر ، و بعد عام عندما يكون المصابون بالمرض قد ماتوا يمكن العودة للانهار ثانية.. سيكون مرض النوم قد انتهى و لن تنقل الذبابة شيئاً .. "

و بدأ تنفيذ الخظة بحماس شديد ، و بالفعل – بعد عامين – بدا ان المرض قد تلقى ضربات موجعة حاسمة .. و بدأ ينحسر ..
فجأة بدأت التقارير تتوالى عن ظهور الوباء من جديد .. لم يفهم بروس شيئاً .. انها الطبيعة الخبيثة المراوغة تلعب العابها غير المفهومة من جديد .. حمل عتاده و عاد الى اوغندا ثانية ..

توجد صورة فوتوغرافية نادرة تظهره جالسا على الأرض ، وسط دائرة من الوطنيين الاوغنديين عراة الجذع .. ثمة دائرة تحيط بدائرة .. و على كل وطني يجذ الذبابة على ظهر الجالس امامه ان يقتلها ، ثم تنتقل الذبابة الى بروس الجالس في المركز ليجز عنقها و يضعها على شريحة .. لقد لدغه الذباب كثيرا لكنه لم يصب بشيء ، و هو شيء لم يفهمه قط ..

و في النهاية عرف بروس قصة الوباء كاملة .. المرض يبدأ بالانسان المريض الذي تلدغه الذبابة .. الذبابة تطير و تلدغ انسانا سليما ليصاب بالمرض . لكن الذبابة كذلك قد تلدغ وعلا .. و من ثم يصاب الوعل بالمرض و يلعب دور المستودع الاحتياطي للعدوى .
و هكذا قد يتوارى الوباء عدة اعوام ،  و يموت المرضى ،  و لا تظهر حالات جديدة  .. ثم فجأة .. هوب ! ينقل الذباب العدوى من المستودع – الوعل – الى البشر من جديد ..

و هكذا تظل سياسة برس في مكافحة الداء فعالة ، لكنها تحتاج كما نرى الى ابادة الذباب ، و ربما الوعول كذلك ..

حقا لقد كان ديفيد بروس رجلا من طراز نادر ..

==========================
د. احمد خالد توفيق


لقد كان تعلم المشي اصعب من هذا بكثير ، لكنك مشيت برغم كل شيء .